خليج القمر
Spirit Of Atlantis

الكاتبة : آن ميثر
روايات غاده
الملخص
هربت لتبتعد عن مايذكرها بظروف موت ابيها .. ولم يكن معها من يدعمها ويواسيها سوى شريكه كيم مايفز الذي يكبرها بعشرين سنة , والذي تعتقد ان والدها كان يرغب في ان يزوجها له. مايلين, وفي جزيرة خلابة على شواطئ بحر ايجه, وجدت نفسها مضطرة مرة اخرى للهرب.. لكن هذه المرة لأسباب مختلفة .. فقد رماها قدرها في طريق الشاب العابث, السيء السمعة ستيفن براندون .. لكن الى اين الهروب؟ ومن ماذا؟ او ممن؟ وهل ستبقى الفضيحة التي التصقت بأبيها تلاحقها في كل مكان؟

تحميل الرواية مكتوبة

تحميل الرواية مصورة

الفصل الاول : المتطفل
شقت مايلين طريقها عبر الاشجار , قدماها المحميتان بصندال خفيف , كانتا تنزلقان فوق المنحدر .. رائحة ارض الغابة ومع بروز حركات مفاجئة بين الشجيرات الشائكة إلا انها لم تعد تذعر لها.. فبعد قيامها بمثل هذا المنزل الخاص كل صباح منذ وصولها اصبحت معتادة على الهروب الخجل للحيوانات الصغيرة التي تعيش في هذه الغابة.. كما انها لا تخشى مقابلة آدمي .. ففندق جوليا ولورنس , على طراز الكابينات, يقع بعيداً عن هذا الممر غير المطروق, وتشك في ان يمر به مخاطراً, اي راكب دراجة نارية , خاصة وممراته وعرة ... زوار الفندق , يصلون عادة عن طريق البحر, اما بالقوارب الصغيرة او باليخوت .. وبما ان احداً لم يصل من جديد خلال اليومين الاخيرين , فقد احست ما يلين انها آمنة. في مثل هذه الساعة من الصباح , ولم تتجاوز بعد السادسة, لم يكن الخليج الصغير , يروق لزبائن الفندق المتوسطي العمر.. وتعودت مايلين ان تعتبر المكان هذا مكانها الخاص .. وعما قريب ستغزو الشاطئ القوارب التجارية تحمل الركاب ليجولوا على طول الشاطئ الذي يحتوي على اكثر من ثلاثة آلاف جزيرة من بين عشرات الآلاف من الجزر التي تشتهر بها اليونان. خليج كاستاريوس هذا.. يحتوي على جزر رئيسية منها ديكوليس , كارموليس , ديون , ولقد زارتها جميعاً خلال الاسابيع التي امضتها هنا, واحبت جمالها الطبيعي والاحساس باللازمان في فضائها .. وكانت ممتنة لكيم لاعطائها هذه الاسابيع , لاستعادة عافيتها من صدمة انتحار ابيها المآساوية , وممتنة اكثر لعائلة باربلوس لجعل هذه العطلة ممكنة . سمعت صوت طرطشة الماء قبل وقت طويل من وصولها الى الشاطئ, ولم يكن هذا هو صوت المعتاد لاندفاع المياه على الصخور وانسحابها , لكنه صوت محدد فوق سطح الماء يتبعه ضربات متناسقة عند حافة الصخور. قطبت مايلين حين برزت من بين الاشجار لترى امامها رأس اسود الشعر في الماء.. كانت تتوقع ان تراه , مع ذلك احست بخيبة امل والاكثر حين شاهدت كومة ثياب على الصخور عند قدميها , انها ثياب رجل.. لكن في هذه الايام من يستطيع التمييز؟. احست بالتوتر .. فهذا الرجل , وهي واثقة انه رجل , قد افسد عليها يومها , واحست بالامتعاض .. فهي لا تعرف ما تفعل .. وبينما كان من الابسط لها ان تستدير وتعود من حيث اتت, لم تر لماذا تتركه يتصرف وكأن له الحق في ان يكون هنا. - مرحباً!. اما ذهولها ادركت انه يخاطبها.. سخطها على جرأته جعلتها تشهق .. لابد انه يتوهم بأنها كانت تراقبه بفضول , وربما يظنها مهتمة به. - هاي.. انت! اصبحت لهجته الرجولية ساخرة الآن .. ماذا يعتقد نفسه؟ وادرات عينان خضراوان مثلجتان نحوه .. كان يسبح في الماء على خطوات من الشاطئ, دون جهد للخروج . صحيح انه لا زال غائصاً تحت الماء إلا انها استطاعت رؤية كم ان بشرته سمراء داكنة , وكم ان شعره طويل عند مؤخرة عنقه. وصاحت به : - الا توقفت عن ازعاجي .. ارجوك؟ كانت تدرك ان رباطات ثوب السباحة العليا رقيقة جداً, وقد لا تعطي جواً من الوقار .. وسمعته ينادي: - هذه ثيابي على الصخرة بقربك. صدمتها , للحظات لكنته المألوفة.. اهو اميريكي؟ أمن الممكن ان تلتقي اميركياً مثلها في هذا المكان النائي من اليونان؟ ام لأن لكنته لا تشابه لكنت من ينزل في الفندق من اشخاص ؟ لكنها تخلصت من فضولها وردت: - اراها .. ايمكنك الآن ارتدائها والرحيل من هنا .. ارجوك؟ - سأفعل .. لو كنت فتاة طيبة وابتعدت من هنا ... إلا إذا رغبت في الانضمام اليّ؟ لم تسرها دعوته : - لا .. شكراً لك ... لماذا يجب ان ابتعد ؟ هذه الارض تابعة لفندق خليج كاستيريوس .. وانت متسلل على املاك خاصة. - البحر ملك للجميع.. و الآن هل لك ان تتركيني اخرج من هنا ؟ احس ببرد لعين . - انا لا امنعك ولم يطلب منك احد ان تسبح . وجلست ببرود على صخرة قريبة , ومدت المنشفة على ساقيها , رد عليها ببرود: - لا .. لم يطلب احد مني السباحة .. لكنني لا ارتدي ثوب السباحة يا سيدتي الصغيرة , لذا اذا لم يكن لديك اتعراض .. استدارت مايلين بسرعة حتى قبل ان يصمت , قسمات وجهها تحترق سخطاً واحراجاً, كيف يجرؤ على السباحة دون ثياب للسباحة ؟.. هذا مقرف .. هذا غير محتشم! - حسناً يمكنك الالتفات الآن. الصوت الساخر كان مثيراً للازعاج , فاستدارت مترددة لتجده قد ارتدى بنطلون الجينز, ويبدأ بارتداء قميصه المماثل, وبدا واضحاً ان لا منشفة معه .. فالتصقت ملابسه بجسمه في اماكن تفضل مايلين ان لا تنظر اليها. في الماء , بدا لها اقل عدائية .. لكنه الآن رجل كله طاقة مخيفة , وواثق من نفسه بطريقة لا يمكن ان يكون عليها كيم.. لكن كيم أكبر منه سناً, ناضج اكثر , وبكل تأكيد اقل خطراً.. وقال ثانية : - مرحباً! إسمي ستيفن براندون .. ما اسمك! اجفلت مايلين . - لا اظن هذا من شأنك .. كيف وصلت الى هنا؟ - بدراجة نارية, انها هناك ... وانت ؟ واشار الى الاشجار , فأخذت تفكر ان لا ترد عليه , ثم قررت بإيضاح حقها بأن تكون هنا. - انا اقيم في فندق كاستريوس .. وكما قلت لك هذه الارض.. - ملك للفندق , حسناً.. انا إذن متطفل .. ماذا ستفعلين ؟ لم تكن ترد الرد عليه, مراقبتها له جعلتها تعي حجمه وقوته ولا تظن انها قادرة على الثقة به.. ربما كانت بلهاء في تحديها له . فهي تبعد نصف كليو متر على الاقل عن الفندق .. فماذا تفعل لو انه قرر مهاجمتها؟ فما من احد قد يظهر في مثل هذه الساعة. - لو .. انك ... تغادر الآن ... فلن نتحدث بالامر لاحد. - واذا لم اغادر؟ بحركة تنم عن عجز , ادرات له جانبها , وهي تحس ان موقفه افضل من موقفها وسأل : - هل انت زائرة في عطلة ؟ ام تعملين في الفندق؟ نظرت اليه بغضب : " انت لا تستلم بسهولة .. اليس كذلك؟ لماذا لا تعود من حيث اتيت, وتدعني وشأني ؟" هز كتفيه : - لأنني فضولي .. اما من اين اتيت , فأنا اقيم هناك , واشار الى الطرف الآخر للخيلج. فردت بحدة: - لم اسألك ..ولست اهتم بمن انت او اين تقيم ! لوى رأسه الى الجانب: - لا؟ هذا مؤسف .. فأنت اثرت اهتمامي .. ثم اعتقد اننا مواطنان من بلد واحدة , تقريباً.. فأمي كانت اميريكية. ردت ببرودة قاطعة: - كم هذا حقير ...! والآن اسمح لي .. سيد .. سيد ... - ستيف .. ستيف براندون .. لكنك لم تقولي ماهو اسمك. - لا .. لم اقله لك .. والآن .. لو سمحت.. - اتريدين السباحة ؟ - اجل. - تفضلي , لا تجعليني اقف في طريقك! هزة رأسه كانت ساخرة , فغضبت مايلين .. هل يتوقع منها حقاً ان تنزل الى الماء تحت نظرته الوقحة ؟ ونظرت اليه بغضب فسألها: - ما الامر ؟ خائفة ان انضم اليك؟ ضربت قدمها بالأرض. - لن تجرؤ على هذا .. فقد اقرر ان اهرب ومعي ثيابك .. فماذا ستفعل ؟ ضحك : - معك حق . - هل ستذهب الآن؟ - ألست خائفة ان اسرق انا لك ثيابك؟ - انا لا اسبح دون ثيابي. - يجب ان تفعلي هذا .. جربيها مرة.. لا شيء يشابهها. - انت وقح! - وانت تبالغين .. اين كنت خلال العشر سنوات الماضية ؟ في دير؟ استدارت مايلين , وبدأت تتسلق المنحدر متعثرة .. لم يكن بامكانه ان يعرف كم ان تخمينه مقارب للواقع .. لكنه آلمها, ثم انها لن تتمتع اليوم بالسباحة الصباحية .. - انتظري... سمعت وقع اقدامه خلفها , ثم امسك بها , فذعرت .. ما من احد .. حتى كيم امسك بخصرها من قبل, ويداه القاسيتان كانتا تلتفان على لحمها الدافئ, صاحت به ساخطة : - اتركني! قاومته بشدة حتى فقدا التوازن معا, واخذت قدماه تنزلقان فوق الارض المكسوة بأوراق الصنوبر الأبرية, وجذبها فوقه , وهما ينزلقان المسافة مابين الاشجار والصخور , ومايلين ملتفة بين ذراعيه , تمتم: - مجنونة ! - لو لم تمسكني ..! احست بعضلات صدره خلف ظهرها , واحست بالانفاس العاجزة التي رافقت ضحكته , وقال : - حسناً.. حسناً .. كنت انا المجنون .. لكن ما الذي فعلته كي تغضبي مني؟ - لست غاضبة منك سيد براندون.. كل ما اتمناه ان تذهب . - حسنا .. بهزة اكتاف غير مكترثة , ركع امامها وهي مستلقية على الارض .. قربه منها جعلها تضطرب , وتذكرت كيف كان يبدو في الماء . . إنه جذاب بكل تأكيد .. وقطبت , انها تحس بتقلص حاد في معدتها .. ولكي تحارب هذا الشعور قالت : - وداعا .. اذن. هز رأسه ووقف , ليدس اطراف قميصه تحت البنطلون , حين انتهي , لم يتحرك على الفور .. بل نظر اليها , والى ارتجاف شفتيها المتوترتين والى ارتفاع وانخفاض صدرها المضطرب. - وداعا.. وقبل ان تستطيع منعه مد يده الى رأسها يداعب شعرها وامام رعبها وجدت نفسها تتجاوب مع لمسته , فصاحت : - لا! وانتزعت رأسها من يده واحست انها رخيصة, منحطة وراعها انها للحظات , تمنت ان يضمها وقال : - اراك لا حقاً. واخذ يصعد المنحدر نحو مكان توقف دارجته النارية , انتظرت الى ان سمعت صوت المحرك ليبتعد قبل ان تلتفت , ثم اطلقت انفاسها بتنهيدة متهدجة. مدت يدها وهي جالسة على صخرة ملساء , لتحجب نور الشمس عن عينيها , تحاول تهدئة نفسها بالنظر الى حدود جزيرة على بعد متوسط عبر المياه .. كل شيء لا زال كما هو , لمجرد تطفل رجل على حياتها , لا يعني هذا ان تشعر بالذنب لقد استغل الظروف.. فهو ذلك النوع من الرجال الذي على الارجح يقيم مخيمه في الغابة مع مجموعة من الشبان امثاله , كلهم على دراجات نارية , وغرورهم بحجم خوذاتهم , متنهدة وقفت على قدميها , واخذت منشفتها, وتسلقت المرتفع ... ستسبح فيما بعد , ربما ستقنع ابن جوليان ينضم اليها. الفندق مقام على جرف صخري مرتفع يطل على الخليج .. هو عبارة عن مجموعة من الأكواخ الخشبية , في كل منها غرفة نوم وحمام, اجنحة خاصة, والطعام يقدم في المنبى الرئيسي القريب.. ظهره الى الغابة , حياة البرّية المتعددة الاوجه على ابوابه, كان مقصداً مشهوراً لزوار الصيف, ممن كانوا يرسون مراكبهم في الحوض الصغير في الاسفل, ثم يتسلقون سلماً حجرياً حتى مدخل الفندق .. الطريق الاخرى الوحيدة هي عبر الغابة, لكن الطريق لا يمكن تحديدها إلا اذا كان المرء عارفاً بها , وهي تجيء مباشرة من الميناء الرئيسي للجزيرة من الجهة الاخرى. والدة جوليا باريولس كانت صديقة للسيدة ستيفز والدة مايلين, والفتاتان تعرفان بعضهما منذ كانتا طفلتين , لكن جوليا اكبر من مايلين بخمس سنوات, وحين كانت مايلين في الثالثة عشرة من عمرها تزوجت جوليا من شاب يوناني التقته في الجامعة , وجاء بها ليسكنا في هذه الجزيرة الرائعة , موطن اجداده. رغم المسافة بينهما , استمرتا في التراسل الحميم.. حين ضربت مايلين المأساة منذ ثلاثة اشهر, كانت جوليا اول من عرض عليها فرصة الهرب من الواقع لفترة ما . فالمتوسط في بداية الصيف . مكان سماوي, وبعده بدا لها مناسباً للابتعاد من هول الاسابيع التي تلت موت ابيها , اصدقاؤها , الحقيقين , حثوها على السفر, وبادارة من كيم , ولو على مضض , قبلت الدعوة . كان هذا منذ شهر تقريباً.. وهي تعلم الآن ان عليها التفكير بالعودة قريباً . مع انها لا تريد هذا .. فالحياة هنا وسعت افق نفكيرها , ولم تعد تخدع نفسها بأن كل ما فعله ابوها فعله لأجلها.. والعودة قد تعني العودة الى الفراغ الذي اكتشفت انه يغلف حياتها , ولا حتى كيم قد يتمكن من التعويض لكل السنين التي عاشتها في جهل, لقد ظنت ان موت امها وهي في الثالثة عشر هو الذي حطمه , لكنها تعرف الآن ان مال كيم لوحده , ابقى مؤسسته قائمة, وان وجود ابيها كله كان عاراً. حين دخلت مايلين الفندق , حيتها جوليا من على الباب الذي يقود الى غرفة الطعام الواسعة. - هاي.. - هاي.. هل هذه القهوة التي اشمّ رائحتها جاهزة؟ - بالتأكيد .. عدت باكراً .. ألم تسبحي؟ - لم أسبح. - لماذا؟ هل انت مريضة ؟ اذا كنت مريضة سأتصل بالدكتور باستروس على الفور. - لا .. لست مريضة , في الواقع كان الشاطئ مشغولاً , ولم ارغب في رفقة. صمتت وهي تمر قرب جوليا لتأخذ طاولتها المعتادة قرب النافذة , وتقدمت وهي تمر قرب جوليا لتأخذ طاولتها المعتادة قرب النافذة , وتقدمت الساقية ,ماثي لتسألها ماتريد. - توست وقهوة فقط. تقدمت جوليا لتقف قربها , وطوت ذراعيها الممتلئتين ونظرت الى صديقتها.. منذ زواجها بلورنس اكتسبت وزناً.. وبعد ان تذوقت مايلين الطعام المقدم في الفندق, لم تعد مندهشة لهذا . وقالت جوليا : - حسناً؟ - حسناً, ماذا ؟ - من كان يحتل الشاطئ؟ انا واثقة ان لا احد من الفندق, ولا احد سواك يعرف ذلك المكان الشبيه بالكهف. - ولا انا اعرف .. لكن واضح ان كلانا مخطئ. - من كان اذن ؟ لم يكن من المخيمين؟ لا مكان هناك لاقامة خيمة . - لا .. ليس من المخيمين , مجرد رجل , سائح على ما اظن .. قال انه يقيم في الناحية الاخرى للخليج. - وهل تحدثتي معه؟ غمزت لها وجلست قبالتها: - هاي, ما رأيك بهذا ؟ طوال اسابيع وانت تصدي كل محاولة للتعرف اليك, والتي رتبناها لك, وها انت تتعرفين على رجل مجهول قرب الشاطئ! - ليس الامر هكذا .. كان .. يسبح فقط ..و .. حسناً .. تحدث معي .. حديث بريء .. ولا شيء يدعو للإثارة . - من هو؟ هل اعطاك اسمه؟ - كان يركب دراجة نارية.. ولم يكن من النوع الذي تفكرين فيه. - اوه .. تعني انه اكبر سناً! - لا .. بل اصغر. اتت لها ماثي بالقهوة , فارتشفتها : - آه .. هذا ماكنت احتاجه .. المكان بارد هنا, أليس كذلك؟ انتظرت جوليا الى ان ابتعدت الساقية وتابعت. - حسناً.. ماكان اسمه ؟ هل عرفته؟ تنهدت مايلين: - براندون.. ستيفن براندون. - لا! اخذت جوليا تنظر اليها غير مصدقة , وتمنت مايلين لو تبتعد صديقتها عنها وتتوقف عن افتعال الضجيج حول لا شيء: - جوليا .. اسمعي .. اعرف ان قصدك طيب .. لكنني ساتزوج كيم , وتعرفين هذا .. وحال ان احس انني.. - مايلين .. هل اسمه حقا ستيفن براندون؟ ومالت فوق الطاولة وكلها اثارة , وامسكت معصم الفتاة لمنعها من وضع قطعة التوست في فمها , وسحبت مايلين يدها وهزت رأسها. - هذا ماقاله. - يا إلهي! نظرت مايلين اليها متوترة , وسألت. - وما الخطأ في هذا؟ إنه اسم عادي .. اعني هل هو مجرم فار او اي شيء من هذا؟ - لا ... لا .. مايلين , ستيفن براندون هو ابن اخ اثينا بروس! واثينا بروس كانت من عائلة براندون قبل الزواج , وعائلة براندون تعني "براندون ماريثم " اكبر شركة بحرية لناقلات البترول! تركت مايلين سكينتها من يدها وتراجعت الى الوراء في كرسيها: - مايعني هذا ؟ - يعني .. مايلين الم تدركي انك كنت تتحدثين الى ابن بتغاروس براندون ! غصباً .. احست بالقشعريرة, مع ان الاسم لا يعني لها شيئا.. لكن اسم شركة ملاحية لناقلات البترول, لاشك يعني شيئاً وحسب الانطباع على وجه جوليا عائلة براندون لم تكن عائلة عادية.. فمن يملك اسطول ناقلات البترول , يكون عادة من الاثرياء الكبار, وهي لا تشك في ان هذا بالضبط ماصدم صديقتها. - اعتقد انك مخطئة جوليا .. قال .. ان امه اميركية. - يا إلهي هذ يؤكد الامر , امه فعلاً اميريكية, كانت ممثلة حين التقت والده .. وتعرفين مثل هذه القصص . حاولت مايلين ان تبدو غير مبالية : - حسناً .. لقد وفرت لك قليلاً من القيل والقال تبهجين به يومك. - مايلين! لا تقولي انك غير متأثرة , فلن اصدقك , تصوري لقاء ستيفن براندون! ماذا كان يفعل هناك ؟ ماذا قال لك؟ خل في هذه اللحظة لورنس باريولس يبحث عن زوجته , وابتسم حين شاهد الاثنتين تجلس قرب النافذة لكن قبل ان تتفوه بكلمة كانت جوليا قد اطلقت وصفاً مبالغاً به كيف ان مايلين تصادقت مع ستيفن براندون , ابن اخ اثينا بروس . واضطرت مايلين الى مخالفتها , فنظرت باعتدال الى لورنس: - هذا جيد لك! لكن زوجته اتخذت موقفاً عدوانياً. - تعرف تماماً كيف تتبجح ماريا لارغاس عند شراء آل بروس من دكانها , حسناً انا اطلع شوقاً كي ارى وجهها حين اخبرها بقصة مايلين. صاحت مايلين برعب , متصورة ردة فعل ستيفن براندون حين تصل القصة الى مسمعه : - اوه ... جوليا, لا تفعلي هذا ارجوك , انسي الامر ! قال لورنس : - هذا ماعليك ان تفعلي جوليا , ثم اذا كان ماتقوله مايلين صحيحاً, فكلما قل الكلام عن هذا كان الافضل , ثم تذكري , نحن نستأجر الأرض من عائلة بروس , واكره ان افعل شيئاً يغضبهم. بدأ الحرد على جوليا. - اتعني انني لن استطيع اخبار احد؟ صاحت مايلين يائسة : - وماذا هناك لتخبريه؟ جوليا .. انا آسفة .. لكنني اتمنى لو لم اقل لك. احدبت جوليا كتفيها دليل احباط : - لكن .. مايلين, انه ستيفن براندون! تصوري هذا! تصوري اخذ موعد مع ستيفن براندون . - لم يكن هناك اي مجال لهذا جوليا .. ثم هل نسيت كيم؟ - آه , كيم .. كيم! انه كبير جداً لك مايلين واذا كنت صادقة مع نفسك .. ستعترفين بهذا! صاح لورنس غاضباً من وقاحة زوجته: - جوليا! فسارعت للتراجع: - حسن جداً, اعرف ان هذا ليس من شأني , لكن حسناً , كنت افكر بك مايلين , كيم كان شريك والدك , وهو على الاقل كبير مايكفي لأن يأخذ نفس الدور , اواثقة انك لم تكوني تفكري بهذا حين قبلت عرضه للزواج؟ لحظة مشحونة اخر, ثم لارتياح مايلين , دخل زوار الى المطعم , وضغط لورنس على كتفي مايلين تعاطفاً , وتمتم : - نيتها طيبة. - اعرف , لا تقلق لورنس , اعرفها منذ زمن بعيد, ولن اغضب منها , ثم انني خيبت املها . - حول براندون؟ اجل , صحيح, لكن خذي نصيحتي , ابتعدي عنه مايلين , لا اريد التفكير بابنة لي تتورط معه , لا اعرف مدى صدق الشائعات .. يقال انه يسابق الشياطين منذ ترك الجامعة , وهناك العديد من الفضائح الصقها باسم عائلته. - لست بحاجة لتقول لي كل هذا لورانس , انا لست مهتمة به وليس مهتماً بي, فنحن التقينا صدفة , وهذا كل شيء. - انا سعيد لهذا. ربت على كتفها , ثم اعتذر ليخدم الضيوف , تاركاً مايلين تنهي فطارها بهدوء, لكن كما حصل في السباحة باكراً , فقدت رغبتها في الطعام , وبالرغم من محاولتها عكس هذا , لم تستطع إلا ان تفكر لماذا يختار رجل يملك نصف الخليج, هذه البقعة بالذات ليسبح فيها , وفي وقتها الخاص.
