وجوه الغيرة

الفصل الاول
1- غريب في الغابة كانت السماء تنذر بسقوط المطر والثلج حين توقف محرك السياره. فامسكت اوليفيا بالمقود بشده. وحاولت ان تقنع نفسها بأن كل شيء على مايرام وادارته من جديد دون جدوى. عندها تذكرت ماقاله لها الاصدقاء بأن بداية شهر آذار فترة غير ملائمه للسفر, لكنها رغم ذلك ارادت ان تزور الحقول والتلال الخضراء في شمالي انكلترا.الا انها في تلك اللحظة ادركت انها اختارت وقتا غير ملائم للقيام بمثل هذه الرحله ولكنها للمرة الاولى في حياتها,ارادت ان تقوم بعمل اخرق.فقد امضت ايام صباحها بالعمل المتواصل.... ممرضه تعتني بسيدة عجوز او ابنه اخت مخلصه لخاله متطلبه ومحبه... عبثا حاولت ان تدير المحرك قبل هبوط المطر.لكن خيوط الماء انهمرت وتساقطت قطرات الماء انهمرت وتساقطت قطرات كبيره كبيره على زجاج السيارة. ومع صوت المطر تذكرت أمر الوقود !! لن تسير السيارة على الهواء! وهي لم تملأ خزان الوقود. وقد سارت ساعات بعد ان تناولت طعام الغداء ونسيت انه لا وجود لمحطات البنزين في تلك المناطق النائية التي كادت تخلو من السكان . تنهدت اوليفيا ونظرت حولها. ثم اغمضت عينيها وتخيلت بهاء الهصاب الجنوبيه ودروبها الجميله ولوحات الاتجاه. ثم فتحت عينيها لكنها لم تر أية لوحه اتجاه . ولاحظت انه لا يحيط بها سوى كلسية جرداء.فانتابها شعور بالخوف والقلق . وتمنت لو تستطيع ان تهرب من تلك الورطه بغفله عين . لكن الى اين تهرب , واي اتجاه تسلك ؟ الحقول الشاسعه تمتد امامها الى ما لا نهاية .لكنها لا ترى أي كائن حي غير الطيور التي تمر بها غير مبالية, او الخراف المبعثرة على الروابي البعيده. كبر فيها القلق لكنها استسلمت للامر الواقع, وادركت انها لن تستطيع ان تدير المحرك, فان السيارى لن تتحرك من مكانها.فجأة توقف المطر فغادرت السيارة. اقفلت الابواب ثم توجهت الى الصندوق فأخرجت حقيبة تحتوي على بعض أدوات الزينه ووعاء فيه شيء من القهوة وعلبه صغيره من الكريما , كان هذا كل ما تملكه من طعام . كانت السيارة تقف في مكان امين, بعد ان ابعدتها اوليفيا عن الطريق العام واوقفتها على العشب. التفتت حولها بخوف وتذكرت انها خلال ساعه كامله لم تلتق الا بيارتين. ورغم ذلك شجعت نفسها, واملت ان يمر بها احد قريبا. عضت على اسنانها وحملت حقيبة طعامها بيدها ثم علقت حقيبة يدها بكتفها وسارت باتجاه المجهول. لكن الظلام هبط باكرا لأن السماء كانت ملبده بالغيوم السوداء. لم تكن تقصد أي مكان لكنها كانت تسير فقط كي لاتفقد الامل. ومر الوقت بطيئا واوليفيا وحيده فجأة رات على جانب الطريق حجرا قديما حفرت عليه كلمات استطاعت ان تقرأ منها القسم الاول:على بعد 3 اميالمن... فقد محت السنون الجزء الاخير من العباره واضاعت اسم المكان . على ذاك الحجر الصغير جلست اوليفيا بحذر وتناولت ما تبقى لها من قهوة وكريما بينما المطر ينهمر. لكنها لم تبال لأن قبعه سترتها المبطنه كانت تقيها من البلل . كانت ترتدي بنطالا من القماش المتين لا تتسرب اليه الماء بسهوله وتنتعل حذاء مريحا لذلك صممت ان تتابع السير علها تجد نهاية لهذه الرحله المضنيه .... دقائق طويله ولاح لها في البعيد ضوء. فاعتقدت للوهلة الاولى ان النور لم يكن الا وهما. لكنها استطاعت ان تلمح بريقه البعيد بين خيوط المر وتأكدت ان مصدره بيت ناءٍ في هضبه بين الاشجار . فراحت تتقدم شيئا فشيئا باتجاه الضوء حتى بانت على مقربه منه وكان خوفها يزداد كلما اقتربت. عند مدخل الطرق المؤديه الى مصدر النور توقفت قليلا وتساءلت.... هل تتابع سيرها في تلك الدرب المهجورة؟ ترددت للحظات لكنها كانت تأمل بان تلتقي اناسا طيبين يستضيفونها ريثما يتوقف المطر. لذلك تابعت خطواتها حتى ادركت النور. واكتشفت انها امام مزرعه فتحت بوابتها الكبيره فأثار الامر دهشتها وتساءلت كيف يمكن لمزارع حريص على حيواناته ان يترك بوابة مزرعته مفتوحه.؟ لذلك تخيلت ان المزرعه لابد ان تكون مهجوره لا سيما وان سقفها يكاد ينهار, ونوافذها مخلعه كاد املها يتلاشى لكنها فجأة سمعت نباح كلب . من اين تراه اتى ؟... ومن اين يتسرب النور؟.... لا بد ان يوجد انسان في داخل المزرعه وهذا هو المهم ! كان المطر يهطل بغزاره ويبلل ثيابها حين طرقت اوليفيا الباب وطلبت النجده. لكنها لم تسمع سوى صدى طرقاتها الملحه. طال وقوفها وابتلت من رأسها حتى اخمص قدميها , فقررت ان تدخل بأية وسيله حتى ولو اضطرت ان تقفز من احدى النوافذ المخلعه. لكنها اكتشفت ان الباب لم يكن مقفلا. دفعته امامها. ودخلت , واذا بكلب حجمه مخيف يبرز انيابه الحاده . وتأهب لينقض عليها فاحست وشعرت ان الدم تجمد في عروقها . ولكن قبل ان يهجم الحيوان الشرس علا صوت من الداخل : - اهدأ ياراف ! اهدأ ! وعلمت ان هذا اسم الكلب لذلك مدت يدها الى رأسه وحاولت ان تهمس : - مرحبا ياراف . فتوقف الكلب عن النباح وراح يحرك ذيله بسرعه ويمد لسانه ليلمس به يدها. فشعرت اوليفيا بشيء من الاطمئنان وهي تلاعبه وتناديه بأسمه . وبينما يدها تمسح رأسه لاحظت حول عنقه طوقا يحمل قطعه معدنيه ذات لون ذهبي حفر عليها اسم ما . فحبست انفاسها حين اكتشفت ان القطعه لا تحمل اسما فقط. بل ختما يشير الى انها من الذهب الصافي. فحاولت بجهد ان تقرأ اسم صاحب الكلب وعنوانه لكن صيحه قويه منعتها من ذلك : - قف مكانك ياراف! هل تسمعني ؟ فانحنى راف نحو الارض وسقطت القطعه من يدي اوليفيا التي رفعت نظراتها الخائفه نحو الزائر وقد ارعبها منظره اكثر من زمجرة الكلب عندما دخلت الى الغرفه . كان الغضب يلمع في عينيه البنيتين القاتمتين فشعرت اوليفيا بأن الرجل يكاد ينفجر غيظا لأن احدا تجرأ واقتحم حرمة منزله حين صرخ بها : - بحق الجحيم ماذا تردين ؟ في تلك بدا الرجل وكأنه يوجه كلامه الى الكلب لكن نظراته الساخطه حطمت اوليفيا فتملكها خوف شديد . كان شكله يشبه شكل ناسك. بنطاله ممزق عند ركبتيه وكذلك قميصه عند كوعيه, وقد وضع يديه في جيوب بنطاله ولاحظت ان قدميه شيه حافيتين. كان ممشوق القامه طويل الشعر حالكهغطت وجهه لحيه سوداء وانتصب رأسه فوق كتفيه العرضتين . ورغم نبرته القاسيه بدا صوته مهذبا , لذلك قالت له اوليفيا : - انا متأسفه . اني حقا متأسفه . وحاولت ان تشير الى مكان سيارتها وهي تضيف : - لقد تعطلت سيارتي , فرغت من الوقود . فأجابها : - حاولي على الاقل ان تجدي عذرا مقنعا . فخلعت قبعتها وكشفت عن عينين اضناهما التعب, وعن شعرها الكستنائي الذي يغطي وجهها الشاحب, فلاحظ الرجل بنطالها المبلل الملتصق برجليها وهي تقول له : - هذه هي الحقيقه. لقد اوقفت السياره على مقربه من هنا .وقطعت المسافه سيرا على الاقدام علني اجد محطة بنزين . توقفت عن الكلام والتفتت اليه فأرعبها منظره وهو يقول لها : - يجب ان تخافي مني ايتها السيده. انا مجرم قاتل هارب من السجن. انظري الي جيدا لأني مازلت قادرا على القتل . ثم اقترب من اوليفيا وصرخ : - هيا اخرجي . لكنها بقيت واقفه مكانها وهتفت قائله : - اني مبتله ومتعبه وجائعه. ارجوك ياسيدي ... لا ابالي ان كنت مجرما ام لا. دعني على الاقل اجفف ثيابي. انا اكيده ان لديك موقدا فلقد رأيت دخانه لا اريد الا القليل من الماء وبعض الطعام . - اسمعي ايتها السيده. اني مصاب بداء الطاعون ومرضي معدٍ وكل ما المسه يصاب بالعدوى. والان اترغبين بالخروج بعد ان عرفت حقيقتي ؟ امام عباراته تلك خاطبت اوليفيا نفسها قائله : - يا الهي . انه حقا مريص وهو وحيد بحاجه الى من يعتني به . فقال لها وكأنه ادرك ما يجول بخاطرها: - اخرجي ! هيا اخرجي ! ماذا علي ان افعل لأقتعك اني رجل خطير ؟ لم تخف من نبراته لكن لم يكن بوسعها اقناعه ببقائها. همت بالخروج فلحق بها الكلب وكأنه يرافقها في نزهة لكنها اغلقت الباب في وجهه وخرجت . ماذا تراها تفعل ؟ هل تكمل سيرها لتضيع في العتمه ام تعود ادراجها لتعرض نفسها لمرض الطاعون ؟ وبينما هي تسير حائره سمعت نباح الكلب وراءها. فالتفتت فرأته يدعوها للعوده. كان الكلب يلتفت وراءه من حين الى اخر ليتأكد من انها تلحق به . عندما وصلا الى باب المزرعه بدا لها الرجل هو الذي فتحه بعد ان انتصر عليه الكلب فدخلت الى الغرفه البارده . كان سقفها عاليا جدا وجدرانها رطبه داكنه اللون. وقد امتدت في ارضها قطعه بساط ممزقه وفوقها في وسط الغرفه طاوله من خشب وراءها كرسي شبه محطم . فجأة خيم هدوء كامل على المكان فتساءلت الصبيه المبلله عن سبب اختفاء الكلب وصاحبه وقامت تبحث عن موقد نار لتجفيف ثيابها فشاهدت الحيوان الضخم قابعا امام باب غرفتها يتربص بكل حركه تقوم بها. فنادته بصوت خافت . - راف ّ قل لي اين اجده انه بحاجه الى مساعده . انه يحتضر اذا مات ياراف ... توقفت قليلا ثم تابعت : - ان حياة الانسان غاليه خصوصا اذا .... توقفت ثانية وتساءلت ماذا عساها ان تقول ؟ من يكون بالنسبة لها ؟ انه ليس سوى غريب خاطبها بلهجة قاسية. لكنها تابعت رغم ذلك قائله : - ان مات يا راف فسوف تبقى وحيدا ولن يعتني بك احد... وبينما هي تخاطب الكلب سمعت صوت الرجل ينادي : - راف تعال الى هنا . واياك ان ترجع الى هذه العدوه....! تعجبت اوليفيا وتساءلت كيف يمكن ان تكون عدوه وهي لا تعرف شيئا عن الرجل ؟ ثم اقتربت من باب الغرفه التي جاء منها الصوت وقالت: - ارجوك ياسيد ان تدلني على مكان المقود فثيابي ما زالت مبتله . وانتظرت الجواب ولكن صمتا رهيبا ملأ المكان حتى خيل اليها ان الرجل لم يسمعها. فتقدمت خطوتين الى الداخل فرأته ممددا على السرير. عندما ابصرها قال لها بلا مبالاة : - تستطيعين ان تمضي الليله هنا . لكن عليك ان ترحلي عند الصباح. - هذا كل ما اريد. ان اجفف ثيابي وان اكل شيئا. سوف ادفع لك الثمن الذي تطلبه اذ تبدو بحاجه الى المال لتشتري لنفسك ... التفتت من حولها لتتأكد من كثرة الاشياء التي يحتاجها وتابعت : - لتشتري لنفسك اشياء كثيره . - افهم من كلامك انك تملكين الكثير من النقود وتريدين ان توزعيها على الفقراء... مثلي . تمهلت قبل ان تجيبه فهي تملك مبلغا لابأس به من المال أوصت لها به خالتها عند وفاتها, لكنها رغم بلوغها الـ26 لم تفكر يوما بتبذير المال . وكان مجرد التفكير في الثروة التي هبطت عليها أمرا يزعجها ويعكر صفو مزاجها . وبسبب هذه الثروه تركت المنزل الذي ورثته عن خالتها والذي عاشت فيه 11 سنه بعد وفاة والدتها . وقررت ان تقوم برحله الى شمال العراق شرقي انكلترا بعد ان اصبحت حره طليقه ومسؤوله عن مصيرها . ورغم البرد القارس ورغم الصعوبات التي اعترضتها شعرت بأن شيئا يدفعها لتنفيذ قرارها. هل كتب لها القدر ان تدخل هذه المزرعه المهجوره وان تلتقي هذا الرجل ؟ واية قوة غريبه قادتها الى هذا المكان ؟ كانت تفكر بكل هذه الامور بينما الرجل يتأمل وجهها وينتظر جوابها . وبعد تفكير قالت له : - ما الذي يجعلك تعتقد اني بأني املك ثروة ؟ فأطبق جفنيه وقال : - من يعلم ؟ عندما اغمض عينيه خافت اوليفيا ان يستسلم للقاد قبل ان يدلها على الموقد فهتفت : - ياسيد.... علي ان اجد لك اسما اناديك به . - لماذا ؟ على أي حال لن تمضي هنا اكثر من ليله واحده وعلي الآن ان اجد لك غرفة تنامين فيها . فعادت تسأله : - بربك قل لي اين اجد النار ؟ - في الموقد طبعا . وحين اكتشفت ان لا وجود للموقد الا في غرفته خلعت سترتها وبحثت عن كرسي تلقيها عليه . فرأت كدسة من الكتب رمت الستره عليها. ثم اخذت تخلع الثياب المبتله كلها حتى كادت تتعرى والتفتت الى الرجل قائله : - ارجوك ياسيد .. - ديلاني , ماك ديلاني . - ارجوك ياسيد ديلاني ان تعطيني ثيابا جافه ريثما تجف هذه . بعد تردد نهض عن السرير وجاءها ببعض الثياب من الخزانه في الغرفه المقابله وسألها : - بحق الجحيم, ما الذي تفعلينه في هذه المناطق وفي مثل هذا الطقس؟ هل ارسلتك احدى المجلات لتفتحي ملفا قديما ؟ سألته بدهشه : - هل تعني اني مراسله صحافيه ؟ - حسنا . قولي لي الحقيقه ! - انا صادقه. واذا اردت ان تعرف حقيقة امري فأنا في عطله لبضعة اسابيع . - في عطله ؟ ولكن ما هي مهنتك ؟ اجابت بهدوء : - لا امارس أي مهنه . - اذن لماذا لا تبحثين عن عمل عوضا عن التجوال في المناطق النائية تطرقين ابواب غرباء تجهلينهم ؟ - لست بحاجه الى عمل في الوقت الحاضر . هذا كل ماعندي لأقوله . وتوقفت عن الحوار عند هذا الحد, وراحت اوليفيا تنظر الى الخزانه المليئة بالثياب. فقال لها الرجل : - انها ثياب مسروقه . تناولت قميصا ازرق اللون, وطلبت منه ان يغمض عينيه ريثما ترتديه : - ارجوك اغمض عينيك ياسيد ديلاني . وكف عن التحديق بي . أي نوع من الرجال انت ؟ - سبق ان اجبت عن هذا السؤال ياسيده . اني مجرم وقاتل . - لا اصدق ما تقوله . - هل تريدين اثباتا على ذلك ؟ انتاب اوليفيا شعور بالخوف وقالت : - ارجوك ان تدعني وشأني . لم اقصد اطلاقا ان ازعج خلوتك . لكنه ظل يحدق بها وفي عينيه بريق من الحقد والضعف في الوقت نفسه . غدا سوف ترحل وتتركه مع عزلته ولن تزعجه ابدا

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا