الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع
تأليف : ماري كوريللي
-----------------------------------
ترجمة : د. أحمد خالد توفيق
-----------------------------------
الملخص
----------
جيفري تمبست شاب تعس الحظ يعيش في فقر مدقع لدرجة الجوع ، ثم يبتسم له الحظ فجأة .. يصير ثريًا بشدة، وله صديق مدهش وسيم عظيم النفوذ اسمه ( لوتشيو ). ككل أبطال القصص يتصرف (تمبست) بسذاجة غير عادية . لماذا لا يلاحظ أن اسم صاحبه قريب جدًا من اسم لوسيفر ؟.. لماذا لا يلاحظ أن وسامة صاحبه غير أرضية وأنه يقوده عبر سبل مظلمة ؟ لماذا لا يدرك الجو الفاوستي الذي يغلف الأمر كله ؟
المؤلفة
----------
اشتهرت هذه القصة وكانت
لها شعبية عظيمة فى مصر
فى نصف القرن العشرين
الأول ، وقد قرأتها من ترجمة
سيد المترجمين عمر عبد العزيز
أمين صاحب روايات الجيب .
هذا سبب كاف حتى لا أترجمها
كما اتفقنا فى بدايات هذه
السلسلة ، لكنى لاحظت أن هذه
الترجمة اختفت تقريبا ، وأن
معظم الشباب لم يسمعوا عن هذه القصة أصلا برغم أهميتها ،
ولا وجود للترجمة على شبكة الإنترنت ( برغم أن بعضهم
وضعها منذ فترة ثم رفعت ) ، دعك من أن نسختى الأصلية
ضاعت !... اقترضها أحدهم ممن يخلطون بين كلمة ( اقتراض )
وكلمة ( أخذ ) ؛ لذا قررت أن أتر. وألخصها لك لتكون
عندى نسختى الخاصة منها أنا أيضا !
مارى كوريللي Corelli. Marie كاتبة أسكتلندية ابنة شاعر
شهير ، وقد ذهبت لتقيم فى لندن عام 1882 . وصارت عازفة
بيانو اشتهرت باسم مارى كوريللى.. لم يكن هذا اسمها
الأصلى . ثم اتجهت إلى الأدب .
كان أدبها ينتمى للمدرسة الرومانسية ، وكانت الملكة فكتوريا
شخصيا تعشق قصصها ، وكذلك ونستون تشرتشل . لكن أغلب
النقاد لم يحبوا كتاباتها واعتبروها شعبية أكثر من اللازم . ورأى
بعض النقاد أنها كاتبة متوسطة المستوى تعتبر نفسها عبقرية ،
والعامة تقبلوا فكرة أنها عبقرية .
كانت أول رواية لها هى ( قصة عالمين - 1886 ) ، لكن
نجاحها تحقق مع رواية ( ثيلما - 1887 ) ثم ( أحزان الشيطان
- 1895 ) . وفى الرواية الأخيرة تكرس فكرة فاوستية حزينة
سادت فى الأدب بعد ذلك ؛ هى أن الشيطان يؤمن بالله جدا -
أكثر منا بكثير لكنه صار خارج فرصة الخلاص . لم يعد
بوسعه غير أن يظل فاسدا مفسدا للأبد . إحدى بطلات القصة
أديبة ذات نجاح جماهيرى لكنها لا تعجب النقاد ، وتبالغ الرواية
فى تصويرها كملاك ومثال النقاء الذى يختلف كلية عن الوسط
الفاسد حوله ، لدرجة أننا نكتشف أنها كانت ملاكا ( حرفيا وليس
مجازا! ) .. يسهل تخمين أن مارى كوريللى هى ذات الشخصية ،
لاحظ أن اسم الشخصية ( مافيس كلير ) .. أى أنه يبدأ بحرفى
الميم والكاف .
انتقلت كوريللى لتعيش فى ستراتفورد أون آفون موطن
شكسبير ، وكانت شهيرة جدا هناك ، وتعيش حياة استعراضية
مترفة تذكرنا بحياة أوسكار وايلد . مثلا يذكر الناس أنها كانت
تتنقل يوميا بجندول فى نهر آفون بينفا النوتى يغنى أغانى
إيطالية لها . لقد أعادت للأذهان حقبة الكاتب النجم . لكن يمكن
القول : إن شهرتها دامت حتى الحرب العالمية الأولى ، ثم بعد
هذا صارت منسية تماما .