نهاية الفصل الاول
الفصل الثاني : لم تهربين ؟
وهي تغير ملابسها استعداداً للعشاء تلك الليلة, لاحظت مايلين حين وصلت الى هنا, لكن خداها الآن اصبحا ممتلئين مع كل الطعام الدسم الذي افرضته جوليا عليها , ولم يعد لديها ذلك المظهر الشارد. مع ذلك, لم تكن توعج نفسها في ارتداء ثياب فاخرة منذ وصولها , معظم الوقت كانت ترتدي بنطلون شورت من الجينز تضيف اليه بلوزة طويلة خلال الليل. كيم الذي طالما هنئها على نوعية ثيابها سيذعر لو شاهدها الآن , فهو لم يكن يوماً من الموافقين على اهمال الجيل الجديد للأخلاق , ومن رأيه ان التصرفات المهملة بالنسبة للثياب , امر مقرف كذلك, لكن عذر مايلين انها لم تهتم بما وضعته في حقيبتها حين غادرت نيويورك , وبما ان ماكان معها لم يكن يناسب مايحيط بها فقد اشترت ارخص الثياب واكثرها ملائمة. ردهة الاستقبال كانت شديدة الاضاءة , مع ان الظلام في الخارج لم يكن شديداً بعد. وسمعت اصوات الحركة من داخل غرفة الطعام والمقهى الصغير الملحق بها.. ردت مايلين على تحية موظف الاستقبال , تلميذ جامعة يعمل خلال اجازة الصيف, ثم كادت ترتمي ارضاً لاصطدام جسد فتي مندفع من باب جناح باريولس , انه نيكولاس , ابن جوليا البالغ اثنتا عشرة سنة من العمر , لكنه تقريباً, اصبح عريضاً كأبيه. نظر اليها نيكولاس معتذراً: - آسف , لكن هناك يخت هائل يدخل المرفأ! اتودين المجيء لرؤيته؟ - لا اظن , شكراً لك , ولن تصل لو انك وقعت على رأسك وانت تنزل السلم. - لن اقع , اراك لاحقاً! تبادلت مايلين نظرة مع الشاب خلف طاولة الاستعلامات, فابتسم: - اعرف, هكذا هم الاطفال! هل سبب لك الاذى ؟ ايمكن ان افعل شيئاً لك ؟ - لا اظن , شكراً لك , اظنني بحاجة الى شراب بارد , سيزودني به جورجيو. جورجيو , عامل المقصف في المقهى, رجل متوسط العمر يعمل هنا منذ عشرين سنة, وفي الثالثة والخمسين اصبحت مهارته في اي شيء محدودة, لكن مايلين كانت تتمتع بحديثه الهاذر, اما باميلا زوجته , فقد كانت تعمل في المطبخ, واولادها غالباً ما يلعبون حول الفندق, وقال لها ما ان جلست الى المقعد المرتفع : - اذن, مايلين الصغيرة , ماذا كنت تفعلين اليوم ؟ - كالعادة. - وماذا ستأخذين؟ - زجاجة مرطبات مع كثير من الثلج ارجوك. هز كتفيه : - انه يوم جميل لفتاة جميلة , اتعرفين مايلين لو كنت اصغر بعشر سنوات .. فقاطعته متمتمة : - وغير متزوج . فضحك , لقد لعبا هذه اللعبة من قبل , واخذت منه كأسها المتعرق بالثلج وخرجت الى غرفة الطعام , واختارت طعامها, وكانت تحاول البدء بأكله حين شاهدت رجلين يقطعان الردهة في الخارج متجهان نحو المقهى , طاولتها كانت قرب النافذة , لكن في خط واحد مع الابواب الزجاجية التي تصل الى الردهة, بالرغم من إشاحتها بنظرها عن الرجلين , الا انها لم تستطع منع نفسها من التعرف على احدهما , فارتجفت يدها حتى كاد مافي يدها من طعام يقع في صلصلة البهارات الحادة. وضعت شوكتها من يدها , ومسحت فمها بالمنديل, محاولة استعادة جأشها, ما الذي يفعله ستيفن براندون هنا ؟ اناس مثل عائلة براندون , لا يزورن عادة فندق مثل فندق كاستريوس , فهم يقيمون في قصورهم ! واذا احتاجوا للتسلية فهم يذهبون الى نادى اوريتنال او بيترا او اي من عشرات النوادي الخاصة التي تغص بها شواطئ الجزر الكثيرة . التقطت شوكتها من جديد مصممة على اجبار نفسها على تجاهله, ثم تذكرت اليخت الذي اثار نيكولاس الهادئ عادة, فهل وصل الرجال على متنه الى الفندق؟ تقدمت جوليا نحوها, وبدا من تعابير وجهها انها تعرف بوجود براندون في المقهى , وقالت هامسة : - هل رأيته ؟ - رأيت من؟ - لابد انك رأيت الرجلان يقطعان الردهة , انهما في المقهى . - ماذا ستفعلين؟ نظرت اليها باستغراب : - ماذا سأفعل ؟ - اجل , اعني ان الامر واضح , اليس كذلك؟ لم يأت الى هنا لمجرد شرب المرطبات او ليتذوق قهوتنا , فابن عمته معه , على الاقل اظنه ابن عمته , انه يناديه كارل واعرف ان اثينا بروس لديها ولد اسمه كارلوس. قاطعتها مايلين بحزم : - جوليا مجيئهما الى هنا لا علاقة له بي, فهذا شأنهما وحدهما , ولا انوي التحدث الى ستيفن براندون , لذا لا تبدأي بتكوين افكار لا اساس لها. - لكن , لا يمكنك تجاهله! - ولم لا ؟ صدقاً جوليا , انا لا اعرفه حقاً! وهذا سبب يكفي لأن ابتعد عن طريقه. - حسناً , اظنك مجنونة ! - اووه , حقاً ؟ - اجل ! مايلين , قد لا تحظين بفرصة للقاءه. - لا اريد تلك الفرصة جوليا. - لماذا؟ - لأنني لست مهتمة! نظرت اليها جوليا غير مصدقة : - أتعني انك خائفة؟ شهقت مايلين : - خائفة؟ - اجل خائفة ! لقد مر زمن طويل عليك وحياتك ينظمها غيرك لك, حتى انك نسيت طعم المخاطرة ؟ - اذاً انت تعترفين انها مخاطرة؟ رفعت مايلين رأسها , فبدا القلق على وجه جوليا : - حسناً جداً, إن له سمعة سيئة , وماذا في هذا ؟ انت فتاة راشدة , وبامكانك التعاطي معه . تنهدت مايلين: - لا اريد التعاطي مع اي شيء جوليا , اريد فقط ان اتناول عشائي وبعدها اتفرج قليلاً على التلفزيون ثم انام. - استسلم اذن . - هذا جيداً. بعد ان التهمت بعضا من طعامها , علمت انها تقاتل معركة خاسرة , احساسها بوجود الرجل في المقهى , وبامكانية ان يختار الدخول الى قاعة الطعام ليتعشى , ملئتها بالقلق , وعرفت انها لن تحس بالامان الى ان تصبح داخل غرفتها والباب مقفول. تخلت عن الحلوى , وتركت طاولتها لتسير بسرعة عبر الابواب المفتوحة بسهولة , لكنها لم تكن تتوقع نيكولالس باربولس , ان يكون مستغرقاً في الحديث بدعوة الصبي الطائشة لها للمشاركة . - مايلين ! اتذكرين اليخت الذي قلت لك عنه؟ هذا هو السيد براندون , الذي يملكه! قال ستيفن بصوت عميق يثير الاضطراب , كما تذكره تماماً . - لم اقل هذا نيكولاس, قلت ان اليخت ملك لعائلتي وكل ما لي هو ان استخدمه من وقت الى آخر. بسمته كانت معتذرة لها وللصبي , لكنها رفضت التجاوب , حتى انها رفضت ان تنظر اليه , مع ذلك فقد عرفت لون السترة الكحلية البحرية التي يلبسها , وكيف يتعلق الجينز الازرق على وركيه بشكل مهمل , ثيابه كانت عادية , لكنها تناسبه تماماً , رجال مثله , ليسوا بحاجة الى اظهار ثرائهم , بل يتقبلونها كواقع , وتلك الثقة الزائدة بالنفس هي البرهان الذي يحتاجون اليه. - ماقولك مايلين ؟ فتمتمت ترد على سؤال نيكولاس المتحمس: - عظيم , اخبرني بكل شيء في الغد . - ولماذا لا اخبرك الآن؟ كان يمكن ان تكون هذه كلمات نيكولاس , لكنها لم تكن , واضطرت مايلين للاعتراف بوجود ستيفن براندون , واحست بالصدمة حين التقت عيناهما , واخذت عيناه تنخفض , فوق وجهها , عنقها صدرها , خصرها , فاحست بموجة حارة تجتاحها. وباحساس من الخزي شاهدت عيناه تعودان الى وجهها , وكرر: - لماذا ليس الآن ؟ - انا , لا وقت لدي يا نيكولاس , ربما في وقت آخر . هز نيكولاس كتفيه : - حسنا. وظهرت جوليا في هذه اللحظة , ولم يلزمها سوى لحظة كي تفسر الموقف كما تشاء : - آه, هذا انت نيكولاس, تعال معي , اريدك ان تساعدني في تعليق المصابيح في الباحة . - اوه , يا امي! دون تردد قال ستيفن : - ربما استطيع المساعدة سيدة باربولس. اجفلت جوليا بوضوح , لكن امل مايلين بالخلاص تلاشى: - هذا لطف منك سيد براندون , شكرا لك , سيكفي نيكولاس , انه مساعد كبير في مثل هذا. رد ستيفن مبتسما للصبي: - انا واثق من هذا, آسف يا بني الكبير, لكن سيكون لنا لقاء آخر. - صحيح ؟ حقاً سيكون لنا لقاء آخر؟ هز ستيفن رأسه. - اعدك بهذا. فابتسم الصبي لمايلين متحدياً قبل ان تسحبه امه , لكن حين حاولت مايلين الانسحاب , التفت اصابع نحيلة سمراء حول معصمها: - انتظري. اضطرت للوقوف حيث هي , تعي انها لو تحركت فستمر يدها الممسوكة فوق ركبته , وقال لها : - لماذا تتهربين مني؟ بدلاً من الانكار , واثارة اهتمامه , سألته بدورها تتظاهر بالضجر: - ولماذا تظن؟ - اخبريني انت. تنهدت: - لأنني لا اريد التعاطي معك , سيد براندون. نظر اليها بحيرة: - فهمت. - اتسمح الآن ان تترك يدي؟ - لماذا لا اعجبك؟ ماذا فعلت لأثير فيك ردة الفعل هذه؟ - انت لا تعجبني ولا تثير كراهيتي, سيد برادون, ارجوك اتركني ! - ايمكن ان تكون كل هذه العدائية لأنني عبثت بشعرك ؟ - افضل ان لا اناقش الامر, ولست ادري لماذا انت هنا , لكنني افضل ان تنسى اننا التقينا من قبل. - وهل ستنسين ؟ حقاً؟ - اجل, واين ابن عمتك , الن يتساءل اين ذهبت؟ - كارل؟ ومن قال لك انني جئت مع كارل ؟ اتعرفينه؟ - بالطبع لا , رأيتكما داخلين, هذا كل شيء , وقالت لي جوليا انه ابن عمتك. - جوليا ؟ اوه , السيدة باربولس. وتركها , وهي تحاول تجاوزه, ثم اوقفها: - امر آخر. - ماذا؟ - اريدك ان تخرجي معي في الغد. الدعوة لم تكن مفاجئة , لكن طريقة إطلاقها كانت مثيرة للسخط , ردت مايلين دون تردد: - لا. - لماذا لا؟ - لأنني , لا اريد , لقد قلت لك . - انك لا تريدين التعاطي معي , اعرف , لكنك لا تصدقين هذا اكثر مما اصدقه أنا. - سيد براندون. - وتوقفي عن مناداتي بالسيد برادون, تعرفين اسمي كما اعرف اسمك تماما, مايلين. استدار لتنظر اليه فأحست بانفاسه تنفخ اذنها , فسألها: - لماذا تقاوميني مايلين , تعالي لنتناول شراباً معاً, سأقدمك لإبن عمتي , ثم بعدها ربما تؤمنين ان ابي لم يجسد شيطان! - انت .. انت - تثير الاشمئزاز ؟ اجل , قلت لي هذا, لكنني مرح ايضاً , لو اعطيتني الفرصة. اوه .. يا الله! انه يعرف تماماً كيف يصل الى مايريد. ولم تعد تدري اذا كانت تملك القوة لتقاومه . - لا استطيع .. لا استطيع. - حسناً. بهزة كتفين دون اكتراث , انتهى كل شيء , حتى قبل ان تعي انه انتهى , تحرك مبتعدا عنها , يسير برشاقة نحو المقهى حيث ابن عمته ينتظر , واصبحت حرة في الذهاب الى غرفتها. و بانفاس تخرج شهقات متواصلة, ركضت نحو غرفتها لتقفز فوق السلمتين اللتين تصلان الى الابواب, ثم تخرج من بينهما بقوة جعلتهما يتأرجحان بعنف لوقت طويل بعد ابتعادها ولم تتوقف إلا داخل الغرفة , لكن حتى هناك لم تشعر بالامان الذي توقعته .
نهاية الفصل الثاني
الفصل الثالث: لن اكون لك؟
لم تنزل مايلين الى الشاطئ الخاص لتسبح لأكثر من اسبوع بعد هذا. كان هذا غباء , فلا سبب يدفعها لاعتقاد ان ستيفن براندون سيكون هناك , واقنعت نفسها بالخروج مع نيكولاس في قاربه الصغير , او قيادة قارب ابيه التجاري بينما هو يتزلج فوق الماي , مع ان مايلين جربت التزلج عدة مرات إلا انها كانت تفقد توازنها وتغوص في الماء. ثم, في صباح اليوم الرابع , ظهر ستيفن براندون , كانت مايلين في الماء , تسبح برشاقة نحو فم الخليج الصغير, حين شاهدت شخصاً طويلاً يقف فوق الصخور دون حراك , وكما من قبل كان يرتدي القميص و البطلون الجينز , وهي تنظر اليه خلع قميصه , ورماه فوق الصخور , فاستدارت بسرعة قبل ان يفك حزام بنطلونه , احساسها بأنه يقترب منها في الماء ملأها بالارتجاف. لقد علقت في فخ , فهي لن تستطيع الخروج من الماء دون المرور بقربه , مامن شك انه خطط لهذا , وكرهته لمافعل. - مرحباً! - انها بلاد حرة ؟ اليس كذلك؟ ام انك ستقولين لي ان الارض هنا املاك خاصة؟ - اعلم ان زوج عمتك يملكها , اذا كان هذا ما تقصد, تمتع بالسباحة , فستكون سعيداً لو عرفت انك افسدت متعتي بسباحتي! الكلمة التي تفوه بها لم تكن مهذبة, وامتدت يداه اليها قبل ان تتمكن من الدفاع عن نفسها , وجذبها تحت الماء الى ان انقطعت انفاسها وظنت ان رئتيها ستنفجران , ثم تركها تطفو , وتشهق بيأس للتتنفس , وتقدم من وراءها , فقالت حين استطاعت ان تتكلم: - هذا ... هذا امر قذر فعلته معي, كان يمكن ان اغرق! بدا انه وكأنه يفكر باحتجاجها للحظات , ثم هز رأسه وقال بجدية : - لا اظن انني كنت سأسمح بهذا , مع ان الاغراء قوي! عضت مايلين شفتها سخطاً: - انت تتمتع بالسخرية مني , أليس كذلك؟ - انا اتمتع بك , او في الواقع سأتمتع بك , لو سمحت لي . انه بارع في ادارة الاشياء الصغيرة البريئة الى ملاحظات خاصة, انه صياد مفترس , وهي الآن الطريدة , وككل الصيادين , كلما كانت المطاردة اصعب كلما كان القتل اكثر متعة, وجدت قدماها في القعر الصخري , فاخذت تقفز خارجة من الماء بساقين ضعيفين, الجهد كان متعباً اكثر بسبب احساسها به خلفها , والخوف في انه قد يمسك بساقيها في اية لحظة. حاولت تجاهل وجوده وهي تنفض شعرها للتخلص من الماء الزائد, لكنه تقدم ليتمدد بكسل فوق احد الصخور . وقال لها ساخراً: - لم تظني ابداً انني سأفعل هذا؟ - تفعل ماذا؟ - احراجك, لا اريد ابداً ان احرجك. - انت لا تحرجني سيد براندون. وتوجهت نحو الاشجار قائلة : - وداعاً. - مايلين , مايلين لا تذهبي , اسمعي , انا آسف لو اغضبتك , لكن بحق السماء , ماعلى المرء ان يفعله كي ينجح معك؟ ضمت منشفتها والشورت الى صدرها , وقالت متجنبة النظر اليه : - سيد براندون , لست اعرف نوع الفتيات اللواتي اعتدت على الاختلاط بهن , لكن الرجال لا ينجحون عادى معي ! لإنك كما هو واضح معتاد على ان ترتمي الفتيات اللواتي تقابلهن على وجوههن حين تظهر اهتمامك بهن , فلا ... قاطعها بخشونة: - ولماذا لا تقولين انهن يرتمين على ظهورهن , فهذا مايسهل الامور اكثر , أليس كذلك؟ فاحست بأنفاسها تتسارع لدرجة الاختناق . - كما قلت .. انت ... قاطعها بحدة : - انسي الامر! فلست ادري لماذا جئت الى هنا ... - جئت لانك لا تتحمل التفكير بأن احداً يستطيع مقاومتك! اخذت ترتجف وقد انتزع المنشفة والشورت من يدها وشدها اليه , وامسكت يداه ذراعها بقوة مؤلمة ليأسرها داخل عناق وحشي يحدّ من مقاومتها, حين احنى رأسه نحوها اخذت تحرك رأسها يمنة ويسرى , لكن جسده المبلل كان السد المنيع في وجه اي هرب لها , وقدر ما حاولت , لم تستطع منع الاحساس بتصلب احاسيسها تجاه جسده القوي. كان كمن يفترسها , يعلمها ما معنى المشاعر الراشدة وهي تلين بالتدريج بين ذراعيه , استرخى ضغطه عليها ليصبح رقة شلت كل اعصابها. تركت يداه ذراعيها لتتسللا الى ظهرها , وارتجفت ساقيها وهو يضمها اليه اكثر , واحست بالحاجز الهش الذي يفصلهما عن بعضهما , لكن يديها امتدتا الى صدره تحاولان دفعه: - لا تفعل. - لا تحاولي صدي, اوه مايلين , كم انت جميلة! - صحيح؟ صوتها خرج بشهقة عجب , فالتوى فمه متأوهاً: - تعرفين هذا .. يا الهي ! ماذا سافعل بك؟ - تفعل بي؟ حركاته منعت عنها التفكير السليم , فالتفت ذراعاها ببطء حول عنقه , تربيتها في الدير لم تحضرها لهذا ابدا!, ولا للأحاسيس غير المتوقعة لطبيعتها, تجاوبها الطبيعي كان دون كوابح لأنها لم تكن تعرف ماهذا . وكانت دافئة ناعمة , متجاوبة , جسدها الحريري يتلوى بحرارة بريئة , حتى ان ستيفن كاد يفقد القدرة على تعقله وهو يتابع عناقها , وكان واثقاً انها لن تقاومه فقد كانت تذوب بين ذراعيه , لكن , ولو انه كاد يتوه في استسلامها الطائش إلا انه كان عاقلاً بما يكفي كي يعرف انها لا تدرك مطلقاً ماتدعوه اليه .. واستطاع تصور ماقد تحس به حين تعود الى وعيها ..ولسوف تبغضه الى الابد لو انه استغل براءتها. لهذا كله , كان صعباً عليه ان يقاومها, وافلتت آهة منه وهو يبعدها عنه , ثم تجنب نظرتها المتألمة اليه, انحنى ليلتقط المنشفة , ويعيدها اليها بخشونة. - آسف , لكن اعتقد انني فقدت السيطرة على نفسي , واظنك فعلت هذا ايضاًَ. لصقت مايلين شفتيها الجافتين , وتبين لها ببطء معنى كلامه : - فقدت السيطرة , لكنني ماكنت ... - اجل, كنت , لسنا اطفالاً مايلين , وانت تعرفين انني اريدك , لكنني لا اعرف بالضبط ماتريدين انت . انه لم يرفضها بسبب عدم تناسبها معه , بل لانه فكر بكل الامكانيات , ولأنه اكثر تجربة منها , لكنها مع ذلك احست بالرعب والبرودة في كل هذا , فاخذت تحرك رأسها من جانب الى آخر وهي تنحني لتستعيد الشورت.. وقال لها : - مايلين! مايلين , استمعي الي ! متى سأراك ثانية ؟اليوم ؟ الليلة ؟ متى ؟ - مطلقاً, كما ارجو! دعني فقط اذهب من هنا. - لا, لن اتركك , انت لست متعقلة , ولن اتركك متى تعودي الى رشدك؟ - سأصرخ ... - وانت في هذه الحالة ؟ ثم تحول للجدية فجأة : - حسناً, تريدين الحقيقة ؟ حين اكون معك لا استطيع التفكير بتعقل , لكنني على عكسك , اتقبل ان للناس مشاعر , ولم ارغب في ان اؤلمك. - ان .. تؤلمني ؟ - اجل , اللعنة! وشدها اليه ثانية ليقول بخشونة : - قولي لي الآن انك لا تعرفي ما اشعر, لست ساذجة لهذه الدرجة , لكنني اعرف انك لم تجتمعي برجل من قبل , مع انك تتعلمين بسرعة . - انا .. انا , لست افهم. - الا تفهمين ؟ وتسسلت يداه بجدارة حول خصرها , قاسيتان شديدتا الحرارة على بشرتها الباردة, وقال لها : - اكان يمكنك منعي .. صدقاً ؟ لكن هل تكرهيني لهذا؟ احمر وجهها : - لا تقل شيئاً كهذا! - ولم لا ؟ هذا واقع. تنفست بصعوبة : - دعني اذهب ستيفن . طلبها المرتجف , جاء بابتسامة الى شفتيه , وتمتم : - اخيراً, كنت اتساءل ما علي ان افعل لتقولي اسمي. - ستيفن , ارجوك. دفعت بيديها على صدره مصممة , واحست بحرارة على راحتي يدها , فوقفت عاجزة امام مشاعر بالكاد تعرفها او تفهمها , وقال بانفاس تلفح خدها . - الليلة , تناولي العشاء معي , على متن اليخت , نستطيع ان نخدم نفسنا بنفسنا , نحن الاثنان فقط. - لا استطيع . - لماذا؟ - لأنني لا استطيع. اخذت المنشفة والشورت مجدداً وادارت ظهرها اليه: - ود.. وداعاً. الاحساس بالهجران لم يفارقها حين وصلت الى الفندق لكن داخل حمى غرفتها , واجهت واقع انها كانت محظوظة جداً لخلاصها , بابتراد دمها و خمود ردة فعلها , رمت نفسها فوق السرير ترتجف , لادراكها كم قاربت ان تفقد احترام نفسها وخيانة كيم وثقته بها , وتساءلت بقلق , كم يمكنها ان تثق برجل مثل ستيفن براندون , وكم تستطيع الثقة بنفسها لو انه اصر على ملاحقتها؟ توجهت نحو قاعة الطعام وقت الغداء , فصاحت بها جوليا: - اين كنت؟ ظننتك ستذهبين مع نيكولاس الى البر الرئيسي هذا الصباح, كان يتحول كالحمل الضائع الى ان ذهب والده للمجئ بالبريد واخذه معه. - اوه , جوليا , نسيت , اين هو ؟ يجب ان اعتذر له. - انه يتناول الغداء, جاء يسأل عنك منذ قليل ومعه هذه الرسالة لك, لكنك لم تكوني في غرفتك. - بلى, كنت في غرفتي , لكن كنت مصابة بصداع ولم ارغب ان يكون معي احد. - وهل انت بخير الآن؟ ما رأيك لو نتناول غدائنا على التراس وننسى كل شيء. هذا اسهل عليها من التفكير بعذر لغيابها , وقرأت الرسالة بينما ذهبت جوليا لتحضر الوجبة , لكن بعد وضع الوجبة امامها عادت الفتاة الكبيرة للهجوم : - لقد قابلت ستيفن براندون ثانية , أليس كذلك؟ هل هو من سبب هذه الكدمات على ذراعيك؟ كانت ستقول ان الكدمات نتيجة وقوع في الغابة , لكن صراحة جوليا جعلت من المستحيل عليها الكذب فقالت : - كان عند الشاطئ , وهذا كل ما سأقوله. هزت جوليا رأيها صائحة : - المتوحش! كل ما ارجوه ان لا يلاحظ لورنس هذه الكدمات فسيلومني على تشجعيك. تنهدت مايلين : - جوليا , ارجوك , انسي الامر , ليس مهما ... - لا اوافقك الرأي , واذا كان يظن نفسه يقدر ان ... - جوليا , الامر ليس هكذا, لم يكن عنيفاً معي , انا من اصاب بالكدمات بسرعة. - ما حدث اذن ؟ لكن مايلين استمرت في رفض النقاش : - سأخذ نيكولاس البر الرئيسي بعد الظهر , اذا كان لا يزال راغباً , فأنا اعرف كيف يشعر , وسأشتاق اليه كثيراً. - وهل تفكرين بالسفر قريباً؟ - اجل, في الواقع , فكرت ربما في نهاية الاسبوع القادم. - نهاية الاسبوع القادم ؟ لا يمكن ان تكوني جادة! نحن نتوقع بقاءك معنا حتى نهاية آب على الاقل! احنت مايلين رأسها : - احببت اقامتي معكم, وتعرفين هذا, لكن كل العطلات يجب ان تنتهي , واظن ستة اسابيع تكفي , الا تظنين هذا؟ - ليس في الواقع , لورانس وانا ناقشنا هذا, ونشعر ان ثلاثة اشهر تكفي لك لتتغلبي على مامررت به , مايلين , لا تستعجلي العودة كثيراً, وتذكري ماتركت وراءك. - اذكر جيداً جوليا. - ما الامر اذن؟ ؟ كيم ؟ هل يحثك على العودة , اهذا ماتقول هذه الرسالة؟ - لا, على الاقل ليس عن قصد , قال انه مشتاق لي , طبعاً. - اذن ادعيه للمجئ الى هنا, اطبي منه الاقامة لاسبوعين لديه عطلاته, اليس كذلك؟ - حسنا, اجل , لكن ... - لكن ماذا؟ اليس المكان لائق به؟ تنهدت مايلين : - لا تكوني سخيفة , ليس الامر هكذا, فأنا لا اعرف ما اذا كان سيجيء ام لا , حسناً انه لا يحب اوروبا. - لكن هنا ليس اوروبا. - حسناً , انه شاطئ المتوسط اذن, لست ادري جوليا , صدقاً. - ادعيه , وانظري مايقول , على الاقل نستطيع هكذا ان نستبقيك مدة اطول. - اوه, جوليا كم انت لطيفة معي. ولفت ذراعيها على صديقتها تكاد تبكي التي سارعت لتقول : - اتعرفين ما اظن , اظنك تتركين مسألة ستيفن برادون تؤثر عليك كثيرا , انا على حق , أليس كذلك؟ هذا ما دفعك حقا لتقرري الرحيل. - لا, لكني , الواقع انني يجب ان اعود عاجلا او آجلا . - فليكن هذا آجلا , ارجوك مايلين اتصلي بكيم وانا واثقة انه سيأتي لو طلبت منه. خلال اليومين اللذين تليا تجنبت النقاش في المسألة , حين سألتها جوليا قالت انها تفكر بالامر. وبقي الطقس حارا مشمسا, وسبحت مع نيكولاس كثيرا, لكن ليس في المكان الذي قابلت فيه براندون , كان من السهل عليها ان تبعد كل الافكار من رأسها وهي تشق طريقها فوق الماء وراء مقود القارب التجاري, او وهي تتأرجح فوق المركب الشراعي الصغير, لكن هذا لم يكن سهلا حين تخلد الى غرفتها ليلا, حيث تستلقي ساعات قبل ان يأتيها النوم , وتستيقظ في الصباح متأخرة اكثر من المعتاد , ورأسها يضج بالصداع. بالرغم من نفسها لم تكن تتمكن من ابعاد ستيفن براندون من افكارها كانت قادرة على التحدث عنه بخفة حين تكلمها جوليا عنه لكن في خلوتها كانت افكارها امر آخر, ومهما حاولت تجنبها , لا تستطيع نسيان الطريقة المستهترة التي تصرفت فيها معه, وتحترق بنار الحرج في كل مرة تتذكر. في نهاية الاسبوع , لم تكن قد اقتربت بعد من اتخاذ القرار , بعد ظهر يوم السبت , توجهت مع لورنس وابنه نيكولاس الى البر, حيث تركتهما للتجول في المحلات, لم تكن تلك بلدة كبيرة لكنها كانت بلدة سياحية على الشاطئ وفيها منتجعات تجلب السواح واخذت مايلين تتفرج على واجهات المحلات , فجأة احست ان شخصاً يقف خلفها , فاستدات لتواجهه , فقالت له: - مرحباً! عالم صغير , اليس كذلك؟ نظر الى الشارع صعوداً و نزولاً ثم قال : - لوحدك؟ - في الوقت الحاضر , جئت مع لورنس ونيكولاس , لكنني تركتهما على الرصيف. - تناولي القهوة معي. - قهوة؟ - شوكولا مع حليب اذن؟ ان تفضلين المرطبات ؟ كي نتكلم معاً فقط. - لست ادري . - حسناً , انا ادري. حثها عبر الشارع الى مقهى للأيس كريم, وعرفه الساقي هناك, بعد ان وضعها عند احدى الطاولات المغطاة بسواتر من قصب , ذهب ليحضر طلبيهما , واخذ يتحدث ملياً مع الساقي وهو يسكب الايس كريم الشوكولا في كأسين ويصب فوقهما الحليب, كان حجم الكأسي يوازي ضعفين مماتعرف, ولاشك ان فيهما الكثير من الدهنيات , لكن لو ان ستيفن يتناولها هكذا عادة, لا تظهر عليه السمنة بكل تأكيد. بدا ان الجميع في المقهى يعرفه وتساءلت عما اذا كانوا سيظنون انها آخر علاقاته. سألها بعد ان ابتعلت اول معلقة من الايس كريم بالحليب: - جيد؟ - جيد جداً, شكرا لك. - وهل افهم من هذا انك سامحتني ؟ - سامحتك؟ - اجل, لا تتظاهري انك لا تفهمين ما اعني, لقد توقفت عن السباحة الصباحية. - وكيف عرفت ؟ - وكيف تظنني انني عرفت ؟ اريد رؤيتك ثانية مايلين , فلا تدعيني انتظر كثيراً. انقبضت حنجرتها الى حد الاقفال . - ستيفن. - لا تقولي لا , هنا مكان عام , واظنك تحسين بالامان معي هنا , لكن لا تدفعي بحظك كثيراً. - اوه , ستيفن , توقف عن هذا! لن استطيع مقابلتك , ماعدا اذا كنت تعني كهذا اللقاء. - انت تعرفين ما اعني. - اجل, حسناً , هذا مستحيل. - لماذا؟ - انا , لأنني لست ... لست حرة. - ماذا تعني , لست حرة؟ لست متزوجة؟ ولا ترتدين خاتماً . - اعرف , لكن هناك رجل, ونحن متفاهمان , انه يثق بي. - صحيح ؟ كم هو غبي! - هذا ليس انصافاً. - وهل الانصاف يعني ان تتصرفي كما تصرفتي معي وانت تعرفين انك مخطوبة لرجل آخر؟ - لم يكن الامر هكذا. - لم يكن ؟ كيف كان اذن؟ - ستيفن ارجوك. - لا تنظري اليّ هكذا مايلين ! بهذا التقاء والبراءة ! حسناً.. من هو الرجل ؟ واين يعيش , وما الذي دفعه ليتركك لوحدك؟ - انه يعيش في نيويروك .. واعرفه طوال حياتي. - لماذا ليس معك؟ تنهدت : - حدث شيء.. شيء احتاج ان ابتعد عنه, فأرسلني كيم الى هنا لأتخلص من الصدمة. - كيم؟ اهذا هو اسمه؟ - اجل. ونظرت الى كأس الآيس كريم , المشكلة انها لا تعرف ماهو الاسوأ, احساسها بالذنب تجاه كيم , ام ادراكها ان الموقف مع ستيفن اكثر جدية , وسمعته يتمتم : - لابد انني مجنون , فبالرغم من اي شيء , لا زلت اريدك. - لا! رد هامساً بإصرار : - بلى. ورفع يدها الى فمه تاركا اصابعه تتخلل اصابعها . - كان الامر رائعاً مايلين, بيني وبينك اعني, وهذا ما اريده مرة اخرى. - لا. - لماذا لا؟ - لأن هذا غير اخلاقي! - لكنه عملي , فمارأيك مايلين؟ احست بالالم : - اهذه هي لعبتك المعتادة ستيفن؟ الا يجب ان يقف شيء بينك وبين ماتريد, حتى الاخلاق؟ - اذا كنت تقصدين انني اهوى الفتيات الشابات , فالنساء المتزوجات يجلبن سؤ السمعة وانا عادة اتجنب فسخ علاقة جيدة . - كم انت كريم الاخلاق. سخريتها لم تضيع فيه, لكن شفتيه التوتا ببسمة ساخرة : - لا اقول ان ليس هناك مناسبات .. حسناً؟ ماقولك؟ - تعرف ردي. - لا؟ - لا! - جولي , لكنني مجنون بك! فلا تفعلي هذا بي , احتاجك! كانت ذراعه على ظهر الكرسي وراءها , ويده تطبق على كتفها بتملك ظاهر , فأخذت ركبتاها تصطكان حين امتدت اصابعه تحت حمالة الفستان , واحست انها لن تحتمل المزيد. - ستيفن لا تفعل هذا, انا ... يجب ان اذهب لورنس ينتظرني. وتمكنت من سحب نفسها من تحت ذراعه في الوقت المناسب الذي وصل فيه لورنس وابنه ليجلسا على طاولة مجاورة , حيث حياها نيكولاس. - مرحباً مايلين! لحسن الحظ ادار لورنس اهتمامه الى مرافقتها: - مرحبا سيد براندون , لم اكن اعرف اننا سنجدك هنا مايلين. وتساءلت عما اذا كانت قد تصورت نظرة عدم الموفقة في صوته حين اكمل: - اظننتك ستتسوقين بعض الاغراض. اذن لا مجال للغلط , لورنس غير مسرور لوجودها مع ستيفن . فهو على كل الاحوال حذرها منه , ويعرف الكثير عن ولائها لكيم . - كنت اتفرج على واجهات المحلات حين اصطدمت بالسيد براندون , كنا على وشك مغادرة المقهى. بدا على نيكولاس خيبة الامل وصاح : - اوه , لا تذهبا , متى ستريني اليخت سيد براندون؟ هل نسيت وعدك؟ - لا لم انس نيكولاس , سأجي الى الخليج بعد ظهر يوم في الاسبوع المقبل, وسنذهب معاً للأبحار , كيف يناسبك هذا؟ رد لورنس : - حقاً سيد يراندون , هذا غير ضروري. - لا بأس سيد باربولس, انه موعدنا , اراك فيما يعد نيكولاس. وتركهما ليخرج مع مايلين , تحت اشعة الشمس الساطعة لف ذراعه حول خصرها , وكانت تجربة مثيرة ان تسير معه جنباً الى جنب, ليضيعا بين انظار الفضويين , لكن هذا لم يزعج براندون , فأخذ يتبادل كلمة هنا وكلمة هناك دون احراج. وسألته فجأة: - هل انت في إجازة؟ - نوعاً ما. - وماذا تعني بقولك؟ ضحك : - من المفترض انني اتعافى. - وهل كنت مريضاً؟ - من عملية الزائدة, هل تريدين رؤية الجرح؟ - لا, الافضل ان اذهب. لكن يده على خصرها منعتها: - متى ساراك ثانية ؟ الليلة ؟ غداً ؟ عديني ان تأتي الى الخليج في الصباح , وسأتركك تذهبين. تنفست بعمق: - وماذا عن عائلتك ؟ ايعرفون ماتفعل؟ ايعرفون بأمري ؟ صمت لحظات ثم قال بهدوء: - كارل يعرف. - إبن عمتك؟ - اجل . - وعمتك و زوجها ؟ لقد اخبرتني جوليا عن عائلة بروس وعن عائلتك ! ادارها اليه: - حسناً؟ - حسنا! انهم لا يعرفون شيئاً عني , انا لست شيئاً بالنسبة لهم, مجرد فتاة اخرى من فتيات ستيفن ال.. - توقفي عن هذا! وبدا عليه الغضب من كلامها لكنها كانت مصممة ان تدمر علاقتهما وعليها ان تستمر. - لن يوافقوا على علاقتك معي, صحيح؟ اعني انني إبنة مفلس منتحر, وانت إبن صاحب اسطول لناقلات البترول! هذا غير مناسب , اليس كذلك ؟ كل ماتريده مني مجرد علاقة عابرة , علاقة سيد براندون, حسناً انا لا اقيم علاقات مع احد , من الافضل لك اذن ان توفر مجهودك لفتاة مستعدة لهذا. رد ببرود: - انت لا تعرفين ما تتحدثين عنه. لكن يداه سقطتا الى جانبيه , وبارتجافة استدارت لتتابع سيرها دون ان يعترضها.
نهاية الفصل الثالث
الفصل الرابع : واكتشفت الحب!
وصلت الدعوة وقت الغداء في اليوم التالي لوصول كيم مايفز , يحملها رجل يرتدي ثياباً رسمية لسائق, وصل على متن مركب سريع , وأصرّ على انتظار الرد. حملت جوليا المغلف وتقدمت من مايلين وكيم الجالسان على طاولتهما في قاعة الطعام , وقالت , كأنها تعتذر مشيرة الى المغلف. - آسفة لأزعاجكما, لكنه مصرّ على انتظار الرد. ابتسم كيم: - لا يمكن ان يكون فيها اخبار مزعجة , هل الرجل من البوليس جوليا؟ - يا للسماء , لا ! رسالة من عائلة روس يا مايلين. واعطتها المغلف , فأخذته مايلين بأصابع مرتجفة , في الداخل وجدت بطاقة , اطرافها مسننة بأناقة لونها زهري فاتح جداً, كانت من اثينا بروس , تدعو السيد والسيدة باربولس وضيفاهما السيد كيم مايفز والآنسة مايلين ستيفنز الى حفلة شواء ستقام ذلك المساء على خليج جزيرة ديون. لم تقل مايلين شيئاً, بل انها لم تستطع ان تقول شيئاً , مدت يدها تعطي البطاقة الى لورنس الذي قرأها وتبادل نظرة ارتباك مع زوجته , التي رفعت كتفيها دليل إذعان عاجز ونظرت الى كيم وهو يقول متساءلاً: - هل هناك اي خطأ في هذه الدعوة ؟ تبدو لي مرضية, من هم هؤلاء الناس ؟ أتعرفونهم؟ تنهدت جزليا : - انا , نحن , حسنا , انا لم التق بالسيدة روس, في الواقع , لكنني التقيت بابن اخيها, تذكرين ستيفن براندون مايلين اليس كذلك؟ جاء الى الفندق عندة مرات منذ اسابيع. ردت وفمها جاف, والكلمات تحرقه وهي تخرج منه: - اجل , اذكر , هل انتم .. هل ستقبلون الدعوة؟ - وهل ستقبلينها انت؟ ماتعنيه جوليا كان واضحاً, ولم تستطع مايلين إلا ان تهز كتفيها عجزاً.. وسمعت كيم تقول : - براندون ...براندون؟ اين سمعت بهذا الاسم من قبل؟ اوووه , اجل , من ابنك جوليا , ألم يقل ان السيد براندون اخذه في نزهة على يخته ؟ - هذا صحيح , جاء بالأمس , بعد ان ذهبت مايلين الى اثينا للقاء كيم. وقال كيم: - حسنا, لياقة منه دعوتنا , هل هم من سكان المنطقة؟ - جزيرة ديون مسكن عائلة بروس الصيفي , والسيدة بروس هي شقيقة كارلوس براندون, لابد انك سمعت بشركة (براندون ماريتم )؟ - تقصد تيغر براندون الشهير في عالم ناقلات البترول ؟ ردت مايلين : - اجل, و اعتقد ان الدعوة مجرد تلميح للتواضع , اناس مثلهم يفعلون هذا دائما. قالت جوليا بعدائية : - اظن ان علينا القبول , فعلى اي حال نحن مستأجرون لديهم , و أكره ان أغضبهم. نظرت مايلين بذهول الى صديقتها , هي متأكدة انها لا تصدق ماتقول. ولا تصدق بأن الدعوة حقيقية. لابد ان ستيفن وراء الدعوة , وبناء على تحريض منه , لكن ماهي لعبته , إنها لا تدري , ولا تجرؤ على التفكير. كلمات كيم قاطعت افكارها المضطربة : - اجل , موافق , تبدو الدعوة جيدة, وستعطيني فرصة لارتداء سترة العشاء التي جئت بها معي , هه مايلين؟ كانت مايلين لا تزال تنظر الى جوليا بانزعاج واتهام وكأن صعباً عليها التركيز على مايقوله كيم , فسألت : - ماذا ؟ - قلت , سأتمكن من ارتداء سترة العشاء. واستدار الى جوليا مضيفا بريبة : - لا بأس في ارتداء سترة عشاء , أليس كذلك؟ استعادت جوليا المغلف من اصابع مايلين المرتجفة وذهبت لتعطي الرد للمرسال المنتظر . ولم تعد مايلين قادرة على الاستمرار في الغداء, فاعتذرت ولحقت بصديقتها الى المكتب خلف طاولة الاستعلامات, اغلقت الباب وراءها وسألتها : - وماذا تظنين لورنس سيقول؟ تعرفين ماهو شعوره نحو عائلة بروس , خاصة نحو ستيفن براندون! هزت كتفيها : - حسناً , لن يستطيع الرفض الآن , كما انني طالما رغبت في رؤية ذلك المكان من الداخل, لا تنظري اليّ هكذا مايلين , سيكون الأمر مسلياً, كما انك تذهبي لوحدك , كيم سيكون معك , ولن يتمكن ستيفن براندون من حشر نفسه بينكما! - لماذا يفعل هذا جوليا؟ وغاصت متنهدة داخل مقعد وثير قرب الباب , فنظرت اليها صديقتها باشفاق : - اظنه جاد اكثر مما تظنين, انتظري لتعرفي , ربما الدعوة ليست كما تبدو. - أتصدقين هذا؟ - لا. لكن لا يجب استباق الأمور . - جوليا, سأتزوج من كيم! - وانا لا أنكر هذا , صحيح؟ - لا, لكن ستيفن براندون لا يهتم لهذا, لا يهتم بأحد سوى نفسه, قال لي ان له علاقة مع نساء اخريات , ومتزوجات. تنهدت جوليا ثم ابتسمت: - لست اعرف واحدة منهن , حسناً انه مغري, وقد يستاهل الأمر معرفته , ولو لمجرد الخبرة! - انت مجنونة ! - وانت متزمتة جداً لفتاة في مثل سنك, هوني عليك مايلين! لا تقلقي , فكري فقط, بعد اسبوعين ستعودين الى اميركا, سيتلاشى كل هذا من رأسك. تمنت مايلين ان تكون واثقة مثلها , فالمشكلة انها كانت تجد من الصعب إبعاد صورة ستيفن عن تفكيرها , وتشك في ان تكون المسافة التي ستفصلهما قد تشكل فارقاً, فكل ماعليها ان تفعل ان تغمض عينيها لتجد وجهه مطبوع على جفنيها , وعيناه الرماديتان , متجمدتان عند الزوايا , وفمه يلتوي صعوداً في تلك البسمة الكسولة. اختارت مايلين ان ترتدي فستان سهرة اسود , لم تكن ساعة وضعته في حقيبتها تتصور انها ستحتاجه, خطوطه البسيطة كانت أنيقة ومغرية معاً. قسمه الأعلى مربوط الى الكتفين بشرائط حريرية رفيعة , يلتصق بالصدر حتى الخصر بشدة, مفتوح من الخلف حتى منتصف الظهر , بينما يتدلى من الخصر بانطلاق حتى الكاحلين , وبانفلات شعرها فوق كتفيها, كانت تعلم انها لن تخيب أمل كيم, وانها اكثر استعداداً لمواجهة آل بروس. استخدموا القارب السريع للوصول الى مكان الحفلة , وقطعوا الخليج ليلتف بهم القارب حول الجزيرة متجهاً الى ديون , مقر آل بروس . تبادلت جوليا نظرة تآمر مع مايلين وقالت مبتسمة : - تبدين رائعة, واتمنى لو كنت أخف وزناً, لارتديت ثياباً مثيرة مثلك. بدا الارتباك على مايلين: - اتظنين هذا؟ إنني مثيرة اعني؟ لا اريد احداً ان ... - بالطبع لا! صدقاً تبدين جميلة, أليس كذلك كيم؟ ألا تبدو مذهلة؟ - مذهلة! . انها دائماً هكذا. وتساءلت مايلين لماذا يبدو اطراء كيم لها دائماً كتنازل منه . كان هناك عدة قوارب من مختلف الاحجام, راسية عند المرسى الحجري الصغير الذي يحد البحيرة تحت منزل بروس, محط خشبي معلق كان يتصل من البحر الى درج خشبي , منطقة الرسو كلها كانت مضاءة بمصابيح ملونة موضوعة داخل زينة ورقية متأرجحة, صوت الموسيقى والضحك , والكلام المخنوق كانت تصل فوق المياه , واحست مايلين باعصابها تتقلص بينما كان لورنس يوجه مقدم المركب نحو المرسى , ثم يقفز اليه. تسلق لورنس وجوليا السلم الخشبي اولاً, ولحق بهما كيم ومايلين , وخفق قلب مايلين بوجودها هنا الآن , اقتنعت انها ما كان يجب ان تأتي , وشدت قبضتها على كم سترة كيم. التفتت عدة عيون نحوهما حين سارع اندرياس بروس الى تقديمهم للضيوف, فهو و لورنس يعرفان بعضهما من قبل , وشكرهم اندرياس بأدب وكياسة لقدومهم. اثينا بروس كانت من اجمل النساء اللواتي رأتهن مايلين , كانت سمراء مثل ابن اخيها , لها مثله عينان رمتديتان ورموش طويلة , وكان لون فستانها الحريري المطبوع بالزهور متكامل التنسيق مع بشرتها اللماعة السمراء. كانت ترتدي الألماس في عنقها وأذنيها , والسوار الثقيل حول معصمها , كان يساوي ثروة صغيرة دون شك, لكن لو ان مظهرها كان جذاباً , إلا ان اخلاقها لم تكن هكذا , فاستقبالها لهم لا يمكن وصفه بالمرحب, واستدارت الى مايلين بعدائية ظاهرة : - إذن انت مايلين, ابن اخي ذكرك, وكنت فضولية لأقابلك بنفسي! - نعم؟ - اظنك اميريكية , الست كذلك؟ يجب ان تخبريني مارأيك ببلادنا؟ هزت مايلين كتفيها عاجزة, ولراحتها ادارت اثينا اهتمامها الى كيم. - مساء الخير سيد مايفز , ارجو ان تتمتع بأمسيتك. - انا واثق انني سأتمتع بها . لديكم مكان جميل هنا سيدة بروس.إنها واحة رائعة الحس لشخص قديم الطراز في احاسيسه مثلي! بدا على اثينا عدم الثقة في ان تأخذه على محمل الجد أم لا , لكن دون شك خففت كلماته الضغط عن مايلين. فأعطاها هذا الفرصة لتفتش في الجمع بحثاً, لكن كان من الصعب ان تميز رجلاً طويلاً بين كثيرين مثله هنا, ثم وكيم يقودها نحو لورنس و جوليا. سعت صوتاً كسولاً مألوفاً: - مرحباً. احست وكأن شيئاً قد سدد ضربة الى شبكة اعصابها , وسقطت يدها على ذراع كيم دون وعي . كان ستيفن يقف ورائهما تماماً. يرتدي بنطلونا ازرق اللون وقميصاً من الحرير الكريمي اللون , فوقه سترة كحلية كانت تبرز عرض كتفيه , واكمل : - انا مسرور لتمكنكما من المجئ , آسف لأنني لم اكن موجود للاستقبال, لكن عمتي اصرت على استخدام كل يد متوفرة لها . سارعت مايلين للقول بارتباك: - هذا ستيفن براندون , وهذا كيم مايفز. مد كيم يده ليصافح ستيفن : - كيف حالك سيد براندون؟ وتحرك كيم بينهما ليعزلهما بنجاح, واحست مايلين بعدم رضى كيم بما يجري, لكن بوجود جوليا ولورنس الى جانبه, بالكاد يستطيع الاعتراض . معظم المدعوين كان يتمتع بالحفلة , حتى ان بعض الشبان والشابات كانوا يرقصون في الشرفة تحت ضوء القمر, وانحنى ستيفن نحو مايلين وكأنه يصغي الى شيء تقوله , وهمس لها : - حسناً؟ ما رأيك ؟ هل استقبلتك العمة اثينا جيداً, ام انها اعطتك احد انطباعاتها الشهيرة بالعجرفة؟ لم تستطع مايلين الرد سوى بابتسامة خفيفة , واشاحت بوجهها بعيداً, إنه لا يزال ستيفن الذي تعرفه , لكن كل ماتتمنى ان لا يجعل الأمور صعبة عليها , لكنه سرعان ماقال لها وقد ذهبت عن وجهه كل دلائل المرح : - ارقصي معي. واحست بالتوتر الذي اصبح مألوفاً لديها الآن حين اخذ اصبعه يدلك راحة يدها , فتمتمت : - انا ... لا استطيع. - لماذا؟ همست يائسة: - لأنني لا استطيع , ارجوك ستيفن لا تفعل هذا, ستسبب لنا الفضيحة ! رد عليها ببرود: - هذا لا شيء مما استطيع ان افعله , صدقيني. وصدقته لكنها اصرت بصوت منخفض: - لا استطيع ترك كيم, حاول ان تفهم موقفي. - ولم افهمه ؟ هل حاولت فهم موقفي؟ - ستيفن... - هذا اسمي! - ستيفن , لقد تحدثنا بكل هذا قبل. - اردت مقابلة عائلتي , حسناً لقد قابلتها , وقبلت دعوتي. - دعوتك ؟ - وماغيرها؟ كان ينظر اليها وهو يتكلم , وفي الضوء الخافت استطاعت ملاحظة نظرته المتعمدة المتفرسة, بإمكانها ان تغرق في عمق هذين العينين. واخذت تضعف تحت تأثير جاذبيته , وكان عليها ان تجبر نفسها على التركيز على كأس الشراب في يدها كي لا ينسكب, وقالت عبر شفتين مطبقتين: - عمتك المحت انها هي من قدمت الدعوة. - صحيح, لكنني انا من طلب منها هذا, هل ترقصين معي الآن؟ - ستيفن , إنها لم تحبني , لا تريدني هنا. - لكنني انا ... اريدك. تمكنت من وضع كأسها على عربة شراب تمر قربها , في حين اخذها نحو باحة الرقص , بالتفاف ذراعيه حولها تلاشى كل عتبار آخر, لقد اصبحت الآن مقتربة جداً منه , وجهها مضغوط على حرير قميصه الابيض , وتمتم : - آه , كم اردت هذا. ردت دون ارتياح : - ظننت , بعد ذلك اليوم , في الميناء... لكن اصبعه على شفتيها اسكتها: - هل ظننت بامكانك التخلص مني بسهولة ؟ - كيف... اقنعت عمتك بدعوتي؟ هز كتفيه بكسل. - انها ليست سيئة, يعجبني فستانك , لكنني معجب بك اكثر وانت دونه. - ستيفن! للحظات , اخذا يستديران في الحلبة بصمت , ولم تكن حركتهما رقصاً, كانت الموسيقى والأغنية , مغوية للفكر بقدر ماهي مغوية للاحساس , واحست مايلين ان كل مشاعرها تتجاوب مع النغم والكلمة, هذا ليس إنصافاً, لكنها لم تحاول منع ستيفن حين اخذت اصابعه تتجول على ظهرها فوق فتحة الفستان, بل إنها انزلت ذراعيها عن كتفيه لتلفهما حول خصره وتشد نفسها اليه , الى ان احست بالدفء يصلها من جسده. حين انتهت الموسيقى , كانت مايلين تحس بالتخدر, ولم يحاول ستيفن تركها , بل قال : - تعالى , اريد ان اريك شيئاً. كانت تدرك ان إطالة وقوفهما هكذا , سيشد الانتباه اليهما اكثر, ومع ان البديل الذي يعرضه ستيفن خطر, إلا انها لم تستطع مقاومته وهي في حالتها هذه. فاطرقت رأسها ليسير بها نحو المنزل. كانت الجدران مزينة بلوحات مختلفة , بعضها حديث وبعضها اثري قديم , إضافة الى عدة دروع وسيوف و رماح, كلها اغريقية الطراز , كذلك بندقيتين قديمتين في وضع متقاطع كما السيوف . وقال لها ستيفن يشير الى السيوف والبنادق: - عمي اندرياس يهوي جمع هذه التحف , احياناً اظنها دليل على رجولة مكبوتة , فعمتي تسيطر عليه وتنفذ ارادتها. - اتصور هذا . - لا تقلقي منها. - وماالذي رغبت ان تريني إياه؟ كيم سيتساءل اين انا , ولا اظن هذه فكرة جيدة, فالجميع سيتساءل. - وسيظنون الأسوأ كما اعتقد, استرخي , وتمتعي بنفسك فأنا هنا للتمتع! تنهدت : - ستيفن.. - ما اريدك ان تريه في الطابق الأعلى. وامسك بيدها يجرها وهي تقاومه نحو السلم: - ماهو؟ ما الذي يجب ان أراه؟ ستيفن , اذا كان هذا خدعة ... - ليس خدعة , ثقي بي مايلين ؟ - ايمكنني ان اثق بك؟ - ألا يمكنك ؟ تعالي , لن يستغرق هذا كثيراً. وصل بها الى الشرفة المستديرة فوق السلم المشرفة على الردهة ووقفت مقطوعة الأنفاس لتسأل: - هل ستأخذني الى غرفتك؟ - آنسة ستيفنز ! هل يراودك شيء شرير نحوي؟ - ستيفن .. ارجوك. قاطعها : - الحقيني. وسار بها عبر ممر طويل مفروش بسجاد اخضر وذهبي , والى الجانبين ابواب خشبية مقفلة , على الجدران مابين الابواب مصابيح معلقة , والصمت هناك مطبق تماماً, إنها هنا لوحدها معه , وتحت رحمته , ولا احد يعرف مكانها. تقطيبتها المتوترة اثارت اشفاقه , فابتسم وقال : - انا لن اخذك الى حيث اقتلك بعد ان اغتصبك, كما قد تكوني قرأت في احد قصص الجرائم , إنها مجرد غرفة اريدك رؤيتها. كان النور يكفي لأن يرى ان الغرفة مفروشة بأثاث غرفة للاختلاء والراحة , وعلى جدرانها المستديرة رفوف محفورة مليئة بالكتب , وطاولة كتابة صغيرة عليها مجموعة من اوراق الكتابة وادواتها, واضاء ستيفن مصباحاً صغيراً, نوره المنخفض اظهر آثار الايام في الغرفة , وعرفت لماذا كان للغرفة رائحة العفن . فالكتب قديمة ومتآكلة , والأوراق على الطاولة مصغرة من القدم. - إنها ملاذ جدي, كان يأتي الى هنا , ليهرب من جدتي. كانت امرأة تشابه ابنتها , عمتي اثينا! هزت مايلين رأسها مذهولة , وقالت وهي تتحرك نحو النافذة : - إنه مكان رائع , ويطل على منظر جميل ! تقدم ليقف الى جانبها . - اعرف .. وهذا ما اردتك ان تشاهديه , انظري الى هناك . اشار الى جهاز تلسكوب قديم الطراز قرب النافذة فوق طاولة اثرية قديمة , وكان مصوباً الى شاطئ الخليج , وبالرغم من الظلام في الخارج , كان من السهل لها ان ترى عبره الانوار تتلألأ عبر الاشجار في الجزيرة البعيدة عبر المياه. ركزت مايلين العدسة لتناسب نظرها , ثم اكتشفت شيئاً غير متوقع , فصاحت غير مصدقة : - انظر , هذا هو الفندق , أليس كذلك ؟ ستيفن هذه الأنوار التي تلمع هناك , أليس الفندق؟ يا للسماء لو ان الوقت نهاراً.. - لكنت شاهدت الكثير .. الغار البحري عند الجون في الاسفل, مثلاً. شهقت مايلين مستديرة نحوه , حتى كادت تفقده توازنه. - انت .. انت تعني انك كنت تراني؟ استقام ستيفن ونظر اليها وكأنه نادم: - اخشى ان يكون هذا صحيحاً! - انت .. انت .. صوبت التلسكوب عليّ؟ - وهل يصدمك هذا؟ - لكن.. لكن , كان يمكن ان اكون افعل اي شيء ... - كالسباحة دون ملابس. - ولهذا جئت تفتش عني؟ - همممم - اوه .. ستيفن! - لقد حاولت ان اجدك لأيام , فذلك الساحل فيه عشرات المداخل لعشرات الخلجان, وفي البداية لم يخطر ببالي انك تقيمين في الفندق, ولم اكن اعرف حتى ان هناك فندق حتى قال لي كارل هذا. احنت مايلين رأسها : - لابد انني كنت محبطة لأملك. - مايلين , لا تجعلي هذا صعباً عليّ اكثر مما هو , تعرفين ما كنت اشعر حين شاهدتك , وكيف لا زلت اشعر. حبست مايلين انفاسها , ثم قالت مخنوقة : - يجب ان اذهب. - أتريدين هذا حقاً؟ رفعت نظرها اليه: - وأنت ؟ هز رأسه نفياً وبشهقة استدارت لتنظر خارج النافذة, دون ان ترى شيئاً, في هذه الغرفة الصغيرة , كان من الصعب جداً ان تتذكر نواياها السابقة , واكتشافها ان لقائهما لم يكن مصادقة, ملئها بإثارة مترددة , اخذت تتصوره يقف عند التلسكوب يصوبه الى غارها الخاص الصغير , إنها تجربة معذبة , التنهيدة التي انطلقت منها كشفت تضارب الشك في نفسها مع مشاعرها. - مايلين , مايلين , انت تحرقيني إرباً! ولم تقاومه حين امتدت يداه لترجعانها الى الوراء نحوه... وردت معترفة بصوت متهدج : - أنا ... أنا .. اظنك تفعل نفس الشيء بي. واسندت رأسها الى صدره , وبآهة حزن , تراجع الى الوراء نحو كرسي مريح وجلس ليجرها معه , وانتصر الدفء والإصرار , ليسلباها مقاومتها , ولم يعد لديها رغبة في تجنب مداعباته , وامتدت ذراعاها لتطوق عنقه , وتتخلل بأصابعها شعره , وغمرها احساس لا تعرف معناه , واغرقها في بحر انساها كل شك , واطلق قلبها في سياق محموم من التواني, وقال متمتماً : - لا تعرفين معنى البعاد عنك, ولا معنى انتظار ان تدعوك اثينا , ولا الخوف من امكانية ان لا تأتي , حين قال لي نيكولاس اين ذهبت البارحة , اردت ان اقتلك! تنفست انفاساً مضطربة وقالت : - قال , إنك قلت له , ان يقول لي , انك ستراني , واحسست بالخوف. - متى؟ - من نفسي!اوه , ستيفن, لا استطيع التفكير السليم وانا معك. - اعرف هذا الشعور , وانا لست في العادة شديد الانفعال , صدقيني؟ - انا , اعرف انك تحصل على ماتريد وبسهولة عادة , أليس كذلك؟ - إذا كنت تعني ما أظنك تعني , فلا اريد الرد على هذا السؤال, لكن اذا كان هذا يواسيك , فأنا لم اشعر هكذا نحو اي فتاة قبلك. - ابداً؟ - ابداً , لست ادري مافعلته بي , لكنني لا استطيع التفكير بأي شيء آخر كما يبدو. - اوه ستيفن, انت تفعل بي اشياء كذلك. - اية اشياء؟ وشدت نفسها اليه اكثر, تحرر راحة يدها على صدره : - احب ان انظر اليك, انت .. شديد السمرة.. بني اللون .. - يا إلهي مايلين .. ماذا تظنين انني مصنوع ؟ وابعد يديها عنه , وهو يفعل نادى احدهم باسمه , وبإلحاح ... صوت نسائي , تمادى صداه من اسفل السلالم , ولم يكن لدى مايلين الفرصة لتقف , حتى سمعا وقع اقدام تتوافق مع نداء آخر. الفتاة التي دخلت الغرفة الصغيرة , سبب الدوار لمايلين , طويلة , نحيلة , رشيقة القوام , لها شعر مجعد كشعر الأفارقة له لون مائل الى الحمرة , كان ثوبها القرمزي القاتم يلتصق الى كل ثنية من ثنايا جسدها الرائع , وراقبتهما عينان زرقاوان من تحت رموش صناعية طويلة , وتساءلت مايلين من تكون. صاحت الفتاة لحظة شاهدت ستيفن : - حبيبي! انت هنا! كنت ابحث عنك. طافت عيناها بقساوة مريرة على مايلين قبل ان تتابع : - امي تكاد تموت غيظاً حبيبي , انت تهمل واجباتك , أنت تعلم كم تعتمد عليك لتسلي السيدات الشابات. - اذهبي من هنا إيف , وكوني فتاة طيبة , وقولي لأمك إنني مشغول. كلماته كانت باردة , لكن مامن احد يشك في الشر المنبعث منها , واصدرت ايف بروس صوت سخط وقالت : - لا تكن شريراً! وتقدمت الى كرسيه لتلامس ذراعه بيدها الحمراء الأظافر : - حبيبي . تعلم كيف هي أمي , اذا لم تحصل على ماتريده , ستلومني , وقد اضطر لأقول لها مع من انت ... واحسست مايلين بالسقام, فسارعت تقول : - لوتعذرني. قفز ستيفن من كرسيه , وازاح ابنة عمه جانباً ليمسك بذراع مايلين بين اصابعه . - لست مضطرة للذهاب. - اوه, بل يجب كيم ... كيم سيبحث عني. - فليذهب الى الجحيم ! اريدك , ولا اريد سواك مايلين. قاطعته إيف : - لا ! لا تكن ابلهاً! - اغربي عن وجهي إيف! ولم يكن هناك شك في لكنته الآن , لم تعد تلك اللكنة الانكليزية المهذبة التي واجهت ابنة عمته بعدائيةباردة , واحست مايلين ان تمسكها بالواقع بدأ يتلاشى , لا يمكن لهذا ان يحصل لها حقاً, لابد انه حلم رهيب , وقريباً ستسيقظ منه , لتجد الامان الدافئ الذي يمثله كيم. لوت معصمها لتتحرر منه , وسدت ايف عليه الطريق وهو يحاول اللحاق بها , وتصاعدت اصوات اكعاب حذاء مايلين وهي تنزل السلم بسرعة , لكنها سرعان ماوصلت الى السجادة الطويلة التي تغطي الردهة, والتي توصلها الى الامان والتعقل فأخذت تسير ببطء فوقها. لكنها سمعت صوته وراءها يناديها , فلم تتوقف ولم تستدر مع ان خطواته الواسعة اوصلته بسرعة اليها. - مايلين, لأجل السماء , توقفي واسمعي ما اريد ان اقول. هزت رأسها واستمرت تتقدم: - لا , لا تقل اي شيء ستيفن, ارجوك, لا اريد سماع شيء , لا اريد ان استمع اليك. - مايلين! العذاب كان ظاهراً في صوته , حتى كاد يحطم ارادتها , والتفت رأسها نحوه بعجز , واصيبت بالصدمة للكرب الذي ارتسم على وجهه لكنها لن تتمكن من التوقف الآن , بطريقة ما يجب ان تحطم المشاعر التي ايقظها داخلها , وطالما هي معه , هذا مستحيل. كانت في منتصف الردهة حين ادركت انه توقف حيث كانا , لكن بامعانها المنظر الى نهاية الردهة عرفت السبب , فقد بدأ الناس يدخلون هرباً من عاصفة مطر مفاجئة, وهناك كان يقف كل من : جوليا, لورنس, كيم , واثينا بروس , ينظر كل منهم اليها بدرجة مختلفة من العدائية.
نهاية الفصل الرابع
الفصل الخامس : الاختطاف !
لم تدر , لما تبقى من السهرة , ماكان يؤلمها اكثر, معاناة تحمل صمت اصدقائها .. ام رؤيتها لستيفن يلاطف ضيفات عمته . كان يكفيها ان تعرف ان تصرفاتها لا يمكن التسامح بها , دون ان تضطر الى ملاحظة ان ستيفن قد استعاد رباطة جأشه بسرعة . واصبحت ممزقة بين تصاعد القناعة بأنه كان يكذب عليها , وبأنه لم يكن منجذباً اليها بجنون كما يدعي , حين اخذ ابنة عمته للرقص, ادرات نظرها عنهما كي لا ترى , واقترحت جوليا عليها ان تذهبا الى غرفة زينة السيدات. هناك اكتشفت لماذا كان الرجلان ينظران اليها باشمئزاز , كانت آثار ستيفن على كل انحاء جسدها , من شعرها المشعث الى احمرار ذراعيها وكتفيها نتيجة ضغط اصابعه عليها , وتمكنت من تصور ما راودهما من افكار , وماذا فكر بها كل الموجودين هنا , وانكمشت من فكرة العودة الى الحفلة. وقالت لها جوليا ساخطة : - ألم يكن في وسعك اصلاح ماكياجك على الاقل ؟ هزت كتفيها يائسة : - لا! جوليا .. انا.. - لا تحاولي شرح شيء لي , حقاً مايلين , كنت اتمنى لو لم تفعلي هذا , هذه السهرة كلها تنقلب الى مهزلة , واتمنى لو انني لم اوافق على المجئ. - انت تتمني. جوليا .. هل لي ان اذكرك انك انت من اردت المجيء! تنهدت جوليا كأنها تستسلم وجلست الى كرسي مرتفع قربها وقالت: - حسناً, إذن انا الملامة, لكن لأجل السماء , لماذا ذهبت معه؟ احنت مايلين رأسها: - لن تفهمي السبب. - جربيني . تنهدت : - ماذا لو قلت انني احبه؟ ماذا بعد؟ شهقت جوليا: - مايلين! - اعرف , هذا جنون , أليس كذلك؟ هل لديك بودرة او احمر شفاه , لم افكر بأن اجلبها معي. فتشت جوليا في حقيبتها لتخرج مشطاً, علبة بودرة, واحمر شفاه , وبينما اخذت مايلين تصلح ماتشعث منها بيدين بالكاد تسيطر على ارتجافهما . قالت جوليا : - لم اكن اتوقع ان يحدث هذا , صدقيني مايلين! اعرف ما قلته لك عن التواعد مع ستيفن براندون , لكنني لم اقصد ان تأخذي الأمر بجد, انا .. انا اردتك فقط ان تعرفي رجلاً آخر في هذه الدنيا غير كيم. - حسناً, لقد نجحت بكل تأكيد , لا تقلقي جوليا , انا لا ألومك! كل ماحدث غلطتي , كان يجب ان اكون اكثر حكمة. وسأفعل في المستقبل. - وهل حدث شيء ..؟! اعني كنت تبدين ... - مشعثة ؟ - لا ... لا , بل متدوخة.. فهل ... - لا, لم يغرني , اذا كان هذا ما تفكرين به. - شكرا لله على هذا! اوه ... مايلين , ظننت لورنس سينفجر غضباً حين سألت اثينا بروس عن مكان وجودك. - سألت عني ؟ - اجل, منذ ربع ساعة , اوه مايلين , لم تعجبني تلك المرأة ! إنها مرعبة! - لماذا؟ ماذا قالت ؟ - في البداية كانت مهذبة, وسألتنا اذا كنا نتمتع بالحفلة .. ثم سألت عن مكان وجودك, وقلت لها ان آخر مرة شاهدتك فيها كنت ترقصين مع ابن اخيها , فتغيرت كل تصرفاتها , هكذا. - وهل كانت فظة معكم؟ - كانت وقحة , قالت إنها تتمنى ان لا تجعلي من نفسك اضحوكة, او مصدر ازعاج , فستيفن يحاول جهده تخليص نفسه من علاقاته بالفتيات اللواتي يتصورن انه جاد باهتمامه بهن. وضحكت, تعرفين تلك الضحكة المتعجرفة المكتلفة , وقالت ان من الخير ان تكون ابنة زوجها تملك روحاً مرحة وإلا لردت على ستيفن من نفس العيار. احست مايلين بطعم المرارة في فمها وقالت بصوت ضعيف: - ابنة زوجها ؟ ايف بروس؟ - هذا صحيح , هل شاهدتها ؟ انها ترتدي ثوباً لا يبدو محتشماً ابداً. - لقد رأيتها. - حسناً, جن جنون لورنس , وقال لها لا يعرف بأمر الأخريات , لكن ستيفن هو من يقوم بملاحقتك , وبالطبع هذا لم يعجبها , وانهى كيم الكلام بالقول إنه سيتزوجك في الخريف القادم. - اوه , جوليا؟ - اضطرت الى تقبل الأمر, وماعساها تفعل غير هذا؟ بعدها بعشر دقائق , نزلت عن السلم وكأنك كنت تتمرغين معه فوق الأرض , واعتقد اننا كلنا شعرنا بسخف موقفنا! - يا إلهي! الأمر اسوأ مما تصورت , وكل مارغبت فيه الآن هو ان تختبئ في مكان ما, اي مكان , بعيداً عن هنا, حيث تستطيع لصق جرح كرامتها على انفراد. احس الجميع بالراحة حين تمكنوا من الاعتذار لمغادرة الحفلة وتمنى لهم اندرياس ليلة سعيدة, دون وجود زوجته المزعجة. وتسلقت مايلين القارب متلهفة لتبتعد عن الرجل الذي وقف عند أعلى السلم الخشبي يراقبهم. في الفندق , حين حاولت الحديث مع كيم, اعتذر ليذهب الى غرفته مع وداع قصير لجوليا و لورنس , وسارعت للاعتذار لهما , فقال لورنس: - انسي الامر , حذرتك من ستيفن براندون , ولابد انك صدقتني الآن في قولي ان سمعته سيئة! - اجل لورنس. وتمنت لهما ليلة سعيدة , لكنها كانت تعلم انها لن تجد سهولة في إبعاد ستيفن عن افكارها بالرغم من ازدواجية شخصيته. كانت تشرب القهوة في الصباح على طاولتها المعتادة حين تسلل كيم الى مقعده قبالتها دون ضجيج , ونظر اليها بعينين قلقتين , كسر كيم الثلج بينهما بالانحناء نحوها والقول : - ظننتك لن ترغبي في الحديث معي بعد ليلة امس. لقد تخليت عنك بذهابي الى النوم هكذا , لكنني كنت بحاجة للتفكير , والآن يجب ان اعرف موقفي. وضعت فنجانها بحذر : - موقفك؟ اين هو موقفك كيم ؟ هل اصبحت انا بعيدة عن مجال الغفران؟ - لا, على الأقل اذا لم ترغبي في ذلك, اسمعي مايلين , ادركت ان هناك امراً خاطئاً يجري هنا , فلماذا لم تكوني صادقة معي ساعتها؟ - لم يكن هناك شيء , وليس هناك شيء الآن , كي أكون صادقة معك تماماً. - لكن لا يمكنك نكران ذهابك معه .. و .. حسناً... كان ذلك اتصال من نوع ما .. معه. - لا .. لا اسطيع ان افكر. - اخبريني بالأمر إذن , اخبريني ماذا يعني لك. - لن يعجبك ما سأقول . - لكن كل مايحدث لا يعجبني مايلين. تنهدت : - انا منجذبة اليه . - هل تحبينه؟ - ربما . - هكذا إذن . وماذا عنه ؟ ماهي مشاعره؟ - ليست كمشاعري, لقد سمعت ماقالته عمته, أظنها حددت الموقف بوضوح. - اجل, إنها علاقة لن ترحب بها عائلته. - اتظنني لا اعرف هذا؟ - إذن الى أي مدى ستذهب هذه العلاقة؟ - لا علاقة بيننا , اذا كان هذا ما تعني. - احس بالارتياح, فمن الأفضل ان تبقى مثل هذه الامور بسيطة . لكن , ماذا عنا ؟ تعلمين مشاعري نحوك , وما أحسست دائماً. علاقتنا كانت تعني لي أكثر من أي شيء آخر, واظن والدك كان يعرف هذا. - اوه .. كيم . - لنوضح امراً مايلين حتى الآن لم اطالبك بشيء, منذ جئت لأخرجك من المدرسة الداخلية , اعطيتك الاعتبار والاحترام , واعطيتك الوقت لتستعيدي توازنك. - اعرف هذا كيم. - لكن هذا لا يعني انني لا احبك لو لا ارغب بك مثل اي شاب آخر , اعرف انني اكبرك بعشرين سنة على الاقل , واعلم ان هذا قد يبدو لك فجوة رهيبة , خاصة لمن هي في عمرك , لكنني دوماً اعتبرتك ناضجة , وشابة قادرة, ستتمكنين من مشاركتي حياتي , عملي , وحبي , ان تكوني المرأة الوحيدة في حياتي , المضيفة في بيتي , وسيدة مصيري, هذا ما اعرضه عليك, ولا يزال العرض لك, اذا اردت ان تقبليه. وضعت يدها على يده تضغط عليه: - كيم .. كيم , اعرف كم انت لطيف واعرف انني ماكنت ساتمكن من اجتياز الاسابيع التي مرت بي دونك, حتى هنا , كنت اعرف انك موجود , في الانتظار , تهتم .. ولا اظن انني تغيرت , اظن ان هذه العلاقة مع .. مع ... انت تعلم من , لم تغير رأيي فيك , ولا اريد ان تتغير , نحن لا زلنا نفس الشخصين , السنا هكذا ؟ - طبعا مايلين , اوه , كم انا مرتاح الآن , لا تعلمين كم كانت ليلتي رهيبة ! اتعلمين , يجب ان نغادر هنا , وفي الحال , فلنوضب اغراضنا , ونعود الى بلادنا , وهناك سنذهب الى السواحل .. الى فلوريدا نقضي شهرين في السفر, احتاج الى الراحة , وقد نتزوج قبل عودتنا الى نيوريورك. لم تستطع منع الاحساس بالقنوط ان يتملكها بالسفر وترك المكان هنا؟ - ماقولك ؟ كان كيم بانتظار ردها , وعرفت ان عليها اتخاذ القرار , من تخدع على اية حال ؟ ليس لها شيء هنا , سوى الالم و التعاسةو الإذلال, وردت عليه , تلتقط فنجانها لتخفي وراءه شكوكها واضطرابها: - اذا , كان هذا ماتريده , كيم , انت تعرف انني كنت اريد السفر منذ ايام. - عظيم, اتفقنا إذن , سنسافر بعد الظهر. ارتج الفنجان فوق صحنه في يدها : - بعد الظهر .. هذا؟ - ولم لا ؟ انا واثق ان صديقك لورنس لن يمانع في إيصالنا الى المطار, ومقاعد الدرجة الاولى متوفرة دائماً في اي رحلة كانت . احست مايلين بالصدمة , فقد كانت تتوقع ان يتأخر كيم لإجراء الترتيبات و القيام بالحجوزات والسفر في الغد وحتى في اليوم التالي , لكن اليوم ! لم تستطع ابتلاع الأمر , فنصفها كان يهلل لهذا العناد لكن نصفها الآخر بقي متحفظاً, يحتج على تهوره في سرعته , يتمسك بالحاضر بقبضة قوية , وقالت اخيراً: - ليس اليوم , احتاج الى وقت لأوضب اغراضي , لأودع الناس, لأودع نيكولاس , لقد كنا مقربان جداً, ولا استطيع تركه هكذا. - حسناًَ, في الغد إذن , غداً بعد الظهر , اعدك ان لا تندمي , سأجعلك سعيدة مايلين, هذا كل ما اردت ان افعله دائماً. ابتسمت مايلين , لكنها سراً كانت حزينة , حين جاءت الساقية , لتأخذ طلب كيم, اعتذرت وتبدأ توضيب ثيابها. وهي تقطع فسيحة الاشجار لتصل الى غرفتها , احست بالحنين الى وطنها , الامر غريب, لكن هذا المكان اصبح يعني لها الوطن , المنزل الريفي في ضواحي نيوجرسي , لكن عليها السفر عاجلاً أم آجلاً, مع ان فجائية قرار كيم تركها باردة تحس بالحرمان. - مرحباً مايلين! الصوت الخفيض الرجالي المميز , كان مألوفاً لها بشكل يشتت الكيان , واتسعت عيناها , الوقت مبكر في الصباح بعد للهلوسة . لكن الرجل كان جالساً بصعوبة على طرف سريرها , فهل يكون اختلاقاً من مخيلتها الشديدة الحساسية و التعب؟ و طرقت عينيها آملة ان يختفي , لكنه لم يختفِ , بل استقام واقفاً وتقدم منها, فقبض على خناقها ذعر رهيب, وسارعت لتمد يدها الى الوراء تبحث عن اكرة الباب لكنها لم تجدها, وقبل ان تستدير لتهرب , كان ستيفن قد اوقفها حيث هي , وذراعاه تستريحان على الباب. - اوه مايلين , ماذا سأفعل بك؟ - كيف دخلت الى هنا ؟ - نيكولاس دلني على غرفتك , لا تلوميه , رشوته ليقول لي, بإمكاني ان أكون كالوسواس اذا اردت. - ألا اعرف هذا؟ هل.. انت وإيف تمتعما بالسهرة بعد ان غادرنا؟ لم يرد عليها , فرفعت عينيها لترى انه كان ينظر اليها باستسلام : - وهل تتوقعي ان اجيبك على هذا السؤال ؟ ماتظني اننا فعلنا ؟ تغازلنا مثلاً؟ - لن يكون هذا غير معقول, نظراً للظروف , صحيح؟ - اية ظروف؟ - انت وهي , عمتك اخبرت جوليا ولورنس. - لست اهتم بما قالته عمتي لأي كان , إيف لا تعني لي شيئاً وإذا كنت تظني ان هذا ممكن , فعليك تصديق كلمتي بأنني لست معروضاً كالبضاعة . - إذن لماذا قالت عمتك ... - ولم تظنيها قالت , تعرف مشاعري نحوك , لست غبية , إنها تحاول استخدام كل سلاح متوفر لها لإبعادك. - ولقد نجحت .. أنا و كيم مسافران غداً. - مسافران؟ - الى فلوريدا , يريد ان نقضي عطلة معاً قبل ان نعود الى نيويورك , الى المنزل الذي تركه لي والدي في ضواحي نيوجرسي. - اجل , اعرف بأمر المنزل, لكن لا يمكنك الرحيل مايلين , لن اسمح لك. - وكيف ستمنعني ؟ سأتزوج كيم. - صحيح؟ بحركة سريعة اطبق المسافة بينهما ليشد ظهرها الى الباب تحت ثقل جسده . - وهل يعرف بمشاعرك نحوي؟ - في الواقع , اجل .. ستيفن , ابعد يديك عني ! انا لست ملكاً لك لمجرد... - ماذا قلت له ؟ هل شرحت له كيف التقينا؟ وماذا قلت للدفاع عن نفسك؟ إنني لاحقتك , إنني اجبرتك على اشياء ماكنت تفكيرين بها؟ - لا ...لا ! .. انا قلت له فقط إنني منجذبة اليك. - منجذبة لي ؟ .. حسناً, إنها احدى الطرق للوصف , كما اعتقد وسيتزوجك بالرغم من معرفته هذه؟ - طبعاً. - اوه .. يا إلهي! - ستيفن .. كيم ليس مثلك. - هذه هي الحقيقة, إنه ليس مثلي , مايلين .. مايلين , لا تفعلي هذا بي .. بنا ! نحن جيدان جداً لبعضنا ! - اتظن ان هذا كل ماهو مهم ؟ ان نكون جيدان معاً؟ هناك اكثر من هذا في الحياة. - لماذا لا تقولي الحكمة . أم انها غير موجودة في قاموس كلماتك؟ شدت مايلين على شفتيها تضغط قبضتيها على صدره وقالت متوسلة : - دعني وشأني ستيفن , كيم سيكون هنا قريباً, إنه يتناول فطاره , ثم سيأتي لمساعدتي في توضيب الحقائب. - كي تسافري؟ - اجل. التوى فمه بمكر ساخر: - حسناً , لماذا لا ابقى هنا الى ان يأتي ؟ ربما اعطيه بعض التعليمات عنك. - لن تفعل! اتسعت عيناها رعباً وبدت اكثر فتنة , فخفت حدة ستيفن : - عانقيني مايلين لآخر مرة و سأذهب اعدك. همست : - انت .. انت تعد؟ هز رأسه وقال ساخراً: - بشرف الكشاف. كانت تأمل ان ينتهي الأمر بسرعة , لكن ما ان مدت يديها خلف عنقه , حتى علمت ان ليس في نيته تركها , وبدا لها ان انفاسها توقفت وكان عليها مقاومة مشاعر اخذت تتصاعد داخل كيانها , لم يكن يجبرها على شيء , لكنها لم تستطع المقاومة , واستمرت في عناقه . قال لها بصوت مخنوق على شعرها: - جبانة ! حاولت فتح فمها لترد , لكنها عرفت انها خاسرة , فمشاعرها كانت قد بدأت بالتأرجح, وفقدت كل قدرة على محاربة رغبتها , حين ابعدها كان وجهه شاحباً, ودفع بيداه عبر شعره الكث وقال : - حسنا! اوصليني حتى المرسى. - لم.. لم يكن هذا جزء من اتفاقنا . لكنها سرعان ما اذعنت جين ادار عيناه المحمرتان اليها , وقالت : - لا بأس إذن , لكن يجب ان اعود بسرعة وإلا سيتساءل كيم عن مكان وجودي. شاهدت اليخت راسياً عند المرسى الحجري الذي بناه لورنس. انه حقاً مركب هائل , كله من الفولاذ اللماع , خطوطه الرشيقة التي تحضره للسباق, تتوالف مع فخامة المراكب الكبيرة , فقالت : - إذن هذا هو ( روح بوسيدون ) إله البحر. رفه ستيفن رأسه بفخر : - هذا صحيح , اتريدين التفرج عليه ؟ - اوه .. لا! إنه جميل جداً, ولا عجب ان يتأثر نيوكلاس به. - اصعدي على متنه . - انا .. لا استطيع. - لماذا؟ انحنى ليفك الحبال التي تربط اليخت بالمرسى , ثم استقام: - مايلين .. لا تتركيني اودعك هنا. - ستيفن , انت لست منطقياً, لقد تودعنا فوق , في الغرفة. - وهل فعلنا ؟ حسناً, هل تنكرين انك تحبي ان تكرري الوداع. - اوه , ستيفن . - على الاقل اصعدي الى سطح المركب, انظري الأمر سهل, مدي ساقك فوق الفجوة. صاحت به , تشهق سخطاً: - اعرف كيف .. ستيفن. - سأساعدك. وقبل ان تدرك ماذا يفعل , كان قد حملها ووضعها على سطح اليخت , فقالت باحتجاج: - ستيفن. فانحنى ليحرر آخر حبل يمسك باليخت , وتابع تجاهلها , وادركت بمزيج من الرعب والاثارة ان اليخت قد ترك مرساه واخذ يتحرك مبحراً , فصاحت : - ستيفن هذا جنون . - اعرف , فنحن على كل حال, لا يمكن ان نعيش وفق القوانين.أيمكن هذا ؟ وليس في نيتي ان اتركك تقضين يومك مع مايفز. نهاية الفصل الخامس الفصل السادس : جزيرة القرصان اعتقدت مايلين ان بإمكانها السباحة حتى الشاطئ, فقد تركها ستيفن ليدخل غرفة القيادة ويدير المحرك الجبار , لكن البنطلون الجينز والسترة المماثلة كانا عائقين لها , وتشك في ان تتمكن من جعلهما في الوقت المتوفر لها, فبقيت تقف عند الحاجز الأعلى لسطح المركب, تمسك بالقضيب الفولاذي اللماع تراقب الأعلى الصغير يبتعد . سألها خاطفها بصوت منخفض من وراءها : - غاضبة مني؟ - ومارأيك ؟ سيعرف كيم اين ذهبت, فسيعترف نيكولاس حين يستفقدوني. - وماذا في هذا؟ انت لست ملكاً لكيم مايفز. - ولست ملكاً لك كذلك! - وهل هذا صحيح؟ - اجل. هز كتفيه العريضين: - حسناً .. سنرى! واستدار ليعود الى الدفة . والنسيم الناعم البارد من فوق المياه يلفح وجهها لم يكن الجلوس هناك سيئاً, وتمنت لو تستطيع ان تسترخي وتخلع سترة و الجينز. كان ستيفن يرتاح بكسل فوق كرسي جلوس امام الدفة , يدرس خريطة امامه فوق لوحة القيادة, فرفعت بيديها فوق ذراعي كرسيها لتقف وتسير بقلة اكتراث مفتعلة نحوه , وسألته : - ماكل هذه العدادات والساعات ؟ - للزيت و الوقود , الحرارة , والمسيار الصوتي , القائد الآلي , رادار. - رادار؟ - انه مركب مقعد وحديث. هزت رأسها بذهول: - استطيع تصديق هذا. دون ان تستطيع المقاومة , مالت فوق كتفه لتتفرس بالعدادات بدقة اكثر , فأدار رأسه لينظر اليها , وركز عيناه على فمها , فسارعت للاستقامة , ومررت اصبعها داخل ياقة السترة : - اخلعيها , والبنطلون كذلك, وإلا ستحسي بالحرارة الخانقة حتى بعد الظهر . - بعد الظهر؟ لا يمكن ان تستبقيني حتى بعد الظهر ! - ولم لا ؟ ألا تظني اني سأفعل؟ اؤكد لك انني سأفعل. - انت مجنون! - بل يائس فقط, والآن اعطني بضع دقائق لأثبت مسارنا. - بل مسارك انت! ودون ان تفكر بماتفعل , انتزعت سماعة الهاتف الخليوي , طبعا , انتزعها من يدها دون جهد يذكر , فسارعت تتعلق بقشة الغريق: - كيم سيأتي للبحث عني . - سيأتي في ماذا؟ في طائرة هليوكوبتر؟ إنه لا يعرف هذه الجزر , وانا اعرفها. - ايها.. ايها الشيطان المتعجرف! - ارخي اعصابك , لم لا تفعلي؟ اذهبي واصنعي لنا بعض القهوة , او هناك بعض العصير والمرطبات في البراد , وثلج كذلك, اذا رغبت. نظرت اليه للحظات طويلة ثم اشاحت بوجهها قائلة : - ستجعلني اكرهك. - افضل من لا شيء , اوه وستجدين ثوب سباحة في الخزانة فارتديه , فقد يخفف من حرارتك. واحست بدافع عنيف لتحديه , لكنها كانت قد بدأت بالاحساس فعلاً بقلة الراحة , فاستدارت لتنزل الى قلب اليخت وهي تخلع سترتها . كماتوقعت وجدت ثوب السباحة يلائم جسدها تماماً, لكنه مخصر جداً, وتساءلت هل ترغب حقاً في عرض نفسها بهذه الطريقة , وبإحساس ساخط عادت الى ارتداء البنطلون مكتفية بإبقاء ثوب السباحة تحته . فمن الغباء ان تحاول التأثير عليه بعد حرارة عناقهما , دون ان تعطي نفسها فرصة للتفكير سارعت الى مقصورة الجلوس. كان المطبخ مجهز على احدث طراز , كما بقية المركب , إضافة الى الطباخ والثلاجة كان هناك غسالة صحون ومغسلة , وادوات مختلفة لتحضير الطعام وتقطيعه وخلط السوائل . خزانة المؤن كانت محشوة بكل انواع المعلبات والأطعمة الأخرى. وجدت البن دون عناء , والغلاية , لكنها بعد تردد تراجعت عن الشراب الساخن , فسخونة الجو تكفي , فتحت البراد لتخرج بضع علب من المرطبات , وضمتها تحت ذراعها لتصعد السلم الى فوق. كان اليخت يهتز قليلاً وهو يشق الأمواج , وقلقت مايلين لمعرفتها انهما اصبحا في المياه العميقة التي لم يسبق لها الابحار فيها. فالجزر التي زارتها كانت كلها قريبة بينما الى البعيد كان هناك الجزيرة الكبيرة الرئيسية كريت تلوح في الأفق , مع انها تعرف ليست وجهتهما على أي حال , وخفق قلبها لرؤيتها امتداد البحر المترامي الأطراف امامها. - هاك المرطبات. - مرطبات! عظيم! فتح العلبة وابتلع منها ما استطاع ثم مسح فمه بظاهر يده ونظر اليها متفحصاً وقال ملوحاً بيده الحاملة للعلبة الى ماترتديه: - هذا ظريف ! ثوب سباحة من فوق وبنطلون من تحت! اتساءل ماذا جرى للقطعة التحتية؟ - انا عكس ابنة عمتك , لست معتادة على التجول نصف عارية , على كل حال اين ستأخذني ؟ أليس لي الحق ان اعرف؟ - طبعاً , تعالي وانظري الى الخريطة , نحن ذاهبان الى هنا. شهقت: - لكن, لكن هذه الجزر التي كان يستخدمها الأقدمون في المراقبة ايام الأسبارطين. - هذا صحيح , فهمت الآن, لماذا لا تتوقفي عن المقاومة وتتمتعي بالرحلة؟ - لدي توضيب الحقائب. - فلتذهب الحقائب الى الجحيم! انت لن تسافري مايلين! مافائدة الجدال طالما هي هنا؟ فلتترك كل هذا الى ان تغادر هذا المركب, استدارت لتصعد الى السطح الذي يعلو غرفة القيادة حيث استلقت تحت الشمس مسترخية , بقيت هناك حوالي الربع ساعة قبل ان يصعد ستيفن يفتش عنها , وسألها : - مستمتعة ؟ - ألا يجب عليك ان تقود المركب؟ - امامك الدفة , اذا اردت اخذ القيادة. وتخطى ساقيها الممدوتين وقال : - لكن لا داعي لهذا حلوتي , القائد الآلي يقوم بالمهمة على خير مايرام. ردت بمرارة : - تظن نفسك بارعاً, أليس كذلك؟ واستدارت متعمدة الى وجهها, لتدفن رأسها بين ذراعيها , لكنه لم يكن الحل الأمثل , فهي لم تعد ترى اين هو او ماذا يفعل , وكادت تقفز فزعاً حين سمعت صوت غيتار يعزف امام أذنها , فانقلبت محتجة الى ظهرها , لكن الاهتمام تملكها حين شاهدت ستيفن يجلس وظهره الى الدفة يضرب على الغيتار, وهي تنظر اليه , غمز لها بسخرية وعاد ليعزف الحاناً من الغرب الأميركي , فسألته ترفع نفسها على مرفقها : - أتغني ايضاً؟ وكرد عليها , تحول ليعزف لحناً شهيراً لم ينزل الأسواق إلا قبل اسابيع . - حسناً , حسناً , انت جيد , ما اسم اللحن , ترويض الجن المتوحش؟ - لا , بل ترويض الجسد المتوحش, مما يذكرني ان هناك ثوب سباحة كامل بعد في الخزانة! احمر وجه مايلين , وادارت رأسها بغضب: - انت تعلم انني ارتديه كاملاً تحت البنطلون , لكنني لم ارغب في ان اعرض نفسي .. هذا كل شيء. هز كتفيه ووقف ليمر من فوقها وينزل السلم الى غرفة القيادة , وعلى مضض قررت اللحاق به لتجد انهما يقتربان من جزيرة, كان امامها خليج صغير, يقع مابين ذراعي مدخل صخري ضيق, فأخذت تتطلع الى المدخل باهتمام بينما اخذ ستيفن زمام الدفة بيده. مر اليخت ببطء شديد من خلال النفق الضيق الى داخل الخليج , ثم بعد قليل من الشاطئ الرملي , اطفئ المحرك ورمى المرساة , الصمت المفاجئ كان مثيراً للتوتر. - هذه الجزيرة احد المحطات المتقدمة لمراقبة تحركات الأسطول الإغريقي حين حاولت وشعوب ايونيا مهاجمة جزر دوريكانيز لطرد الآخيين منها , والغريب ان القبيلتان كانتا من نفس الأصل وكلاهما كانتا هاربتان من الغزو الدوري وهذا كله جرى في القرن الثامن قبل الميلاد , لكن الناس دائماً كانوا هكذا عبر التاريخ , أليس كذلك؟ دائماً يرون الأعداء حيث لا اعداء لهم . - اتصور ان لهم سبباً وجيهاً. واخذت تركز اهتمامها بالمنحدرات الحادة المغطاة بالصنوبر والتي تقف شامخة فوق الخليج, وهز ستيفن رأسه: - طبعاً, كانوا اعداء مريرين قبل ان يهاجمهم الدوريون لكن الأخيين كانوا اصحاب مدنية متقدمة , وانصهروا مع السكان المحليين وانشأوا عدة ممالك , كانت مزدهرة , بينما الأيونيين كانوا من المقاتلين المتعطشين دوماً الى الدم وانتهى بهم المطاف الى الصدام مع اهل كريت , لكن من احتل كل هذه الجزر فيما بعد كان اهل اسبارطة . - لماذا تخبرني بكل هذا؟ ضحك : - لأثبت لك ان العداء المتواصل يمنع تطور علاقة جيدة , والآن ألا ترغبين في السباحة حتى الشاطئ ام تفضلين الذهاب بالزورق؟ تنهدت : - ما افضله ان لا اذهب الى الشاطئ ابداً, الوقت قارب الظهر , ألا يجب ان نعود ؟ لم يرد عليها , بل وقف مكتوف اليدين ينتظر ما قد تقول او تفعل , اخيراً وبصوت نافذ الصبر قالت : - الأفضل استخدام القارب. - حسناً. رفضت عرض ستيفن ان تمسك بيده لتصعد القارب , فهي تعلم ان ملامسته ستخلق لها مشاكل , تفضل ان تتجنبها. وقفزت الى المركب بدافع العناء اكثر من دافع الرشاقة , و نزل ستيفن متمهلاً وادار المحرك الصغير , حين انطلق القارب الى الشاطئ , بدأت مايلين بالغثيان , لاحظ ستيفن اصفرارها فسألها : - ما بك ؟ اتحسين بدوار البحر ؟ لابد انك جائعة , هل تناولت فطارك هذا الصباح؟ - لا , في الواقع , لم اتناول شيئاً منذ مساء الامس , لكن لا تدع هذا يقلقك! بعد دقائق كان المركب يتوقف عند شاطئ مفروش بالحصى, فوقفت مايلين على الفور متلهفة لترك القارب و الوقوف على اليابسة, كان رأسها يدور , ورمت نفسها من جانب القارب الى الماء الضحلة ليتبلل بنطلونها في لحظة, وترنحت قبل ان تتمكن من الاستقامة كان ستيفن الى جانبها ليرفعها بين ذراعيه متمتماً : - حمقاء. واجلسها على الشاطئ الرملي الذي يلي الحصى , ثم مد يده الى حزامها وهي مستلقية تستند الى مرفقها , فصاحت به : - ماذا تفعل ؟ برعب تمسكت بخصرها , لكنه ازاح يديها : - اجمدي , لن تستطيعي البقاء بثياب مبللة , سأعطيك من ملابسي اذا لم يجف. - ليس من حقك ... - ليس من حقي؟ واحست انها ليست عادلة معه , فماذا يهم, البنطلون أكان لها ام له .. - حسنا؟ كيف تشعرين الآن ؟ أتريدين ان احضر لك كنزة او شيئاً آخر ؟ - لا , أنا بخير الآن , فاذهب وافعل ماجئت لأجله , سأكون على مايرام. - ليس لدي شيء افعله , تعالي نسبح ! الماء لذيذة. - اسبح لوحدك, اريد التشمس , وهذا ما انويه الى ان يحين وقت عودتنا. تنهد: - اسمعي , الأفضل ان تسبحي بمعدة فارغة, وسنتناول الغداء بعد نصف ساعة . ردت بسخرية : - صحيح؟ - مايلين , لا تسخري مني . هل ستنزلي الى الماء ام احملك؟ وقفت على قدميها في اقل من ثانية , تنفض الرمل عن جسدها , وتركها تسير برشاقة نحو الماء, فتسارعت نبضات قلبها , ثم تذكرت كيم , وكم هو قلق غاضب الآن , فتلاشى الضعف منها . حين نزلت الماء , اقترب منها , فكورت شفتيها وقالت : - ابق بعيداً عني! فاستدار الى ظهره , يركل الماء بكسل , لكنه لم يبتعد , وسألها : - افضل حالاً؟ - اعتقد هذا. - ألا تتمتعين بالسباحة ؟ - ربما , لكن لا يجب ان اتمتع بها . - لماذا ؟ ... لا.. لا تجيبي , لا اريد سماع الرد. تنهدت : - ألن تتساءل عمتك عن مكان وجودك؟ فضحك : - تعرف تماماً اين أنا . ربما ليس المكان بالتحديد , لكنها تعرف مع من . - وكيف تعرف؟ - أتصدقي .. قلت لها . - أتعني .. أتعني .. أيها .. أيها .. - أتسابقيني حتى الشاطئ؟ كانت بحاجة الى شيء تنفس فيه غضبها واحباطها , فقفزت تضربه قبل ان تتسابق بجنون نحو الشاطئ. تسلقت لاهثة الى الشاطئ تنظر حولها تفتش عنه . لكنه لم يكن ظاهرا للنظر , فارجعت شعرها الى الوراء منتظرة ان يظهر , لابد انه خطط للرحلة مسبقاً , لو استطاعت ان تحصل على القارب لهربت الى اليخت وتركته يسبح. مرت دقائق , تلاشى غضبها , حل مكانه القلق , اين هو ؟ لا يمكن ان يكون قد تأثر بضربتها , فهي لم تكن قوية, مع ذلك فقد تصاعد قلقها اكثر, لا وجود لأحد فوق الماء. - ستيفن! اوه .. يا الله .. ارجوك .. ابقه سالماً! لا يمكنها مطلقاً تحمل ان يحدث شيء له . - هل سمعت من ينادي اسمي؟ للحظات حدقت به دون حذر , مشاعرها واضحة للعيان , ثم غلب الغضب كل مشاعر اخرى حين ادركت انه لم يخرج لتوه من الماء. صاحت به وذقنها يرتجف . - اين كنت؟ فأشار الى المنحدر فوق الشاطئ. - اردت ان اعرف اذا كنت ستفتقديني؟ طرحت بقبضتها الى صدره برد غاضب: - وتتركني اعتقد انك غرقت؟ - هاي .. لقد قلقت حقاً, أليس كذلك ؟ مايلين حبيبتي! لا يمكن ان افزعك عمداً, يا للجحيم .. انا آسف .. انا نذل قذر ! لا استحق ان تقلقي لأجلي. صاحت ساخطة : - لا .. لا تستحق .. احتواها بين ذراعيه ليدفن وجهه في كتفها وقال متأوهاً: - انا لا اسبب لك الأذى متعمداً مايلين . هذه ليست غلطته , بل غلطتها هي لسماحها لنفسها ان تقع في حبه , وقالت : - أقلت شيئاً عن الغداء ؟ رفع رأسه وتراجع لينظر اليها : - الغداء؟ حسناً فلنتناول الغداء, لدينا الكثير من الوقت , أليس كذلك؟
نهاية الفصل السادس
الفصل السابع : حقيقة .. أم حلم ؟
بعد الغداء الذي تناولاه على سطح المركب قال : - تعالي , نضع الصحون في غسالة الصحون وننزل الى الشاطئ مجدداً. واطاعته مايلين , بنفس القدر من رغبة فيها لتبديد جو الاكتئاب الذي يمتلك فيها , ومن رغبة مماثلة في طاعته , في الوقت الحاضر نجح في إبعادها عن اي ميل في العودة الى الفندق, كيم كان بالنسبة لها الآن يمثل اشياء كثيرة ارادت ان تنساها , ورفض ذهنها التفكير في عواقب هذا الابتعاد الطائش , فستواجه هذا حين تضطر, أما الآن فهي تريد ان تمرح بحرية , وتتهرب , لكن من ماذا إنها لا تدري؟ اخذ ستيفن معه الغيتار , وتمددت مايلين باسترخاء على منشفة الى جانبه , تتمتع بموسيقاه الهادئة , كان من السهل عليها نسيان الزمن , والنتيجة التي تلي هذا النسيان, سهل ان تضيع نفسها في سعادة مطلقة , وتعيش فقط لأجل لحظتها , المتطفل الوحيد عليهما كان الأوز البري الذي يعتبر الجزيرة المهجورة له لوحده , والذي كان يطلق صيحات الاحتجاج لوجودهما وهو يقفز اسراباً الى الجو. بعد قليل, وضع ستيفن الغيتار من يده واستلقى مسترخياً الى جانبها واغمض عينيه ليحجب بريق الشمس, وكانت مايلين قد نامت , بعد ان احست بعينيها تغمضان , ولفترة طويلة ساد السكون الشاطئ إلا من همسات الامواج . كان ستيفن لا يزال نائماً حين فتحت مايلين عينيها , إحدى ذراعيه تحميان وجهه , وبدا لها صغيراً وجذاباً لدرجة تبعث الاضطراب , هكذا سيبدو تماماً كل صباح , وتصورته في الفراش, فلفت ذراعيها حول نفسها وكأنما تحتمي من الخطر الذي تمثله تلك الفكرة. لاحظت ان على اسفل معدته أثر جرح , إنه اثر عملية الزائدة التي قال لها عنها , فمالت نحوه لتحدق بالأمر , مع ان الجرح يشفى إلا ان اللحم حوله لا يزال محمراً , فتحركت اصابعها نحوه , تحس بفضول شديد لتلمسه . - بشع .. أليس كذلك؟ هل اخافك؟ اشاحت بوجهها مذعورة منه , فامتدت يده تسعى الى مؤخرة عنقها اسفل الشعر الكث: - لا تقلقي هكذا , لم يعد الجرح مؤلم , مضى عليه اكثر من ستة اسابيع ومن المستحيل ان ينفتح فجأة من جديد. ارتجفت وعادت عيناها دون مقاومة الى الجرح , فامسك حفنة من شعرها وقال : - مايلين .. كوني متعقلة . لكنها في تلك اللحظات لم تكن تحس بالتعقل وعلمت ان هذه اللحظة هي ماكانت تنتظرها. لم يعد يكفيها ان تنظر اليه , إنها تريد ان تتلمسه , و تريده ان يلمسها , وكانت تحس بحاجة تؤلمها وتعرف ان لا احد سيريح هذا الألم سواه , لكنه سرعان ما دفعها عنه : - يا إلهي مايلين , دعيني, دعيني أتبرد في الماء , وإلا لن اكون مسؤولااً عن النتيجة. وتركها مبتعداً , وراقبته يغطس في الماء, التموجات التي سببها غطسه اخذت تتوسع حتى وصلت الرمال , ولم يظهر لها لأكثر من دقيقة , لكن حين برز , كان بعيداً عدة امتار عن الشاطئ, يسبح بقوة ضد تيار الموج. جلست مايلين متنهدة , فقد بدأت الشمس تغيب , وقرب موعد عودتهما, لقد كان يوماً خارجاً عن الزمن , ويكاد ينتهي , وقريباً جداً ستقف امام كيم لتشرح له اين كانت ولماذا, وفي الغد سيرحلا , وستعود الى اميركا وستنقطع كل الخيوط بينها وبين الحياة التي ستتركها هنا خلفها , ولا جدوى من مقاومة واقع صلب, فهو لا يمكن تجنبه, وعليها ان تتقبله! حين عادا الى اليخت , توقعت منه إدارة المحرك على الفور لكنه نزل الى بطن المركب, وانتظرته ليعود , لكن حين تأخر لحقت به , وامام ذهولها وجدته يسخن الحساء على الطباخ , مرتدياً الجينز وكنزة , واحس بوجودها , ولاحظ زرقة البرد على بشرتها فقال: - ارتدي ثيابك اذا كنت تحسين بالبرد , لن يتأخر الحساء. فكرة ارتداء ملابسها ومشاركته في الحساء الساخن كانت جذابة لا تريد ان يفسدها احتجاج. كان ستيفن قد وضع قطعتين على الطاولة حين عادت , ووقفت لحظة معجبة بكل مايحيط بها , وليس آخرها ستيفن اطلاقاً, إضافة الى الحساء , وضع بعض اللحم المطبوخ البارد , قطع بطاطا مقلية , وخبز مستدير بالسمسم , وسلطة , ومرطبات. قالت محتجة وهو ينضم اليها على المقعد: - سيحل الظلام قريباً. - تذوقي الطعام , ما رأيك؟ - إنه لذيذ, وكذلك الغداء , كل شيء كان اليوم رائعاً. كانت جائعة لكن توقع ماكان ينتظرها سلبها شهيتها وبعد بضع ملاعق اكتفت , ولاحظ ستيفن هذا, لكن لم يقل شيئاً, وحاولت التعويض بأكل اللحم , لكن لا فائدة , فقد بدى لها حلقها يقفل كلما حاولت الابتلاع , وكلما فكرت انها في مثل هذا الوقت من الغد ستكون فوق الاطلسي على متن الطائرة متوجهة الى اميركا , فدفعت صحنها بعيداً مع احساسها بالقنوط . - ألم يعجبك الأكل؟ ام انك لست جائعة ؟ - يجب ان نعود ستيفن , امامنا مسافة طويلة بعد, أليس كذلك؟ صمت لدقائق, ثم قال بهدوء: - هل انت متشوقة لتركي؟ تمتمت: - تعرف انني لا اقصد هذا, بعيداً عن انك خدعتني لتأتي بي معك, فقد كان تصرفك معي رائعاً , على عكس تصرفي , وانا لا أنكر ابداً انني اجدك جذاباً. - اوه , مايلين , توقفي عن إيجاد الأعذار, نحن جيدان لبعضنا , ونعرف هذا قبل اليوم, وكلانا يعرف ان اليوم لا يجب ان ينتهي , ليس بالطريقة التي تتصورينها على أي حال. مدت يدها وكأنها تحاول إبعاده عنها, لكنه استعمل امتداد اليد ليجذبها اليه , ويطبق ذراعيه حولها : - ستيفن , لا تلمسني . - ألمسك؟ مايلين انا مضطر لأن المسك , يجب ان احضنك. فأنا احبك مايلين .. احبك ! - انت .. تحبني؟ - اجل احيك , احبك واريدك , اريد ان اكون جزءاً منك , فلا تقولي إنك لا تريدين هذا ايضاً. لو ان ستيفن كان في نفسه اي شك حول مشاعرها , فقد زالت كلها حين لفت ذراعيها الناعمين كالحرير حول عنقه , وقال لها : - لا تكوني مترددة , ليس بيننا منخفيه , ورأسك اجمل من ان تشغليه بالتفكير. وضمها اليه بقوة , للغرابة لم تحس بالخوف . منذ سنوات , حين كانت في المدرسة الداخلية, ماكانت تسمعه من تهامس الفتيات عما يحدث بين الرجل و المرأة , و دروس العلوم الطبيعية , لم تقنعها بإمكانية ان يجد المرء سعادة في مثل هذه الأمور. فيما بعد , في الجامعة احست بالإرتباك حين تعلمت عن ذلك الجزء من الزواج , لكن كيم كانت لا تفكر ابداً بهذا النوع من العلاقة, حتى انها افترضت انها يمكن ان تفكر فيها حين تصل اليها. لكن ماكان يحدث الآن بدا لها طبيعياً لدرجة لم تشعر بأنه يخدش حياتها , او يهين تزمتها , حين ابتعد عنها بعد قليل مدت يدها الى خده وقالت هامسة : - احبك ستيفن , لكنك تعرف هذا ! فلست بارعة في اخفاء مشاعري . - اشكر الله على هذا! مع انك جعلتني أمر باوقات عصيبة. - أنا؟ - اجل , أمسية الحفلة مثلاً , حين قاطعتنا إيف , لم أنم ليلتها مايلين! - لكنك ستنام الليلة. - بوجودك معي , سنعود في الصباح .. هه؟ وسنقول للجميع أننا سنتزوج. شهقت : - نتزوج؟ - لا تبدين مندهشة, أم انك تفكرين بالآخر؟ - تعرف ان هذا غير صحيح. ابتسم راضياً: - لكنك ستتزوجيني , ألن تفعلي؟ حال ان حصل على الترخيص. حبست أنفاسها : - اوه ستيفن , انت تعرف انني اريد هذا , لكن .. - لكن ماذا؟ لا تقولي انك لا زلت تريدين الزواج من مايفز . - لا .. بالطبع لا , لكن عمتك , عائلتك. - سيحبونك كما احبك , مايلين , انا لم اطلب هذا من أي فتاة من قبل, فلا تقولي لا . - اوه , لن اقول , وسأتزوجك بالطبع , غداً إذا كان هذا ممكن .. لكن .. ارجوك . - ماذا ؟ - ارجوك ان تحبني كما احبك , اوه ستيفن هذا كله حقيقي أليس كذلك؟ لن استيقظ في الغد لأجده مجرد حلم. ارجع شعرها الى الوراء بيده : - ابداً , لقد التزمت بي, والآن ألا ترغبين في النوم؟ - اطفئ الأنوار , اريد قليلاً من الهدوء في الظلمة , لأستطيع جلاء كل الأمور المتشوشة في ذهني.
نهاية الفصل السابع
الفصل الثامن: وتحطم الحلم
الهاتف اللاسلكي ازعجهما عند السادسة صباحاً, فاستيقظت مايلين من نوم عميق, كان نور الصباح قوياً في الخارج , لكن الستائر كانت تجمل المقصورة معتمة , وسمعت ستيفن يتأوه في مقصورته , فسألته بصوت مرتفع : - ما الأمر؟ تمتم : - إنه الهاتف , سأرد عليه. راقبته من باب مقصورتها بتوجه الى مقصورة الجلوس وهو يكمل ارتداء بنكلونه , وخمنت ان عائلته فقط تعرف كيف تتصل به, واحست بجفاف شفتيها وهي تمرر لسانها فوقهما. بدا لها ان اجيالاً مرت قبل ان يعود, حيث وجدها تجلس في منتصف السرير والغطاء مرتفع حتى ذقنها , وشعرها منفلت حول كتفيها وسألته : - من كان المكتلم؟ جلس ستيفن الى جانبها وتمتم: - أتصدقين ؟ إنها عمتي اثينا. - و ...؟ نظر اليها برغبة وقال بصوت أجش: - ألا يمكنك الانتظار قليلاً؟ ارادت ان تذعن , لكنها ارادت كذلك ان تعرف ماهو الأسوأ: - ستيفن ارجوك... - حسناً, يبدو ان اصدقاءؤك قلقون عليك. قطبت : - أتعني جوليا و لورنس. - أظنه كيم. - وماذا حدث؟ تنهد: - حين لم تعودي عند منتصف الليل , اتصلوا بمنزل عمتي. - اوه , يا إلهي ! - لا تجزعي حبيبتي , قال لهم كارل انك على مايرام معي. وتصورت مايلين كيف ان كيم او بالأحرى كلهم تقبلوا الخبر: - أهذا كل شيء ؟ - لا, فقد اتصلوا عند الثانية صباحاً, واصروا على ان يتصل كارل بنا, لكنه رفض في مثل تلك الساعة , وهكذا انتظرت اثينا الى ان طلع الصباح , واتصلت. - اوه ستيفن , يجب ان نعود. - اعرف , لكن ليس بعد. كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة حين دخل البورسيدون المرفأ الصغير عند أسفل المنحدر الموصل الى الفندق . ستيفن يجلس وراء الدفة, مايلين الى جانبه , وذراعها ملتفة حول عنقه تصل الى الذراع الأخرى الممتدة من امام صدره. بالرغم من ارتباكها من توقع مقابلة كيم, إلا انها كانت قانعة تماماً في معرفتها بحب ستيفن لها , وكان يتحدث اليها عن اخذها بنفسه الى نيويورك للقاء ابويه , بالنسبة له لم يكن هناك سبب يمنع زواجهما في الحال. ولم يكن يود ان يرجعها الى الفندق , وظهرت اول بوادر غضبه منها حين كان يناور اليخت ليلصقه بالمرسى, حين قالت إنها تفضل التحدث الى كيم لوحدها . وقال لها : - اذا كنت مصرة على المضي بهذا لوحدك , فعليك مقابلتي بعد الظهر , سأمضي الوقت احضر لسفرنا , ولا تدعي مايفز يغير لك رأيك, فلاشك انني سأفقد عقلي لو تركتني الآن. - اوه ستيفن , هذه الأربع وعشرين ساعة الماضية كانت أروع ايام حياتي ! احبك , فكيف أغير رأيي؟ تركها ستيفن تذهب رغماً عنه, ممسكاً بيدها لتنزل الى البر, مستغلاً الفرصة ليقبل لها يدها ويتمتم بلهجة غريبة ( أحبك ! ) ثم ادار وجهه حين اصبحت على الرصيف. كانت في منتصف طريقها تصعد السلم الخشبي حين شاهدت نيكولاس يقف عند القمة ينتظرها , وعندما وصلت ابتسم لها: - مرحباً! - مرحباً! - سيد مايفز غاضب حقاً منك! و أمي وأبي كذلك , اين كنت؟ هل امضيت الليلة في اليخت؟ - اجل. - مع ستيفن؟ - اجل. - يا إلهي , اراهن ان هذا كان أمراً عظيماً! ابتسمت : - كان هكذا فعلاً. نظر نيكولاس اليها بإعجاب , ثم وضع يديه في جيبي بنطلونه. - أتعلمين ارغب حقاً ان افعل مثلك, لم أنم من قبل على متن مركب , هل تناولتما الطعام ايضاً؟ هل فيه طباخ , وبراد . - يكفي نيكولاس! صوت لورنس اسكته و اجفلها , بعد ان تقدم منهما دون ان يشعرا به , و أكمل يحدث ابنه : - اذهب وجد جورجيو , قل له اننا بحاجة صناديق المرطبات من المستودع. امسكت مايلين بذراع نيكولاس قبل ان ينطلق: - أتعلم , يمكن لي ان افعل شيئاً حول اليخت , اذا لم يعترض ابواك. صاح: - أتعنين هذا حقاً؟ تدخل لورنس مرة اخرى: - قلت هذا يكفي نيكولاس , لن يكون لك فرصة لرحلة في اليخت , مايلين راحلة , ولن تتمكن من ترتيب شيء لك. تركت مايلين الولد يذهب , لتنقذه من إذلال جداله مع ابيه بقدر ماتريد ان لا يسمع ردها , وما ان ابتعد حتى استدارت الى لورنس وقالت له بلهجة باترة : - اظنك فهمت أمرا خطأ لورنس, فأنا لست راحلة وسأبقى هنا لأتزوج ستيفن براندون. بدت الصدمة عليه , لكنه استعاد وعيه بسرعة , وهز كتفيه بنفاذ صبر. - ربما من الأفضل لك انتظار سماع ما سيقوله كيم حول هذا , هيا بنا , انه في جناحنا ينتظر التحدث اليك. تنهدت: - لن يدفعني الى تغيير رأيي , لقد صممت وانتهى الأمر , ولا شيء يقوله هو او شخص آخر , يمكن ان يبدله . قابلتهما جوليا محمرة الوجه من اثر عملها في المطبخ , وتجنبت النظر الى زوجها لتسأل مايلين عن صحتها , لتجيبها بأنها بخير ولم تشعر يوماً بمثل هذه السعادة, فتابعت جوليا السؤال : - وماذا .. ماذا فعلت ؟ - ألا تظنين ان هذا يجب ان يقال امام كيم؟ انه الأكثر تورطاً , أليس كذلك؟ حدقت بها جوليا: - أتعني .. انه مهتم بك . - يريد ان يتزوجني , صدقاً, وسنسافر الى نيويورك لمقابلة والديه بعد يوم الغد. - اوه .. مايلين! كان كيم يقف عند النافذة , يحدق الى الخارج بكآبة , واستدار لدخولهم, وقال : - صباح الخير مايلين , انا مسرور لرؤيتك سالمة. قال لورنس لزوجته : - اظن الأفضل ان نتركهما, فبعد ان تأكدنا من سلامة مايلين, لم يعد ما تبقى من شأننا . بعد ان خرجا , سعت لتهدئة نفسها بصب بعض القهوة , ثم لم يعد من الممكن تفادي المحتم , فقالت : - انا آسفة كيم , لقلقك عليّ, وآسفة لحدوث ماحدث. وضع ذراعاه خلف ظهره : - نيكولا اخبرنا اين ذهبت . طبعاً. - هذا ما اعتقدته , وانا آسفة . - لقد انتهى هذا الأمر , وارجو ان يكون ماحدث قد اعاد اليك تعقلك. - ماذا تعني؟ - أليس ماقلته واضح ؟ لست ساذجاً , افهم بوضوح ما جرى بينكما , ولا انكر توتري, من وصول ذلك الى هذا الحد, لكن , ربما كنت بحاجة الى هذه التجربة , ان تواجهي واقع الحياة وجهاً الى وجه , واضح ان كلامي حول هذا لم يكن له تأثير , ولابد انك تعرفين الآن نوع الرجل الذي تتعاطين معه. - كيم, لم يكن الأمر كما تظن! نحن .. نحب بعضنا , إنه .. إنه يريد الزواج مني. لم تبدو الدهشة عليه : - اوه .. حقاً؟ و ما رأي عائلته با لأمر ؟ - لا .. لا تعرف بعد .. آسفة كيم , اعلم ان هذه صدمة لك, لكنني سأتزوجه , سأقابل والديه خلال بضعة ايام. التوى فمه سخرية : - حقاً؟ لو كنت مكانك لما كنت متفائلاً هكذا. - ولم لا ؟ - لأن عمته أكدت لي بكل بساطة ان لا أمل ابداً في ان يتزوج ستيفن سوى ابنة عمته , أي ابنة زوج عمته , إيف .. لابد تذكرين لقاءك بها . - لن يتزوجها ! حتى انها لا تعجبه! - لا علاقة للإعجاب بمثل هذه الزيجات , التناسب, المصلحة , النفعية , هذا هو المهم لدى عائلات مثل بروس وبراندون , فأنا اعرف هذا النوع مايلين . - حسناً, لكن ولو كنت محقاً فيما تقوله عن العائلتين, إلا انك مخطئ بالنسبة لي ولستيفن , اعرف ان هذا امر مزعج لك , لكن لن ترغب في الزواج مني وانت تعرف انني احب سواك .. صحيح؟ تقدم نحوها , ووضع يداه على كتفيها : - مايلين , اعرف مشاعرك , صدقيني , واصدقك حين تقولين انك تحبين الرجل , لكنه لا يستحقك . افلتت من تحت يديه مستديرة : - لا تقل هذا , ستيفن اكثر الرجال احساساً وصدقاً. - وكم تعرفين عن الرجال مايلين؟ حفنة منهم , وهذا كل شيء. - وهل تتوقع مني الزواج منك وانت تعرف؟ - منذ متى نعرف بعضنا ؟ خمسة عشر سنة؟ هذا يختلف كثيراً عن ثلاثة او اربعة اسابيع , أليس كذلك؟ - اعرف ستيفن مايكفي. - تعرفين ما قاله لك, لا تعرفين بيته , خلفيته . - هذا ما انوي فعله. - وهل هذا ماينويه هو فعلاً؟ - اجل. هز كيم رأسه : - أتعلمين بما افكر ؟ أظنه يعرف نوعيتك الحالمة الرومانسية , وأظنه يعرف انك لم توافقي يوماً على أية علاقة , لكن يجب ان يكون هنا شيء اكثر صلابة بالنسبة لك لتبني عليه آمالك, لذلك بادركِ بفكرة الزواج هذه. اتسعت عيناها سخطاً: - هذا غير صحيح ! لا تعرف شيئاً, ليس لديك اية فكرة , لو انه اراد مجرد علاقة لكان فعل. - ماذا تقولين؟ - اقول , اقول انه هو الذي تراجع , ولم يطلب مني الزواج قبل , قبل تراجعه , بل بعده . ظهر على كيم اول دلائل انهيار وقاره : - أتتوقعين مني تصديق هذا؟ - إنها الحقيقة ! اوه كيم لا اريد ان أؤلمك . ولا ان اخسر صداقتك , لكن يجب ان تصدقني في اروع شيء حصل لي. - وماذا سيقول لو عرف ان والدك انتحر؟ - إنه يعرف. - يعرف ؟ - اجل اخبرته. - هكذا إذن ! وجد كيم صعوبة الآن ان يحافظ على وقاره وتحفظه. - لكن لا يعرف الجميع بهذا , عمته , عمه , والداه ؟ - لكن اذا كان هو لا يهتم ... - اوه مايلين , كم انت برئية , ساذجة ! وماهي خططك ؟ هل لي ان اعرف ما تنوي ان تفعليه ؟ - ستيفن سيجئ بعد الظهر , إنه يقوم بالترتيبات للسفر الى نيويورك , كي اقابل والديه. - بعد الظهر ؟ حسناً, سأؤجل اتخاذ اي قرار عما سأفعله أنا حتى الغد. وكأن قلقه عليها أضعف إيمانها بما قاله لها ستيفن , ولم ترغب في ان تحس انها تعد الساعات .. ولم تنتظر لتسمع المزيد , بل اخذت سترتها وتركت الغرفة لتقف عدة لحظات في الردهة خارجاً . محاولة استعادة رشدها واستعادة قناعتها التي كانت معها حين دخلت الى هنا , ولحقت جوليا بها ليدخلا معا قاعة الطعام الفارغة تقريباً وقالت مايلين: - لقد سببت لكم المتاعب, أليس كذلك ؟ هل لورنس غاضب مني؟ ضحكت : - إنه قلق عليك , والآن اخبريني , هل طلب منك ستيفن حقاً الزواج؟ - حقاً, فعل هذا أمر لا يصدق؟ - لا, ولماذا لا يصدق؟ - لست ادري , يبدو ان كيم يظن هذا. - لكنه لم يكن واثقاً حتى من نفسه ليلة امس , صراحة مايلين , انا مسرورة لأنك لن تتزوجيه . - لأنه كبير في السن , اعرف هذا ! - هناك شيء آخر , شيء لا استطيع تفسيره , احس به . اسمعي , اعرف تماماً ما اقول , لا اظن السيد مايفز رجل طيب , بنصف مايبدو لك. - جوليا , كان لي مثل أبي. - هذا هو السبب , انه كأبوك , لكنه ليس أبوك , إنه يريدك , وأظنه ينوي ان يحصل عليك, ومهما كان الأمر . - اوه , تتركين لمخيلتك العنان , طبعاً كيم يريدني , ليس هذا سرّ. - وهل كان أبوك موافقاً ؟ آسفة , ماكان يجب ان اسأل . - لا بأس, استطيع الكلام عن هذا الآن , وستيفن سأل هذا واخبرته كل شيء. - عظيم اذن, هل اراد ابوك ان تتزوجي من كيم؟ - لم يقل لي ابداً انه لا يوافق . - لكن هل تناقشتما بالأمر؟ - لا, لكن اظنه كان ينظر الى الأمر كأمر واقع , كما ينظر اليه كيم , وأنا . - آه , عجباً.. - ولم العجب؟. - لست واثقة . كل ما أتمناه لو كان ابوك حياً, هذا كل شيء. كانتا جالستان تفكران حين دخل لورنس: - مخابرة لك مايلين , اظنه براندون . - اوه ! اين يمكن ان آخذ المكالمة؟. - في المكتب, سأنتظر هنا الى ان تنتهي. التقطت مايلين السماعة التي تركها لورنس على طاولة المكتب: - آلو ؟ - مايلين! - ستيفن! اوه ستيفن , كم انا سعيدة لاتصالك ! - لماذا ؟ ماذا جرى ؟ - اوه , لا شيء .. لماذا تتصل ؟ - في الواقع انا مضطر للسفر الى نيويورك بعد الظهر , ولن اتمكن من الوفاء بموعدنا. سمعت ما قاله , لكنها لم تفهمه او تصدقه, كل شيء المح اليه كيم اخذ يهبط عليها كدوش من الإذلال . - مايلين ؟ مايلين , هل سمعت ما قلته ؟ - سمعت. - هل تتصوري انني خططت لهذا؟ - خططت ماذا؟ - مايلين والدي مريض , ويجب ان أسافر , هل تفهمين ؟ إنها ليست زيارة عادية . والده مريض, حاولت استيعاب هذا دون اقتناع , وتصورت رد فعل كيم لهذا الخبر , وقالت بتصلب : - أنا آسفة . - ماذا قال لك مايفز ؟ اعرف انه سيحاول تسميم افكارك ضدي , هل صدقت ماقال ؟ أتظنين هذا مجرد مؤامرة حاكتها عمتي ووالدي كي يبعداني عنك؟ - أو ليست هذه هي الحقيقة؟ - لا .. اللعنة! لن أفعل شيئاً كهذا , احبك مايلين , لكنني لا استطيع منع نفسي عن التفكير بنوع حبك لي الذي يمكن ان يهتز عند اول إثارة ! - هذا غير عادل. - وهو عادل ان تتهميني دون دليل ؟ ان تصدقي كلمة رجل آخر ؟ - لكن .. - أما ان تصدقي .. او لا . - كيم قال إنك ستتزوج إيف. - وهل تصدقين هذا؟ - اريد ان اصدقك انت ستيفن. - إذن صدقيني, فهذا وقت سيء جداً لتفعلي هذا بي! سأذهب الآن , سأطير بعد ساعة الى لندن ثم الى نيويورك مباشرة , ولن استطيع رؤيتك . - ومتى ستعود ؟ - كيف لي ان اعرف ؟ انتظريني مايلين , ولا تدعي احداً يقنعك بالعكس , عديني بهذا! لعقت مايلين شفتيها الجافتين : - سأنتظر , سأنتظر , لكن ارجوك لا تدعني انتظر طويلاً. لم تكن تريد إخبار صديقتها بما حدث, لكن مامن بديل آخر فقد كانا ينتظرانها ليسمعا ما جرى, فتبنت مظهراً واثقاً وقالت : - والد ستيفن مريض , أليس هذا أمر يؤسف له؟ في وقت كهذا , ستيفن منزعج جداً. تبادلت جوليا النظرات مع زوجها , وقالت باشفاق : - ماهذا الحظ التعس! هل الأمر خطير ؟ أيعني هذا انك لست مسافرة معه ؟ - لن اذهب الآن , لكنه مضطر للسفر بالطبع , إنه والده . - هذا يعني انك ستبقين معنا مدة اطول , أليس كذلك؟ وصل كيم ليجلس قبالتها ويقول : - أتمانعي لو انضممت اليكم؟ ماذا تنصحين ان اتناول للغداء مايلين ؟ - ما تفضل. - بل أظنك تعرفين , ماذا طلبت انت ؟ ربما ذوقك يناسب ذوقي. - سأتناول البيض المقلي فقط , واعرف انك لا تحبه. - إذن تعرفين شيئا عني , ذوقي في الطعام , في الملابس, في الفنادق , في النساء. - ارجوك كيم . - وانا اعرفك , اعرف متى تكوني سعيدة ومتى تكوني حزينة , ومتى تكونين مرتبكة, مثل الآن , وانت تعلمين انني تكهنت بما سيفعله براندون بالضبط. - لأنك متحيز ضده كيم . - صحيح؟ ربما قليلاً , اتظني انني سأقف في طريقك ؟ - افضل ان لا اتحدث في هذا . - لماذا؟ هل انت خائفة من الحقيقة ؟ - لا , ستيفن يحبني , اعرف هذا. - لكن رحل. - كيف تعرف هذا؟ - وجهك ينم عنك , لكن لا , سأعترف , سألت لورنس واعرف ان اثينا بروس تحدثت مع اخيها يوم أمس عبر الهاتف وكان في صحة جيدة. لابد ان كيم مستعد لقول اي شيء ليجعلها تصدق الأسوأ عن ستيفن , لكنها مع ذلك احست بالألم. - اسمع كيم , انا لست غبية , اعرف ان هذا الزواج سيسبب المشاكل , انا و ستيفن نعرف هذا , لكن طالما نحن بعضنا .. - انت رومانسية مايلين, يا إلهي بدأت اتساءل عما اذا كنت اعرفك حقاً , ظننتك فتاة متعقلة , وليس عاطفية حمقاء رأسها مليء با لأحلام ! انزلي الى الواقع مايلين, المال هو الذي يجعل الدنيا تدور , وليس الحب, وكلما ادركت هذه بسرعة كلما خف ألمك. لاحظت جوليا من بعيد احمرار صديقتها, فتجاهلت نظرة كيم الغاضبة , وحملت فنجان قهوة الى طاولتهما , وجلست لتسأل : - هل استطيع الانضمام اليكما ؟ لم أهدأ اليوم منذ الافطار , ويجب ان اجلس قليلاً قبل ان أنهار!
نهاية الفصل الثامن
الفصل التاسع : الرحيل
جاء الصباح بفاصل راحة من الأفكار المعذبة لذهن مايلين ونفسها , وانضم اليها نيكولاس , معه تستطيع نسيان مشاكلها . - أتريدين الذهاب للتزلج المائي مايلين؟ لم تتردد مطلقاً في القبول , ابتسامتها اعادت بعض الحيوية لقسمات وجهها الشاحب , وهي ترتدي ثوب السباحة في غرفتها , لم تستطع سوى التفكير بآخر مرة ارتدت فيها ثوب سباحة , يوم كانت مع ستيفن . كانت صحبة نيكولاس مريحة , صداقته غير متطلبة, ولا تخبيء أي شيء قد يهدد اعصابها , وهي معه كانت تحس انها مع اخيها الصغير المفضل لديها , وتساءلت كم كانت ستكون حياتها مختلفة لو ان لها أخ او أخت . محاولتها في التزلج المائي لم تكن انجح ممامضى , وعادت الى الفندق وقت الغداء , لكن هذا وفر لنيكولاس الكثير من الاثارة وكانا يضحكان معاً وهما يسلقيان السلم الخشبي , ليجدا كيم منتظر عند السلم. قال وهو يصرف الصبي بإشارة متعجرفة : - آه , مايلين , كنت بانتظارك , لدي رسالة لك من آل بروس! - رسالة .. من ستيفن ؟ اين هي؟ اعطاها المغلف بهدوء , فأخرجت الرسالة من المغلف كانت ورقة صغيرة , فنظرت الى التوقيع اولاً, كانت من ستيفن , كتبها لها قبل سفره , يقول ببساطة إنه آسف لأنه كذب عليها , لكنه لا يود ان يؤلمها, وربما ان هذه الرسالة قد تسهل الأمور عليها , صحيح انه يهتم بها , لكن ليس الى العمق الذي يجعله يتحدى ابويه , ومع انه يتصور ان حياتهما قد تكون جيدة , إلا انه يعرف انهما لن ينجحا , ولا يجد جدوى من متابعة علاقتهما التي لن تكون علاقة دائمة. ارتجفت مايلين عند قراءة آخر الكلمات , ثم كلماته عن تمنيه السعادة لها مع كيم , واحست بالفراغ و الغثيان و الدمار الكامل, وتمنت لو تستطيع ان تزحف الى زواية مهجورة تبقى فيها الى ان تموت . سمعت كيم يقول بهدوء: - لا تقولي شيئا, أنا دائماً اعرف ماتفكرين فيه , تعالي معي مايلين , اتركي هذا المكان, فنسافر الآن , بعد الظهر قبل ان يحدث شيء آخر. - ومايمكن ان يحدث اكثر من هذا؟ لكن , لا بأس كيم سأسافر معك , لكن دعني و شأتي الآن , احتاج الى التفكير. طريقها الى غرفتها كان فارغاً, ما إنه وصلت حتى جلست على السرير تعيد قراءة الرسالة , لاحظت كم ان خط ستيفن غير عادي. كانت تتوقع ان يكون خطة مثله , حازمة عدائي ,لكنه هنا رقيق ناعم, نهاياته وكأنها انثوية ويميل انثوي للتفضيل , مرة اخرى لم يكن لديها سوى الكلام كيم بأن الرسالة من ستيفن , فهي لم تشاهد خطه من قبل, فيكف يمكن لها ان تكون واثقة؟ وقفت على السرير لتحدق في المرآة , هل هي حمقاء لتشك في كل شيء؟ لكن , هل الرسالة حقيقية ؟ هل تتمسك بقشة الغريق في محاولتها التمسك بما تؤمن به ؟ لم تكن تعرف ماذا تفعل , الى من تلجأ , جوليا لايمكن ان تحل لها شيئاً , ولا لورني , هزت رأسها عاجزة , والتقطت المغلف لتلمسه وتعيد الرسالة اليه , فلاحظت امراً لم تلاحظه من قبل , الرسالة معنونة باسم الفندق , كما جاءت الدعوة تماماً, منذ ثلاثة ايام. ارتجفت ورفرفت عينيها غير مصدقة , لو انها مستعدة ان تستسلم لمخيلتها لقالت ان المغلف هو نفسه , لكن هذا مستحيل , لو انه كذلك , سيعني ان احداً هنا كتب الرسالة , شخص في الفندق , فهل قلد احداً الخط الأنثوي لغرض التنكر؟ غاصت من جديد فوق السرير , أيمكن ان يعمل كيم هذا؟ صحيح انه غاضب منها , لكن ان يزور خطاباً كهذا , لا , مستحيل, فلا بد يعرف انه عاجلاً أم آجلاً ستكتشف الخدعة وهي ترتجف , من برد داخلي بقدر ماهو من برد خارجي , دخلت الحمام بسرعة , اخذت دوشاً , ارتدت ملابسها , نفس البذلة التي جاءت فيها الى هنا , واخذت حقيبتها , جواز سفرها وغادرت غرفتها . قارب لورنس السريع , كان عند الرصيف , ودار المحرك عند المحاولة الثانية , وبأصابع مرتجفة قادته باتجاه المياه الزرقاء الواسعة باتجاه الميناء على البر الرئيسي . امضت مايلين اثنتا عشرة ساعة من الاحباط والارهاق حتى امنت لنفسها مقعداً على طائرة متجهة الى نيويورك عبر لندن , حيث امضت وقتاً طويلاً لتصل طائرتها , صحيح ان هذا قد هدر وقتاً ثميناً , لكنه مكنها اخيراً ان تصل مطار كيندي بعد ظهر اليوم التالي. الوقت الذي امضته دون راحة منذ لحظة صممت السفر ومواجهة ستيفن بنفسها كان له تأثير كبير على اعصابها , وهي تجلس داخل المبنى تنتظر سيارة التاكسي لتوصلها الى المدينة احست بالعزلة عن كل شيء وكل إنسان , عرفته من قبل واحبته , وكأنها في عالم اللامكان , متأرجحة مابين العالم الذي تعرفه و العالم المجهول لها , إضافة الى عالم قد لا يرغب في ان يعرفها . سرعان ما حملها التاكسي الى الفندق الذي اعطته اسمه في ضواحي مانهاتن , لتقف في غرفتها قرب النافذة تنظر الى المدينة المشعة بالأنوار من خلف سنترال بارك. عليها الآن ان تنام وإلا فلن تستطيع مواجهة اي محنة قد تكون بانتظارها بعد ان غلست وجهها توجهت الى الفراش لتغرق فيه. ولابد انها غطت في نوم عميق , فحين استيقظت كانت الغرفة مملوءة بنور النهار واشعة الشمس , ومن الخارج النوافذ كان يتصاعد صوت الزحام في الشارع. وهي تشرب القهوة قررت متجهمة ان تتصل بشركة براندون ماريتم للملاحة , اما مسألة ان يعطوها هناك عنوان ستيفن , فهذا أمر آخر , ماعدا هذا فهي تتصور نفسها تقوم بالاتصال عبر الهاتف بكل رقم تجده في الدليل وتجد امامه اسم براندون . اكملت فطارها ثم خرجت متجهة الى مركز الشركة الرئيسي عبر الجادة الخامسة , تتفرج على واجهات المحال وهي تسير , شوراع المدينة كانت مقسمة الى مربعات, او ماسمى بلوك أي مجموعة , وكل بلوك له رقم , وهذا ماسهل عليها ان تعرف مدى بعدها عن المكان الذي تقصده, هذا عدا انها تعرف المدينة جيداً بحكم ترددها الدائم اليها مع ابيها. كانت الساعة قد جاوزت العاشرة والنصف حين عادت الى الفندق وحياها حارس الباب بأدب: - هل تمتعت بنزهتك سيدتي ؟ و أكدت له انها تمتعت جداً, هذه المرة استجاب الهاتف في شركة براندون الى مكالمتها, وسألت ما إذا كان من الممكن اعطاء عنوان السيد ستيفن براندون, وسمعت لفظاً قالت بعده الفتاة على الجهة الاخرى من الهاتف : - سيد ستيفن براندون, آنسة ستيفنز ؟ - هذا صحيح. صمت الخط طويلاً , وارتابت مايلين ان يكون الخط قد انقطع , لكنها استمرت في الانتظار , اخيراً سمعت صوتاً انثوياً آخر يرد : - آنسة ستيفنز ؟ - اجل , مع من اتحدث؟ - انا ماغي كيوث , سكرتيرة السيد تيغر براندون , هل أنا محقة في الظن انك الآنسة مايلين ستيفنز ؟ - انا , اجل .. هل .. تعرفين شيئاً عني؟ - السيد براندون ليس هنا الآن , لكنني واثقة انه يود ان يقابلك آنسة ستيفنز , لذلك اذا استطعت ان تجيئي الى هنا لنقل عند الحادية عشرة والنصف, يمكن لي ان احاول تدبير لقاء بينكما . - كي.. أرى ستيفن؟ - لا آنسة ستيفنز , بل لتقابلي تيغروس براندون والد ستيفن . صدمت مايلين , اولاً إدراكها ان هذه الفتاة تظن ان تيغرو براندون قد يرغب في لقاءها , ولمعرفتها ان ستيفن كان فعلاً يكذب عليها , فسألت مترددة : - ظننت السيد براندون مريض. - ليست حسب علمي , هل الموعد مناسب لك؟ - اوه , لا , شكراً لك لم يعد الأمر يهم , لقد اخطأت وانا آسفة على الإزعاج. - انتظري! لو استطعت الاتصال بستيفن .. - لن يكون هذا ضرورياً, شكراً على تعاونك. - وإذا جاء ستيفن الى المكتب؟ اين سأقول له انك موجودة؟ - لا اريده ان يتصل بي , شكراً لك , وداعاً. وبالطبع بكت كثيراً, وبمرارة هذه المرة , مما ترك عينيها حمراوين متورمتين , ولابد انها غطت في النوم, لأنها استفاقت مجفلة لرنين جرس الهاتف . - آنسة ستيفنز ؟ لدينا زائر لك , ينتظر في الصالون , أتريدين ان ارسله لك؟ - ترسله ؟ من .. من هو ؟ - السيد براندون سيدتي. - اوه ! ستيفن ؟ لا .. اطلب منه ان ينتظر .. سأنزل اليه. كيف وجدها ؟ وكيف ستواجهه وهي هكذا؟ ولماذا جاء ؟ وماذا يمكنه ان يقول الآن ؟ في الردهة السفلى , نظرت حولها بقلق تبحث عنه لتكون مستعدة للقاءه , لم ترغب ان يواجهها هو دون انذار وسارعت الى الاستعلامات تسأل عن مكان وجوده. - إنه هناك سيدتي. أشار الشاب الى المقصف , فدخلت مايلين بسرعة الى الجو المعتم الاضاءة , مما اقتضى مرور بضع لحظات قبل ان تعتاد عينيها الظلمة النسبية , لكن يداً ناعمة لمست ذراعها بخفة: - مايلين؟ التفتت مجفلة لتحدق في وجه لا تعرفه , لكن الشبه موجود . تسريحة شعره الى الوراء , مع ان الشعر هنا موشح بالأبيض , كذلك في طريقة انحناءة اطراف الفم , لابد ان هذا هو والد ستيفن وقالت مترددة : - اجل, انا مايلين, لكنني لم أكن اريد .. أتوقع رؤيتك سيد براندون . - عظيم , تعرفين من أنا, والآن ألا يمكن التوقف عن كل هذه العصبية ونجلس؟ - اوه , لكنني.. لكنه ابتسم لها واخذها الى طاولة ليجلس بقربها ويطلب الشراب , ثم قال : - إذن , لقد تقابلنا اخيراً. - كيف وجدتني ؟ - حسناً , استأجرت عصبة من التحريين الخاصين ليفتشوا عنك, لكنني لا اريد ان أسيء الى الانطباع الذي لك عني أكثر مما هو سيء , سأعترف ان ستيفن اخبرني. - ستيفن أخبرك؟ - اجل , علم هذا من العنوان الذي تركتيه في مطار أثينا , أتصدقين هذا؟ لكن اذا كان ستيفن وجد هذا فيعني انه عاد الى كاستريوسّ وتابع تيغرو براندون : - لايهم حقاً كيف وجدتك , لكن الواقع ارتاح بالي. فإبني يعني كل شيء لي , وأنا مليء بالأخطاء , لكن التدخل في حياته , ليس واحد منها . - أتعني ان ستيفن اخبرك .. حول... حولنا ؟ - ألم تكوني عارفة بهذا ؟ - لم أكن اعرف بماذا افكر. - لكنه قال لي أنك .. - قال لي انك مريض سيد براندون . وانت لست مريضاً. اطرق الرجل برأسه : - آه , عرفت بهذا إذن , من قال لك ..؟ أثينا ؟ إيف ؟ لقد كان يعرف انه ما أن يغيب حتى تبدأ بالتدخل. - لماذا لم يحذروني إذن ؟ ولَم لم يخبرني الحقيقة؟ تنهد تيغرو : - إنها غلطتي , طلبت منه ان لا يخبرك بشيء. وهز كتفيه باشفاق وأكمل: - هذا ليس بالمكان المناسب لمناقشة مثل هذا , لكن يجب ان نفعل , طلبت من ستيفن المجيء لمقابلتي بسبب رسالة تلقيتها . - رسالة ؟ - من السيد مايفز. - كيم ؟ - اظن هذا اسمه . وضعت يدها على رأسها دليل يأس: - لكن .. لماذا يفعل كيم شيئاً كهذا ؟ وماذا قال لك فيها؟ - ألا يمكن ان تخمني؟ - اوه .. يا إلهي . لكنني اخبرت ستيفن ! - اعرف. - لكن لماذا يفعل شيئاً كهذا؟ - لأنه ظنه سيثيرنا ضدك. - ولهذا ارسلت تطلب ستيفن؟ - جزئياً. - لست افهم, اين هو ستيفن ؟ ماذا تحاول ان تقول لي؟ رد بلطف : - كوني صبورة , في هذه اللحظات , لابد ان ستيفن في الطائرة في طريق عودته الى هنا , و أنا هنا لأمنعك من الهرب منه ثانية. - إذن عرفت باتصالي مع مكتبك ؟ - طبعاً , و أحسسنا كلنا بالارتياح , صدقيني . تنهدت : - لو ان ستيفن شرح الأمور لي.. - حول ماذا ؟ رسالة مايفز ؟ ام الدعاية التي ستسببها افعاله ؟ - افعال من ؟ وأية دعاية ؟ سيد براندون , إذا كان هناك المزيد .. شيء يجب ان اعرفه . - لا أظن هذا من حقي مايلين , وستعرفين قريباً جداً. - ارجوك , ألهذا علاقة بستيفن بي؟ أقال لك إنه طلب مني الزواج؟ - اجل. - ولم .. لم تعترض؟ - مايلين , ستيفن له حياته الخاصة , أتريدين ان أكون صادقاً معك؟ حسناً , والدته تأمل ان يتزوج فتاة من عائلة يونانية غنية , لكنني انا تزوجت من أميركية , فلماذا اريده ان يفعل غير ما فعلته أنا ؟ - و ... شقيقتك .. و إيف .. - اعرف .. اعرف .. لكن لدي صبي واحد , وثلاثة بنات .. ولا انوي ان اخسره , واعرف انني سأخسره اذا وقفت في طريقه , أتفهمين ما أعني ؟ - اجل. - إذن توضحت الأمور , قد لا تستقبلك امه بذارعين مفتوحتين لكنها تحترم رغبات ستيفن , ثم إنني اعتقد انها ستعجب بروحك المعنوية . - إذن لماذا ذكرت كيم و الدعاية ؟ أليس من حقي ان اعرف ؟ - بلى, لكن هذه من الأفضل ان يعتني المحامي بها . وانا رجل اعمال لا اعرف كيف اقول لك. - قلها إذن! أيتعلق الأمر بأبي ؟ هل مات قتلاً؟ - لا , لقد انتحر , لكن استطيع ان اقول ان الأمر يتعلق بسبب انتحاره. - أكان لكيم علاقة بهذا ؟ لكنهما كانا صديقين ! وكيف لكم ان تعرفوا شيئاً كهذا ؟ تفرس تيغرو بها عدة لحظات ثم تنهد : - حسنا , سأشرح لك ماحدث , قلت انني تلقيت رسالة من مايفز , منذ اربعة ايام تقريبا , في نفس اليوم الذي خرجت فيه مع ستيفن في اليخت , وتلقيت الرسالة بالهاتف عن طريق أثينا, تحذرني ان هناك نوع من عدم الاستقرار العقلي في عائلتك , حتى تلك اللحظة لم أكن اعرف بوجودك , وبالرغم من اتصال أثينا عدة مرات تشكو ان ستيفن متورط مع اميركية إلا اننا لم نأخذ كلامها على محمل الجد. على كل حال , اسم والدك كان معروفا لدي , وبالصدفة , علمت بتورط مايفز . - كان شريك والدي. - اعرف عزيزتي , لكن كم تعرفينه بالضبط؟ - عرفته منذ كنت صغيرة , وبعد وفاة أمي اصبح والدي منزويا, وحاول ان يحل مكانه. - والدك كان غارقاً في الديون كما عرفت ؟ - صحيح , ومال كيم ابقى المؤسسة بعيدة عن الإفلاس. - صحيح ؟ وكيف تعرفين كل هذا ؟ - كيم اخبرني , بعد وفاة أبي , وكان هناك مبلغ كبير من المال , عشرات الآلاف من الدولارات , ولم يستطع مواجهة السجن , فانتحر. - وكيف حلّ انتحاره الأمور؟ - اوه , هناك تأمين , تعاطى بأمره كيم , قال إن أبي فعل الشيء الوحيد المتبقي امامه. - او لم تتساءلي عن صحة هذا ابداً؟ - ولماذا؟ - مايلين.. شركات التأمين لا تدفع التعويض في حالة الانتحار. - اعرف هذا, لكن كيم قال إنها حالة خاصة ! - حالة خاصة ؟ لا شيء هناك اسمه حالة خاصة .. أتتصوري لو ان كل من يريد ان ينتحر يؤمن نفسه عدة مرات .. هذا لا ينفع عزيزتي.. شركات التأمين لا تدفع للمنتحرين صدقيني. - لكن لو لم يكن هناك تأمين.. - بالضبط .. من اين جاء المال؟ - لكن لو فعل هذا.. - لماذا لم يفعل من قبل ؟ لست ادري لكن ما سمعته ان مايفز اشترى كل ديون أبيك قبل الحادثة. - لا! لكن كيف عرفت؟ - لدي اصدقاء , متنفذون واقارب , فأجريت بضع مكالمات وهذا كل شيء. - بعد ان اتصل كيم ؟ - صحيح .. اعترف انني اردت معرفة المزيد عن الفتاة التي سليتزم ستيفن بها , وعرفت ان مايفز فقد حذره بعد ان صدق انه نفذ بفعلته وسيستفيد في الوقت الحاضر في ابتعاده عن البلاد . - لكن لماذا؟ - ربما انت السبب. - أنا ؟ - اجل.. أنت .. ألم يكن يريد الزواج منك؟ - بلى, لكن والدي كان يعرف بهذا. - وهل وافق ؟ - أظن هذا. - ألم يفكر بأن الرجل كبير عليك ؟ يقول إنه اكبر منك بعشرين سنة على الاقل. - اجل, لكن كان الأمر مسلماً به. - بالنسبة لمايفز وحده؟ - ولي .. أنا. - حسناً , لن تعرف الحقيقة ابداً , لكنه رجل خسيس ألا تظني هذا؟ لم تستطع الرد , صدمتها كانت أكبر من ان تحكم , لكن شيء واحد بعد يحتاج للتأكيد ..فتحت حقيبتها واخرجت الرسالة التي اعطاها لها كيم.. واعطته إياها . - تلقيت هذه. درسها تيغرو ملياً: - يا ألهي ! هل تصورتي ان ستيفن كتب لك هذه؟ - لم اعرف بما أفكر في البداية , فهذا توقيعه , ولا اعرف خطه . - لا , ليس خطه , اعرف هذا, ولو انها كتبت في منزل شقيقتي لكان الورق مميزاً , فأثينا تحب المظاهر .وتفحص المغلف: - هذا المغلف من منزل شقيقتي . - اعرف , لقد وصلت فيه دعوتنا للعشاء. - ألهذا جئت الى هنا ؟ - كان يجب ان اعرف , كان يجب ان اتحدث مع ستيفن , لكن حين عرفت انك لم تكن مريضاً.. - فكرت بالأسوأ؟ - اجل . لمس خدها بيد رقيقة : - اوه مايلين ! لقد مر بك وقت رديء , وكله بسبي , لكن كان علي ان اتحدث معه على حدة. احست مايلين بدوار شديد لم تستطع التفكير معه , لقد حدث الكثير في وقت قصير , ولم تتمكن من استعياب كل شيء , وكل ماتبقى حقيقي لها , هو ان ستيفن يحبها , وان بإمكانها تصديقه . لاحظ السيد براندون تجهم وجهها وقسماتها المتعبة فقال : - اتمنى لو استطيع الأصرار على اخذك الى البيت مايلين , لكن ستيفن قال , وأنا معه في هذا , انكما بحاجة للحديث معاً و لوحدكما , فما رأيك لو نذهب معاً الى مبنى الشركة كي أريك مكتبه ومكتب جده؟ امامنا وقت طويل , وسنترك رسالة عن مكان وجودنا. وهكذا غادرا الفندق الى المبنى الناطح للسحاب حيث مكاتب شركة براندون , وهما يمران عبر الردهات المغطاة بالزجاج القاتم , ويركبا المصعد السريع من طابق الى آخر , اكتسبت الانطباع الجيد عن مدى كفاءة العمل الذي جعل اسم براندون شهيراً.
نهاية الفصل التاسع
الفصل العاشر : وانكشفت الحقيقة !
حين عادت الى الفندق , كانت تحس بالتعب والارتباك , كان امامها بعد ان تعرف ما إذا كان ستيفن قد سامحها , والده كان لطيفاً معها , لكن أليست تتوقع الكثير من علاقتهما ؟ الن يؤثر المكان والزمان على مشاعرهما الحقيقية ؟ قطعت الردهة بصمت , لتجد امامها ستيفن بنفسه , يقف قرب مكتب الاستعلامات , يتطلع عبر الواجهة الى الخارج لكن بصبر نافذ , كان مختلفاً عماتعرفه , مع ذلك فهو نفسه , لكنه يرتدي بذلة رمادية قاتمة , وقميص ابيض , وربطة عنق مناسبة تتدلى بكل ترتيب من ياقته , اوه .. يا الله ! انا فعلاً احبها !..وتوقفت في منتصف خطوتها حين التفت اليها . - مايلين . عناقهما لم يكن طويلاً , لكنه كان قوياً مشتاقاً . - كدت افقد عقلي. يغمرها احساسيس عميقة من الانتماء له , من شمولية نفسها فيه, من احساسها بأنها جزء من هذا الرجل كما هو جزء منها , فتأوهت : - ما من احد , إطلاقاً, جعلني احس بما جعلتني انت احس به. - اوه , مايلين أحبك كثيراً, كيف يمكن ان تصدقي انني سأتخلى عنك؟ - قلت لي إن أباك مريض. - ألم يشرح لك الأمر؟ كان يريد إخباري عما فعل مايفز. - اعرف , لكن هذا لم يكن كل شيء. - وماغيره ؟ ماذا تعنين ان هذا لم يكن كل شيء ؟ - اتركني , وسأخبرك . - وهل هذا ضروري؟ - اذا كنت ترغب. - لا ارغب في تركك. - لا تتركني إذن ولا تلومني. للحظات طويلة كان صوت لهاثهما يملأ الغرفة , بعدها ابتعد ستيفن قليلاً عنها , وتركها تبتعد لتحضر الرسالة. - خذ, ربما الآن ستفهم. جلس ستيفن يدفع شعره بيده , وفتح الرسالة مقطباً, لكن تقطيبته ازدادت عمقاً حين قرأها, فتمتم وهو يسحقها بيده : - القذر! السافل ! إذن هذا ماكان يعنيه! تقدمت مايلين لتجلس قربه على السرير. - من تعني؟ كيم؟ - اجل , كيم! القذر ! كم اود لو ألوي عنقه! - هل تحدثت معه ؟ - طبعاً, ألم يقل لك أبي؟ - لا, كل ما قاله هو ما قاله لك. - اظنه كان يعتقد ان من الأسهل ان اخبرك أنا , لكن لا , ليس الأمر سهلاً, ألا يمكن لنا ان ننسى ؟ - ننسى ماذا؟ - مايفز ؟ وعلاقتنا به ! فأنا أشك اننا سنراه ثانية . - أتعني انه رحل؟ - اجل ولا تسأليني الى اين , فلست ادري. نظرت اليه نظرة حب : - ستيفن , اذا كان الأمر يتعلق بأبي, ألا يمكن ان تخبرني ؟ لا تترك بيننا اسراراً. - لكنه ليس سريّ أنا ! أظنك على حق, ولربما ذكرى مايفز ستقف دائماً بيننا اذا لم تعرفي الحقيقة , لابد اخبرك أبي ان مايفز كان يدير اعمال والدك لعديد من السنوات كشريك له, لكن ما اعتقد انك لا تعرفينه , هو لماذا قتل أبوك نفسه , كنت اظن في البداية انه فعل هذا بسبب الديون , لكنني لم أقتنع , فهو بقي تحت الدين لسنوات , فلماذا يصبح هذا فجأة حملاً ثقيلاً عليه ؟ - أتعرف لماذا؟ - لم اكن اعرف , بل انتزعت الحقيقة من مايفز. - كيم ؟ - مايلين , كنت بائساً , فقد اختفيت انت, ولا أحد يعرف مكانك, ولا اعرف حتى لماذا اختفيت , ولا عائلة باربلوس تعرف, لم يكن يعرف بأمر الرسالة سواك والشخص الذي كتبها. - كيم! - حسناً, ذهبت لأقابله , كان في غرفتك , بدا انه يفتش عن شيء , واعرف الآن انه كان يفتش عن هذه الرسالة , وبدا لي شاحباً على وشك الانهيار حين رآني , واظنني قلت له اشياء كثيرة مقرفة , لكنها ادت المطلوب منها , وكما رغبت تماماً في ان يثور . وأي رجل سيخطئ وهو غاضب , الأمر الذي لن يفعله وهو متمالك اعصابه , وقال انك لن تودي رؤيتي بعدما حدث. لكنني لم افهم مايقصد , على كل حال كنت فاقداً العقل لأهتم بهذا, فقد كنت اريده ان يفهم ان الصحافة المحلية في نيوجرسي ستتلقى معلومات تثير اهتمامها حول قضيته , وان تحقيقاً قضائياً سيبدأ , واظن هذا ماجعله ينهار , واخذ يقول انه فعل كل هذا لأجلك وكيف ان والدك احتال عليه. - انا ؟ وأبي؟ - اجل , واضح انه ادان والدك المال كنوع من دفعة مسبقة , ثمناً لك ! - اوه .. ستيفن ! - آسف حبيبتي, لكن هذه هي الحقيقة , لكن والدك لم يكن ينوي الاتفاق , واظنه حاول بكل ما في وسعه التهرب. - وحين لم يستطع .. - لا تلومي نفسك حبيبتي , ما كنت لتستطيعي منع ما حدث , مايفز كان لا يرحم , واظنه اعطى ابوك انذاراً نهائياً لم يستطع تحمله. - لو انه اخبرني ! - اظنه كان يعرف انه لو اخبرك .. - لأصريت على الزواج من كيم , كان يعرف هذا. ضمها ستيفن اليه: - كان يعرف انه قد يذهب الى السجن. - ويعرف انني لن اسمح بهذا. - نفعل ما بإمكانه ان يفعل , لكن هناك امراً آخراً, لقد افضى بسره الى شخص ما. - من ..؟ - سيدة تدعى جونسون. - مدبرة منزلنا الريفي؟ - اجل, ولا اعرف كم اخبرها , ربما انها فقط قلقه من علاقتك بمايفز. - لكنها لم تقل لي شيئاً! - لأنها لم تدرك انك جادة, لكن مما عرفه ابي من بحثه في نيوجرسي, استطيع القول إن مايفز , كان يحاول فرض نفسه , يذهب الى منزلكم , يتصرف وكأنه يملكه , وهذا ماجعلها تفكر , وتتكلم . - وهكذا انكشفت القصة ؟ حبيبتي, حسبت هناك انتحار , من الطبيعي ان تهتم الصحافة بالقصة من وراءه , وفي حالة والدك كانت اكثر من مهمة , فهو رجل معروف في نيوجرسي. - لا استطيع التصديق! - تصديق ماذا؟ عن مايفز؟ - لا , لا استطيع التصديق ان والدي وافق على أمر كهذا . - كان يائساً, اتذكري ؟ وأمك كانت مريضة جداً. - كانت قد وقعت صدفة , واصابت عمودها الفقري. وتعقدت حالتها , والتهاب العمود الفقري أثر على دماغها . - لا تكملي , اعرف كل شيء. - ولم يردعك هذا عني ؟ - وما الذي يبدو لك ؟ - واين ذهب كيم؟ - لست ادري, ربما سيلحق به البوليس , لكن مهما حدث, لن يعيد هذا والدك الى الحياة , ما رأيك ان تغيري ملابسك الآن لنذهب الى العشاء؟ - أهذا ما تريد؟ - أنا , لا , لقد قررت ان تكون هذه الليلة على هواك وفي الغد تقابلين امي. - قرارك؟ أكنت واثقاً ان هذا سيحدث؟ هل تقرأ افكاري؟, دعنا نأكل هنا؟ - انا اقرأ افكارك, يبدو انك من تقرأين افكاري, فأنا لا ارغب إطلاقاً في الخروج ومشاركتك مع مئات العيون في الخارج . - لا ؟ حسناً اظن انني اعرف ما تقصد. - انت تعرفين كل شيء عني تقريباً. اراحت رأسها على كتفه : - وأمك؟ هل هي مخيفة؟ اخذ صدره ينتفض تحت رأسها وهو يضحك: - ليس كثيراً , خاصة بالنسبة لي. - انت ابنها الوحيد. - وستكوني انت كنتها الوحيدة . - أنا ؟ صحيح هذا ؟ - الأفضل ان تصدقي. بعد ثمانية اسابيع من ذلك اليوم , كانت مايلين تخرج من المياه الزرقاء الناعمة للبحر الكاريبي , لتسير فوق الرمال العسلية اللون الى حيث كان زوجها تحت نخلة , كان يستند الى جذعها يتلاعب بأوتار الغيثار لكنه ابعده عنه حين وصلت مايلين اليه ليمد يده اليها ويجذبها لتجلس الى جانبه , وتمتم وهو يشم عنقها : - هممم , رائحتك ملح, لكنني احب هذه النكهة . - ابتعد عني , ستتبلل. رد بكسل : - اعتقد انني ساتحمل البلل , هل تمتعت بالسباحة ؟ - كثيراً , اكنت تراقبني ؟ - طوال الوقت , ربما سنسبح معاً في الغد , لم يبق لنا سوى اربعة ايام بعد , ولا اريد ان اعود بك لأرشاكك مع عائلتي. ابتسمت : - حبيبي , سيكون لنا منزلنا الخاص , ولن نحتاج للخروج منه كثيراً , اذا كنت لا ترغب. ضمها اليه : - على الاقل , وعدني أبي بوظيفة في فرعنا في اثينا , وسيكون لنا وقت اكثر نقضيه في كاسترويوس. - لكن قد تضجر من .. - لن اضجر منك ابداً , ولن اشبع , انت الآن في دمي . ولا استطيع التصديق انك زوجتي . - يجب ان تصدق , وتذكر اننا نكون ثلاثة في اثينا بقدوم الربيع . مد يده الى بطنها : - اعرف , ألا تمانعين حقاً؟ - وانت ؟ - آه , حبيبتي , لا استطيع التفكير بما هو اجمل من التفكير بأن ولدي يكبر في داخلك. - أيمكن ان نرى جوليا ولورنس حين نعود؟ - اذا اردت هذا, لكن يجب ان تكوني مستعدة للخضوع الى والدتي وسهرها عليك, إنها متملكة جداً. - مثل ابنها , اتظن اننا نستطيع اخذ نيكولاس معنا في اليخت ؟ لقد وعدته يوماً , لكنني لم استطع الوفاء بوعدي. - لكن ربما سنضطر للسكن مع اثينا واندرياس. - كما تحب , طالما نحن معاً, لم أكن يوماً اعرف ان الانسان يمكن ان يكون سعيداً هكذا. لف ذراعه بكسل على كتفيها: - نحن محظوظان , اندخل الآن الى الفيللا؟ مدبرة المنزل تحضر العشاء الآن , واريد ان استحم اولاً, وانت كذلك. بعد العشاء تلك الليلة جلسا في الشرفة يصغيان بهدوء الى همس البحر , هذه الاسابيع الأربعة التي مرت كانت شهر عسلمهما , وقت سماوي قضياه بين الشمس والماء والدفء, و ليالي الحب, وكانت مايلين قد اكتسبت إشراقاً من نوع آخر غير ماتسببه الشمس عادة, واستقرت نظرة ستيفن على قوامها الرشيق, الذي سيفقد قريباً شكله . وتنهدت مايلين , فمال ستيفن اليها : - أتعملين , لابد انك تشعرين بالأسى على مايفز , وانا آسف لاكتشافك الحقيقة. - والدك كان يعرف انني اريد ان اعرف, لقد بقيت الأسرار مكتومة عني لمدة طويلة . - سينال جزاءه. - ماذا سيفعلون به ؟ - لا شيء, فهو لم يتسبب في الواقع بانتحار أبيك, وقد يحتاج أمر الديون بعض التحقيق لكن اشك ان يكون هناك أدلة كافية لتجريمه. - أتظن انني قد اكون سخيفة لو قلت انني مسرورة لهذا! - لا. - لقد حصلت على الكثير , وبطريقة مالا استطيع ان افكر بحرمانه من حريته. - وأنا كذلك. ونظر الى ابيه الواقف خلفها , الذي كان يتظاهر بالنظر الى باقة ورد ضخمة تزين البهو , وأكمل يقول له : - فعلتها إذن ؟ - ألا افعل دائماً؟ شد على كتفها : - اين كنت ؟ انتظرتك هنا اكثر من نصف ساعة . سأله أبوه مقطباً: - ألم تتلق الرسالة ؟ - بلى تلقيتها , لكن ما الذي اخركما ؟ - كنت اطلع مايلين على مكتب جدك. - اوه , لترى اذا كانت ستتأثر . صح؟ - لقد تفاهمنا جيداً, على ما اظن , أتحسدني على هذا؟ وابتسم , فنظر ستيفن الى مايلين بسخرية : - لا اظن هذا, طالما لا تتوقع مني دعوتك للعشاء معنا, فلدينا اشياء كثيرة نقولها لبعضنا. ضحك تيغرو: - انت تعرفني إذن , وهل ستأتيا الى المنزل بعد العشاء؟ - سأخذها الى المنزل في الغد, وقل لأمي ان لا تقلق, فلن نهرب لنتزوج دون مراسم, وعدتها بمراسيم زواج ضخم, وستحصل على ماتريد , وقل لها ان تبدأ الترتيبات , هه؟ والتفت الى مايلين: - نحن عائلتك الآن , ونريد ان يكون زواجك بالطريقة الصحيحة. قال تيغرو وهو يلمس خد مايلين: - الى الغد إذن, نحن بالانتظار. بذهاب ابيه , ادراها نحوه : - ألديك جناح هنا ؟ - لا , بل غرفة صغيرة . - لا بأس فلنصعد الى هناك. فتح ستيفن باب الغرفة بنفسه , واخرج اللوحة البلاستيكية من الداخل الى الخارج لتظهر عليها كلمات دون إزعاج , ثم اقفل الباب ووضع سلسلة الأمان مكانها , قبل ان يمد يداه اليها , ويضغط جسدها اليه : - مايلين , لا تفعلي هذا بي مرة ثانية! ردت بضعف : - لن افعل. كان في عناقه شوق جائع , وكأنه يأس محموم , تولد من عذاب القلق الذي عاناه في الساعات الاخيرة قبل ان يعرف مكانها , وكأنه لن يشبع منها مطلقاً. مع ذلك وجدت نفسها لا تزال متوترة الأعصاب حين تركها , وقال : - اتعلمين اي نوع من الليالي قضيته ليل أمس ؟ كنت يائساً لا اعرف مكانك , او ماحصل لك, ولو علمت انك عدت الى هنا . نظرت الى قسمات وجهه المتوترة , فأحست فيضاناً من الحب ردت بصوت اجش: - ما كنت سأحصل عليك لولاه, تعالي , فلنذهب في نزهة , امامنا اربعة ايام , وأنوي ان استفيد منها الى اقصى حد.
تمت

تحميل الرواية مكتوبة

تحميل الرواية مصورة