تأليف : رايدر هاجارد
-----------------------
إعداد : د. نبيل فاروق
-----------------------
الملخص
------------
رائعة الأديب البريطاني رايدر هاجارد
التي يقفز فيها عبر عالم الخيال إلى
بلاد غامضة مجهولة وسط أدغال
أفريقي ليواجه مع أبطاله الأهوال و
الأحداث المثيرة في سبيل بلوغ تلك
الكنوز الأسطورية.. كنوز الملك سليمان
------------------------
الفصل الأول : المعبود
------------------------
قصتي في الواقع عجيبة وغريبة، حتى أنني
اتساءل ، وأنا اخطها إليكم ، عما إذا كانت قابلة
للتصديق أم لا، فهی - على الرغم من حدوثها -
تبدو أقرب إلى روايات الأساطير ، وخيالات الأدباء )
بكل ما تزخر به من أحداث مثيرة ، ومواقف
مدهشة رهيبة ، وبكل ما تحمله إلى مستمعيها
و قرائها من روائح الشرق ، وغموض الأدغال
والبراري
ثم أنني لست بالبطل الأسطوري المقدام ، الذي
يمكن أن تحاك حوله كل هذه المغامرات والأحداث ،
فلقد ولدت في ( كمبرلاند )، من أب مزارع، اختار
لنفسه زوجة من إحدى مقاطعات ( ویلز )، مما
أورثنی حب الانتقال والأسفار ، وملأ عروقی بدماء
المغامرة والمجازفة
------------
ولا تجعل هذه المقدمة تبهرك ، او تحبس انفاسك )
أو تدفعك إلى رسم صورة خيالية لى، ابدو فيها
ممشوق القوام ، مفتول العضلات ، وسیم الملامح ،
فأنا على العكس - هزيل نحيل ، لى وجه يشبه
وجه الجدي الأبيض ، إلى حد دفع المصريين إلى أن
يطلقوا علي اسم ( الجدي الأبيض ) بالفعل ، عندما
قضيت فترة أسيرا في سجونهم ، بأمر خليفتهم
ثم إن عمري الآن يناهز الخامسة والستين
------------
ولكن دعونا نعود إلى قصتي ۰
إنني طبيب من الطراز القديم ، الذي لم يكن يعتمد
على طرق العلاج الحديثة، ولم اكد ابلغ سن الشباب
حتى رحت أغذي رغبتي في الانتقال ، بالسفر إلى
الشرق والغرب ، حتى استقر بي المقام في (القاهرة) ،
مع حلول عيد ميلادي الأربعين ، وفيها رحت أمارس
مهنتي ، وتصورت أنني سأكتفي بممارستها حتى
آخر يوم من عمری ، لولا أن التقيت بمستر (هیجز) ،
عالم الآثار الشهير
ولهذا اللقاء قصة ..
------------
لقد دعيت يوما لتوقيع الكشف الطبي عليه ،
عندما أصيب بمرض التيفوئيد ، وعلمت أنه واحد
من أشهر علماء الآثار في العالم ، وانه يتحدث ما يقرب
من خمس عشرة لغة ، كما يمكنه قراءة اللغة
الهيروغليفية بنفس البساطة التي يقرأ بها ( جريدة
التايمز )، وأنه قد أنفق آخر قرش يمتلكه على بحوثه
في علم الآثار والتنقيب ، فلم أتردد في معالجته مجانا ،
إلى أن شفي تماما ، وقامت بيننا صداقة وثيقة .
خاصة وانه كان في الثالثة والثلاثين من عمره، أي
أن الفارق السني بیننا لم يكن كبيرا
وفي ( القاهرة ) ربطني الحب والزواج بفتاة
قبطية ، من إحدى أسر الصعيد ، وسليلة للفراعنة
الأمجاد ، ونعمت معها بسعادة لا مثيل لها ، على
الرغم من احتفاظها بطابعها الشرقي ، و أنجبت لي
ابنا واحدا ، ثم أصابها الطاعون اللعين ، فقضت
نحبها ، وتركت لي الطفل ، الذي ابت الأقدار أن
تترك لي لمحة من الحياة معه ، وأصرت على أن تملأ
كأس حزنی حتی حافته ، فاختطف رجال ( المهدی )
ابني ، وحطموا ما تبقى من نفسي تحطيما
وبعدها سارت بي الحياة على نهج ثابت ، ووتيرة
حزينة، إلى أن فكرت يوما في زيارة وطنی ،
فسافرت إلى ( لندن )، واتجهت من فوری لزيارة
مستر (هیجز)، وهناك قادتني خادمته إلى حجرة
مکتبه ، حيث وجدت نفسي بين اكداس من
التحف
والمخطوطات والبرديات الفرعونية ، وصناديق
احتشدت ببقايا مومياوات واجزاء بشرية محنطة ،
ولم یکند ( هيجز ) نفسه يصل ، حتى بدا لي شبيها
بتلك الأشياء ، وهو يرتدي معطفا أبيض اللون ، اتسخ كثيرا بأتربة وغبار العمل ، وقد وخط الشيب
فوديه ، وبدا وكأنما قد تسلل إلى عينيه الباهتتين ،
وهتف وهو يصافحني في حرارة :
يا للمفاجأة !.. (ريتشارد آدمز ) بشحمه
ولحمه !!.. اهو انت حقا ؟
ابتسمت وانا اصافحه قائلا :
- يلوح لي أن كلمة شحمه هذه تحمل الكثير
من المبالغة یا صدیقی ، والواقع أنني أردت مفاجأتك ،
فأخبرت خادمتك أنني مجرد صديق ، ولم أذكر
لها اسمی
هتف :
- مرحبا بك في أية لحظة يا صديقي .. دعني
اقدم لك صديقي الكابتن ( اورم) .
صافحت الشاب الذي قدمه لى ، وهو وسیم ممشوق القوام ، عريض المنكبين ، الملامح ، هادیء
الطباع، يبدو في الخامسة والعشرين تقريبا ،
و ( هيجز ) پستطرد في حماس :
( أورم) هو أحد نوابغ اللغة العربية وعلم
الآثار المصرية ، ولقد تطوع في الجيش إبان حرب
( البوير)، وأصيب ثلاث مرات
تبادلت كلمات المجاملة مع ( أورم )، وانهمك ثلاثتنا في أحاديث طويلة ، استعدنا خلالها بعض
الذكريات ، أنا و(هيجز )، وتناولنا بعض الطعام
والشراب ، ثم اشعل ( هیجز ) غليونه ، واسترخی
في مجلسه ، وهو يسألني في اهتمام :
- قل لي يا ( آدمز ):لماذا عدت إلى الوطن ؟
اجبته في بساطة ، وانا الوح بکفی :
س مجرد إجازة .
اعتدل في حركة سريعة، وانعقد حاجباه في اهتمام
بالغ ، وهو ينفث دخان غليونه ، متطلعا إلى خاتم
كبير من الذهب ، يزينه فص من الياقوت الأزرق
في إصبعي ، وقد نقشت عليه حروف قديمة ،
فسألته :
- هل يروق لك ؟
أومأ برأسه إيجابا، ومد يده إلى ، فنزعت
الخاتم ، ووضعته في راحته، وراح يفحصه في
اهتمام ، ثم سألني :
هل تعرف معنى تلك الحروف القديمة ؟
هززت رأسي نفيا ، فقرا الكلمات في هدوء :
هدية من (سلیمان ) الحكيم إلى ( بلقيس ) ،
ابنة الملوك والحكمة والجمال