الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع

الهاربة

----------------------- الكاتبة : جان بيير فريير ----------------------- ------- الفصل الأول ------- مرت السحابة أمام القمر فخيم الظلام الدامس قليلا قبل ان يعود ضوء القمر الشاحب فيكشف عن وجود فتاة تسير بسرعة، آتية عبر الغابة . ومـا ان وصلت الى ضفة الجدول حتى توقفت قليلا ، ثم لم تلبث ان عادت الى ركضها وسقطت فجأة على الارض ، ولكنها لم تهنم للدمـاء التي سالت من يديها ورجليها فنهضت لتعاود ركضها . كان الخوف باديا بوضوح على وجهها الجميل الشاب . وانحنت فوق الميـاه تبلل بها بليها ثم وجهها . وتطلعت الى السماء فراعهـا منها تلبدها ، ثم لم يلبث المطر ان انهمر مدراراً . وعاودت الفتاة سيرهـا بين أغصان الغابة المتشابكة والتفتت الى حيث خيل البها ان صوت اقدام تتبعها. ووصلت الى الطريق العام لاهثة الانفاس . وفجأة رأت من البعيد أضواء سيارة فاندفعت الى وسط الطريق تشير الى السائق الذي استطاع بصعوبة ان يتجنب الاصطدام بهـا قبل ان يتوقف . ولم تبد الفتاة التي وقفت دون حراك ، أية مقاومة عندما اخذهـا الرجل الذي ترجل من السيارة من يدها . واكتفت بالقول : - الشرطة ... اتصل بالشرطة وانهارت في مقعد السيارة دون حراك . وتناول الرجل من حقيبة معه زجاجة قربها من أنف الفتاة التي فتحت عينيها عندئذ بتثاقل ، فبان الرعب فيها . وفجأة اخذت تبكي بحرقة ، في حين كان الرجل يقول : - هدئني روعك !.. انك في أمان هنا - لو كنت تعرف !.. انه لشيء فظيع !.. لو ... ولم تكمل جملتها ، بل وضعت يديها على وجهها . ـ اعتقد اننا سنبقى هنا قليلا ، فالمطر ينهمر كالمزاريب . . . وصرخت الفتاة : كلا ، يجب ان نذهب ، والا أمسكوا بي وقتلوني .. اعتقد ان من الأفضل الانتظار . . ـ اذن دعني اترجل .. قالت الفتاة هذا وهمت بفتح باب السارة ، ولكنه أمسكبها وجذبها نحوه بيده اليمنى في الوقت الذي كانت فيه يده اليسرى تغلق الباب المفتوح . وحاولت التخلص من قبضته ، ولكنـه أمسك بها بشدة ثم ما لبث ان تركها قائلا : - عفوك يا آنستي ، ولكن كان لا بد من ذلـك ... انك مضطربة وينبغي ان تهدئي وقالت بتعب واستسلام : كلا ... يجب ان اهرب !.. - حني بعض الشراب ، وستشعرين عندئذ ببعض التحسن. وتناولت منه الزجاجة التي كان يمسك بها في يده دون ان تنظر اليه وشربت جرعة ثم أعادتها إليـه ، فتنبهت عندئذ الى هيئته : جسد كبير وثياب سوداء . وزاد اضطرابها ، في حين أضاء هو انوار السيارة العالية وقال : ـ لقد أسعفنا الحظ ، وسوف نستطيع متابعة السير بعد ان هدأ المطر . وحاولت آن ، وهذا هو اسم الفتاة ، ان تحدد لهجـة صوته القاسي : الماني ? ام هولندي ? كان يتكلم ببطء : ـ أما زلت راغبة في ابلاغ الشرطة ? - طبعا - هل تفضلين اذن ان نتوقف في القرية القريبـة لتتصلي بالشرطة هاتفيـا من هناك ، ام تنتظرين حتى نصل الى ونستون « - هل نحن بعيدون عن ونستون ؟ - ستون كيلومتراً . وأدار السائق محرك السيارة ثم انطلق بها ، في حين قالت الفتاة بصوت خافت : - انني آسفة ... لما بدر مني ! - لا تهتمي بهذا يا آنستي ! وساد الصمت ، فلم يعد يسمع الا صوت الرعـد وغمغمة قطرات المطر فوق السيارة . وتطلعت آن الى مساحات الزجاج ثم قالت فجأة وكأنها تحدث نفسها : - لقد اجتزت هذه الطريق في الاتجاه المعاكس منذ اربع وعشرين ساعة . يبدو لي ان هذا قد حدث منذ أجيال . ولم ينبس الرجل بكلمة . كان يعرف انها لا تنتظر جوابا أو انها قد نسيت وجوده ، وانها تحاول تبديد حزنها بالكلام . - في تلك الليلة رآني جوليان . كانت هذه علامة ، وكان علي ان افهمها وان اهرب ولكنني تأخرت ... ان الموت يرافقني أني حللت وارتحلت وقال الرجل بلهجة ساخرة وهو يشير بيده اليها : سوف تخافين ! انك لا تصدقني ؟ - ولماذا يحاولون قتلك ؟ كان من الافضل ان تقول لي لماذا لم اتركهم يفعلون ! كان هذا يكون افضل ! - هل تريدين ان تموتي ؟ --- انني لا اريد ان احيا ! انه الشيء نفسه ولكنك ما زلت - شابة ? هذا صحيح . ولكن هل في هذا مـا يضمن السعادة 9 واشرقت الفتاة بدمعها ثم اردفت تقول : لقد مات الرجل الذي كنت احبه . لقد قتلوه - هل هو جوليان الذي تحدثت عنه ؟ وأحنت رأسها بيأس قبل ان تقول : ـ لقد مات جوليان ايضا ؛ وكنت احبه . هل تفهم ؟ لقد حيل إلي مرتين أني سأكون سعيدة ، وان لي ملء الحق في ان اكون كذلك . . . وفي المرتين وسكتت دون ان تتم كلامها ، محاولة ان تتمالك نفسها حتى لا تعود للبكاء. وسارت السيارة بها قليلا ، وقـد ساد الصمت ، ثم قالت آن : - سأروي لك كل شيء . . . يجب ان يفهم احد هـذا ، وان يفسر لي هذه الحوادث قبل ان اصاب بالجنون واحنت رأسها كأنها تستعيد احداث حياتها وتصل حيل ذكرياتها ، في حين كانت الامطار تطرق زجاج السيارة الأمامي بقوة .

تحميل الرواية من هنا

الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع