من أجل حفنة جنيهات

من أجل حفنة جنيهات
للكاتبة : كاي ثورب
الملخص
بعدما مات ابواها اصبحت ليزا الاخت والام والاب لشقيقها الاصغر ريك. وبرغم الحنان والعطف والرعايه التي احاطت بها ليزا شقيقها, انحرف ريك عن الطريق القويم مسببا لنفسه ولاخته سلسله مشاكل. وبينما كانت ليزا واقعه في احد مآزق ريك, ظهر المنقذ في شكل برادلي فورتون, ودفع المبلغ المطلوب لابعاد ريك عن قضبان السجن. لكن الثمن الذي وضعه كان غاليا...فهل كان حقا هكذا؟؟ ولماذا يطلب برادلي الزواج من ليزا كشرط لا تراجع عنه؟ وما هو حجم "حفنه الجنيهات" التي سيجنيها هو من هذه الصفقه؟...والحب..هل يأتي تحت هذه الظروف؟
الفصل الأول
ليزا و ريك
ظهر البيت عند منعطف في الطريق , محاطا بقوسن من الأشجار مربع الشكل , من الحجر الرملي الدافئ اللون وفي تصميمه لمحة من الفن الأغريقي . وكانت الشمس حارة تغرق واجهته , فبدأ شامخا متينا . ولم تتبين ليزا الكسور في أحجاره , واختفاء بعض أجزاء نوافذه , ومظاهر الأهمال فيه , الا عندما خرجت من دائرة ظلال الأشجار , وتتبعت منحنى الطريق أمام المواجهه . لقد بدأ المكان كله مهجورا . ووقفت لحظة عند بداية السلم الحجري المؤدي الى الباب وأخذت تخطط في ذهنهاالعبارات الوصفية الأولى . كان عليها في هذا التحقيق ان تختار بحرص كل ما شأنه انيجذب اهتمام رئيس التحرير , دون ان تتعرض كثيرا للناحية الفنية التطبيقية لهذاالأثر الذي يعود تاريخه الى القرن السابع عشر . هزت ليزا فجأة كتفيها النحيلتين : أي فارق حقيقي بين ان يكون التحقيق مقبولا او مرفوضا ؟ انهم بالتأكيد لايمكن انيدفعوا لها خمسمائة جنيه , وهو المبلغ الذي كان عليها ان تعثر عليه لو ارادت انتنتشل ريك من المشاكل التي تورط فيها بسبب ادمانه المقامرة . هذه المرة كان قد أغرقنفسه تماما ! ففي بحر عشرة أيام كان المحاسبون سيطلعون على دفاتر الشركة وحينئذستظهر الحقيقة مالم يستطيع ريك ان يعيد ما كان قد أخذه ولكن خمسمائة جنيه ؟ أينيمكن العثور على هذا المبلغ في مثل تلك الفترة الزمنية القصيرة ؟ وعادت بهاالذاكرة وهي واقفة في مكانها . الى عصر اليوم السابق , في غرفة الجلوس الصغيرة فيالشقة التي يشاركها أياها أخوها والى عيني ريك الزرقاوين اليائستين حينا كان يسألهاالعون قائلا : " علي ان ادبر المبلغ بأية طريقة – ان ماكبين سيقدمني للمحاكمة . انا اعرف انه سيفعل الا تعرفين احدا يمكن ان يقرضنا المبلغ ." " ريك لا اعرف حتىمن يمكن ان يقرضني اقل بكثير من هذا المبلغ حتى لو عرفت فيجب ان اعطي تفسيرا لذلكلا أستطيع ان اخبر أحدا أنني في حاجة الى ذلك حتى أحول دون دخول أخي السجن . مالذيجعلك تأخذ هذا المبلغ ؟ ومالذي فعلته بكل هذه النقود ؟ " وهز كتفيه , وشاح عنهابوجهه الوسيم الذي تقلصت ملامحه قائلا : " ما جدوى ذلك الآن ؟ يبدو انك لنتساعديني ." " انت تعرف يا ريك انني لو كنت أملك المبلغ , او اعرف أية وسيلةللحصول عليه في الوقت المناسب لكنت حتما بادرت الى مساعدتك ". القى ريك بنفسهفوق المقعد. وأتكأ بمرفقيه على ركبتيه وأسند رأسه بين يديه وقال : " بذلتالمستحيل من أجل الحصول على قرض ولكن محاولاتي فشلت ." قالت ليزا بتردد : " تستطيع ان تذهب الى السيد ماكبين وتعلمه بالحقيقه قبل وصول المحاسبين , وأعرض عليهالمبلغ استقطاعا من مرتبك , أستطيع ان أساعدك في ذلك سأذهب معك في الصباح أذا شئت ." ورفع ريك رأسه ونظر اليها بدهشة كبيرة ثم انفجر قائلا : " لابد انك تمزحين ! أخبر ماكبين ؟ لابد انه سيستدعي الشرطة في الحال ." " انها فرصه. على الأقل قديشعر نحوك بشئ من الأحترام لشجاعتك في اللجوء اليه أرجوك يا ريك أرجوك افعل ذلك ." قفز من مكانه وقال وهو يتجه نحو الباب : " اذا كان ذلك أفضل ما يمكن فعلهفلا جدوى من وجودي هنا علي ان افكر لأجد مخرجا ." أسرعت خلفه وأمسكته بذراعه وسألته : " هل ستعود ؟ " ووقف ويده على المقبض وقال وهو يهز كتفيه في عدممبالاة : " تقصدين اذا كنت سأهرب من المأزق ؟ فكرت بالفعل في ذلك , ولكنني لااتخيل حياة قائمة على الفرار ثم ان ماكبين لن يهدأ له بال حتى يقدمني الى العدالةأنسي الأمر ياليزا سأجد مخرجا لاتسهري في انتظاري ." ولكنها كانت بالطبع ستسهرفي انتظاره . فكرت في ذلك وهي واقفة في مكانها حيث تركها وأغلق الباب خلفه. كانتحتما ستنتظره كما انتظرته مرات عديدة في قلق وحيرة لأن ريك هو كل ما بقي لها منالعائلة . كانت ليزا في الثانية عشرة وأخوها في العاشرة , عندما قتل والداها فيحادثة منذ أحد عشر عاما وكانت العمة التي تولت تربيتهما تحاول ان تكون رقيقة معهمالكن طبيعتها القاسية كانت أقوى ولم تجد ما يدعوها الى اخفاء مشاعرها عنهما ولذلكحولت ليزا كل طاقاتها العاطفية نحو أخيها الصغير أحبته وعملت على حمايته الى حدتحمل التأنيب على سوء أفعاله , لأنها لم تكن تحتمل رؤيته حزينا . وفي السابعةعشرة , اتخذت الخطوات الأولى نحو تحقيق طموحها في التخصص المهني في الهندسةالمعمارية لكن موت العمة اليزابيث بعد عام انتزع هذا العزاء عن حرمانها , ولأنهاأصبحت وحيدة تماما في هذه الدنيا فقد رحلت مع ريك الى لندن على أمل ان يجدا فيالعاصمة المستقبل الآمن الذي كانا يسعيان اليه , وأن اختلفت سبلهما ووجدت ليزا عمللقاء راتب يفي بحاجاتهما معا : عملت خطاطة في شركة هندسية معمارية , لكن الشهورالأولى كانت صعبة حتى انها عجزت عن اقتراح بديل حينما أعلن ريك رغبته في تركالمدرسة في نهاية الفصل الدراسي ووجد لنفسه عملا .وعندما بلغ ريك الثامنه عشره اصبحشخصا مختلفا عن الفتى الذي عرفته منذ عاميين. كان ساخطا على عمله وعلى حالتهالماديه وعلى كآبه الحياه بصفه عامه ووجد طريقه الى موائد القمار واصبح مشدودا بلاوعي الى عجله الرولت معتقدا ان المقامره ستحل مشاكله الماديه. ولسوء حظه انه كان محظوظا في البدايه ذلك انه حتى بعدما اصبحيخسر بصفه مستمره كان يقنع نفسه دائما بأن الدوره التاليه للعجله ستعوضه, وفي ذلكالوقت بدأت ليزا تكتب كصحفيه غير متفرغه اضافه الى عملها الاخر مستغله معلوماتها فيالهندسه المعماريه وحبها للتاريخ وكان كل ما تكسبه يذهب الى ريك ويساعده على الخروجمن العثره تلو الاخرى ويحول بينه وبين الغرق. ولم يكن الكلام معه يجدي. لكن ليزاكانت تغري نفسها بأن رضاها ولم يفعل شيء خارجا على القانون لكن الوضع الانتبدل. " آنسه فارل... " كان الصوت منبعثا من اعلى السلم, اعاد ليزا دفعه واحده الى الحاضر. وكانت المرأه التي وقفت تنظر اليها بابتسامه في العقد الخامس من عمرها وقد ارتدت ثوبا فضفاضا اختلطت فوقه الاتربه ببقع الطلاء الازرق بمختلف درجاته. وصعدت ليزا الدرجات الثلاث وامسكت باليد الممدوده وقالت: " انا آسفه كنت مستغرقه في احلام اليقظه ارجو ان لا اكون قد جئت في وقت غير مناسب يا سيده مارتشباتك. " ضحكت المرأه وقالت: " انت تشيرين بذلك الى ان ثوبي غير مناسب للترحيب بالزوار. يجب ان تسامحيني يا عزيزتي كنت اعلم هذا الرجل المجنون الذي يسمي نفسه اخصائي زخرفه كيف يمزج الطلاء ليكون اللون المرغوب كما سبق ان قلت لك في الهاتف انت على الرحب لألقاء نظره على قصر "ورال" وان كان علي ان احذرك اننا على شيء من الفوضى حاليا بسبب نزع نص ارض الصاله وبعثره الحجاره في كل مكان. ارجو الاتكوني قد توقعت عملا ترميميا كاملا؟ ربما كان علي ان اذكر اننا بدانا العمل منذ اكثر من شهرين. " وسكتت لتلتقط انفاسها وانتهزت ليزا الفرصه لتقول: " لااهميه لذلك فالتحقيق الذي اعده يدور حول عمليه ترميم بيت قديم؟" وانفجرت اساريرها عن ابتسامه واستطردت تقول: " اعتقد ان مثل هذا التحقيق سيهم كثيرا هؤلاء الين يشترون بيوتا قديمه. فهو يوحي اليهم بأفكار ملائمه. " عبرت السيده مارتشبانك مع زائريها مدخل الباب ذي الاعمده الجميله الى صاله واسعه جيده الاضاءه يرتفع منها سلم اشبه بالمروحه الى الطوابق العليا وقالت: " ما رأيك في ان نبدأ بالطوابق العليا حيث انتهى الكثير من العمل, ثم نعود ادراجنا الى اسفل؟ " واومأت ليزا موافقه واخرجت من حقيبتها مفكره وقلما وقالت: " نفعل الاسهل بالنسبه اليك واستطيع فيما بعد ان ارتب عناصـر التـحقيق. " كان العمل يجري على قدم وساق في الطاق الاعلى وعمال الزخرفه يملأون الكثير من غرف النوم بينما كان عمال الكهرباء يشتغلون في الممر الرئيسي وقد ابدوا ترحيبا في الرد على اسأله ليزا حول الصعوبات التي يلاقونها في مثل هذا البناء القديم واستطاعت هي من اجوبه رئيسهم ان تستخلص بعض النقاط التي يمكن ان تفييدها في موضوعها. عادت المرأتان مره اخرى الى الطابق الاسفل وقادت السيده مارتشبانك ليزا الى حيث كان يعمل فريق من الرجال في اصلاح ارضيه ثلاث غرف. ووقفت اخيرا تتابع في اهتمام عمليات الترميم وتستفسر بدقه عن الجديد فيها. وحينما تبعت مضيفتها مره اخرى الى الخارج اكتشفت ان حراره الشمس لمتخفف من الرائحه القويه المنبعثه من خليط الطلاء المستعمل على الجدران وسألتها السيده مارتباتك: " هل استطعت الحصول على ما تريدين يا آنسه فاريل؟ " " نعم...شكرا لك. في الحقيقه وجدت ما يستوعب عده مقالات. " وابتسمت ليزا ومدت يدهاقائله: " كان كرما منك ان تستقبلي نيز وانا شديده الامتنان لك على الوقت الذي ضيعته بمرافقتي. ارجو الا اكون اخذت من وقتك اكثر مما يجب. " " على الاطلاق من دواعي سروري ان استقبل من تهتم حقيقه بما نحاول ان ننجزه هنا. " واستدارت عندما فتح باب في الجانب البعيد من الصاله وظهر من خلاله رجلان مقبلان وصاحت: " آهوالتر. كنت اتسآل اين ذهبتما..." ثم قالت لليزا: " تعالي لتقابلي زوجي سيهتم كثيرا بالتحقيق الذي تعدينه. " قالت السيده مارتشبانك وهي تشير الى اكبرالرجلين: " زوجي وهذا برادلي فورتون وهو هنا مثلك في زياره خاطفه. " وابتسمت واستطردت تقول: " الآنسه فاريل صحافيه يا والتر انها تكتب تحقيقا عن قصر "ورال" والترميمات التي نقوم بها. " وعاد الزوج وهو يشد على يد ليزا وعيناه تلمعان وسط شعره الرمادي: " رائع للغايه تستطيع عن طريق ماسينشر ان نجتذب الناس للمجيء الى هنابعد انتهاء العمل لزياده موراد الاسره فالترميم عمل مكلف في هذه الايام. " " لسوء لحظ ان هذا صحيح. " ولم يكن الرجل الاخر قد تحرك من امام الباب ولكن في الوقت الذي كان فيه السيد مارتشباتك يتحدث كان يتابع ليزا بنظراته عندما تكلم ادارتليزا رأسها ونظرت اليه للمره الاولى ورأت رجلا طوله وحجمه فوق المتوسط, متحفظ المظهر. ولم تهتم كثيرا بهذه التفاصيل ذلك انها في تلك اللحظه كانت متنبه فقط الى النظره الفاتره المسدده نحوها. سأل بصوت هادئ وخافت: " في اي دار نشر تعملين يا انسه فاريل؟ " رفعت رأسها ببطء وقالت: " لا اعمل لحساب دار واحده فانا لست متفرغه ولست مرتبطه." " انها مقاله بالعموله اذا؟ " ترددت ليزا ثم قالت: " ليس تمام " " اما انها كذلك او لا. اذا لم تكن كذلك فلماذا لا تقولين؟ " واحست ليزا بأنها متأهبه للدفاع دون ان تدري لماذا تماما وقالت: " بعت اعمالا لهذه المجله بالذات من قبل فطلبوا مني المزيد. وهنا يمكن اعتباره من وجهة نظر غير دقيقه عموله. " وهنا صرت السيده مارتشبانك: " برادلي فورتن انت استفزازي. لا تلقي اليه بالا آنسه فارل " ونظرت الى ساعتها وقالت: " انهاالرابعه ابقي لتناول الشاي عزيزتي " وابتسمت واكملت قائله: " كان ذلك هو اولمكان انتهينا من اعداده. يجب ان نأكل بطريقه صحيحه لنعمل بطريقه صحيحه " " هذاكرم منك لكن الباص الذي سأعود به الى المدينه يتحرك بعد نصف ساعه. اشكرك مره اخرىيا سيده مارتشباتك للسماح لي بالمجيء واعتقد انه يمكنك التاكد من ان المقاله ستظهر " وبسرعه قال اصغر الرجلين: " انا عائد الى لندن واستطيع ان اوصلك واوفر عليك الوقت والسير حتى القريه " ولم يكلف نفسه مشقه انتظار ردها واستدار ناحيةالزوجين مارتشبانك قائلا: " لن استطيع البقاء لتناول الشاي يا غريس, علي ان ارى شخصا ما سأراكما في وقت اخر وحتى ذلك الحين استمرا في عملكما " قالت غريس: " تحياتي الى والدتك يا برادلي وحين ننتهي من اعداد المكان يجب ان تحاول احضارها لقضاء عطله معنا وشكرا لك لانك جئت لزيارتنا " " كان ذلك من دواعي سروري, هل ستأتين معي انسه فاريل؟ " كانت سيارته واقفه قرب البيت. سياره واسعه فيها احدث وسائل الراحه وقادره على ان تعود الى لندن في اقل من نصف الوقت الذي يستغرقه الباص. اجلس ليزا في المقعد الامامي ثم استدار ليجلس بجانبها امام عجله القياده وبدأ يحرك السياره دون ان يلتفت اليها ولوح بيده لمضيفيه قبل ان ينطلق. حاولت ليزا ان تجد موضوعا تفتح به حديثا مع رفيق الرحله واستنتجت انه من جانبه لا يرغب في الحديث واختلست نظره نحو وجهه محاوله كشف الشخصيه القابعه خلف الفم الحازم والفك المربعوتأكدت انه ليس وسيما على الاطلاق. كان انفه في الواقع اشبه بالمنقار. ربما كان افضل ما فيه شعره الغزير الداكن القصير الى الحد الذي لا يسمح بأن يتطاير. واطلت من النافذه على مناظر الريف الطبيعيه متسائله عما يفعله ريك في هذه اللحظه وعما اذاكان وجد طريقه للخروج من ورطته. كان من الطبيعي ان يكون في هذا الوقت من عصر يوم الاثنين في عمله لكنها شكت في ان يكون هناك لان ذهابه الى عمله يعني ان يواجه مشكلته. وفكرت ان ذلك كله بسبب غلطتها فقد كانت هي التي اقنعته بأن يتدرب علىالدفاتر اما هو فقد كان يريد ان يتجه نحو شيء يمكن ان يحقق له عائدا سريعا. ولوانها تركته يشق طريقه حسبما اراد ان شيئا من هذا ما كان ليحدث. " تبدين كما لوكنت تحملين هموم العالم على كتفيك. مما تعانين؟ مشاكل ماديه؟ " فاجأها الرجل الجالس بجانبها بملاحظته حتى انها ظلت لحظه عاجزه عن النطق وعندما تكلمت كانتنبرتها غاضبه: " ان ظننت ان عرضك لتوصيلي يعطيك الحق في توجيه اسئله شخصيه ياسيد فورتون فانني افضل ان توقف السياره حـالا وان تدعني انزل منــها " ولم يتحرك على الاطلاق وانما قال في هدوء: " التحدث مع الغرباء يساعد احيانا على التخفيف من الهموم وربما على ايجاد حل للمشكله التي تبدو مستعصيه الحل " اشتد توتر ليزا وقالت: " كلا اشكرك سأجد الحل بنفسي " " الارهاق البادي في عينيك يدل على انكبذلت وقتا طويلا تحاولين ايجاد الحل " ورمقها بنظره جانبيه سريعه وعاديقول: " انني باخلاص احب اساعدك يا آنسه فاريل. اتراني مضطرا الى الاستمرار فيمناداتك بذلك؟ " " اسمي ليزا " " ليزا..انه يروقني وهو يناسبك " وتغيرتلهجته بعض الشيء واستطرد يقول: " من تكونين يا ليزا فاريل؟ انا اعرف انك صحفيهوانك تعيشين في لندن ولكن ماذا عن الباقي؟ هل تحبين ان اتحدث عنك؟ " ابتسمت فجأهواحست نحوه رغما عنها بشيء من الموده وقالت: " اذا شئت " قال وهو يتحدث في مقعده متخذا وضعا اثر راحه: " يمكنني ان اقول انك في حوالي الثالثه والعشرين ترتدين ما شئت من الملابس دون تقيد. معتدله في الاكل. لابد ان تكوني وراء هذه البشره وهاتيين العينيين اللتين تبدوان في انسجام تام مع لون الشعر. وانا متأكد منانك لا تدخنين ولا تشربين ولا تركضين وراء الرجال. " كانت الضحكه التي اطلقتها متنفسا لها بعد ارهاق الساعات الاربعه والعشرين الاخيره وقالت: " ما قلته قريبمن الحقيقه " " لكنها ليست كافيه. ما رأيك في ان تمديني بالمعلومات الكامله" " لس هناك في الحقيقه الكثير. انت اخطأت في نقطه واحده فقط. فالصحافه تشغل جزءامن وقتي فقط وفيما تبقى من وقت اعمل في شركه واعيش مع اخي في شقه في لندن " " مامن افراد اخرين في الاسره؟ " " لا احد على الاطلاق " ولاذ بالصمت وبعد لحظهاستطردت قائله: " لا افهم لماذا يجب ان تعرف عني كل شيء في حين اننا في الغالبلن نلتقي ثانية " " لكننا سنلتقي الليله على العشاء مثلا. هل تناسبك الساعه الثامنه؟ " سألت عاجزه عن اخفاء ضيقها: " الا ترى انك مستعجل نوعا ما؟ " " بالطبع. واحب الا يكون موقفك سلبيا ما لم يكن لديك موعد مسبق. هل انت مرتبطه الليله؟ " " كلا ولكن......." قاطعها قائلا بحزم: " يجب ان اعرفك اكثر ولااستطيع ان افكر في طريقه افضل من تناول طعام العشاء معا على انفراد وفي هدوء " واسترخت ليزا فجأه في مقعدها. انها لم تقابل ابدا احدا في مثل تصميم هذاالرجل. كانت عجرفته كفيله بأن تسهل لها مهمه الرفض لكنها وجدت نفسها تقول: " سأتناول العشاء معك " وصعدت ليزا السلم ركضا ودخلت الشقه. لم تجد ريك كما توقعتولم تعثر له على اثر يدل على انه عاد طوال اليومز واتجهت لى غرفه نومها وخلعتحذاءها واستدارت لتتأمل نفسها في المرأه ثم ابتسمت. وخلعت ملابسها وراحت تستعيدكلمات الغزل التي سمعتها من برادلي. وابتسمت من جديد لفكره خروجها للعشاء معه. سيكون من الرائع ان ترافق مره شخصا من الواضح انه يستطيع ان يوفر لها ولنفسه افضلما في الحياه. السياره الانيقه والملابس الثمينه واسلوبه في التحدث مع الاخرين. كلذلك كان يؤكد امكانياته. لم تكن تعرف عنه شيئا باستثناء انه صديق عائلي للزوجينمارتشبانك. ولكن هذا الامر كان كافيا في حد ذاته فالزوجان لم يكونا من النوع الذييمكن ان يصادق السيئين من الناس. وانتشلها من افكارها صوت مفتاح يدور في قفل الباب. وذهبت الى غرفه الجلوس لاستقبال ريك الذي قال باقتضاب: " متى عدت؟ " " منذ دقائق " وتأملته..كان واضحا من سلوكه ان الموقف لم يتغير وسألته: " هل تريدان تأكل؟ " هز رأسه بالنفي وقال: " عدت فقط لاغتسل واغير ملابسي " وتردد وتحاشى النظر اليها ثم تلاحقت كلماته بسرعه: " سيكون هناك لعب الليله في بيت فيل. هل تقرضينني؟ " وحملقت فيه وصاحت: " كلا...لن تقامر الليله يا ريك " " هل يمكنك التفكير في اي طريقه اخرى تمكنني من الحصول على النقود؟ انني يائسيا ليزا " " ريك ما جدوى ان تورط نفسك اكثر بالديون في مثل هذا الوقت؟ " " ربما حالفي الحظ. اذا كسبت الليله فسأستطيع بسهوله ان اجمع مبلغ الخمسمائه جنيه. تعلمت نظاما جديدا لا يمكن ان اخسر ما عليك الا ان....." غطت ليزا اذنيها بيديهاوصاحت: " لا اريد ان اسمع...ان شيئا فيك لم يتغير حتى لو خرجت من هذا المأزق فستستمر في المقامره " حدق فيها لحظه ثم قال متجاهلا كل ما قالته: " لنتعطيني النقود اليس كذلك؟ " وهزت رأسها بالنفي ورأته يزم شفتيه ثم يقول: " سأجد طريقه اخرى للحصول عليها " وانصرف قبل ان تتمكن من منعه وصفق الباب خلفه بعنف. قالت ليزا لنفسها انها مجرد مناقشه حاميه في محاوله لنسيان التهديد الذي كانفي صوته. كان متورطا بما فيه الكفايه وقد يورط نفسه اكثر. حاول فقط ان يخيفها وفي الغالب انه يقف في الخارج في انتظار ان تلحق به مثلما كانت تفعل عندما يغضب ويخرج. والان عليها ان تذهب في اثره لتعطيه ما طلب من مال. بل لتطلب اليه ان يعود الى رشده. لكنها لم تجد ريك في انتظارها. لقد اختفى وعادت ليزا ادراجها وهي تشعر بالوحده وبالضياع وداهمها احساس بالخوف الشديد.
2- العرض!
وصل براد في الساعهالمحدده وتمنت ليزا وهي تفتح الباب له ان يكون توترها قد زال بفضل ادوات الزينهالتي استعملتها بعنايه بالغه. واستقرت عيناه في اعجاب على كتفيها المرمريتين وقداحاطت بهما فتحه الثوب الاسود العميقه الاتساع. ثم تحول ببصره الى الغرفه. " انهمكان صغير لطيف. اوك في الخارج اليس كذلك؟ " " نعم. لحظه واحده لاحضر حاجياتي " قال براد وهو يساعدها على ارتداء معطفها: " من الغريب اننا حتى الامس لايعرف حدنا الاخر " ثم اضاف هامسا وهو يعدل وضع ياقه المعطف: " انني مسرور ياليزا لأنك قررت زياره (ورال) اليوم بالذات دون بقيه الايام " وتحركت برقه مبتعدهعنه منشغله باغلاق ازرار المعطف وعندما نظرت اليه كان يتأملها مبتسما. وبدا فيالبدله الداكنه متلفا بعض الشيء عن الرجل الذي التقت به عصر هذا اليوم. كان اطولقامه وربما حتى اكبر سنا. وفجأه وبلا سبب تمنت لو كانت اختلقت عذرا لعدم المجيءعندما كانت الفرصه متاحه فقد كان في هذا الرجل شيء ما يضايقها ويجعلها تحس بأن هذااللقاء دبره القدر. قالت: " هل انت من لندن؟ " اتسعت ابتسامته وقال: " انهدورك في الاستجواب اليس كذلك؟ سأخبرك..نتناول العشاء اولا وبعد ذلك اخبرك كل شيء عننفسي " وذهبا الى احد مطاعم (بيكاديلي) لم تكن ايزا قد دخلته, اما براد فقد كانمن الواضح انه وجه مألوف في المطعم الفاخر وتركت له اختيار قائمه الطعام وتأملتارجاء المكان. كان تقليديا رائعا على مستوى رفيع للغايه. لاعجب اذا في ان احدا لميأت بها الى هنا من قبل. وانتهيا من تناول الطعام الفاخر, ورفضت ليزا ضاحكه انتتناول الحلوى, لأنها قد امتلأت. واسترى براد في المقعد وتأملها وقال: " علىالاقل تبدين الان اكثر سعاده عما كنت حينما فتحت لي الباب. هل استطيع ان ارجع الفضلفي ذلك التغيير لرفقتي " عضت ليزا شفتيها وتشغالت بالنظر الى فنجان القهوهامامها ثم سألت: " هل كان الامر ملحوظا؟ " اطلقت العنان لدموعها كما المرأهدائما. وتأملها لحظه في صمت قبل ان يستطرد: " كتفي على استعداد لأن تستقبل بكاءكاذا رغبت بذلك يا ليزا...ومهما كانت همومك فان الافضاء بها يخفف عنك " " لااستطيع..لن يكون ذلك عدلا " " بالنسبه لك ام بالنسبه لي؟ اذا كنت المقصود فانسيذلك وكما قلت لك انا احب ان اساعدك اذا استطعت " " لماذا؟ لماذا تريد انتساعدني؟ " ورفعت عينيها الى عينيه متعمده. وحرك كتفيه العريضين وقال: " يمكنارجاع ذلك الى الاحساس الشخصي. ان لكل شخص مشاكله يا ليزا " وشردت ليزا بأفكارهالكن مشكلتها مختلفه. وساد الصمت بينهما ثم قالت: " وعدتني بأن تخبرني كل شيء عنك " وتقبل تغيير الموضوع بلا اعتراض وقال: " وعدتك بالفعل. حسنا ولأبدأبالاجابه عن سؤالك السابق. كلا انني لا اعيش في لندن انني هنا للعمل من يوركشاير. من المنطقه المعروفه بالوديان " صاحت بدهشه: " الوديان, تصورت دائما ان وديانيوركشاير عباره عن مستنقعات " " ذلك شأن بعض اجزائها لكننا متحضرون للغايه. منالواضح بأن لم تتوغلي شمالا. اين كنت تعيشين قبل مجيئك الى لندن؟ " " في اكسفورد " ونظرت اليه واستمرت تقول: " كنا نتحدث عنك انت " ورمقها بنظره ثمقال: " هذا صحيح. دعينا نكمل..انني اعيش في ايردال بالقرب من مكان يدعى سكيبتون. وابلغ من العمر اربعه وثلاثين عاما. وعملي هو مهندس معماري. ومما اخبرتني به عصراليوم اجد ان هناك شيئا مشتركا بيننا. ما هو عملك بالضبط؟ " " انني اعملخطاطه" ورمقته باهتمام جديد واستطردت قائله: " كنت اهدف الى ان اصبح مهندسهمعماريه " " وما الذي غير فكرك؟ " " الظروف. اكملت من دراستي عاما واحدا, والعمل الذي اقوم به الان هو اقرب شيء ممكن الى املي الحقيقي " وبالصراحه التيبدأت تتوقعها منه سأل: " وما هي الظروف التي حطمت خططك؟ " وفجأه وجدت نفسهاتسرد عليه قصه حياتها واصغى اليها باهتمام ثم قال: " وهكذا جئت الى لندن ووجدتلنفسك عملا واستمريت في رعايه اخيك...ماذا يعمل بالضبط؟ " وكانت ليزا خلال النصفساعه الاخيره قد حاولت ان تنسى المشاكل التي تعصف بها لكن المخاوف تثقل على قلبها. برغم من ذلك اجابت بهدوء: " مسك الدفاتر...." ورشفت ما تبقى من فنجان القهوه وفاتت عليها رؤيه ما طرأ عليهمن ضيق مفاجئ ثم قالت: " عندي احساس يا براد بأنك لا تريد ان تحدثني عن نفسك. انك بارع في تغيير الحديث. يبدو اننا لم نتحدث منذ التقينا الا عن نفسي " " لااستطيع ان افكر في موضوع افضل في اية حال. ما الذي تريدين ان تعرفينه عني؟ " " مثلا..كيف تعرفت بالزوجين مارتشبانك؟ " " كانا يعيشان في ايرادال, كانا منجيراننا لكنهما سافرا منذ ثلاث سنوات الىاميركا زاشتريا (ورال) عندما عادا الىالوطن منذ بضعه شهور " " انه بيت بديع " " لقد كان كذلك في يوم وسيستعيدروعته حين الانتهاء من عمليات الترميم والزخرفه. اعجبت كثيرا بكميه العمل التيانجزت في المكان حتى الان. وكما قال والتر فان عمليه الترميم قاسيه ماديا ومعنويا. لا يمكن ترميم جزء وترك الباقي. حاولت ذلك بنفسي ولم انجح " وتضاعف اهتمامهاوسألت: " هل تعيش انت ايضا في بيت قديم؟ " قال: " بيت نورتون في فارليعمره اكثر من خمسمائه عام " " قديم الى هذا الحد؟ ارجوك حدثني عنه " وابتسممن جديد وهز كتفيه وقال: " لست بارعا في رسم الصور بالكلمات..ما الذ يمكن اناقوله عنه؟ انه الطراز التقليدي لمباني العصور الوسطى. بيت على مستوى رفيع من بدايهالقرن الامس عشر. لماذا تضحكين؟ " " تبدو كمرشد سياحي في جوله " " تمرنت علىذلك كثيرا. نفتح ابوابنا للناس خلال عطلات نهايه الاسبوع الصيفيه, ربما تكتبين عنافي يوم ما تحقيقا " " اشك في ذلك. لا اعتقد انني سأجد نفسي في ذلك الجزء منالبلد " " ان للقدر طريقه في تدبيير الامور " واستقلا السياره في طريقالعوده. اقد مرت الامسيه بسرعه شديده. استطاع براد ان ينتزعها من الدوامه التي تعيشفيها وان ينسيها امر ريك لفتره. كانت تحب ان تعرف عنه اكثر من ذلك لكنه اذا كان فيلندن لسبب معين فمن المشكوك فيه ان تتاح لها هذه الفرصه. وسأل براد عندما وقفبالسياره امام المبنى حيث شقتها: "هل تعتقدين ان اخاك عاد؟ " والقت ليزا نظرهعلى ساعتها وردت: " اشك في ذلك " واوقف محرك السياره ونزع المفتاح وقال: " اذا فسأوصلك حتى باب الشقه " وادار رأسه ولمح تعبير وجهها وابتسم مستطردا: " حتى الباب فقط يا ليزا ليس لدي هدف ابعد من ذلك. اعدك " وامسك بذراعها وهمايصعدان السلم. كانت لمسه يده رقيقه ودافئه. وحين وصلا للشقه انطلقت كالعاده تبحث فيحقيبتها عن المفتاح. وتأملها في شيء من الاستمتاع وقال: " علماء النفس يقولونانه يمكن معرفه الشخصيه من الاشياء التي يحملها. احب ان ارى شخصا يخرجك من كل تلكالاشياء الكثيره! " واخذ منها المفتاح وفتح الباب. وفي الوقت نفسه فتح البابالداخلي فجأه ووقف ريك على عتبته وحملقت ليزا بدهشه وقالت: " ريك متى عدت؟ " رد بجفاء: " منذ ساعات. لم اكن اعرف انك كنت تفكرين بالخروج " " لم تتحلي الفرصه لاخبارك " واحست فجأه بأنها لن تتحمل البقاء معه بمفردها والدخولثانيه في المجادلات القديمه وسماع الردود نفسها والتفتت نحو براد وقالت: " هلتحب ان تدخل لتشرب القهوه؟ " " نعم ارغب في ذلك " وخلعت ليزا معطفها في غرفهالجلوس وتحركت في اتجاه الباب المؤدي الى المطبخ الصغير قائله: " سأعود بالقهوه " لكن ريك استوقفها قائلا: " اليس في نيتك ان تقدميني الى صديقك؟ " واستدارت محتقنه الوجه وقالت: " بالطبع انا آسفه براد هذا هو اخي ريك. ريكهذا هو براد لي نورتون. تفضل بالجلوس يا براد. لن اتأخر في احضار القهوه " وكانتحركاتها في المطبخ آليه اما اهتمامها كان مركزا على همهمة الاصوات المنبعثه منالغرفه. ولم تستطع ان تتبين الكلمات بوضوح لكن كان واضحا ان الرجلين وجدا الكثير منالكلام المتبادل. وعندما عادت بدا جليا ان النقاش انتهى. كان ريك جالسا بجوارالمدفأه وظهره لها وكان براد جالسا في الاريكهالمقابله. وتناول الفنجان منها دون ان يتكلم وكان واضحا ان شيئا ماازعجه. واستبد بها احساس قوي بان براد فهم اكثر مما كانت تعتقد من القليل الذيسردته عليه هذه الامسيه عن مشاكلها وان عرضه المساعده عليها لم يأت من فراغ. وقالتلنفسها انه ليس من حقه ان يحاول اكتشاف اكثر مما كانت تتمنى ان يعرفه. وتنفستالصعداء عندما رفض براد فنجانا ثانيا واعرب عن رغبته في الانصراف. ولم يرد ريك علىتحيته ورافقته ليزا الى الباب وهي تشعر بالخجل من تصرف اخيها وسألها براد حينماوقفا على رأس السلم: " نلتقي مساء الغد. هل تحبين المسرح؟ " وترددت واحستبالتمزق بين رغبتها في ان تراه ثانيه وذلك الشعور الذي يساورها بأنها يجب الاتستمتع بمباهج الحياه في وقت يقف ريك على حافه كارثه. ومع ذلك اذا بقيت في البيتفما الذي يمكن ان تفعله؟ ان المساعده التي تنتظرها لن تأتي اذا لم تتحرك. وبرقت هذهالفكره فجأه في ذهنها. المساعده التي يحتاجان اليها ربما كانت تقف هنا امامها. وذعرت في الحال هل كانت تنوي ان تطلب قرضا من رجل لم تعرفه الا منذ عده ساعات. ربماكان يريد ان يساعدها ولكن خمسمائه جنيه كانت مبلغا كبيرا ومن الصعب ان تتصور احدايمكن ان يقدم لشخص لا يكاد يعرف عنه شيئا ولا يملك ما يغرضه ضمانا. وافاقت منشرودها على صوته: " ليزا هل سمعت ما قلت؟ " " نعم يروقني ان اذهب الى المسرحمعك " وانفرجت اساريره بابتسامه وقال: " اذا سأبتاع تذكرتين وسأمر عليك فيالسابعه. طابت ليلتك يا ليزا " وظلت تراقبه حتى اختفى ثم دخلت الشقه واغلقتالباب. ورمقها ريك متفحصا البريق في عينيها والابتسامه على شفتيها وقال: " ستقابلينه ثانيه. من يكون؟ " " مهندس معماري من يوركشاير قابلته عصر اليوم فيقصر (ورال) " " لم يع وقته اليس كذلك؟ ما الذي اخبرته عني بالضبط؟ " واستدارتلتلتفت اليه وقالت: " لا شي لماذا؟ ماذا قال لك بينما كنت في المطبخ؟ " صديقك هذا لا يضيع وقته في الكلمات. جلس هناك ونظر الي مباشره وقال انه متأكد اننيوراء متاعبك. اظن انني كبير بما فيه الكفايه لأن اتحمل مشاكلي وحدي " وتساءلتليزا ما الذي قالته بالضبط لبراد عن اخيها, الشي القليل. لابد انه شعر بما تعانيهمن الاحساس بالذنب لانها نفسها اسهمت في اضعاف شخصيه ريك وسألت اخاها: " ماذاقلت له؟ " " طلبت منه ان يعتني بشؤونه فقط وهل كان هناك رد اخر؟ ما الذي يعطيهالحق في ان يأتي ليدس انفه فيما لا يعنيه؟ " وانتظرت ليزا لحظه قبل ان تقولبنعومه: " عرض علي المساعده " " هل فعل ذلك حقا؟ " وظهر تغير مفاجئ فيلهجه ريك وفي سلوكه. واستمر يسأل: " مساعده ماديه؟ " " انه لا يعرف نوعالورطه. كيف يستطيع اذا ان يحدد نوع المساعده؟ وفي اي حال اننا لا نستطيع ان نقبلمن غريب هذا النوع من المساعدات " " تكلمي عن نفسك انني على استعداد لأن اقبلالمساعده من ابليس نفسه لو كان من شأن ذلك انقاذي من هذا المأزق, تعرفين من الواضحانه لطيف معك. الا يمكن ان تطلبي منه ذلك؟" " كلا بالتأكيد لا استطيع. انني لااكاد اعرف الرجل " ورفعت الصينيه وبدأت تتجه نحو المطبخ. " حتى لو كان ذلك مناجل ان تحمي اخاك الصغير من دخول السجن؟! " واستدار ببطء لتنظر اليه وقالت: " اعتقد يا ريك ان السجن سيفيدك " ثم خرجت بسرعه من الغرفه. لكنها عندما اوت الىالفراش ادركت انها لن تستطيع ان تقف مكتوفه اليدين وان تدع ريك يدخل السجن. لابد منعمل شيء ما لابد من قهر كبريائها ومحاوله الحصول على قرض من براد نورتون. لن تدعهذه الفرصه تفلت منها. ولكن كيف السبيل الى طلب مثل هذه المساعده من رجل لاتربطها به معرفه وثيقه؟ كيف تستطيع ان تذهب اليه وتقول براد... اريد منك ان تقرضنيخمسمائه جنيه, ولكنني لا استطيع ان اخبرك عن السبب لانه قد يورطك في شبة اخفاءجريمه, ولا اعرف متى استطيع ان ارد المبلغ اليك. انه حتما سيضحك منها مستخفا. وظلتمؤرقه لفتره طويله محاوله ان تجد حلا اخر, لكن دون جدوى. اصبح براد الامل الوحيدالان. واليأس قد يسحق امورا كثيره من بينها الكبرياءوالكرامه. لكنها فقدت الثيرمن حماستها لهذا القرار وهي جالسه بجانبه في المسرح مساء اليوم التالي. ولم تلتفتالى المشاهد التمثيليه التي كانت تدور امامها, لكنها كانت شديده الاحساس بوجودالرجل الجالس بقربها وبأنه كان بين الحين والاخر يدير رأسه نحوها ويتفحصها. ربمايكون شعر بقلقها. وفي بدايه الفصل الثاني من المسرحيه امسك يدها بطريقه طبيعيهوكأنه صديق قديم. وتركت اصابعها تعانق اصابعه. كانت يده دافئه وجافه واحست بتلاحقخفقات قلبها. والغريب ان هذه الحقيقه جعلت مهمتها اصعب. وحينما عادا ثانيه الىالسياره بعد انتهاء العرض قال براد: " انها ليله رائعه هل انت مضطره للعوده الىالبيت ام تفضلين النزهة؟ انني في حاجه الى نسمه هواء " ووافقت ليزا في تردد فهيكانت تريد ان تطيل البقاء معه اكثر وقت ممكن لكنها كانت تنوي ان تأخذ ما تفكر فيطلبه منه, ازداد الامر صعوبه بالنسبه اليها. لقد كانت تنوي ان تنتظر حتى يعود بهاالى البيت قبل ان تسأله ما ذا كان جادا في ماعدتها. كانت الليله بالفعل دافئهوخاليه من الغيوم. وتركا السياره في احد الشوارع الجانبيه وراء حدائق فيكتوريا, وسارا في اتجاه جسر واترلو وادار براد وجهه وسط الضباب المنبعث من النهر وقال: " اردد دائما ان هذا واحد من افضل الاماكن في مدينتك. مثل هذا النهر الكبير يمكن انيمنح الحياه الكثير من المتعه. ولكنكم سكان لندن لا تعطونه مثل هذه الاهميه " " اعتقد انك على حق. كم من الوقت ستمضي في لندن يا براد؟ " " كان المفروض ان اعوداليوم. هل يمكن ان تعرفي لماذا مازلت هنا؟ " ومره اخرى تلاحقت خفقات قلبها وردتبصوت خافت: " كلا " " ايتها الكاذبه الصغيره. حسنا. اذا كنت تريدين الامربوضوح فقد بقيت لانني التقيتك ولانه كان علي ان اراك ثانيه " وتوقف عن السيرفجأه وامسك بذراعها وجذبها لتواجهه متسائلا: " هل يدهشك ذلك؟ " ردت هذه المرهبصدق لان عينيه الرماديتين حاصرتا عينيها: " كلا..اوضحت بتصرفاتك انك تجدنيجذابه " وضحك لتعليقها وداعب برقه وجنتيها وقال: " انت التواضع نفسه انني اجدالكثير جذابات لكنها المره الاولى التي اغير فيها خططي من اجل واحده " اكتشفتليزا انه يجيد فن المغازله. وتساءلت عن خطوته التاليه وهي تحاول ان تتجاهل الالمالعميق في اعماقها. وتأمل وجهها وسأل: " الا تصدقينني؟ هل تشكين في تصرفاتي؟ ماالذي يمكن ان افعله لاقناعك بأنني جاد؟ " رأت ان فرصتها حانت وجف حلقها وتراكضتخفقات قلبها وبرغم ذلك بدت متماسكه عندما قالت بهدوء: " تستطيع ان تثبت ذلك " " كيف؟ " وتنفست في عمق وقالت: " باقراضي خمسمائه جنيه " استطاع انيسيطر على انفعالاته فلم تتغير تعابييره ولكن شيئا جديدا بدا في عينيه وهو يحدثق فيعينيها وقال: " اخوك اليس كذلك؟...انه في ورطه ما " " نعم " " ما نوعالورطه؟ " " لا استطيع اخبارك " وشاحت عنه بوجهها واتكأت على السور بذراعيهاوحملقت في مياه النهر وقد استبد بها الاحساس بالخجل وبالضيق وفجأه قالت: " انسىذلك يا براد...انسى تماما ما قلته " وانبعث صوته هادئا للغايه: " ماهي مهلته؟ " وابتلعت ريقها بألم واجابت: " تسعه ايام " " يا للغرابه! " " ما وجهالغرابه؟ " " لا يهم مجرد فكره عابره " وسكت لحظه ثم قال: " سأقرض ريكالنقود يا ليزا...لكن هناك ما اريده في المقابل " تطلعت نحوه وسألت فيهدوء: " ما الذي تريده يا براد؟ " وكان جوابه صدمه: " اريد ان اتزوجك "
3-الزواج
قالت ليزا مشدوهة: { أهي طريقتك في المزاح؟} { الرجال الذين يعرضون الزواج مازحين غالبا ما يكتشفون أن الدعابةانقلبت عليهم وليست هذه بالتأكيد عادتي. } وأحست بأنها مضعضعة وهمست: { لكنلا يمكن أن تقصد ذلك. أننت لم نلتق إلا منذ أكثر من أربع وعشرين ساعة بقليل.} { لا أهمية للفترة الزمنية ولا يمكن أن أكون أول رجل اكتشف مدى جاذبيتك.} {ربما لالكنهم لميعتبروا طلب الزواج مقدمة ضرورية لاقامة علاقة.} { هذا تعليق لاذعالسخرية. ربما يكون من الضروري أن أعيد صياغة طلب.} وكانت ليزا عاجزة عن تصديق . فسألته: {هل تحاول أن تقول أنك متيم في حبي؟} ولمع بريق في العينينالرماديتين وقال: {هل يمكنك اقتراح سبب آخر لرغبتي في الزواج منك؟} {قد تكونمدفوعا بالشفقة علي.} وعادت الابتسامة إلى شفتيه وقال: {الشفقة قلما تكوندافعا للزواج وفي أي حال فلست ذلك الرجل المحسن} ووقف متكئا على سور الجسر ونظرتاليه ليزا ذاهلة ثم قالت: {لا أدري تماما ماذا أقول.} {حاولي أن تقولي نعمأنها أسهل من لا والطف كثييرا} وامسك بيدها فجأة وجذبها نحوه قائلا: {الأفعالأحيانا يمكن أن تقول للمرأة ماتعجز عنه الكلمات.} {إذا قلت لا هل ستقرضنيالنقود؟} ومرت لحظة صمت خاطفة قبل أن يهز رأسه قائلا: {كلا.. لن أفعل. أننيأريدك يا ليزا وأود الحصول عليك. واذا كانت مساعدة أخيك على الخروج من ورطته تخدمهدفي فسأستغل ذلك وأكون سعيدا.} وحدقت فيه يائسة وقالت: {هل أنت متحجر القلبعلى ذلك النحو عندما تكون راغبا في شيء؟} {نعم حينما أكون شديد الرغبةفيه.} {ولا فارق في الأمر اذا لم أكن أبادلك الحب؟} {لا فارق في الأمر اذا لمتكوني تبادلينني الحب الآن. لكن الحب ينمو يا ليزا. إن بيننا قدرا مشتركا وقدأخبرتني أنك لست نافرة مني كرجل. هل هناك دليل أفضل من ذلك؟} وشردت بأفكارها: خلال الأعوام الاخيرة كانت محرومة من الحب والأمان وكانت في حاجة ماسة اليهما ويبدوان براد على استعداد لأن يمنحها اياهما الن تكون مجنونة اذا رفضت كل ماعرض عليهالمجرد أنه من الأفضل أن تحب الرجل قبل ان تتزوجه؟ ثم هناك ريك هل تستطيع أن تحرمهفرصة التخلص من ازمته؟ هل تستطيع أن تقف مكتوفة وهي تراه في الطريق الى السجن فيحين انها تملك مفتاح الحل؟ لكن الشكوك ساورتها. ما الذي تعرفه عن الرجل الذي كانيقف صامتا في انتظار جوابها؟ ما الذي تعرفه عن الماضي عن ظروفه وحتى عن شخصيتهباستثناء ما لمسته من تحجر قلبه الأمر الذي أثار مخاوفها بعض الشيء؟ وسألت: {هلأطمع في مهلة قصيرة؟} {مهلة لماذا لو كان في نيتك أن تقولي لا قوليهاالآن} وتساءلت ليزا هل تستطيع حقا الرفض؟ وشعرت بدوار : كيف يتصرف الانسان فيمثل هذا الموقف ؟ وقطع براد الصمت قائلا: {فكري بالأمر وأنت نائمة تعالي سأوصلكالى البيت} ولفهما الصمت أثناء عودتهما الى لامبيث. وتنفست ليزا الصعداء عندمارفض دعوتها الى تناول القهوة وقال: {سأمر عليك غدا في الموعد نفسه لأعرف الجواب. أليس كذلك يا ليزا؟} كانت الشقة تسبح في الظلام وأضاءت ليزا النور ورأت ظرفاأبيض مسندا على الساعة. واتجهت ناحية المدفأة وأخذته وأخرجت منه الورقة المفردةوشحب وجهها وهي تقرأ: ليزا قدم مراقبوا الحسابات موعد حضورهم الى اليوم الجمعة لاتسهري في انتظار عودتي. ولم تكن ليزا تستطيع أن تحدد كم من الوقت وقفت تحملق فيالورقة. كانت الأفكار تتصارع في رأسها . أفكار يائسة مشوشة لم تلبث واحدة منهاانبزغت بوضوح: الآن لم يعد أمامها خيار. واتجهت نحو الهاتف وبحثت في الدليل عن رقمفندق براد وطلبته قبل أن تتنبه الى أنه ربما لا يكون قد وصل بعد لكن عاملةالاستقبال أوصلتها بغرفته على الفور: {مرحبا ليزا ماذا حدث؟} قالت وقدأسعفتها إرادتها بالسيطرة التي كانت تحتاج اليها: {فكرت يا برادسأتزوجك} {هناك أمور لابد من مناقشتها سأتي اليك حالا} {الآن ؟ لكن الليل علىوشك أن ينتصف} لم يسمع اعتراضها اذ كان قد وضع السماعة. ووصل بعد عشر دقائق .أغلقت الباب واستدارت لتواجهه وقد تحفزت للدفاع عن نفسها أما هو فقال دونمقدمات: {لابد أن شيئا ما أرغمك على اتخاذ القرار المفاجئ الذي كنت تتهربينمنه} ونظر اليها في امعان واستطرد متسائلا: {أين ريك؟} {فيالخارج} ناولته الرسالة مستطردة وقد بدا عليها الأرهاق: {هذا سيشرح لكالأمر} وقرأ بسرعة وعندما نظر اليها ثانية كان وجهه خاليا من التعبيروقال: {كان رد فعلك الفوري هو الاتصال بي والموافقة على عرضي؟} وكان صوته شيءما لم تستطع أن تفهمه ووجدت نفسها تسأل بصوت مرتجف: {ألم يكن ذلك ماأردت؟ أنتجعلت الزواج شرطا لاعطائي المال} وتفحص وجهها ولاحظ شحوبها وقال: {هذامافعلته كانت مغامرة من جانبي لكنني محتاج اليك الى أقصى حد ياليزا} ومد اليهايديه قائلا: {تعالي} وذهبت اليه مسلوبة الارادة ووضعت يديها في يديه بحثا عنالطمأنينة التي كانت في أشد الحاجة اليها وأحست وهي بين ذراعيه أنه من العسير عليهاأن تركز في غير هذه اللحظة وقالت وهي تبتع عنه : {سأعدالقهوة} {سأساعدك} ولم تتكلم لأنها لم تكن تعرف ماذا تقول. كانت لاتزال تحسبأن وجوده مفروض عليها. كان فيه تصرفاته من الررقة مثلما كان فيها من العنف وأدركتأن مثل هذا الرجل لم يكون من العسير الوقوع في حبه. وحمل عنها الصينية واتجه بهاالى غرفة الجلوس ووضعها ثم نظر اليها بابتسامة لم تستطع أن تقاومها وقال: {أننيمؤهل للحياة العائلية كم اترين} وابتسمت بدورها واستطرد قائلا: {هذا أفضل لننلبث أن نتبادل الدعايات. الأمر لن يكون بالصعوبة كما كان في البداية} وفكرت هيذلك.كلا , لن يكون الأمر صعبا لقد بدأ جمودها يذوب بفعل الدفء في عبنبه وفي صوتهوقالت: {حدث كل شيء بسرعة مازلت لا أستطيع التأقلم مع الأمر كما ينبغي} {إذنلا تحاولي. إهدئي فقط واستعدي للآتي} وسكت لحظة ثم استطرد قائلا: {ليس هناكشيء يا ليزا يحول دون زواجنا فورا. أستطيع إنهاء كل الترتيبات في الصباح ويمكنناالزواج يوم السبت والذهاب رأسا الى فارلي عقب إنتهاء المراسم} {بهذه السرعة ولكنماذا عن ريك؟} {ماذا عن ريك؟ إنه في الحادية والعشرين وهذا يؤهله تماما للعنايةبنفسه. وربما حعله ذلك يكتسب الشعور بتحمل المسؤلية وفي أي حال فلا أعتقد أن ريكيمكن أن يستقر في ايردال.. إنه حتما سيشعر بالملل قبل مضي أسبوع} كانت تعرف أنهعلى حق فحتى لو دعا ريك وهو ما كانت تشك فيه فانه لن يوافق أبدا على الذهاب معهاالى يوركشاير انه يحب لندن يحب صخب المدينة الكبيرة. أما بالنسبة للميسر فربماعلمته هذه الأزمة درسا على الأقل لن يخاطر ثانية بالأستدانه من أصحاب العمل. وسألتفجأة: {ماذا ستقول والدتك في هذا الزواج السريع؟ } {سيكون أسعد يوم في حياتهاعندما أصطحبك معي الى البيت لقد تمنت دائما أن تكون لها ابنة} {كيف تبدو ! هلتشبهها؟} {كلا لا أشبهها على الأطلاق أنها ضئيلة وشقراء ولطيفةللغاية.} وتغير تعبيره بعض الشيء وأستأنف قائلا: {أنها أيضا تعاني من مرض فيالقلب يمكن أن يقضي عليها في أي وقت وهذا هو أحد أسباب رغبتي في الزواجبسرعة.} {إنني آسفة يا براد. هل هل تعرف بأنها مريضة؟} { نعم أنها تعرف أنهامريضة منذ سنوات وكان علينا دائما أن نكون شديدي الحرص ختى نجنبها الصدمات والأحزانأيا كان نوعها} وسكت ثم أضاف: {ربما كان علي أن أخبرك بكل ذلك قبل أن أطلبالزواج منك. ربما شعرت أنني أطالبك بالكثير.} {أنا لا أظن ذلك بالطبع ويسعدني أنذكرياتي من أمي قليلة للغاية} وكانت تهم بصب القهوة عندما تناهى اليهما صوتمفتاح يدور في القفل وبعد لحظة دخل ريك ووقف عندما رأى براد وقال: {إذن فتلكسيارتك في الخارج؟} ونظر في اتجاه أخته وسأل: {هل بقى شيء منالقهوة؟} ونهضت في حين انطلق براد بشاشة: {أنني متأكدة من أن ريك لن يتعب انهو أحضر فنجانه بنفسه} واحتقن وجه ريك وعبس ليخفي الحقيقة وسأل متهكما: {ألاترى إنك تتدخل...أكثر من اللازم؟} تحركت لزا في اتجاهه قائلة: {ريك إنكلاتفهم... أقصد أنا وبراد...} وتحشرج صوتها كيف يمكن ان تطلعه على هذهالمفاجأة؟ وتدخل براد قائلا بهدوء: {سأتولى الأمر ،إن ما تحاول ليزا أن تقولههو أننا سنتزوج ألا توافقني أذن على أن ذلك يعطيني بعض الحق في هذا البيت؟} {تتزوجان ؟ هل أنت مجنونة يا ليزا أم أنه هو المجنون؟} {هذه هي الحقيقة ياريك.} وظل لحظات يحملق في أخته ذاهلا ثم بدأت تعابيره تتغير تدريجيا وعاد يكررتتزوجان بلهجة مختلفة هذه المرة واستطرد يقول: {حسنا أذن أعتقد بأن التهنئةواجبة. متى سيكون اليوم السعيد؟} {قريبا بما فيه الكفاية لا نقاذك وتستطيع أنتكف عن قلقك من أن تفضحك تصرفاتك فسيكون أول شيء أفعله في الصباح هو أعطاؤالخمسمائة جنية.} {شكرا. ستسرد المبلغ بالطبع.} {اعتبره هدية أنني لا أعرفسبب حاجتك اليه ولا أريد أن أعرف ولكن تأكد من أن ما حدث لن يحدث ثانية فلست أنويأنفاق ماتبقى من حياتي في تمويل طموحك الى الحياة المرفهة} {شكرا مرة أخرى أيهاالأخ الكبير} وكانت لهجة ريك مزيجا من الامتعاض والعرفان ورمق أخته بنظرة شفقةوقال: {أتمنى أن تكونا سعيدين} ونهض براد واقفا وهو يقول: {ينكون سعيدين. والآن ياليزا من الأفضل أن أنصرف.} وأمسك بذراعها عندما وصلا الى الباب ودفعهاخارجه وسحبه خلفهما. وسأل: {هل أنت غاضبة مني ؟} {كيف يمكن أن أغضب بعدمافعلته ؟ لم تكن مضطرا أن تعطي ريك المبلغ هدية كان يجب أن يرده.} {غالبا كانما يدفعه ذلك الى المزيد من التورط. كلا أفضل هذه الطريقة . سأراك مساء الغد سيكونيوما مشحونا.} واتسعت عيناها وهي تقول: {براد لا أستطيع أن أتزوجك يوم السبتعلى الأقل لا أستطيع أن أذهب معك الى يوركشاير لآنني مضطرة الى ابلاغ المؤسسة التيأعمل فيها برغبتي في ترك العمل قبل ذلك بشهر } {سأحضر عصر الغد الى المكتبوأرتب لك الآمر بحيث تتركين العمل مساء وحينئذنستطيع أن نقضي اليومين التاليين معا , مارأيك؟} ولم تشك لحظة في أنه يستطيع ترتيب الأمور على النحو الذى ذكر. لأن لاشيء مستحيل بالنسبة لرجل مثل برادلي نورتون. وأحست لذلك بالاضطراب الشدشد ولمح هومخاوفها فلانت نظراته وقال: {أنت متعبة ستبدو الأشياء مختلفة في الصباح} وهمسقبل أن يتصرف: {ثقي بي يا ليزا.} كان ريك واقفا قرب المدفأة عندما عادت الىالغرفة. كانت في عينيه نظرة اعجاب وهو يراقبها وقال بلطف: {إن سمكة رابحة تلكالتي اصطدتها وأحضرتها الى هنا. أن الشخص القادر على منحك خمسمائة جنية لابد وانيكون ثريا} {كف عن هذا الكلام. أنني لن أتزوج براد بسبب رصيده فيالبنك.} {وهو بالتأكيد لن يتزوج للسبب نفسه. هل المفروض أن أصدق أنه كان حبا منالنظرة الاولى؟} {هذا يحدث} {بالنسبة اليك نعم. لككن برادلي نوعه مختلف. أنهواحد من الذين يحسبون لكل خطوة حسابها قبل اتخاذ أي قرار ولا يمكن أن يكون قد عرفعنك الكثير خلال هذه المدة القصيرة . وسكت برهة ثم قال: {ماذا تعرفينعنه؟} ولم يدهشها أنه لم يدرك الحقيقة الكامنه وراء زواجها الوشيك فقالت فيانفعال: {ما فيه الكفاية لأن أدرك أنه كان يعني ما قاله من أنه لن يقرضنيالخمسمائة جنيه أذا لم أوافق على الزواج منه.} وارتفع حاجبا ريك وتفحصها؟ لا بد كما لو لم يكن يعرفها من قبل وقال: {هل قصد ذلك بالفعل؟ لابد أنك تخفين في أعماقك ما فجر مثل هذه العاطفة في أعماق رجل.} وحملق فيه مشمئزة وقالت: {إلا يضايقك أنني وعدت رجلا لا أحبه بالزواج؟} أنني ممتن للغاية للتضحيات التي تقومين بها من اجلي لكنني لا أعتقدأنك خرجت من هذه المغامرة خاسرة فالزواج الثرى هو حلم أكثر الفتيات لا تحاولي أذن أقناعي بأنك لم توافقي ألا بسببي. فنحن جميعا نتصرف بوحيمن صالحنا} {ريك ماذادهاك لم أعهدك هكذا لم أعد أعرفك على الاطلاق! } {انت ما عرفتني ابدا. كنتتريدين أن تريه وحاولت ان تطبعيني بطابعك انت. كنت دائم موجودة يا ليزا تدفعيننيوتوجهينني هل فكرت فيما كنت أشعر به خلال كل هذه السنين منذ جئنا الى لندن وأنتتحومين حولي أشبه بالدجاجة الأم؟ يالهي اعتقدت أنك لن تتزوجي أبدا وتتركيني وحيدا! } {آسفة لم أعرف أبدا هذا هو شعورك نحوي.} ثم استدارت وتركته. تم الزواج صباحالسبت في احتفال قصير بارد. أحست ليزا بالسرور عند انتهائه. كانت ترتدي ثوبا ومعطفامن اللون الأزرق المفضل لديها مع قبعة فيها ورود صفراء. وفور أتمام المراسم أتخذالعروسان طريقهما الى البيت في يوركشاير. ولم يتكلم براد طوال الفترة التي كانيخترق فيها الازدحام في شوارع المدينة. ولم يشعر بالأسترخاء الا بعد أن تجاوز حدودالمدينة وحينئذ ظل اهتمامه بالطريق والتفت الى ليزا وسألها: {بماذاتشعرين؟} {بالجوع فأنا لم أكل شيئا من طعام الفطور} {} أذن فمن الافضل أن نقففي أول مكان لنأكل} ورمقها بنظرة أخرى سريعة وقال {لم يبد عليك أنك عصبيةأثنا المراسم} {لم يكن هناك في الحقيقة وقت للشعور بأي شيء ثم كل شيء بأقصىسرعة} {نعم أعتقد أن الأمر كان كذلك}وصمت لحظة ثم قال بهدوء: {هل أنت نادمةعلى أنه لم يكن حفل الزفاف الذي تحلم به النساء الثوب الأبيض و الطرحة الطويلةووصيفات الشرف} {كلا ليست هذه هي الأشياء المهمة. وأعتقد ن الأمهات هن اللواتييحلمن بهذه الأشياء التي تفرحهن} {في مناسبة الحديث عن الأقارب كان أخوك هذاالصباح حزينا. هل أجرؤ على تفسير ذلك بأنه أدرك كم ستكون الحياة من دونك أكثرصعوبة؟} وتذكرت ليزا الليلة السابقة عندما جاء أخوها الى غرفتها بعد أن أوت الىفراشها وطلب منها أن تنسى ما قاله لها منذ ثلاث ليال واعتر بأنه كان مشوشا بعضالشيء وبأنه لم يكن يدري ما يقول. وخطر في بالها حينئذ أنه أقدم على ذلك طمعا في مايمكن أن يحققه له زوجها في المستقبل من مصدر رزق يمكن الاعتماد عليه لكنها قاومتالفكرة وقبلت الاعتذار. وردت ليزا مدافعة: {أن ريك ليس في الحقيقة سيئا لكنه سهلالانقياد وليست هذه جريمة لي حد ذاتها} {يعجبني فيك اخلاصك ياليزا . لكن تذكريانني الآن زوجك ولست في حاجة الى اخفاء أي شيء عني لم تكن هذه المرة الاولى التييقع فيها ريك في ورطة وفي الغالب أانها لن تكون الاخيرة. انه يريد حياة سهلة حياةدون لحاجة الى الكفاح. ومن الأفضل أن تسارعي بمواجهة حقيقة أنه لن يتغير وأن تكفيعن التفكير فيه } {انه مازال أخي} {ويعني لديك أكثر مما أعني ؟ ربما انقلبالوضع بمرور الوقت} وفكرت ليزا في ذلك وهي تختلس نحوه نظرة الأيام الثلاثةالماضية احدثت في علاقاتهما تحولا كبيرا, لقد كان عند كلمته فرتب الامر مع صاحبالعمل بحيث استطاعت ان تترك العمل مساء الاربعاء برغم انها لا تدري كيف استطاع انيصل معهم الى هذا الاتفاق . لم كرس كل وقته لإسعادها فقد زارا معا عدة أماكن وفعلاأشياء لم تكن تملك الوقت أو المال للقيام بها كان كل شيء رائعا وبرادلي هو الآخركان رائعا. وحركت ليزا الخاتم الذهبي الملتصق بالخاتم السوليتير الذي أهداهاليها منذ يومين . وأحست فجأة بالأسترخاء بعد توترها صباحا. انها لم تعد ليزا فاريلولكن لزا نورتون ولم يكن هناك سبب يحول دون نجاح هذا الزواج . وتوقفا لتناول الغداءثم استأنفا السير. واستسلمت لزا للنوم. وعندما اسيقظت أزاحت شعرها عن وجهها وهيتشعر بالدفء و بالنشاط. وقال براد دون أن يرفع بصره عن الطريق الذي يمتدامامه: {استسلمت الى اغفاءة طويلة هل أحسست بتحسن؟} {نعم أين نحنالآن؟} {على بعد خمسة أميال تقريبا من البيت سنصل في الخامسة و النصف} البيتدارت الكلمة في رأسها. لكنها لم تكن تعني لها شيئا أنه بيتبراد وليس بيتها في الوقتالحاضر على الأقل. وأخيرا سلك براد طريقا ضيقة مؤدية الى بوابة حديدية قديمة منحدرةبزاوية وكان من الواضح أنها لم تغلق منذ سنين وبعد أن تجاوزاها وصلا فجأة أمامالبيت ووقفت السيارة ونزلت ليزا عندما فتح لها براد الباب وتطلعت في شغف الى المبنىالذي كان امامها وسألها براد: {مارأيك فيه؟} هزت رأسها قائلة: {ماذا يمكنان أقول؟ إنه كل شيء تمنيته وفي الحقيقة لم أتوقعه أبدا} {ستغيرين رأيك عندماتراقبينه بالتفصيل إن قصر فارلي في حاجة الى عدد كبير من الاصلاحات اذا كان عليه انيضم أجيالا جديدة من آل نورتون} ولاحت ابتسامه على شفتيه عندما اطبغت وجنتيهابحمرة خفيفة واستطرد قائلا: {لندع هذه الأمور للمستقبل في الوقت الحاضر ما زالأن تقابلي أمي} وكانت الشرفة الامامية مفتوحة على الممر بطول البيت وفي نهايتهباب مزدوج يؤدي الى الصالة الرئيسية الكبرى مضاءة من ناحية الغرب بنافذتين مزينتينبالزجاج الملون. وفتح براد بابا وأدخلها الى غرفة جلوس أنيقة الأثاث وقد غمرتهاأشعة شمس المساء المبكرة وقال: {إبقي هنا من فضلك يا ليزا حتى أذهب لأرى أمي . لا يمكن أن تكون بعيدة فهي تعرف موعد وصولنا} تركها وحدها. واتكأت على مقعد قريبونظرت الى خشب السقف المزخرف . كم عدد الأجيال من آل نورتون التي جلست في هذهالغرفة ؟ أي نوع من الناس كان هوؤلاء القدامى من أجداد زوجها؟ مالذي يمكن أن تكونعليه أمه؟ وفتح الباب وسمعت صوتا يقول: {}لابد أنك ليزا} واستدارت بسرعةوفوجئت بما رأته: فالمرأة التي واجهتها لم تكن تكبرهابأكثر من خمس أو ست سنوات حسنةالمظهر وكان شعرها الشاحب فيصفرته طبيعيا ومتهدلا وراء ظهرها ووجهها بيضاويا رائعا. وعادت تقول في ابتسامة عجزت عن أن تدفيء جمود عينيها: {انني فيليسيا مور لم أعرفأنك وصلت حتى نظرت من النافذة ورأيت السيارة أين براد؟} {ذهب يبحث عنأمه} وارتفع الحاجبان المرسومان بدقة وقالت المرأة الاخرى: {وترك عروسه وحدهاهنا؟ يا له من تصرف غير لائق. إن اليسيا في غرفتها في الطابق الأعلى وأخشى أن يكونالانفعال شديدا عليها بعض الشيء لقد كان يشبه الصدمة بالنسبة لكل شخص حينما اتصلبراد تليفونيا وأعلن الخبر} {أتوقع أنه كان كذلك. وأرجو فقط ألا يكون قد أصابالسيدة نورتون أي أذى} {ظاهريا لا . بل ان الدكتور أدامز ذهب الى أبعد من هذا فيقوله إن زواج براد كان أفضل شيء يمكن أن يحدث} وكان صوت فيليسيا نغمة شاذة وفيعينيها بريق غريب وأضافت : {سيكون لديها الآن ما يسعدها. فالاحفاد بهجة حقيقيةللمسنين} وارتفع صوت براد الذي ظهر على عتبة البا دون أن تلاحظ وجودده المرأتانقائلا: {ألست تفكرين في المستقبل أكثرمما ينبغي؟} ولاح بريق عميق في العينينالتين مانت لاتزالان تحملقان في ليزا واستدارت فيليسيا لتنظر اليه وقالت: {إنهافاتنه يا براد لقد أحسنت صنعا بنفسك} وأحنى رأسه قائلا: {أنا أعتقد ذلكأيضا} والتقيت عيناه بعيني ليزا وقال: {يبدو أن أمي إنفعلت أكثر من اللازمإنها نائمة الان ولذلك فستؤجل لقاءها} {لكنني سأراك اليوم؟} {لا أرى مايمنعذلك. سأخذك اليها بعد العشاء وحتى ذلك الحين من الأفضل أن أشرف على نقل حقائبنا } قالت فيليسيا بنعومة: {أتوقع أن تكون ليزا متلهفة الى تغيير ملابسها. تقولأمك يابراد أنه من الأفضل أن تخصك بالغرفة التي كانت تشغلها مع والدك. هل اصطحبليزا الى الطابق الأعلى ريثما تحضر الحقائب؟ } {أجل} كانت الغرفة التياصطحبتها اليها فيليسيا في الواجهة الامامية تلييت متسعة للغاية وكان ملحقا بهاغرفة إضافية تضم خزانة كبيرة وأريكة وحماما وجاء براد بالحقائب وابتسمت فيليسياللعروسين وقالت: {سأطلب من باتي أن يعد الشاي. هل ستعودان الى الطابق الأسفل أمأنكما تفضلان تناول الشاي هنا؟} قال براد: {نريده هنا. فكلانا في حاجة الىحمام } {كما تشاءان} وأغلقت البا خلفها تاركة إياهما. واتجهت ليزا نحو إحدىالنوافذ وأطلت على الارض الجرداء التي كانت في ما مضى حديقة رائعة التنسيق ذاتأشجار وممرات وينابيع . وقال براد الذي وقف وراءها: {من الصعب العثور على بستانجيد هذه الايام . الجانب الخلفي أفضل بعض الشيء} قالت في آسى: {مكان يجب أنتعطي ريك النقود في حين أنت تحتاج اليها هنا} اجابها برقة متناهية: {المالمتوفر يا عزيزتي . لا تبالي} وأمسك بكتفيها وأدارها بلطف لتواجهه وقال: {ليزاسأبلغ الخامسة والثلاثين من عمري الخميس المقبل وفي ذلك اليوم سأرث أكثر من ربعمليون جنيه تبعا لوصية أبي الروحي} - سيدة قصرفارلي فتحت ليزا عينيها على اتساعهما وشهقتثم قالت : } هكذا { ) هكذا .. ان ابي الروحي كان صارما وهو يعتقد ان الرجل لايكون اهلا لاستغلال مبالغ ماليه كبيره قبل بلوغه تلك السن ) قالت بأنفعال : ( لكن هذا رائع انك ستكون قادرا على القيام بكل ما تريد عمله في فارلي ) نظر الى وجهها بفضول وقال : ( معظم النساء تسحرهن كثرة المال اليس هناك ماتريدينه لنفسك ؟) قالت بحزم : ( نعم اريد ان اطمئن ان فارلي ستظل قائمة بعدرحيلنا . سيكون ذلك يا براد اشبه بشراء قسم من التاريخ ) وانسحبت يداه فجأة منفوق كتفيها لتحضنها وقال : ( اعتقد انني وجدت لنفسي زوجة نادره ) وتعلقت به , مدركة انه يضمها على هذا النحو , فان كل شيئ آخر يفقد اهميته . كان براد هو الذيابعدها عنه قائلا في شيئ من الخشونه : ( ستطرق باني بابنا ومعها الشاي في ايةلحظه ) ( باني ؟ ) ( يمكنك اعتبارها مديرة بيتنا ولكننا نعتبرها من افرادالاسرة جاءت الى هنا كمربيه لي عندما كنت طفلا وبقيت معنا منذ ذلك الحين ولست ادريما كان يمكن ان نفعله من دونها وبعد وفاة ابي فقد اصيبت امي وقتذالك بأول ازمةقلبيه وان كانت متاعبها ترجع الى مرحلة صباها عندما داهمها الروماتيزيم ) ابتعدبراد عنها وخلع سترته استعدادا لدخول الحمام . بدات وهي تفرغ حقائبها وهي مشغولةالفكر . من تكون فيليسيا مور ؟ كان من الواضح ان براد سلم جدلا بأن المرأة الاخرىشرحت لها علاقتها بآل نورتون وفي الغالب ان فيليسيا افترضت الشيء نفسه . وتحرك فياعماقها شعور خفي بأن وجود هذه المرأة الجميلة التي تكبرها سنا يهدد سعادتها . وبعددقائق سمعت طرقا على الباب ثم امرأة مسنه تحمل صينية ... كانت باني واحدة من النساءاللواتي لا يمكن التأكد من حقيقة اعمارهن , فبوجهها الصغير المستدير وبعينيهاالصافيتين و بشعرها الاشقر الناعم , كانت تبدو بين الخامسه والخمسين او الستين . قالت وهي تضع الصينيه فوق المائده الصغيره المتحركه : ( انت في حاجة الى هذاالشاي بعد تلك الرحلة . انني اسفه لانني لم استقبلك على الباب يا سيده نورتون . كنتانوي ذلك لكني نسيت موعد الوصول, واحب ان اقول لك كم انا مسرورة لرؤية براد اخيرامع زوجة . وزوجة جميلة كما ارى . انني اعرفكما ستسعدان معا ) ولمعت عينا المراةالمسنه وقالت : ( هل حدثك براد عني , وهل اخبرك انني كنت مربيته ؟ ) ( نعم , واخبرني ايضا انك اصبحت فردا من افراد الاسرة لذلك الا تعتقدين انه من الافضل انتناديني بلأسمي مجردا ؟ اسمي ليزا ) وبفرحة واضحه قالت باني : ( يسرني ذلككثيرا . هل اصب لك فنجانا ام انك ستنتظرين خروج زوجك من الحمام ؟ ) ( هانذا ) وظهر براد في الغرفه وقد التف بثوب من القماش الناشف وكان شعره مازال مبتلاوقال : ( ما رايك يا باني فيها ؟ ) ( انها امراة رائعه . ان هذا الزواج سيثمرذرية نادرة الجمال لآل نورتون ) ابتسم وهو يتطلع الى ليزا وقال : ( احترسي ياباني انها لم تتعود على اسلوبنا في الحديث . اليس كذلك يا حبيبتي ؟ ) وكانت هذههي المرة الاولى يستعمل في مخاطبتها هذه الكلمه فغمرها شعور باالسعادة وبأبتسامةمشرقه ردت : ( اتوقع ان اعتاد ذلك بسرعه ) وقالت باني باسمة وهي تنتقل ببصرهابينهما : ( ساترككما لتناول الشاي ولا تنس يا برادلي نورتون اننا في هذا البيتنتناول العشاء في السابعه والنصف باالضبط ) وساد الصمت لحظات بعد ان غادرتالغرفه وغمر ليزا احساس باالخجل وعندما تنبهت الى انها وحدها مع هذا الرجل الذياصبح زوجها . وتحركت في اتجاه عربة الشاي قائلة : (قطعتين من السكر اليس كذلك ؟ ) ( نعم ) ونهض لياخذ الفنجان منها ثم جلس فوق مقعد قريب وقال بعد ان تناولالرشفة الاولى : ( انه لذيذ . ان باني تجيد دائما تحضير الشاي ) وصبت ليزالنفسها فنجانا وذهبت لتجلس فوق ذراع مقعده وبهدوء سألت : ( من تكون فليسيا يابراد ؟ ) ورفع بصره نحوها وقال : ( الم تخبرك ؟ ) (اخبرتني فقط بأسمها ) ( انها من ابناء العمومه ) ( هل تعيش هنا بصفة دائمه ؟ ) ( كلا . انها تعيش فيليدز . اقامت هنا فترة , ولكن استطيع القول انها لا تشعر باالحاجة الى ذلك الآن . لماذا تسألين ؟) ( لانني اعتقد انها لا تحبني كثيرا ) ربما دفعت هذهالاجابه أي رجل آخر الى الاستهزاء باالفكرة , ولكن براد اكتفى بأن هز كتفيه قائلا : ( ربما لا . ان فليسيا ليست سريعة التاقلم مع النساء . عليها ان تعتاد عليكحتى تألفك ) وفجأة اخذ منها الفنجان ووضعه مع فنجانه على الارض قرب مقعده , وجذبها الى الارض وبرقت عيناه بشده وهو يقول : (انك لن تستطيعي الهرب مني طوالاليوم يا ليزا . ومن الافضل ان تدركي ذلك سريعا . هل انت خائفة مني ؟ ) ردتبسرعه : ( باالطبع لا ) ( اذن برهني على ذلك ) ونظرت في عينيه الرماديتين . ومرة اخرى احست باالفرحة تجتاحها وضحكت هامسة : ( حسنا ) قال براد وهو يرمقهابأعجاب : ( هذا افضل . هذا افضل كثيرا , ان الامر لن يكون شديد الصعوبة . اليسكذلك يا ليزا ؟ ) همست وهي تدفن وجهها في كتفيه : ( كلا ) لن يكون الامر صعباعلى الاطلاق مادام قادرا على ان يشعل فيها مثل هذا اللهيب .. هل حقيقة يبدا الحبعلى هذا النحو ؟ هل تتحول الرغبة الحسيه الى الدفء العاطفي الذي غمر كيانها ؟ انهاباالتاكيد لم تشعر بمثل ذلك نحو أي رجل آخر . في السابعه والربع هبطت ليزا مع برادالسلم القديم الجميل المؤدي الى صالة كانت النوافذ تعكس عليها الوانها الرقيقه . ولانها كانت في حالة معنوية طيبة فأنها لم تحاول الالتفات نحو مظاهر الخراب التيحدثها عنها , وبدلا من ذلك فقد تخيلت الغرفه التي يتجهان نحوها في ضوء الماضي عامرةباالناس تنبعث منها اصوات الخدم ووقع اقدامهم المسرعه وهو يعدون المائده الرئيسيةالعظيمة لعشاء الاسرة . ففي تلك الايام البعيده كانت الصاله هي المكان الرئيسيتستعمل للاكل والمقبلات وحتى لمجرد الجلوس . وتوالت افكارها : في تلك الايامايضا , كانت الارض في الغالب مغطاة بيقروع نبات السمار الاسطوانيه التي حافظت علىالقاع سليما دون ان يتاثر بما كان يتناثر فوقه من بقايا الطعام . وابتسمت ليزالنفسها في شيء من المرارة المعرفه يمكن ان تكون احيانا عاملا على تعرية الحقائقوتحريرها من الاوهام . وكانت فليسيا قد سبقتها الى غرفة الجلوس . بدت خلابة فيثوب بسيط من الحرير التراكوتا وتمنت ليزا لو كانت قد ارتدت ثوبا آخر اكثر اناقة منذلك الثوب الازرق الداكن من الكتان . حاولت ان تكون لطيفة مع المراة الاخرى لكنصدها عن ذلك نفور فليسيا الظاهر . وكان الوصول الى غرفة الطعام عن طريق بابمزدوج في الجدار الخلفي لغرفة الجلوس . وجلس براد على راس المائدة الطويلة المصنوعةمن الخشب الفاخر وابتسم لليزا الجالسة الى يمينه وقال : ( لو ترك الامر لبانيلاجلستك في مكانك الصحيح على طرف اللآخر بأعتبارك سيدة فارلي , لكن هذا الترتيباكثر ملائمة الا تعتقدين ذاك ؟ ) ضحكت قائلة : ( هذا صحيح فالمكان ملائم تماما ) والتقت بنظرة فليسيا المتهكمة وماتت الضحكة في اعماقها وتمنت بلهفة ان تغادرالمراة الاخرى فارلي في اقرب وقت ممكن . قد احست انها لن ترتاح في وجودها . واحضرتباني الطعام فوق عربة موقدة , وشرح لها براد ان هذه ضرورة لوجود المطبخ في الجانبالاخر من البيت واضاف انه خطط لتحويل احدى غرف هذا الجانب الى مطبخ عصري والاحتفاظباالمطبخ الرئيسي الكبير كأثر تاريخي . وسألته ليزا متجاهلة وجود المراة الاخرى وسطهذا الموضوع الحيوي ( ستقوم بنفسك باالعملية . اليس كذلك يا براد متى ستبدا العمل ؟ ) ( خلال الاسبوع او الاسبوعين القادمين . اكملت المراجعة التاريخية والانشائيةورسمت التصميم ) وارتفع حاجبا فليسيا وقالت : ( تبدين على معرفة بهذه الاموريا ليزا . هل قرات عنها ؟ ) وقال براد قبل ان تتمكن هي من الاجابة : ( انليزا مدربة على العمل نفسه الذي اقوم به ) ( ذكية ايضا يا عزيزي برادلي ؟ انتمحظوظ ) وتعذر على ليزا فهم التعبير الذي ارتسم على وجه زوجها , لكن بدا انه لقيبعض الترحيب لدى فليسيا التي استمرت تقول : ( لكنك كنت دائما محظوظا لو سقطت فيالبالوعة فستخرج منها حتما تفوح منك رائحة العطر ) رمقها بنظرة جامدة قائلا : ( تكلمت دون مناسبة بطريقة غوغائيه . كفي عن ذلك يا فليسيا فان ليزا لا تفهممزاحك ) ولم تسكئس فليسيا تماما وبعدها مدت يدها وربتت على يده وقالت : ( يجبالا تلقي بالا الى دعاباتي الصغيرة يا ليزا , انني وزوجك نتعمد ان نستفز احدناالاخر كلما التقينا ) وتساءلت ليزا وهي تركز اهتمامها في صحن الطعام عما اذا كانهناك شيء اكثر من القرابة بين المراة وبراد .... شيء حطمه زواجه المفاجئ ؟ ربمافسر ذلك سلوك فليسيا واحست بموجة غيرة تجتاحها , سرعان ما قاومتها حتى لا تفسدسعادتها . يجب الا تهتم بما سبق لقاءهما . كانت هي التي احبها ورغب الزواج منهاوكان ذلك كل ما يعنيها . وانتهى الهشاء وطلب منها ان تذهب معه لرؤية امه وألهاوهما يعبران البهو الاولهل انت متعبه لقد كان يوما طويلا ) وفكرت في انه كان كذلك لكنه كان يوما رائعا وهمست : ( بعض الشيء ) ولفذراعه حول كتفيها وجذبها لتلتصق به وقال بلطف : ( اتمنى الا تكوني متعبة اكثر مناللازم فهذه ليلة زفافنا يا حبيبتي ليزا واري دلك ان تذكريها ) ووقف امام بابوطرقه بخفة وتراجع ليتيح لها دخول الغرفة قبله . كانت الغرفة شان الغرف الباقية ذاتمصابيح خافتة الاضواء موضوعة فوق مناضد وكانت الستائر الزرقاء مسدلة فوق النافذتين . برغم ان الطقس لم يكن باردا فان النار كانت مشتعلة في المدفاة المبنية على طرازالقرن الثامن عشر والتي كانت تتراقص على وجه المراة الراقدة فوق السرير المرتفع ذيالقوائم الاربع . وبدت اليسيا نورتون تمام كما وصفها ابنها وكان الشبه الوحيدبينهما العينين الرمادتين اللتين رحبتا باالقادمين ترحيب حارا وقالت الام : ( اذن فانت ليزا , ليتك تعرفين كم اشتقت الى اليوم الذي يحضر فيه ابني عروسه الىفارلي ) ومدت يدها نحو ليزامبتسمة وعادت تقول وقد امسكت بيد زوجة ابنها : (انك جميلة للغاية يا عزيزتيوطيبة ايضا استطيع ان ارى ذلك في عينيك ) وابتسمت من جديد هذه المرة لبراد وقالت : ( انه مثل ابيه , عنيد . هل تعتقدين يا ليزا ان في استطاعتك ترويضه ؟ ) ووجدت ليزا نفسها تنظر اليه عبر السرير ووجهت بجدية النظرة الساخرة في عينيهقبل ان تقول : ( استطيع فقط ان احاول . هل روضت اباه ؟ ) ضحكت اليسياقائلة : ( معظم الوقت لكن الامر لم يكن سهلا . ان رجال آل نورتون يحتاجون الى حرص شديدفي المعامله ) وقال براد في هدوء : ( وهو ايضا يعترضون على المناقشة امورهمكانهم غير موجودين . في أي حال تبادلتما مافيه الكفاية من الاحاديث هذه الليله . ستصعد باني حالا لتحكم وضع الاغطية حولك يا امي ) ولمعت عيناها وهي ترنو الىليزا قائلة : ( هل فهمت ما اعني كلهم مسيطورون ) وانحنت الى ليزا وقبلتها برقةفوق جبهتها قائلة : اتمنى ان اراك إذا في احسن حال ) وتمهل براد خارج الغرفة ثمقال : ( اذا لم يكن يضايقك فانني اريد التحدث معها على انفراد . اهبطي الىالطابق الاسفل او ربما ترغبين في الذهاب مباشرة الى غرفتنا ؟ ) واحست ليزابتراكض خفقات قلبها وباحتقان وجنتيها وقالت : ( حسنا . سالتقط حقيبتي اولا منغرفة الجلوس ) ( ساراك بعد دقائق ) كانت فليسيا في غرفة الجلوس بدا عليهاالدهشة عندما اقبلت ليزا وحدها وقالت : ( هل هجرك براد بهذه السرعه ؟ ياللعار ) تجاهلة ليزا سخرية فليسيا وقالت : ( نزلت بحثا عن حقيبتي ) ( تعنين انكستاوين الى غرفتك في مثل هذه الساعه ؟ ان الساعه لم تتجاوز التاسعة . هل على العروسحقا ان تظهر مثل هذه اللهفة ؟ اعتقد ان ربع مليون جنيه تضاعف من جاذبية الرجل .... ) ورفعت ليزا راسها زنظرت الى المراة الاخرى في ازدراء وكراهية وقالت : (هلتحاولين الزعم بانني تزوجت براد لماله ؟ ) ( ولم لا ) ( ماذا تقصدين ) ( انه يعني ايتها الساذجه الحلوه انك تخدعين نفسك اذا اعتقدت ان براد يحبك , منالواضح انه اخبرك عن الاموال التي سيرثها لكنني اراهن على انه لم يفصح ل كابدا عناهم ما في الوصية ) وسكتت سلطت عينيها على وجه ليزا الشاحب ثم استطردت قائلة : ( كان عليه ان يتزوج حتى يحصل على المال فلو انه بلغ الخامسة والثلاثين وهو لايزال اعزب فقد كان سيفقد هذا المال حتما ) وقفت ليزا لحظات بلا حراك , كان ذهنهايحاول استيعاب ما سمعته , وراقبتها فليسيا في امعان وعلى فمها ابتسامة غامضة ثمقالت : ( انك تحاولين عدم تصديقي لكنك تعرفين ان هذه هي الحقيقه , وحتى اوضح لكالصورة اكثر , اذكر لك ان براد عرض علي الزواج منذ فترة ليست طويله وعندما رفضت كنتاعرف انه يعاني ياسا , وانه سيفعل أي شيء ليضع يديه على تلك الثروة ) واحست ليزابان المراة تقول الحقيقة واستطاعت في لحظة ان تلم بالموقف كله . لقد تزوجت براد مناجل الخمسميئة جنية التي بدت لها في ذلك الحين ثروة ضخمه في حين ان ما حصل عليه ومنهذا الزواج هو الثروة الحقيقيه . وبدا كل شيء لها واضحا : لم يقل لها ابدا انهيحبها ولكنها هي التي افترضت ذلك , انه ببساطة اتاح لها ان تعتقد ما اراد لها عقلهاالساذج ان تعتقده . كانت فليسيا على حق كان محظوظا بما فيه الكفاية لان يعثر علىواحدة مثلها في اللحظة الاخيره تقريبا . ليست فقط في موقف يضطرها الى تلبيةاحتياجاتها وانما ايضا جذابه بما فيه الكفاية لان تجعل الزواج امرا معقولا ومامولا . وافاقت من ذهول الصدمه وبدات تواجه الواقع كانت متاكدة من شيء واحد انها لن تسلملبراد بحق الاستمتاع باالزوجة التي لم يحبها . وتمتمت فليسيا في خبث وهي تستدير فياتجاه الباب : ( ارجو لك ليلة سعيدة ) ولم يكن براد قد عاد الى غرفة النومعندما وصلت ليزا اليها . اغلقت الباب ووقفت لحظة وظهرها مستند اليه . عيناهامغلقتان , وحينما فتحتهما وجدت السرير المرتفع القوائم في مواجهتها معدا تماما . انباني بالتاكيد هي التي فعلت ذلك , واشاحت بنظراتها بسرعه وعبرت الغرفة في اتجاهمائدة الزينة . وجلست امام المرآة واسندت راسها الى يديها . هذا ما شعر به ريك حتماحين علم ان مراقبي الحسابات سياتون . الشعور بالوقوع في فخ , الشعور بااليائس ! ورفعت راسها ونظرت الى المرآة ورات وجها في شحوب الموتى , وعينين غارقتين في الالم , وكانت لا تزال جالسة في مكانها عندما دخل براد الغرفة وسال بخفة : ( هل صعدتلتوك ؟) وردت بصوت جاف لاوجة للشبه بينه وبين صوتها : ( نعم لقد تحدثت معفليسيا ) وراته في المرآة يتجمد , وعيناه تحملقان فيها وقال بصوت خال من التعبير : ( ارى ذلك بوضوح ) استدارت لتواجهه قائلة : ( هل هذا كل ما لديك ) ( ما الذي تريدين مني ان اقوله ؟ ) ( اريد منك فقط ان ترد على سؤال واحد . واود انترد بنعم و لا :حينما عرضت علي الزواج في تلك الليلة هل كان ذلك لانك احببتني ؟ ) وساد صمت وراقبها متحكما في تعابير وجهه . ثم قال : ( كلا ) حتى ذلك الحينكان لدى ليزا شيء من الامل في ايستنكر سؤالها , وان ياخذها بين ذراعيه ليقنعها بانهعلى رغم ان القصه التي روتها لها فليسيا صحيحه الا انه احبها حقيقة . كانت مستعدهلان تصدقه لانها كانت ترغب يائسة في ان تسمعه يقول ذلك . لكن نفيه كان اشبه بالصفعهحتى انها بدت مترنحة . وحدقت فيه بعينين واسعتين , وقالت اخيرا : ( لم يعد هناكمجال لاي كلام اليس كذلك ؟ ) ( ما المفروض ان استنتج من ذلك ؟ ما الذي قررتهبالضبط يا ليزا ؟ ) ( ماذا تظن ؟ اريد الغاء هذا الزواج ) واستدارت بعيدة عنهوهي تناضل من اجل السيطرة على نفسها في مواجهة هذا الموقف في حين انطلق هو قائلاباللهجة البارده نفسها : ( كلا ) واستبد بها الخوف وبرغم ذلك اندفعت قائلة : ( لكنك حصلت الان على كل شيء اما انك تخشى ان تفقد المال اذا الغي الزواج ؟ ) ( هذه نقطة لم افكر فيها حتى هذه اللحظه , ولكن وجه الغرابه ان ذلك ليس السببفي انني لن اوافق على الالغاء ) ( لماذا اذن ؟ ) ( انها امي , الصدمة قدتقتلها ) وتامل وجهها والتوت شفتاه مستطردا : ( انني انسان يا ليزا ) وعضتشفتها مدركة ان ما قاله عن اليسيا كان حقيقيا : كيف كانت تستطيع الحصول على مااعتقدت انه السبيل الوحيد المتبقي لها ؟ انها حتى لو غادرت هذا البيت فان ام برادقد تموت . هل يستطيع احد ان يتحمل هذا العبء على ضميره مدى الحياة ؟ وانفجرت قائلة : ( كيف استطعت ذلك ؟ هل يعني المال الكثير لديك ؟ ) هز كتفيه وتحرك يساراليستند الى مجموعة ادراج وقال : ( اعرف انك الاخرى تضمين في تفكيرك الاولويةللمال ) وآلمها تلميحه وقالت : ( لكنني كنت صادقه معك ,انني لم احاول ابداالتظاهر بانني احبك لكنك كنت تعرف انني كنت حتما سارفض الزواج منك لو انني عرفت ذلكالشرط على هذا الموقف الحاضر على الاقل . ان ما بيننا الان هو مجرد اتفاق عمل لاشيءآخر ) ( لاتكوني حمقاء . لايهم كيف وللماذا فأنت مازلت زوجتي ) ( ما اظنكتتوقع ... ) لكنها لم تكمل . وقفت الكلمات في حلقها وتولى عنها المهمه قائلا : ( ان احصل على حقوقي الزوجيه ؟ انا لا اتوقع فقط . لكني اريد الحصول عليها ) ( كلا ) وعلى رغم انه لم يتحرك تجاهها الا انها انتفضت واقفة متأهبه للفرار وان لم تكنمتأكدة الى اين . ( ليس لك الحق في ذلك ) ( لي كل الحق , اننا زوجان وهذايعني اشياء كثيرة يبدو انك نسيتها ) قالت بتوسل : ( براد انا اعرف انه ليسشرطا ان يقع الرجل في الحب لكي يعيشه لكن الامر مختلف بالنسبة الى المراة , انهايجب .... ) ( لم يكن يبدو عليك عصر اليوم انك نافرة من الفكره . انني لم اتغيرمازلت الرجل نفسه الذي اقنعك في ذلك المقعد . استطيع ان اجعلك تتجاوبين الآن ياليزا ) وراته يتقدم في اتجاهها , ابتلعت ريقها وقالت ( براد لا تجعلني اكرهك ) قال وهو يجذبها من كتفها : ( كراهية ؟ الم يخبرك احد ان الحب والكراهيةمتقاربان ؟ ) ورفعها بين ذراعيه واحتضن ذقنها بيده وادار وجهها الى وجهه وتمددتفي هذوء محدقة في العينين الرماديتين وقالت : ( مارس حقوقك الشرعيه يا براد اذاشئت , انني لن اقاومك , لن اعطيك هذه المتعه سأكون كتلة من الجليد ) وابتسم وضغطبأصابعه بقسوه حتى امسك برأسها بلا حراك وقال : ( حتى الجليد يمكن اذابته ) وقاومت ليزا لكنها عادت وادركت ان ما قاله كان صوابا , وان شيئا لم يتغير عماحدث عصر اليوم نفسه , وانه ما زال قادرا على اجتذابها وكان عليها ان ترغم نفسها علىادراك ان ما يمنحها اياه ليس هو الحب , وان كل ما كان يشعر به هو مجرد ما يربطأي رجل بأية امرأة , يكثفه التحدي الذي القت به في وجهه . وكانت هذه الافكار وحدهاهي التي جعلتها تحتفظ ببرودها حتى رفع راسه اخيرا , وجلس ناظرا اليها بعينين اوشكالشرر ان يتطاير منهما ثم استرد سيطرته ونهض فجأة وقال : ( اتمنى ان تستمتعيالليلة بفراشك الخالي ! ) وخرج من الغرفة بعدما اغلق الباب بعنف . - - من اجل اليسيا عندما استيقظت ليزا , كان الجو ممطرا عاصفا , وبقيت في سريرهاساكنة مصغية الى صوت ارتطام المطر بالنوافذ , وحفيف الأشجار المحيطة بالبيت . واعتبرت ذلك نذير شؤم , ينبئ بالتعاسة التي تنتظرها في فارلي . وأغمضت عينيها منجديد وقد استبد بها الأحساس بالوحدة : كيف تتصرف ازاء هذا الموقف الذي لاتستطيعاحتماله , ومع ذلك لم تكن تستطيع مغادرة المكان من أجل اليسيا . وسمعت صوت بابغرفة الملابس وهو يفتح , وفتحت عينيها , وانتظرت متوترة الحدث الجديد ووصلها صوتينادي بهدوء ولكن في وضوح : ليزا ؟ وأرادت ان ان تتظاهر بالنوم , لكنهالم تلبث ان غيرت رأيها نعم . يجب ان نتحدث وأعتقد انك تفضلين ان يتم ذلكوأنت مستيقظة ومرتدية ملابسك . أفضل ذلك بالفعل . أمامك عشر دقائق . الساعةالآن الثامنة والنصف , وهناك ما أريد ان احسمه قبل الفطور . وعاد الى غرفةالملابس مغلقا الباب خلفه .و رفعت ليزا الأغطية وقفزت من السرير . امهلهاعشر دقائق وهذا يعني انها يجب ان تكون في الوقت المحدد تماما .ر وكانت واقفةأمام احدى النوافذ عندما دخل الغرفة بعد أن طرق الباب المشترك د. وأستدارت لتواجههفي دهشة بعدما لمست هدوءه واتزانه على عكس حاله الليلة الماضية .ه ولم يحاولالأقتراب منها , لكنه وقف وقد ارتسم تعبير مبهم على وجهه . وقال دون مقدمات : سأعقد معك صفقة . أي نوع من الصفقات ؟ صفقة ضرورية . فكما أخبرتك , فأنأي انفعال يمكن ان تكون له أثار الخطيرة على امي . وأذا تنبهت الى ان زواجنا فشلقبل ان يبدأ فأنها ستحزن كثيرا . كان يتكلم دون ان يبدأ في صوته أثرللأنفعال ق . واستمر يقول : أذا اديت الدور معي أقصد أذا جعلت كل شئ يبدو ظاهراعلى ما يرام بينناا فأنني أعد بألا أزعجك ابدا . وأصطبغت لهجته بشئ منالتهكم وهو يستطرد قائلا : اعتقد ان ذلك ما تريدين ؟ي وحدقت فيه . انهاليست ممثلة ي , كيف أذن تستطيع ان تلعب الدور الذي ن يريد منها ان تقوم به لتخدعهؤلا الذين سيرونهما معا كل يوم ؟ الى متى ستستمر هذه المهزلة ؟ وراقبها بأمعانثم قال : - آل نورتون ليس في طبيعتهم التعبير علنا عن عواطفهم . ولهذا يجب الاتخافي من أستغلالي لأتفاقنا على أي نحو . هل هذا يطمئنك ؟ ورفعت رأسها وقالت : بالتأكيد , ولكن لابد من وجود حد لذلك فأننا لانستطيع ان نمثل طيلة العمر . لن نكون مضطرين الى ذلك فهناك أمر آخر لم أطلعك عليه : أمي لن تعيش أكثر منأربعة او خمسة أشهر. ان صحتها تتدهور بسرعة . وأحست ليزا بغصة وفجأة بدت لها متاعبها تافهة وسألت : - الا يمكن فعل أي شئلأنقاذها. - حالتها تحتاج الى جراحة لكنها لن تحتملها . الشئ الوحيد الذي يمكنالأقدام عليه هو محاولة جعل الأشهر القليلة الأخيرة في حياتها سعيدة قدر المستطاع . ومن أجل ذلك أريد مساعدتك . وأدركت ليزا ان هذه الحقيقة وحدها لابد ان تجرحكبرياءه , الأمر الذي كان يمكن ان يحقق لها بعض الرضى . لكن هذا الأمر لم يحدثوبدلا من ذلك اندفعت قائلة : حسنا يابراد . سأحاول . سأكون في غاية الأمتنان . ونظر الى ساعة معصمه . وقال : انها التاسعة الا خمس دقائق هيا ننزل . كانت فيليسيا قد استقرت في مقعدها على المائدة عندما دخلاغرفة الطعام ونظرت اليها متفحصه وقالت : صباح الخير أرجو ان تكونا قد حصلتما علىقسط كبير من النوم بعد رحلتكما . كيف كانت ليزا تتوقع من براد ان يعاملالمرأة التي افسدت عليه خطته ؟ لم تكن متأكدة حقيقة , لكنها لم تكن تتوقع منه انيبتسم لها كأن شيئا لم يكن . وفي الوقت نفسه يرد نيابة عن كليهما : نعم . شكرا . هل رأيت أمي هذا الصباح يا فليسيا ؟ وبدت ابنة عمه مرتبكة : كان من الواضحان ذلك لم يكن رد الفعل الذي توقعته هي الأخرى وبعد لحظة قالت : نعم مررت عليهافي طريقي الى هنا , وأخبرتني انها تشعر بتحسن كبير . ونقلت بصرها بينهما ثمقالت : ماذا ستفعلان في مثل هذا اليوم . أنكما بالتأكيد لن تستطيعا الخروج . أعتقد أنك ستأخذ الأسبوع القادم أجازة يا براد لتتمتع بها مع ليزا . اخذتالأسبوع الماضي أجازة , ولن أستطيع حاليا أخذ المزيد من الأجازات . أما بالنسبة الىاليوم فأن في البيت الكثير مما يجب على ليزا ان تراه . اتجهت بأبتسامة فاترةنحو ليزا وهي تقول : بالطبع أنت مهتمة بمثل هذه الأشياء اليس كذلك؟ وكانوا قد انتقلوا الى غرفة الجلوس بعد الأنتهاء من تناول الأفطار وهمتفيليسيا بالأنصراف قائلة : سأترككما للقيام بهذه المهمة . لكنها وقفت , والتفتت في بطء لتنظر مباشرة الى براد .كان في عينيها تحد وهي تقول : اعتقد بأنهبات علي ان اعود الى بيتي ؟ هذا امر متروك لك يافليسيا ستكونين على الرحب اذاشئت ان تمددي أقامتك في فارلي . ومرة أخرى بدت المرأة حائرة , مرتبكة وبحثتعن وجهه ثم نظرت الى ليزا كما لو كانت ظنت انها تستطيع ان تلمح فيه أي تعبير . ولكنليزا حرصت على الأحتفاظ بتعابيرها صماء . وأخيرا قالت فيليسيا : لستمتأكدة تماما من خططي الآن . وعادت تنظر الى براد وفجأة لمع بريق في عينيهاوأضافت : قد أبقى لفترة أطول . وأومأ بالموافقة دون كلام , ثم أستدار نحوليزا قائلا : امي تريد ان تراك مرة أخرى هذا الصباح . هل نصعد اليها الآن؟ القت ليزا نظرة خلفها عندما وصلت مع براد الى رأس السلم , متوقعه ان ترىملامح الأنتصار على وجه فيليسيا لكن الصالة كانت خاليه , وفكرت في ان المرأة الأخرىقد تحقق لها بالتأكيد ما كانت تطمع فيه ,فقد جعل براد الأمر واضحا , فهو برغم دخولزوجة الى حياته , الا انه لايمانع في الأحتفاظ بالشقراء الجميلة في البيت . وكان فيدعوته فيليسيا للبقاء بعد ما سببته له من متاعب ما يؤكد شكوك ليزا في وجود علاقةسابقة بينهما , علاقة ربما فكر في استئنافهامن جديد في ظل الظروف القائمه بينهوبينها . او انه قد لا يكون قطعها أبدا .قالت فيليسيا انه عرض عليها الزواج منذأسابيع , وأنها رفضت . ربما اعترضت هي الأخرى على دوافعه . ولهذا انطلق يبحث لنفسهعن أخرى يفوز عن طريقها بالميراث . ووقف براد خارجغرفة امه وفوجئ بموقف ليزا وقال : - حاولي ان تكوني طبيعية في تمثيلك . أمي قدتكون مريضة , ولكن لاخلل على الأطلاق في قدرتها على الملاحظة . لن تتوقع منا اننتعامل كعصفورين عاشقين لكنها ستجد الأمر شاذا للغاية أذا نفرت مني على هذا النحوكلما اقتربت منك . ارغمت ليزا نفسها على الألتقاء بعينيه وقالت في هدوء : - لن اخذلك لكنني افعل ذلك من اجلها يا براد وليس من أجلك . قال بصوتفاتر : - ذلك لان ما من شخص باستثناء أخيك , يستطيع ان يحرك في أعماقك شعوراصادقا . وفتح الباب قبل ان تستطيع الرد . كانت اليسيا جالسة في الفراش , مستندة بظهرها الى الوسائد , وكان شعرها الأشقر الناعم مربوطا بشريط وردي , وقدارتدت سترة فراش ذات كشكشة ناعمة حول العنق , وكانت تبتسم بمرح , لكن خطوط الأجهادكانت حول عينيها . وظلال التعب القاتمة كانت واضحة فيهما : - مرحبا يا عزيزتي . انك أجمل مما ظننتك البارحة . ياله من تحول فظيع في الطقس اليوم . هل سيعوق ذلكخروجكما للنزهة في مالهمدال يا براد ؟ - نعم لكننا سنفعل ذلك في وقت آخر . وجلس على طرف السرير وراء ليزا , وأسند يده بخفه فوق كتفيها , وسأل : - هل سيزورك الطبيب اليوم ؟ - لن يحضر قبل العصر . لذلك كنت أفكر في النهوضلتناول الغداء . - عليك ان تعيدي التفكير في ذلك . ان ستيوارت سيخبرك متى يمكنكمغادرة الفراش . وحتى ذلك الحين ارجو الا تتحركي وأدارت وجهها في اتجاه ليزا قائلة : - لاتدعيه أبدا يضعك تحت سيطرته . ثم قالت له : - أحب ان اتحدثقليلا مع ليزا . اريد ان اكشف ابنتي الجديدة بنفسي . هل يمكنك ان تسلي نفسك لمدةعشر دقائق ؟ - أعتقد انه لابد لي من ذلك فعندما تجتمع النساء يصبح وجود الرجلغير ضروري . سأكون في مكتبي يا ليزا , ولاتدعي امي تطيل معك الحديث أكثر من عشردقائق . وأستندت اليسيا الى الوسائد وقالت : - هل لديك مانع ان نتحدث عنك؟ لم يخبرني براد عنك هاتفيا الا القليل . كل ما اعرفه أنك فقدت والديك عندما كنتصبية . وأنك كنت تدرسين لتصبحي مهندسة معمارية . وقال أنكما تقابلتما عند آلمارتشبانك , أنهما زوجان لطيفان اليس كذلك ؟ ردت ليزا ضاحكة : - للغاية؟ وشاركتها اليسيا الضحكة قائلة : انه على حق . انا اتكلم كثيرا . كانزوجي يقول دائما أنني أستغرق في توجيه الأسئلة حتى أن احد لا يجد فرصة للرد ولكنأعدك بالسكوت لمدة خمس دقائق على الأقل أثناء كلامك عن نفسك . وحدثتها ليزا عن نفسها وأغفلت الكثير مما يخص ريك وقالت اليسيا عند انتهائها : - تعرفت الى براد قبل ان تقررا الزواج بيومين فقط ؟ لم اتصور أبدا ان براد يمكن ان يقع في الحب بمثل هذه السرعة , الأمر الذي يدل على اننا لانعرف أبدا حقيقة أقرب الناس الينا . تساءلت ليزا هل يمكن لأمرأة ان تعرف زوجها حقيقة ؟ اعتتقدت انها في سبيلها الى معرفته بعد تلك المدة في لندن , لكنها كانت واهمة . ان الرجل الذي يشبه الآله الحاسبة الذي اكتشفته هنا . كانت على وشك ان تهيم به لكن الليلة الماضية غيرت كل ذلك . ما باتت تشعربه كان مزيجا من الكراهية والمرارة والخوف . كم سيمضي من الوقت قبل ان ينسىصفقتها , ويكرر محاولة الليلة السابقة لأخضاعها ؟ واذا اقدم بذلك فألى متى ستظل قادرة على صده ومقاومته , وهي التي تعرف وتحس أن مجرد لمسة منه تجعلها راغبة في نسيان كل شئ ؟ سألتها اليسيا : - لماذا تفكرين ؟ يبدو عليك اليأس . ارتبكت ليزاوردت : - كنت افكر في أخي . صدقت عندما قلت اننا لانعرف حقيقة القريبين منا . - افهم من ذلك ان أخالك مصدر قلق لك ؟ ورفعت يدها وأستطردت قائلة : - لاتحاولي الأجابة عن ذلك ما كان يجب ان اوجه اليك أسئلة شخصية وترددت ثمقالت : - هل تمانعين ياليزا في مناداتي يا أمي سأكون في غاية السرور لو فعلت . وفكرت ليزا وهي تبتسم . ان الأمر أكثر صعوبة . ولو ان الأمور سارت على نحومختلف , لكان من أيسر الأشياء في الدنيا منااة السيدة بلفظ الأمومة . ولكن في ظلالظروف الراهنة , لم تشعر ان ذلك من حقها وبرغم ذلك قالت : - مضى وقت طويل علىعدم استعمال هذه الكلمة وسيستغرق اعتيادي عليها من جديد بعض الوقت . ولذلك أرجو انتغفري لي أذا نسيت أحيانا . وأحنت رأسها ولمست بشفتيها الجبين المرفوع وقالت : - يجب ان اذهب . ولم تكن ليزا راغبة في اللحاق ببراد في مكتبه لكنه كانقد طلب منها ذلك . وسارت في الممر حتى وصلت الى نهايته وترددت ثم طرقت الباب وصاحبراد : - ادخل . ادارت المقبض ودخلت , كان واقفا أما لوحة الرسم يدرسمابدا لها أشبه بمجموعة من الرسوم . وكانت الغرفة كلها مفاجأة لها . توقعت مكاناغاية في النظام , مع شئ من التزمت في اختيار الأثاث لكنها وجدت أوراقا وكتبا مبعثرةفوق المكتب ووجدت الأثاث مرحا ومريحا . قال براد في شئ من الجفاء : - تبدينمرتبكة . ماذا توقعت ان تري ؟ - هذا المكان لايشبهك . أطلق ضحكة قصيرةوقال : - كيف لك ان تعرفي الغرفة التي تعكس شخصيتي ؟ من يفعل ذلك يجب أن يعرفالشخص ويفهمه وانت لاتفهمين حتى نفسك . - ماذا تعني . هز كتفيه قائلا : - ربما تكتشفين ذلك يوما ما لو كنت بالفعل صادقة مع نفسك . وحتى ذلك الحيندعينا ننسى الأمر . ولكن هل تستطيع ان تنسى ؟ حتى لو تخلى عنها براد بعدان يستنفد الهدف من وجودها . فأن ذكرى هذا الزواج الذي قام على المصلحة ستظل حيةبقية حياتها . وسألت محاولة ان تبدو طبيعية : - هل هذه هي الرسومالمقترحة للبيت ؟ - نعم هل تودين رؤيتها ؟ - ارجو ذلك . وتحركت لتقفقربه , وقد تصلب كيانها لوجودها على مقربة منه وبعد لحظة قالت بصوت خال من التعبير : - تبدو مختلفة تماما عن أية رسوم رأيتها . - بالطبع . أن الطريقة العادية في جميع القياساتالمتنوعة في التصميم الكامل , قد لاينتج عنها الا الفوضى في مثل هذه الحالة . اعتقدت انك تفهمين ذلك . هزت رأسها وقالت : - لا أستطيع ان ادعيالألمام بكل شئ عن التصميم . - الأفضل أن نوسع آفاق معرفتك . سترين أنني بدأتبوضع تصميم للسقف على حدة . أربعة سقوف في حالتنا تمثل وحدة متكاملة في تاريخهاالمعماري . ومضى يشرح بالتفصيل وأصغت ليزا , وتابعت بأهتمام وبدأت تقدرالجهد الكبير الذي بذله ليس في التصميم والرسمفحسب أنما في البحوث التاريخية التيأجراها لخدمة هدفه الرئيسي . وبدا لها براد واحدا من القلة المتفانية في عملها , المتخصصة في دراستها . بالطبع كان جزء من اهتمامه يعود الى كون فارلي بيته ولكن حتىمع وجود هذا الأعتبار , فان رجلا يكرس ستة أشهر من أوقات فراغه لمثل هذا العمل كانيستحق الأعجاب . وعندما انتهى من شرحه قالت : الآن أعتقد أنه من المهم العثورnعلى الرجال المناسبين للأعمال المختلفة هل في ذهنك أحد ؟ أنني محتاج الى رجلnممتاز في عمله . وأعرف بالضبط من أريد . لكن المهم هو التعاقد معه , لقد تدرب لدىروبرت ثومبسون نفسه وما زال يعيش في كيلبرن . روبرت ثومبسون ؟ اليس هو الذييتخذ الفأر رمزا له ؟ الم يرسل أحدهم ذات مره رساله من استراليا وعلى الظرف مجردفأر مرسوم مع كلمة يورك . انكلترا . ووصلت الرساله الى الى صاحبها . نعم هذاصحيح تماما أن شهرته عالمية . وأستمر براد يدرس التصاميم . وقال : - وعلىأيضا التعاقد مع الكهربائيين . أدخل أبي الكهرباء منذ خمسة عشر عاما وحسب معرفتيفأن أحدا لم يكشف على هذه الخطوط منذ ذلك الوقت الا مرة واحدة . - بالطبع خشبالبلوط يفرز حامض التنيك , وهذا يمكن ان يفسد حتى الغطاء الرصاصي للكابل الكهربائي . - بالضبط وجرد احتكاك بسيط يمكن أن يشعل نارا تأتي على البيت كله . وضعبراد القلم الذي كان يرسم به وسألها : - هل تريدين مشاهدة بقية البيت ؟ - أذاكان لديك الوقت لذلك . - لم يكن من المتوقع ان اعمل اليوم وأمامنا ساعة ونصفساعة قبل موعد الغداء . استغرقت ليزا وقتا أقل من ذلك بكثير لتكشف المهمةالكبيرة التي أخذها براد على عاتقه لتجديد البيت . وكما كان أخبرها . فأن أيامفارلي كانت معدودة , ما لم يبدأ العمل جديا وبسرعة في عمليات الترميم . كانتالرطوبة تمثل اسوأ الأخطار . وقبل البدء في أي عمل أخر , كان لابد من معالجة الجزاءالتي أصابتها الرطوبة بالضرر . وكأنت غرف الجناح الجنوبي فقط هي المفروشة . وفيها جمعت كل المخلفات أجيال آل نورتون المتعاقبة من القطع الأثرية الثمينة . وعندما رأت اليدين القويتين تتحركان بحرص ورقة فوق سطح خزانة من خشب الورد , أحستليزا بغصة في حلقها وابتعدت بسرعة : هل كان من الممكن ان تشعر بالغيرة من قطعة أثاثصماء ؟ جذبت النافذة نظراتها . كان المطر مازال منهمرا , لكن العاصفة كانتقد هدأت بعض الشئ وقالت : - لا اعتقد ان زوارا سيحضرون اليوم . - كلا بعدعطلة نهاية الأسبوع هذه , لن يحضر أحد البته . ليس في هذا الموسم . سيعفينا ذلك منالمتفرجين . وهواة اللمس والأختيار. سيكون امامي عمل شاق ومحاولة للتوفيق بين روتينعملي العادي والعمل هنا . اتصلت صباح اليوم بشريكي وأخبرني أننا تعاقدنا للعمل مععدة مكاتب جديدة وهذا أمر يدعو للرضا بالطبع . لكنني حاليا في حاجة الى فترة راحة . وسألت بتردد : - الا يمكنني المساعدة ؟ أعني لو انك شرحت لي بالضبطالمطلوب عمله , فأنني أستطيع مراقبة سير العمل . لن يحتاج ذلك الى خبرة كبيرة . ابتسم براد ساخرا وقال : - هل الأمر بمثل هذه البساطة ؟ احتقنوجهها وهي تقول : - لم أقصد .. - أنني متأكد من ذلك لكن كنت جاداة في رغبتكفي المساعدة فلا يضايقني الأعتراف بأنك يمكن ان تكوني مفيدة. سنناقش ذلك فيما بعد . حتى تلك اللحظة كانت ليزا تعتقد انه قد يختار بهذه الطريقة ليرد علىموقفها منه الليلة السابقة , حائلا بينها وبين القيام بأي دور حقيقي في عملية ترميمالبيت . لكنها عادت وأدركت ان أيه محاولة انتقام من جانبه لايمكن ان تهبط الى هذاالمستوى من الحقد الأعمى
الفصل السادس ....