د. أحمد خالد
---------------
الفصل الأول
---------------
هل تعرف معنى الفقر ؟ ليس الفقر الذى يزعمه أشخاص
يعيشون على دخل قدره خمسة آلاف أو ستة آلاف جنيه سنويا .
لكنى أتكلم عن فقر حقيقى .. فقر مدقع .. فقر يرغمك على
ارتداء بذلة واحدة حتى تبلى.. لا تغسل غياراتك بسبب أسعار
المغسلة الباهظة . تمشى فى الشوارع وسط رفاقك شاعرا
بالتضاؤل والخجل . هذا هو السرطان الذى يلتهم قلب المرء
فيحيله كاننا شريرا حسودا. عندما يرى تلك المرأة السمينة ،
أو هذا الرجل المتبختر الذى يشعر أن كل الطبقة العاملة خلقت
لتخدمه ، عندها تسرى المرارة فى دمه وتثور روحه ..
ويتساءل : لماذا هذا الظلم ؟ لماذا أقضى النهار طاويا محروما ؟
لماذا ينتعش الأشرار كأنهم أشجار خضر ؟!
يمكن أن أحكى قصتى ، لكن من سوف يصدقها ؟.. لا أحد .
لكنها حقيقية .. حقيقية أكثر من أ شىء يسمونه حقائق .
أ
أعرف كذلك أن رجالا كثيرين تورطو مثلى فى شباك الخطيئة ،
لكنهم كانوا أضعف من أن يتحرروا .. هل سيتعلمون الدرس
الذى تعلمته أنا ؟ فى نفس المدرسة المريرة ، ومع نفس المعلم
الكريه ؟..
لكن لا أكتب هذا الكلام لألقن دروسا لزملانى .. فقط أحكى
الأحداث الغريبة التى مرت بى بالترتيب . وسوف أترك للعقول
البشرية تفسير ما حدث .
كان هذا شتاء طويلا يذكره الناس بسبب برودته القطبية .
اجتاح ليس بريطانيا فقط بل كل أوروبا . كنت أنا جيفرى تمبست
وحدى فى لندن أتضور جوعا .
لا أحد يثق فى الجائعين أو يتعاطف معهم . بالذات هؤلاء
القوم المتخمون الذين لا يصدقون بوجود جياع فى العالم ، أو
يظهرون اهتماما مفتعلا بالأمر على مائدة الشاء . موضوع
الجوع لا يبدو لائقا للكلام عنه فى المجتمعات الراقية .
أنا الذى صار كثيرون يحسدوننى قد عرفت حرفيا معنى لفظة
جوع . الاشتهاء الحيوانى لمزيد من الطعام . هذه مشاعر قاسية
بالنسبة للفقراء لكنها أقسى بالنسبة لمن نشئوا معتبرين أنهم
جنتلمانات .
لقد توفى أبى فاكتشفت أن كل ما حسبته ثروتنا هو ديون .
ليس البيت لى .. ليس لدى سوى تمثال صغير لأمى التى ماتت
وهى تلدنى . شقيت.. بحثت عن عمل فى كل مكان . لا جدوى .
هكذا يعامل الأديب الفقير .. يزدرونه.. لا أحد يريده .. الكل
يعيد له نصوصه بلا قراءة .
يعاملون الأديب كأنه أسوا من أسوأ لص ..
كنت أعيش ليس لعشق الحياة ، ولكن لأننى أحتقر من
ينتحرون . كنت أحمل أملا غامضا أن عجلة الحظ سوف تدور
وسوف ترفعنى يوما كما سبق وإن هشمتنى .
لفترة ظفرت بعمل كمراجع فى دار النشر ، وكنت أتلقى ثلاثين
قصة كل أسبوع .. فاعتدت أن أتفقد عشرا منها بسرعة ثم أكتب
عمودا ملتهبا.. ولاحظت أن هذا يسر الناشر ، والناس تعتبر
هذه المقالات ذكية . ذات مرة أجبرنى ضميرى على امتداح عمل
بدا لى أصيلا موهوبا ، وكان كاتبه خصما قديما لمالك الجريدة .
هكذا تم طردى على الفور .
وسرعان ما وجدت نفسى فى الشتاء بلا مليم وجائعا تماما
لم يكن هناك عمل فى لندن .. ما من ظيفة شاغرة
عندما وجدت عملا ككاتب فى جريدة صغيرة ، قال لى رنيس
التحرير :
«أنت تنتقد المجتمع بشراسة فى مقالاتك .. هذا يضايق
الناس . لا تنس أن المجتمع هو من يشترى الصحف والكتب .
أتمنى لو كتبت قصة حب خفيفة .. »
- «هل أنت واثق يا سيدى من أنك تحكم بدقة على ذوق
المجتمع ؟ »
ابتسم وقال :
«هذا عملى أن أعرف ذوق الناس كما أعرف جيب سترتى
لا أطلب أن تكتب عملا مبتذلا ، لكن أؤكد لك أن ما تكتبه
لا يبيع ٠٠ »
قلت له :
- «يبدو أن على أن أضع القلم جانبا .. أنا موضة قديمة ،
لذا أعتبر الأدب مهنة سامية جدا .. »
نظر لى فى تهكم واستخفاف ثم قال :
- «أنت متحمس.. هذه مشكلة سوف تنتهى.. هلا جئت
معى للنادى لنأكل ؟ »
رفضت بشدة لأننى أدركت أنه فهم مدى جوعى وفقرى ..
ودعته وعدت لبيتى . قابلتنى صاحبة النزل على الدرج
وسألتنى إن كنت أريد أن أسوى حساب الإيجار . كانت تسأل
برفق وقد آلمنى هذا كما آلمتنى دعوة الناشر للشاء . كلاهما
فيهما شفقة واضحة .
دخلت حجرتى وألقيت بنفسى على مقعد ، وألقيت سبة .
لم أكن متدينا فى ذلك الوقت ، ولم أؤمن بوجود إله .. كنت
أعتبر نفسى فانيا أزدرى كل خرافات الأديان برغم أننى ولدت
مسيحيا . كنت فى وضع قانط ..
لقد بذلت ما بوسعى بلا جدوى . قرأت عن أشقياء يكدسون
المال وأشرار أثرياء . بدا واضحا لى أن الأمانة ليست خير
سياسة . الليل كان باردا ويداى تتجمدان فحاولت أن أدفئهما
على مصباح الزيت الذى تركته لى حية ،
مددت يدى للتدفئة فلاحظت ثلاثة خطابات على المنضدة ،
أحدها فى مظروف أزرق كبير.. وواحد عليه علامة بريد
ملبورن .. أمسكت بهذا الخطاب مفكرا بعض الوقت قبل أن
أفتحه . كنت أعرف من أين جاء.. السؤال هو ما يحمله لى من
أخبار .
منذ أشهر كتبت عن معاناتى لصديق قديم سافر إلى أستراليا
لأن إنجلترا لا تتسع لطموحاته . هناك عمل فى منجم ذهب .
خطر لى أن أطلب منه خمسين جنيها كقرض . طبغا سيرفض
كاى صديق تطلب منه مالا ولسوف يتهم التجارة والسوق ..
إلخ .. لماذا أتوقع أن يختلف ؟ ليست بيننا سوى ذكريات عابرة
من أيام الجامعة فى أكسفورد . كنا نحلم بتغيير العالم للأفضل .
فتحت الخطاب بحذر.. هنا سقط شيك بمبلغ خمسين جنيها .
اضطرب قلبى شاعرا بالراحة.. وقلت :
«أنا ظلمتك يا جاك .. ما زال قلبك فى المكان الصحيح .. »
وقرأت الخطاب فوجدته قصيرا كتب فى عجلة :
- «عزيزى جوف :
«يؤسفنى أن حظك متعثر ، وهذا يدل على أن لندن
ما زالت تعج بالحمقى ، حيث يعجز رجل بقدراتك عن النجاح .
أعتقد أن المال هو ما سيحل مشكلتك فلا تتعجل إرجاع
المال . ما سأقدمه لك فعلا هو صديق يحمل خطاب تعريف
منى ، وكل ما عليك هو أن تضع نفسك بين يديه . هو خبير فى
مهنة النشر .. قال لى إنه ثرى جدا لا يعرف ما يصنعه بماله ،
وهو يحب رجال الدين فى الكنيسة لأنهم يرشدونه إلى سبل
الإنفاق . أنا مدين له بالكثير وقد حكيت له عنك . هو قادر على عمل أى شىء بماله .
المخلص بوفليس
الدموع كانت تغرق عينى وأنا أتأمل توقيعه . كان اسم بوفليس
هو اسم تدليل نطلقه عليه أيام الكلية . كان اسمه الحقيقى هو جون كارنجتون. يمكننى الآن دفع الإيجار وشراء بعض العشاء
وإشعال نار فى غرفتي