رهف

ظل البيت القديم مهجورا لسنوات .. و على حاله بقي ثابتا ، عملاقا ، مهيبا ، كشجرة سامقة عجوز ، لكنه بدأ يشحب و يبهث من الخارج و تزداد نوافذه إطلاقا من الداخل .. مات اللبلاب الذي كان يكسو جدرانه ، و علا الغبار الكثيف الأبواب ، لا يجاوره أي شيء سوى قناة راكدة بعيدة عن الطريق .. و عندما يأتي أمشير يسمع أهل القرية بالليل صوتا يبدو كأنه لامرأة متجبرة تزوم : رووووووووو ، يقولون إن مصدره الريح التي تمر عبر المدخنة ، أو عبر إحدى النوافذ مكسورة الزجاج و التي لم يهتم أحد بإصلاحها أبدا .. لم يذهب إلى هناك مخلوق ، خاصة بعد اختفاء الصبي ( سلمان ) الابن البكر لعمدة القرية ، بعض أترابه قالوا إنهم شاهدوه عند البوابة الصدئة للبيت المهجور للمرة الأخيرة .. و هكذا أصبح محط أنظار المارة القليلين بالترعة القديمة ، و موضوعا لحديث الرجال حول ركية النار ليلا ، و حجة جيدة تحبس بها الأمهات أبناءها في الدار ، ثم لم يعد يذهب إلى هناك مخلوق و اعتبروه ملعونا ، و لم يبد منهم اهتمام حقيقي في الكلام عنه بعد ذلك .. اثنان من الصبية حاولا استكشافه فضولا و طلبا للمديح ، حاما حوله ، تسلقا سوره المرتفع المهدم في أكثر من موضع ، بل إنهما دخلا حديقته و تأملاه عن كثب و قلباهما ينبضان بأمل العودة إلى الأهل و معهما السر الرهيب

إنتظر قليلا حتى يظهر الرابط



15 sec