كانت الأيام التالية هي الأطولبالنسبة الى ليزا فقد كان الجو سيئا مما اضطرها إلى ملازمة المنزل مع اليسيا التىلم يسمح لها الطبيب بمغادرة الفراش , وفي أصيل يوم الثلاثاء شعرت ليزا انها لم تعدتحتمل الجو المتوتر مع فليسيا . فارتدت معطفها الواقي للمطر وخرجت تتمشى , لايهمإلى اين ولكن المهم ان تهرب من المرأة الأخرى , وفي مثل هذا الجو كانت فارلي بصفةخاصة تبدو منعزلة عن العالم الخارجي , الضباب الرقيق يلفالحدائق ويكتم الأصواتالناتجة عن حركة المرور القليلة التى تشق سبيلها على الطريق الوحيد التى تبعد مسافةنصف ميل وتخفى المشهد الرائع لكرافن هايلاننر وقد بدا الطريق في ذلك اليوم أطولوأكثر تعرجا واتخذت الشجيرات التى تحف بها أشكالا غريبة . وتوقفت عند نقطةينعطف منها ممر ضيق متجها إلى اليمين عبر الأشجار ويختفي في غلالة رقيقة من الضباب , وبعد برهة واصلت السير فيه تجر قدميها المتثاقلتين وتطأ بهما البقايا المشبعةبالندى للأوراق المتساقطة من الأشجار , كان الصمت يلفها , وربما كانت هي الكائنالوحيد الحي في مثل هذه الظروف في اطار يبلغ المائة ميل . لابد انها سارت نحوخمس دقائق قبل ان ترى الكوخ يظهر امام عينيها وسط الضباب , كان يقوم في وسط حديقةصغيرة مسورة , وكان هناك ضوء منبعث من النافذة الأمامية . دفعت ليزا البوابةالبيضاء المنخفضة ومضت عبر الممر الى الباب الامامي وطرقته بنعومة , لم يكن لديهافكرة عما ستقوله لسكان الكوخ . شعرت بأنها تريد ان تتحدث مع شخص ما خارج فارلي . ويبدو ان الباب لم يكن مغلقا جيدا فبمجرد ان لمسته انفتح ليكشف عن غرفةمائلة السقف تبدو دافئة ومريحة وفيها مدفئة نارها موقدة وقد فتحت في حائط منهانافذة ضخمة , تحتها لوحة نصف متكاملة لمنظر طبيعي وكانت هناك لوحات زيتية اخرىمرسومة على القماش ومعلقة على الجدران , فضلا عن لوحة الوان الرسام ملقاة على كرسي , ودون ان تتوقف لتفكر مضت ليزا إلى الداخل وأغلقت الباب بهدوء على الضباب المنتشرفي الخارج واتجهت إلى اللوحة لتراها عن كثب . قالت لنفسها وهي تتأملها انهاممتازة تذكرها بأعمال فان غوغ من حيث الطريقة التى يوزع بها الفنان الوانه , وقالتبصوت مرتفع . ( أنني معجبة بها ) ( شكرا لك ) فوجئت بالصوت فاستدارتسريعا لترى رجلا يقف في مدخل الغرفة وينظر لها في تأمل تلوح عليه علامات السرور , وبرغم بقع الألوان على سترته الزرقاء القديمة فأن الفكرة الأولى التى خطرت لليزا هيأنه لايمكن ان يكون هو من رسم اللوحة الموجودة وراءها فهو لايشبه الفنانين في شئوكان يكبر براد بحوالي خمس أو ست سنوات , وكان شعره البني يصطبغ بلون رمادي عندسوالفه , ويضفى على ملامحه المتناسقة نوعا معينا من التناغم . قالت ليزا : ( أنا آسفة . أنني أعرف أنني تجاوزت حدي , لكن الباب كان مفتوحا , وسأذهبحاليا) ( ليس هناك داع لهذا . أعددت بعض القهوة هل تريدين قليلا منها ) ونظرتليزا بحذر فهي تدرك أن الموقف غير مألوف ولكن عينية الزرقاوين اللامعتين طمأنتهاووجدت نفسها تبتسم له وتقول : ( أنها تعجبني كثيرا ) واستدار فورا , واختفىفي الغرفة المجاورة وهو يقول لها : ( علقى معطفك خلف الباب , وسأعود خلال دقيقةواحدة ) وبدا اقتراحه معقولا كانت الغرفة دافئة ومعطفها رطبا للغاية فخلعتهوعلقته فوق سترته الرائية ذات القلنسوة الرثة . وعندما عاد كانت تجلس في مقعد خشبيبجوار المدفأة , وأخذت منه الكوز السميك ذا اللونين الأبيض والأزرق وهي تشعربالأمتنان بينما كان يقول لها : ( آسف لا أستطيع أن أقدم لك شيئا أفضل من هذا ) ( انها جيدة ) ورفعت الكوز إلى شفتيها ورشفت رشفة من الشراب الساخن قشدياللون وهي تدرك أنه يركز بصرة عليها , وأضاف قائلا : ( أنا ليوك يلاند وأنت لابدأن تكوني السيدة نورتون الجديدة . مالذي جعلك تخرجين في يوم كهذا ؟) واستدارتبرقة وهي تخفض بصرها إلى النار المشتعلة وقالت : ( شعرت بأنني أريد أن أتمشىفأنا لاأبالي بالمطر ) ( لكن السيد براد يبالى حسبما اعتقد ) ( لكنه ليس فيالبيت ولن يعود قبل السادسة ), وتأملت الغرفة ثم قالت : ( أنها جميلة ياسيديلاند ) قال وهو يغوص في المقعد ويسند ظهره إلى حجر المدفأة : ( ليوك من فضلكفأنا لاأحب الرسميات ) وأومأت موافقة وهي تحس بإسترخاء أنه إنسان لطيف على نحومريح وفجأة شعرت بسرور بالغ لأنها وجدت الكوخ ودخلته , فهي تجلس هنا بعيدا عنالتوتر السائد في فارلي كما لو كانت في عالم مختلف . فقد استطاعت لفترة وجيزة أنتنسى الأيام القليلة الماضية وأن تستعيد نفسها ونظرت من النافذة وهي تحاول ان ترىالصورة العامة لمثل هذه البقعة المنعزلة في أعماق الشتاء وهي تقول : ( هل تعيشهنا طوال العام ) ( ان الأمر بهذا السوء على الدوام , أنني أمون نفسي بكميةكافية من الطعام المعلب تكفيني لعدة أسابيع وبذلك أحقق الإكتفاء الذاتي حتى بالنسبةللناس فأنني حتى في الصيف لا أرى أحدا لأيام طوال فلا أبالي فالناس عادة يجلبونالملل وقالت وهي تبتسم : ( إذا علي ألا أبقى بعد أنتهاء وقت الترحيب بي ) ( يمكن أن تكوني من الأستثناءات القليلة , فأنت لديك القدرة على الأستمتاع الهاديالذي لا يتطلب من جانبي أي جهد خاص ) وسألت فجأءة ( كيف عرفت أسمي ) ( الجميعيعرفونه فمازالت عودة براد إلى فارلي بعروسة الجميلة هي الموضوع الوحيد للحديث فيالقرية ) ( أنا لست جميلة ) وتأملها بتمعن للحظة ثم قال : ( قد لا تكونينخاطفة الأبصار وفق بعض المعايير لكن الجمال يتحدد حسب العين التى ترى , أن لك قوامارادعا وعينين مدهشتين , وأنا أحب أن ارسمك ...) ( تحاول أن ترضى غروري ) ( لايمكن إلا أن أهتم بك . أنك تأسرينني , فأنت شابة وفاتنة وعروس . كل ماتريد المرأةان تكونه , ومع ذلك فأنت لست سعيدة ) (بالطبع أنا سعيدة , وأعتقد أنك تركتلخيالك العنان , علي أن أذهب قبل أن يشتد المطر مرة ثانية ) ( أنا آسف . تعودت أن أقول ما أعتقدهدون مراوغة وهذه ليست على الدوام عادة طيبة . أعدك بأن أهتم بشؤوني فقط لو بقيتوأكملت قهوتك ) وجلست تنظر إليه وهي تدرك أنها تريد أن تبقى وأنه هو أيضا يعرفذلك وأخيرا سألته : ( كيف عرفت براد ؟) أخذ رشفة من القهوة قبل أن يقول : ( أنا لاأعرفه جيدا, إن إيجار هذا المكان يدفع من خلال محاميه في براديورد , وعلى هذافلست مضطرا للذهاب إلى المنزل , ونادرا مايأتي هو إلى هنا . وإذا جاء فأنه لايبقىطويلا ويكتفى بالسؤال عما إذاكان كل شي على مايرام . وهو لايضايقني وأنا لا أضايقه . أعتقد أنه يمكن القول أنه أمر مقبول من الطرفين ) بالطبع هذا مايرضي برادتستطيع ليزا ان تتصور هذا فليس هناك شي مشترك يربطه بالرجل الجالس قرب قدميهاباستثناء حبه للفن . وادركت ان مجيئها إلى هنا هذا الأصيل لن يرضي براد لو أخبرته . ( هل أستطيع أن أرى بعض الأعمال ؟) ( تفضلي ) مشت إلى أقرب اللوحاتالزيتية وبدأت تتفحصها الواحدة بعد الأخرى كانت الألوان تقفز في فرح من كل لوحة , غروب الشمس ينشر أجنحتة من اللون القرمزي عبر سماء زبرجدية .صخور منحدرة تلقى ضلالاارجوازية على الخضرة المورقة للوادي , المياه تندفع بغزارة نازلة من على جانب التل , وكل نقطة فيها تحلل أشعة الشمس إلى ألولن الطيف , وكانت هذه اللوحة واقعية إلى حدجعلها تشعر أن الرذاذ يداعب وجهها , وهتفت في إعجاب ( انها رائعة هل بعت شي منها؟) وقال وهو جالس في مكانه : ( قليلون يشقون طريقهم إلى هنا , لكن لي صديقحميم في ليذر يدير صالة عرض , وهو يعطيني هذه الصالة اسبوعا في كل خريف , وعادة لاتكون الأمور سيئة ) ( وتعيش من الحصيلة حتى العام التالي ) ( ليس تماما – فأنا محظوظ لأني مستقل ماليا بقدر كاف ومعقول يسمح لي بأن أرسم ماأحبه وألا أبتذلوأهبط إلى مستوى سوقي . ولا يعني ذلك أنني أدين أولئك الذين يكسبون عيشهم مناستغلال السذاجة العامة ) وبعد ذلك صمت , كذلك فعلت ليزا بل وسرحت حتى تناستوجوده وفجأة قال لها بهدوء: ( كنت جادا تماما عندما قلت لك أني أود أن أرسمك . هل تجلسي أمامي لبعض الوقت ؟) واستدارت لتنظر إليه وهي تقول : ( لا أعتقد أنرسم الأشخاص يدخل في الخط الذي انتهجته لنفسك ) ( انه ليس كذلك . على الأقل ليسبالطريقة التى تعنينها –استخدمت كلمة تجلسين بأوسع معانيها – فأنا أتخيلك تجلسينووراءك خلفية من أشجار الصفصاف المكسوة باللون الأخضر حتى يمتزج جسمك معها ويصبحوجهك موضع التركيز .بل أنني أعرف الموقع الذي أريده . أنه يبعد فقط بضع مئات منالياردات عن بابي الخلفي . أن ذلك يختلف طبعا عن أسلوبي المعتاد لكن على كل حالالإنسان يجرب شيئا جديدا بين الحين والآخر . هل ستتيحين لي الفرصة ياليزا؟) وقالت وهي تفكر في العمل الذي سيبدأ في فارلي في الأسبوع التالي : ( لاأعرف ما إذا كان الوقت سيسمح لي بذلك ) ( ربما نستطيع أن نتحدث عن ذلك مرة ثانية . ليس هناك وجه للعجلة لدينا ماتبقى من فصل الصيف ) وضعت ليزا الصورة التى كانتتحملها في مكانها وهي تقول : ( نعم – علي أن أذهب الآن . بلغت الساعة الخامسة ) ووقف ليوك وهو يقول : ( سأسير معك جانبا من الطريق كجزء من رياضتي اليومية ) وجالت ببصرها مرة اخرى في الغرفة التى تشع مودة قبل أن ترحل ثم رفعت ياقةالمعطف وتبعته ولم يتحدث أي منهما وهما يعبران الممر تحت الأشجار التى تتساقط منهاحبات المطر . لكن لم يكن هناك أي توتر في هذا الصمت , وبدا الأمر كما لو كانايعرفان بعضهما البعض منذ وقت طويل . وافترقا عند النقطة التى يلتقي فيها الممربالطريق وبرغم انه لم يقل شيئا , فقد كانت تدرك ليزا انها ستلاقي الترحيب في الكوخفي أي وقت تود الذهاب إليه . لقد وجدت في ليوك بلاند صديقا , وهذا ماجعلها تشعربالأرتياح . وعندما دخلت إلى المنزل كان براد خارجا من الردهة. وكان يرتدي معطفاللمطر, وتوقف عندما رآها واقفة في المدخل وقال في برودة : ( كنت ذاهبا للبحث عنك . هل تدركين انك تغيبت ساعتين تقريبا . أين كنت ؟ ) ( أتمشى ) قالت ليزا هذا وهيتغلق الباب بحرص . مصممة على ألا تقول لبراد شيئا عن زيارتها للكوخ . وتأملهامليا وهو يقول : ( أين ؟) فردت وهي تحرك يديها بصورة غامضة : ( في هذه الأنحاء فقد كنت محتاجة للترويح عن النفس ) ( لم يمضى وقتطويل على وجودك هنا . وأنا لم أكن موجودا لتهربي مني ؟) فقالت بحدة وهي تستدير لتعلق معطفها : ( لم أكن هاربة بل كنت أتمشى ) ( لاتلعبي دور الأبله معي ياليزا . هناك حدود لما أتحمله منك ؟) ( حدود لما تتحمله . ألا تفكر في غير نفسك يابراد ؟) وتقلص فمه ولم يلبث أن قال بصوت ناعم : ( ربما كان من الأفضل ألا أفعل ) وسادت لحظة من الصمت المتوتر ثم مضى من باب الردهة وهو يقول : ( شعرك مبتل أذهبي وجففيه قبل أن تصابي بالبرد , هناك نار موقدة في غرفة النوم ) ومضت ليزا صاعدة إلى غرفة نومها حيث خلعت ملابسها بصورة آلية وارتدت روبا ثم مضت إلى الحمام حيث لفت رأسها في منشفة وأخذت تحكها بها بقوة حتى غدا شعرها جافا وطردت كل الأفكار من ذهنها فقد كان التفكير مؤلما . استحمت وارتدت رداء صوفيا لونه أصفر شاحب . وعندئذ سمعت الباب الخارجي للغرفة يفتح ويغلق وركزت انتباهها على صورتها في مرآة طاولة اللبس . ووضعت أحمر شفاة بيد مرتعشة قليلا . وانتظرت ان يغلق الباب الموصل دون ان يحدث هذا فما كان منها إلا أن واصلت وضع أحمر الشفاة وأسندت رأسها على يديها . واستغرقت في التفكير العميق ر. إلى متى ستمضي الأمور على هذا النحو .؟ وكانت المياة لاتزال تتساقط في الحمام عندما مضت إلى الدهليز . كانت الساعة لا تزال السادسة والنصف . مازالت هناك ساعة للعشاء مالذي تستطيع أن تفعله حتى ذلك الحين ؟ أن غرفة الجلوس مستبعدة لأن فيليسيا قد تكون هناك . وحتى إذا لم تكن فإن براد سرعان ماسيحضر , وهي لا تريد أن تكون وحدها معه في حالته الراهنة . فلم يكن أمامها غير اليسيا . كانت حماتها تجلس في الكرسي المريح ذي المساند قرب المدفأة تطرز مفرشا لكرسي في غرز متمهلة مدققة . وابتسمت لليزا مرحبة عند دخولها الغرفة وهي تقول ... ( ماذا فعلت هذا اليوم ؟) ( القليل . ماذا تفعلين .؟) ( مفرش لأحد كراسي غرفة الطعام . انها في حالة سيئة . لقد صنعت ستة مفارش . وهذا السابع . أنني أعمل بصورة بطيئة هذه الأيام . هل تحبين شغل الأبرة ياليزا ؟) ( إنني لاأستطيع حتى أن أرتق جوربا دون أن أتلفه . لذلك كان ريك يفضل شراء جوارب جديدة ) ( هل وصلتك أنباء عن أخيك ؟ ) هزت ليزا رأسها ومدت يديها بحجة انها تستدفي بالنار برغم ان الغرفة لم تكن باردة على الأطلاق وهي تقول .. ( ريك ليس من هواة كتابة الرسائل ) ( ليس هناك رجل يحب هذا . عندما يكون براد مسافرا فإنه يفضل استخدام الهاتف على أن يخط حرفا . لكني شخصيا أكره هذا الأختراع . فالأنسان يتذكر دوما مئات الأشياء بعد انتهاء المكالمة . أما الرسائل فتقول الكثير ويمكن استعادة مافيها مرات عدة ) لكن ريك لن يكتب كانت ليزا متأكدة من هذا فهو ايضا يفضل التقاط سماعة الهاتف والأتصال بالناس , لكن من المشكوك فيه ان يعتبراخته جديرة بشي من الأهتمام ربما لم يفكر فيها على الإطلاق في الأيام الأولى لحريته الكاملة . بالطبع هي تستطيع ان تتصل به هاتفيا لكن ذلك سيكون الحل الأخير . ومهما كانت الأعذار التى قدمها عما تفوه به في تلك الليلة فلابد ان المشاعر التى جعلته يقولها كامنة في داخله , والجرح مازال باقيا في داخلها هي . في أي حال فإن مافيها يكفيها وليس هناك مجال لأن تنشغل على أخيها وسألتها اليسيا : ( أين براد الآن ؟ توقعت أن يأتي معك ؟ ) ( تركته يغير ملابسه استعدادا لتناول العشاء ... ألم تريه بعد ؟ عاد في نحو الخامسة ) ( بل قبل ذلك فقد جاء إلي ليرى إذا كنت أنت هنا . لكنه لم يمكث طويلا . أعتقد أنه يبدو غريبا نوعا ما . هل تشاجرتما ؟ ) ردت ليزا بسرعة قائلة : ( كلا بالطبع . ذهبت لأتمشى هذا الأصيل . وبقيت في الخارج مدة أطول مما كنت أتوقع وكان براد خارجا للبحث عني عندما عدت إلى المنزل ) ( تتمشين في مثل هذا الجو ؟ لابد أنك تبللت بالماء )
الفصل السادس ....
كانت الأيام التالية هي الأطولبالنسبة الى ليزا فقد كان الجو سيئا مما اضطرها إلى ملازمة المنزل مع اليسيا التىلم يسمح لها الطبيب بمغادرة الفراش , وفي أصيل يوم الثلاثاء شعرت ليزا انها لم تعدتحتمل الجو المتوتر مع فليسيا . فارتدت معطفها الواقي للمطر وخرجت تتمشى , لايهمإلى اين ولكن المهم ان تهرب من المرأة الأخرى , وفي مثل هذا الجو كانت فارلي بصفةخاصة تبدو منعزلة عن العالم الخارجي , الضباب الرقيق يلفالحدائق ويكتم الأصواتالناتجة عن حركة المرور القليلة التى تشق سبيلها على الطريق الوحيد التى تبعد مسافةنصف ميل وتخفى المشهد الرائع لكرافن هايلاننر وقد بدا الطريق في ذلك اليوم أطولوأكثر تعرجا واتخذت الشجيرات التى تحف بها أشكالا غريبة . وتوقفت عند نقطةينعطف منها ممر ضيق متجها إلى اليمين عبر الأشجار ويختفي في غلالة رقيقة من الضباب , وبعد برهة واصلت السير فيه تجر قدميها المتثاقلتين وتطأ بهما البقايا المشبعةبالندى للأوراق المتساقطة من الأشجار , كان الصمت يلفها , وربما كانت هي الكائنالوحيد الحي في مثل هذه الظروف في اطار يبلغ المائة ميل . لابد انها سارت نحوخمس دقائق قبل ان ترى الكوخ يظهر امام عينيها وسط الضباب , كان يقوم في وسط حديقةصغيرة مسورة , وكان هناك ضوء منبعث من النافذة الأمامية . دفعت ليزا البوابةالبيضاء المنخفضة ومضت عبر الممر الى الباب الامامي وطرقته بنعومة , لم يكن لديهافكرة عما ستقوله لسكان الكوخ . شعرت بأنها تريد ان تتحدث مع شخص ما خارج فارلي . ويبدو ان الباب لم يكن مغلقا جيدا فبمجرد ان لمسته انفتح ليكشف عن غرفةمائلة السقف تبدو دافئة ومريحة وفيها مدفئة نارها موقدة وقد فتحت في حائط منهانافذة ضخمة , تحتها لوحة نصف متكاملة لمنظر طبيعي وكانت هناك لوحات زيتية اخرىمرسومة على القماش ومعلقة على الجدران , فضلا عن لوحة الوان الرسام ملقاة على كرسي , ودون ان تتوقف لتفكر مضت ليزا إلى الداخل وأغلقت الباب بهدوء على الضباب المنتشرفي الخارج واتجهت إلى اللوحة لتراها عن كثب . قالت لنفسها وهي تتأملها انهاممتازة تذكرها بأعمال فان غوغ من حيث الطريقة التى يوزع بها الفنان الوانه , وقالتبصوت مرتفع . ( أنني معجبة بها ) ( شكرا لك ) فوجئت بالصوت فاستدارتسريعا لترى رجلا يقف في مدخل الغرفة وينظر لها في تأمل تلوح عليه علامات السرور , وبرغم بقع الألوان على سترته الزرقاء القديمة فأن الفكرة الأولى التى خطرت لليزا هيأنه لايمكن ان يكون هو من رسم اللوحة الموجودة وراءها فهو لايشبه الفنانين في شئوكان يكبر براد بحوالي خمس أو ست سنوات , وكان شعره البني يصطبغ بلون رمادي عندسوالفه , ويضفى على ملامحه المتناسقة نوعا معينا من التناغم . قالت ليزا : ( أنا آسفة . أنني أعرف أنني تجاوزت حدي , لكن الباب كان مفتوحا , وسأذهبحاليا) ( ليس هناك داع لهذا . أعددت بعض القهوة هل تريدين قليلا منها ) ونظرتليزا بحذر فهي تدرك أن الموقف غير مألوف ولكن عينية الزرقاوين اللامعتين طمأنتهاووجدت نفسها تبتسم له وتقول : ( أنها تعجبني كثيرا ) واستدار فورا , واختفىفي الغرفة المجاورة وهو يقول لها : ( علقى معطفك خلف الباب , وسأعود خلال دقيقةواحدة ) وبدا اقتراحه معقولا كانت الغرفة دافئة ومعطفها رطبا للغاية فخلعتهوعلقته فوق سترته الرائية ذات القلنسوة الرثة . وعندما عاد كانت تجلس في مقعد خشبيبجوار المدفأة , وأخذت منه الكوز السميك ذا اللونين الأبيض والأزرق وهي تشعربالأمتنان بينما كان يقول لها : ( آسف لا أستطيع أن أقدم لك شيئا أفضل من هذا ) ( انها جيدة ) ورفعت الكوز إلى شفتيها ورشفت رشفة من الشراب الساخن قشدياللون وهي تدرك أنه يركز بصرة عليها , وأضاف قائلا : ( أنا ليوك يلاند وأنت لابدأن تكوني السيدة نورتون الجديدة . مالذي جعلك تخرجين في يوم كهذا ؟) واستدارتبرقة وهي تخفض بصرها إلى النار المشتعلة وقالت : ( شعرت بأنني أريد أن أتمشىفأنا لاأبالي بالمطر ) ( لكن السيد براد يبالى حسبما اعتقد ) ( لكنه ليس فيالبيت ولن يعود قبل السادسة ), وتأملت الغرفة ثم قالت : ( أنها جميلة ياسيديلاند ) قال وهو يغوص في المقعد ويسند ظهره إلى حجر المدفأة : ( ليوك من فضلكفأنا لاأحب الرسميات ) وأومأت موافقة وهي تحس بإسترخاء أنه إنسان لطيف على نحومريح وفجأة شعرت بسرور بالغ لأنها وجدت الكوخ ودخلته , فهي تجلس هنا بعيدا عنالتوتر السائد في فارلي كما لو كانت في عالم مختلف . فقد استطاعت لفترة وجيزة أنتنسى الأيام القليلة الماضية وأن تستعيد نفسها ونظرت من النافذة وهي تحاول ان ترىالصورة العامة لمثل هذه البقعة المنعزلة في أعماق الشتاء وهي تقول : ( هل تعيشهنا طوال العام ) ( ان الأمر بهذا السوء على الدوام , أنني أمون نفسي بكميةكافية من الطعام المعلب تكفيني لعدة أسابيع وبذلك أحقق الإكتفاء الذاتي حتى بالنسبةللناس فأنني حتى في الصيف لا أرى أحدا لأيام طوال فلا أبالي فالناس عادة يجلبونالملل وقالت وهي تبتسم : ( إذا علي ألا أبقى بعد أنتهاء وقت الترحيب بي ) ( يمكن أن تكوني من الأستثناءات القليلة , فأنت لديك القدرة على الأستمتاع الهاديالذي لا يتطلب من جانبي أي جهد خاص ) وسألت فجأءة ( كيف عرفت أسمي ) ( الجميعيعرفونه فمازالت عودة براد إلى فارلي بعروسة الجميلة هي الموضوع الوحيد للحديث فيالقرية ) ( أنا لست جميلة ) وتأملها بتمعن للحظة ثم قال : ( قد لا تكونينخاطفة الأبصار وفق بعض المعايير لكن الجمال يتحدد حسب العين التى ترى , أن لك قوامارادعا وعينين مدهشتين , وأنا أحب أن ارسمك ...) ( تحاول أن ترضى غروري ) ( لايمكن إلا أن أهتم بك . أنك تأسرينني , فأنت شابة وفاتنة وعروس . كل ماتريد المرأةان تكونه , ومع ذلك فأنت لست سعيدة ) (بالطبع أنا سعيدة , وأعتقد أنك تركتلخيالك العنان , علي أن أذهب قبل أن يشتد المطر مرة ثانية ) ( أنا آسف . تعودت أن أقول ما أعتقدهدون مراوغة وهذه ليست على الدوام عادة طيبة . أعدك بأن أهتم بشؤوني فقط لو بقيتوأكملت قهوتك ) وجلست تنظر إليه وهي تدرك أنها تريد أن تبقى وأنه هو أيضا يعرفذلك وأخيرا سألته : ( كيف عرفت براد ؟) أخذ رشفة من القهوة قبل أن يقول : ( أنا لاأعرفه جيدا, إن إيجار هذا المكان يدفع من خلال محاميه في براديورد , وعلى هذافلست مضطرا للذهاب إلى المنزل , ونادرا مايأتي هو إلى هنا . وإذا جاء فأنه لايبقىطويلا ويكتفى بالسؤال عما إذاكان كل شي على مايرام . وهو لايضايقني وأنا لا أضايقه . أعتقد أنه يمكن القول أنه أمر مقبول من الطرفين ) بالطبع هذا مايرضي برادتستطيع ليزا ان تتصور هذا فليس هناك شي مشترك يربطه بالرجل الجالس قرب قدميهاباستثناء حبه للفن . وادركت ان مجيئها إلى هنا هذا الأصيل لن يرضي براد لو أخبرته . ( هل أستطيع أن أرى بعض الأعمال ؟) ( تفضلي ) مشت إلى أقرب اللوحاتالزيتية وبدأت تتفحصها الواحدة بعد الأخرى كانت الألوان تقفز في فرح من كل لوحة , غروب الشمس ينشر أجنحتة من اللون القرمزي عبر سماء زبرجدية .صخور منحدرة تلقى ضلالاارجوازية على الخضرة المورقة للوادي , المياه تندفع بغزارة نازلة من على جانب التل , وكل نقطة فيها تحلل أشعة الشمس إلى ألولن الطيف , وكانت هذه اللوحة واقعية إلى حدجعلها تشعر أن الرذاذ يداعب وجهها , وهتفت في إعجاب ( انها رائعة هل بعت شي منها؟) وقال وهو جالس في مكانه : ( قليلون يشقون طريقهم إلى هنا , لكن لي صديقحميم في ليذر يدير صالة عرض , وهو يعطيني هذه الصالة اسبوعا في كل خريف , وعادة لاتكون الأمور سيئة ) ( وتعيش من الحصيلة حتى العام التالي ) ( ليس تماما – فأنا محظوظ لأني مستقل ماليا بقدر كاف ومعقول يسمح لي بأن أرسم ماأحبه وألا أبتذلوأهبط إلى مستوى سوقي . ولا يعني ذلك أنني أدين أولئك الذين يكسبون عيشهم مناستغلال السذاجة العامة ) وبعد ذلك صمت , كذلك فعلت ليزا بل وسرحت حتى تناستوجوده وفجأة قال لها بهدوء: ( كنت جادا تماما عندما قلت لك أني أود أن أرسمك . هل تجلسي أمامي لبعض الوقت ؟) واستدارت لتنظر إليه وهي تقول : ( لا أعتقد أنرسم الأشخاص يدخل في الخط الذي انتهجته لنفسك ) ( انه ليس كذلك . على الأقل ليسبالطريقة التى تعنينها –استخدمت كلمة تجلسين بأوسع معانيها – فأنا أتخيلك تجلسينووراءك خلفية من أشجار الصفصاف المكسوة باللون الأخضر حتى يمتزج جسمك معها ويصبحوجهك موضع التركيز .بل أنني أعرف الموقع الذي أريده . أنه يبعد فقط بضع مئات منالياردات عن بابي الخلفي . أن ذلك يختلف طبعا عن أسلوبي المعتاد لكن على كل حالالإنسان يجرب شيئا جديدا بين الحين والآخر . هل ستتيحين لي الفرصة ياليزا؟) وقالت وهي تفكر في العمل الذي سيبدأ في فارلي في الأسبوع التالي : ( لاأعرف ما إذا كان الوقت سيسمح لي بذلك ) ( ربما نستطيع أن نتحدث عن ذلك مرة ثانية . ليس هناك وجه للعجلة لدينا ماتبقى من فصل الصيف ) وضعت ليزا الصورة التى كانتتحملها في مكانها وهي تقول : ( نعم – علي أن أذهب الآن . بلغت الساعة الخامسة ) ووقف ليوك وهو يقول : ( سأسير معك جانبا من الطريق كجزء من رياضتي اليومية ) وجالت ببصرها مرة اخرى في الغرفة التى تشع مودة قبل أن ترحل ثم رفعت ياقةالمعطف وتبعته ولم يتحدث أي منهما وهما يعبران الممر تحت الأشجار التى تتساقط منهاحبات المطر . لكن لم يكن هناك أي توتر في هذا الصمت , وبدا الأمر كما لو كانايعرفان بعضهما البعض منذ وقت طويل . وافترقا عند النقطة التى يلتقي فيها الممربالطريق وبرغم انه لم يقل شيئا , فقد كانت تدرك ليزا انها ستلاقي الترحيب في الكوخفي أي وقت تود الذهاب إليه . لقد وجدت في ليوك بلاند صديقا , وهذا ماجعلها تشعربالأرتياح . وعندما دخلت إلى المنزل كان براد خارجا من الردهة. وكان يرتدي معطفاللمطر, وتوقف عندما رآها واقفة في المدخل وقال في برودة : ( كنت ذاهبا للبحث عنك . هل تدركين انك تغيبت ساعتين تقريبا . أين كنت ؟ ) ( أتمشى ) قالت ليزا هذا وهيتغلق الباب بحرص . مصممة على ألا تقول لبراد شيئا عن زيارتها للكوخ . وتأملهامليا وهو يقول : ( أين ؟) فردت وهي تحرك يديها بصورة غامضة : ( في هذه الأنحاء فقد كنت محتاجة للترويح عن النفس ) ( لم يمضى وقتطويل على وجودك هنا . وأنا لم أكن موجودا لتهربي مني ؟) فقالت بحدة وهي تستدير لتعلق معطفها : ( لم أكن هاربة بل كنت أتمشى ) ( لاتلعبي دور الأبله معي ياليزا . هناك حدود لما أتحمله منك ؟) ( حدود لما تتحمله . ألا تفكر في غير نفسك يابراد ؟) وتقلص فمه ولم يلبث أن قال بصوت ناعم : ( ربما كان من الأفضل ألا أفعل ) وسادت لحظة من الصمت المتوتر ثم مضى من باب الردهة وهو يقول : ( شعرك مبتل أذهبي وجففيه قبل أن تصابي بالبرد , هناك نار موقدة في غرفة النوم ) ومضت ليزا صاعدة إلى غرفة نومها حيث خلعت ملابسها بصورة آلية وارتدت روبا ثم مضت إلى الحمام حيث لفت رأسها في منشفة وأخذت تحكها بها بقوة حتى غدا شعرها جافا وطردت كل الأفكار من ذهنها فقد كان التفكير مؤلما . استحمت وارتدت رداء صوفيا لونه أصفر شاحب . وعندئذ سمعت الباب الخارجي للغرفة يفتح ويغلق وركزت انتباهها على صورتها في مرآة طاولة اللبس . ووضعت أحمر شفاة بيد مرتعشة قليلا . وانتظرت ان يغلق الباب الموصل دون ان يحدث هذا فما كان منها إلا أن واصلت وضع أحمر الشفاة وأسندت رأسها على يديها . واستغرقت في التفكير العميق ر. إلى متى ستمضي الأمور على هذا النحو .؟ وكانت المياة لاتزال تتساقط في الحمام عندما مضت إلى الدهليز . كانت الساعة لا تزال السادسة والنصف . مازالت هناك ساعة للعشاء مالذي تستطيع أن تفعله حتى ذلك الحين ؟ أن غرفة الجلوس مستبعدة لأن فيليسيا قد تكون هناك . وحتى إذا لم تكن فإن براد سرعان ماسيحضر , وهي لا تريد أن تكون وحدها معه في حالته الراهنة . فلم يكن أمامها غير اليسيا . كانت حماتها تجلس في الكرسي المريح ذي المساند قرب المدفأة تطرز مفرشا لكرسي في غرز متمهلة مدققة . وابتسمت لليزا مرحبة عند دخولها الغرفة وهي تقول ... ( ماذا فعلت هذا اليوم ؟) ( القليل . ماذا تفعلين .؟) ( مفرش لأحد كراسي غرفة الطعام . انها في حالة سيئة . لقد صنعت ستة مفارش . وهذا السابع . أنني أعمل بصورة بطيئة هذه الأيام . هل تحبين شغل الأبرة ياليزا ؟) ( إنني لاأستطيع حتى أن أرتق جوربا دون أن أتلفه . لذلك كان ريك يفضل شراء جوارب جديدة ) ( هل وصلتك أنباء عن أخيك ؟ ) هزت ليزا رأسها ومدت يديها بحجة انها تستدفي بالنار برغم ان الغرفة لم تكن باردة على الأطلاق وهي تقول .. ( ريك ليس من هواة كتابة الرسائل ) ( ليس هناك رجل يحب هذا . عندما يكون براد مسافرا فإنه يفضل استخدام الهاتف على أن يخط حرفا . لكني شخصيا أكره هذا الأختراع . فالأنسان يتذكر دوما مئات الأشياء بعد انتهاء المكالمة . أما الرسائل فتقول الكثير ويمكن استعادة مافيها مرات عدة ) لكن ريك لن يكتب كانت ليزا متأكدة من هذا فهو ايضا يفضل التقاط سماعة الهاتف والأتصال بالناس , لكن من المشكوك فيه ان يعتبراخته جديرة بشي من الأهتمام ربما لم يفكر فيها على الإطلاق في الأيام الأولى لحريته الكاملة . بالطبع هي تستطيع ان تتصل به هاتفيا لكن ذلك سيكون الحل الأخير . ومهما كانت الأعذار التى قدمها عما تفوه به في تلك الليلة فلابد ان المشاعر التى جعلته يقولها كامنة في داخله , والجرح مازال باقيا في داخلها هي . في أي حال فإن مافيها يكفيها وليس هناك مجال لأن تنشغل على أخيها وسألتها اليسيا : ( أين براد الآن ؟ توقعت أن يأتي معك ؟ ) ( تركته يغير ملابسه استعدادا لتناول العشاء ... ألم تريه بعد ؟ عاد في نحو الخامسة ) ( بل قبل ذلك فقد جاء إلي ليرى إذا كنت أنت هنا . لكنه لم يمكث طويلا . أعتقد أنه يبدو غريبا نوعا ما . هل تشاجرتما ؟ ) ردت ليزا بسرعة قائلة : ( كلا بالطبع . ذهبت لأتمشى هذا الأصيل . وبقيت في الخارج مدة أطول مما كنت أتوقع وكان براد خارجا للبحث عني عندما عدت إلى المنزل ) ( تتمشين في مثل هذا الجو ؟ لابد أنك تبللت بالماء ) كلا لم يحدث هذا . فقد اتقيت المطر خلال هطوله الغزير . ومضيت اتفقدالمنطقة . ألن يكف هذا المطر عن إزعاجنا ؟) وابتسمت اليسيا في ود وهي تقول : ( لم يكن هذا تقديما طيبا لموقعنا هذا من العالم . أليس كذلك ؟ لكنك سترينمفاجأة سارة عندما تستيقظين في الصباح. لقد كانت الرياح تدور إلى الجنوب الغربي فيوقت الأصيل أمس . وهذا يعتبر بشيرا بتغيير الطقس إلى الأفضل في أي حال فنحن نأملذلك . قال لي براد أن الرجال سيجيئون إلى هنا غدا ليبدءوا العمل ) ( غدا – فهمتان ذلك سيتم في الأسبوع القادم ) ( ألم يقل لك بعد ؟ من الواضح أنه يحاول أنيعجل في العمل عما كان مخططا . إن ماتستطيع أن تفعله النقود أمر يدعو للدهشة . عندما كانت خزائن آل نورتون خاوية وليس لديهم إلا مايمكنهم من العيش كان علينا انننتظر أسابيع حتى يتم القيام بأبسط عمل نطلبه . ولكن الآن وقد أثرى براد فالأمرمختلف . والناس في هذه الأنحاء وسائلهم في نشر الأخبار وتقصي المعلومات ومحاولةالأستفادة . لكني أؤمن بأن هذه الثروة الجديدة التي هبطت على براد لم تكن هي التيجذبتك إلية إطلاقا . أليس كذلك ياحبيبتي ؟) وترددت ليزا غير واثقة تماما منالطريقة التي يجب أن ترد بها على السؤال ثم قالت ببطء : ( انها ضرورية لفارليولهذا السبب فأنا مسرورة لأن جده ترك له النقود ) وأضافت اليسيا بصوت حنون: ( لكن النقود في حد ذاتها لاتعني الكثير بالنسبة اليك . لقد تزوجت براد دون أن تعرفيشيئا عن ميراثة – نعم- قال لي هذا الليلة الماضية . وأنت لاتحبينه من أجلها . أنأبني رجل محظوظ إذا تحقق له الأقتران بك ياليزا . أن النقود تفعل الكثير لكنها لايمكن أن تحقق له السعادة التى سيعرفها مع زوجة مثلك ) ونظرت إلى الباب عندماسمعا طرقا عليه وهمست قائلة ( هاهو ) ثم رفعت صوته قائلة : ( أدخل ) وأدارت ليزا رأسها والتقت عيناها بعيني زوجها . وأبتسمت فقد كان عليها أن تبدوطبيعية من أجل اليسيا وقالت : (أنك سريع فلم يمضي على وجودي هنا سوى بضع دقائق ) (أنك تحكمين علي في ضوء الوقت الذي تستغرقينه انت . هناك حقيقة معروفة وهي أنالنساء يقضين ثلث حياتهن في الحمام ) وردت ليزا : ( والثلث الثاني في النومولا يترك هذا وقتا لأي شيئ آخر . اليس كذلك ؟) وارتد بصرها إلى اليسيا وهي تضحكوقالت : ( هل لاحظت كيف يحب الرجال اطلاق التعليمات على الجنس الآخر أنهم يصرونعلى حشدنا معا تحت عنوان مشترك . الأمر الذي لايدع مجالا للشخصية المنفردة ) وتقدم براد إلى الأمام لسند مرفقه إلى ظهر كرسي أمه ونظر إلى زوجته وهو يقول : ( ألاتقولين أنت نفسك أن الرجال متشابهون ؟ أن كلا من الجنسين يتبع نمطا معينافي بعض الجوانب .. لامفر من هذا . لكن رد الفعل إزاء بعض المواقف قد يختلف بصورةكبيرة بين الأفراد وهو ما لا يمكن التكهن به دائما ) قالت اليسيا وهي تبتسم : ( أحس ان هنا تصادم بين الارادات . دافعي عن حقوقك ياليزا ان رجال نورتونكانوا دوما يسحقون الضعيف بلا رحمة ) وقبل ان تتكلم ليزا قال براد : ( ليزاليست ضعيفة . لقد ولدت متمردة . لكني سأروضها ) وأجبرت نفسها مراعاة لخاطراليسيا على أن تقول بنعومة : ( بحنان . أليس كذلك ؟) لكنها كانت تدرك أن برادلاحظ رد فعلها الغريزي إزاء لهجة التهديد في صوته . وذلك بمشاهدتها له وهو يوسعابتسامته ببطء . وركع على ركبتيه ومديديه إلى النار يستدفئ بها وهو يقول : ( لو فشلت كل الوسائل الآخرى فسأجرب هذا . ) ثم أضاف متسائلا : ( هل أتى ستيوراتاليوم ؟) وردت امه بمرح : ( نعم – وقال أنني أستطيع أن أبدأ غدا النزول إلىالطابق الأرضي . لأكني لاأعتقد أني أهتم بذلك مالم يتحسن الجو بدرجة تسمح ليبالخروج من المنزل . ألم تقل ان العمل سيبدأ غدا ؟) ( ما سيبدأ غدا هو الاستعدادللعمل . اكرسه كله لضمان البدء فيه . هل انت واثقة انك على مايرام بدرجة تجعلكتتحملين كل الفوضى التى ستحدث هنا خلال الأسابيع القليلة القادمة؟ أستطيع دوما اناوقفهم في أي وقت ) ( لن تفعل ذلك بسببي . ان فارلي تعني الكثير بالنسبة لييابراد . ولو اجلت العمل مرة أخرى فإن هذا سيعني انقضاء عام آخر وحدوث مزيدا منالتدهور قبل ان تبدأ إضافة إلى أن مجي شتاء آخر على غرار الذي انقضى يعني إصابتنابالالتهاب الرئوي . وانت تعرف كم تتطلع بوني إلى مطبخها الجديد .) ( حسنا, حسناإني كنت أتسأل فحسب ) ( وقد حصلت على الإجابة , هل سمعت شيئا من محامي دان؟) وتلاقت العينان الزرقاوين بالعينين الرماديتين: ( تلقيت منه رسالة بالأمس . وسأتولى التصرف في الاستثمارات ابتدأ من يوم الخميس . وقد أصدرت اليهم التعليماتبأن يبيعوا قدرا كافيا من الأسهم للوفاء بإحتياجاتي من رأس المال في الأسابيعالقادمة . أما الباقي فأنا قانع بتركه حيث هو . إن دان كان يعرف جيدا كل مايتعلقبالأسهم والسندات ) وسألته ليزا وهي مندهشة من نفسها إذ أعربت صراحة عن تفكيرها : (ماذا كنت ستفعل لو لم يترك لك أبوك في العماد ثروته ) ( كنت سألجأ إلىالحل الوحيد أمامي وهو أن أسلم البيت إلى هيئة الوصاية الوطنية ) ( وتظل فيهكوصي ؟) ( كلا فمن الصعب أن يبقى الوضع على ماهو عليه . فالسقف الذي يظلل رأسالإنسان يجب ان يكون ملكه . كنت سأتركه لهم كله وأرحل عنه . وأشتري شقة حديثة قيهاتسهيلات توفر العمل ) قالت امه في جفاء : ( كنت ستكره تلك الشقة . فأنتلاتستطيع ان تعيش محبوسا في شقة ضيقة ) ( كنت سأقتني منزلا . في أي حال منالأحوال فالمشكلة لم تدم- ترك لي دان ثروته برغم –هذا الشيطان الكهل جعلني انتظرعشر سنوات ) وهزت اليسيا رأسها وهي تقول : ( ليست تلك هي الطريقة التى تتحدثفيها عن إنسان مات . فعل ما أعتقد أنه الصواب . وتذكر أنه لم يرك منذ أن كنت طفلا . وكل مايعرفه عنك كان يجعله يعتقد انك فتى شرس لا يتمتع برقة الاحساس كما اعتاد انيقول . وفي أي حال فإن النقود كانت تدر ارباحا طوال هذه السنوات . فكر في هذا ) ( كل ما أستطيع ان أفكر فيه هو أن فارلي لم تكن بهذا السوء من عشر سنوات .بالطبع انا ممتن لدان اذ اختارني كمستفيد من ثروته. لكنه لو لم يكن عنيدا ومصمماعلى ألا يطأ الأرض الأنكليزية ثانية . لكان قد جاء ورأى بنفسه أني كنت في العشرينقادرا على رعاية الأموال مثلما انا قادر على رعايتها الآن ) والتقت عيناه بعينيليزا وقال : ( هاجر والدي فيالعماد إلى امريكا لأن امرأة كان يحبها هجرته . ولميعرف انها أسدت إليه معروفا .) قالت امه وهي ممتعضة : ( إنك قاس في السخريةيابراد ) مال عليها فجأة وقبل خدها . وقال وهو يأخذ المفرش من بين يديها .: ( لابد انك تعبت من الكلام . ستحمل بوني إليك عشائك حالا . لماذا تبذلين هذا الجهدالمضني في شي غير ضروري مثل التطريز؟) قالت اليسيا ورنة الإرهاق بادية في صوتها : ( أنه ضروري . أخذت على نفسي عهدا بأن أكمله قبل .....) وتوقفت عن الكلام . وأكفهر وجه براد وهو يقول : (أمامك متسع من الوقت ) ورفعت رأسها إليه وهيتقول برقة : ( براد لاتعاملني كطفلة . جعلت ستيورات يخبرني الحقيقة منذ أسبوعمضى . وما قدرة الله سيحدث ,. ولست بخائفة ) ونظرت إلى ليزا وأضافت : ( لقدأعطيتني ما أردته دوما – أبنة – وقد أحضرتها لي بسرعة لأنك كنت تعرف الوقت المتاحلي لأتعرف عليها قد لايكون طويلا . فليبارككما الله ) وأخذت يد ليزا بين يديهاوربتت عليها . ثم أضافت : ( والآن أذهبا وتناولا شيئا منعشا قبل العشاء . وسأذهبإلى فراشي فور أن أنتهي من عشائي ) وعندما تركا الغرفة رأيا بوني آتية عبر الدهليز تحمل صينية العشاء . ونظرت إليهما طويلا وفتح لها براد الباب وأومأ لها شاكرا حيث اختفت في داخل الغرفة . قالت ليزا بهدوء وهي تسير بجوار براد نحو السلم : ( هل تعرف بوني ؟) ( تعرف ماذا ؟ ) ( عنا .... ) وهز كتفيه وهو يقول : ( أعتقد ذلك . فليس منالشائع أن ينام الزوج في غرفة الملابس . وأعتقد أني يجب أن أحمد الله على انهاتعتني هي نفسها بغرفتنا . وأن الخدم النهاريين لا يلمسون غرف النوم على الأقليمكننا أن نثق بأن بوني ستحتفظ بالسر لنفسها بما تعرفه . بل انها تدرك ماسيحدث لأميلو شكت في أن زواجنا أمر مخجل حقا ) ( خطأ من هذا ؟) ( هل هذا يهم ؟ أناتفاقنا يبدو أنه يحقق الغرض تماما ) وألجمها الإحساس بالخجل وهي تتذكر كلماتاليسيا في غرفة نومها منذ لحظات قليلة مضت .إن هذا الخداع يغدو أصعب فأصعب ... كيفيمكن أن يستمرا فيه حتى ..... وتوقفت عن التفكير فلم تكن تريد أن تصدق أن اليسيايمكن أن تموت . ( لم تخبر أمك أبدا عن ذلك الشرط في الوصية ؟) ( لم أخبر أحداعنه ) ( فليسيا فقط ...) وتوقف عن النزول واستدار إليها حتى سد عليها الطريقوكانت عيناه قاسيتين وقال : ( لم أقل لأحد على الإطلاق اكتشفت فليسيا ذلك صدفة ) فكرت ليزا بمرارة إن هذه المعلومات وصلت إلى فليسيا في الوقت المناسب . وبقدرماكانت تكرة تلك الشقراء الفاتنة كانت تعجب بها لرفضها الزواج من براد لقاء شروط . ( كم كان ذلك مؤسف بالنسبة لك ) ( إن ذلك يتوقف على الطريقة التى تنظرينبها إلى هذا الأمر .وأيا كانت المعلومات التى أوردتها فليسيا فإن ذلك لا يمكن أنيغير حقيقة أنك زوجتي . وأن ذلك وحده يحقق رغبات دان وفي مايتعلق بالباقي فإنني لاأستطيع أن أمنعك من التفكير فيه كما تريدين . فأنا لست دكتاتورا لهذا الحد ....)
7-مفاجأة في المدينة
كان العشاء في تلك الامسية لطيفاً حتى فيليسيا بدت مستسلمةولاحظت ليزا مرة أو مرتين أنها تنظر إلى براد وقد كسا وجهها تعبير غريب . وعندالانتهاء من تناول الحلوى , سألت فيليسيا : ( سمعت من بوتي أن العمال سيصلون غداً ). ورد براد دون أن يرفع بصره على طبقه : ( نعم سيأتون غداً ) . وضعت فيليسياملعقتها وشوكتها على طبقها بعناية , وقالت : (في هذه الحالة أعتقد أني سأعودإلى منزلي في الصباح , فسيكون هناك جلبه وغبار في كل مكان حتى نهاية الصيف , وعلىخلاف ليزا فإنني لا أستطيع أن أتحمس لمثل هذه الاشياء ) . هذه المرة أرتفع راسبراد وفي عينية تعبير غريب لم تستطع ليزا أن تفسره , وقال موافقاً : ( ربما كانذلك أفضل , فالحياة لن تكون لطيفة في فارلي ) . ويبدو ان الرد لم يعجبها . فقدتأملته بعينين ضاق مابينهما كما لوكانت تحاول قراءة ماوراء قوله الغامض وقالت : (وماذا عن أمك ؟ هل تتحمل الضجيج ؟) ( قالت : ان أي تأخير سيزعجها أكثر , فهي تريد أولا أن ترى فارلي آمنه قبل الشتاء ) . قالت ليزا : ( هل يمكن ذلك ) ؟ ( ستكون هناك صعوبات كثيرة , تمكنت من الحصول على الرجال الذين أريدهم ). ( بما في ذلك ربيب بوب طومسون ) . ( جفري ؟ نعم . إنه متلهف على هذا , خاصة منذأخبرته أن لدينا بعض أمثلة لأعمال غرينلنغ بونز في المكتبة ) . وسألت ليزا فيتلهف : ( هل لدينا فعلاً هذه الاعمال ؟ لم تقل لي ذلك وأنت تريني المكتبة , هلأشتغل جيبون فعلاً في فارلي ؟ ) وهز براد رأسه بابتسامه خفيفة وهو يقول : ( اشك في ذلك . لكن في أوراق الاسره مايفيد أن اطار المدفأة جيئ به الى هنا من سواريوأن اللوحتين من أعمال جيبون تم شراؤهما من بيت أخر ونقلا إلى هنا ) ( لكن , هلهما بالتأكيد من أعمال جيبون ؟) (نعم كان أعظم نحات للخشب في عصره , واعماله لايمكن الخطأ في التعرف اليها فليس هناك إنسان أخر له مثل قدرته ومهارته ) . وتدخلت فيليسيا في الحديث وهي تشعر بالضيق , قائلة : ( لم أكن أعرف أنك ملمةبكل هذا , هل أنتي خبيرة في مثل هذه الأشياء ؟ ) . ( أنا لست خبيرة في أي شيئ مندون الفحص الدقيق , وهو الامر الذي قام به براد في عناية ) . ورفعت فيليسياحاجبيها في برودة وقالت : ( هل أرى في ذلك نوعا من الغيرة ؟ أرى أن وجتك يا برادتنافسك في كل شيئ ؟) ( أن ذلك مضحك تماما اعتقد ان هذه الملاحظة لامبررلها ) . قال براد في هدوء : ( إنها تحاول ان تداعبك ) . ووقف وهو يضيف : ( ستأتيبوني في القهوه الى الداخل ) . كانت هذه الامسية طويله للغاية , ومليئة بالتوتر , أحست ليزا بالراحه عندما دقت الساعة في الردهه معلنه العاشرة , فأدعت أنها متعبةوصعدت إلى غرفتها وتركت الأخرين يتحادثان , وهي تعرف أن براد سيقطع الحديث بعد قليلويلحق بها حفاظاً على المظاهر . وعندما وصلت إلى غرفة النوم . أرتمت على السرير وهيمنهكة . إنها متعة أن تستلقي هناك في الظلام لا يعكره سوى وميض النار التي تخبو, تاركة جسمها يستعيد إسترخاءه , لقد شعرت بمثل هذا في الكوخ ذلك اليوم , فقد استرختوأحست أنها مرتاحه إن ذلك الكوخ بالنسبة اليها , مثل واحة وجدها انسان تاه طويلاًفي وسط الصحراء . هل كان ليوك جاد في دعوته الى رسمها ؟ وهل تدعه يفعل ؟ قد يكونمسليا أن ترى نفسها كما يراها شخص أخر . إن ليوك لا يرسم صوراً شخصية مسطحة , بليرسم مايتراءى له . ربما لم تكن في حقيقتها كما يراها هو . لكن هل تجروء على القيامبهذه المغامره ؟ وعندما استيقظت كان الظلام أشد , وكان وميض المدفأة قدأنطفأ تماما. وجاهدت لتنهض وتنظر إلى ساعتها . كانت الحادية إلا ربعا . لقد نامتنحو نصف ساعة . ولم يكن هناك أي نور يتسرب من عقب باب غرفة تغير الملابس . ان برادلايزال مستمرا في الحديث . واضاءت ليزا المصباح وتمنت لو انها قامت بكل مايجب فورصعودها . ولو فعلت لكانت الآن تنام ملء جفنيها بدلاً من الإغتسال وتمشيط شعرها . وفعلت كل هذا مرغمة وعندما انتهت كانت قد استيقظت تماماً . ومضت عبر غرفة النومالى طاولة اللبس وهي تفك سحابة ردائها أثناء سيرها وتشابكت السحابة وتوقفت رافضة أنتنفتح , وحاولت بنفاد صبر أن تشد عروتها الى لأعلى لكنها لم تتحرك لم تكن الفتحةكافية لخلع الرداء , وحاولت دون جدوى تحىيك عروة السحابة فلم تفلح . ووقفت مرتبكةلا تعرف ماذا تفعل . وتذكرت أن هناك بابين في خزنة الملابس الموجودة في غرفةالملابس فيها مرايا ويمكن ان تفتح أحدهما بطريقة معينة بحيث يستطيع الناظر أن يرىظهره من خلال المرآه في الباب الاخر . ولو فعلت لرأت الخلل الذي طرأ على السحابةوأصلحته . ودخلت غرفة الملابس بلا احتراس , موقنة أن براد مازال تحت مع فيليسيا , ومدت بيدها لتشعل الضوء لكنها تجمدت إذ رأت شخصا ينتصب جالساً في المقعد . وساد صمتمطبق لبضع ثوان . عندئذ أضاء براد مصباحاً قريبا ونظر إليها بحاجبين مرفوعين وهيتقف في المدخل , وقال لها : ( أعتقد أنك في فراشك , مضى أكثر من ساعة منذ صعدتي الىغرفتك ). ( غفوت . ولكن الوقت ليس كما قلت , لقد أنقضى ... ) ( إن الوقتالمضبوط هو الحادية عشرة والنصف . هل تريدين شيئاً ؟ ) . ( نعم , اقصد .. لا ..) وقفت مرتبكة , وهي تلاحظ اهتزاز عضلات كتفه البرونزية وهو يحرك ذراعه وأحستأنه من الغريب انها تزوجت منذ عدة أيام ولم تكتشف إلا الان ان زوجها ينام نصف عار . ( إن عروة السحابة ترفض أن تتحرك . وكنت أريد ان استخدم المرايا المزدوجة لأرىالخلل وأحاول أصلاحة ) . ( هل هذا كل مافي الأمر ؟ تعالي وسأفتحها لك ) . وبمجهود شاق تغلبت ليزا على الرغبة في ان تعود الى الغرفة الموجودة خلفها , وتحركت ببطء الى الاريكة , فقال لها : ( اجلسي فلن اصل اليها هكذا ) . وأخذتنفساً عميقاً وأطاعته , وجلست على حافة الكنبة وجسمها مشدود كوتر القوس . الى بعدان فحصها سريعاً : ( ان جزء من قماش الثوب دخل بين أسنانها وكسرت سنة أو اثنتيننتيجة للشد , هناك طريقة واحدة لاخراجك من هذه المشكلة ) وشد الثوب بقوة فمزقه . فقالت ليزا بحدة : ( هل كان ذلك ضرورياً ؟ كان في استطاعتك تخليصها دون تمزيقالثوب ) . ونظر اليها ببرود وهويقول : ( أعتقد اني كنت استطيع ذلك فعلاً , لو كنت تريدين ان تمددي اقامتك هنا نصف ساعة . هل ان الأمر مهم لهذا الحد ؟تستطيعين أن تشتري بدل هذا الثوب عشرات الأثواب . لاتهتمي .. ) ثم قسا صوته وهويقول : ( أم أنك تعتبرين قبول نقود مني أمرا خارجا عن قواعد اللعبة التي نلعبها ؟ ) قالت ليزا وهي لاتبدي حراكا : ( ليست لعبة بالنسبة لي ) . ( ماذا اذن ؟ منالصعب أن تسمي اتفاقاً وضعا طبيعيا للأمور بين زوجين ) . ( ليس هناك شيئ طبيعيفي زواجاً , يابراد , لا شيئ طبيعي على الإطلاق . خدعتني بزواجك مني لسبب واحد فقط , وأنا لاأعتبر نفسي جزء من صفقه ) . ونظر اليها في صمت وذراعاه مستندتان الىركبتيه . وسألها : ( مالذي ستفعلينه لو كنتي مكاني ؟ ) . ( أكون أمينه في كل شيئ , وأقدم العون في مقابل ماقدمته . لقد كنت تعرف كم كنت في حاجة الى خمسمائة جنيه , وكنت على استعداد للبحث في اقتراحك ) . ( كفي عن السخافة . انت لاتقاسين أكثرمني ياليزا , لو كنت ذكرت لك ذلك الشرط في الوصية لألقيت بأخيك ريك للسباع وهربت . الأمر نفسه لو كنت وجدتني غير جذاب كلية . إنك لم تتزوجيني من أجل ريك فحسب . لقدأتاحت اك حاجته عذراً رائعاً لتجاهل العهد الذي قطعه على نفسك بتكريس حياتك له , وجعلك تطيرين فرحاً . كلا ياعروسي الصغيرة , إن الحواجز بيننا هي من صنعك أنت فقط ) . وتوقف قليلاً ثم قال : ( ماذا كنت تتوقعين ؟ هل تعتقدين حقاً أني لا أعرفأنك تحبينني حقاً ) . ( هذا شيئ افترضته أنت لنفسك , ولو تذكرت , فان كل ماقلتههو انني أجدك مرغوباً , ومازلت أراك هكذا ) . ولم يرفع عينيه عن وجهها للحظة . ثم أضافت : ( وقلت أيضاً أن الحب يمكن أن ينمو . فهل ترى أن هذه الصورة الزائفة منالزواج تتيح أي فرصة لذلك . ان طريقتك نادرا ما تنجح . فالحب يقوم على الميل وليسعلى الرغبة ) . ( وأنت لا تحبينني ؟ ) . ( انا أكرهك ! ) . ( حسناً تلكعاطفة إيجابية جيدة . إن لك إحساساً مرهفاً بالدراما ياليزا . لكن لمصلحتك عليك الاتبالغي في الدور الذي تختارين القيام به , ذلك أن حل عقدة المسرحية قد لا يجيئ علىالنحو الذي تتوقعين . ) ونظر الى الساعة الموجودة بجوارة وهو يقول : ( ربما كانمن الافضل أن تذهبي الى فراشك . فلدينا يوم مشحون غدا ) . وتركته دون أن تنطقبكلمة , وأغلقت الباب بينهما . وأدارت المفتاح في القفل . وفي بداية اليومالتالي , ثبت أن تنبوء اليسيا في ما يتعلق بالجو كان مصيبا . كان الصباح جميلاً وجافاً ومبشراً بالدفء . ورحلت فيليسيا عقب الافطار مباشرة في سيارة أجره كان برادقد طلبها في الليلة السابقة . ولم تحرص ليزا على ان تخرج الى السيارة لتوديعهالأنها أحست أنها ستكون منافقة لو إدعت ان رحيل فيليسبا لم يسبب لها إرتياحاً . وبعدربع ساعة وصلت طليعة جيش العمال الى فارلي . كان ثلاثة يشكلون فريقاً كفؤا للغاية . وفي وقت قصير أفرغوا كل أدواتهم وأدخلوها إلى البيت . بدأوا في الردهة ونشرواقماشاً مشمعاً ضخماً ليحموا الأرض , ثم وضعوا ألواح خشبية لتشكل طريقاً فوقها . وغطوا الجزء العلوي الأفقي من درج السلم بألواح خشبية لحماية الحلى المعمارية من أيتلف محتمل عند نقل أحمال ثقيلة , وثبتوا ستارة من ألواح الخشب على الجانب الداخليمن الدرابزين المشغول برقة وفن حتىلا يتلقى خبطات عنيفة . وبعد هذا تفقد الرجال كلالغرف في الجناح الجنوبي لتغطية الجوانب المعمارية وتثبيت الألواح الخشبية المتصلةالمثبتة بالجدران للزينة . كل ذلك على أساس ان يتم أي شغل تحتاجه هذه البنود فيمرحلة تالية بعد الاصلاحات الهيكلية . كما قاموا بنقل الاثاث من الغرف التي ستنزعأرضيتها الى غرف أخرى , وأصبحت غرفة الجلوس تدريجياً مليئة بتشكيلة من الاشياء ماكان يمكن أن تتضمنها أبداً .وعندما خرجت بوني من المطبخ وواجهت مشهد الاضطرابوالاختلاط كادت أن تبكي وقالت لليزا وهي تقدم لها فنجاناً من القهوة : ( اللهوحده يعلم متى سننتهي من هذا . لم أكن أعتقد أبداً أن مثل هذه الفوضى ستحدث ) . فأجابتها ليزا : ( أخشى أن يكون الإضطراب الحقيقي لم يحدث بعد , ولو كنت مكانكلتجنبت الجناح الجنوبي كلية حتى ينتهي هذا . على الأقل حتى ينتهي الطابق الأرضي , من الواضح أن القدر الاساسي من العمل الذي يتم فوق سيقتصر على الركن الجنوبي الشرقيبل ان بعض الغرف لن تمس ) . ( شعرت بالراحة إذا سمعت هذا ) وجاء براد وهويقول : ( هل هناك قدح لي يا بوني ؟ ) . فقالت وهي تقدم له الصينية : ( وهل أجرؤعلى أن أتناسى سيد البيت ؟ سأخذ الاقداح الباقية لهؤلاء الرجال هناك ) . وأومأتنحو غرفة الطعام واضافت : ( هناك طبق من البسكويت على المائدة لكما ) . وعلقبراد بعد ان مضت مدبرة المنزل بقوله : ( أعتقد أن الرجال هناك يفضلون شيئا أخرغير القهوة . سأرتب غداً لو بقي شيئاً دافئاً مثلما هو الان ) . ومضى إلى طبقالبسكويت وأخذ واحدة واستند إلى حافة المائدة ليأكلها, ونظر الى حيث تقف ليزا عندالباب وسألها : ( هل تريدين شيئاً تأكلينه ؟ ) . ( القهوة كافية تماما ) . وساد صمت قصير كانت خلاله تدرك تماما أن عينية مركزتان عليها وسألته : ( لماذا اخترت الجناح الجنوبي لتبدأ العمل فيه , أعتقد ان الجزء الأقدم من البيتيستحق الأولوية ) . ( حسب الظواهر انتي على حق , لكن مانسيته هو أننا نعيش فيالجناح الجنوبي وكلما اسرعنا باستئناف حياتنا فيه على نحو مريح كان ذلك أفضل . وفورأن ينتهي العمل في هذا الجزء من المنزل فاننا نستطيع أن نكرس الوقت اللازم للباقي . ) ( فهمت كان سؤالي غبياً , أليس كذلك ؟ ) ( لنقل انه ليس من نوع الاسئلةالتي أتوقعها من شخص ذكي مثلك . لماذا تشعرين دوماً أنه ينبغي عليك القيام بواجبالمتحدث معي ألم تسمعي بصمت الرفقة ؟ ) . ( ذلك يكون بين بين الرفتق الحميمين . ونحن يصعب اعتبارنا كذلك! ) . وترددت قليلاً ثم أستطردت قائلة : ( اعتقد أنيلن أكون مطلوبة هنا في الاصيل . ولذا فكرت في أن أذهب الى سكبتون وألقي نظرة علىالمنطقة ) . فهز كتفيه وقال : ( خذي السيارة لو كنت ستذهبين إلى المدينة , فخدمات الأوتبيس لا يعول عليها كثيراً ) . ( كيف عرفت أني يمكن أن أقود سيارة ؟ ) . قال وهو ينهي قهوته وينحى القدح جانباً : ( قلت لي ذلك مرة . سأذهب الىالمكتبة لو احتجت الى شيئ . ) ومضى عبر الدهليز الذي يفضى الى مملكته الخاصة . أخذت ليزا ترشف قهوتها وهي تفكر . قالت لنفسها أن براد يسيئ تفسير كل أعمالها . إنها لم ترد الذهاب إلى سكبتون على وجه الخصوص , لكنه كان ينبغي لها ان تذهب الىمكان فيه حوانيت . فغداً عيد ميلاد براد , وليس لديها شيئ تقدمه اليه . وبينماكانت لاتزال واقفة هناك . رن جرس الهاتف بصورة حادة مزعجة وتركته يرن , لانها تدركأن براد سيرد عليه من خلال الجهاز الموجود في مكتبه . وبعد لحظة سمعته ينادي عليهامن باب المكتب , قائلاً : ( ليزا , انه لك انه ريك ) . ( شكراً , سأخذ المكالمةمن هنا ) . وجاءها صوت أخيها المألوف على الخط : ( كيف الحياة الزوجية ؟ ) . وأدركت ليزا أن براد ربما يكون يستمع من خلال الجهاز الموجود أمامه فقالت : ( جميلة ) . إن براد ليس في حاجة الى أن يخشى ان تقول لريك الحقيقة , بالرغم أنهلا يمكن أن تنبأ بالاذلال الذي عانته على يديه . وأضافت قائلة : ( وأنت كيفأحوالك ؟ هل انت على مايرام ؟ ) . ( بالتاكيد . لايمكن ان يكون الحال أحسن مماهو عليه . لقد وجدت مقهى صغيراً رائعا يقدمون فيه طعام الافطار كل صباح من أيامالسبنت ؟ ) . ( عدا ذلك , ماذا تفعل ؟ ) . ( إني أتصرف . قولي لي لماذا بدازوجك معكر المزاج عندما رد على الهاتف هل تشاجرتما ؟ ) . ( كلا , ماذا فعلتعندما بدأ مراجعوا الحسابات التدقيق في مستنداتك ؟ ). ( لا شيئ , جعلت الأمريبدو وكأنني أردت تنظيم الارتباك الذي حدث في الدفاتر , أنى عندما قمت بهذا اكتشفتخطأ فيها وأصلحته بإتخاذ الخطوات الضرورية والسليمة ’ انهم حمقى ! ) . قال ليزالنفسها ان هذا هو ريك وأن تلك فظاظته , انه انسان فاسد وأناني وغير ناضج , وسألتهبصورة حادة ( ريك , لماذا تتصل بي ؟ ) . وبدا في رده مندهشاً من البرود الذياتسمت به نبرتها , وقال : ( لماذا ؟ لأني اردت الاطمئنان عليك ماذا غير ذلك ؟ ) . كانت ليزا تستطيع أن تذكر له أسبابا وجيهه لاتصاله لكنها امتنعت وأبقت الحديثمتصلاً لدقائق أخرى وتحدثت متعمدة عن المنزل وماسيفعلونه فيه , حتى أحست بأن الضيقوالملل بدا ينتابها . واخيراً قال : ( يجب ان أنهي المكالمة , فصاحب العمل قد يجيئفي أي لحظة ) . سألته مندهشة : ( هل تتكلم من المكتب ؟ ) ( بالطبع لأجعلصاحب العمل يتحمل قيمة المحادثة , مادام يسرقني بهذا الاجر الزهيد الذي يدفعه لي , في أي حال سأبقى على اتصال بك ياليزا ) . وفي الساعة الثانية خرجت السيارة من البوابة الرئيسية وهي تشعر بالارتياحوالاسترخاء . أن الاصيل ممتد أمامهما , ولها أن تفعل فيه ما بدا لها , وهي ستفعلذلك على وجه الدقة , وفكرت في أنها ستتسوق أولا ثم تتناول االشاي في مقهى صغيروهادئ , اذا استطاعت أن تجد واحدا من هذا النوع , ثم تتسكع لأطول فترة ممكنه قبل أنتعود . واستمتعت بقيادة السيارة الى سكبتون , مرت بالريف ومناظرة الجميلة من مراعوأشجار وحقول للقمح . وعندما وصلت الى المدينة أوقفت السيارة في مواقف السيارات , ومضت تتجول في الشارع الرئيسي وتتفرج على نوافذ المعارض وما تحويه من عروض جذابةللسلع , وفكرت في انه سيبدو أمراً غريباً أن تفشل زوجة في الاحتفال بعيد ميلادزوجها بهدية مناسبة , لكن أي من انواع الهدايا تستطيع ان تشتريه لرجل لايزال فينظرها غريباً . واشترت سترة من قماش الكشمير الناعم , فذلك اختيار أمن وأن أفتقرللخيال , وملت اللفة الى السيارة وعندئذ أحست أنها اصبحت حرة لتركز على استمتاعهاهي شخصياً . وجذبتها بناية أثرية قديمة فدخلت تأملت بإعجاب مابها من آيات الفنكان المكان يسوده الهدوء والسلام , والاحساس بالانقطاع والعزلة عن العالم الخارجيفمكثت فيه لفترة . وخرجت الى ضوء الشمس ثانية , ونظرت الى ساعتها فوجدت انهاالرابعة , تبخر الوقت في هذا الاصيل , ولم تر كل ما تحويه المدينة . كانت تنوي انتلقي نظرة على القلعة الموجودة فيها , لكنها لو رغبت بشرب الشاي فسيكون عليها انتنتظر ليوم اخر لترى القلعة , ووقف رجل على الجانب الاخر من الشارع عندما رأى ليزافي ثوبها الكتاني وهي تقف وحيدة أسفل سلالم الكنيسة , وارتسمت على شفتيه ابتسامةوهو يغير اتجاهه ويمضي نحوها . رفعت ليزا بصرها محدقة عندما سمعته يقول بهدوء : ( لم أتوقع أن اراك في المدينة هذا الأصيل ) . وصاحت في دهشة : ( ليوك ! ) . ووقفت لا تحرك ساكناً تحدق فيه وأخيرا سألته : ( ماذا تفعل في سكبتون ؟ ) . ( اشتري مواد جديدة . فأنا أجيئ اليها مرة في الشهر لهذا الغرض ) . ( هلأنت وحدك ؟ نعم ؟ جئت لشراء هدية لبراد . فعيد ميلاده غداً ) . ( حقا ؟ ) وأخذيتفرس فيها ملياً . ثم قال : ( تعالي وتناولي بعض الشاي معي . هل يجب أن تعودي الان؟ ) ابتسمت له وهي تقول : ( كلا , وأحب أن أتناول الشاي معك ) . وبعد خمسدقائق كانا يجلسان الى مائدة لشخصين في محل لتناول الشاي في احد الشوارع الخلفية . لم تكن ليزا لتهتدي اليه وحدها . كان مكانا ساحراً نظيفا لاقصى حد مليئا بأحواضالزهور على الموائد . ومضى ليوك ليطلب الشاي والبسكوت ثم عاد وجلس يبتسم ويقول : ( انها مناسبة سعيدة . اذا لم تتح لي فرصة دعوة سيدة جميلة مثلك الى الشاي . هللديك فكرة عن مدى سعادة انسان مثلى عندما يحس ان كل الرجال في صالون الشاي يحسدونهعلى ذلك ؟ ) . ضحكت ليزا وهي تقول : ( هنا رجلان فقط أنت واحد منهم . في أيحال أنت لست كبيراً في السن الى درجة تجعلك تتحدث على هذا النحو . الا يقولون دوماأن الحياة تبدأ بعد الاربعين ؟! ) . واختلجت عيناه فجأة وهو يقول : ( ربما , لكنني في الخامسة والاربعين . ) ( حقاً . لاتبدو كذلك ) . ( أشكرك ) . وجاء الشاي وصمتا كلاهما حتى مضت الساقية . وسألته ليزا وهي تصب الشاي : ( أينتعيش قبل ان تجيئ الى الكوخ ؟ إنك تبدو كأهل الجنوب ) . ( نعم انا كذلك ولدت فيكورنوال في مكان اسمه مولون كوف ربما تعرفينه ) . ( نعم اعرفه . أمضيت اجازة علىذلك الجزء من الساحل منذ ثلاث سنوات ) . ( لماذا جئت الى الشمال ؟ هل استنفدتالمناظر هناك ؟ ) ( نعم والى حد ما . كنت بحاجة الى التغير . تغير درامي ) . ( لم أكن دوما فنانا متفرغاً . تفرغت منذ ثماني سنوات فحسب منذ جئت الى ديلسي ) . ( ماذا كنت في كورنوال . أقصد ماذا كنت تفعل هناك ؟ ) ( كنت أدير فندقالعائلة . وقد بعته عندما ماتت أمي وجئت الى هنا ) . ( وفعلت ماكنت تحلم بانتقوم به ؟ ) . ( نعم , فالروابط العائلية يمكن ان تكون قيداً قاسياً , مات ابيعندما كنت دون العشرين . ولم تكن أمي تستطيع أن تدير الفندق . فعدت الى بلدتي وتركتالكلية باختياري . لأنني لو لم أخذ مكان ابي لأجبرتها على التخلي عن الفندق وهوالشيئ الوحيد الذي تهتم به في الحياة . ومن دون أن أدعي النبل والشهامه لم يكن هناكسوى طريق واحدة جديرة باختياري ) . ( ألم يكن في امكان أمك أن تستأجر مديراً ؟) . ( شخص أجنبي ؟ لم تكن لتوافق على ذلك أبداً . أن الغرباء لاينتمون الى عالمامي إلا باعتبارهم نزلاء يدفعون . لقد كانت سيدة غريبة في عدة نواح , واحيانا كثيرةكنت افكر في ان اتركها . لكن الدم كان يثبت دوما انه لا يمكن ان يتحول الى ماءعندما يجد الجد ) . ( لكن هل توقفت في ذلك الحين عن الرسم , من المؤكد أنك لمتمضي كل هذه السنوات دون ان تلمس الفرشاة ) . ( كلا . لم اتركه . فلم اكن استطيعذلك . كنت امضي كل وقت فراغي أرسم اللوحة , تلو اللوحة . وان الرسم في دمي . لاأكون سعيداً حقاً مالم تكن الفرشاة في يدي واللوحة امامي . معظم الناس لا يفهمونهذا الميل . اتهموني بأني أضيع حياتي في الاحلام . وكنت احيانا أتسائل هل يمكن أنيكونوا على حق ) . ( هل يمكن ان يكون الشيئ الذي يحقق السرور والسعادة تضييعاًللحياة ؟ لوحاتك رائعة ياليوك . وبرغم اني لا أدعي معرفة كثيرة بالفن . فإني أوقنأنها تكشف عن موهبه رائعة ) . ومد يده ولمس خدها برقة , وقال : ( أنا أعرف أنكتقدرين وضعي ياليزا ) . نظرت إليه في ود وهي تحس مره أخرى بمدى التقارب بينهمابرغم فارق السن . كانت تحس أن لقائها مع ليوك بعد يوم من المشاعر المتوترة التييثيرها براد يجعلها تشعر كمن وصل الى ملجأ آمن بعد عاصفة عاتية . أن فيه كل مايفتقرالية براد . فهو حنون ومتفهم وغير معقد . ولم يكن سعيداً في حياته منذ الفترة التيأخبرها عنها . وهي واثقة بأنه كانت لديه متاعب أخرى لم يطلعها عليها . لكنه الآنطرح كل ذلك وراء ظهره لأنه يريد شيئاً واحداً . أن يرسم , وحسدته على تلك القوةالدافعة التي تجعله يتجاهل كل الاعتبارات الأخرى ولا يبالي بها . / شارل وهيلين كانت الساعة قد تجاوزت السادسة ، عندما غادرت ليزا الىفارلي. وكان المنزل ساكنا فقد ذهب العاملون بعد ان انهوا ما جاءوا منأجله... وعندما ذهبت الى غرفة النوم كان باب غرفة الملابس موصدا ، خلعت سترتهاوعلقتها في الخزانة واخذت منه ثوبا لترتديه في المساء وأغلقت بابه وعندما استدارتوجدت براد يقف في مدخل الباب المقابل: (واخيرا حضرت أين كنت كل هذا الوقت؟) وتساءلا بينها وبين نفسها عما سيقوله لو انها اخبرته الحقيقة وهي انها كانتمع رجل اخر كل هذا الوقت ؟ مر الوقت سريعا مع ليوك في ذلك المقهى الصغير. لقدناقشنا كل شيء ماعدا ما يتعلق بها ، وقد أبدى ليوك لباقة فيما يتعلق بشوؤنها،وقالت: (تجولت في المدينة. هل من الضروري ان اقدم لك تقريرا عن كل دقيقة امضيتهاخارج البيت) وتقلصت شفتاه وهو يقول : (الم يخطر ببالك اني يمكن ان اقلق عندمالاتعودين في وقت تناول الشاي؟) (كلا، لم يخطر في بالي ذلك على الاطلاق . هل كانعلي ان افعل ذلك؟) وتحولت عنه في محاولة للتهرب من نظراته ثم قالت: (لاأدريلم كل هذه الضجة ؟! الوقت مازال مبكرا على موعد العشاء) (سنتعشى في الخارج ،شريكي وزوجته يريدان رؤيتك) واستاءت ليزا من ذلك . كانت تأمل في انه بذهابهل يجب عليناLفيلسيا لن تضطر الى هذا التظاهر الذي تكرهه كثيرا. وسألتهالذهاب؟) (نعم، الواقع ان شارل طلب مني ذلك امس ، لكن لكثرة المشاغل انستنيالموضوع حتى هذا المساء) (تستطيع ان تتصل به هاتفيا وتقول له انني اشكو من صداع ) ولم تسمعه وهو يتحرك . فجأة وجدت يده على كتفها وهو يديرها لتواجههوقال: (ليزا انك لن تقابلي شارل وهيلين فحسب لكنك ستجعلينهما يعتقدان ان زواجناممتاز) (لماذا؟ ماذا يهم مايعتقدونه ؟ وافقت على التظاهر من اجل امك فقط وليسللحفاظ على كبريائك الغالية!) وتقلصت يده الممسكة بكتفيها على نحو آلمها وانغرزتاصابعه في لحمها وهو يقول بجفاء: (لاتدفعيني الى الغضب) وظلت صامتة تحدق فيهوفجأة تركها تذهب وهو يقول لها: (غيري ثيابك سأراك تحت خلال نصف ساعة ) ولمستغرق حمام ليزا وارتداؤها الثوب الاسود الذي ارتدته في اول امسية قضتها مع برادسوى خمس وعشرين دقيقة . كانت آثار اصابعه لاتزال بادية على كتفها لكن الثوب غطاها . وعندما تأملت صورتها في المرآة وهي تمشط شعرها شاهدت بريقا غريبا محموما في عينيها . وعندما مضت في الدهليز نحو السلم كان براد يتحدث في الهاتف في الردهة وكان صوتهيصل الى مسامعها بوضوح وسمعته يقول: (لاتتصلي بي هنا يافيليسيا لو اردت الاتصالفليكن في المكتب) ووقفت ليزا متسمرة في مكانها وهي تحس بالاختناق . لابد ان هناكشيئا بين زوجها وبين تلك المرأة . وتملكها غضب جارف ، قال لها العبي هذا الدور مناجل امي لانها يجب ان لا تعرف الحقيقة . لكن ماذا سيكون الوضع لو ان اليسيا اكتشفتارتباطه المستمر بفيليسيا ؟ ألن تقضي عليها هذه الصدمة؟ وسارت نحو السلالم . كانبراد قد وضع سماعة العاتف وجاء للقائها واخذ معطفها منها ليساعدها على ارتدائهولامست يداه كتفيها وقال: (ليزا صدقي او لاتصدقي لقد قلقت عليك هذا الاصيل ودارتفي خاطري كل انواع الحوادث (الحوادث التي اصابتني ام التي اصابت السيارة ؟اعتقد انك في عجلة؟) (حسنا فلنذهب) وكان شارل وهيلين يعيشان في شقة في عمارةضخمة حديثة في ضواحي برادفورد ، وجاء شارل الى الباب ليرحب بهما ، كان اصغر من برادبثلاث او اربع سنوات ، قال لهما وهو يأخذ اشياءهما: (هيلين في المطبخ تضعاللمسات الاخيرة) كلا، لقد انتهيت)Lوسمعتا صوتا يقول واستدارت ليزا لترىفتاة طويلة هيفاء تسير اليهما ، كان لها وجه جميل محبب كالذي ينشر على غلاف المجلات، ويتوجه شعر ذهبي ناعم قالت: (براد كيف تجرؤايها الحصان الاسود الكهل ان تكتم الامر وتتزوج دون ان تخبر احدا؟ انت تعرف كم احبحفلات الزواج؟) وابتسمت ليزا وهي تمسك بيدها وتقول: (اني مسرورة حفا لزواجه ،كنت اخشى ان يصبح عازبا عجوزا) رد براد قائلا: (ناديتني بالعجوز مرتين ، ويجبان يكون طعامك جيدا على نحو يعوضني عن ذلك.) تجعد انفها وهي تضحك في وجهه ثمسحبت ليزا من يدها الى غرفة الجلوس المزينة على نحو رائع وهي تقول : (سمعت انبيننا شيئا مشتركا فأنا من الجنوب ايضا . من كنت في الاصل ، لكني عشت في لندنعاميين) هلLوجلست ليزا قرب مضيفتها في كرسي منخفض وهي مهتمة بما قالته وسألتانت من هناك حقا؟ ماذا كنت تفعلين ؟) وردت هيلين بابتسامة دافئة ساحرة : (كنتعارضة ازياء . لم اكن من اهل القمة في هذا الصدد لكني كنت اقوم بعملي على نحو يلقيالتقدير ، حتى جاء رجلي هذا فاقتحم الصورة ونومني مغناطيسيا وجعلني اعتقد اني بلغتمن العمر حدا يوجب علي ان اقضي بقية عمري في المطبخ) وجاءهما شارل بقدحين منشراب مثلج وهو يقول: (كان هذا بالطبع حقا وصدقا . فليس هناك اسعد من امرأةيستعبدها رجل يبدو ان رغبتها في سيطرة الرجل عليها تولد معها) قالت هيلين وهيتنظر لليزا وتشير الى شارل: (انه الاخصائي النفسي المقيم : انه احيانا يصور نفسهفي صورة الانسان الاول يمسك هراوة ويرتدي جلد دب ، لكن لاتدعيه يخدعك ، فهو حملوديع حقا ، ان كل الرجال يجعجعون بلا طحن..) فرد عليها شارل محاولااثارتها: (هل عرفت كثيرين منهم لتحكمي عليهم؟ ذلك ما اقوله دائما وهو ان النساءنلن قدرا من الحرية اكثر من اللازم في هذا العصر . هيا ايتها المرأة اذهبي الى غرفغسل الصحون واعدي للسيد وجبة قبل ان يجلدك) (شاهدنا مسرحية ترويض النمرة الاسبوعالماضي ، ويبدو ان الفكرة الاساسية فيها استهوته فقد اصبح يقضي كل وقته امام مرآةالحمام يتدرب على الزمجرة والصياح ) ونهضت وهي تقول: (عذرا سأغيب مرة اخرى ،فأنا اعد صلصة خاصة تستخدم مع السمك ويجب ان الاتحضر الا في اخر لحظة ) سألتليزا : (هل استطيع معاونتك؟) (شكرا ، ان كل شيء معد ، لكن تعالي لنتحدث معالو رغبت . فأنا اتوقع ان ينهمك زوجانا في الحديث عن العمل) وراقبهما شارل وهمايتجهان معا عبر الغرفة الى الباب والابتسامة على شفتيه وهو يقول: (انهما كالليلوالنهار ، يكونان لوحة . الا تعتقد هذا يا براد؟) اجاب الاخر باستخافاف : (انا افضل ان اقول ضوء الشمس والظل ، لكني افهم ماتعنيه ، فهما يبرزان مدىالتناقض بينهما لدرجة الكمال) وضحكت هيلين وهي تقول: (كل هذا الاطراء يسرني ،ان كلا منكما يدرك كم هو محظوظ . العشاء سيكون جاهز خلال عشر دقائق) واعربت ليزاعن اعجابها بالمطبخ العصري لهيلين وقالت: ( لو جاءت بوني الى هنا فستحس انها فينعيم) وبدأت هيلين في اعداد الصلصة وهي تقول : (رأيت المطابخ في فارلي . فهمتمن براد انه وضع خطة لتجديد كل ماهو قديم ، خاصة المطابخ ، واجراء الاصلاات اللازمةفي المنزل كله) (نعم سيفعل ذلك ، وسيركز هذا اساسا في الجناح الجنوبي قرب غرفةالطعام تماما. وسيأخذ بوني الى ليدز في الاسبوع القادم ليختار مايناسبالمطبخ) وماذا عنك؟ اليس لك رأي في هذاLونظرت اليها هيلين وهي تقولالموضوع؟) (المسألة لا تؤثر على حقا . بوني لطيفة جدا لكنها تود الايتدخل احد فيشؤون المطبخ الذي تفضله على نفسها . وفي المرة الوحيد التي عرضت فيها المساعدة قالتلي ان براد قدم لها كل العون الي تريد وانه ليس على ان ازعج نفسي بادراة المنزل ) (ان ذلك يسر معظم النساء ، فأي عمل منزلي متعب) وابتسمت ليزا قائلة : (اعتقد انه يكون كذلك لو كان القيام به كل يوم ولست اتطلع الى هذا فأنا احبالطبخ فحسب) (حسنا ، هناك متسع منالوقت لتعليم بوني ان تقبل نظاما للاشياء يختلف قليلا ، فقد اعتادت ان تتولى كل شيءنظرا لمرض والدة براد والمناسبة كيف حالها؟) (افضل كثيرا ، جلست في الحديقة لمدةساعة هذا الصباح وقال الطبيب انها اقوى مما كانت) (السبب في هذا واضح تماما. اعتقد انها كانت تشك في ان براد سيتزوج يوما . لابد انها فرحت عندما رأتك . انزواجكما هو بالفعل رواية تروي وقصة تحكي ، الي كذلك؟ ان تقبلي رجلا فات يوم وتقبليان تتزوجينه في اليوم التاليلهو امر غريب حقا) (نعم كان براد مختلفا تماما عناي رجل لقيته من قبل) (حقا انه عظيم . انه اعظم من رأيت بعد شارل طبعا . كانافضل رجل في حفل زواجنا . اعتقد انه كان من الحكمة بالنسبة لك ان تتزوجي في لندنبهدوء مثلما فعلت. فربما لم تكن السيدة نورتون لتستطيع ان تتحمل اجهاد حفلالزفاف) (واحست ليزا بأن هذه فرصة مواتيه لتغير الموضوع ، فقالت : (كلا، هلتزوجت منذ وقت طويل ياهيلين؟) وتلاعبت على شفتي هيلين ابتسامة وهي تقول : (منذ ست سنوات ، كنا ننوي ان يكون لدينا ثلاثة اطفال خلال تلك المدة لكنالامور لم تسر على النحو المرغوب ، هل تحبين الاطفال ياليزا ؟) فتلعثمت وهي تقول : (لم افكر في الموضوع حقا . ولم يكن لي احتكاك كبير بالاطفال ) (كنت اكبراخواتي بثماني سنوات . وكنت اكره السخافات التي يقوم بها اطفال الاسرة . كانوايصرخون ويخربون ولايهدأون . وكان علي ان اعتني بهم ، كنت دوما اقسم بأنني عندمااتزوج فلن انجب اطفالا على الاطلاق . ومع ذلك فإن تغيير الانسان لافكاره امر يدعوللدهشة ) وعندما انتهت هيلين من اعداد الصلصة قالت: (اصبحت جاهزة سأخرجالشمام من الثلاجة ثم ندعوهما ) كانت المائدة في غرفة الطعام الملحقة معدة علىنحو رائع وفي وسطها شمعدان يلقي ضوءا رقيقا يوحي بالالفة ،قال شارل: (لم كل هذهالجلبة ؟ انا لا ارى سوى الحرص على الاشياء الرومانسية التي تتشبت النساء بوجودهاعند تناول الطعام) واجابت زوجته دون تردد: (لاننا مخلوقات رومانسية ياعزيزيولن نستمتع بطعامك الا بهذه الطريقة المرأة العملية هي مصدر ازعاج لاينتهي لكشخصيا) (لا اعرف لابد ان يكون هناك مايعوض ذلك مثل ان اعثر على جواربي بدلا منتمضية معظم وقتي وانا افتش في الادراج على جورب كامل ) وردت هيلين قائلة : (تفاصيل ، تفاصيل، دائما تفاصيل ) واحيت ليزا بانها تحسد هيلين ، هكذا يكونالزواج عندما يمتزج الزوجان ويتفاهمان على نحو كامل مثلما تفعل هيلين وشارل ، انهمالا يتبادلان الحب فحسب بل متفاهمان ايضا . ورفعت عينيها لتختلس نظرة من براد الذيكان جالسا امامها عبر المائدة ، وسرعان ما تمنت لو انها لم تفعل ذلك فقد رأتالسخرية في نظرته ، من الواضح انه قرأ افكارها مرة ثانية . ونظر شارل الى زوجتهمبتسما وهو يقول : ( انه احتفال كبير ، اليس كذلك ، الواقع انه حفل مزدوج . بداية زواجكما واكتمال زواجنا ، فقد تأكدت امس آه هيلين حامل ) وردت هيلين بلهجةلائمة : ( هلا التزمت الهدوء ياعزيزي ولا تحدث مثل هذه الجلبة حول هذا الموضوعغير المشوق ؟) ( انا اؤمن بتسمية الاشياء بأسمها ، وليس هناك اي شيء خطأ علىالاطلاق فيما يتعلق بكلمة حامل . كيف تريدنني ان اعبر عن هذا ؟ بأن اقول ذلك الكلامالاحمق عن انه سيكون لدينا ضيف صغير في البيت ؟) (اريدك ان تعلن ذلك بتعبيرراق) قال براد مبتسما : (تهانينا ماذا تريدان ؟) اجاب شارل بسرعة : (اربعة توأئم من نوع واحد ، نريدهما مرة واحدة لنستريح بقية حياتنا . واذافشلنا في هذا فسأقنع بما يجئ شرط ان لا تكون بنتا فأنا لا اود ان اكون أتليه بيناثنتين ) وتدخلت ليزا في الحديث قائلة : ( انا سعيدة ومسرورة لكما ، واخفيتعني ذلك عمدا عندما كنا في المطبخ اليس كذلك ؟) (نعم فشارل لم يكن ليغفر لي ابدالو افسدت متعته بإعلان النبأ العظيم ) رد شارل بفظاظة: ( كنت فقط استجيبلطلبك ) ورفع قدحه للضيفين وهو يقول : (فلنشرب نخب براد وليزا ، ارجو الا ترتكبا الغلطة نفسها التي ارتكبناها نحن وتنتظرن عاما او اثنين ؟) \قهقهت هيلين قائلة : (شارل لم يمض اسبوع واحد على زواجنا!) (وذلك ادعى لان يستمعا صوت اهل الخبرة . انا عادة تتاح لي الفرصة لتقديم النصيحة لشريكي الاكبر .) ورد براد قائلا: (انك عادة ليس لديك شيء جدير بسماعه . في اي حال فذلك في ذهننا ، اليس كذلك ياليزا ؟) واجبرت ليزا نفسها على الابتسام وقالت: (لو اردت انت هذا ) وصاح شارل مهللا وهو يقول : (ذلك ما اود سماعه ، زوجة تعرف مكانها وحدودها) وسالها براد بسخرية : (هل تعرفين مكانك ياليزا ؟) ونظرت اليه عبر المائدة واحست بان قلبها يخفق عندما تركزت عيناها على ملامحه القوية فقالت: (احيانا ، لا ازعم اني افعل تلك دوما ، لكني اعول على ذلك كثيرا . هل تناولني الملح ياعزيزي؟) وهز شارل كتفيه وهو يقول : (حسنا ، اعتقد انك كسبت حليفا يا هيلين ) فردت زوجته وقد قطبت مابين عينيها : (نعم ، هل يريد احدكم صلصة حساء اللحم) وكانوا قد وصلوا الى مرحلة تناول القهوة عندما اعلن شارل خططه لما تبقى من الامسية بإن قال: (نفكر في الذهاب الى نادي فالكون كلوب. انني عضو منذ مايزيد على خمسة اشهر ولم نذهب سوى مرتين . هناك تستطيع ان تتمتع بالغناء والرقص ) ونظر براد الى ليزا التي كانت تجلس الى جواره وهو يقول : ( انها تبدو فكره طيبة ، هل تحبين ان تذهبي ياليزا؟) فاجابت بمرح وان كانت في الواقع لاتبالي: (ولم لا؟) استقل الجميع سيارة براد وجلس شارل وهيلين معا في المقعد الخلفي وامسك كل واحد منهما يبد الاخركعاشقين شابين . وعندما وصلا الى النادي مد شارل يده لزوجته يساعدها على النزول منالسترة في حرص ينفيان ادعاءه بانه يرقص الرومانسية ووضع براد يده تحت مرفق ليزاوهما يصعدان السلالم الى المدخل المضاء بصورة باهرة ، اعطى مفاتيحه لمنادي السياراتليصف السيارة في الموقف اختيرت لهم مائدة جيدة بالقرب من حلبة الرقص ، كانالساقي يظهر فورا عند سماعه فرقعة اصابع شارل الذي قال له بسعادة غامرة وقبل انيستطيع اي من الحاضرين ان يبدي رأيا: (احضر لنا شرابا لذيذا) ثم التفت الىزميله وسأله: (مارأيك في المكان يابراد؟) والقى براد نظرة خاطفة على الغرفةالمزدحمة وعلى ما استطاع ان يراه منها خلال ستارة الدخان الكثيفة فيهاوقال: (انه نوع من التغيير) زمجر شريكه وهو يقول: ( وهذا يعني انه ليسطرازك ولا ذوقك ، لكنك على استعداد لقبوله من اجل الصحبة . العرض الغنائي الراقصالذي يقدمونه جميل للغاية . هل تحبين ان ترقصي يا ليزا؟) (نعم اود ذلك) اكتظتالحلبة بالراقصين ورأت ليزا من فوق كتف شارل براد وهو يذهب الى حلبة الرقص مع هيلين، ورأت رأسه الاسود يميل نحو رأس الاشقر ليهمس في اذنهاشيئا . لكن خلال جزء منالثانية تبينت ان صاحبة الرأس الاشقر لم تكن هيلين بل هي فيليسيا التي كان يراقصها . واحست ليزا باختناق انفاسها . وانتهت الموسيقى وتوالت دقات الطبول ، الامر الذييعني العودة الى اخلاء الحلبة للعرض الغنائي الراقص . وعندما عادوا الى المائدة وصلالشراب وفتح الساقي الزجاجة وبدا يصبها في الاقداح. وعندما اطفئت الانوار تناولتليزا قدحها ووضعته بين شفتيها يبد مرتعشة حدث لها شيء ما وهي في الحلبة عندما رأتالرجل الذي تزوجته يراقص امرأة اخرى . لقد انهار شيء ما في اعماقها . واستمر العرضالغنائي الراقص اربعين دقيقة لكنها لم تر سوى القليل منه . وعندما استؤنف الرقص قادشارل هيلين الى الحلبة لكن براد لم يبد حراكا لمجاراته. وجلساصامتين لكن ليزا قطعتهل يمكن ان تعطيني سيكارة من فظلك؟)Lهذا الصمت سائلة ورفع حاجبيه اندهاشاوسأل: (انت لا تدخنين؟) (لم اجرب ذلك ابدا ، وربما كان علي ان اكتشفماينقصني) قال بهدوء وهو يخرج علبة سكائره ويضعها امامها : (خذيماتشائين) اخذت ليزا سيكارة ذات فلتر ووضعتها بين شفتيها ومالت برأسها علىالولاعة التي يمسكها دون ان تنظر اليه . وشعرت بحريق في فمها وقاومت السعال وبذلتفي ذلك جهدا كبيرا، ومدت يدها الى قدح وهي تأمل ان تبدو طبيعية. ( الاتعتقدينانك تبالغين؟ لماذا تتصرفين هكذا ؟ هل تحاولين ان تنسي؟) وفي حركة تحد واضحةرفعت القدح لمستوى العين حتى تنعكس الضوء على السائل الذي يبرق وهي تقول: ( لكنهييسر الامر) وغامت عيناه وتصلب فمه وتقلص فكاه وهو ينظر اليها وسألها بصوتمنخفض: (هل تعتقدين ان هذه الامسية كانت سهلة بالنسبة لي انا ايضا ؟ هل تعتقديناني سعدت بمقارنة مالدى شارل وهيلين بالوضع المضحك القائم بيننا؟) واطفأ سيكارتهبعصبية وهو يقول : (من الافضل ان ترقص قبل ان ادق عنقك؟) وعادت الى الحلبةباحساس انها تطفو في الهواء. وشعرت بأن جزاء منها منفصل كما لو كانت تراقب نفسها عنبعد ، في حين كان قسم منها بين ذراعي براد . ولفت حول ذراعيها حول رقبته وابتسمت . وكانت تعرف ان الامسية لايمكن ان تستمر الى الابد ، وانها بعد فترة ستصبح وحدها معه، لكن في اللحظة الراهنة لم يبد لها ذلك معها ذلك مهما . لم يبد اي شيء مهما وقالتله وهي تضحك: (لاتحملق في هكذا ياعزيزي. شارل ينظر الينا ويجب الا يكتشف اي خطأاليس كذلك؟) (كفي عن هذا . مالذي ترمين اليه؟( )هذا هو ماكنت تريده ، اليسكذلك . زوجة يقترض فيها انها متلهية في حب زوجها الوسيم . انت لاتجعل الامر سهلاياعزيزي) واخذ نفسا حادا وشد ذراعيه حولها بصورة مؤلمة وقال في اقتضاب : (سأجعل الامر سهلا بالنسبة اليك ، اذا كان ذلك ماتريدينه) ونظر الى وجههاوعيناه تتفرسن فيها وقال: (لكن تذكري انك انت التي بدأت هذا ) وبعد ذلك اصبحتالامسية شيئا ضبابيا تتذكره ليزا بصورة غامضة ، فهي تذكر انها اخذت تضحك وتتحدث معالاخرين وانها رقصت مرة ثانية مع شارل وانها لاحظت عيني براد وهما تزدادان برودةوقسوة . غادروا النادي في الساعة الثانية عشرة عائدين بالسيارة الى الشقة . خرجشارل وهيلين من السيارة واخذ شارل يضحك وهو يقول: (الاتوادان الصعود معنا لتناولالقهوة ؟) وهز براد رأسه وقال: (شكرا، افضل ان نمضي في طريقنا . كان يوماطويلا.) وبدأت ساعة تدق في مكان ما من المدينة وصاحت هيلين : (انه عيد ميلادكيا براد ، كل سنة وانت طيب! عليك ان تصعد معنا الان فلدينا هدية لك ) (سأمر غداواخذها . شكرا على العشاء ياهيلين كان رائعا ) قالت هيلين وهي تنظر فيالسيارة: (نامت ليزا تقريبا) لكن ليزا استدارت براسها بصعوبة ورسمت على وجههاابتسامة مصطنعة وقالت: (كلا، لم انم . كنت اريح عيني فحسب.) قال براد : (تصبحون على خير) وبدأ في تشغيل محرك السيارة والانطلاق بها . ولم ينطق بكلمةطوال الطريق الى فارلي ، لم ينظر الة ليزا ولو لمرة واحدة . لكنها كانت هي تنظراليه بين الحين والاخر وفي كل مرة كانت ملامحه تشتد قسوة . وبدأت اثار السهر تتبخر، واخذت تستعيد ادراكها للامور. كانت الساعة الاخيرة خليطا من الذكريات تبدو واحدةمنها واضحة بجلاء وهي التي قال براد فيها: ( تذكري انك انت التي بدأتهذا) وعندما وصلا امام المنزل نظر اليها وهو يفتح الباب ويقول : (انزليوادخلي . سأضع السيارة في مكانها ) كانت بوني قد تركت بعض الانوار مضاءة فيالردهة . بدت الصالة باردة وموحشة بتلك الالواح المفروشة على ارضيتها . ومضت الىغرفتها وشعرت بالسرور لان بوني اشعلت نار المدفأة برغم ان الليلة كانت دافئة . والقت نظرة علىالغرفة واضاءت النور والقت معطفها على الكرسي وجلست تترقب وقع خطوات براد . وعندماسمعتها احست بالتوتر ، ووجدت نفسها تعد هذه الخطوات وتصورت انها ابطأت عندما اقتربتمن غرفتها. وربما تباطأت الخطوات لكنها لم تتوقف وبعد لحظة سمعت باب غرفةالملابس يفتح ويغلق . وهي غير متزنة الى حد ما ، وسارت الى الحمام وفتحت الدش ،وتحت ستار الضجة المنبعثة منه مضت الى الباب الموصل بينهما واغلقته مثلما فعلت فيالليالي الاربع الماضية . ثم مالبثت انفتحته وعادت الى الحمام وعندما انتهت اغلقتبابه بصورة تسمع حتى يعرف انها اتمت حمامها . ثم استندت اليه وهي تشعر بالارهاقوضغطت بيديها على خديها . الحمام جعلها تنتبه ، لكنه لم يخلصها من اثار تلكالسهرة. كانت في سريرها عندما بدأ الدش يعمل ثانية . واستفاقت تستمع الى صوتانسياب المياة وهي تأمل في ان يخلصها النوم من الافكار المزعجة التي تتصارع فيرأسها مثل حيونات وقعت في الفخ . لقد تزوجت براد منذ خمسة ايام، كانت كلها جحيماوعذابا . والاهم من ذلك كم من الايام ستظل اتقاسي؟ كم من الليالي ستستلقي هنا فيعذاب وارق تستعيد الساعة التي يعيش فيها الزوجان شارل وهيلين. وتوقف صوت الدش ،وساد الصمت ، وانساب ضوء القمر من النافذة حاملا معه خيالات الاشجار ذات الاشكالذات الاشكال المشبوهة . وادارت ليزا راسها صوب السماء الصافية وهي السماء ذاتالنجوم نفسها التي شاهدتها نساء آل نورتون السابقات وهن مستلقيات في المكان نفسه . ان رجال نورتون قساة حتى اليسيا نفسها أقرت بذلك . هل عرف احدهم الحب الحقيقي الذيتريده المرأة وتحتاج اليه ؟ ام ان تلك العاطفة تعني لديهم السيطرة فحسب؟ وانفتحالباب في الطرف الاخر من الغرفة على نحو مفاجئ فهيت جالسة في سريرها ، وضمت ملابسهاعلى جسمها وحملقت في الشخص الطويل الواقف امامها ، وقلها يدق على نحو مؤلم، قالتبصوت خفيض: (ماذا تريد؟) واغلق براد الباب وراءه وسار الى السرير وقال بصوتقاس: (اليس هذا سؤالا سطحيا . ام تتخيلين اني لم اكن اعني ماقلته منذ1 فترة ؟ انهذه المهزلة استمرت اطول من اللازم) (استمرت خمسة ايام . هل هذا هو اقصى ماتتحمله؟) جلس الى جانبها وامسكها من كتفيها واراحها على الوسادة وهو يقول : ( هذه المرة يا ليزا ليس هناك مفر .)
-اللوحة!
كان آب (أغسطس) شهراً حاراً شديدالرطوبة ، نادرا ما هبت فيه نسمة هواء لترطب جباه الرجال الذين كانوا يعملون فيفارلي . ومع ذلك فإن المشروبات المثلجة التي كان المالك يزودهم بكميات منها ، كانتتبقي إرادتهم على العمل قوية . وبالنسبة إلى ليزا كان النشاط المكثف في المنزلوما حوله يسليها . ولذلك فقد أغرقت نفسها في العمل وحظيت باحترام الرجال و تقديرهمو تحملوا عن طيب خاطر رغبتها في التعلم واستطاعتبسرعة ان تلم بكل مبادئ العمل . وتدريجياً بدأ بعض النظام يعود من هذا الخضم من الفوضى الذي ساد في الأيام الأولى . وتم إصلاح الأرضيات التي كانت قد فسدت ، بدأ عمال الديكور عملهم. وفي هذهالأثناء جرى استخدام غرفتين في الجانب الشمالي من المنزل لتناول الطعام و الجلوس . لم تكونا مناسبتين بسبب رطوبتهما ورائحة التحلل السائدة في جدرانهما ومع ذلك كانتامحتملتين كمكان مؤقت . أوشك المطبخ الجديد أن ينتهي وتمت تغطية جدران الغرفةالمشمسة الواسعة التي اختيرت لتحويلها إلى مطبخ بالبلاستيك أصفر اللون وكانتالمعدات التي اختارتها بوني ملائمة تماماً . وكانت بوني تنتظر على أحر من الجمراليوم الذي تستطيع فيه أن تعد الطعام في الفرن الجديد الرائع . وبما إن الجوأصبح لطيفاً فقد كانت والدة براد تمضي فترة الصباح على سطحية الجناح الشمالي تنعمبالهدوء وتستمتع بأشعة الشمس . وكان على ليزا أن تحضر لها القهوة و البسكويت فيالساعة الحادية عشرة ، وتجلس معها تتحدثان . كانت أليسيا تحب الحديث عن ابنها ،عندما كان طفلاً و صبياً و كيف انه أصبح شبيهاً بأبيه ، وقالت ذات مرة : [ كاناصديقين ، يفهم أحدهما الآخر . هكذا يجب أن تكون الأمور بين الأب والابن ن لكن هذانادراً ما يحدث . و عندما قتل ماليو كانت صدمة براد أكبر من صدمتي نوعا ما . ومع أنالزمن يداوي الأحزان فإني أحياناً أعتقد ان جرحه ما زال حتى الآن ينزف كما كانعندما جاءت الشرطة لتبلغنا عن بالحادث . أما الآن وقد حصل عليك فقد يبدأ احساسهبالضياع يتلاشى، الانسان يحتاج الى من يستطيع أن يفتح له قلبه .].. وردت ليزاوهي تبتلع ريقها و تتساءل عما ستقوله إليسيا لو عرفت مدى ثقة براد فيها لدرجة أنهلم يخبرها حتى بالطريقة التي مات بها أبوه : [ كنت أنت موجودة طوال هذه السنوات ]. [ يا عزيزتي ، إن براد مثل كل الأولاد كف عن أن يثق بي منذ أن بلغ إلى سنالمراهقة . ان موقف الصبي من أمه يتغرض لتغيير عندما يصل الى البلوغ فيحس اتجاههابالحب و الاحترام لو كانت تستحقهما ، لكن افاقه تتسع و يبدأ في إدراك أن المرأةيمكن أن تكون أكثر من مجرد ملاذ في المحن وصوت مطمئن في الليل ، وعندئذ على الأم أنتدرك أن عليها ان تسمح للصبي بأن يغدو رجلاً .] وتنهدت إليسيا ثم استطردت قائلة : [ إنه وقت صعب ذلك الذي تواجهين فيه حقيقة أنه ينبغي عليك في يوم ما أن تتخليعن كل الحقوق السابقة من أجل الحصول على مودته و إهتمامه ، لكن الانسان يقبل ذلكتدريجياً باعتباره أمراً محتماً ، ويضع كل أمله في أن المرأة التي سيتزوجها ستكونبارة و متفهمة بقدر كاف لتتخلي عن ذلك الركن الذي لا يخصها من قلبه ] وابتسمت وأضافت : [ وفي حالتي لا أعتقد أن مثل هذا الأمل خاب . أنت مستاءة مني يا ليزاأليس كذلك ؟] لم تكن ليزا قادرة على أن تتذكر ما قالته كرد على هذا السؤال ،برغم أنها متأكدة من أنها أعطت الرد السليم ، لأن أليسيا ربتت على يدها . لقد كانتاللحظات قاسية بالنسبة اليها ، لأنها كانت تدرك أنه لم يكن لها مكان في قلب برادلتطالب به . لقد فرض ارادته وجعل زواجهما حقيقة لكنه لم يحبها . لكن ماذا سيحدثعندما تخبو رغبته ، كما لابد ان يحدث ذات يوم ؟ هل سيدعها تذهب ؟ أم سيتوقع منها أنتبقى باعتبارها سيدة فارلي حفاظا على سمعة الأسرة في حين يزداد عدم مبالاته بهاكامرأة ؟ إن الأمر الأخير سيكون أقسى من أي شيء آخر. و أخذ الصيف يتراجع ببطء فيالريف المحيط بفارلي . و اكتست مناطق المستنقعات البرية التي تجاور المنزل بلونارجواني بهيج لكثرة الزهور و الورود و بدأت الطيور تتجمع معاً لتهاجر إلى أماكنأكثر دفئاً . و لم يكن للوقت اهمية كبيرة لدى ليزا . واعتادت أن تقبل بينهما وبينبراد . لم يكن الأمر سهلاً . وكان فتور شعورها يثير حنقة بحيث يبدو في بعض الأحيانوكأنه يريد أن يقبض على كتفيها ويهزها بعنف . وفي احدى المناسبات هتف بها : [ متى ستكبرين ؟ متى ستكفين عن خداع نفسك ؟] فأجابت : [ لا أعرف ماتقصده ] فضحك بسخرية وهو يقول : [ نعم إنكتفعلين ذلك . أنت تعرفين ما أعنيه على وجه الدقة ] وتوقف عند هذا وهو يراقباللون اللذي يتصاعد غلى خديها ، وأضاف قائلاً : [ كلا ، ياحلوة ، أنك تريدين أنتبقي معي بقدر ما أريدك ، لكن تلك الكبرياء الحمقاء لا تدعك تعترفين بهذا .] وتحولت ليزا عنه ، فلم تعد قادرة على أن تتحمل المزيد من تحديقه الساخر فيها، كذلك كانت تخشى أن يضمها كما فعل من لحظة مضت ، وفي هذه المرة ستضطر الى أنتستجيب ، وتساءلت عما كانت ستفعله في فارلي طوال تلك الاسابيع ليخفف عنها وطأةالتوتر ، فالجو كله في الكوخ مختلفاً ، جو مريح ، سلمي ، هادئ ، وكان ليوك يبدودوما مستجيبا لحالتها المزاجية ، وكان عادة يأخذ في الرسم ، في حين تجلس هي في أحدالمقاعد تراقبه ، ونادرا ما يتبادلان كلمة طوال الوقت الذي تقطيه عنده . وعندماجاءت اليه ذات أصبل من الباب الخلفي لمنزله ، في الوقت الذي كان يضع اللمساتالأخيرة في لوحة عن مستنقعات كرافن ، قال لها : [ تبدين شاحبة . إنك تبذلين جهداكبيرا في المنزل .] وتركزت عيناها على التلال البعيدة ، وهي تقول : [ الواقعإني لا أفعل سوى القليل . وأود لو كان هناك المزيد لأعمله . العمل يساعد على قتلالوقت .] [ تريدن قتل الوقت في سنك هذه ؟ إن الشباب عادة يشكون من ضيق الوقتوعدم كفايته .] فتباطأت كلماتها وهي تقول : [ الجيل الذي تتحدث عنه يا ليوكليس جيلي أنا في مرحلة وسط .. تجاوزت سن المراهقة ، مع ذلك أكون أحيانا حائرة كأننيفي السابعة عشرة .] [ هل تعنين أنك لم تجدي نفسك بعد ؟ إن البعض لا يجد نفسهأبدا يا ليزا . النضج لا يرتبط بعدد السنين ، ونادرا مايكون فهم الانسان لإعماقهأمرا ميسورا .] كانت تجلس على العشب ، تهز ركبتيها بذراعيها كطفل ، وعيناهاالمفعمتان حيوية مركزتان على وجهه . [ هل وجدت سعادتك يا ليوك ؟] بقى فترةصامتة قبل أن يجيب : [ السعادة . إنها تعني أشياء متانية لدى الناس . قد يكونالكاتب براون اقترب من السر عندما قال : إن المشكلة المشتركة ، مشكلتك و مشكلتي ،مشكلة أي شخص هي كيف تتجنب التباكي على ما كان يعد وضعا أمثل ، و أن نتوصل الى مايمكن أن يتحقق ثم نجد الطريقة لجعله وضعاً أمثل بالوسائل المتاحة لنا . وهكذايصل الانسان الى الوفاق مع نفسه ، ويقبل ما لايمكن أن يتغير و أن يستفيد منه علىخير وجه . وأنا لدي رسومي وقد كيفت نفسي مع الحياة التي أعيشها .] قالت له :[ لكنك مكتف ذاتيا ، ولا تحتاج الى أحد ؟] [ هذا ما قالته لي زوجتي مرة . وهو ليسصحيحا طبعا . فليس هناك إنسان مكتف ذاتيا في صورة كاملة .] ورفعت رأسها وحدقتفيه وهي تقول : [ لم أكن أعرف أنك متزوج .] [ لست متزوجا الآن .] [ ماذاحدث ؟] [ قالت لي أنه علي ان اختار بين الرسم و بينها . وكانت حاجتي الى الرسمأكبر من حاجتي اليها . كان الأمر بسيطاً على هذا النحو .] [ الم يكن في الإمكانالوصول الى حل وسط ؟] [ لم تكن إيلين تريد حلا وسطا كانت تريدني بشروطها كاملةوإلا فلا .] وابتسم و الارهاق باد عليه و أضاف : [ لايمكن أن نلومها . إنهالم تمارس حياتها خلال السنوات الست لزواجنا ، فقد كانت تعيش في الفندق و لم تتفق معامي ، كما كانت تقضي أشهر الشتاء الطويلة فيما يشبه الحبس الانفرادي لأني كنتمستغرقا في عالم لم تستطع ولم تشأ أن تشارك فيه . وعندما قلت أني سأبيع الفندق بعدموت أمي ، أعتقد انها تصورت أننا سنبدأ بداية جديدة . إنها لم تستطع أن تفهم أن هذاالتدفق المفاجئ للنقود في يدي لم يغير شيئاً مما كنته أو مما أردت أن اكونه . ثمانفصلنا ، وتم الطلاق بيننا ، وكان ذلك هو الحل الوحيد . إن الغلطة التي ارتكبتهاهي أنها تزوجتني أصلا .] [ لأنك لم تكن تحبها ؟] [ كلا ، بل لأنها لم تحبنيعلى نحو كاف لبذل الجهد للتقريب بيننا .] [ لكن ليس هذا عدلاً ، فالزواج قضيةمشتركة ومن المؤكد أن الجهد يجب أن يأتي من الطرفين .] وكانت ابتسامة ليوك جافةوهو يقول : [ إن الزواج يا طفلتي هو اختراع نسائي ومسؤولية إنجاحه تقع على عاتق المرأة . اذ كنت ترين هذا عدلا . فهو كذلك فعلا . لكنذلك هو نظام الرجل ، ونحن جنس إنساني في مجموعنا . إن الحب بالنسبة للنساء هو كلشيء ، لكنه جانب فحسب من حياة الرجل . وعندما تتعلم المرأة أن تقبل هذا فأنها تكونعندئذ فقط في طريقها الى النضج .] ثم غير الموضوع فجأة بقوله : [ هل يمكن انتتركيني لأرسم ؟] [ هل تريد ذلك حقاُ ؟] [ توقفت عن مغازلة النساء منذوقتطويل ، إن افتقارك الى الخيلاء أمر رائع يا ليزا .] [ لماذا انا على وجه التحديد؟] [ لأن لك ميزة معينة أود أن أسجلها على لوحة قدر استطاعتي .] ثم نظر إلىساعته وقال : [ تجاوزت الساعة الثالثة بقليل ، هل يمكن أن نبدأ الآن ؟] [ لوأردت . اذا شئت .] [ لنبدأ .] ورفع ليوك اللوحة التي لم تتم من على الحامل وقال : [ سأحمل هذه اللوحة الى الداخل لتجف و أحضر ماأحتاج اليه ، ويمكن أن ننقلكل الأدوات الى ضفة النهر .] وبعد عشر دقائق كانا في الموضع الذي أراده حيث كانتشجرتا صفصاف تسدلان فروعها في الماء ، وجعلها تقف في مكان تزداد فيه كثافة أوراقهماو الفروع تمتد من حولها ورأسها مرفوع ينظر الى اليد التي تمسك بفرع صغير :[ أمسكيههكذا .] ومن الحامل الذي اقامه على بعد أقدام قليلة منها أخذ يتأملها لبرهةوجيزة ثم أومأ الرضى وتناول فرشاته و قال : [ إن الضوء ملائم تماماً لما أريده . سنكرر هذا الموعد نفسه من كل يوم .] [ لست متأكدة ما إذا كنت أستطيع أن أرتب هذا .] خشيت أن يثير غيابها المتكرر في الموعد نفسه من كل يوم تعليقا من أليسيا أومن بوني أمام براد وفي حضوره ، الأمر الذي يفتح الباب أمام مشاكل لاتعد ولا تحصى ،هي في غنى عنها خاصة أنها لم تحدثه عن لقائها مع ليوك . قال لها ليوك بلهجةحازمة : [ عليك أن تفعلي هذا ، فهذا شيء لا أستطيع أن اؤجله ثم أستأنفه على هواكوحسب رغباتك . حركت رأسك ، ابقيها في مكانها بلا حراك .] وخلال نصف الساعةالتالي اكتشفت ليزا حقيقة جديدة هي أن ليوك الفنان يختلف تماما وبصورة جذرية عنليوك الانسان . تبددت لهجة الود التي كان يكلمها بها ، كذلك تلاشت ابتسامة التفهمالتي كان يتميز بها و التي أ‘جبتها كثيراً ، اذ كان يزمجر صائحاً وموبخاً لو تجرأتعلى التحرك وفرض عليها الصمت و السكون عندما حاولت أن تتحدث وتثرثر وهو يرسمها . وشعرت بالسرور و الفرحة الى أقصى حد عندما أستدارت الشمس عن مكانها بدرجةجعلته يقرر وهو كاره أن ماتم يكفي لهذا اليوم ، وجلست على العشب منهكة وهي تزفربارتياح واسترخاء ، وتحرك قدميها اللتين أصابهما الخدر من طول وقوفها حتى باتتلاتحس بهما وبعد أن استراحت قليلا قالت : [ انا اشعر بالامتنان والشكر لله أنيلست نموذجاً للفنانين لكل وقت ، كيف يتحملن كل هذا العنت والارهاق ؟] وانفجرليوك ضاحكاً وقد استعاد حالته الطبيعية بعد أن انتهى من دوره كفنان وقال لها : [ آسف تماما اذ كنت فظاً نوعاً ما معك لكن أرجو أن تقدري موقفي ، فكم يكون مرهقاًومثيراً للآعصاب أن ترفعي عينيك من على اللوحة لتفاجئي بأن الزاوية التي ترسمينمنها تغيرت كلية .] وبدأ يجمع حاجاته بتمهل ويرتبها بعناية ثم قال : [ ستجدينان الأمر أسهل لك لو ركزت تفكيرك أثناء وقوفك أمامي في شيء آخر واستغرقت فيه .] [ مثل ماذا ؟] [ أ] شيء تحبينه وتفضلينه ويستهويك التفكير فيه لأنه يبعثفيك سعادة وحيوية . وبهذه المناسبة كيف يمضي العمل في المنزل ؟ هل يسير على مايراموفق خططكم وتصوراتكم ؟] وأجابت في حماسة بدت واضحة في صوتها الذي اكتسب حيوية : [ يسير سيراً حسناً للغاية . أوشك العمل في الجناح الجنوبي أن يكتمل ، وممايثير الاهتمام والاندهاش أن تعرف ان فارلي سيصمد لمدة قرنين آرين من الزمان علىالأقل .] [لابد من الحرص على القيم القديمة في هذا العالم المتغير دوماً على أنيصحب هذا القيام بعملية تنسيق ناجحة ومستمرة بين القديم و الجديد .] وصمت ليوك لبرهة ثم أضاف : [ الواقع أني أرى براد محظوظاً للغاية .] ونظرت اليه نظرة سريعة وهي تسأله باهتمام ولهفة [ لماذا؟] [لأن زوجة تشاركه اهتماماته وتتفهم مواقفه ودوافعه وتقدرها .] وطوى الحامل وهو ينظر اليها ويقول : [ حان وقت تناول الشاي . هل نعود الى المنزل لنتناول البعض منه ؟] وهزت ليزا رأسها وهي تقف وتنفض ثوبها مما علق به من حشائش ثم قالت : [ من الأفضل ان اعود الى المنزل فأنا عادة أتناول الشاي مع والدة براد في غرفتها . وستتساءل اين أنا إن لم أذهب اليها . وأنا لا أحب ان أتأخر عن موعدي معها فهي سيدة لطيفة ومحبوبة و الجلسة معها ممتعة .] [ تستطيعين إخبارها أين كنت عندما تعودين .] [ كلا فقد تساورها الظنون .] وعندئذ رأت حاجبيه يرتفعان تعبيرا عن الدهشة فتلعثمت وأضافت : [ أنا .. أنا أقصد ...] وأصبحت نظراته فجأة حادة على نحو غير متوقع وهو يقول لها : [ اعتقد أنك تقصدين انك لم تخبري براد أو أي شخص آخر بأنك تعرفينني. لماذا فعلت ذلك وماهو سبب إخفاء زيارتك لي ؟] وارتبكت وأحست بالحيرة والاضطراب وهي تقول مغمغمة : [ لا أعرف ، افترضت أن هذا الأمر غير مهم وأنه ليس علي أن أحدثه عن هذه الزيارات .] وبدت رنة الشك واضحة في صوته وهو يقول : [ إنها لم تكن زيارة فقد اعتدت ان تجيئي الى هنا مرتين او ثلاث مرات في كل أسبوع خلال الشهرين الماضيين . هل أنت خائفة من زوجك يا ليزا ؟ هل تخشينه إلى هذا الحد ؟] واستدارت بعيداً هاربة عن نظراته ، وبدت عضلات خديها متوترة وهي تقول : [ سؤال سخيف . هل كنت أتزوجه لو أني أخافه ؟] وتمهل بعض الوقت ثم قال : [ ذلك يتوقف على أمور كثيرة . ففي بعض الاحيان قد تضطر الظروف شخصاً الى القيام بأعمال لا يرغب فيها . ربما اجبرك بوسيلة ما لم تستطيعي التهرب منها . ربما تزوجته من أجل المال ؟] [ ماذا تقصد بهذا ؟ ما معنى كلامك ؟ في الحقيقة لم أستوعب تماماً ما فعلته.] [ قلت ببساطة أنك ببساطة تبالغين فيما تتوقعين الحصول عليه من براد كزوج .] وفكرت ليزا في أن كلامه هذا حقيقي وصادقولايخالف الواقع في شيء لكنها لم تستطع ان تمنع نفسها من التساؤل عن عدد الناسالذين يعانون من مثل هذه التقلبات والاهتزازات التي تتعرض هي لها والتي تعاني منهامنذ زواجها من براد الذي لم يمض عليه وقت طويل حقاً ؟ هل ستتصرف أية امرأة أخرىبطريقة مختلفة عما تصرفت هي أراء هذا الوضع الذي وجدت نفسها فيه بعد زواجها ؟وتنهدت وقالت لليوك : [ سأراك غداً ؟ في الموعد نفسه كما اتفقنا .] ولم يحاولاعتراضها وهي تمضي في طريقها مبتعدة عنه . في الساعة الخامسة من بعد ظهر ذلكاليوم أتصل براد هاتفياص ليقول لها انه لن يعود إلى المنزل لتناول العشاء وأنهسيستمر في العمل في المكتب حتى وقت متأخر لإنجاز بعض الاعمال الضرورية الطارئة التيلا تحتمل تأجيلا أو تأخيراً . وتساءلت ليزا وهي تحس بانهيار لا حدود له عما إذا كانهذا التأخير عن العودة للمنزل سيستمر الى ما لانهاية وسألت : [ متى ستعود لأخبربوني بان تبقي لك الطعام ساخناً ؟] [ لا تشغلي بالك . سأكل في المدينة .] وسكتبرهة ثم سأل : [ هل كل شيء على ما يرام ؟] [ هل كل شيء رائع . انتهى الرجالمن العمل لهذا اليوم . وليست هناك أية مشاكل على الاطلاق ، والامور تسير سيراًحسناً .] [ الى اللقاء يا ليزا .] بعد الصخب والضجيج خلال النهار جاء المساءبصمته الرهيب وسكونه الذي كاد ان يصبح شيئاً ملموساً . وفي الساعة التاسعة تمنتليزا ليلة سعيدة لأليسيا ومضت في طريقها عبر الدهليز المفضي الى الممر الموصل الىغرفة نومها واستراحت أعلى السلم نصف الوقت . وفكرت في أن الوقت لايزال مبكراً علىالنوم ، وربما كان الكتاب عونا على تمضية الوقت حتى يداعب النوم جفنيها . وعندمانزلت من جديد الى الردهة اعترفت بانها تفتقد صحبة براد عندما يكون في الخارج فيالمساء وهي وحيدة في المنزل ن انها تحس بالإطمئنان و الراحة في رفقته برغم كل شيء . فهما عادة يجدان الكثير من المواضيع يطرقانها ، والحديث بينهما دوماً لا يتعثر ولايتوقف . وعندا وصلت الى أسفل السلم رن جرس الهاتف عالياً مدوياص ، ربما كان برادهو الذي يتصل ليقول لها أنه في طريق عودته إلى المنزل ، ومضت من فورها وهي تسرعالخطى الى المنضدة التي تحمل الهاتف ورفعت السماعة وقالت : [ هالو .] وردعليها صوت مألوف لديها يقول : [ هل يمكن أن أكلم براد يا ليزا من فضلك؟] وتذكرت على الفور صاحب الصوت وقالت له : [ إنه ليس في البيت يا شارل ، مناين تتكلم ؟] [ من المكتب ، هل لديك أي فكرة عن المكان الذي يمكن أن يكون قد ذهبإليه ؟] وسألت ليزا بحرص : [ متى غادر المكتب ؟] [ في السابعة ، خرجنامعاً . ورجعت أنا منذ دقائق مضت لأراجع شيئاً ما . وظننت أنه لابد أن يكون الآن قدعاد الى المنزل .] [ قال أنه سيتناول طعامه في المدينة . أتوقع عودته في أي وقت . هل أطلب منه أن يتصل بك عند عودته ؟] [ سأبقى هنا ربع ساعة وبعد ذلك سأذهب إلىالمنزل . ومن الضروري أن أحدثه الليلة . أرجو أن تطلبي إلى ان يتصل بي فور عودتهغلى المنزل.] [ ساتأكد تماماً من أنه سيتلقى رسالتك فور عودته إلى البيت ،وسأخطره بأهمية اتصاله بك الليلة . كيف حال هيلين ؟ أرجو أن تكون على أحسن حال .] [ إنها مليئة بالحيوية و النشاط . قالت لي الليلة الماضية أنه سيكون من الأفضللنا جميعاً ان نلتقي مرة ثانية .] [ حالما ينتهي العمل في الجناح الجنوبي فلابدأن تأتوا لزيارتنا .] عندما وضعت السماعة كانت ساعة الردهة تدق معلنة التساعة والربع . وظلت واقفة حيث هي مدة طويلة تحدق في جهاز الهاتف . قالت لنفسها أنها كانتتستطيع ان تقول لشارل اين يمكنه أن يجد براد . من الواضح تماماً أنه ذهب لرؤيةفيليسيا فهو لاشك يراها باستمرار ، وهو على وجه التحديد لم يكن يتصور أن شارل سيتصلبه في المنزل بعد افتراقهما ويسبب له الاحراج . وشعرت بأنها تكاد تبلغ اقسىدرجات التعاسة
0- السر !
كانت عقارب الساعة تشير الىالعاشرة والربع عندما سمعت ليزا صوت سيارة آتيه ثم توقفت امام المنزل ، وظلت ليزاجالسه حيث كانت على المقعد الوثير ذي المساند والظهر المرتفع قرب النافذه . واخذتتسمع وقع خطوات براد وهو عائد الى المنزل بعد ان وضع السياره في الكاراج ثم مالبثتان سمعت صوت صرير الباب وهو يغلق خلفه فادركت انه دخلالى المنزل. وبعد ذلك بخمسدقائق راته يفتح باب غرفة النوم ويقف على العتبه وينظر الى حيث جلست في ضوء القمر . [ ماذا تفعلين وانت جالسه هكذا في الظلام ؟ هل نمت ثم استيقظت ؟] ومد يدهواضاء المصباح الموجود على منضده في جوار مدخل الغرفه مباشره . فردت ليزا بهدوء وهيتنظر اليه : [ كلا لم انم ، بل كنت جالسه افكر ] وهبت واقفة واتجهت الى طاولةالزينه وجلست امام المرآه وتناولت فرشاه وبدات ترتب شعرها المنسدل على كتفيها . واستطاعت ان ترى في المرآه براد وهو واقف في مكانه يحدق فيها .قالت له بصوت رقيقناعم : [ لابد انك متعب فلقد كان اليوم طويلاٍ] [نعم لقد كان كذلكفعلا] تقدم اليها وترك الباب ينغلق خلفه ثم مالبث ان قال وهو ينظر اليها : [لكن هناك تعويض عن هذا التعب يخفف عن الانسان الارهاق الذي لاقاه ] [ اتصلبك شارل هاتفيا ، وهو يريدك ان تتصل به الليله من كل بد ] [ الم يقل لك من اجلماذا يريدني ان اتصل به ؟] [ كلا ، لم يقل على الاطلاق . اصر على ان تتصل بهالليله ] [ اعتقد انه من الافضل ان اذهب وارى ما يريد ، لابد من وصل خط داخليالى هذه الغرفه حتى يمكن الحديث منها دون حاجه الى الذهاب الى مكان اخر] واستدارعلى عقبيه ومضى متجها الى باب غرفة النوم لم وضع يده على مقبضه ووقف واستدار ببطءلينظر اليها ويقول : [ لو ان شارلي اتصل هاتفيا فلابد انه قال لك اني غادرتالمكتب في الساعه السابعه ] واختلجت الفرشاة في يدها وردت :[نعم اخبرني بذلكفعلا] عندئد قفل براد راجعا عبر الغرفه وجذبها بذراعيه وجعلها تستدير وهي جالسهعلى الكرسي الدوار لتواجهه ولتنظر في وجهه مباشرة وهو يقول : [ مالذي كنتتحاولين ان تتصيديه من كلامي ؟ اين تعتقدين اني ذهبت منذ ان تركت المكتب الساعهالسابعه؟] [ واضح تماما اين كنت ، اليس كذلك؟ ] وتامل وجهها المتورد مليالبرهه طويله ثم سالها ساخرا : [ كنت مع فيليسيا ، هل تعتقد اني بلهاء يابراد ،واني لا اعرف ماذا يدور بينكما ؟ سمعت حديثك اليها في الهاتف في تلك الليله التيذهبنا فيها عند هيلين وشارل ومن ثم فلا تتعب نفسك في محاولة فاشلة للانكار] لكنبراد لم يحاول ابدا الانكار . كان ينظر اليها في دهشة وفجأة ارتسمت ابتسامة بطيئةعلى وجهه حتى غطته كله وسألها ساخرا: [ هل انت غيورة بالفعل ام انك تتصنعينالغيرة؟ ] [ انا اكرهك ] وضحك وهو يرفع وجهها اليه ونظر في عينيها مباشرةويقول : [ مازلت احيا حتى الان برغم تهديدك بكرهك لي] واتجه نحو السرير وهويقول : [ سيكون على شارل ان ينتظر ] استقيظت ليزا على انوار الصباح الاولى . واستلقت ساكنه وعينياها تتجهان الى الوجه نصف المدفون في الوساده الى جوارها . كانتالملامح القويه تبدو اكثر شبابا اثناء النوم بل تبدو كملامح فتى والخط المتصلب القاسي لفمهاخلى مكانه لطيف ابتسامه كما لو كان يرى احلاما سعيده ساره . واخذت تستعيد ماجرىالليله الماضية وتذكرت انه حتى لم يرد على اتهامها له بانه كان مع فليسيا . بل لميغضب لذلك اصلا , الامر الذي يؤكد من انه مذنب . وشعرت بالالم يجتاح جوانبها فقداصبح هناك فارق الان . ذلك انها ادركت كم تحبه . لقد تاكدت من ذلك في تلك الساعهالتي امضتها في انتظاره الليله الماضيه, نعم انها تحبه بكل جوارها بغض النظر عن ايشيء,كيف يمكن ان تتحمل هذا وان تستمر في حيتها هنا ؟ لو انها تجد وسيله للتخلص منتاثير ذلك الرجل الذي اصبح يعني الكثير بالنسبه اليها , في حين انها لا تعني شيئابالنسبه اليه . هذا ليس صحيحا تماما فهي لها بعض السيطره عليه . وربما لو لم تكنفيليسيا موجوده لتقبلت هذا الوضع وارتضته ، على اما ان ياتي المستقبل بمشاعر اكثرعمقا . لكن ان تشارك امرأة اخرى فيه ، ابد . هناك حدود لما يمكن ان يفرضه الحب . وعادت الى النوم لكن في اغفاءات قصيرة متقطعه عند كل حركه من براد وعندما دقتالساعه السابعه لم تستطع ان تبقى في مكانها ، فتسللت بحرص ونزلت من السرير فلا يزاللديها نصف ساعه قبل ان يوقظه المنبه. ولكنها تذكرت وهي تمضي الى الحمام ان اليوم هويوم السبت . وبراد لن يذهب الى المكتب. نسيت ذلك تماما عندما قالت لليوك انها ستراهاليوم. لكن كيف تبلغ ليوك بذلك ؟ فليس من العدل ان تتركه ينتظرها في الكوخ في حينانه يستطيع ان يستغل وقته في اشيئا اخرى . ونظرت الى السرير ثانيه كان براد لايزال نائما في استغراق كامل. لو اسرعت لوصلت الى الكوخ وعادت قبل ان يستيقظ . وعضتليزا شفتيها فجأة . ان لمقابلاتها مع ليوك طابع السريه مما يشعرك بالاثم . بالطبعهناك اختياران امامها لتشعر بالراحه , فاما ان تخبر براد بصداقتها مع ذلك المستاجرلديه او بدلا عن ذلك تتوقف عن الذهاب الى الكوخ . ولم يكن اي الخيارين يستهويها،فقد اصبح الوقت متاخر كثيرا بالنسبه للاختيار الاول مالم تتوصل الى عذر مناسب لعدمذكرها لذلك من قبل. اما التوقف عن زيارة الكوخ فغير ممكن لانها تعول كثير علىصداقتها لليوك . انه ملاذها الوحيد ، كلا ، لابد ان تستمر الامور على ماهي عليه فيالوقت الحاضر . فليس اي مجال لتغيير لاتحمد عقباه . كان المنزل لايزال غارقا فيصمت مطبق عندما غادرته بعد ان ارتدت قميصا وسروالا وسترة خفيفه تقيها برودة الصباح . كانت السماء مكسوة بتلك الزرقه الضبابيه التي تنبئ بان اليوم سيكون لطيفا . وكانتالشمس وصلت فعلا الى اعلى الاشجار . واستغرق وصولها الى الكوخ عشر دقائق . لمتكن هناك اي بادرة على وجود حياة فيه. ويبدو انه حتى في الليل لايهتم ليوك بان يغلقالباب الخارجي لانه انفتح بمجرد لمسة عندما ضغطت عليه . ووقفت مترددة على عتبةالباب وعيناها تجولان فيما حوته الغرفه . كانت هناك صينيه تضم بقايا عشاء الليلهالسابقه موضوعه على المائده . كان من الواضح ان ليوك لم يستيقظ بعد . ماذا تفعلالان ؟ وفكرت في ترك رسالة . لابد ان تترك له رسالة. كانت اللوحه الموجودهعلى الحامل اسفل النافذة مغطاة . وشعرت ليزا باغراء قوي بان تنتهز هذه الفرصة وتلقينظرة خاطفة على صورتها التي بدا رسمها امس . لكنها قاومت هذه الرغبه وبدلا من ذلكقطعت ورقه من كراسة للرسم وجدتها على الكرسي مجاور والتقطت اصبع طباشير ملون كانملقى على مائدة قريبه . وكتبت : آسفة , الصورة يجب ان تنتظر حتى يوم الاثنين ثماضافت اسمها وطوت الورقه ووضعتها في مكان بارز ليراها ليوك عند استيقاظه . ثم انسلتخارجة من الكوخ . وعندما عادت الى غرفة النوم كان صوت الماء ينساب فياضا من الدش. وتلقائيا ذهبت الى السرير حيث رتبت اغطيته ووسائده ثم اتجهت لتفتح الستائر . كانتالنافذه الرئيسيه الكبيره تطل على الطريق ، ووقفت ليزا لفترة تطل خارجا واماراتالقلق باديه على وجهها وسمعت صوت براد من خلال الغرفه يسألها : [ هل استمتعتبالمشي صباحا ؟] واستدارت اليه ببطء لتواجههوجاءها صوت من اعماقها يهبب بها ان تطلعه على كل ما يتعلق بلقاءاتها مع ليوك والاتخفي عن شيئا. لن يعترض على هذا . ولماذ يعترض؟ [ كيف عرف اني كنت اتمشى ؟] [ رايتك عائدة سيرا على القدمين ] ومشى متمهلا الى الطاولة الزينه واخرج سيكارة منعلبته ثم وضعها بين شفتيه واشعل الولاعه باليد الاخرى الفارغه . سحب نفسا عميقا منالسيكارة من بين اسنانه ثم اسقط الولاعه في جيب بنطلونه وهو يحس باستمتاع . عكستهملامحه واضاف : [كنت تبدين مسرعه . هل يمكن ان ارضي غروري واقول انك كنتتستعجلين العوده الي ؟] [ يمكنك ان تفرض ذلك اذا شئت ] [ بالطبع اريد . لماذا لا تجيئين الي وتقولين صباح الخير] وادركت انها ان لم تذهب فسياتي اليهاويجعلها تفعل ذلك . تاكدت من ذلك بوضوح في لهجته . وابتلعت ريقها بصعوبه ثم مضتاليه ووضعت يديها على كتفيه وضغطت شفتيها على خده وسالته : [ هل يكفي هذا؟ ] ولاحظت الابتسامه الساخرة القاسيه التي تكرهها كثيرا ترتسم على شفتيه وقال : [ انه يكفي برغم انك كنت اقل اجحافا في الليله الماضيه اذ كنت منطلقه علىسجيتك بلا تحفظ!] وضحك عندما راى خديها يتوردان بحمرة الخجل وراسها ينخفض فياستحياء وقال: [ لماذا الخجل ؟ اننا متزوجان ] واستدارت ليزا مبتعدة عنه فيارتباك واضح , واخذ يراقبها برهة حتى قالت له : [ طلبت من بوني ان تعد طعام الفطورمبكرا حتى تفرغ لرؤية جون جيفري فور وصوله. هناك اشياء قليلة يود ان يناقشها معك ] وصل جون جيفري وامضى هو وبراد الجزء الاكبر من الصباح يناقشان معا خطط العملفي الاسبوع المقبل . ولم تدع ليزا للاشتراك معهما في هذه المناقشات المطولةوالمعقدة والتي غلبت عليها الجوانب الفنيه . واخذت تتجول دون ان يقر لها قرار حولالمنزل بعض الوقت, ثم انضمت الى اليسيا في جلستها المفضله كل يوم على سطحية المنزلفي ضوء الشمس . وبعد قليل قالت لها حماتها بلهجة ملؤها المودة والاعزاز وهي تنظراليها في امعان: [ تستطيعين ترك الامر كله لبراد اليوم . ومن الافضل لك الحصولعلى راحة من القلق والانشغال بشؤنالمنزل على ذلك النحو المرهق الذي تعودته فيالاونه الاخيرة] [ لست قلقة فانا احب ان اشارك في العمل انه يعطيني احساسابالانتماء وهذا يسعدني كثيرا . فليس هناك ادعى الى السرور في احساس المرء بانهينتمي الى شيء ما ] وساد الصمت بينهما لفترة وجيزة وبعدئد قالت اليسيا في هدوء: [ الايوفر لك كونك زوجة لبراد هذا الاحساس بالانتما الذي تنشدين؟] [ الامرمختلف فاسرة نورتون عاشت هنا في فارلي لمدة تزيد على خمسمائة عام , وبراد جزء لايتجزا من هذا التاريخ . وهو يحب هذا المنزل بكل كيانه ومشاعره ] [ انت وجدت نفسكايضا تشعرين بمثل هذا الحب للمكان ومن ثم حرصت على المشاركة . حسنا, انت اسعد حظامن البعض ياعزيزتي , ذلك انك تستطيعين الوصول الى ذلك الجزء من قلبه . لقد كان هناكجانب في والده لم استطع ان افهمه , ربما لانني لم اشأ ان احاول ذلك ان مانيو كانمستعدا للذهاب الى اي مكان وافشال اية خطط يمكن ان تضعها من اجل عمله . فالانسانالعادي يكتفي بمسئولياته عن اسرته وعن عمله خاصة اذا كان قاضيا مثل مانيو , لكنه لميكن يكتفي بذلك . فكل الناس الذين حاكمهم اصبحوا موضع اهتمامه الدائم . كان يلاحقمصير الرجال الذين يرسلهم الى السجن , ويرتب وظائف لهم عند الافراج عنهم , ولايشعربالندم ابدا عندما كانت هناك غالبيه تقابل عمله وجهده بعدم العرفان وتعود الىاسلوبها القديم في الحياه خلال اسابيع قليله . اعتقد انه يمكن ان نسميه الجلالانسان لكني لم استطع ابدا ان افهم لماذا يجب علي ان اعاني من اجل احتياجات اولئكالذين لم يكونوا ابدا يستحقون مساعدته .] ونظرت الى الاعلى والتقت نظراتهابنظرات ليزا واضافت مستطردة: [ لا ترتكبي نفس الخطا الذي ارتكبته انا ياليزا . هناكاعماق في الانسان لن تصل اليها اي امرأة والمرأة الحكيمه ستقبل هذا وتنعم لاقصى حدبما لديها فعلا] وتساءلت ليزا كيف يكون حال المرأة التي ليس لديها شيء اصلا , ماذاسيحدث لها ؟وبعد قليل بدا النعاس يغالب اليسيا وانسلت عائده الى البيت .وفكرتليزا في انه لابد ان يكون هناك شيء ما تفعله لتمضية الوقت الذي مازال طويلا امامها . لم يكن هنا اثر لبراد او جيفري . وقد اخبرها احد الكهربائيين انهما في الطابقالاعلى من المنزل . ودخلت ليزا الى المكتب والقت نظرة اخرى على الخطط ولاحظت بكلالرضا كمية العمل التي تحققت فعلا , وادركت انه اذا حالفهم الحظ فيمكن الانتهاء قبلان يبدأ الطقس السيء باعتبار ان ذلك كفيل بتجنب كثير من المتاعب. وعندما اخدتتتامل تخطيط الطابق الارضي وجدت نفسها تتسلى بجميع المقاسات الداخليه التي وضعهابراد بالنسبه لكل غرفه. وتجهمت فجاة فقد كان الامر غريبا. لابد انها اخطات فيالحساب ومن ثم اشرعت في الحساب من جديد , لكن المحاوله الثانيه اوصلتها الى النتيجهنفسها . واحست ليزا بحالة من الانفعال الشديد : هل يمكن ان يكون براد اخطا في ادراكالفرق بين المقاسات الداخليه و بين المقاسات الخارجيه بالنسبه للجناح الجنونبي ؟وحتى مع حساب سمك الجدران الخارجيه والقواطع بين الغرف فانه يبقى مايزيد عن اربعاقدام غير محسوبه. وظلت واقفه هناك تعصر ذهنها وتتامل بتمعن مختلف الغرف , وتتساءل اين تكمن هذه الاقدام الاربع الضائعه . ان الغرفة الجلوس مستبعدة على وجهالتحديد لان كل جدرانها تم تقشيرها من الجص القديم البالي حتى الشرائح الخشبيهالموجودة في اسفلها . اما غرفة الطعام فقد زودت بالواح وهناك احتمال ان يكون بعضمعالمها اختلط بغيره بحيث ان جزءا منها اضيف الى الممر الذي يفضي الى المكتب. ثمهناك المكتبه . كانت تعرف ان هذه تضررت على نحو سيء من جراء حريق نشب بها في اوائلالقرن السابع عشر ثم اعيد اصلاحها . وربما اعطيت تعليمات لهؤلاء العمال ان يتركواتجويفا تحسبا الى المستقبل. كانت المكتبه هي التاليه مباشرة لغرف المكتب , ربماهناك في وقت ما باب موصل بينهما , لكن الان لابد من الخروج من احداهما الى الصالهللدخول الى الاخرى . وقبل ان تفعل ذلك قامت ليزا بقياس تقريبي لعرض الحائط بين مدخلالممر ومدخل المكتبه , وفعلت الشيء نفسه داخل الغرفه رجوعا الى الحائط القاطع الذييفصل بينهما . وتاكدت من انه لم يكن هناك اي سماكه لايمكن تفسيرها. وحولتانتباهها الى الجدار الوحيد الاخر الذي يمكن ان يكون قد اقيم لاستخدامه في مثل هذاالغرض , وتجنبت النقش البارز المدهش والمعقد لجيبون واجرت عينا فاحصه حاسبه علىالمكتب التي تحيط بجانبي المدفاة. لو امكن تحريكها بعيدا عن الحائط لامكن فحص اشغالالخشب وراءها . وبعد ذلك بدقائق توصلت الى استنتاج مؤداه أنها مثبتة الى الكسوةالخشبية للحوائط من ظهرها . وأعطاها هذا فرصة للتفكير ، لكنه لم يبد اعتقادهاالراسخ بانه في مكان خلف هذه الجدران مساحة أربع أقدام ضائعة وكل ما عليها أن تفعلههو أن تجدها بأي وسيلة كلفها ذلك من جهد ووقت . وبدأت مرة اخرى في فحص خزائنالكتب ، وركزت هذه المرة على الطريقة التي جمعت بها معا ، وأخرجت الكتب منها لكيتستطيع أن تحدد الطريقة التي تم فيها تثبيتها إلى الحائط . ومن هنا مضت إلىالمساحات الموجودة بين الرفوف وأجرت أصابعها على حفافي الكسوة الخشبية للجدرانوأخذت تضغط على أي قطعة من أشغال الخشب تبدو أكثر لينا . ولكن كان عليها فينهاية المطاف أن تعترف بأنها ربما أخطأت . فلم تفض جهودها هذه الى شيء . بل لم يبدحتى ان هناك أي لم يبد حتى ان هناك أي تجويفمشجع عندما أخذت تدق على الكسوة الخشبية بمفاصل أصابعها . ومع ذلك فان الفارق فيالقياس لابد من أخذه في الحسبان في شكل أو في آخر . وتوقفت ليزا قليلا لتستريحوهي تحدق مفكرة في أحد المقاعد تاركة عينيها تنسابان على الجدار كله . كانت هناكأربع خزائن للكتب ، اثنتان على كل جانب من جانبي المدفأة وفوقها كانت الكسوةالخشبية متصلة تمتد حتى مستوى السقف . الكسوة متصلة . تلك هي العلامة التي كانتتبحثعنها ! لماذا ، في تلك الأيام التي كان فيها نقص حقيقي في الخشب ـ توضع الكسوةأصلا وراء الخزائن مادامت هذه الاخيرة تغطيها ولاتظهر منها شيئا . إن الخزائنكافية تماماً لتغطية الجدران ن فلماذا الكسوة الخشبية خلفها ، وما هو الغرض من ذلك؟ وبعد أن توصلت إلى شيء محدد تركز عليه جهدها وعملها عادت من جديد الى خزائنالكتب وشرعت مرة ثانية في البحث . وفي الخزائن الثانية من الشمال لاحظت شيئا جعلهاتشهق بصورة حادة . فقد لاحظت وجود شق بسمك الشعرة في المكان الذي تتصل فيه الخزائنبالحائ ، كان رقيقا للغاية بحيث لم يكن مرئياً للعين المجردة ما لم تكن لديها فكرةمسبقة عما تبحث عنه . وأدركت ليزا عندئذ أنه لا جدوى من محاولة نزع الرفرف إنماعليها أن تكتشفه هو الالية التي بمقتضاها يعمل هذا الباب المستتر . وأستغرقالأمر نصف ساعة حتى تتوصل الى ذلك الاكتشاف . ففي أسفل جانب كل خزانة كان هناك صفمن الزهور والاشكال المحفورة في نقش بارز . ومرت عليها بأصابع حساسة وضغطت علىالأخاديد الموجودة فيها ، منتظرة أن تشعر بالحركة التي تنبئ بالنجاح واخيراً وبعدطول جهد وجدتها , فقد انزلقت احدى اوراق الزهرة السادسه الى حد الجوانب محدثة تكهخفيفه لكنها مسموعه. كان ذلك هو السر. وجذبت برقة الخزانه كلها وبصورة سريعةنحوها, كاشفة عن هوة مظلمة وراءها, ومرت بضع لحظات قبل ان تقهر ليزا رعبها منالعناكب على نحو كاف جعلها تزيح جانبا خيوط شباكها التي تسد المدخل وتدخل فيالتجويف. ان مساحته تبلغ نحو اربعة اقدام في ستة اقدام. وربما كان ارتفاعه ستةاقدام اخرى, كان التراب سميكا على الارضيه, فقد ظل في منأى عن اقدام البشر طوالقرون. وفي احدى الاركان كان هناك وعاءان صغيران يبدو انهما مصنوعان من الحجروتغطيهما طبقة سميكة من التراب. انحنت ورفعت احد الوعاءين واضطربت عندما تذكرت اناخر شخص لمسه قبلها ربما مات قبل ثلاثمائة عام. وقد يكون الوعاءان استخدما لوضعالطعام والشراب لشخص تعيس الحظ اختبأ هنا في حين كان البحث عنه يتم في كل ارجاءالمنزل. اي جحيم يستلقي الانسان او يقف في مثل هذه المساحه المحصورة لفترة ربماامتدت ايام طويله, يستمع الى اصوات الباحثين عنه في المنزل وهو يعرف انه لو اكتشفواالمكان الذي يختبىء فيه فستكون لا نهايته فحسب بل نهاية كل الذين ساعدوه . وجاءهصوت من خلفها يسالها: [ اي شيطان هداك الى هذا الاكتشاف؟] استفاقت سريعا مناحلام الماضي وعادت الى الحاضر لتواجه نظرات براد المندهشة. اجابت وهي حذرة من انتقول انها لا حظت شيئا غاب عنه هو شخصيا : [ ثم ذلك صدقه حقا! كنت انظر فيالرسوم التخطيطيه ولاحظت فرقا بين المقاسات الداخليه] [ وبين المقاسات الخارجيهلهذا الجناح اذكر اني لاحظت هذه الحقيقه انا نفسي عندما رسمت الرسوم التخطيطيه لاولمرة ولكني نسيتها تماما] ثم تقدم ليلقي نظرة عن كثب الى تجويف واضاف قائلا: [ لكن ذلك لايفسر كيف عرفت اين تبحثين ، ما الذي قاد خطاك الى المكتبه ؟] ورفعتليزا الوعاء الحجري وهي تقول لبراد : [ عن طريق عملية الاستبعاد . انظر الى هذاوهناك واحد لابد ان يكونا قد استخدماه لوضع الطعام والماء ، الاتعتقد هذا؟] واخدة منها وهو يديرة بين يديه ويقول :[ محتمل جدا , كم من انصار الملكيه الخلصين حماهم هذا التجويف قبل اليوم الذي طرد فيه كروميل الذي ثار على الملكية في انكلترا] وقالت ليزا وقد بدا الاهتمام بالموضوع واضحا في صوتها : [ انت لم تقل لي ان المنزل صودر . كم كان الامر مرعبا بالنسبه لتلك السيدة المسكينه ماذا حدث لزوجها ؟] [ قتل في الحرب ، لكن ساره رفضت ان يكون موته سببا في كراهيتها للقضيه التي حاربت من اجلها ، برغم انها هي نفسها جاءت من زمرة مناصرة للثورة . وسمح لها اخيرا بالعودة الى فارلي ، لكن جزءا صغير فقط من ارض آل نورتون هو وحده الذي لم يكن قد تم بيعه ، كما جرد المنزل من كل شيء يمكن ان تكون له قيمه ] [ لكن ذلك كله لابد ان يكون قد تم تعويضه بعد عودة الملكيه . ذلك ان نورتون فارلي قدم حياته فداء العرش ، لاشك ان الملك شارل كان مدينا لارملته ] [ لم يكن الولاء والاخلاص محل تقدير في تلك الايام ياطفلتي العزيزه . فقد كان لدى شارلي الثاني اشياء عديدة تشغله اكثر اهمية من المحنه التي المت باسرة منكوبه اخلصت له . وكان من حسن طالع الاسرة ان ساره لم تكن من النوع الذي تجعله المحن ينهار. فقد استطاعت بطريقة او باخرى ان تجعل القليل الذي ترك لها يدر عائدا معقولا , لكن ثروة الاسرة لم تعد ابدا الى حالها . واضطرت الاجيال التاليه الى بيع المزيد من الاراضي حتى تركت فارلي في النهايه وليس منها سوى الافدلة القليله التي نملكها حاليا ومنزل واحد فقد من بين ستة منازل كانت موجودة اصلا. وقد اتاح هذا و الداخل الناجم عن السماء للجمهور بالتفرج على فارلي باستمرار الواضح على ماهو عليه منذ ايام جدي وهناك ايجار ربع سنوي يجىء من الكوخ ، نسيت ذلك ] كان هذا اول مرة يذكر فيها براد الكوخ وقد اتاح هذا لليزا فرصة لكي نذكر عرضا انها التقت بساكنه لكن الكلمات لم تطاوعها . ومدت يدها لتتحسس جوانب التجديف وقالت : [ لابد انها مسدوده بشيء ما لمنع حدوث اي فجوات , لابد ان تحريك المدفأة اربع اقدام الى الامام كان مهمة شاقه . واني لاعجب لما كانت سارة تحس به عندما كان رجال الثورة يفتشون في هذه الغرفه ] [ اتصور انها كانت مرتعبه , فلو اكتشفوا انها كانت تخفي انصار الملكيه لكان ذلك معناه اعدامها فورا . لابد انها كانت امرأة تملك شجاعه نادرة . ان رجالا قليلين يمكن ان يزعموا انهم يتصورون وجود مثل تلك القوة واللخلاص والوفاة لدى نساء صممن عال الانتقام لمقتل ازواجهن. ماذا كنت تفعلين لو كنت مكانها ليزا ؟ هل كنت تواصلين معركة زوجك ضد الظالمين ام كنت تفضلين الطريق الاسهل وتنحنين امامهم وتسلمين تسليما كاملا بكل ما يريدون ايثارا للسلامة؟!] [ اعتقد انك ستحاربين من اجل الرجل الذي تحبينه . لكن السؤال : هل كنت ستقدرين على نوع الحب الذي عرفته ساره؟] والمها قوله كما لو ان سكينا حادة انغرست في قلبها وقالت : [ ربما لا . ان عددا قليلا فحسب هو الذي يستطيع ان يحب شخصا اخر اكثر مما يحب نفسه ] واحست فجاة بان الاكتشاف الذي توصلت اليه فقد جاذبيته . وخرجت من التجويف الى المكتبهوتجاوزته وهي تشيح بوجهها عنه ثم قالت : [ الوقت متاخر ، هل تناولت قهوتك؟] [ منذ فترة طويله للغايه . اعتدت انك خرجت لتتمشى ونسيت الوقت . سمعت انكاعتدت الاختفاء لفترات طويله ] واعاد خزانة الكتب الى مكانها ثم استدار لينظراليها ويقول : [ اين تذهبين ياليزا ؟ هل وجدت مخبا تجلسين فيه وتتخيلين انك هربتمن فارلي ومني . حتى لو كان ذلك لفترة محدودة؟] تساءلت ليزا هل عرف انها ذهبتالى الكوخ ؟ اهذا هو السبب في انه ذكره منذ لحظه ؟ لكنها استبعدت ذلك , فلو كان فعلذلك لاثار الموضوع مباشرة . واجابت : [ قلت لي اني لا استطيع ذلك . فاينما ذهبت فانذكرى حفلتنا التنكريه هذه ستلاحقني ] واصبحت ملامحه البرونزيه قاسيه متصله وهويقول : [ اية حفلة تنكريه ؟ نحن زوجان حقيقيان ياليزا بكل مافي هذه الكلمه منمعنى ] [ وماذا يحدث عندما يضعف شوقك الي ؟] [ مهما حدث فلن يكون هناك طلاق . يمكنك التاكد من هذا . ولان اقترح ان تغيري ملابسك قبل الغذاء . فان ستيوارتسينضم الينا اليوم ]
1- البداية !
كان وجود ضيف إلى مائدة الغداء في ذلك اليوم مدعاة لتخفيف التوتروإضفاء الإحساس بالراحة والتخلص من جو الشد , كان الدكتور أدامز هو الطبيب العام الممارس للمنطقة . كما أنه صديق حميم وقديم لأسرة ماثيو تورتون , كان رجلا هادئاحلو الشمائل ودودا يرتدى الحلة القديمة من قماش التويد صيفا شتاء على حد سواء ويبدوعليه الانشغال والتفكير عادة . وكان الوقت في المنزلة الأولى من اهتماماته , يحرصعليه وعلى الاستفادة منه إلى أقصى حد , وحتى كان لديه وقت فراغ لمدة ساعة أوساعتين, مثل ذلك اليوم فإنه يظل يتطلع إلى ساعته وينتابه إحساس مستمر بأنه يبددوقته وانه عليه أن يقوم باستغلاله بطريقه أفضل. ودار الحديث على المائدة حولالاكتشاف الذي توصلت إليه ليزا عن ذلك التجويف ذي الباب السري في غرفة المكتبة ,وقدأبدت اليسيا اهتماما بالغا بهذا الاكتشاف وكانت تود الذهاب فورا لولا إصرار الطبيبعلى أن تترك رؤية المكان السري إلى ما بعد فترة راحتها في الأصيل . ولم تفلحمحاولاتها لإقناع الطبيب بأنها على ما يرام , وأن الذهاب إلى المكتبة لن يرهقها فيشئ ولن يسبب لها اى ضرر .لكن الطبيب أصر على موقفه. وقال بحزم:إنك متعبه بالفعل , وإذا كان هذا التجويف الموجود في غرفة المكتبة بقى في مكانه لمدة طويلة تزيد علىثلاثمائة عام , فانه على وجه التأكيد لن يختفي من المكتبة خلال الساعات القليلةالباقية من الوقت الذي اقترحه عليك ! وعندما مضت أليسيا الى غرفه نومها لتستريح قالالطبيب لكل من ليزا وبراد وهو ينقل البصر بينهما في تمهل : [ أريد أن أتحدثإليكما ؟ فهل تتفضلان بالاستماع إلى ؟] ورفع براد رأسه من على فنجان القهوة الذيكان يرتشف منه , ونظر إلى الطبيب وهو يتوجس خيفة مما سيقوله وسال : [ هل حديثكيا دكتور أدامز يتعلق بأمي ؟] وأومأ الرجل المسن برأسه وقد باتت على ملامحهإمارات التفكير العميق , وقال : [ نعم الحديث سيكون عن اليسيا , لا تنظر إلى يابراد على هذا النحو فانا لن أقول لك أن حالتها تسوء على النقيض من ذلك , إن ماسأقوله لك كتقرير عن حالتها هو العكس تماما , أنت تذكر يا براد أننا عندما استدعيناالاخصائى لفحصها وتقرير حالتها منذ ثمانية عشر شهراً قال انه في ضوء حالتها الصحيةالعامة حينذاك فان عمليه جراحيه ستكون مميتة بالتأكيد . قال براد وهو يحدق فيالطبيب : [نعم حدث هذا فعلا , وما زلت إلى الآن أذكره ] فتنهد الطبيب وهومستمر في نقل نظراته فيما بين براد وليزا وقال : [ حسنا , أنا من رأيي الآن أنالعوامل الايجابية باتت متوفرة فهي تزداد قوه بانتظام , خاصة خلال الأسابيع الأخيرة . وبالذات منذ أن أحضرت زوجتك معك إلى فارلى , وفى اى حال فانا أود أن تستدعىالدكتور سومرز لكي نستشيره مره أخرى وتقرر في ضوء ما يتوصل إليه من نتائج ] [لنفترض إن العملية الجراحية باتت ممكنهولا خطر منها , فما هي فائدتها بالنسبة إليها على وجه التحديد ؟ هل ستؤدى هذهالعملية إلى نتائج ايجابيه معينه؟" "إنها ستطيل عمرها لعدد غير محدد من السنوات ,وتجعل الحياة بالنسبة إليها أسهل وأكثر مدعاة للسرور والبهجة .حتى لو أن سومرزنفسه قال إن فرصة نجاح العملية مساوية لفرصه عدم نجاحها أنى شخصيا أرى أن الأمرجدير بالمخاطرة, ذلك أن في ظل الوضع الصحي الراهن لأليسيا هناك فرصه لأصابتها بنوبةأخري, في هذه الحالة ستكون نهايتها على وجه التأكيد, أمك يا براد امرأة شجاعة لكنجسدها تعرض لتعذيب كاف لا يجب أن يستمر أكثر من هذا , ومع استبدال ذلك الصمام فيقلبها يمكن أن تبدأ حياة جديدة بكل المقاييس والمعايير المعروفة" وسال براد وهويحس أن قلبه يكاد يتوقف من فرط خوفه على أمه :"ماذا سيحدث إذا لم نقم بإجراء هذهالعملية الجراحية وإذا لم تتعرض اى نوبة أخرى ؟" وتردد الطبيب طويلا ثم قال :"منالصعب أن تقطع في الأمر على وجه اليقين , ففي أوائل هذا العام بدت مستسلمة تماما ,ولابد انك نفسك لاحظت كيف ذهب عنها هذا الشعور بالفتور والإذعان ,إنها تريد بتلهفأن ترى أول حفيد لها , ولا شك أن قوة إرادتها هي التي تجعلها تحيا بأمل لن تري هذاالحلم يتحقق, لكنها في أحسن الأحوال ستكون عاجزة ويجب مراقبتها في كل خطوة وفى كلحركه" فهمت هل ذكرت اى شئ عن هذا لامي؟ " " لا, فانا أود الحصول على رأىسومرز قبل أن نطلعها على الأمر" قالت ليزا:" لكن زيارة الاخصائى لها مرة أخرى قدتجعلها تعتقد أن حالتها تزداد سوءا" "لا لأننا سنقول لها أن ذلك متفق عليه , حيثتقرر أن يحضر مرة أخرى بعد مرور ثمانية عشر شهرا للمراجعة" وسال براد بطريقهمقتضبة ونظره ما زال مركزا على المائدة :" متى تعتقد انه سيكون في استطاعتك إحضارالاخصائى لرؤيتها ؟" "أعطيت لنفسي حرية الاتصال به هاتفيا هذا الصباح وحددتموعدا معه , سياتى يوم الأربعاء في الساعة الثانية بعد الظهر" ونهض واقفا وساربضع خطوات في الغرفة وأضاف :"ربما إن لدى زيارة في سكبتون الساعة الثالثة فانه يجدربي أن انصرف حالا" ووقفت ليزا معه في الردهة بينما ذهب براد ليحضر له قبعتهوحقيبته وسألته ليزا :" هل تعتقد حقا أن هناك فرصه طيبه لإجراء هذه العملية دون اىخطورة؟" وأجاب ستيوارت وهو يتفرس فيها مليا :" لست أنا من يقول الكلمة الأخيرة, ومع ذلك فأنى أرد بالإيجاب على سؤالك , على الأقل يمكنني القول باطمئنان وثقهكاملين أن حاله اليسيا وظروفها الصحية العامة في الفترة الراهنة هما في أفضل وضعيمكنها من تحمل إجراء الجراحة , وبمناسبة الحديث عن الحالة الصحية العامة , فانكأنت نفسك تبدين شاحبة , وقد لاحظت انك لم تأكلي شيئا تقريبا,ربما كان عليك أنتزوريني في العيادة لإجراء فحص شامل لمجرد الاطمئنان إلى أن كل شئ على مايرام" " ليس هناك شئ كان الجو حارا فحسب خلال الأسبوعينالأخيرين مما سبب لي إرهاقا ,إن كل شئ يذبل في هذا البلد لو أشرقت الشمس مده تزيدمن يومين متتاليين , لسنا متعودين على الحياة في ضوء الشمس المشرقة بصورة مستمرة " فرد الدكتور ستيوارت وهو لا يزال يحدق في وجهها:" أنا أوافقك على هذا ,لكنه لنيترتب اى ضرر على رغبتنا في أن نطمئن وان نتأكد ولذلك فانا مصر على أن تزورينيلإجراء الفحص" وربت على كتفها بطريقه أبويه واستدار إلى براد عندما رآهقادمابحقيبته وقال :" شكرا لكما, وأتمنى أن تنتهي كل هذه الأعمال في المنزل وما نسببه منفوضى وارتباك بحيث لا تضطرون إلى نقل كل شئ من مكانه كما هي الحال الآن " وابتسمبراد وهو يناول الدكتور ستيوارت أشياء وقال "كان كل هذا ضروريا وهو في كل حال واجبلن يكون علينا مواجهته مرة أخرى , والواقع أن هؤلاء الرجال يعرفون عملهم جيداويتقنونه إلى أقصي حد" " ولكنى ما زلت أقول لك أن كل هذه التكاليف لاتبررهاالنتائج , وما زلت اعتقد انه كان من الأفضل أن ندع الدولة تأخذ البيت وتحصل لنفسكعلى مكان اصغر , وذلك سيكون انسب لامك أيضا , ذلك أن تغييرا من هذا النوع سيفيدككثيرا" وسأله براد وهو يرفع حاجبه دهشة :" هل هذا رأيها أم رأيك؟" وضحكالطبيب وهو يقول :"انه رأيي طبعا ,أن اليسيا متمسكة بهذه الأطلال القديمة مثلكتماما , في اى حال على أن اذهب فورا وإلا تأخرت فإلى اللقاء يوم الأربعاء, وساتركلك يا براد أن تخبرها بزيارة أعاده الكشف التي سيقوم بها الدكتور سومرز , اذكر ذلكعرضا فقط, تذكر هذا , كما لو كنت تذكرها بهذا فحسب , فانا لا اريدها ان تنفعل فىهذه المرحله" وعندما عاد براد وليزا بعد اصطحاب الطبيب حتى الباب لتوديعه قالبراد :" ساذهب الى المكتب , يمكنك ان تقولى لبونى انى ساتناول الشاى هناك لدى بعضالعمل " وراقبته ليزا وهو يتحرك عبر الردهه دون ان ينظر اليها وجاءت عطله نهايهالاسبوع طويله ممله , قضى براد الجزء الاعظم منها محبوسا فى المكتب لا يخرج منه الالتناول الطعام ,وراحت ليزا تتجول فى كل مكان من المنزل تقرا قليلا وتتكاسل كثيرا ,ويبدو ان كل الطاقه التىتميزت بها خلال الاسابيع القليله الماضيه نضبت , بل اصبحالنهوض والذهاب الى غرفة الطعام فى مواعيد الاكل امرا مجهدا , واتصل بها ريك هاتفيافى نهايه اصيل يوم السبت , وعندما ذهبت الى الصاله لترد على المكالمه وجدت نفسهاتتساءل كم من الوقت سيمضى قبل ان يطلب منها نقودا , انها لا تملك شيئا خاصا بها , ويستحيل ان تطلب من براد ان يستمر فى مساعدة اخيها. قال ريك :" انا احدثك منكنغر كروس .انا فى طريقى الى الشمال " "ماذا تقصد بقولك انك فى طريقك الى الشمال؟ هل انت قادم الى هنا؟" "كلا حصلت على وظيفه فى نيوكاسل , اسمعى يا ليزا ....انا اعرف انك لن تقري هذا , لكنى ساعمل لدى رجل افتتح كازينو هناك , ذلك ما كنتاريد ان افعله , وهناك امكانيه لمشاركته فيما بعد انا اعرف , هل تضحكين؟" بالفعل كانت ليزا تضحك ,كان ريك يبنى مستقبله بطريقه انه ليس فى حاجه اليها , ليس هناك احد فى حاجه اليها وقالت :" ان المثل يقول من لا يستطيع ان تغلبه انضم الىصفوفه , وتلك حياتك يا ريك " صمت ريك وعندما استئنف الحديث بدا مرتبكا وقال :" تغيرت كثيرا يا ليزا , اليس كذلك ؟ فى فترة من الفترات كنت تبذلين قصارى جهدكلاثنائى عن عزمى هذا , الن تحاولى حتى معرفة مزايا الوظيفه التى تخليت عنها؟" "هل من هذه المزايا ان تغرف بيديك من خزنه الشركه , انا اسفه , لم يكن ينبغىان اقول هذا لكنك انت السبب فى كل ذلك" وجاءها صوته حزينا شاعرا بالندم والاسفوهو يقول : "تلك هى الحقيقه فى نهايه الامر , فى اى حال لا تخشى ان اتورط فى مثلهذا العمل مرة اخرى , ان مرة واحدة كانت كافيه ." " نعم " لم تستطع ليزا انتفكر فى شئ اخر تقوله , كانا على طرفى نقيض , ان الاخ الذى ظنت انها تعرفه ليس ريك .واخيرا قالت :" فى اى حال اتمنى لك حظا سعيدا فى العمل الجديد وامل ان تحقق فيه كلما ترجوه" " شكرا لك , بلغى تحياتى الى صهرى وقولى له انى ربما اصبحت قريبا فىوضع يتيح لى ان اسدد مبلغ الخمسمائه جنيه " "لن ياخذها لكنى سابلغه ذلك " وبعدما وضعت السماعه ادركت انها لم تعد تشعر بانها فقدت شيئا بذهاب ريك , كلما ادركته انها باتت تحس بالراحه لانها لن تضطر ان تقلق عليه او تهتم به ,فلو انهمهتم بالعملفى هذا الكازينو فانه لن يغامر ابدا بنسف مستقبله. كان براد واقفاعلى مقربه منها اسفل السلم وراته حين استدارت .لم تسمع وقع خطواته عندما جاءوجعلتها الصدمه الناجمه عن انها وجدته قريبا منها تتراجع الى الوراء رغما عنها وتغمغم قائله :"افزعتنى..." ورات شتيه تتقلصان وهو يقول لها :"من الواضح ان ذلكحدث , مع من كنت تتحدثين ؟" وارتبكت تحت وقع نغمته الغريبه ونظرة عينيه الباردةوقالت :"مع ريك طبعا " وتقدم اليها فجاءة وامسك بها من كتفيها وهو يقول :" منذمتى وانت تترددين على ليوك يلاند ؟" ولما كانت لا تتوقع ابدا مثل هذا السؤال فقدبادرت بالرد باول شئ خطر فى بالها :"كيف عرفت هذا ؟" وتقلصت عضلات فكيه بصورةحاده وهو يقول :" بالطريقه نفسها التى يكتشف فيها كل الازواج مثل هذه الاشياء , فقدذهبت الى الكوخ لارى بلاند ولم يكن هناك , لكن الصورة التى بدا رسمها لك كانت هناكعلى الحامل" وابيض وجهها وقالت متلعثمه:"براد ,لا يمكن ان تعتقد ان ليوك وانا ...انه كان هناك .....براد ,انه كهل فى عمر والدى" "لكنه ليس كهلا الى درجه تمنعالنساء من ان يرينه جذابا , انا اسالك منذ متى تترددين عليه ؟" "منذ سبعه اوثمانيه اسابيع " "كل هذه المده كنت تلتقينه سرا وتطلبين منى ان اصدق انها لقاءاتبريئه تماما ؟ لابد انك تعتبريننى مغفلا" "ليوك مجرد صديق يا براد , انه شخصرائع لكنه ليس اكثر من صديق , هل يمكن ان تقول الشئ نفسه عن فيليسيا" "لا تحاولىان تقلبى المائده على صديق ليس هناك رجل يعرفك لمده ثمانيه اسابيع ولا يحاول لنيغريك" "ربما تجد انه من الصعب عليك ان تفهم هذا , انت تحكم على ليوك من واقع غرائزك ,لكن الامر ليس كذلك على الاطلاق انه لطيفومتفهم " " كل الاشياء التى ليست فى , اليس هذا ما تحاولين ان تقوليه؟" وفجاءة ذهبت النار المشتعله فى عينيه وعاد صوته رقيقا وأخذ يتاملها فى صمتلفترة طويله ثم قال :"هل تحبينه يا ليزا ؟" فاعترضت صارخه :"كلا ,كيف يمكن اناكون كذلك فى حين.." وتوقفت يائسه , ورات تعبير وجهه يتغير ويقول :"فى حين ماذا؟ ماذا كنت ستقولين ؟" وفكرت ليزا , لا يمكن ان يكون هناك حرص على عدم اراقهمياه الوجه فى وضع مثل هذا , فرفعت راسها ونظرت اليه وقالت :"فى حين ان كل الحبالذى لدى مكرس لك " واندفعت اليه ودفنت وجهها فى صدرة وهى تنتحب وتقول :"كنعطوفا على يا براد" "اوه يا ليزا , يا الهى , ليزا !" وعندئذ وضع ذراعيه اسفلركبتيها ورفعها الى اعلى وسار بها عبر الممر الى المكتب, ولم تحاول ان تتحرك عندماجلس على مقعد مريح هناك, لم يعد هناك اى دفاع الان , والشئ الوحيد الذى يهمها انتعرفه هو انه مهما حدث فانها لا تستطيع ان تتركه لانه اصبح حياتها ,كل حياتها ,وعندما رفع راسه عنها وضعت يدها على فمه وقالت :" لا تقل اى شئ , انا اعرف انك لاتستطيع ان تقول انك تحبنى , لكن هذا لا يهم " "انا لا احبك ايتها الحمقاءالصغيره , لماذا تقولين هذا , بالطبع انا احبك " "لكنك قلت لى يا براد , تلكالليله انك لم تكن تحبنى عندما طلبت منى الزواج " " كنت اريدك لانى محتاج اليك , لكنى اعتقد انى بدات احبك فى اليوم الذى جئت بك فيه الى المنزل , وقلت لى فيه انكتريدين ان تصبح فارلى مكانا سليما امنا , يا حبيبتى ان الحب الحقيقى , الذى نعشهالان , ياتى خلال حقيقة الانسان ومعاشرته , لهذا فان الزواج مغامرة حقا , لانك لايمكن ان تدعى شخصا على حقيقته الا بعد ان تعاشريه ." "لماذا لم تقل لى هذا ليلهزفافنا ؟ لقد كان ذلك كفيلا بان يجنبنا كثيرا من الالام." " لم تكونى فى حالهتسمح لك بالاصغاء , طلبت منى بان اجيب بلا او نعم فقط وكنت استطيع ان اتحايل علىهذا لكنى كنت غاضبا للغايه." "يبدو انى كثيرا ما اغضبتك فى الاسابيع الاخيره " " نعم بالتاكيد , لكن هذه الروح وذلك العناد جزء من المراءة التى احبها , ولااريدك ان تتغيري حتى لو كنت تصلين بى أحيانا الى حد العنف , وهذا يذكرنى بموضوعفيليسيا , ما الذى تتصورينه بيننا ؟" "اعتقد انك مستمر فى رؤيتها , ولما كنتعرفت انك طلبت منها ان تتزوجها فانا........" وهنا صرخ هاتفا :" عرفت ماذا ؟ ياالهى , هل هذا ما قالته لك؟" "اليست تلك هى الحقيقه ؟" "كلا تلك الئيمه لقددار حديث عن الزواج , لكنه كان اقتراحا من جانبها وليس من جانبى لقد اكتشفت ذلكالشرط فى الوصيه , ولابد انها رات تلك النسخه التى احتفظ بها منها فى درج المكتب , وعرضت على ان تساعدنى فى استكمال الشروط مقابل نصف الميراث " "فهمت , هل كنتستقبل لو لم يكن هناك طريق اخر ؟" "ربما , فقد كنت احتاج الى هذه النقود بشده , حتى لو اضطررت ال ى اعطاء اسمى لامراءة لا احس تجاهها الا بالازدراء ,ان فيليسياجميله , وهى تستغل هذا فى الحصول على ما تريد , وعندما جئت بك الى المنزل لم يكنضياع الثروة هو ما افقدها صوابها فحسب وانما الطعنه التى اصابت كبريائها ." "هلكانت الكبرياء هى التى جعلتك تعاملها كما لو ان شيئا لم يحدث بعد " " بعد ليلهزواجنا التى لم تنجح , نعم كان الامر كذلك , لقد صممت على الا اجعلها تعرف كم نجحتخطتها برغم انى كنت استطيع ان اخنقها فورا , هل لديك اسئله اخرى؟!" " سؤال واحد , اين ذهبت مساء يوم الجمعه بعد انتركت المكتب ؟" " قدت السيارة الى منطقه احبها وجلست فى السيارة افكر , كان لابدان انفرد بنفسى , بعيدا عن المنزل وعنك , لاقرر ما سافعله بالنسبه الينا كنتتدفعيننى الى الجنون " "وماذا قررت ؟" "قررت انه على الرغم انى لا استطيع اناجعلك تحبيننى ,فانى لن ادعك ترحلين , ولمعرفتى بك كان هناك طريق وحيد لذلك , هو اناهبك طفلا , هل تحبين الاطفال يا ليزا ؟" وضحكت وهى تقول :" ربمافات الاوان لاناقرر ما احبه وما لا احبه فى هذا الصدد " وتامل وجهها مليا , ثم ادرك انها حامل , فافتر ثغرة عن ابتسامه ملؤها السعاده وقالت له :" شككت فى الامر منذ شهر مضى , وعندما فحصنى الدكتور أدامز اكد لى اننى حامل ." " شهر كامل ولا تقولىشيئا؟" "لم استطع يا براد . بل انى اعترف بينى وبين نفسى بهذا ,فقد كنت اظن انكلاتحبنى , ووجدت انه ليس من العدل ان انجب طفلا ى مثل هذا الجو القائم بيننا ." "والان احس بانه لدى كل شئ ,حبك , وطفلك , وبيتك وليس هناك امراءة تحلم باكثرمن هذا ." " بل هناك اكثر واكثر , وهذا ليس سوى البدايه ."
تمت

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا