غضب العاشق

غضب العاشق
الملخص
ينتظر الانسان شيئاً مبهماً غريباً في داخله ... وفجأة تلتمع شرارة في العيون .... يصاب القلب بسهم خفي وتتوق الروح الى الانفلات من المجهول ,,, هذا ما حصل للمكسيكي الثري دييغو راميريز حين التقت عيناه بعيني لورا الجميلة , عارضة الأزياء المشهورة على شاطئ الاكابولكو ... لكن العاشق راميريز يعرف بأن لورا مخطوبة ولا أمل له بالزواج منها ... وهنا تلعب الأقدار لعبتها لتجمع راميريز بحبيبته في ظل ظروف غريبة , اعتبرتها لورا انتهازية , وقاومت ... لكن ما كتب على الجبين يجب أن تراه العين ... فهل تسعد لورا بنصيبها وتقتنع به ؟ ام يخلصها خطيبها برانت من يد هذا المكسيكي المتعصب ؟
الفصل الاول ....
دعوة لم تتم ....
سيداتي ,انساتي , سادتي , دار الأزياء مارينا يسعدها ان تستقبلكم في أول عرض لها في مدينة اكابولكو . الجو الساحر يحيط بنا اوحي الينا بتسمية موضوع المجموعة ب " الاناقة تحت الشمس " . وان عدداً كبيرا من الناس بينكم ربما يتسائلون ما اذا كانت هذه الاناقة ضرورية , فيما يتعلق باللباس الخاص لشاطئ البحر . دار مارينا تؤمن بحزم أن المرأة تهتم بأناقتها وأنوثتها , على الشاطئ كما في النوادي الليلية أو السهرات العائلية .". توقفت لورا ترانت لحظة و راحت تحدّق في الجمهور الجالس وراء الطاولات من السياح الأميريكيين الذين يعتبرون هذا الحدث نوعاً من التسلية الاضافيه في وسط العديد من مختلف الموارد و الثروات التي تشتهر بها محطة الحمامات المشهورة . لا يوجد إلا عدد قليل من الشباب , رجالا أم فتيات . ان معظمهم من الازواج في منتصف العمر . وبرغم الهواء المكيف , كان العرق يتصبب من كل فرد و الرجال يمسحون وجوههم العارية باستمرار . والنساء تخلصن من حدّة الشمس التي تحرق بشرتهن و يتمتعن الآن في الظل بينما يشاركن في حضور عرض الازياء . ولفت انتباه لورا امراة و رجل . الرجل لم يتوقف لحظة عن التفرس فيها مطولاً . ظاهرياً لم يكن أمريكياً . إذ عيناه السوداوان وأنفة المعقوف و فمه المتعجرف وبشرته السمراء الداكنه , كلها تشير الى انه من اصل اسباني . وكذلك المراة التي ترافقه . انها سمراء ذات عينين سوداوين وشعر داكن , ترتدي فستاناً أسود بأكمام طويلة يغطي قامتها الناضجة . التفتت لورا من جديد نحو الرجل الذي كان يحدق فيها ثم نظرت الى الاوراق المطبوعة على ركبتيها وأضافت تقول للجمهور : "والان ماريلا ستفتتح العرض في زي السباحة وسترة الشاطئ المصنوعة من القماش نفسه ". وظهرت على المنصة فتاة طويلة القامة , سمراء , شديدة النحافة وحدها لورا بعينيها الزرقاوين المدربتين ,يمكنها ان تكشف توتر هذه العارضة المبتدئة . لكن مع الوقت سوف تكتسب هذه الفتاه المكسيكية خبرة تجعلها عارضة أزياء من الطراز الاول ... وكانت لورا تشرح للجمهور التفاصيل التي تجعل من هذا الموديل الاناقة و الخفة معاً لكنها استغربت عندما رات ان الفتاه تفقد هدوئها وتضطرب وهي تقترب من المكان الذي يجلس فيه الزوجان المكسيكيان , و بينما كانت عارضة الازياء تعود الى حيث بدأت متوترة , ألقت لورا نظرة سريعه مرتبكة ومترددة الى الزوجين ... الرجل قطب حاجبيه في استهجان واضح ... وبدا انه لا يستحسن رؤية واحدة من بنات بلده تعرض أمام الرجال أزياء السباحة . ورددت لورا لنفسها وهي تهز كتفيها النحيلتين : " هؤلاء اللاتينيين لم يتحرروا بعد . ثم عادت لتكمل تعليقها حول الموضة و تشرح بوضوح فوائد كل زي ترتدية عارضة الازياء التي تمر من امامها . في الاجمال . كانت سعيدة من النتائج بعد أسابيع قليلة من التمارين . ومتى اصبح الموظفون المحليون المكسيكيون العاملون في المحل الجديد قادرين على ان يعتمدوا على انفسهم . حينئذ يمكن للورا ان تعود الى لوس انجلوس .... وبالتالي تلتحق بخطيبها برانت . لكن لا داعي للاسترسال في الافكار خلال عرض الازياء . وعندما انتهى العرض , سرت النساء الامريكيات بالموديلات التي بدت شديدة الاناقة على اجسام عارضات الازياء اللواتي لوحت الشمس اجسامهن . وبدان يطلبن منها بالكميات ... ايلينا , الفتاه المكلفة بادارة الفرع بعد ذهاب لورا ساعدتهن في التوجه الي المحل الواقع في الفندق نفسه . ولما عادت لورا الى الكواليس .. راحت تهنئ عارضات الازياء الاربع بحرارة لهذا العرض الافتتاحي .. وحدها ماريلا لم تكن راضية عن نفسها و لم ترد على ابتسامتها .. فاذا بلورا تقترب منها و تسالها بعدما اسندت ظهرها الى الحائط و كتفت يديها :" ماريلا... ماذا بك ؟". بدت الفتاه المكسيكية بشعرها الاسود اللامع المرفوع بكعكة الى اعلى راسها ايه في الجمال . لكنها ظلت صامتة فأكملت لورا الكلام وقالت :" كل شئ كان رائعاً الى ان وصلتِ الى نهاية المنصة . ماذا حدث حينئذٍ ". اجابت الفتاه بعد تردد ظاهر : " السينيور راميريز , انه لا يحب رؤية امراة ترتدي زي السباحة , الا اذا كانت تسبح او تتشمس على الشاطئ ". فقالت لورا باستغراب وبلهجة لاذعة :" في هذه الحال , لماذا جاء يحضر العرض , يا لهذه السخافة المضحكة !! ومن يكون السينيور .....السينيور راميريز ؟؟ هل هو قريب لك ؟". اجابت ماريلا في نوع من الاحترام : " اه ! لا !! ان السينيور دييغو راميريز هو أحد أهم شخصيات المكسيك . إنه من عائلة عريقة وقديمة لها تأثير كبير في بلادنا . إن السينيور دييغو هو ......." قاطعتها لورا غاضبة أن ترى النساء اللواتي يعشن في القرن العشرين لا يزلن يخضعن للتقاليد البالية ... " ليس هذا امتيازاً يعطيه الحق في ان يقرر أين ومتى يمكن للمرأة ان ترتد زي السباحة .المرأة التي ترافقه لا شك في انها مضطرة إلى أن تخضع لرغباته لكن لا شأن له معكِ . ما بالك . لا حق له عليكِ , اليس كذلك ؟؟". وخلال عرض الأزياء فوجئت لورا مرّات عديدة بالمرأة المكسيكية التي ترافقه وهي تعرب له عن إعجابها ببعض ازياء البحر , لكنه كان يرد عليها بهز رأسه بنفاذ صبر . قالت ماريلا :" آه .. مسكينة سينيورا راميريز .. برغم شبابها ... لاقت الكثير من العذاب "!! اجابت لورا في اقتناع وهي تتذكر نظرة الرجل المكسيكي الملحة :" إني أصدق ما تقولينه ". بعدما ابتعدت ماريلا , اقترب نائب رئيس الفندق من لورا و سألها ما إذا كان الموظفون مستعدين للبدء بتحضير القاعه للحفلة الراقصة . وبعدما وافقت لورا على ذلك , راحت تدقق بسرعة بالفساتين وأزياء السباحة الموضوعة في الخزائن . ثم غادرت الغرفة متوجهة الى القاعة الكبرى التي تطل بابوابها العريضة الزجاجية على البهو الشاسع ..... الاشجار و الشجيرات المزروعة في احواض كبيرة تضفي على المكان جو المشاتل .. ومن بين المشاتل الزنبقية لمحت لورا الرجل الذي أربك منذ لحظات عارضة الازياء المكسيكية ..ماريلا . "انسة ترانت , هل في امكاني ان احدثك قليلاً "؟. كانت لغه الانجليزية كاملة .لاشك في أنه تعلم في احسن المعاهد الاوروبية أو الامريكية بالنسبة الى السياح الذين يهملون اناقتهم , كان يرتدي بذلة بيضاء وربطة عنق مضلعة تظهر اناقته الفاحشة ...كان طويل القامه .. أطول مما كانت تتصوره عندما كان جالساً . ولورا هي أيضاً ممشوقة القوام , ومع ذلك فكان عليها أن ترفع رأسها حى تراه . وعن قرب تبين لها أن عينيه السوداوين هما في الحقيقة بلون المخمل البني الغامق .. أجابته ببرود : " لا أرى مبرراً لأي حديث , يا سينيور راميريز إلا أذا كنت ترغب في الإعتذار لإزعاجك إحدى عارضات الأزياء خلال العرض ". أجاب ببعض السخرية : " لا , لم تكن هذه نيتي يا انسة " . " إذاً , لا يوجد مبرر لتبادل الاحاديث بيننا سينيور راميريز ....." كانت لورا تهم بمتابعة سيرها , لكنه تمسك بذراعها في سطوة وقال مبتسماً :" أرى انكِ تعرفين هويتي , يا انسة .. هذا يتيح لي المجال ان اعبر لكِ عن نواياي , على ما أظن ". قالت لورا في توتر وهي تخلص من قبضته :" نواياك !!؟ لا أعتقد أن ما عندك يهمني حقاً . "" إذاً أنتِ تعتقدين أن دعوة الى العشاء هي نوع من الاقتراح ". "دعوة الى العشاء ؟؟!! ". قال وهو يسخر بلطف :" حتى ملكات الجمال بحاجه الى تناول بعض الاكل , ما هو الغلط برغبتي في تناول العشاء برفقتك ؟ ". "إنك تهينني يا سينيور ". " أنا اهينك يا انسة ؟؟!! لا أفهم .... كيف يمكن لإمرأة جميلة ان تشعر بالإهانة إذا دعاها رجل انيق إلى العشاء ؟؟!!"". ابتعدت لورا بسرعه بعدما رمقته بنظرات غاضبة و قالت : "لماذا لا تسأل السينيورا راميريز ""؟؟!!.. توجهت إلى المحل غاضبة . كيف يمكن لهذا الرجل , المتزوج , ان يتجرأ على إعتبار أن كل النساء طرائد يسهل الحصول عليها "؟! ولم يتغير رأي لورا في السينيور دييغو راميريز عندما جاء في اليوم التالي لحضور العرض الثاني والاخير لأزياء الصيف . وفي هذه المرة كان وحده . واعتذرت ماريلا عن العمل بحجة انها مريضة .وبما أن لورا تتمتع بالمقاييس نفسها , فقد حلّت محلها بلا استعداد, واعطت الميكروفون الى الينيا . ارتدت لورا بذلة السباحة المصنوعة من قماش القطن الأسود وفوقها سترة طويلة مقلّمة سوداء و بيضاء , من قماش الحرير الشفاف تغلّف جسمها النحيف . وأظهر الجمهور اعجابه بالبذلة و راحت النساء تصفقن بحماس بينما الرجال يمسحون جباههم المتصببة عرقاً . إن مهنتها جعلتها تعرف كيف تجابه نظرات الاعجاب في عيون المشاهدين , لكن لورا كادت ترتبك , كما سبق لماريلا ان فعلت , عندما لمحت عيني السينيور دييغو راميريز تشعان غضباً واحتقاراً . قالت ايلينا وهي تملق لورا بنظرة ساخرة وهي توضب الثياب بعد العرض :" من الغريب ان يحضر السينيور راميريز حفلة العرض من دون أن تكون السينيورا معه . ألأ تعتقدين أن هناك سبباً اخر دعاه إلى المجئ !؟". اجابت لورا بجفاف : " مهما كان السبب , فهذا لا يعني لي شيئاً ". لكن عندما رأت نظرات ايلينا المذهولة ,أضافت بلطف :" في بلادي يا الينا الرجال متحفظون في طريقة التعبير عن اعجابهم بالنساء , وخاصة متى كانوا متزوجين !." فقالت ايلينا بذهول : " لكن السينيور راميريز هو ........" فقاطعتها مرت سكرتيرة المحل حين قالت للآنسة ترانت : " المعذرة , آنسة ترانت . مطلوبة على الهاتف . مكالمة من لوس أنجلوس ". " شكراً مرتا . إني آتية للحال ". وبتصميم طردت دييغو راميريز من أفكارها وأسرعت الى المحل , لاشك ان المتصل هو تيم كالديرة المسؤول عن دار الازياء مارينا في لوس انجلوس , ويريد ان يعرف ما هي ردّة فعل الجمهور على أزياء الصيف الجديدة . فالدار تفتتح في الاكابولكو فرعها الأول . ولكن , كل ما كانت تنوي أن تسرده عن هذا الانتصار الذي حققته الدار انمحى عن شفتيها عندما عرفت صوت الرجل الذي يكلمها . "آه برانت ! كنت اتصور أن المتصل هو تيم كالديرة . ويريد الاخبار الاخيرة حول المعرض ". فاجاب برانت بسخرية :" هل انتِ آسفة لسماع صوت خطيبك ؟!". تذكرت لورا في الحال صورة رجل جميل جذاب وبشوش واجابت وهي ما زالت تلهث :" كلا بالطبع , في الواقع , إني ......إني أفضل لو كنت هنا , معي !" ضحك ثم قال :" أحب ما تقولينه . يسرني أن أكون قادراً على الطيران إليكِ , لكن قضية مرسون باتت ذات اهمية اكبر مما كنت أتصوره ومعقدة أكثر أيضاً ". برانت محام طموح وخو يعمل في قضية ذات أهميه , من شانها أن تحقق له الشهرة التي يطمح إليها . ولورا التي كانت تفضل أن تسمعه يهمس لها بكلمات حنونة , اضطرت الى سماعه يشرح لها بالتفصيل موقفه امام المحكمة . وسرعان ما خفّ انتباهها , لماذا لا تكفّ عن التفكير بهذاالمكسيكي الغاضب الذي كان يبدو قادراً على اعتلاءالمنصة و انتشالها من بين العارضات الى مكان ما في اعماق الغابة ؟ لا شك في أن أسلافه الغزاه كانوا يتصرفون هكذا , لو أن السينيور دييغو راميريز هو المتصل بها , هل كان يزعجها بالتفاصيل القضائية التي لا تفهمها , أو يهمس لها بكلمات الحب في صوت مرتجف ؟ وفجأة قالت لورا عندما استعادت وعيها ! " ماذ ... ماذا قلت ...؟؟ هل طرح برانت عليها سؤالاً ..... نعم , لكن ماذا ؟ أجاب مازحاً " لم تصغي الى كلمة واحدة مما قلته ". " بلى بلى .... لكن .... أنا أيضاً مرهقة في عملي ,, واعتقد أن الحرارة تزعجني ".. " هنا المطر يتساقط منذ ثلاثة أيام . إذاً لا تتذمري من الحر ". وفي كآبة مريرة حدّقت لورا في الملف الجديد الموضوع أمامها على المكتب . لم يسألها أي شئ عن اعمالها . فقط " لا تتذمري من الحر ......" " لورا " ؟؟. تنهدت وأجابت : " نعم " . " ألست واقعة في غرام مكسيكي ذي عينين متقدتين ؟". اجابت وقد أغضبتها وقاحته : " في الحقيقة , حتى الآن , لم يتقدم سوى رجل واحد .. إنه جميل المظهر , غني , ودعاني إلى تناول طعام العشاء معه مساء أمس ". فسألها بسرعه :" وهل لبيت الدعوة ؟". أخيراً بدأيهتم بها ..... " لا . إني خطيبتك , يا برانت . إذا كنت ما تزال تتذكر هذا جيداً ". "لا أسمح لكِ أن تنسي ذلك !". "لا تخف .لا خطر من ههذه الناحية . لكن , يا برانت , متى سنحدد موعد زواجنا ؟ لماذا الانتظار ؟ ويمكنني أن أظل أعمل بعد الزواج , و ..... " "إن زوجتي تبقى في المنزل وتهتتم بزوجها وبأولادها , لكن لن نناقش هذا الموضوع الآن , على الهاتف .إن هذه المكالمة تكلفني كثيراً , أريد فقط أن اشرح لكِ لماذا لم يتسن لي الوقت كي أكتب إليكِ . فأنا أعمل ليل نهار في هذه القضية , متى تعتقدين أنكِ ستعودين ؟". " لا اعرف بعد ". انخفض صوته وقال : " أنا مشتاق إليك كثيراً يا حبيبتي ". وبعدما وضعت لورا السماعه , ظلت جالسة مطولاً أمام المكتب , منغمسة في أفكارها . أطلقت زفرة عميقة ثم نهض وخرجت من المحل الفارغ وأقفلت الباب وراءها . الشقة الصغيرة المريحة التي تسكن فيها لورا خلال إقامتها في أكابولكو تقع في الطابق الرابع من فندق بانوراما , حث يقع المحل الجديد أيضاً . تطل الشقة على خليج صغير . ولا مرة سئمت لورا هذا المنظر المطل على البحر الذي يبدو في النهار وكأنه يعكس بريق الحجارة النادرة . وفي الليل تحت سماء مخملية حافلة بالنجوم . ومن الشرفة كانت تشاهد الرياضيين يمارسون هواية الهبوط بالمظلات فوق المياه الزرقاء , وفي الليل كانت تصغي الى الموسيقى التي يعزفها المكسيكيون على القيثارة والتي يتخللها رقصة الفولادور حيث الرجال يتعلقون بالحبال على عمود متين موضوع في وسط القاعه ويحومون حوله في دوائر تعلو مع ايقاع الموسيقى الصاخبة . ومن وقت الى وقت يعلو نصفيق حماسي من القاعه إعجاباً وتشجيعاً . وبلا وعي عمدت لورا الى إغلاق باب الشرفة والنافذة , فصوت الابواق بدأ يزعجها . لماذا هذه الموسيقى الشعبية البدائية تخلق فيها هذا الشعور بالوحدة الكئيبة ؟ ولماذا تذكرها خاصة بالسينيور دييغو راميريز . هذا المكسيكي المتعجرف الزاثق من نفسه ؟ وبعد أن ألقت نظرة سريعة على محتوى برادها في المطبخ الصغير , قررت لورا أن تتوجه الة مطعم الفندق لتتناول طعام العشاء , فاخذت حماماً سريعاً ثم ارتدت فستاناً طويلاً معرفاً بالاخضر الذي يشبه لون عينيها . ثم وضعت القليل من مساحيق الزينة على وجهها , الكحل الاخضر على الجفن و أحمر الشفاه بلون المرجان ومسحة بودرة على انفها الصغير و جبينها الناعم . ولما ظهرت في بهو المطعم , راح بعض السياح يصفرون . وشقت لورا طريقها وسط هؤلاء السياح عندما شعرت بيد قاسية تتأبط ذراعها وصوت عرفته في الحال يهمس في أذنيها . " كنت في إتظارك . اتريدين تناول العشاء هنا ,أو تفضلين مكاناً حميماً ؟". وبينما هو يتكلم أبعدها عن المعجبين فقالت بصوت بارد وهي تتخلص من قبضته : " لا تقلق عليّ سينيور راميريز ,إني قادرة على ان اتولى أموري بنفسي ". " هل انتِ على موعد مع احد ما ؟". بدأت لورا تتكلم وهي تخفض رموشها الطويلة : " كلا , كنت ... كنت أتوجه الى فندق المطعم لتناول العشاء . فالجميع تعودوا رؤيتي وحيدة ". قدّم لها ذراعه في لياقة , مما جعلها تتأبطه بعد لحظة تردد . استقبلهما مدير التشريفات في الفندق وقال بعدما عرف باستغراب رفيقة السينيور : " آه سينيوريتا ترانت ! ". ثم أضاف باحترام كبير : " مساء الخير , سينيور راميريز !". " كيف حالك , يا توماس ؟". " حسناً , شكراً سأقدم لكما طاولة جيدة ". قال السينيور وعلى وجهه امارات الأسف : " لا يمكنني أن أتناول طعام العشاء مع السينيورا هذا المساء , إني مدعو ولا يمكنني أن أرفض هذه الدعوة بالذات ". أجابت لورا في مرح : " لا داعي للاعتذار , سينيور راميريز . أريد تناول العشاء وحيدة ". بريق غريب ظهر في الوجه الاسمر والتفت دييغو راميريز نحو مدير التشريفات وتحدث اليه باللغة الاسبانية . وادركت لورا أنها فهمت انه يتكلم عن السينيورا راميريز وعيد ميلادها . وبعدما اجلسها أمام طاولة تطل على منظر رائع , علىالخليج المضاء , شرح لها توماس أن هذا العيد سيتم الاحتفال به في غرفة الطعام التابعه للفندق . فقالت لتوماس الذي بدا عليه الانهماك و العجلة : " كنت أفضل ان اجلس أمام طاولتي العادية ". اجابها من دون إخفاء شعوره الفضولي : " إن السينيور راميريز يصرّ على أن اخصص لكِ هذه المائدة , من الآن فصاعداً . لا شك أنه سوف يتناول معكِ العشاء في معظم الاوقات ".!! فردّت لورا في لهجة لا يمكن مناقشتها : " طبعاً لا .. هل بإمكاني الحصول على قائمة الطعام من فضلك ؟". كلمته في هدوء تام , لكنها كانت تغلي في الداخل , وبينما كانت ترمق مدير التشريفات بنظرة عندما كان يعطي اوامره الى الخادم , فهمت من دون صعوبة ماذا كان يقول : " ان السينيورا الجالسة وراء الطاولة رقم 14 هي الرفيقة الجديدة للسينيور راميريز , اهتم بها جيداً ". كانت لورا تود من كل قلبها أن ترفض العشاء وتعود الى شقتها , لكنها كانت تخشى إثارة مشاكل جديدة , فاكتفت بان تختار الوجبة البسيطة . لكنها صرخت عندما رات الخادم يجلب لها المشروب المثلج في زجاجة على رأسها وردة حمراء : "لكن انا لم أطلب ذلك المشروب !!". " انها اوامر السينيور راميريز ". " لا أريد أن أشرب شيئاً . أعدها من فضلك ! ". كانت طاولة السينيور راميريز التي تحتل وسط غرفة الطعام تضم أفراد المجتمع المكسيكي الرفيع . وكان يترأس الطاولة دييغو راميريز وزوجته التي كانت تشع جمالاً في فستانها المطرز المصنوع من القطن الأبيض وكانت تبدو سعيدة لأن تكون هدف نظرات الإعجاب كلها . وعندما رفع دييغو كأسه ليشرب في صحة السينيورا وهو ينظر اليها في حنان , وضعت لورا منشفتها وخرجت بسرعه من المطعم . كيف يمكن لرجل يحب زوجته لهذه الدرجة ان يمهد لإقامة علاقة مع امراة اخرى . ليس في الكون رجل يشبه الرجل اللا تيني الذي يفرض على زوجته القيود . ويطلق لنفسه العنان في اقامة اية علاقه يريد مع النساء !.
الفصل الثاني
2- كذبة بيضاء .......اسودّت ..
مرّ اسبوع بكامله , لم تتبادل لورا خلاله الحديث مع دييغو رايمريز , ومع ذلك , فقد ظلت تعي وجوده في قربها , وعندما كانت تهتم بزبائنها , غالباً ما كانت تلاحظ شبح السينيور الممشوق يقف امام الواجهه . وكلما ذهبت لتبتاع لنفسها شيئاً من المحلات , تراه هناك , على بعد أمتار قليلة منها . حتى في الكنيسة حيث تذهب من وقت الى اخر لتبحث عن الهدوء , والصفاء اللذين شعرت بهما خلال السنوات التي عاشتها في دير الراهبات في لوس انجلوس , حيث امضت كل سنواتها الدراسية , كانت تلمحه من بعيد مستنداً الى احد عواميد البناء . وكلما راته تشعر بتوتر مفاجئ , الى درجة انها بدأت تبحث عنه بنظراتها في أي مكان كانت تذهب اليه . واذا لم تره صدفة , كانت تشعر بقلق غريب , كالاحساس بالفراغ . " يا لحماقتها "! كانت توبخ نفسها وهي ممدة على الشاطئ الرملي المحرق , امام الفندق . لن تذهب بعيداً الى الشعور بالقلق تجاه الاهتمام الودي الذي يظهره لها لاتيني يكرس حياته لامراة اخرى مرتبط بها وهي زوجته . تربيتها الصارمة تفرض عليها الابتعاد عن رجل متزوج , مهما كان جذاباً وانيقاً وصاحب نفوذ . والسينيور دييغو راميريز هو كذلك حقاً ! إن رؤيته وحدها تكفي لإثارة لورا وتشويش أفكارها . على بعد منها , على الشاطئ , كان يجلس شاب مكسيكي , يرتدي زي السباحة يظهر اسمرار جسمه النحيف , وقد نجح في جذب سائحة امريكية في سن متقدمة ... وهي من تلك النساء الوحيدات , الثريات ,اللواتي جئن الى الريفيرا المكسيكية للبحث عن اللهو و كسر روتين حياتهن الرزينة . ومنذ ان وصلت لورا الى الاكابولكو وهي ترى مثل هذا المشهد يتكرر يومياًَ , مما يزعجها و يجرح إحساسها التقليدي . الشمس القوية ارغمتها على إغماض عينيها . فهي لا تخاف هؤلاء الرجال . إنهم يعرفون أنها ليست غنية ولا تبحث عن مغامرة عاطفية , لذلك لا يضيّعون وقتهم في ملاحقتها بحضورهم المتواصل . ووراء جفنيها المغمضين , شعرت بظلٍ ينعكس على وجهها . فتحت عينيها قليلاً , وفوجئت بنظرات دييغو راميريز الحارة تحدّق فيها . كان يرتدي زي سباحة أبيض . ولثوان عديدة تبادلا النظرات . كأنهما يلتقيان للمرة الأولى . قالت لورا بعد جهد : " ماذا تفعل هنا " ؟. "اني هنا مثلما انتِ هنا , للسبب نفسه ... كي أستحم , هذا مسموح , اليس كذلك ؟".!! همست لورا بسخرية وهي تجلس : " لا تريد إقناعي بانك لا تمتلك شاطئاً خاصاً بك ". جلس دييغو قرب لورا التي تناولت نظارتيها من حقيبة يدها ووضعتها على عينيها بسرعة . " ليس في المكسيك شواطئ خاصة . اني املك فيلا في الجنوب على بعد بضعة كيلومترات من هنا و لحسن الحظ أن السياح يفضلون اكابولكو ولا يذهبون بعيداً حتى هناك ". قالت لورا بسخرية وهي تدع الرمل ينزلق بين أصابعها : " ما اروع ان يملك المرء مالاً كثيراً يتيح له أن يتمتع بحياته الخاصة ". فأجاب معترفاً : " هذه حسنات المال , لكن ينبغي ألا تنسي ما يفرضه من أعباء ومسؤوليات ". تردد عندما لفظ الكلمة الاخيرة , فنظرت اليه لورا في حيرة وارتباك . ذكرتها كلمة المسؤوليات بزوجته التي احتفل بعيد ميلادها بطريقة ودية في الاسبوع الماضي .. سالته ... " هل لديك اولاد ؟!". " كلا لسوء الحظ , لكن ذلك وارد ضمن مشاريعي المستقبلية ". وبينما كانت لورا تتأمل السباحين يغطسون في البحر , ارتسسمت على وجهها ابتسامة ساخرة وقالت : " أعتقد بان هدف الرجل اللاتيني , عندما يتزوج , هو أن يظهر رجولته ويفرض على زوجته انت نجب له ولداً بعد أقل من سنة ". سكتت لحظة وتسائلت في نفسها , هل هو حقاً الحديث الذي يجب ان اتبادله مع انسان مجهول ؟ قال في مرح وهو يحدّق في عينيها : "لا تنسي يا عزيزتي ان النساء اللاتينيات لا يعترضن على ذلك ". ثم سالها فجاة : " هل لديكِ صديق ؟". " ماذ تعني ؟". " غريب حقاً أن تجلس امراة جميلة على شاطئ البحر بدون شخص يحميها من نظرات الرجال الذين بيحثون عن طريدة جميلة مثلك ؟". وبحركة من يده أشار ليس فقط الى الرجال المكسيكيين , بل الى السيّاح الامريكيين الذين لم يكفوا منذ أن وصلت الى الشاطئ , عن التحديق فيها . قالت : " سبق لي وقلت انني في سن ناضجة تسمح لي بالاتكال على نفسي . اما الجواب عن سؤالك فهو نعم . لدي صديق وهو خطيبي , لكنه حالياً في لوس انجلوس ". اطلق صفيراً مصحوباً بالدهشة , فقالت لورا لنفسها في غيظ .. كل الرجال وقحون ... لا يتورعون عن سجن زوجاتهم ويعتبرون عدم اخلاص المراة للزوج او الخطيب شتيمة أو عار .. قال في سخرية : " لكنك لا تضعين خاتم الخطبة ". " انني اضعه باستمرار , لكنني خلعته لانني أخاف ان يسقط مني في الماء أ, في ......" "واظن انكِ تخشين ايضاً ان تفقديه خلال العمل ". رمقته لورا بنظرة ساخطة و قالت : "" اثناء عرض الازياء لا تضع العارضة سوى المجوهرات التابعه للمؤسسة التي تعمل فيها . والآن يا سينيور , أرجو أن تعذرني لانني مضطرة الى الذهاب لأدعك تستمتع بالسباحة ". قال ويهز كتفيه : " هذا غير مهم في الوقت الحاضر ". نهض و أصر على أن يرافقها الى الفندق , وبرغم انزعاجها فانها لم تستطع أن تتجاهل نظرات النساء تلاحق السينيور في تحركاته . فتح باب الفندق و ابتعد عنه ليدعها تدخل الى البهو المكيف وتبعها حتى المصعد . سألها في لا مبالاة وهو يتكئ على الحائط : " هل تحبين أن تتناولي طعام العشاء معي مساء اليوم . إن اكابولكو ليست المكان المناسب لامراة وحيدة ". "أفضل أن اتتناول طعام العشاء وحدي . على ان اكون مع رجل معروف جداً , فضلاً عن انه متزوج ". صمتت لحظة ثم قالت وهي تشير في اتجاه الباب الزجاجي الذي يطل على الخليج : " على الشاطئ عدد كبير من النساء اللواتي يسرهن قبول دعوتك الى العشاء ". تنهد وهو يبتسم وقال : " أعرف ذلك جيداً , ولكنني أحب أن العب دور الصياد , لا دور الطريدة ". ارتعشت لورا بالرغم منها . ليس من الصعب تصوّر هذا الوع من الرجال , وهم يلاحقون الطريدة و يتمسكون بها الى أن تستسلم . قالت : " لا أرى مانعاً بان تلعب دور الصياد , شرط ألاّ أكون من بين الطرائد ". قال وهو يتبعها بنظراته , وهي تدخل الى المصعد : " انك تطلبين مني الكثير يا لورا . الى اللقاء ". على مدى أسبوع اختفى السينيور دييغو رايميريز من اكابولكو . وقد حاولت لورا اقناع نفسها بانها تشعر بارتياح بغيابه , لكن الحقيقة كانت عكس ذلك , فقد شعرت بشوق كبير اليه . نادتها سكرتيرة المحل للرد على الهاتف . وعندما تعرفت الى صوت دييغو . فقالت له في جفاء : " هل تتكرم بالأ تضايقني بعد الآن ؟ اذا كنت مصراً على ازعاجي , فسأضطر الى الاستعانة بحارس خاص ". لكن هذا التهديد لم يؤثر فيه فقال وهو يطلق ضحكة صغيرة : " استغرب كيف ان امراة في مثل جمالك البارد تتصرف بهذا الغليان والتوتر ! لا أنوي ازعاجك . أريد فقط أن أجدد لكِ دعوتي للعشاء ". " هذا ما اعتبره ازعاجاً للناس يا سينيور . كم مرة ينبغي ان أقول إن دعوتك هذه لا تهمني أبداً ." " لورا , بامكانك ان تؤدي لي خدمة كبيرة . عليّ ان استقبل رجل أعمال وزوجته وهو مثلك امريكي الجنسية , و أفضل ألا اكون وحيداً من دون رفيقة ". " هذا مستحيل يا سينيور , لانني ساتعشى مع خطيبي ". ران صمت قصير قطعه السينيور قائلاً في جفاء : " فهمت . ينبغي أن أبحث عن رفيقة اخرى ". قالت في لهجة ثاقبة قبل ان تضع سماعة الهاتف بخشونة : "سبق وقلت لك , انك لن تجد صعوبة في العثور على رفيقة ". وبعد انتهاء المحادثة بقيت لورا تحدق في الهاتف في امعان وهي تعض على شفتيها بتوتر . ان دييغو راميريز هو الذي سبب كل هذا التوتر . فهي لا تحب الكذب . كما انها ستكون وحيدة هذه الليلة كالعاادة . بينما لو كانت رفقته لأمضت سهرة ممتعة . ليست في حاجه الى مخيلة واسعه لتدرك أنه فارس الاحلام الذي تتمنى كل امراة ان تكون رفيقة سهراته . ولما دخلت الى شقتها , سمت رنين الهاتف , فتسائلت : " يا الهي , ربما هذا دييغو راميريز الذي اكتشف ان خطيبها على بعد الف ميل من هنا . لكنها عندما عرفت الصوت نسيت في الحال الرجلين وصرخت : " ابي ! أين انت ؟ " . ضحك دان ترانت وقال : " إني هنا . في أكابولكو , رجلان استاجرا سفينتي في لوس انجلوس وفكرت بانها الفرصة المناسبة لا اقوم بزيارة قصيرو الى ابنتي الوحيدة ". "وكم من الوقت ستبقى هنا ؟". " آه , أيام قليلة فقط , هذان الرجلان يصران على أن انقلهما الى مكسيكو في اسرع وقت ممكن . من الافضل لهما ان ياخذا الطائرة الى مكسيكو لكنهما يحبان ممارسة هوايتهما المفضلة وهي صيد الاسماك . مع انهما لا يعرفان تماما كيف يحملان قصبة الصيد ". " هذا لا يهم . متى أراك ؟ اني في شوق اليك ". " ساقوم ببعض المشتريات للسفينة ....ايناسبك ان التقيك في الندق بعد ذلك ؟ يجب الاحتفال بهذا اللقاء كما ينبغي , يا صغيرتي . وانتِ تعرفين المطاعم المشهورة , اليس كذلك ؟". أجابت لورا بفرح : " يمكننا الذهاب الى الميرادور , وفي الوقت نفسه يمكننا ان نحضر مشهد الغطس , انه لا يمكن تفويته ". " كما تشائين , هل في امكانك الاهتمام بحجز مكانين ؟". " نعم " . بعد ان اقفلت لورا سماعة الهاتف . طلبت رقم المطعم وحجزت طاولة للساعه الثامنه والنصف . هكذا سيكون امامها الوقت الكافي لتناول العشاء بهدوء قبل حضور مشهد القفز و الغطس من اعلى الشرفات التي تطل على الشاطئ الصغير . وبعد ان اخذت حماما سريعا ارتدت فستانا اسود يتلائ مع شعرها الاشقر بشكل بارز . بعد وفاة زوجته , تخلى دان ترانت عن كل شئ , عمله في السمسرة البحرية , ومنزله وحتى ابنته . اذ بعد شهرين من وفاة والدتها دخلت لورا دير الراهبات واشترى والدها يختا . وعندما كان يشعر بحاجة الى المال كان يؤجر اليخت و يقترح على المستاجرين خدماته كقبطان السفينة . وفي مخيلته ذكريات ساحرة عن العطلات التي كانت تمضيها على متن سفينة والدها التي دعاها بربارا على اسم والدتها . كان ذلك ممتعاً لها ولو لاسابيع قليلة , لتتخلص من اجواء الدير المملة والكئيبة . طرقات متواصلة على الباب جعلتها تدرك ان الطارق هو والدها الذي كثيرا ما خرجها من احلام المراهقة العاطفية بالطرطقة على الباب كانه يدق على الطبل . صرخت لورا وهي تبكي وتضحك في ان واحد معا بينما كان والدها يعانقها بحنان في ذراعيه القويتين : " ابي ! آآه, كم انا سعيدة لرؤيتك !". لم يتسن لها الوقت لتعاين وجه والدها إلا بعدما جلسا مواجهة وراء طاولة المطعم , ما يزال يتمتع بالنظرات الزرقاء نفسها . لكن تجاعيد وجهه بدات بالظهور , وشعره البني الكثيف بدات تتخلله بعض الخصل الرمادية و خاصة حول الاذن . لكنه ما زال رجلا بمظهر حسن وجذاب . وبينما كانت لورا تراقب نظرات بعض النساء المركزة على والدها . تساألت لماذا لم يتزوج دان مرة ثانية . نساء كثيرات كانت تحمن حوله وخاصة الجميلات منهن . لكن ولا واحدة كانت تتمتع باناقة والدتها وجاذبيتها وشعرها الاشقر كسنابل القمح . ولا واحدةكانت قادرة على ان تحل مكانها . قال دان ترانت وهو يبتسم : "لا تلتفتي الى الوراء يا صغيرتي . هناك رجل وراء الطاولةالبعيدة يرمقني بنظرات غاضبة . يبدو حتما انه مكسيكي . هل تعرفين احدا هنا ؟". ومن دون ان تلتفت أدركت لورا ان الرجل الذي يحدق في والدها ليس سوى السينيور دييغو راميريز . لماذا يظهر هذا الشيطان في اي مكان تذهب اليه . وخصوصا هذا المساء بالذات . اذ من المفروض انها تتناول العشاء مع خطيبها !.. أجابت في جفاف : " اني اعرفه من بعيد .. انه واحد من الذين يعتبرون ان كل شئ مسموح . لقد دعاني مرّات عديدة الى العشاء من دون علم زوجته بالطبع ". صرخ دان مستغرباً : " هل هو متزوج ؟ وهذه المراة السمراء الجميلة معه . هل هي زوجته ؟ لكن لماذا ينظر اليّ هكذا ؟". هزت لورا كتفيها : " تجاهله , ا رجوك . هؤلاء المكسيكيين يتصرفون بوقاحة لا مثيل لها ". " اذا حاول ان يعامل ابنتي بهذه الطريقة , بهذه الجراة الفظة ..." قاطعته لورا قائلة : " اني اعرف تماماً كيف اتصرف . لا تقلق عليّ . ولا تنسى أني مخطوبة ". قال وهو ينظر الى خاتم الخطبة في يد ابنته : " نعم صحيح . اني لا انسى ". في لقائهما الاول ظهر بوضوح ان دان وبرانت لم يستلطفا بعضهما العض . فالمحامي الشاب لم يكن راضيا عن طريقة حياة دان البوهيمية , هو الذي يعيش حياة منظمة . ولاحظ دان هذا الشعور وحزن على ابنته . لكنه مع ذلك يحترم اختيارها |. قالت لورا وهي تنحني نحو والدها : " سأغيب لحظة صغيرة . وبعد ان اعود نبحث عن زاوية تطل على الخليج حتى نتمكن من مشاهدة الغطاسين جيدا ." قال وهو يبتسم بحنان : " كما تشائين يا صغيرتي ". فكرت لورا وهي تمر بين الطاولات كيف ان والدها ما زال جذاباً واسفت لانه لم يتزوج بعد وفاة والدتها . الحياة الروتينية التي يعيشها لا شك انها تزعجه . فهو يستحق حياة افضل . وبعدما خرجت من الحمام اسرعت تغسل يدها وتضع على وجهها بعض الزينة والعطور . ثم خرجت الى البهو خافضة الراس وهي تحاول اغلاق حقيبة يدها . ولم تر الشبح الذي يرتدي البذلة السوداء يظهر من وراء شتلات ضخمة ويجابهها بعنف . صرخت مستغربة بعدما شاهدت نظرات دييغو راميريز الشرسة : " انت ! من اين اتيت ؟". اجابها في غيظ لم يعرف انه يكبته جيداً : " كنت اراقبك , لدي ما اقوله لك ". " صحيح ! وماذا تريد ان تقول ؟ اختصر كلامك . لا انوي ان ادع .....رفيقي ينتظر ". فقال في حدة متجاهلا نظرات الفضول التي رمقها بها الحضور : " اريد ان اكلمك عنه ! انه يكبرك سناً في شكل ظاهر ". " من يكبرني سناً ؟ هل تقصد .....؟". اجاب في شراسة : " خطيبك طبعاً . لا شك انه في سن والدك !". كبتت لورا قدر الامكان رغبتها الملحة في الضحك . دييغو يعتبر والدها خطيبها . اذا هو السبب الذي من اجله كان يرمق والدها بنظرات غاضبة . بدات تقول بصوت متردد : " لكنه ..و ......." ثم توقفت لحظة مدركة ان كذبتها انفضحت . ثم تابعت تقول : " ان له قلب شاب " . قال دييغو راميريز في حقد : " صحيح انه يكبرك في السن سنوات عديدة , فكيف ترتبطين به مدى الحياة ؟". وبعدما القى نظرة خاطفة الى السيّاح الذاهبين والاتيين داخل البهو , أمسكها من معصمها و جذبها وراء مجموعة المشاتل الضخمة وعاد يقول: " هل بامكانه أن يوفّر لكِ الحب و الشوق و اللهفة ؟ هل سبق أن عانقكِ ؟" فجأة , جذبها نحوه وشدها الى صدره وراح يعانقها بشغف حتى جعلها تلهث خاضعة وتقول : " دعني ! ارجوك ! ". " ادرك تماماً انه لم يسبق له ان عانقكِ كما يجب !". فقالت في غضب و هي تتخلص من قبضته : " وانت يا سينيور , منذ متى لم تعانق زوجتك هكذا ".؟؟!! عندما عادت الى والدها , كان وجهها ما زال مضطرباً وقدماها ترتجفان. " آآه , ها انتِ قد عدتِ ! اجلسي واحتسي القهوة , مازال أمامنا بعض الوقت قبل ان يبدا مشهد الغطس ". جلست في الكرسي وهي لا تزال متأثرة بالصدمة . وهنا مرّ السينسور في قربها . فخفف من خطواته وحدحّق فيها ثم تابع طريقه . نظر دان الى ابنته في حيرة وارتباك , كانه فهم ما حدث منذ لحظة ,على بعد امتار قليلة منه . فسالها في قلق : " اليس هذا الرجل هو المعجب بكِ ؟". " كيف؟ آآة . نعم ". " لو كان برانت ينظر اليكي كما نظر اليكِ هذا الرجل لكنت سعيداً جداً ". بعد فترة صمت أجابت لورا : "أبي , ان برانت يحبني . وهو ينوي الزواج منى , اليس هذا كافياً ؟". فقال لها وهو يربت على يدها في حنان : " لكن , يا حبيبتي , يجب ألا تخلطي الأمان والاستقرار بالحب و الرغبة . إن برانت شاب لطيف , لن يضربكِ و سيكون زوجاً صالحاً لكِ . وتتمتعين معه بحياة راغدة و ستسكنين في منزل صغير جميل في الضاحية .. وستنجبين ولدين مثل الجميع ... لكن .... لا أعرف جيداً كيف أشرح لكِ .... . لن تعيشي الحياة التي عشتها مع أمك ....كنا زوجين مثاليين وفي الوقت نفسه غير عاديين ...." فقالت لورا في صوت مفاجئ ومبحوح وعينها تدمعان : " اعرف ذلك تماماً . انت وامي كنتما زوجين رائعين واستثنائيين . ومن النادر اليوم ان تجد مثلكما في هذا العالم . ماذا علىّ أن افعل ؟ يجب أن اقتنع بما عندي ....على الاقل ....." " ربما انتِ على حق ... هيا بنا نتفرج على الغطس ". تبعت لورا والدها خارج غرفة الطعام . غير انها لم تستطع ان تقاوم رغبتها في القاء نظرة خاطفة على مائدة دييغو راميريز . كان معه الزوجان الامريكيان اللذان حدّثها عنهما , وامراة شابة سمراء رائعة الجمال , ابتسمت لها المراة . لم يجد دييغو صعوبة في ايجاد رفيقة له . وفي حركة الية رفعت لورا يدها لتلمس شعرها وشاهدت ديغو يحدّق في خاتم الخطبة الذي يلمع في اصبعها . أسرعت باللحاق بوالدها الذي ابتسم لها بحرارة وادخل الى قلبها العزاء و المواساة . استرعى انتباهها الشاطئ الصخري الذي بدا يشع تدريجياً بالاضواء المختلفة الالوان .. شاهدت لورا رجلاً مستعداً لقفز , بشرته تلمع تحت تأثير الاضاءة الكثيفة , كان يقف على نتوء صخري من علو شاهق , احنى راسه وبدا انه يحدق في امعان الى المياه التي تغلي من تحته . سبق للورا ان شاهدت باعجاب كبير مرات عديدة هذا المنظر الذي يحبس الانفاس . فاسرعت تشرح لوالدها الوجه التقني للغطس : " عليهم ان يصمموا قفزتهم بعناية . في الحالة العادية , لا يتجاوز عمق المياه اكثر من مترين ونصف متر بانتظار ان تاتي موجة قوية ترفع الماء الى علو اربعة امتار . وهذا الحد الادنى المنتظر لتحقيق القفزة ". " اريد أن أصدق ذلك . من المفروض اذاً ان يستعد لوثبة قوية ليتحاشى السقوط على الصخرة ". " طبعاً . آه .. انظر انه يقفز ". رفع الغطاس ذراعيه . وحبس المتفرجون انفاسهم وهم يشاهدون هذا النحيف يستعد للقفز ويحلّق مكتفاً ذراعيه مثل عصفور متألق , قبل أن يغطس مثل السهم في الماء التي تتصاعد منها الرغوة البيضاء . التفتت لورا الى والدها الذي كان يمسك بيدها ويبتسم لها في حنان هامساً : " ان هذا المشهد مثير حقاً " . " انتظر رؤية الذين يقفزون من قمة الصخور , من علو ارعين متراً أو أكثر . لقد شاهدت هذا المنظر مئات المرات وما زلت ارتعب كأنها المرة الأولى ". همس دان وهو يبتسم في وجهها المتالق الذي يذكره بزوجته الراحلة : " انني اتساءل ما اذا كان قلبي يتحمل هذا النوع من الانفعال ". قالت لورا ضاحكة وهي تتطلع الى العدد الهائل من الناس المحيطين بهما : " يجب ان تتحمل ذلك , اذ ليست هناك طريقة نستطيع فيها ان نغادر المكان وسط هذا الحشد ". فجأة , ماتت الكلمات على شفتيها , فقد التقت نظراتها بنظرات راميريز التي كانت تشع باانفعال غريب . فوجئ دان بسكوت ابنته فتطلع اليها وقال : " لورا ,ماذا لكِ ؟". " نعم ؟". نفضت لورا جفنيها كانها تستيقظ من حلم , ثم قالت : "انظر يا ابي , شاب اخر سيقفز الآن ". تطلع دان نحو قمة الصخرة حيث راى غطاساً ينتظر في انتباه أن تاتي الامواج على علو ارعين متراً منه . الجمهور الذي شاهد هذا الجسم النحيل الاسمر الملئ بالحيوية يلتطم بالموجة العالية , بدأ يصرخ بحماس ويطلق زفرات الارتياح . وتسائلت لورا , ترى بماذا يفكر الرياضيون لحظة القفز في الفراغ .. ربما الى الابد .....رفعت عينيها الحالمتين , والتقت مرة اخرى بنظرات دييغو القوية , كانه لم يحوّل نظره عنها طوال الوقت , قارئاً كل ما يدور في أفكارها . نهضت لورا تاركة المكان لغيرها من المشاهدين وبعد لحظات كانت مع والدها قد غادرا فندق الميرادوز . وعندما أوصلها دان الى فندق بانوراما رفض ان يتناول اي شراب وقال مبتسماً : " الى مساء غد يا صغيرتي . هل تتناولين العشاء معي على متن السفينة ؟". " بكل سرور ". " أخشى ألاّ اكون قادراً على أن أعِدّ لكِ وليمةً في الوقت الحاضر ". ابتسمت لورا وقالت : " فهمت , ساحضر معي كل ما نحتاج اليه للعشاء . لا تقلق يا ابي , فسأعد لك عشاءً لذيذاً ". "هل يوافقك ان يكون الموعد الساعه السادسة ؟". قالت لورا وهي تقف على رؤوس اصابعا لتقبيل والدها : " اتفقنا ". وعندما اصبحت في شقتها اخذت تذرع ارض الدار ذهاباً واياباً مئات المرات , مقطبة الجبين , قلبها الحزين العامر بالكآبة والقلق . ماذا جرى بينها وبين والدها ؟ خيّل اليها ان احاديث دان الودية تخفي قلقاً غامضاً ......
الفصل الثالث ..............
3- امور تحدث سريعاً !!
لا شك في ان المكسيكيين اسوا من قاد السيارات في العالم . رددت لورا هذا الكلام وهي تقود السيارة على طول الجادة الجميلة , التي تمتد بمحاذاة مجموعة من الفنادق الضخمة المطلة على الخليج . ومرة خلال حفلة استقبال حضرتها قال لها رجل اعمال مكسيكي : " الرجال هنا جبابرة اقوياء .. وأضاف : " في بلادنا وفي كل المناسبات , على المكسيكي ان يفرض سيطرته وسواء حاول الحصول على امراة او كان يقود سيارته , فانه مضطر الى ان يفعل المستحيل ليؤكد سطوته وعلّو شانه . وما على المراة إلا أن تطيع ". استعادت هذه الكلمات , وهي تحاول عبثاً تغيير اتجاه سيرها لتستطيع سلوك طريق المرفأ . فجأة توقف سائق تاكسي ورمقها بنظرة إعجاب , وتخلّى لها عن فسحة إستطاعت من خلالها عبور الطريق المطلوب . وبعد دقائق صفّت سيارتها في مرآب نادي اليخوت . اخرجت من سيارتها كيساً يحتوي على كل ما تحتاجه لإعداد عشاء اميريكي يحب والدها أن يتناوله , ثم سارت على رصيف الشاطئ..الى حيث يرسو يخت والدها . صعدت الى سطح اليخت الخلفي فلم تجد احداً . فنادت وهي تقترب من السلم الذي يؤدي الى قاعة الجلوس و المطبخ : " ابي !!أبي !! إنني هنا ". لا جواب . هبطت لورا بحذر السلم الضيق , المطبخ الصغير كان فارغاً , وكذلك غرفة الجلوس التي تحتوي على طاولة في وسطها ومقاعد مغلّفة بالنسيج القطني ذي الألوان الزاهية . اتكأت لورا على أحد الجوانب وغرقت في الذكريات , تعرّفت الى الرائحة العادية الممزوجة برائحة سجائر والدها . وبدأت تنفعل . كم هي نادمة لاها لم تكن مثله شريدة البحار , غير ان دان فضّل العمل بنصائح الراهبات اللواتي أشرن عليه بادخال لورا المدرسة الداخلية اذا ارد ا ان يضمن مستقبلها . ترعرعت لورا على ايدي الراهبات اللواتي كرّسن حياتهن للتربية والتعليم . مرّة حدثتها الاخت كرميليتا ذات الوجه الملائكي , التي كانت تعلمها اللغة الاسبانية , عن مستقبلها كامراة وذلك عندما عبّرت لورا عن رغبتها في دخول سلك الرهبنة . اذ قالت لها الراهبة في لطف وهي تبتسم : "لا يا لورا . سيدخل حياتك يوماً ما رجل يغمركِ بحنانه و تنجبين منه اولاداً تسعدان بهم . أعتقد يا ابنتي ان دخولك السلك سيكون غلطة ". سرعان ما نسيت لورا هذه الرغبة , لكن كلمات الاخت كرميليتا ظلّت محفورة في ذهنها . وعندما التقت برانت اعتقدت انه هو رجل حياتها . فهو يتمتع بمزايا خلقية رفيعة , اهمها انه لا يحاول ان يمارس الزواج قبل الاوان وهذا شئ نادر في هذا العصر حيث لم تعد هناك أية حدود تمنع الرجل والمراة من الاستمتاع . تناهت الى سمعها خطوات على متن السفينة , فانتفضت واسرعت الى تسلق السلالم ... "أبي ..اين كنت ؟؟ أرجو ألاّ تكون قد اشتريت اغراضاً للعشاء لأنني ............."" سكتت فجأة وهي ترى شبح دييغو راميريز الممشوق و المفرط في الاناقة منتصباً امامها . سألته في لهجة باردة : " ماذا تفعل هنا ؟ بدأت أسأم رؤيتك وملاحقتك لي في كل مكان . سيأتي والدي في أية لحظة الان , لذلك انصحك بالذهاب ". قال متجاهلاً ملاحظتها : " أيمكنني الهبوط إلى داخل اليخت ؟". "والدي في طريقه الى هنا . ولن تسرّه رؤيتك على متن سفينته ". لم يأبه لهذا التهديد , بل توجّه في هدوء الى غرفة الجلوس وقال : " اجلسي يا لورا . لديّ أمر مهم أريد أن أحدثك فيه ". فقالت في لهجة حاسمة : "أرجو ان تقول ما عندك بسرعة , أريد إعداد العشاء لوالدي ". هزّ رأسه في تعبير آسف جعل لورا تشعر بجفاف في حلقها و بقلق غامض ... قال وهو يسمّر عينيه في عينيها : " أخشى ألا يتمكن والدك من أن يتناول العشاء معكِ هذا المساء ". " لماذا " ؟؟ " آسف أن ابلغكِ أن والدك محجوز لدى الشرطة المحلية ". قالت لورا وقلبها ينبض بسرعة .... " الشرطة .....إن هذا مستحيل ".. " كنت على الشاطئ القريب جداً من هنا ولاحظت زحمة وهياجاً على السفينة وعرفت الرجل الذي اصطحبته الشرطة : انه الرجل ذاته الذي كان يرافقك في مطعم الميرادور .......وقد كنت اعتبره خطيبك ....." سألت وهي تنهض غاضبة من دون ان تعي ما قال : " لكن لماذا اوقفت الشرطة والدي ؟ لم يقم بشئ غير قانوني طيلة حياته .. لاشك أن ذلك خطأ ... يجب ان اذهب وارى ماذا يجري .... وساقول لهم ....." وفي حركة نجح دييغو في تهدئتها ... " ربما فيما بعد علمت من الشرطة التي اوقفته ان والدك متهم بالتورط في عملية تهريب مخدرات .. وهنا في المكسيك تعتبر جريمة كبيرة ". رددت لورا منذهلة .... " تهريب مخدرات ؟؟ أبي ؟؟ لكن مستحيل ,,,, هل سمعت ما أقوله ... هذا مستحيل ". قال دييغو في حزم .... " اجلسي " هبطت الفاته في المقعد ...أما دييغو فظل مستندً الى الطاولة .. " يجب أن تدركي جيداً ان والدك متهم بجريمة بالغة الاهمية .. وحسب الادلة التي اكتشفت على متن الباخرة فهو معرض لان يبقى في السجن طيلة الحياة او لنقل مدة طويلة قبل افتتاح المحكمة " همست لورا واضعه رأسها بين يديها ..... " محكمة؟؟ لا ... لا يمكنني ان اصدق شئيا كهذا ".. " لكن هذا هو الواقع ...ذهبت الى مركز الشرطة وتوصلت الى التحدث مع والدك .. فاخبرني بان الرجلين اللذين استاجرا منه اليخت عادا في الصباح الباكر وما لبثا ان غادرا .. وقالا له انهما سيعودان في المساء .. وكانا على استعداد للابحار فجر الغد ". قالت لورا مستغربة وهي تقفز ... " رجلان , هما اذاً المذنبان .. قال لي والدي انهما استاجرا السفينة وفي نيتهما الصيد ,, لكنهما لم يكونا يعرفان شيئا عن الصيد .. ساخبر الشرطة بذلك ".. ارادت الاسراع نحو الممر لكن دييغو اقفل عليها الطريق وقال وهو يمسكها من كتفيها : " لا تتصرفي تصرفا احمق! هل تتصورين ان الشرطة هنا ستصغي الى ما تقولينه ,, انتِ ابنته !!". "لكن يجب ان افعل شيئا ما ". قال لها بلطف : " لا يمكنك ان تفعلي شيئا يا لورا امام السلطات ....." سالته وقد احتلتها الكابة فجاة : " الى من سالتجئ اذاً ؟ هل في اكابولكو قنصلية للولايات المتحدة ؟". " كلا .. القنصليه مركزها في مكسيكو .. لكن في مثل هذه القضايا لا يستطيع القنصل ان يفعل اي شئ ". " يبدو وكانك وجدت الحل ..ارجوك .. قل لي ماذا افعل ؟". حدّق في عيني الفتاة الخضراوين ثم اخفض جفنيه وقال في صوت مبحوح : " لديّ نفوذ في بعض الاوساط " " يمكنك اذا ان تفعل شيئا ما لمساعدة والدي ". وفي هذه اللحظة بالذات رفع راسه وانتفضت الفتاه امام حدّة نظراته القاتمة : "لكن نفوذي يكون له صدى اقوى اذا ......." عمّ صمت طويل راح فيه قلب لورا ينبض بسرعة ... واضاف : "اذا كنتِ زوجتي ". كالبلهاء راحت لورا تحدّق فيه وهي تلاحظ برغم الصدمة القوية وجهه ذا الملامح البارزة ورموش عينيه الطويلة وقساوة فمه ورددّت في صوت خفيض : " زوجتك ؟ لكن الا تكفيك زوجة واحدة !". هزّ راسه في تلهف : " أنا لست متزوجاً والمرأة التي تعتقدين أنها زوجتي هي في الحقيقة أرملة أخي الصغير ..جيم . . الذي قتل السنة الماضية في سباق القوارب الآلية ". " لكنني كنت أعتقد ...." توقفت ..... وكل شئ يغلي في ذهنها .. " نعم .. اني اعترف انني جعلتك تعتقدين ان كونسويلو زوجتي لم يكن ذلك قصدي في بداية الامر .. ولكن عندما وضعت في ذهنكِ انّ المراة التي ترافقني في حفلة عرض الازياء هي زوجتي , لم اكن قادرا ان انكر ذلك .. كنت اريد ان اعرف ما اذا كنتِ قادرة على الصمود مدة طويلة امام رجل تعتبرينه متزوجاً ". ولان تعبيره بعض الشئ ...ثم قال ..: " اني اعترف بانك تصرفتِ بعناد وتصلب ".. ما زالت لورا مضطربة لوضع والدها المؤسف ,, فلم تسجل هذا الاعتراف الجديد . " لم افهم بعد .. هل كان ذلك امتحاناً ؟؟ أهذا ما تقصده ؟". " نوعاً ما .. نعم ." تناول من جيب سرواله علبة السيجار واخرج سيجاراً صغيراً واشعله بقداحة ذهبية .. خارت قدما لورا وهبطت في المقعد .... قال دييغو وهو ينظر من نافذة اليخت : " يهمني جدا فيما يتعلق بهذه الامور ان تكون زوجتي مترفعة عن اية شبهة ". تأملته لورا لحظة من غير ان تقول كلمة ... فهي حزينة لما حصل لوالدها ثم صرخت وهي تستعيد وعيها ... " لكنك مجنون حقاً ! لن استطيع ان اتزوجك .. يبدو انك نسيت اني مخطوبة واني ساتزوج حين اعود الى لوس انجلوس ". سأل دييغو وهو يتفحص وجه لورا الجميل المحمر خجلاً : " هل تحبين ذلك الرجل ؟". أكدّت له وهي تقف لتواجهه وعيناها تتوهجان غضباً : " طبعاً .. ولماذا اتزوجه اذا لم اكن احبه ؟". ما من احد يعرف ما الذي يدفع النساء الى الزواج ... هل هو المال ام المركز ام الاستقرار .. ام الحب , خطيبك , هل هو غنيّ ؟". " كلاّ . انه محام شاب ما زال في بداية الطريق .. يمكنك ان تلغي السببين الاولين ". " اذاً لا شك أن السبب الثالث هو الذي ينطبق عليكِ , الاستقرار ... اهذا ما يقدمّه لكِ ؟ منزل في حيّ جميل , وولد أو ولدان .. وسهرة نهاية الاسبوع في النادي ". " وماذا عندك ضدّ هذا النوع من الحياة , في كل حال انه وضع معظم الناس في بلادنا , ولست اخجل من كوني جزءاً منهم ". ثم اضافت في لهجة ساخرة : "طبعاً , ليس بامكان الجميع ان يملكوا منزلا يقع في محطة الحمامات الاكثر شهرة في العالم , وربما ايضاً قصراً في مكسيكو ". اخذ دييغو نفساً من سيجاره وقال في تمهل : " ليس في هذا خطأ .. في كل حال ان المراه تحب بشغف الرجل الذي يؤمن لها كل هذه المتعه .. هذا ما يوصلنا الى السبب الرابع الذي هو .... ". قاطعته لورا قائلة: " لماذا نتجادل في هذه الامور السخيفة بينما أبي يقبع في احد سجون بلادك التعيسة ؟ سوف أصبح مجنونة مثلك .... " اجابها دييغو ...: " اني لست مجنونا . لكني انتهازي .. واعترف بان سجوننا ليست كما يجب وخصوصاً اذا كان السجين متهماً بتهريب المخدرات , لكن يمكنني القول ان والدك لا يلقى معاملة سيئة .. لقد حاولت اقناعهم بان يقدموا له الطعام المعقول وان يجعلوا زنزانته في وضع مريح ومقبول ". فقالت في صوت مخنوق : " شكراً .. المال يفعل كل شئ , اليس كذلك ؟". " في مثل هذا الوضع , المال وحده لا يكفي ..." ترددّ ثانية ثم أضاف : " ان الموظفين الذين اتصلت بهم من اجل مساعدة والدك عطفوا عليه , ليس من اجل المال , بل بسبب قرابتي لوالدك ". " لقرابتك بوالدي .....؟ لكنك لم ..... لم تقل لهم ان .........ان ........" قال لها وهو ينظر اليها في جراة : "قلت لهم انكِ ستصبحين زوجتي . وانني لا ارضى ان ارى عمي يلقى معاملة المجرمين ". فهمست لورا وهي شاحبة الوجه : " كيف تجرات وقلت ذلك ؟". " هل تعارضين ان ينال والدك معاملة حسنة ؟" اجابت في غضب : " لا .. انما يزعجني انك كذبت من اجل ذلك ... وماذا اخبرت والدي ؟ هل كذبت عليه ايضاً ؟". " الحقيقة اخبرته عن رغبتي في الزواج منكِ ... وان ذلك سيتم ابكر مما كنت اتوقع .. نظراً للاوضاع الحالية ...." تقدم دييغو منها خطوة واخذها من ذراعيها وقال في صوت خفيض : " لن اخفي عليكِ انني كنت افضل ان يتسنى لي الوقت لان اغازلكِ يا حبيبتي .. لكن ...." وبحركة عنيفة تخلصت من قبضته وقالت بغضب : " انني امنعك من ان تناديني هكذا ؟ انا لست حبيبتك ولن اصبح حبيبتك ابدا ". فقال دييغو وهو يبتعد عنها : " حسنا " . توجّه نحو السلم ثم التفت ونظر اليها باشمئزاز واستخفاف وقال : " اذا غيّرت رايك يا انسة , يمكنك ان تتصلي بي في فيلا جاسينتا , انه اسم منزلي ". ثم اخرج من جيبه دفتراً صغيراً , وكتب بعض الارقام .. ثم اقتلع الورقة واعطاها اياها قائلاً : " ان رقم هاتفي غير موجود في الدليل الهاتفي .. فلا تضيعي الرقم , الى اللقاء ". ضغطت لورا على الورقة بين اصابعها الجامده وهي تنظر الى دييغو يصعد الى سطح السفينه . وبعد ذهابه شعرت فجأة بضياع وحيرة . .. عادت الى غرفة الجلوس واسترخت في احد المقاعد وعيناها تحدّقان في رقم الهاتف الذي انحفر للحال في ذهنها , لكن لابد من ايجاد طريقة لاخراج والدها من السجن من دون الاضطرار الى اللجوء الى الزواج من هذا المكسيكي المتوحش ! " ايمكنني ان افعل لكِ شيئا يا انسه ؟". ان مهنة لورا جعلتها تعتاد سماع كلمات الاعجاب . ومع ذلك فقد انتفضت امام نظرات الموظف الملحة الذي يحرس باب مركز الشرطة , وبين شفتيه سيجارة . "انني ..... اريد ان ارى والدي , دانييل ترانت ". سالها الشرطي في فضول وهو يعريها بنظراته : " هل انتِ الفتاة الاميريكية ؟" فقالت بترفع : "قل لي فقط اين يمكنني التحدث الى الشرطي المسؤول ". اجابها ببطئ وفي لهجة مليئة بالاشمئزاز والكراهية : " أظن انه مشغول في الوقت الحاضر ". لكن لورا مرت من امامه من دون ان تلح عليه ودخلت الى البهو ولاحظت من خلال باب مفتوح رجلاً ضخماً يرتدي بذلة رسمية جالس وراء مكتبه وزجاجة عصير في يده . ولدى رؤيته الفتاة الشقراء , نهض الضابط في سرعة وقال : " انسة ماذا تريدين ؟". " اريد ان ارى والدي , دانييل ترانت . جئ به الى هنا بعد ظهر اليوم ". فاجابها الرجل مقطباً عن حاجبيه : "موعد الزيارة ليس الان عودي في الغد ..." رفعت الفتاة يدها لتبعد شعرها عن وجهها , واذا بها ترى ملامح الضابط تتغير فجأة : " هل قلتِ انك تريدين رؤية السينيور ترانت ؟ اذاً انت ِ ......." " ابنته ". " خطيبة السينيور راميريز ؟". سحابة مفاجئة مرّت في عيني الشرطي الصغيرتين , انه يستغرب كيف انّ رجلاً غنياً اهدى خطيبته خاتم خطبه عادياً جداً . تبعت الشرطي في طول الممر الضخم التي تفتح عليه الابواب السوداء الضخمة . فلما وصل الى الباب الاخير , ادخل مفتاحاً في القفل وفتح الباب . قالت لورا وهي تدخل الى غرفة صغيرة : "شكراً يا سيدي ". الاثاث الوحيد في الزنزانة هو سرير بسيط فوقه رفّ من الخشب الابيض وطاولة وكرسي كان يجلس فيها والدها , صرخ دان وهو ينهض : " لورا , ابنتي الصغيرة !". ركضت اليه وعانقته وهمست في صوت متقطع وهي تضغط على كتفيه : "ابي ..... اه ابي ! ". قفال في صوت منفعل : " لم اكن اريد ان تاتي الى هنا . الم يحضر راميريز معكِ ؟". " هو ... اه ... لا , لا يعرف انني هنا ...." فقال دان مقطباً حاجبيه : "اني اشك في انه سمح لكِ ان تاتي لوحدك الى مثل هذا المكان .... اجلسي في الكرسي .. وانا ساجلس على السرير ". ولما راى نظرات ابنته المشمئزة وهي تنظر الى غرفته , ابتسم في سخرية وقال : " لا يبدو لك المكان فاخراً يا صغيرتي , لكنه بكل تاكيد افضل مئة مرة من الزنزانة التي القوني فيها عند وصولي ". فانفجرت قائلة بغضب : " لكن ليس مفروضاً ان تكون هنا ! ". اجابها في لهجة مهدئة : "أعرف ذلك يا صغيرتي . ااعرف جيداً . وانا ايضاً احسست بالشعور نفسه عندما وصلت الى هنا , لكن عندما رايت كيف يعاملون الموقوفين ................" توقف ثم انحنى ليضع مرفقيه على ركبتيه : " هل تصدقين اذا قلت لكِ انّ بعض الاميركيين وبعض الاجانب موجودون هنا منذ اشهر ... بل منذ سنوات عديدة من دون ان يمثلوا امام المحكمة , لا عائلاتهم ولا محاموهم ولا احد يمكن ان يفعل شيئاً لمساعدتهم ". قالت لورا في استغراب : " ربما هم مذنبون ! لكن انت لست كذلك , يجب ايجاد طريقة لاقناعهم بانك برئ ". تنهد دان وهو يزرع ارض الغرفة الصغيرة وقال : " يا ابنتي المسكينة , في هذا البلد اهم شئ ان يكون لك اصدقاء في الدولة . على فكرة رجال الشرطة لم يعتقلوا بعد الرجلين اللذين استاجرا سفينتي ". " متى القوا القبض عليهما , يطلقانك في الحال ". هزّ دان رأسه وقال : " هذا شئ رائع ! لكن ما أعرفه عن هذين الرجلين قليل جداً , إلا انهما لن يترددا في ان يفعلا ما في وسعهما للتخلّص من هذه الورطة , يجب النظر الى الامور بلا خوف , يا لورا .... ربما قالا انني متواطئ معهما ". " لكن هذا ليس صحيحاً ". وبعد تنهد عميق , عاد دان ليجلس على السرير ثم قال : " انا وانتِ نعرف ذلك تماماً . لكن هل بامكاننا اقناع الاخرين؟". فقالت وهي تضغط على يديها : "سوف اطلب من برانت ان ياتي الى هنا فهو يعرف ما يجب عمله ". " هل هذا صحيح ؟". التقى نظره المرتاب بنظر ابنته , فاخفضت لورا عينيها , انها تعرف بماذا يفكر والدها , لقد اظهر برانت انزعاجه فيما يتعلق بالحياة الحرة التي كان يعيشها والدها . شعرت لورا بفقدان الامل وقالت في صوت غير اكيد : " اسمع , يمكنه ان يدلنا الى محام صديق له . وفي كل حال فان برانت متخصص بالدفاع عن حقوق الشركات , وهذه القضية ليست من اختصاصه ." فقاطعها دان في قسوة لم تتعود عليها من قبل : " الم تفهمي ما قلته لكِ . المحامي الاميريكي لا يمكنه ان يفعل شيئاً في هذا البلد ...القانون وحده يطبق ". همست لورا في صوت مخنوق : " لكن يجب ان نفعل شيئاً " اكدّ لها دان في قوة : " هناك شخص واحد قادر على اخراجي من هنا هو السينيور دييغو راميريز ... لديه النفوذ والمال والعلاقات ". توقف قليلاً ثم أضاف : " وهو يريد الزواج منكِ ". فهمست قائلةً : " آه .. هل فاتاحك بالامر ؟". " تصرّف بوضوح ...لكن , يا ضغيرتي , لماذا لم تخبريني بأن الامور وصلت الى هذا الحد بينك و بينه ؟ مساء أمس في فندق الميرادور جعلتني اعتقد بانه رجل متزوج ...." " صحيح ؟ اووه ...." من الصعب ان تقنع والدها بانها قبلت الزواج من دييغو اليوم فقط بعدما كانت تعتقد بالامس بانه متزوج فعلاً . ليس هناك الا حل واحد وهو الاعتماد على هذا الرجل المكسيكي لينقذ والدها من هذا المازق الصعب . فقالت في خجل : " في الحقيقة , كان يزعجني بعض الشئ ان اعلمك بقراري قبل ان افسخ خطبتي من برانت ". وصدّقها دان ..اذ قال وهو ينحني ليضغط على يديها بحنان ... " انكِ لا تتصورين الى اي درجة انا سعيد من أجلكِ. يا ابنتي الصغيرة مساء امس رايت دييغو راميريز شعرت بانه رجل حياتك , اكثر من برانت . اني اقول لكِ هذا بصراحة . ان دييغو يحبكِ . هذا هو واضح للغاية , نظراته لا شك فيها ... و .....". توقف فجاه ليمرر يده في شعره ثم اضاف : " شرط الا تعتقدي ان هذه الظروف الصعبة هي التي تدفعني لان اقول ما اقول , افضّل ان ابقى هنا واموت على ان اراكِ ..........." قاطعته لورا بسرعة قائلةً : "اعرف ذلك يا ابي , لكن في وسع دييغو ان يسوّي الامور , انه يعرف عدداً كبيراً من الشخصيات البارزة في الدولة . سترى ان بقائك في السجن لن يطول ." " هل انتِ متاكده تماماً من عواطفكِ يا لورا ؟ الزواج من رجل مثل راميريز هو زواج لا يمكن فسخه , لا تنسي ذلك . اذا كنتِ تشعرين بانكِ غير واثقة من الامر قولي بصراحة , في كل حال لا شئ يؤكد انني ساستعيد حريتي حتى ولو بمساعده دييغو . يجب الاّ تتاثري بوضعي الحالي ولا تلقي بنفسكِ في زواج تندمين عليه مدى الحياة ". أخفضت لورا عينيها على يدي والدها الضاغطتين على يديها , لقد اكدّ والدها قائلاً : " الزواج برجل مثل راميريز هو زواج لا يمكن فسخه ". وهي التي كانت تظن انّ هذا الزواج مؤقت ينتهي بمجرد خروج والدها من السجن . ومع ذلك شعرت بالامل في ان كل شئ سيتم بصورة حسنة . رفعت عينيها ونظرت الى والدها وقالت : " نعم يا ابي , اني متاكده من حقيقة عواطفي . ولا اتصور حياة سعيدة من دون دييغو ". وللمرة الاولى ابتسم دان في استرخاء , وعندما غادرت لورا والدها بعد دقائق , كان في غاية الغبطة والانشراح ومتفائلاً بقدرة صهره العتيد على وضع حدٍ لهذه الازمة .....
الفصل الرابع :
4- انتظرتك منذ الازل ..
" الو "" كانت لورا تنتظر ان تسمع صوت دييغو راميريز البارد ,, لكنها فوجئت بصوت امراة , فقالت بعد تردد : " هل ... هل بامكاني التحدث مع السينيور راميريز ؟". " السينيور راميريز يأخذ حماماً في بركة السباحة , هل الامر طارئ ؟". " نعم . سانتظر على الخط ". اخذت لورا ترتجف ..اذا اقفلت السماعه , فلن تستعيد شجاعتها لتطلبه من جديد . فمن الافضل الانتظار . " لحظة من فضلك ". كانت لورا تطرق بعنف على طاولة الهاتف وتحاول تهدئة اعصابها .. من مع دييغو في بركة السباحة ؟ ربما كونسويلو ذات القامة الممشوقة والعينيين السوداوين الجميلتين , . ليس من الصعب التصوّر ان هذا الرجل لا يمانع في رؤية النساء الجميلات في زي السباحة . فقالت في صوت متردد : " إني ......... لورا ترانت ". " آه .....!" ران صمت طويل , وتسائلت لورا ما اذا كان محدثها يكتفي برؤيتها تعتذر جهاراً . فقال اخيراً في لهجة مالوفة : " هل زرتِ والدك ؟". " اني ..... نعم . مساء امس . اني مستعدة للتفكير في عرضك ...." عمّ صمت من جديد , وطال الى حد انها ظنت ان المكالمة قطعت . وبعد ثوان عديدة .. قال دييغو في لهجة لا مبالية : "من الافضل ان تكلميني عندما تقررين قبول العرض ". بعد ساعات من التفكير المستمر والعذاب للتوصل الى هذا الحل , كانت تامل منه على الاقل ان يقوم هو ايضاً بجهد من جانبه , لكن يبدو انهه ليس من طبيعة دييغو راميريز انه يبدي بعض التفهم و قليلاً من الرحمة . همست في صوت مخنوق : " حسناً إني اوافق على الزواج منك ". طبعاً لم تكن تنتظر منه كلمات الحب , لكن خاب ظنها من ردة فعله الموجزة .:: " ساوافيكِ بعد نصف ساعه , هل انتِ في الفندق "؟. "نعم ". " الى اللقاء يا لورا ". بينما تذرع الارض بعصبية ذهاباً واياباً بين غرفتها وغرفة الجلوس , بدا لها الوقت طويلاً , كانت في حالة قلق وبلبلة عاجزة على ان ترى المنظر الساحر الذي يطل من شرفتها على البحر وراء شاطئ روملي ابيض محاط باشجار النخيل العديدة . لماذا يريد دييغو راميريز هذا الرجل الثري وصاحب النفوذ وزير النساء ان يتزوجها ؟ صحيح ان عمل لورا كعارضة ازياء يجذب اليها الاضواء وصحيح انها تتمتع بجمال خلاب , لكنها لا تعتز بذلك , ان بشرتها الشقراء الفاتحة لابد ان تكون العامل الفعال الذي جذب هذا الرجل المحاط بالنساء السمراوات . لكن هذا السبب ليس كافياً ليتزوجها . " الزواج اللاتيني لا يمكن فسخه " هكذا قال والدها . انتفضت عندما تذكرت انها ستفسخ الزواج الذي تعتبره رباطاً مقدساً وذلك بعد ان يخرج والدها من السجن . تطلّعت الى نفسها في المرآة بعد ليلةٍ لم تخلد فيها الى النوم , بدت شاحبة الوجه . فاسرعت الى الحمام , ووضعت بعض المساحيق على وجهها لتخفي شحوب بشرتها .. وعندما سمعت طرقات متواصلة على الباب , ظلّت لحظة مسمّرة في مكانها , فالكابوس الذي بدأ منذ توقيف والدها مازال مستمراً والله وحده يعرف متى ينتهي ! . تقدّمت بخطىً بطيئة وفتحت الباب , وفوجئت بدييغو الذي كان يرتدي بنطلون جينز ضيقاً وقميصاً بيضاء .... ياخذ يدها ويطبع عليها قبلة ,, وبسرعة تخلّصت منه وابتعدت عنه قائلةً في لهجةٍ فظة : " هذا النوع من اظهار العاطفة لا يبدو ضرورياً ". رفع حاجبيه متعجباً وقال : " الا تعتبرين انه من الضروري ان تقبلي مني دليل حبي المتواضع ؟" " من الافضل ان تدخل ". وعندما اصبحت في غرفة الجلوس الصغيرة المفروشة على الطريقة الاسبانية , التفتت نحوه وقالت : " قبلت الزواج منك لسبب واحد انت تعرفه , ولا داعي لان نتبادل العاطفة التي لا نشعر بها تجاه بعضنا البعض ". " العاطفة ربما لا تشعرين انتِ بها يا حبيبتي , لكن ذلك لا ينطبق عليّ يجب ان نحتفل بهذه المناسبة , الا ترين ذلك ضرورياً "؟. " لست في مزاج يؤهلني لان احتفل باي شئ ما يا سينيور , لكن فنجان قهوة يكفي لتهدئة اعصابي ". وبينما كان دييغو يعدّ القهوة في المطبخ , خرجت لورا الى الشرفة واسندت ظهرها الى الدرابزين وراحت تراقب برغبة الازواج اللامبالين الذين يسترخون على الشاطئ , منذ ان وصلت وهي تحلم بان تعود الى هنا في شهر العسل بعد ان تتزوج برانت في لوس انجلوس .... اين هي من هذا الحلم الان ؟ قالت ببرود وهي تاخذ فنجان القهوة من يد دييغو بعد ان اصبحت في غرفة الجلوس : "شكراً ". رفع هو كاسه وقال : " اتمنى لنا .... زواجاً خصباً ". قالت لورا بصوت جليدي : " دعك من هذه الاوهام .. هذا الزواج لن يكون سوى صورياً , ولا تنتظر ان تنجب اولاداً ". وولحظة ظلّ جامداً ثم اخرج كاسه ووضعها على الطاولة وقال في هدوء وثقة : " لا يا حبيبتي ,ليس الامر كذلك , لن يكون بيننا زواج ابيض . لن اتزوج إلا مرة واحدة وزوجتي ستكون ام اولادي , وستكونين انتِ تلك الزوجة , وليس سواكِ ." سالته في صوت مرتعش : " لكن لماذا ؟ لماذا تصرّ على ان تتزوجني ؟ اننا لا نعرف بعضنا بما فيه الكفاية .. فكيف يمكننا بالتلي ان نحب بعضنا ؟". فقال في لطف وهو يلامس شعرها الاشقر البراق الذي تركته ينسدل على كتفيها : " لن يكون من الصعب معالجة هذه الامور في اوانها ". بدأ قلبها يلين امام كلماته الرقيقة وأضاف : " الم يسبق لكِ يا لورا ان التقيتِ احداً للمرة الاولى وشعرتِ بهذا الاحساس الغريب , عندما رايتك في حفلة عرض الازياء , انتِ التي كنت انتظرها منذ زمن من دون ان اعرف ذلك ". احست لورا وكانها مخدرة , صوته العذب فعل فعله فيها , وراحت تتطلع الى عينيه السوداوين الجميلتين , وفمه المكسيكي , ثم ادركت انه ياخذ فنجانها من يدها بلطف ويجذبها الى ذراعيه . هذا العناق الطويل لم تذق طعمه من قبل .. كانت يداه تداعبان وجهها وعينيها ,, وكان يهمس في اذنيها كلمات الحب الناعمه , في البدء تقلصت لورا , لكنها سرعان ما استرخت , لم يسبق لها ان شعرت بالتفاعل مع الاخرين , واحتلتها رغبة في ان تتخلى عن المقاومة امام هذا الرجل الذي اختارته , لكن لم تكن هي التي اختارته .... استعادت وعيها في الوقت الذي كان دييغو يرفع راسه مواصلاً الهمس بكلمات ناعمة .. وفجاة , دفعته عنها واتكأت على الحائط , وراح قلبلها ينبض بسرعة جنونية وعيناها الخضراوان تحدّقان فيه في تعبير يتعذر تفسيره . ثم قالت في صوت لاهث : " اني لا أؤمن بهذا الهراء .. لماذا ؟". اقترب منها على مهل وقال في صوت مبحوح وهو يداعب خصلة شعرها : " ومع ذلك شعرت يا حبيبتي بأني لم اكن في نظرك مجرد عابر سبيل , لقد احسست تجاهي بالحب والرغبة ... وزواجنا ملائم تماماً وسيكون ناجحاً ". ابتعدت لورا, عندها كانت تبدو منطويةً على نفسها , قالت : " في رأئي , هذا الزواج ليس له الا هدف واحد يا سينيور , وهو ان يؤدي الى تحرير والدي ". " كلما اسرعنا في الزواج كان في وسعي ان احقق هذا الهدف , كل ما استطيع عمله هو ان اقنعهم بالاسراع في محاكمته . واذا كان بريئاً .....". صرخت وهي ترمقه بنظرة قاتمة : " طبعاً هو برئ , في حياته لم يقم باي عمل اجرامي , فكيف يمكنه ان يتواطأ في تجارة المخدرات او ت هريبها ؟". " يبدو انه لا يقوم بأي عمل ثابت , وليس لديه مهنة معينة ؟". قالت وهي تنظر الى النافذة لتخفي الدموع المترقرقة في عينيها : "ترك كل شئ بعد وفاة والدتي , كان يريد ان يبتعد عن كل شئ يذكّره بها ". فصرخ دييغو : " بما في ذلك ابنته ؟". " كان مضطراً لان يضعني في مدرسة داخلية في دير للراهبات , ماذا يمكن ان يفعل رجل ارمل بابنة في الثانية عشرة ؟ كان من الصعب ان ارافقه واتقاسم حياته على متن سفينة تظل مبحرة ". " طبعاً , لم يكن ذلك مناسباً ". ثم ربت على المقعد الواسع الذي يجلس فيه وقال : " تعالي واجلسي قربي يا حبيبتي ". لكنها جلست في مقعد اخر وسالته : " متى تظن انه يمكنك اقناعهم بتحديد موعد المحاكمة ". " الوقت مبكر لمعرفة الجواب . ربما شهر او شهران ...." " يا الهي ... ! كل هذه المدة ؟". " اشكري ربكِ , هناك العشرات ظلّوا في السجن من دون محاكمة ". " نعم , اعرف . مساء امس اخبرني والدي بذلك , حسنا .... لم يبقة امامنا الا ان نتزوج في اسرع وقت ممكن ". فقال دييغو بسخرية : " هذه العجلة تغمرني فرحاً , ويجب ان تتم حفلة الزواج في مكسيكو .. لدّي هناك العديد من الاصدقاء والعلاقات والمعارف الذين قد يحقدون عليّ اذا لم يتسن لهم حضور العرس .. ليس لديّ اهل مقربون . وباستثناء كونسويلو , ارملة اخي , قريبتي الوحيدة , هي التي تعيش في المسكن العائلي في كويزنافاكا . انها طاعنة في السن ولا يمكنها ان تاتي الى مكسيكو في هذه المناسبة ". " اليس لديك اب او ام ؟". اجابها وهو يضغط بشدة على شفتيه : " كلا . مات والديّ في حادث طائرة وهما عائدان من كانساس . كنت في الرابعة عشر انذاك ". فقالت لورا بحنان : " انني اسفة ". الم تمر هي ايضاً بمثل هذه المحنة ؟ قال دييغو وهو يهز كتفيه : " الشباب يشفون بسرعة من هذه الصدمات , والان يجب ان نحدد تاريخ العرس . الزواج المدني يمكن ان يتم خلال اسبوع , يوم الجمعه المقبل , والزواج الديني في اليوم التالي ". " لماذا كل هذه السرعه ؟". " كي تجري الامور بصور افضل والى ان يحين هذا الموعد , لا يمكنني ان اعرض عليكِ ان تسكني معي في مكسيكو , لذلك ساطلب من كونسويلو ان تستقبلكِ في منزلها ". قالت بلهجة جافة : " اريد .... ان ابقى قرب والدي : لماذا لا يمكننا ان نتزوج هنا في اكابولكو ؟". قطب دييغو حاجبيه وقال : " " ان معظم الشخصيات الكبرى التي انا بحاجة اليها من اجل قضية والدك كلها في مكسيكو , حيث مراكز اعمالها . لذلك فمن الضروري ان يحضروا العرس ". وضع يده بلطف على يد لورا وقال : "وتعويضاً لذلك , يمكننا ان نعود الى هنا حالاً بعد انتهاء حفلة العرس ونقضي شهر العسل في فيلا جاسينتا . وهكذا تتمكننين ان تذهبي لرؤية والدكِ يومياً ". كان عليها ان تكتفي بهذا الوعد , واقترحت على دييغو امهالها يومين للقيام بالاشياء الضرورية , وقال دييغو ان كل النفقات ستكون على حسابه , فاضطرت الى قبول ذلك لان المال القليل الذي تحمله لا يكفي لشراء الملابس الفخمة التي من المفروض ان ترتديها كزوجة السينيور دييغو راميريز .,,,,
الفصل الخامس :
5- لأنها تشبه الأم ...
ضغطت لورا بأصابعها المرتجفة على صدغيها كي لا تسمع الأصوات المرتفعه الآتية من قاعة الاستقبال في الطابق الاسفل . كان القماش المطرز الذي صنع منه فستان العرس يلوي قامتها النحيفة , كما تلوي الريح السنبلة الصغيرة . هبطت في الكرسي الصغير الموضوع امام منضدة الزينة ذات المرايا المزخرفة , وراسها ما يزال بين يديها , ثم اسندت مرفقيها الي المنضدة . هذه الغرفة الشاسعة بدأت تخنقها , اثاثها من الخشب الاسود الثقيل , وابواب الخزائن العالية المزينة بالمرايا , تعكس سريرا عريضاً , يقع في احدى زوايا الغرفة , عليه غطاء من قماش موشى بالذهبي والاحمر الغامق . كل شئ من الطراز الاسباني . انه ديكور يليق بزوجة مكسيكية للسينيور دييغو سيزار دافيد راميريز ..... عندما سمعت هذا الاسم , في المركز البلدي , رفعت لورا حاجبيها مستغربة , فقال لها دييغو ان والدته اميريكية الجنسية , نعم هذه الغرفة تليق بعروس مكسيكية , لكنها تبدو غريبة لفتاة اميريكة عاشت حياتها في جو بسيط , هل نامت والدة دييغو في هذا السرير , وهل وضعت فيه ولدها البكر؟ ارتعشت لورا لهذه الفكرة , وشعرت بارتياح عندما شاهدت كونسويلو تدخل الغرفة وتقول : " ارسلني دييغو لاطلب منكِ ان تستعجلي " . بدأت لورا تفك سلسلة الازرار الصغيرة التي تغلق الفستان عند الظهر , فقد جرى تصميم الفستان لجدة دييغو منذ ستين سنة , اي قبل اختراع السحابات , وهذه السيدة العجوز التي استقبلت لورا بلطف في المسكن العائلي في كوبرنافاكا , الّحت عليها كي ترتدي هذا الثوب يوم العرس , وقالت لها بانجليزية صحيحة : " كنت احلم دائماً بان ترتدي عروس دييغو الفستان نفسه الذي ارتديته عندما تزوجت جده . ما من احد في العائلة له مقاييس جسمي نفسها سواكِ ". نظرت كونسويلو في عين حاسدة الى ثوب لورا الحريري الاصفر الموضوع على المقعد وقالت : " حظكِ كبير لانكِ تزوجتِ من رجلٍ تري ". فضّلت لورا الاّ ترد . كانت تعلق فستانها في الخزانة , وتستعد لارتداء ثوبها الاصفر , وهي لا تشعر باي خجل من خلع ملابسها امام النساء , فقد تعوّدت ذلك كعارضة أزياء . وكانت كونسويلو تتأمل في عينٍ ناقدةٍ قامة الفتاة الممشوقة والنحيفة . " لست ادري كيف انجذب دييغو الى امراة نحيفة مثلك ِ . ان صديقاته كلّهن نساء جميلات ذوات أجسام مليئة ". قالت لورا و هي تبكلّ زنار تنورتها : " صحيح ! ولكن لماذا لم يقع اختياره على واحدة منهن ؟". " كان دائماً متمسكاً بفكرة واحدة , وهي ان ياتي بامراة تحلّ مكان والدته التي توفيت عندما كان صغيراً . انه لايزال اسير هذه الذكرى ". انتفضت لورا قلقاً . قفزت الى ذهنها صورة تلك المراة الشقراء الجميلة المعلقة في الجدار بين عدد من اللوحات تمثل رجالاً ونساء كلهم سمر . صحيح ان هناك بعض التشابه بينهما , لكن ذلك لا يؤكد ان دييغو انما اختارها لهذا السبب . قالت لورا : " كل ما تقولينه اوهام ! ". فاجابت كونسويلو : " لا . لست مخطئة , واذا كان ما اقوله غير صحيح , فلماذا لم يخترني انا ؟ ان تقاليد بلادنا تقضي بان يتزوج الرجل ارملة اخيه ". " تلك هي اذاً المشكلة ". فكرّت لورا وهي تجلس وراء منذدة الزينة . كانت كونسويلو تأمل في ان يتزوجها دييغو بعد انتهاء فترة الحداد , لكن بدل ان يفعل ذلك , اختار امراة غريبة ... انها غلطة لا تغتفر , لو كان بامكان لورا ان تقول لها ان زواجها لن يدوم , فقط لان يخرج والدها من السجن بعد اعلان برائته , في كل حال , الم يفرض دييغو عليها الزواج , هي التي كانت ترفض تلك الفكرة بقوة ". قالت لورا : " كان عليكِ ان تكلمي دييغو بالامر ". " أن تكلمني عن ماذا ؟". كان صوت دييغو منبعثاً من عتبة الغرفة .. التفتت لورا نحوه , فاقترب منها وهو لا يزال يرتدي بذلة العرس الغامقة . وقد وضع على القبعة قرنفله حمراء . وبرغم قرار لورا اعتبار هذا الزواج بمثابة اتحاد عابر سببه الوضع المؤسف الذي يعيشه والدها في السجن . فانها لم تستطع ان تلجم انفعالها عندما سمعت في الكنيسة كلمات الحب والاخلاص تتدفق من فم دييغو , وتمنت لو ان هذا الزواج كان اكثر من صورة ساخرة كئيبة . وبعد خروجهما من الكنيسة وسط اصدقاء دييغو الذين ملأتهم الدهشة والفرح , توجها الى المسكن العائلي , حيث كانت قاعات الاستقبال الواسعة تزدحم بمئات المدعووين من الشخصيات ورجال الاعمال , الذين حرصوا على تقييم العروس برغم نظرات زوجاتهم الحانقة , بينما رمقت بعض السيدات لورا بنظراتهن اللاذعة الخبيثة . ثم وجّه دييغو بعض الكلمات باللغة الاسبانية الى ارملة اخيه التي هزّت كتفيها وخرجت من الغرفة بعدما صففقت الباب وراءها بحدة . التقت عينا المكسيكي اللاهيتين بعيني لورا في المرآة وقال : " ها نحن اخيراً وحيدان يا زوجتي . لقد تحملّت بعذاب كل هؤلاء الرجال الذين كانوا يحيونك , ولم تخطر ببالي الا فكرة واحده , هي ان اخطفكِ من بين المدعوين واذهب بكِ الى فيلا جاسينتا بأسرع ما يمكن ". عانق لورا التي شعرت برعشة صغيرة , فهمست وهي تلتفت اليه : " ارجوك ....". لكنه لم يسمع . بل راح يعانقها بحنان . مما جعلها تشعر باحاسيس بالغة . همس في اذنيها قائلاً : " اه لو تعرفين كم احبكِ هل يجب ان ننتظر حتى نصل الى فيلا جاسينتا ؟ هل تريدين ان اطلب من المدعويين الانصراف ليتسنى لنا ان نكون وحيدين ؟". المدعوون يزدحمون في قاعات الاستقبال في الطابق الاسفل . امام هذا المنظر استعادت لورا وعيها فتخلصت فجاة من عناق دييغو وراحت ترتب نفسها , ثم همست في صوت مخنوق : " هل نسيت ان هذا الزواج هو مجرد زواج ابيض ؟". وبقوة تمسك بكتفيها وحدّق في اعماق عينيها وقال : " سبق لي يا حبيبتي ان قلت لكِ ان الزواج لن يفسخ , ومن هذا الزواج ومن هذا الحب سيكون لنا اولاد ". " لا ". وضع يده على صدر زوجته حيث كان قلبها ينبض بسرعة جنونية , ثم همس قائلاً : " كيف تقولين شيئاً كهذا ؟ انكِ ترغبين في هذا الاتحاد وانا كذلك . انني اعرف تمامًا انكِ تشعرين بان قلبينا ينفعلان في انسجام وتناغم !". هذا الكلام الهائم جعلها ترتعش في خوف غامض . اية امراة لا تتاثر بكلمات الحنان والغزل من فم رجل جذاب له خبرة واسعه في استمالة النساء ؟". قالت في عناد وتصلب بالراي وهي تتوجه الى منضدة الزينة وتسرّح شعرها : " لا شك انك تهذي يا سينيور , انت تعرف جيداً سبب زواجنا . وهذا الزواج لا دخل له بانجاب الاولاد من اجل استمرار عائلة . راميريز , عندما يخرج والدي من السجن فانني ......". توقفت وعضت على شفتيها فسألها دييغو في لطف : " ماذا ستفعلين يا حبيبتي ؟". أمسكها من معصمها وادارها نحوه واكمل : " هل تعتقدين انني بعدما اقسمت بان اكون مخلصاً امام اصدقائي والشهود ؟, سأرضى بأن تطرديني عندما لا تعودين بحاجه الىّ لأصبح أضحوكة الجميع ؟؟!! ". لاااا يا لورا , لقد اصبحتِ زوجتي , وسوف تبقين زوجتي , وانني اتعهد بذلك ". ارتعشت لورا حين لمحت نظرته المصممة , يبدو ان تهديده ليس مجرد كلام . انه ينوي الذهاب في الزواج حتى النهاية , وسيصر على ان يكون له اولاداً , مما يؤدي الى استحالة فسخ الزواج ,,, نعم , لكن ... نحن في القرن العشرين ,, بأولاد او من دون اولاد كل شئ ممكن حتى الطلاق ..... وبعد ان وضعت احمر الشفاه , تناولت حقيبة يدها وقالت وهي تبتسم : " انني جاهزة ". " اذاً , هيا بنا , حقائبنا اصبحت في السيّارة ". " الا تريد ان تبدل ثيابك ؟" ابتسم وقال : " الخدم في فيلا جاسينتا لم يحضروا العرس , وسيفرحون اذا شاهدوني في ثياب العرس ". وبطرف اصابعه راح يداعب خدها : " كما اني اريد ان يفهم كل اللذين سنلتقيهم في طريقنا ان هذه العروس الجميلة هي ملكي ". ثم اضاف وهو ينظر الى لورا : " ارجوكِ من اجل والدكِ , ان تبذلي كلّ ما في وسعكِ كي تظهري امام الجميع انكِ الزوجة المحبة ". صمت المدعوون المتجمعون في المدخل الواسع حول سبيل ماء لمدة لحظات لدر رؤية العروسين يهبطان السلم , ثم تجمّعوا حولهما ووجهوا اليهما التهاني والتمنيات . وعندما اصبحا في السيارة المزينة بالورد , اقلع دييغو بسرعه . وبعد قليل سلك الطريق المؤدية الى اكابولكو , ومن وقت الى اخر كان يرد باشارة من يده على تحيات السائقين او الفلاحين الذين لاحظوا بذلة العرس , ولم يتبادل مع لورا الا بعض التعليقات العابرة في شان الاماكن التي مروا فيها . كانت لورا المتكئة باسترخاء على المقعد المريح , تحلم في اليقظة , يا لسخرية القدر , فقد تزوجت من رجل كانت تريد ان تعتبره الرجل المناسب , لولا الظروف الحاضرة , انه متديّن مثلها , وهذا في رايها امر اساسي . كما ان دييغو يتمتع بجمال وجاذبية وثراء و شهرة . اخفضت عينيها على الزمردة المحاطة بحبات الماس الرائعة التي يتالف منها خاتم الزواج الموضوع في اصبع يدها اليسرى قرب المحبس الذهبي . دييغو بنفسه وضعه في اصبعها بعدما اجبرها على خلع خاتم الخطبة الذي اهداها اياه برانت . وقد بعثت الى خطيبها برسالة موّسعه , تطلب منه ان يسامحها على تغيير رايها , ولم يتسنى له الوقت للرد عليها , هل سيتسنى له القراءة بين السطور ليدرك ان لورا ما تزال تحبه ؟. سالها دييغو فجأة : " بماذا تفكرين ؟". انتفضت , لكنها ردت عليه بصراحة . " افكر ببرانت خطيبي ". قطب دييغو حاجبيه وقال : " لم يعد لكِ خطيب يا لورا , لديكِ زوج مصمم على ان يجعل منكِ في القريب العاجل زوجته , بكل ما تحمل الكلمة من معنى ...... ثم هذا الذي يدعى برانت , اما كان فعل مثلما سافعل انا الليلة لو كان مكاني ؟". اجابته وهي تحاول ان تخفي انفعالها : " ليس اذا طلبت منه ألاّ يفعل ". " هذا ما كنت اظن . في عروقه تسري دماء باردة ". صرخت بعنف وحدّة : " أنت مخطئ ! إ نه يتمتع برجولةٍ مثلكَ , إنما هو انسان متمدّن ... ولطيف , وأقل تطلباً منك ". " أمثال هؤلاء الرجال بطبعهم البارد , يجعلون الدنيا مهجورة من البشر , يا لورا المسكينة ! هل تعتقدين انّ الغزاة الاسبان كانوا يضيّعون وقتهم عندما يغازلون النساء ؟.. لا ... عندما كانت تعجبهم المراة التي يلتقونها كانوا يتزوجونها وما من مرة شكت هذه النسوة من شئ ". سالته لورا في مرارة : " وهل يسمعون شكواهن ؟". ... " ربما لا . اني اعترف بذلك , لكن القليلات هنّ اللواتي حاولن التخلص من هذا القدر , ومعظمهم أسسّ عائلات مثل عائلتي , واعطين اولادهن العطف والحنان والمحبة التي نالوها من ازواجهم . لا شك في انهن نساء رائعات عرفن ان يتقبلن مصيرهن . فقالت لورا بسخرية : " لم يكن امامهن خيار آخر ". وصلا الى مدخل اكابولكو ولما رات الشاطئ الرملي الذي تحدّه اشجار النخيل وجوز الهند , فكرت لورا بانفعال انها سترى والدها عمّا قريب . الممر الطويل المتعرج الذي يؤدي الى فيلا جاسينتا لم يكن قد قطعته لورا من قبل , المرّة الوحيدة التي جاءت فيها مع دييغو الى هنا كانت عن طريق البحر على متن يخته , ظهرت الفيلا من بعيد , جدرانها بيضاء وقرميدها زهري وهي مبنية على قمة تلة صخرية , تحيط بها الازهار من كل الجهات , على الشرفة الواسعه وجهتي السلالم العالية و الجدران الصغيرة والمرتفعات المشجرة .... انها فيض من الالوان الزاهية والروائح العطرة . وما ان توقفت السيارة امام الفيلا , حتى انفتح الباب بمصراعيه الكبيرين ... وظهرت جوانيتا الخادمة المسؤولة , وورائها زوجها كارلوس المسؤول الاول في الفيلا . اسرعت جوانيتا بوجهها الاسمر الضاحك لاستقبال العروسين , فرحةً برؤية سيدها في بذلة العرس والقرنفلة الحمراء , قبّلها دييغو على خديها وصافح من في المنزل وطلب من جوانيتا ان تحضّر الشراب المنعش في غرفة الجلوس . اخذها الى الصالون الصغير الذي تطل شرفته على البحر المنظر رااائع .. فتوجهت لورا الى الشرفة لتتمتع بهذا المنظر الخلاّب . الامواج تتكسر على الصخور والرغوة البيضاء ترتفع احياناً بعلو المنزل . ومن جهة اخرى يبدو الشاطئ الرملي تحميه سلسلة صخور تحيط بعرض الشاطئ . قالت لورا لنفسها : "على الاقل هنا يمكنني ان اسبح بصورة دائمة ". ظهر دييجو فجاة وقال كانه قرا افكارها : " من الافضل الاّ تسبحي الا على الجهة الجنوبية من الشاطئ , فالشاطئ الشمالي ملئ بالتيارات الخطرة , افضل شئ هو الاكتفاء بالسباحة في البركة ". فكّرت لورا :" اليس جريمة ان يسبح المرء في البركة عندما يكون البحر على خطىً قريبة منه ؟ شاطئ تحده اشجار النخيل وجوز الهند المليئة بالثمار الناضجة ". شعرت بيد دييغو تلمس عنقها بينما ترفع يده الاخرى ذقنها وسالها : " هل تعتقدين حقاً ان السباحة هي التسلية الوحيدة التي تجدينها في فيلا جاسينتا , يا حبيبتي اود ان اقدم لكِ اكثر ... وافضل ...." وبحركة عنيفة تخلّصت لورا من قبضته وقالت : " اراك واثقاً من نفسك !". أجابها بصوت خفيض : " نعم , اني واثق من قدرتي على اسعاد زوجتي , وعندما اضمكِ بين ذراعيّ الليله ,أعدك بانكِ ستنسين برانت نهائياً ". فقالت وهي تدير نظرها عنه وتحدّق في الخليج : "كيف تجرؤ على التحدث بهذه الصورة , انت تعرف جيداً ان هذا الزواج ليس سوى اتفاق ورياء ! يا الهي سامحني لانني ارتكبت صباح هذا اليوم خطيئة مميتة , فقط لانقاذ حياة والدي , فقد اقسمت بان اخلص لرجل لا احبه . ارجوك الاّ تجعلني اضاعف خطأي الى .... الى ....." . جذبها دييغو نحوه بقوة وقال : " تقولين انكِ لا تحبينني ! اني اشعر كلما عانقتكِ بان هناك تجاوباً لديكِ . ومن يقول انك لن تتوصلي الى حبي متى اصبحنا زوجين بالفعل ؟". فجأة خفف من حدة صوته ونظر اليها بلطف وقال : " اني اسف يا حبيبتي .. ان تخوّفك في محله , وهذا شئ طبيعي , الا يمكنكِ ان تثقي بي . اني قادر على اكون لطيفاً معكِ ". ظهرت جوانيتا حاملة صينية : " شكراً جوانيتا ". ثم اضاف بعض الكلمات الاسبانية طالباً من الخادمة ان تفرغ حقائب السيدة . ولما خرجت جوانيتا من قاعة الاستقبال التفت دييغو نحو زوجته وسالها : " هل يمكنني ان اطلب منكِ ان تتصرفي كسيدة المنزل , يا لورا ؟". وبعد تردد قصير , هزت لورا كتفيها واتجهت نحو الطاولة التي وضعت عليها الصينية , كانت تشعر بالتعب وبالعطش بعد المسافة الطويلة التي قطعتها في هذا الحرّ اللاهب , فلم تشعر برغبة في التحدث مع الرجل الذي بدات تخشاه , عليها ان تحافظ على نشاطها وحماسها وطاقتها لانها ستكون في حاجة اليها هذا المساء لتبقيه بعيداً عنها . ومع ذلك فهي تعترف ان شغف دييغو بها وولعه وشوقه , اضافة الى الديكور الروماني المحيط بيهما , كلها توقظ فيها رغبتها . ومن حسن حظها . فقد ادرك دييغو انه من الافضل تغيير الموضوع , فبدا يتحدث بمرح وطلاقة عن اشياء كثيرة وفي الوقت نفسه كان يحتسي الشاي ويأكل السندويتشات الصغيرة والحلوى بالكريما التي احضرتها جوانيتا . " هل تعرفين يا لورا ان هذه الفيلا تحمل اسم جدتي ؟". " لا . لم اكن اعرف ان جدتك تدعى جاسينتا ". " عندما بنى والدي هذا المنزل , اعطاه اسم والدته ....". سالته في صوتٍ ساخر : " ولماذا لم يعطه اسم زوجته "؟. غاصت نظرات دييغو بتعبير حزين فقال : " لم توافق جدتي على زواجهما , في الحقيقة يمكن القول ان والدتي لم تستطع التجاوب مع تقاليد البلاد .....". "وما هو اسم والدتك "؟. " لورا . لورا دايفيس ". كأنها تلّقت حماماً مثلجاً . هل كانت كونسيويلو على حق عندما قالت ان دييغو لم يتزوجها الا لانها تشبه والدته ؟ حتى انهما تحملان الاسم نفسه ..... سالها دييغو بلطف عندما رآها تنتفض : " ماذا جرى يا حبيبتي , تبدين كانكِ تخشين حكم جدتي ... لكن هل تعتقدين انها استقبلتكِ بالحرارة وهذا الحب وأعارتكِ فستان عرسها , لو لم تعتبركِ الزوجه التي احلم بها ؟". وضعت لورا فنجان الشاي على الطاولة وقالت ببرود : " لا يهمني كثيراً ما اذا كانت جدتك تقبلني ام لا ". انها كذبة واضحة . في الحقيقة , احبّت لورا كثيراً هذه المرأة العجوز التي تتمتع ببعض الاستبداد والجمال , والتي لا تخفي حبها الكبير لحفيدها الوحيد . اضافت وهي تنهض دفعة واحدة : " هل يمكنني الآن ان اتوجه الى غرفتي ؟". سأوصلكِ الى جناحنا , ان جوانيتا تعدّ لنا عشاء بسيطاً وخفيفاً . لكننا لن نتناوله قبل الثامنة والنصف , وأمامنا الكثير من الوقت حتى ذلك الحين ". تساءلت لورا بعصبية وهي تتبعه في البهو , ثم في الممر : " أمامنا الوقت كي تفعل ماذا ؟ هل سيحاول تنفيذ ما يجول في خاطره ؟". فتح دييغو باب شقتهما الفاخرة المستقلة تماماً عن المنزل . وفي رواق صغير تطلّ غرفة نوم شاسعة مزينة ومفروشة في ذوق مترف ولطيف , الابواب الزجاجية تفتح على شرفة مزهرة تطل على قسم من الشاطئ , وفي وسط الغرفة سرير عريض . التفتت لورا الى دييغو وقالت : " بما ان العشاء سيتاخر , فانني اوّد ان اذهب لزيارة والدي قبل ...." " كلا يا حبيبتي , هذا لا يمكن تحقيقة اليوم ". فقالت لورا بغضب : " لكن لماذا ؟ لقد اتفقنا على .....". " لقد اتفقنا على ان تتزوجيني ليكون لدي سبب وجيه يمكنني من مساعدة والدك على ان يمثل امام المحكمة باسرع وقتٍ ممكن . لقد وعدتكِ بان افعل ذلك , وساحقق هذا الوعد ". " واتفقنا ايضاً على رؤية والدي ". فقال بهدوء : " نعم سأتيح لكِ ذلك . لكن كثيرين سيفاجأون بان ترغب زوجتي في الابتعاد عني ليلة العرس ... والدكِ ايضاً سيستغرب ذلك ....". " لماذا ؟ انه يعرف ان ...." توقفت لورا عن متابعه الكلام وعضّت على شفتيها , صحيح .. لا يعرف والدها ان هذا الزواج ليس زواج حب . " ان والدكِ يعرف فقط اني احب ابنته اكثر من اي امراة اخرى , وان سعادتها هي اقصى ما اتمناه ". اكثر من اي امراة اخرى . انه يعني والدته ... تضايقت لورا فجأة , وتوجهت نحو النافذة واسندت جبينها الملتهب اليها وراحت تتامل الامواج تتكسر على الصخور . لماذا رفض دييغو ان يسمح لها برؤية والدها الان ؟ هل يخاف اقاويل الخدم , او انه يصرّ على ان يملكها قبل ان يتسنى لها الهرب ؟ قالت في جفاف : " بما انه لا مجال لرؤية والدي الان فاني افضّل ان استريح ". وفوجئت بقبول دييغو عرضها : كما تريدين يا حبيبتي , سآتي لآخذكِ الى العشاء في الثامنة . استريحي جيداً ". وبعدما أغلق الباب وراءه , خلعت لورا حذائها العالي وشعرت بألم في رأسها , فتناولت حبتي مسكن من حقيبتها وتوجهت الى الحمام . كان الحمام مقسماً الى جزئين . الاول يحتوي على مغسلة كبيرة وحنفية مذهبة .وطاولة زينة كبيرة تضم عدداً كبيراً من الادراج تعلوها المرايا الرمتفعة حتى السقف , اما الجزء الثاني فقد ذكرها بالحمامات الرومانية . فهو مؤلف من حوض رخامي اخضر في وسطه نافورة ماء تحيط بها احواض مزروعة باشجار النخيل , وما ان تناولت حبتي المسكن حتى عادت الى غرفتها وبدات تخلع ملابسها . فتحت باب الخزانة الواسعه ووجدت في جهة كل ملابسها معلّقة باتقان , وفي الجهة الثانية كانت ملابس دييغو , يا الهي , يجب ان تقنع نفسها انه الان زوجها وانه يحق له ان يضع ملابسه مع ملابسها . وبحركة غاضبة تناولت قميص نوم من الساتان الابيض وهرعت الى الحمام , حتى المياه الناعمة التي وضعت فيها الاملاح ذات العطور المختلفة لم تساهم في استرخاء عضلاتها بصورة كاملة . لكن عقلها يعمل باستمرار وتبحث من دون جدوى عن طريقة تجعل دييغو يتراجع عن تصميمه . بامكانها ان تهرب من المنزل وتستقل سيارة دييغو وتذهب الى اكابولكو . لكن ذلك لن يخدم قضيتها ولن يعيد الحرية الى والدها . لا يمكنها الاستغناء عن مساعدة دييغو , انها حلقة مفرغة . خرجت من المغطس ولفّت جسدها بمئزر الحمام . ثم راحت تجفف جسمها وارتدت قميص النوم . ربما توصلت الى اقناع زوجها بان رجلاً يحترم نفسه لا يمكن ان يحقق لنفسه اية متعة ضد ارادتها . تمددت فوق الغطاء الحريري المعرّق الذي يلف السرير . ماذا تفعل كي تجعل دييغو بعيداً عنها . راحت تقارن بين وضعها بوضع شهرزاد التي نجحت في النجاة من الموت المحتم طوال الف ليلة وليلة .. لانها راحت تروي لشهريار القصص المشوقة التي لا نهاية لها .... ولكن هل ستتمكن بهذه السهولة من ان تحوّل دييغو عن الهدف الذي صمم على تحقيقه ؟
6-الهمسة الحاسمة
عندما استيقظت لورا كان الظلام قد ملأ الغرفة. وللحظات لم تتذكر اين هي، ولا لماذا هي هنا. لكنها عندما سمعت صوت الباب استعادت ذاكرتها بسرعة. بدأ قلبها ينبض بسرعة جنونية، عندما رأت دييغو، في بذلة المساء البيضاء، يتقدم بخطوات واسعة نحو السرير. نظر اليها بدقة وتهلّل وجهه عندما شاهد قميص نومها نصف المفتوح. حاولت لورا اقفال القميص، لكنه ابعد يدها، وجلس قربها و وضع راسه على صدرها. ويصورة غريزية، وضعت يدها على شعره الاسود مستمتعة بهذه المداعبة. همس دييغو بصوت مبحوح "انت رائعة الجمال يا حبيبتي". وعندما شعرت بجسمه يقترب منها، استعادت وعيها ماذا تفعل بين ذراعي هذا الرجل الذي تسخر منه، والذي استفاد من نعاسها ليفاجئها؟ الحت بصوت مخنوق: " ارجوك ابتعد عني" وبحركة مفاجئة توصلت الى ابعاده عنها. " لن تسامحنا جوانيتا، اذا لم نتذوق الطعام الذي احضرته خصيصا لنا" لم تجرؤ لورا على ان تنظر الى زوجها. فسكتت. اخيرا قال دييغو في لهجة ساخرة " اه، سوف تفهم، انني متأكد انها تفهم. لكن ربما كنت على حق وسوف ننتظر... ربما هذا افضل..." القى نظرة سريعة على ساعة يده الذهبية، ثم قال. " اذا اسرعت بارتداء ملابسك، فلن تتأخري عن العشاء. سأختار ما تريدينه" ابتعد باتجاه الخزانة وعاد حاملاً فستاناً طويلاً من القطن الابيض المقطع بالرسوم الهندسية. وقال لها وهو يضعه على طرف السرير: " لديك تشكيلة جميلة من الملابس الرائعه يا حبيبتي، لكني ساشتري لك الكثير ايضاً، مما يصدر عن دور الازياء الباريسية. وسوف اشتري لك الحلي و..." قاطعته لورا بسرعة: " الثياب والحلي لا تهمني ان الشئ الوحيد الذي ارغب فيه هو حرّية والدي" " انت تعرفين جيداً انني سأفعل كل جهدي لأحصل عليها. هل تشكّين في كلامي؟" "ساصدّقك بسهولة اذا وعدت بألاّ تلمسني والاّ تمارس حقوقك كزوج قبل خروج والدي من السجن". فقال في تقلّص: " لكن هذا يمكن ان يدوم اسابيع، وربما شهوراً! هل تظنين انني من حجر؟ هل تظنين يإمكاني النوم قرب زوجتي كاللوح؟ لا هذا غير وارد... وليس صحيحاً سواء باللنسبة الي او بالنسبة اليك". ارتجفت عينا لورا. احست بانها كانت تتجاوب مع مداعبته لها. كيف وصلت الى حدّ ان تكشف عواطفها؟ قالت بوضوح: " لن تكوت ثمة مشكلة اذا لم نتقاسم السرير نفسه". انتفضت عندما رات دييغو، الغاضب، يمسك بمعصمها ويضغط عليه بقوة ويقول: " لا تتعلّقي بالأوهام، يا لورا، قبل نهاية الليل، برضاك او بالقوة، ستصبحين زوجتي. والآن اسرعي. انتظرك في قاعة الاستقبال الصغيرة". نظرت اليه بغضب وهو يعبر عتبة الغرفة ويغلق الباب وراءه. من يكون هذا الرجل ليشتهي امرأة ترفضه؟ هل تسلّيه مقاومتها له وتثيره، بدل ان تبرد اعصابه؟ اذا كان ذلك صحيحاً، فستخيب لورا آماله! وعدت نفسها بأن تتصرف بين ذراعيه مثل عجينة رخوة، من دون انفعال. لن تقاومه ولن تشجعه ايضاً. ربما تأمل بأن تمنعه كبرياؤه في مثل هذه الظروف من ان يرغمها على اطاعته. بعد هذا القرار شعرت لورا بارتياح. ارتدت الفستان الذي اختاره لها دييغو و وضعت الزينة والعطور وتوجهت الى غرفة الاستقبال. كان دييغو مديراً ظهره يحدق في عتمة الليل. رأى انعكاس لورا من خلال زجاج النافذة، فاستدر مسحوراً امام زوجته الرائعة في فستانها الابيض. ولما رأت نظراته، ندمت لأنها لم ترتد فستاناً عادياً اقترب منها بسرعة، ورفع يدها وراح يقبلها وهمس: " صحيح ان الجواهر لن تزيد من جمالك، يا حبيبتي" لكنّها افلتت منه بلطف وجلست في كنبة مريحة. وسألته متجاهلة نظرته المهانة. " هل يمكنني ان اشرب شيئاً؟" سكب لها دييغو عصير البلح المثلج وسكب لنفسه كوب ماء بالليمون ثم قال بلهجة احتفالية يتخللها القليل من السخرية: " أرفع كأسي لصحتنا ". ولمّا لاحظ ان لورا لم تسمع ما قاله افرغ كاسه وجلس في مقعد آخر، وقال بجفاف " لم يسبق ان فرضت على امرأة شيئاً اريده ". كانت لورا تدرك انه تعرّف الى عدد كبير من النساء في حياته. هذا طبيعي لرجل مثله، يتحلى بمركز رفيع في المجتمع، اضافة الى جاذبيته ورجولته. شربت العصير وسألته بصوت متردّد: " الشخص، اقصد الاشخاص الذين ستتصل بهم بخصوص والدي، هل بإمكانهمان يعجلوا في تحديد موعد المحاكمة؟" " لم افعل شيئا حتى الآن ". " لكنك وعدت ..." " لقد وعدت بأن احدثهم عن والدك. ويوم عرسي ليس بالظرف المناسب وانت تعرفين ذلك جيداً. سأفعل خلال اسبوع او اسبوعين ..." " اسبوع او اسبوعين، وخلال هذا الوقت، يبقى والدي في السجن. اتجد ذلك طبيعياً؟" " يجب الا نبالغ في الامر. ان والدك في ايدي امينة. وهو الآن يتناول عشاءً فاخراً لا ينقصه اي شئ. ولا حتى الرفقه النسائية اذا كان هذا ما يرغبه". احمرّت لورا خجلاً وقالت: " كيف تجرؤ ان تقول ... هذا ... عن ابي ..." " ان والدك رجل مثل بقية الرجال، اليس كذلك؟" بعدما طرقت الباب دخلت جوانيتا، مضطربه ومعتذرة عن تأخرها فقال دييغو بلطف: " هذا غير مهم، يا جوانيتا، لم تنته السينيورا من كأسها بعد ". " شكراً، سينيور العشاء حاضر ". وبعدما خرجت الخادمة واغلقت الباب وراءها، نهض دييغو وقال: " لو سمحت ان تنهي عصيرك يا حبيبتي، كي نذهب الى العشاء. لقد امضت جوانيتا ساعات تعد الطعام. ولا داعي لأن ندعها تنتظرنا اكثر". فقالت لورا وهي تفرغ كأسها. " ليس في نيتي ازعاج جوانيتا، ابداً" قالت لورا لنفسها : "ان دييغو يحترم موظفيه ويحرص على راحتهم، بينما رغباتها هي تبدو آخر اهتماماته. يالسخرية القدر! " قال وهو يتأبط ذراعها: " لورا. اسمعي جيداً. لا اريد ان تعرف جوانيتا اننا لم نتزوج عن حب. فهي تنتظر هذا اليوم منذ زمن .." اجابت لورا بقسوة وهي تفلت من قبضته: " تباً لجوانيتا وللجميع في كل حال، ليست جوانيتا من يضطر مقاسمتك سريرك ومائدتك ". تقدمت امامه في خطى اكيدة، لكنها توقفت في منتصف الممر، ضائعة امام العدد الهائل من الابواب لا تعرف اي منها تختار. ومن دون كلمة لحق بها دييغو ثم ادخلها الى قاعة الطعام المتصلة بالدار الكبير بباب ذي مصراعين. غرفة الطعام بسيطة، لا تشبه في شئ غرفة الطعام الواسعة بقصره في مكسيكو. فكرت لورا وهي تتأمل الطاولة الممدودة في دقة وفن: " يالها من ورطة ". ان اي فتاة في العالم تحلم بمثل هذا الديكور ليلة عرسها. برفقة زوج جذاب مثله! لماذا اختار هذا الرجل المتعجرف، الجذاب الذي يستطيع ان يملك كل النساء، اختارها هي بالذات؟ .. ظهرت جوانيتا حاملة الوجبة الاولى المؤلفة من اللوبياء المتبلة بالحشائش العطرية والجبن والصالصه الحامضة. انه حساء شعبي اعجبها طعمه، لكنها لم تكن قادرة على احتساء الا القليل منه لأنه حار. الوجبة الثانية كانت مؤلفة لحم الاوز المطبوخ. اكلت بعضاً منها. ولم يكف دييغو من النظر اليها بشكل مبهم. كان يلعب مع طريدته لعبة الهر والفأر ... ولمّا مدت يدها لتتذوق العنب الهندي سألها دييغو فجأة: " منذ متى عقدت خطبتك على هذا الاميركي؟ " فقالت متعجبة: " برانت؟ " اجاب بخشونة: " هل كان الكثير قبله؟ " " كلا. هو فقط. انه الرجل الاول الذي تعرفت اليه منذ خروجي من الدير. كنت اسمع دائما اخبار صديقاتي. يتحدثن بفرح عن اصدقائهن الرجال. الذين تعرفن اليهم خلال العطلة الصيفية. اما انا فكنت امضي عطلتي على متن سفينة والدي وهذا كان يكفيني حقاً ". " الى ان دخل برانت في حياتك؟ " " نعم. انه يملك كل ما ترغب اي امرأة ان تجده في الرجل ". وعندما رأت وجه دييغو يتجهم اضافت: انه شاب حسن المظهر، ساحر، تحبه الفتيات. وقد حسدتني العديدات عليه " انهت كلماتها بصوت مخنوق. وتذكرت بدقة غريبة، السبب الذي دفعها الى قبول الزواج من الاميكري برانت. ذات مرة عادا باكراً من عطلة نهاية الاسبوع، امضياها لورا وبرانت في منزل والديه. وبرغم استقبالهما الحميم لها، والحاح برانت بالذات، كانت لورا مترددة في ان تعده بالزواج. صحيح ان المحامي الشاب يتمتع بمزايا عديدة، لكنها كانت تشعر بأنه جدي اكثر من اللازم. نادراً ما كان يعانقها او يداعبها، لم يكن قادرا على ان ينس لحظة، ان لورا تلقت تربيتها على ايدي الراهبات. ومع ذلك، وفي ذلك اليوم بالذات، اتخذت قراراً نهائياً بأن تتزوجه، بعدما رأت والدها يعانق فتاة سمراء على سطح السفينة. التي كانت تتوجه نحوها برفقة برانت. ومن دون تردد، التفت لورا برفيقها واقترحت عليه ان يعودا من حيث اتيا، او بالاحرى الى مطعم قريب لشرب القهوة. لم تكن تريد ان ترى والدها في هذه الحالة. وفهمت حينئذ انه لم يعد لها مكان في حياة والدها. صحيح ان برانت فوجئ بقرارها، لكنه لم يظهر استغرابه. فهو بتمتع باعصاب هادئة الى درجة الغيظ. قال دييغو بصراحة قاسية: " لاشك ان احدى الفتيات التي كانت تغار منك، ستكون مسرورة جدا لأن تستعيد حبيبك القديم ". اخفضت لورا عينيها. حزن قلبها امام فكرة ان برانت يغازل امرأة اخرى. نهضت وقالت متثائبه في الوقت الذي دخلت فيه جوانيتا حاملة صينية القهوة. " اني مرهقة واريد ...ان اذهب الى غرفتي ". نهض دييغو في الحالو وضع ذراعه حول كتف لورا وقال للخادمة: " ان السينيورا متعبة بعد هذا النهار الطويل. لن نتناول القهوة ". ابتسمت جوانيتا وقالت: " نعم سينيور. ليلة سعيدة ". ولمّا وصلت الى غرفتها، حاولت لورا اغلاق الباب على دييغو، لكنها لم تنجح. توجهت الى منضدة الزينة وخلعت حلقها الماسية و وضعتها في علبة الجواهر. ثم قالت بجفاف: " في منزل شاسع كهذا، لاشك ان غرف النوم عديدة ". فقال بهدوء: " نعم. لكنّني قرّرت ان أتقاسم هذه الغرفة مع زوجتي ". صرخت لورا: " انا لست زوجتك". قال وهو يرفع يدها اليسرى ويتأمل محبسها الذي وضعه في اصبعها في الصباح: " لكن، يا حبيبتي، هذا هو الدليل ..." فقالت وهي تسحب يدها: " كل هذا مسرحية محزنة وانت تعرف ذلك جيداً. كيف استطيع التعبير عن محبتي لرجل لا اعرفه؟ فكيف اذا كنت لا احبه! " لمع وجه دييغو وقال بصوت مداعب: " غالبا ما يأتي الحب بعد الزواج يا حبيبتي.. ان الزوج الحنون والمهتم يعرف كيف يجلب الحب الى قلب زوجته..." فقالت وهي تدير ظهرها: " صحيح انني ترعرعت في دير. لكنني نشأت في بلد حرّ حيث النساء عرفن منذ زمن طويل كيف يتخلين عن سيطرة الجنس القوي ". " اذاً فأنت تفضلين ذلك الاميركي الفاتر الذي نشلتك من بين يديه. حبيبتي. سوف نرى...سأتركك عشر دقائق فقط لأغيّر ملابسي ". ظلّت لورا محدقة للحظة طويلة في الباب حيث خرج دييغو. لا شك انه ذهب الى غرفة اخرى ليغير ثيابه. سوف تقفل الباب. ومن المؤكد انه لن يحاول خلع الباب خوفاً من ازعاج جوانيتا.. ولكن لا مفتاح بالباب، لا في الخارج ولا في الداخل! كاجت ان تجهش بالبكاء. وفجأة، اتخذت قرارها النهائي. فخلعت فستانها وارتدت قميص نوم حريرية، وكانت متأكدة من شئ واحد: قد يمتلكها دييغو هذه الليلة لكنها لكنها ستفعل المستحيل كي لا تدعه يشعر بأي اكتفاء لكبريائه وعزّة نفسه. لم تكن لورا تدرك الوقت الذي مر، فأغلقت باب الحمام وراءها وراحت تغسل اسنانها وتزيل الزينة عن وجهها. ثم سرحت شعرها. عيناها الخضراوان تعكسان نوعاً من الالهام والوله. حلمت مثل اي فتاة شابه بليلة عرسها، لكن بصورة غير واضحة. كانت دائماً تتصور زوجاً جذاباً، حالماً و رومنطيقياً، يعرف ما تطلبه المرأة في مثل هذه المناسبة. فجأة انفتح الباب واطلّ دييغو مرتدياً مئزراً من الحرير. آه كم هو بعيد من رجل احلامها الناعم! قالت بصوت متقطع لتربح بعض الوقت: " لست...لست جاهزة ". ومن دون ان يتحرك ظل يتأملها من رأسها الى اصابع قدميها. فالتفتت لورا بعصبية نحو المغسلة لترتب بعض الاغراض. فأمرها باختصار: " اتركي هذا كله وتعالي " وبحركة من اصابعها المرتجفة اوقعت لورا معجون الاسنان. ثم وكأن صوت دييغو سحرها، اقتربت ببطء وكانها مخدرة، فضهما الى صدره بشدة. ثم حملها بين ذراعيه كالريشة وتوجه بها الى الغرفة وهو يهمس بكلمات ناعمة وساحرة. وضعها على السرير بلطف، وجلس قربها. كانت لورا جامدة كالثلج وهو غارق في مداعبتها... لكنها لم تستطع الاستمرار في الصمود قرارها ان تظل باردة كالحجر بين ذراعي زوجها لم ينفذ، لأنها كانت تشعر بأحاسيس مثيرة من جراء ملامساته البارعة. همس دييغو بحرارة وبالاسبانية: " حبيبتي، اني احبك " وغريزيا كانت لورا تداعب كتفيه قبل ان تغرز اصابعها في شعره الاسود. كانت تهمهم باللغة الانكليزيه بكلمات متقطعة ثم قالت من دون وعي " آه برانت،حبيبي! " عم صمت لبضع ثوان. ثم سحب دييغو شعرها بعنف وهمس بصوت اجش: " ماذا قلت؟ " انتفضت لورا في ارتعاشة غير ارادية واستعادت برودة اعصابها. انها تحمل الحل لجميع مشاكلها. كيف لم تفكر في ذلك من قبل ؟ فقالت في برائة متصنعة: " هل قلت شيئاً ما؟ " فقال وهو يرمقها بنظرة غاضبة: " لقد همست باسم برانت " فقالت وهي تقطب حاجبيها: " آه، ليس ذلك غريبا في مثل هذه الحالة...برانت وانا كنا..." وتوقفت تاركة دييغو ينهي الجملة. كانت تشعر بأن جسمه يرتجف غضباً. فسألها بهدوء يشوبه تهديد واضح: " هل كان عشيقك؟ " تطلعت اليه بنظره خاليه من اي تعبير وقالت ضاحكة: " وماذا كنت تتصوّر؟ في الولايات المتحدة الاميركية يتمتع المخطوبين بحرية اقوى من هذه البلاد! هل كنت تتصور ان برانت وانا يمكننا التوصل الى الاتفاق على الزواج من دون ان نعرف مسبقاً اننا منسجمان على جميع الاصعدة؟ " رفع دييغو مرفقيه وسمّرها على السرير ونظر اليها بغضب وقال وهو يشد بشعرها" " لا اريد ان امارس حقوقي مع امرأة سبق وعرفت رجلاً آخر. لماذا تزوجت مني؟ لماذا؟ فقالت وهي ترفع كتفيها: " لأنك لم تترك لي اي خيار ان والدي ..." قفز دييغو من السرير وهو يطلق سيلاً من الشتائم باللغة الاسبانية. و وضع مئزره والتفت الى لورا ورمقها بنظرات ****ة. " والدك... دائما والدك ... هل تتصورين انني بعد كل هذا العار، سارفع اصبعا واحدا لأساعده على الخروج من هذه الورطة التي وضع نفسه فيها؟ يمكنه ان يمضي حياته كلها في السجن! " بعد هذه الملاحظة، خرج من الغرفة، تاركاً لورا في حالة انهيار. نجحت في انقاذ نفسها ولكن ماذا كان الثمن؟
الفصل السابع .......
7 – مشاعر متناقضة .....
"لورا "........
غصباً عنها فتحت لورا عينيها الناعستين وتسائلت في خوف أين هي . ثم تعرفت الى الوجه القاسي , ذي الملامح النبيلة المتعجرفة الذي كان يترائى لها في نومها الملئ بالكوابيس . وبحركة من يده , أشار دييغو الى الصينية الموضوعه على الطاولة ثم قال : " جئتكِ بطعام الفطور . كان يجب ان افعل هذا والا استغربت جوانيتا الامر و ........". تقوقعت لورا وسالته : " ماذا ..... ماذا قلت لها ؟". اجاب وهو يتجه نحو النوافذ , ويفتح الستائر تاركاً النور يدخل بقوة الى الغرفة : " هل اعتقدتِ بانني ساقول لها الحقيقة ؟ أي اني امضيت الليل بعيداً عن زوجتي التي وهبت نفسها لرجلٍ آخر ؟". تكلم من دون غضب وبصوتٍ حزين , شعرت لورا بالدمع يصعد الى عينيها متأثرة بكبريائه . كانت تريد ان تتراجع عما قالته بالامس وان تقسم له ان برانت احترمها دائماً , وانه هو , دييغو بالذات هو الذي عرف كيف يحرك المشاعر التي كانت تجهلها حتى الان هذه الليلة , ليلة الحب المتقطع وضعتها على شفير الانهيار وكانت سبباً في ارقها . ومن دون كلمة , جلست في سريرها والقت نظرة خاطفة الى الصينية المليئة بالمآكل الشهية . في سلة كان الخبز الصغير الطازج والساخن والزبدة الشهية بشكل اصفاد موضوعة في صحن من الكريستال الثمين , وقرب ابريق القهوة المصنوع من الفضة وضعت وردة حمراء في مزهرية صغيرة . فهمست لورا بصوتٍ خافت : " شكراً لهذا الفطور .. الوردة .... رائعة ". قال دييغو وهو يقترب من السرير : "ليس انا من اعدّ الصينية . عليكِ ان تشكري جوانيتا ". " آه" لماذ خاب املها الى هذه الدرجة . لا تعرف ؟ وفي حركة خالية من اي حنان , اخرج دييغو من جيبه علبة صغيرة ورماها على السرير واضاف بسخرية : " من عاداتنا ان نقدّم هدية الى العروس , شاكرين لها محبتها ورقتها خلال ليلة العرس , من الافضل ان تاخذيها ". اخذت لورا العلبة بيديها المرتجفتين وفتحتها بعناية , وجدت لورا داخل العلبة المبطنة بقماش الساتان الابيض زوجان من الحلق , مصنوعان من الزمرد المحاط بحبات الماس , التي تشبه خاتم خطبتها . " ارجو ان تضعيها هذه الليلة خلال العشاء ". تلعثمت وهي تنظر الى وجه دييغو الحزين : " انها رائعة جدا . لكن يجب ان تحتفظ بها لزوجتك ". " انتِ زوجتي , وكما سبق وقلت لكِ , لن اتزوج الا مرة واحدة في حياتي ". سالته بعد زفرة عميقة : " حتى بعد كل ما حدث الليلة الماضيه ؟". ثم اضافت بعدما اطلقت ضحكة خالية من الشعور باي فرح : " لكنك لستَ ناسكاً ". " لم اعتد العيش كناسك , وبانتظار ان انسى خيبة املي بعد خداعك لي , فلن تنقصني النساء عندما ارى انني بحاجه الى واحدة ". قالت وكانها تلقت صفعة : " والنساء الاخيرات , السن جديرات بالاحتقار ؟". فاجابها بصوتٍ هادئ وهو يتجه نحو الباب : " لا تخلطي الاشياء , لم يسبق ان فكرت ان تكون زوجتي واحدة منهن . احتسي القهوة ثم تعالي لنسبح في البركة قبل الغداء وسنذهب لزيارة والدكِ في فترة بعد الظهر ". شعرت لورا بجفاف في حلقها , فسكبت عدة فناجين قهوة شربتها بنهم . لم يكن وضعها افضل من يوم امس , سيبدا لعبة الهر والفار . ومتى سئم من النساء سيفرض عليها ان تقوم بواجباتها الزوجية , وسيعرف حينذاك انها كذبت عليه فيما يتعلق ببرانت ..... لكن في الوقت الحاضر يبدو انه عاد عن قراره في اهمال والدها وتركه الى القدر , وهذا في حد ذاته انتصار . عندما خرجت لورا من غرفتها , كانت الساعه العاشرة وفي الممر التقت جوانيتا التي احمر وجهها , لاشك في ان الخادمة اعتبرت ذلك ناتجاً عن قضائها ليلة رائعةً بين ذراعي زوجها . فقالت الخادمة وهي تتامل لورا من شعرها المرفوع الى الوراء الى قدميها النحيفتين مروراً بفستانها المزهر : " صباح الخير سينيورا راميريز ". " صباح الخير يا جوانيتا ". بدت الخادمة مسرورة من ان الفتاة الامريكية تجيد اللغة الاسبانية , فقالت جواباً على احد اسالتها . " ان السينيور في البركة , يمكنني ان اجلب لكِ بعض الشراب , اذا كنتِ تريدين ذلك ". " شكراً , افضّل بعض القهوة اذا كان هذا ممكناً ". " سأعد القهوة في الحال ". قطعت لورا بهواً في وسطه سبيل ماء واسع , حوله النباتات المتسلقه على اعمدةٍ حديدية , فجأة شاهدت بركة السباحة المستطيلة ذات اللون الازرق الفيروزي تلمع تحت سماءٍ شديدة الزرقة . وتأملت بامعان شديد شبح دييغو على حافة البركة وبالرغم منها بدأ قلبها ينبض بسرعة وهي تتأمل جسمه الجميل الملئ بالرجولة وكتفيه العريضتين وقدميه المعضلتين . كان واقفاً يستعد لقفزة . ومن دون أن يراها رفع ذراعيه الى الشمس , ثم قفز تحت الماء ولم يظهر الا بعد ان وصل الى الطرف الآخر من البركة . وخلال عملية الغطس , جلست لورا على سرير بحر مبطن وراحت تدهن قدميها بزيت واقً للشمس . وفجأة شعرت بدييغو يقترب منها ويتوقف قربها وهو يلاحظ ما تفعله ومن دون ان ترفع عينيها طلت تدلك قدميها لتدخل الزيت الى بشرتها . اخيرا قال بصوتٍ جاف : "اتصور ان شمسنا المكسيكية الحارة ستتردد في التسرب الى بشرتكِ بعد هذا التدليك ". كانت تفكر فيما اذا كانت هذه الكلمات تعني شيئاً آخر , واذا بدييغو يتناول الانبوب من يديها ويشير الى كتفيها : "هل تسمحين لي بأن ادلك كتفيكِ ..." " بوسعي ان افعل ذلك بنفسي ". لم يأبه دييغو لرفضها بل وضع في يده قليلاً من الزيت وراح يدلك كتفيها بلطفٍ وشعرت بانه يملك اصابع ذهبية , فهذا التدليك الخفيف ساعدها على الاسترخاء بعد انفعالات الساعات الماضية وليلتها البيضاء , فاسترخت واغمضت عينيها الى ان شعرت بيد دييغو تقترب من صدرها , وانفاسه تلامس اذنها , فشعرت بقشعريرة تعبر جسمها , فانتفضت واقفة . " آه . عفواً يا سينيورا , احضرت القهوة كما طلبتِ ...." ولدى سماعها صوت جوانيتا التفتت لورا بسرعه واحمرت خجلاً . لا شك في ان الخادمة شاهدت دييغو يلامسها ولربما اعتقدت انه يهمس في اذنيها بكلمات الحب المعسولة . وعلى وجهها تعبير يقول بان ما تراه او تسمععه شئ طبيعي جداً . قالت لورا عندما اختفت جوانيتا عن الانظار : " كيف تجرؤ على هذا , لا شك انها فكرت...." هز كتفيه وجلس على طرف سرير البحر وسكب لها القهوة وقال : " في كل حال انتبهت بسرعة الى عينيك المتاججتين , لا شك في انها وزوجها سعيدان ومبتهجان لليلة عرسها ...." ثم قدّم لها القهوة في فنجان مصنوع من الخزف الصيني , فقالت بصوت ساخر : "اني اعجب لاهتمامك براي الموظفين والخدم ". " لا يمكنكِ ان تفهمي ... عندما كنت صغيراً , كنت آتي الى هنا خلال العطلة المدرسية , وكان كارلوس وجوانيتا بمثابة والدىّ . وهما الآن سعيدان جداً لرؤيتي متزوجاً .. ويحلمان برؤية ابنائي يقفزون على احضانهما , ولذلك , فلا اريد ان اخيب المالهما ". اتكأت لورا بعنفٍ على ارائك السرير فاندلقت القهوة على الصحن , فاذا بدييغو ياخذ الفنجان من يدها و ينظفه ثم يعيده اليها قائلاً : " كوني حذرة يا حبيبتي ". قالت في تحدٍ : " من الذي يمنعني من ان اقول لهما ان زواجنا ليس سوى مسرحية ..!!". " أولاً , لن يصدقالكِ , ثم , رغبة مني بأن اكذّب اقوالك , فلن أتأخر عن المطالبة بحقوقي الزوجية والحصول عليها ". " صحيح ..؟؟ وما رأي والدتك بالامر , لو كانت لا تزال حية ". لكنها كانت قد وعدت نفسها بالا تدعه يعرف بان تلميحات كونسويلو فيما يتعلق بتشابهها مع والدته قد جرحت شعورها , فسالها بصوت مبحوح : "من حدثكِ عن أمي ؟". " لقد شاهدت صورتها في مكسيكو ... ان شبهها بي قوي جداً ". فقال وهو يتاملها من راسها حتى قدميها : " ليس هذا رأيي , الشبه هو مجرد شبه سطحي , في الواقع , ليس بينكما اي شئ متشابه ". صمت لحظة ثم نهض قائلاً : " سوف اسبح قليلاً قبل موعد الغداء , هل تاتين معي ؟". هزّت لورا راسها بالنفي , فقفز دييغو في البركة وطرطشها بالماء الذي انعش بشرتها الملتهبة , لمااذ لم تتبعه الى البركة برغم حرارة الطقس ؟ احتلها شعور بالخدر والخمول , لكنها لم تكن توقف عن التفكير بصورة مستمرة . في كل حال , ربما كان من الافضل الا تلحق به في الماء , ربما حدث احتكاك بينهما وهي تعرف انها عاجزة عن مقاومة رغبتها بالاستسلام له كلما اقترب منها ولمس جسمها . متى اصبح والدها خارج السجن , سوف تفسخ هذا الزواج الذي فرضه عليها دييغو , وتغاذر البلاد ومن السهل ان تحصل في بلادها على فسخ للزواج بطريقة اسهل مما يجري في مكسيكو . اوقف دييغو سيارته المرسيدس قرب مركز الشرطة , ثم حدّج لورا بنظرة تهكمية وقال : "تشبهين كثيراً امرأة عانساً مهانة يا حبيبتي , اكثر من عروس متالقة بعدما امضت الليل بين ذراعي زوجها , يجب معالجة هذا الامر ". فالتفتت لورا نحوه وانفجرت غاضبة وقالت : " هل تعتقد ان والدي سيصدق كل هذا الرياء والكذب ؟ والدي ووالدتي احبا بعضهما البعض منذ اللحظة التي التقيا فيها . ويعرف والدي تماماً كيف يظهر الحب والغرام في عيون العروسين وخاصةً بعد ..... بعد ..... اوه ... " اكمل دييغو ببرود : "بعد ليلة عرسهما . اسمحي لي بان اقول لكِ يا عزيزتي ان والدتك لم تكن بكل تاكيد قد نامت مع رجل اخر قبل ان تتزوج والدكِ ". استغرابها المصدوم مات على شفتيها , لان دييغو جذبها نحوه وخلع نظارتيها , ثم رفع ذقنها بنعومة وحدّق في عينيها الخضراوين الناقمتين , ثم من غير مبالاة بنظرات الشرطة التي تستعد للدخول الى المركز , احنى راسه على وجه لورا التي راح قللبها ينبض بسرعة جنونية , ارادت ان ترفع يدها لتبعده عنها , لكنها لاحظت انه انتزع من شعرها الدبابيس وانسدل شعرها الاشقر على كتفيها . تقلصت حتى لا تنساق مع هذه الاحاسيس المتيقظة من جراء هذا الاقتحام المنتظر . عناق دييغو واصابعه التي تلامس شعرها وعنقها , كلها تساهم في فقدانها لوعيها , وادركت ان برانت لم يكن قادرا على ان يشفي غليلها ويطفئ الظمأ الذي تشعر به همست في اذنه بصوت مذهول : " .. دييغو .... " ولمّا دفعها عنه فجاة , شعرت بصدمة كبيرة , وخلال لحظة , راح يتاملها مثل فنان معجب بلوحته , ثم قال لها بصوتٍ مبحوح : " والآن لا شك في انكِ تبدين متعةً للنظر , سوف يتأكد والدك من اننا عاشقان متيمان , ولما رآها تبحث في حقيبتها عن مشط وحمرة الشفاة قال : " لا . لا تفغلي شيئاً , وإلا اضطررت الى ان اعيد الكرّة ". تناولت لورا نظارتيها لكن دييغو اعترضهاقائلاً : " اتركي النظارات هنا, ان نظراتك ... كاشفة ". وبرغم غضبها لم تكن لورا مستاءةً من وجود دييغو معها ,, الشرطي البدين الذي راته خلال زيارتها الاولى نهض لاستقبالهما في ابتسامةٍ مجاملة , لكن الشرطيين الآخرين راحا يحدقان بها بطريقةٍ وقحة, مما جعلها تلتصق بدييغو الذي وضع ذراعيه حول خصرها , ولم يتركها إلا عندما وصلا إلى زنزانة والدها , ولما فتح السجّان الباب أسرعت لورا الى داخل الغرفة , تبحث عن والدها الذي كان ممدداً على السرير وراسه في اتجاه الحائط وقد حلّ مكان السرير الصغير سرير واسع عليه الشراشف الملونة . " أبي ... هذا أنا ". استدار دان وفتح عينيه كانه يستيقظ من نوم عميق .... " لورا ؟ هذه انتِ حقاً ؟". انتصب بصعوبة وجلس على حافة السرير , ثم نهض وعانق ابنته وشدها الى صدره ثم قال بصوت ثقيل : " كنت احلم , عفواً يا ابنتي , لم انتظر ان اراك بهذه السرعة بعد الزواج , والا لرتبت غرفتي , إقبل مني احرّ التهاني يا دييغو .." ثم ابتعد عن ابنته قليلاً ليتأملها عن قرب . واستغربت لورا ان ترى بشرته داكنة . فقال دان بابتسامة طبيعية : " ارى ان الزواج يليق بكِ يا صغيرتي , لم يسبق لي ان رايتكِ مشعةً كاليوم واني سعيد جدا لذلك ". قالت بصوت خافت : " كنت اود لو حضرت حفلة العرس , يا ابي , لم يكن هناك احد من عائلتي .." ضغط دان على يدها وقال بانفعال بعد صمت طويل : " كان هناك زوجكِ , انه يساوي كل اهلك و اصدقائك ". كتمت لورا احاسيسها والتفتت عفويا الى دييغو وفوجئت أن رأت في عينية الحنان والمحبة , فقالت بصوت منخفض : " نعم .... كان هناك دييغو ". قال دان : " لنجلس ونتحدث قليلا , لا اريد ان احتجزكما كثيرا , لا شك انكما ترغبان ان تكونا وحيدين . كما اننا لسنا في فندق من الدرجة الاولى . لكن منذ زيارة لورا الاخيرة , اصبحت غرفته مريحة جدا , وضعت المقاعد الجلدية حول الطاولة وخزانة مليئة بالملابس , وعلى الطاولة اباريق القهوة والشاي وبراد يحوي على المشروبات المنعشة . " دييغو اريد ان اشكرك لكل ما فعلته لتجعل هذا المكان مريحاً , كما احب ان اشرب شيئاً على شرفكما . ماذا تريدين ان تشربي يا لورا ؟" كانت على وشك الرفض , لكن نظرات دييغو جعلتها تغيّر رأيها , فقالت : "اريد قليلاً من الشاي ". وقام دييغو يسكب الشاي للجميع . واذا بدان يرفع كأسه ويقول وهو ينظر الى ابنته بانفعال كبير : "ليكن زواجكما سعيداً كما كان زواجي ". احمرت لورا خجلاً وجرعت الشاي وكادت تختنق ثم قالت : " اعرف جيداً يا ابي ان زواجك كان فريدا من نوعه ". لم يكن بامكانها التصور انه سياتي يوم ويشرب والدها على شرفها في زنزانة مكسيكية , كان عرسها من رجل **** ؟ هي التي كانت تحلم ان يرافقها والدها الى العرس ويسلمها الى برانت , امر غريب للغاية .... فجاة , عادت الى وعيها وتبين لها ان والدها و زوجها يتحدثان كانهما صديقان قديمان . آه لو انها قادرة على ان تفتح قلبها لدان , او ان تبقى معه لوحدها بضعة دقائق , خلال الفرص المدرسية التي كانت تمضيها برفقة والدها على متن سفينته بربارة , كان دان دائما يصغي اليها بانتباه لكل مشاكل واحزان الطفولة والمراهقة . اما اليوم والوضع معها متازم , فان والدها هو اخر من يمكنها ان تشكو اليه او تفتح له قلبها . نهض دييغو كانه احس بمدى توترها , ووضع فنجانه على الطاولة وقال في محبة : " يجب ان نذهب الآن يا حبيبتي ". ثم اضاف وهو يلتفت نحو عمه : " تأمل خادمتي ان يكون العشاء الليلة انجح مما كان عليه عشاء الأمس ...." ابتسم دان ترانت بينما ابتعد دييغو نحو الباب تاركاً الابنه والاب يودعان بعضهما البعض على حدة .. همس دان في صوت مبحوح : " لقد عثرتِ على زوج محبٍ يا حبيبتي .. اعتني به جيداً , هذا ما فعلته امكِ ولم تندم ابداً على هذا ". ارادت لورا ان تصرخ له انها نادمة على زواجها من هذا الرجل الذي لا تحب ولا يمكنها ان تحبه ابداً ". " انت تحب دييغو كثيراً .. اليس كذلك يا ابي ؟". اجابها دان وهو يتفحصها بنظراته : " نعم , سيكون صالحاً لكِ يا صغيرتي . لقد عرفت ذلك منذ المرة الاولى , عندما رايته ينظر اليكِ في الميرادور , كما انني فخور جدا بابنتي , واعتقد ان دييغو محظوظ ايضا و مسرور لانه تعرف اليكِ , لقد قلت له ذلك . وكا من رأيي ". سالته لورا من دون ان تخفي مرارتها : " والآن ؟". قال دان وقد فاجأته لهجتها الحزينة : " كأن شيئاً ما يزعجكِ يا ابنتي , الستِ سعيدة ؟ احيانا يشعر المرء بالانصدام بعد ليلة العرس الاولى , لكن الامور تتبدل بسرعة , سوف ترين ذلك ". ادركت لورا انها تشكو بطريقة غير مباشرة , فقامت بجهد وابتسمت وقالت : " بلى انا سعيدة , لا يمكنني ان اتصور العيش من دون دييغو ". فرح لجوابها . غصّت لور وخرجت لتوها من الزنزانة . طوّقها دييغو بذراعيه ورافقها في الممشى ولم تتمكن من اخفاء دموعها . ولما وصلا الى السارة سألها دييغو : " هل هناك ما يزعجكِ ؟". " طبعاً . لماذا الاستغراب ؟ اني متزوجة من رجل ترعبني مجرد رؤيته ووالدي مسجون في هذا المكان المرعب ". قامت بحركة غاضبة باتجاه السجن الواقع على الجهة الثانية من الطريق . وبالصدفة وقع نطرها على وجه دييغو , فانتبهت الى تغيّر ملامحه بهذه السرعة الرهيبة . فقدت عيناه لمعانهما وحرارتهما العادية . وتقلص وجهه ومن دون كلمة اقلع بسيارته . وخلال الطريق عمّ الصمت , مرة او مرتين القت لورا بنظرة خاطفة باتجاهه اوقف السيارة امام المنزل واخذ لورا بذراعها وجذبها بقوة نحو الشقة من دون ان يلاحظ نظرة جوانيتا المتفاجأة وكانت لورا تنتظر في ان تراه ينتقم منها بطريقة .. طبيعية . لكنها ظلّت جامدةً مستعدة لكل شئ ما عدا رؤية ملامح وجهه الجامده .. فهمست بعدما دفعها بقوة الى داخل الغرفة : " دييغو " ثم رددت بصوت مرتجف وهي ترفع عينيها نحوه : " دييغو .. دييغو ". " اجلسي " تقدّمت خطوة منه وفي نظراتها توسل ..... " اجلسي . اني آمركِ ان تجلسي , اسمعيني جيداً ". جلست لورا في مقعد وهي تحدق فيه .. توجه دييغو الى النافذة وادار لها ظهره وبعد صمت طويل قال بدون ان يلتفت اليها : " لقد أخطأت ,,, أخطأت عندما تزوجتكِ بعدما انتزعتكِ من خطيبكِ ,, وأخطأت في الاستفادة من وضع والدكِ لأرغمكِ على الزواج الكريه بنظركِ . كنت اعتقد بأني قادر على التوصل الى ان اجعلكِ تحبينني .. لكن ... " التفت نحوها وهو يهز كتفيه . فهمست لورا في صوت متقطع " الحب .... لا يمكن فرضه ". أضاف وهو ينظر الى النافذة : " أعرف هذا الآن .. ولذلك , لن أفرض عليكِ شيئاً .. من الافضل ان نظلّ متزوجين لمدة من الوقت . هذا يسهّل علىّ القيام بالمساعي الضرورية لاخراج والدكِ من السجن ومتى اصبح حراً أعيد لكِ حريتكِ ". " اتريد ان تقول .........." " سوف نطلب فسخ الزواج " " لكن ... دييغو ...." هذا ما كنتِ تريدينه منذ البداية .. اليس كذلك ؟ ان تخرجي والكِ من السجن والالتحاق بالرجل الذي تحبين ؟"". حزن قلب لورا وتلعثمت وهي تقول بصوت خافن : " نعم " بينما ادار دييغو ظهره وخرج من الغرفة ...
الفصل الثامن ....
8- ما طعم الحياة بلا حب ؟
همس جار لورا بلهجة متملقة : " ان زوجك محظوظ جداً لانه عرف كيف يقطف أجمل زهرةٍ ليزين طاولته يا سينيورا ". ألقت لورا نظرة سريعة الى الطرف الآخر للطاولة المستطيلة .. كان دييغو يصغي بانتباه الى حديث جابرته الجذابه . كان يبدو مسحوراً بجمال هذه المرأة السمراء .. التي كانت ترتدي فستاناً أبيض ضيّقاً يظهر تفاصيل جسمها الجميل . أجابت بابتسامة مشدودة : " لا اعتقد بأنّ زوجي كان يجد صعوبة في تزيين طاولته بالزهور يا سينيور ". أضاف جارها الذي كان يتبع اتجاه نظراتها : " لا تقلقي عليه فيما يتعلق بفرانسيسكا , انه حب قديم , حب الطفولة , لقد تزوجت من رجل فرنسي , وسمعت انها كانت سعيدة جداً معه . لكن للأسف , توفي انطوان منذ بضعة شهور , كانا يعيشان في فرنسا , لكن فرانسيسكا فضّلت أن تعود الى وطنها , فبامكان عائلتها و اصدقائها ان يساعدوها في التغلب على احزانها . شاهدت لورا يد دييغو في يد الارملة الجميلة , حيث ابقاها مدة طويلة , حاولت جاهدة ان تتحرك وتتذوق ثمر الفريز الذي ينمو في جنوب المكسيك , لكن قابليتها ضاعت .... وضعت شوكتها في الصحن واشارت سراً الى الخادمة , وبعد لحظة , قدًمت القهوة الى المدعويين , نظرت لورا بسرعه نحو زوجها , انه ما يزال يتحدث الى جارته . هذا هو العشاء الثالث الكبير الذي يقام في فيلا جاسينتا منذ عودتهما الى اكابولكو , وتعوّدت لورا بسرعة أن ترأس الطاولة التي يشترك فيها عدد من الشخصيات الكبيرة المعروفة جداً في لمكسيك , فقد قال لها دييغو إنّ هذا النوع من الاحتفالات يساعد في الجهود المبذولة لإخراج والدها من السجن وفي الإسراع باجراء المحاكمة . قال لها ذات يوم عندما كانا يتناولان طعام الفطور قبل ان يتوجه لى مكتبه . " في بلادي من الصعب استعجال الأمور , علينا ان نستقبل الشخصيات مرّات عديدة قبل ان تطلب منها الاهتمام بقضيتنا ". فقالت له بلهجة غاضبة : " أنت لا تفعل شيئاً , ووالدي .....". أجابها دييغو غاضباً وهو يرفس الكرسي : " بالنسبة الى الظروف الراهنة , فإ والدك ليس في وضعٍ سئ , بل بالعكس ..." قالت لورا بإلحاح : " ينقصه الهواء ولون بشرته أصبح رمادياً ". قال في سخرية : " آسف لأني لم أستطع إقناع المسؤولين بأن يأخذوه كل يوم الى شاطئ البحر لتلّوح الشمس بشرته ". وخرج من الغرفة قبل ان يتسنى لها الاعتذار , فهي تعرف جيداً أن والدها سيكون في وضع يرثى له لولا مساعدة دييغو , لكنها لم تستطع ان تمنع نفسها من إثارة زوجها , ربما لانها تشعر بالاهانة عندما تراه يتأقلم مع وضعهما المعقد في رباطة جأشٍ وهدوء . ومنذ الليلة التي وعدها فيها بأن يعيد إليها حريتها , كان يعتبرها كأنها تمثال من الرخام يزين المكان . وخلال شهر العسل الذي لا ينتهي لم يعد دييغو ينظر اليها كأنها امرأة جذابة ومثيرة , بينما هي تفقد صوابها وتضطرب تأثراً , فإن دييغو يحافظ على هدوئه الغريب , ولاشك في أنّ ذلك غريب لأنه يتمتع بطبع ناري , ان ذكرى ليلة عرسهما حين كانا على وشك إتمام الزواج ما زالت تلازم لياليها الأرقِة . قالت لورا لجار دييغو بعدما انتبهت انه يكلمها : " آه عفواً انني ... انني تائهة ... كأنني كنت في القمر ". فهمس قائلاً " اعتقد بان دييغو يحاول ان يشير إليكِ منذ لحظة , لاشك في انه يرغب في ان ينهض عن الطاولة ..". " نعم , بكل تأكيد ". احمّرت بينما كانت نظراتها تلتقي بنظرات رب المنزل المتزنة , ولثانية ظلّت جامدة وكأنها مشلولة , وبجهد نهضت ولحقت بالضيوف الى الصالون . اتكأت لورا الى حائط الموقدة و راحت تتأمل في ابتسام المدعويين المتجمعين في حلقات في مختلف زوايا القاعة الكبيرة . بين المدعويين كان وزير العدل واثنان من معاونيه . في هذه الليلة بالذات سيحقق دييغو اولى الخطوات من اجل الاسراع في اجراء محاكمة والدها . هل سيبدا بالحديث معهم الآن .. في غرفة الطعام الفارغة , ام انه سيصطحبهم الى مكتبه المريح الواقع في الطرف الآخر من البهو ؟ فجأة تقدّم منها بعض المدعويين يرغبون في أن يشكروها على هذا العشاء الذي أعدته . قالت لور وهي تبتسم لإحدى المدعوات : " يجب ان تشكري الطاهيه على ذلك , كان يكفي فقط ان أوافق على قائمة الطعام التي وضعتها ". وفجأة تقلّصت معدتها .. إذ رأت وزير العدل يصغي بانتباه الى احد معاونيه بينما معاونه الآخر يتحدث مع مجموعة من المدعويين . أين ذهب ديغو ؟ اعتذرت لورا من المدعويين المحيطين بها وابتعدت خلسةً , كان الخدم يقدمون المشروبات المنعشة , ألقت نظرة الى غرفة الطعام , فلم تجد إلا الخدم يوضّبون المائدة . ترددت لحظة, هل هو في مكتبه ؟ ربما ناداه أحد ليرد علىالهاتف ؟ في اكابولكو كما هو في مكسيكو , لم يكف الهاتف عن الرنين . اجتازت البهو وتوقفت أمام باب الكتب وراء باب ضخم . فلم تسمع اي صوت . وبعد ثانية من التردد فتحت الباب . كان دييغو يحني رأسه على امرأةٍ وجهها ملئ بالدموع وهي تنتحب بين ذراعيه ... إنها فرانسيسكا . وأول انسان استعاد وعيه كان دييغو , الذي نظر بقسوة الى لورا ثم قال لفرنسيسكا في لطف : " اذهبي الآن يا عزيزتي .. سنتابع الحديث بعد قليل ". أحنت فرانسيسكا عينيها ومّرت أمام لورا واختفت من دون أن تقول كلمة . فتح دييغو علبة موضوعة على المكتب وأخرج سيجاراً صغيراً ثم أشعله بهدوء قبل أن يلتفت الى زوجته وسألها في سخرية : " اذاً يا عزيزتي , انتِ تطاردينني في عريني ؟ لماذا هذا التطفل ؟". الغضب الذي شعرت به لورا ورؤيتها فرانسيسكا بين ذراعي دييغو حلّ مكانه الانفعال , فقالت بلهجة جارحة : " إني اهزأ من كل النساء اللواتي تعاشرهن . كما اني لا اهتم بالمدعويين الذين تتغاضى عنهم , غير أنني أشعر بالصدمة إذ أراك تخلّ بوعدك بأن تتحدث الى الذين سيساعدوننا في اخراج أبي من السجن ". لم يرد دييغو في الحال .. تسمر وجهه ثم نفض رماد يسجاره قبل ان يجلس الى المقعد الجلدي الاسود وراء مكتبه وهو يقول بلهجةٍ هادئة : " لم اعدكِ بشئ من هذا النوع , لم أكن أنوي أن أبدأ محادثاتي الليلة ". " لكنك أكدّت لي ....". " لقد سبق وقلت لك ورددت ذلك على مسامعك مئات المرات , أنه في بلادنا , هذا النوع من المبادرات لا يمكن الاقدام عليه إلا بكثير من الدبلوماسية, وليس مسلكاً سليماً أن أفتح هذا الموضوع مع رجال مدعويين الى مائدتي الآن ". فقدت لورا سيطرتها وخبطت على المكتب وصرخت في صوت هستيري .. " لا ابالي قطعاً بهذه الانظمة واللياقات اذا كنت لا تريد ان تكلمهم الآن فسوف أكلمهم انا ". أسرعت بالخروج , لكنها ما كادت أن تصل الى الباب حتى أمسكها دييغو في معصمها بعنف وأدارها نحوه وقال ووجهه أبيض من الغضب : "أمنعكِ من احراج المدعويين , هل تسمعين . اصعدي الى غرفتكِ في الحال , سأعتذر لهم عنكِ , سنتحدث في الأمر في وقتٍ لاحق ". فقالت : " قبل أو بعد محادثتك الصغيرة مع فرانسيسكا ! يبدو لي أنّ سهرتك حافلة بأمور كثيرة ". رفع يده عنها وتراجع خطوة الى الوراء وقال بهدوء : " لا ارى لماذا أكنّ لكِ الاخلاص !!". فقالت في تحدٍ : " وأنا لا أرى لماذا لا أتولى الدفاع عن قضية والدي شخصياً ". فصرخ وهو يحملها كالريشة ويتوجه بها نحو السلم المكسو بالسجاد الاحمر الذي يصل الى الطابق الاول : " هنا , انتِ في منزلي أيتها المرأة الشرسة , ستفعلين ما أقوله لكِ ." صفعته لورا بقوة وصرخت : " اذاً تقول إني امرأة شرسة ! لكنك لم تر أو تسمع شيئاً مني بعد , انتظر لترى ". فقال وهو يضع يده حول ظهرها ويصعد بها السلم : " الآن تجاوزت جميع الحدود ". توقفت لورا عن التخبط ليس لأنها مكبلّة , بل لأن انفعالاً غير منتظر اجتاحها كلياً , فقد شعرت بصدر دييغو المضغوط على صدرها . تكفي رائحة عطره حتى تغيب عن وعيها . حملها من دون أي جهد ظاهر حتى السرير ووضعها بلطف وقال بصوت يلهث وهو يحدّق فيها بشراسة : " المطلوب منكِ أن تبقي هنا حتى ينصرف المدعوون . هل فهمتِ ؟ سأعود فيما بعد ". نظرت اليه وهي مخدرة بالانفعال ولم تكن قادرة على ان تنطق بكلمة . خرج دييغو وأقفل عليها الباب بالمفتاح . فهمست بصوتٍ متقطع : " آه .. يا الهي ! هذا مستحيل , إني أحبه ! لا , هذا مستحيل ". يالغرابة الأمر ... قبل دقيقة كانت تكرهه .. والآن ... انها تريده بجنون .. لم يعد الامر بمثابة رغبة سبق وشعرت بها في اكابولكو ,,لا , انها تريد ان تصبح زوجته بما في هذه الكلمة من معنى , ان تكون المرأة التي كان يحلم بها منذ الأزل , أن تكون في الوقت نفسه العشيقة والزوجة وربة بيته وام اولاده .... لماااذا استغرقت كل هذا الوقت كي تكتشف حقيقة عواطفها ؟ كان لديها العديد من الاسباب لتحبه .. شكله الخارجي يعجبها . وهذا تعرفه منذ وقت بعيد .. ثم اعجبت بالاهتمام والعناية والاحترام لموظفيه وحتى لخدمه , كذلك الاحترام والمحبه اللذين يكنهما الجميع له , فضلاً عن الاهتمام بمساعدة والدها . لماذا أضاعت كل هذا الوقت الثمين لتقاوم هذا الانجذاب الخدّاع؟ ربما لم يفت الامر !! صحيح انها راته منذ قليل يعانق فرانسيسكا , لكن هذه الاخيرة عادت من فرنسا منذ فترة وجيزة .. والامور بينه وبينها لم تتطور بعد ... وعندما يكتشف دييغو أنها تحبه , يمكنها ان تستعيده .... وفي الباحة الواقعة تحت النوافذ سمعت فجأة ضجيج أصوات و ضحكات وابواب تصفق ومحركات سيارات تقلع .. تحمست لورا ونهضت من سريرها وخلعت بسرعة فستانها الاخضر الذي ارتدته للعشاء , وفتحت باب خزانتها , وبعد ان امضت وقتاً لا بأس به تتأمل العدد الهائل من قمصان النوم المعلقة , وقع اختيارها على قميص نوم شفاف من قماش ناعم , عربون البراءة , كما سيكتشف دييغو ذلك . بدأ قلبها ينبض بسرعة , نظرت الى المرآة واعجبت بنفسها وبوجهها الاحمر وعينيها اللامعتين المتلهفتين , فكّت كعكة شعرها فانسدل على كتفيها ثم راحت تسرحه , ثنت غطاء السرير وأطفأت الانوار تاركة ضوء قنديلين من كل جهة من السرير . آه كم كانت تكره هذه الغرفة , وأثاثها الاسباني الضخم وجوّها المخنوق . والآن كل شئ مختلف وهي تستعد أن تتقاسمها مع دييغو ..... لكن لماذا تأخر دييغو في الحضور ؟ لقد وعدها بأن يوافيها متى ذهب المدعويين .. ساورها القلق فاقتربت من احدى النوافذ وازاحت الستائر قليلاً . . ربما قرر دييغو ان يحدّث وزير العدل في قضية والدها . لم يكن هناك اية سيارة امام المنزل , سوى سيارة المرسيدس التي تلمع تحت ضوء المصابيح الكهربائية التي تنير الساحة كضوء النهار . ثم لمحت شبح دييغو واعتقدت لورا ان قلبها سيتوقف عن الطرق ,, كان يتأبط ذراع امراة ترتدي معطفاً أبيض . وما ان وصلا امام السيارة , حتى أخذها بين ذراعيه . رفعت المرأة وجهها نحوه , انها فرانسيسكا . ولما انحنى رأس دييغو على وجه فرانسيسكا , أطلقت لورا نحيباً عنيفاً وأقفلت الستائر . لا شك ان باب غرفتها قد نفتح في وقت معين من الليل . وعندما أفاقت لورا كانت تريزا الخادمة قد وضعت صينية الفطور على طاولتها . وباصبعها لمست ابريق القهوة الذي ما زال فاترا فقفزت من السرير وتوجهت الى الستائر تزيحها لتدع النور يدخل اليها . ونظرت الى ساعة الحائط المعلقة فوق المدفئة .. انها الساعه التاسعه والربع .. كيف كان بامكانها ان تنام طويلاً وبهذا العمق بعدما أمضت جزء كبيراً من الليل تبكي وتنتحب ؟ ولمّا نظرت الى نفسها في المرآة عرفت مدى حزنها وتعاستها , عيناها متورمتان وملامحها الناعمة متشوشة ,, فدخلت الى الحمام ووضعت وجهها في الماء البارد مدة طويلة , ولما عادت الى غرفتها استعادت بعض وعيها , القهوة الفاترة تساعدها على ان تستيقظ تماماً . لكنها لم تكف عن التفكير فيما حصل , لم يعد دييغو قبل الفجر لأنها لم تسمع صوت محرك سيارته . ما دامت لم تخلد الى النوم الا في الفجر , ولحسن حظها فان دييغو لا يمكنه ان يعرف انها انتظرته في تلهف العروس ليلة زفافها . يكفي ما تشعر به من ذل واهانة بعدما عرفت انه بقي مع فرانسيسكا بدل ان يعود الى غرفته كما وعدها .. سكبت لنفسها فنجاناً آخر من القهوة وذهبت تجلس في أحد المقاعد قرب الموقد . لاشك أنه عاد خلال الفجر , والا لما كان في وسع تريزا ان تدخل الى غرفتها حاملة صينية الفطور , الا اذا ترك المفتاح في القفل .. وهل الخدم اغبياء هنا .. يكفي ان تنظر تريزا الى السرير لتعرف انها نامت وحدها في هذا السرير الضخم . وفي يأس نظرت لورا الى السرير الذي تأمل من كل قلبها أن تتقاسمه مع زوجها . للأسف لقد فات الاوان , سئم دييغو هذا الزواج الابيض ,,وحبه القديم لفرانسيسكا سرعان ما عاد ا لى الحياة من جديد كما ان هذه المراة المكسيكية الجميلة اصبحت حرة .. بدأ الدمع يترقرق في عينيها عندما سمعت طريقاً على الباب . فانتفضت فجأة ونهضت ,, انفتح الباب , وظهر دييغو في بذلته الرمادية وقميصه البيضاء وربطة عنقه ذات اللونين الاحمر والرمادي .. نسيت لورا كلياً قميص نومها الشفاف الذي كانت ترتديه , وراح دييغو بكل وقاحة يتأمل جسمها النحيف الظاهر تحت القميص .. احمرّت لورا خجلاً وراح قلبها ينبض بسرعة جنونية , لاشك أنه يقارن نحافتها بجسم المرأة التي أمضى الليل معها . سالها فجأة : " هل انتِ تعيسة جدا يا حبيبتي ؟". مسحت الدموع بطرف يدها و اجابت بلجة لاذعة : " تعيسة , أنا ؟؟ لماذا اكون تعيسة ؟ تزوجت من رجل ثري وقادر , ووالدي متهم خطأ بتجارة المخدرات , فلماذا أ:ون تعيسة ؟". " لورا لقد وعدتكِ ..." قاطعته في شراسة وهي تتوجه الى الخزانة لتضع مئزرها : " حافظ على وعودك لفرانسيسكا ! ". " فرانسيسكا !!". ظهرت الدهشة على وجه دييغو الى درجة ان لورا كادت ان تستسلم لو لم تره بعينيها خارجاً ليلة البارحة مع هذه المراة المكسيكية الرائعة . رددت وهي تبكل أزرار مئزرها : " نعم , فرانسيسكا !". تقدّم دييغو خطوة منها وقال : " سأشرح لكِ ...." قالت له بصوتٍ جارح وهي تجلس أمام منضدة الزينة لتسرح شعرها : " لا أطلب منك أي شرح , إني أرغب في شئ واحد وهو معرفة متى يمكن لأبي ولي أن نغادر هذا البلد اللعين ! ". قال لها في جفاء : " جئت لأقول لكِ اني على موعد مع جوزيه بيريز , وزير العدل في لساعه الحادية عشرة ". " آه " توقفت لحظة عن تسريح شعرها ثم أضافت : " حسناً , تخبرني عن نتائج اللقاء في اكابولكو لاني انوي السفر الى هناك في الطائرة المسافرة ظهراً ". ران صمت فيه تهديد , تمالكت لورا نفسها فلم تقذفه بالاتهامات التي ظلت ترددها طيلة تلك الليلة البيضاء التي امضتها وهي تنتحب باكية على وسادتها ,, أخيراً سألها : "هل أنتِ ذاهبة الى اكابولكو ؟". أجابت بمرارة وهي تلتفت اليه : " ليس عندي خيار آخر , إني من دون عمل وبالتالي ليس معي نقود . . اني مضطرة لان اتكل عليك الى ان اصبح قادرة على الاتصال ببرانت ". خيّل اليه انه سينفجر غضباً مثلما حدث مساء امس , لكنها تجاوزت حدود الخوف كانت مستعدة لان ترضى بان يخنقها غضبه , لم يعد هناك طعم للحياة ما دام لا يحبها . قال وهو يستعيد برودة اعصابه : " حسناً , ساتصل بك,, وفي الوقت الحاضر ساحجز لكِ مكاناً في الطائرة , انكِ لم تحجزي بعد على ما اظن !!". " لا ". تناول دييغو سماعةالهاتف واجرى الاتصال اللازم , قال لها قبل ان يتصل بفيلا حاسينتا : " لقد حجزت لكِ مكاناً ". ثم اعطى اوامره لجوانيتا , ووضع السماعة وقال : " ستعد جوانيتا كل شئ لتوصيلك , وسينتظرك غييارمو في المطار ". " لا .... سآخذ تاكسي ,, المطار ليس بعيداً عن الفيلا ". " افضل ان يذهب غييارمو لاستقبالك . فليس لديه اعمال كثيرة في غيابي ". لم تلّح لورا عليه , كيف يمكن لدييغو ان يكون مطّلعاً على اهتمامات غييارمو . لقد شاهدت لورا هذا الشاب الجميل قبل زواجها بقليل , وكان على متن باخرة دييغو , ولمحته يغازل احدى السائحات , لو شاهده دييغو ذلك اليوم لما سمح له بان يقترب من زوجته . كان دييغو قد وصل الى الباب عندما سالته لورا في صوت متوسل : " ستتصل بي , اليس كذلك ؟". " طبعاً ". همست وهي تراه يخرج حالماً من غرفتها : " شكراً ". قالت لورا لنفسها في غضب , لاشك انه سيسرع في تحريك الامور ليتخلص منها ومن والدها , ثم يتزوج من فرانسيسكا هذه الارملة الشابه الجذابه التي جاءت الى لمكسيك لتلتقي حبها القديم
9-حقيقة كالحلم
حسب الاتفاق، جاء غييارمو لينتظر لورا في المطار. وخلال الطريق الى الفيللا، كانت تدرك اعجاب هذا الشاب المكسيكي بها. وخلال الاسبوعين اللذين قضتهما في الفيللا، خلال شهر العسل، كانت تلاحظ ذلك، لكن وجود دييغو الى قربها. منعه من اظهار اعجابه بوضوح. لكن نظراته بدت اليوم وقحة الى درجة ظاهرة. " استغرب كيف ان السينيور دييغو يدع زوجته الرائعة وحدها خلال هذه السفرة الطويلة..." كانت مكسيكو تبدو لهذا الشاب في آخر الدينا وهو الذي لم يغادر مدينة الحمامات الشهيرة. ابتسمت لورا بتحفّظ وقالت بلهجة مازحة: " لا اظن ان بامكان احد ان يخطفني. كان السينيور دييغو على موعد مهم، صباح اليوم، فأوصلني سائقه الى المطار، وبعد ساعة سفر في الطائرة وسط مئات المسافرين، جئت انت لأستقبالي. واني أسألك ماذا يمكن ان يحدث لي؟ " وخلال الطريق، لم تكف لحظة عن التفكير بوالدها. المهم ان تتم المحاكمة بسرعة. فهي لم تشك لحظة في برائته وهي التي سمعته مراراً يهاجم بعنف الذين يتاجرون بالمخدرات. فكيف يمكنه ان يورط نفسه في مساعدة هذين الرجلين اللذين استأجرا منه اليخت. آه، لو يتم القبض عليهما، لكان بالامكان انتزاع الحقيقه منهما. وبدا حتمياً ان والدها سيدفع الثمن مكانهما اذا استحال توقيفهما. وصلت السيارة امام ساحة الفيللا المحاطة بالخضار بمختلف انواعها. وما ان سمعت محرك السيارة حتى خرجت جوانيتا الي عتبة المنزل لاستقبال معلمتها بحرارة وارتباك. سالتها وهي تأخذ من يد لورا حقيبة الزينة بينما كان السائق يخرج حقيبتها الوحيدة من صندوق السيارة: " هل سياتي السينيور دييغو متاخراً " فاجابتها بأختصار: " نعم. سيلتحق بي قريباً. لديه مواعيد عمل مهمة ". فتحت جوانيتا الحقيبة التي وضعها كارلوس على طاولة صغيرة واطلقت زفرة عميقة وقالت: " آه، الواجب بالنسبة الى السينيور دييغو قبل اي شئ آخر. عندما كان صغيراً كان يعرف معنى المسؤليات. كان يكبر اخاه بسنتين فقط ويهتم به اهتماماً مسؤولا. لكن جيم كان مختلفا. يحب المرح والضحك. ولا يرى في الحياة غير حسناتها ". توقفت لحظة عن الكلام ثم تابعت: " كان عمر السينيور دييغو اربعة عشر عاماً عندما فقد والديه. وبعد ذلك كانت تأتي السينيورا جاسينتا لتمضي مع حفيدها العطلة. في اي ساعة تحبين تناول العشاء يا سنيورا؟ " " آه، في الثامنة والنصف، يا جوانيتا. لكني سأتناول فنجان شاي في الصالون الصغير بعد القيلولة. وبعدها سأخرج لفترة قصيرة ". قالت جوانيتا مقطبة حاجبيها: " هل تحتاجين الى غييارمو ليوصلك الي مكان معين؟ " " كلا. سأقود السيارة بنفسي ". لم ترحب جوانيتا بقرار معلمتها الخروج وحيدة. لكن لورا تجاهلت الأمر. فهي لا تريد ان تدع احداً يعرف بوجود والدها في السجن المحلي. سألت لورا " هل هناك اي رسائل لي؟ " " كلا، سينيورا ". لم يرد برانت على رسالتها وهي لا تستغرب ذلك. في الحقيقة لم تكن مصرة على ان تتلقى منه رسالة. فهي لم تشعر تجاه خطيبها القديم سوى بالمحبة. وهذا الاحساس لم يكن واضحاً الاّ الآن. ان دييغو وحده يملأ عالمها. وحده قادر على ان يشعرها بمداعباته وملامساته الحنونة. وتساءلت وهي ممدّدة على السرير: لماذا ما تزال تتذكر مشاهد الحب مع دييغو بعد ان بعد ان تهدم كل شئ بينهما؟ وبرغم تصميمها على الا تفكر فيه، لم تستطع ان تمتنع عن التفكير بتلك الليلة التي كادت ان تستسلم فيها نهائياً. " عفواً سينيورا، الهاتف! " التفتت لورا وقالت نصف نائمة: " ماذا هناك؟ " " الهاتف، سينيورا! انها الشرطة! " نهضت لورا من سريرها مرتجفة ورددت: " الشرطة؟ سأرد من هنا " وبرغم صدمتها، ظلت منتظرة الى ان اقفلت جوانيتا سماعة الهاتف في البهو قبل ان تعطي اسمها: قال صوت رجل : " العفو، سينيورا. اريد التحدث مع السينيور راميريز ". " ليس هنا. انه في مكسيكو، ولكنني..." " لو تفظلت ان تقولي لي اين استطيع الاتصال به يا سينيورا ". فقالت متوترة: "اذا كانت القضية تتعلق بوالدي، دانييل برانت. فيمكنك ان تقول لي ما الأمر ". ضغطت على اسنانها عندما اصرّ المتكلم على معرفة رقم هاتف دييغو. وعلى مضض اعطته رقم المنزل ورقم المكتب. ثم اضافت: " كنت على وشك الذهاب لزيارة والدي. لا شك ان بامكانه ان يشرح ما يجري من الامور ..." " لا انصحك بالمجيء، سينيورا..." " كيف؟ لن تمنعني من القيام بزيارته! " " لا داعي ان تنزعجي، سينيورا راميريز. ان السينيور ترانت ... لم يعد هنا ". حدقت لورا بالسماعة في توتر وقالت: " انني ... لا افهم، لايمكن ان يكون قد نقل بهذه السرعة؟ " " بلى، لقد ذهب ". احتلها فرح كبير هي التي كانت تشكو من بطء القانون والعدالة المكسيكية! لقد تحدث دييغو مع وزير العدل منذ قليل. وها هو والدها يتقل الى مكان آخر، ربما الى مكسيكو، من اجل محاكمته. فقالت قبل ان تضع السماعة جانباً: " شكراً سينيور، شكراً جزيلاً ". لم يطل فرحها الاّ لحطة ... ان محاكمة والدها وتبرئته، ستؤديان الى مغادرتها المكسيك او بالأحرى الى الطلاق، من الافضل الاّ تفكر في الامر ...ان دييغو يريد فرنسيسكا. ومن النافذة القت نظرة سريعة الى الساحة. البحر يرفع امواجاً عالية، ترتطم على الصخر وتظهر رغوة بيضاء. تذكرت لورا ان دييغو حذرها من السباحة على هذا الشاطئ الخطر. لكن لماذا لا تذهب لأكتشاف الشاطئ الجنوبي؟ انها الفرصة الوحيدة، فستغادر اليفللا عما قريب. لاشك ان عليها الانتظار يوماً او يومين قبل ان تعرف الى اين نقل والدها. اخرجت من احد الجوارير زي السباحة. لا داعي للقبعة، فستحتمي تحت اشجار جوز الهند العالية. دقت الجرس لجوانيتا التي خضرت في الحال. " لن اتناول الشاي في المنزل، فقد قررت الذهاب الى شاطئ البحر. وسآخذ معي عصير الليمون ". سالتها الخادمة وهي معجبة بقامتها النحيفة الظاهرة تحت سترة البحر القصيرة: " الن تأخذي السيارة؟ " قالت لورا وهي تبحث عن كتاب صغير بدأت قرائته في الطائرة: " لقد غيرت رأيي في الآمر " " هل هناك شئ خطر؟ " فوجئت لورا والتفتت نحوها. " المكالمة الهاتفية ... الشرطة ..." " آه لا. لا شيء. كانوا يريدون ان يتكلموا مع السينيور دييغو. وشرحت لهم اين يستطيعون الاتصال به ". " هكذا اذاً ". اطمأنت جوانيتا وذهبت الى المطبخ تعد العصير المطلوب، بينما كانت لورا تضع داخل حقيبة البحر، منشفة وكتاباً وانبوب زيت. ثم حملت الحقيبة على كتفها وتوجهت الى الشاطئ. سبحت لورا طويلاً في مياه البحر الفاترة، ومن وقت الى آخر كانت تعوم على ضهرها في فرح، مغمضة العينين. وبعد نصف ساعة من السباحة، عادت الى الشاطئ الرملي حيث ابريق العصير المثلج في انتضارها. تمددت على بساط البحر وراحت تشرب العصير ببطء وهي تتأمل المنظر الرائع الذي لن تراه بعد الآن وكانت تحاولان تحفر في ذاكرتها الرمل الناعم الابيض والبحر الازرق والاخضر، واشجار جوز الهند العديدة المحملة بالثمار الناضجة تحت الاوراق الخضراء الغامقة. ثم تمددت واغمصت عينيها تحت اشعة الشمس البراقة. فجأة مر ظل بينها وبين الشمس، فخفق قلبها بسرعة وفتحت عينيها. ولثانية اعتقدت ابنها ترى دييغو في قميصه البيضاء القطنية وبنطلونه الجينز الضيق. فجأة شعرت بصدمة عندما رأت غييارمو. سألته وهي تنتصب في حركة سريعة محاولة تناول سترتها: " ماذا تفعل هنا؟ " " ارسلتني جوانيتا لأرى ما اذا كنت بحاجة الى شئ ما ". " لا تبدأ في سرد القصص! لديّ كل ما اريد وتعرف جوانيتا ذلك تماماً " انحنى غييارمو ليجلس قربها، ثم نظر اليها بوقاحة قائلاً: " لاشك انها لاحظت مثلي بعض الاشياء، لقد تزوج السينيور دييغو من امرأة جميلة جداً يمكن ان يفتخر بها اي رجل. ومع ذلك فهو يبتعد عنها زارعاً الحزن في عينيها. اني اعرف ذلك يا سينيورا. لقد سبق وقرأت هذا التعبير على وجه النساء اللواتي يأتين الى اكابولكو من دون ازواجهن ". قفزت لورا واقفة وقالت في غضب: " لا استغرب ذلك. لكنك تعتبرني مثل السائحات اللواتي تلتقيهن على الشاطئ اذا قلت لزوجي ..." همس غييارمو بصوت شهواني مقنع: " لا حاجة لك لآن تقولي له شيئاً؟ انني اعرف ان اجعل النساء سعيدات، يا سنيورا، ويمكنك ان تثقي بي تماماً ". صرخت لورا: " اذا كنت مصرا على الاستمرار في موقفك فسأنادي كارلوس ". لكنها قبل ان تنفذ ما هددت به، امسكها غييارمو بذراعها وجذبها بشدة نحوه ضاغطاً بيده على فمها حتى يمنعها من الصراخ. راحت تقاومه بصمت. كانت تقاوم بكل قواها وتمكنت للحظة من ان تفلت من قبضته، وفتحت فمها لتصرخ، لكنه ارتمى عليها مانعاً مقاومتها وشعرت بالغثيان آملة ان يأتي كارلوس او جوانيتا لينقذاها. كادت ان تفقد وعيها تحت قوّة جسده عندما وجدت نفسها فجأة تسقط على ركبتيها وقد ابتعد عنها غييارمو والدم ينزف من انفه وسرعان ما سمعت شتائم بالاسبانية مما جعلها ترفع رأسها. انه دييغو، يرتدي بذلة الصباح، وكان شاحب اللون من الغضب. ارتمت بين ذراعيه وراحت تبكي وتنتحب: " آه دييغو! اني خائفة جداً ". التفت دييغو ليلقي نظرة الى خادمه ثم صرخ: " اختف من هنا في الحال، ساراك في السفينة بعد قليل ". ثم التفت الى لورا وحدجها بنظرة غاضبة بينما كانت ترتجف بين ذراعيه. فقال وهو يبعدها عنه في حنان: " ان منظرك غير لائق وردة فعل هذا الولد عند رؤية امرأة جميلة نصف عارية على شاطئ مهجور، ليست مستغربة ". اجابتة لورا وقد استشاطت غصباً: " بلادك بلاد البرابرة " كان دييغو يحدق فيها بنظرات غريبة وتسائلت في قلق ماذا يدور في خلده في الوقت الحاضر. وعندما رأته يخلع سترته وربطة عنقه ويفك ازرار قميصه، تثاءبت وسالته: " ماذا تفعل. " " هذا طبيعي، اليس كذلك؟ هذا سيعلمك كيف تثيرين الرجال.لست سوى امرأة مثيرة ". القى بثيابه جانياً، ركضت لورا نحو السلم الحجري، لكن دييغو لحق بها وحملها بين ذراعيه. تلاشت وحدقت فيه متوسلة. صحيح انها ارادت دييغو وتريده دائماُ، لكنها لا تريد علاقة ناتجة عن غضب ورغبة بحتة. وقبل كل هذا كيف تنسى المرأة المكسيكية السمراء، فرنسيسكا ...؟ همست: " دييغو، لا، ارجوك!" تصرف كأنه لم يسمع شيئاً. وضعها في لطف على اريكة الشاطئ وراح يتأمل جسمها الجميل المرتعش وهي كانت تقول: " دييغو، لا ..." لكن عينيه كانت تقولان اشياء جعلتها تتخلى على اية مقاومة وتستسلم. قال وهو يعانقها: " لم اعد استطع احتمال تهربك ". ليس هناك كلمات تستطيع ان تصف الاحاسيس التي شعرت بها من جراء مداعباته البارعة. كانت تداعبه بشعره الاسود وتلثم عنقه. بعد هذه اللحظات الرائعة التي عاشتها، رفعت عينيها الخضراوين البراقتين وشاهدته ينظر اليها، بسحر ويهمس وكأنه لا يصدق: " يا الهي. لقد اكدت لي ان ... اوه .. برانت وانت ..." " آه دييغو، هذا لآنه ... لم اكن اعي تماماً ... انني ..." وبينما كانت تحاول ان تشرح له بصعوبة، انها كانت تقاوم منذ البداية هذا الحب الذي كانت ترفض الاعتراف به، كانت تسمع عويل الرياح في اوراق شجرة جوز الهند التي كانت تحميها من اشعة الشمس ولبرهة قصيرة شاهدت دييغو يرفع رأسه فجأة في استغراب ويمد يده في حركة دفاع ... ثم تلقت صدمة عنيفة افقدتها وعيها.
10 - عتمة الذاكرة
فتحت لورا عينيها وكان اول ما لمحته زهور البنفسج الرائعة0 مضى وقت طويل قبل أن تلمح من بعيد شبح أبيض كإنه ضباب كثيف0 أرادت أن تصرخ لكن الصوت لم يخرج من حلقها الجاف 0 إن مثل هذا الجهد البسيط كاف لأن يحفر دماغها في الم عميق0 وبشبه غيبوبة راحت تنتحب 0 همس صوت في لغة لم تعرف ماهي برغم أنها فهمت المعنى من دون صعوبة0 - شكرا ياالهي ! هل تريدين شئ ما 0يا ابنتي؟ قالت لورا في صوت ثقيل انها تشعر بالعطش 0 فاختفت الممرضة لتعود حاملة قدحا مليئا بعصير البرتقال ألمثلج وقالت : - سيفرح زوجك كثيرا لأنك استعدت وعيك 0 إجابت لورا مقطبة الحاجبين : - زوجي هل أنا متزوجة؟ - طبعا ياصغيرتي 0 إنه قلق عليك0 وكأن الممرضة تذكرت أن لورا لاتعرف اللغة الأسبانية , فقالت لها بالأنكليزية : - سأزف إليه الخبر السار واطلب منه إن يحضرلرؤيتك 0 - إنتظري, ارجوك , من ستحضرين00؟ انني لا اتذكر احدا 0 - انت زوجة السينيور راميريز وهو شخصية بارزة في المكسيك0 المكسيك00 ماذا تفعل هنا في المكسيك ؟ هل هي متزوجة من رجل مكسيكي ؟ أضافت الممرضة: - تعرضت لحادث على الشاطئ القريب من فيلا جاسينتا 0 حادث في فيلا جاسينتا0 هزت لورا رأسها في حيرة وارتباك0 ومن جديد عاد الألم العنيف يعصر صدغيها 0 - انني 00إنني لا أتذكر شيئا0 - لا تقلقي, سينيورا 0 هذا شيء طبيعي بعد صدمة كهذه 0 لاتتحركي سأقول لزوجك أنك استعدت وعيك0 وضعت لورا يدها على أكمام الممرضة وهمست: - أرجوك 0اخبريني أولا عن الحادث0 أن تلتقي زوجا لا تعرفه فكرة ترعبها0 من هو ؟ من يشبه ؟ ماعمره ؟ وهي 0من هي ؟ - كنت ممددة على الشاطئ0سنيورا 0 تحت شجرة جوز هند المحملة بالثمار الناضجة0 إن ثمره واحدة بإمكانها تحطم رأسك00 - و00هذا ما حدث لي ؟ - من حسن حظك أن زوجك كان معك في هذه اللحظة وقد تمكن أن يخفف من حدة الصدمة0 والآن سنيورا سأذهب لآتي به0 لم نستطع أن نقنعه الا اليوم بأن يخلد إلى الراحة0 لكننا وعدناه بأن نوقضه متى استعدت وعيك 0 وعندما اختفت الممرضة راحت تحاول التركيز تلاحقها عشرات الأسئلة التي لا تعرف لها جوابا0 منذ متى وهي متزوجة من مكسيكي ؟ لا شك أن يحبها كثيرا لأنه رفض أن يبتعد عنها 00 كأن عليها أن تطلب من الممرضة مرآة قبل أن تدعها تذهب لتأتي به0 لا تعرف كيف ملامحها؟ هل لون عينيها أزرق ام اسود ؟ رفعت يدها لتلمس خصلة من شعرها لمعرفة لون شعرها 0 لكن شعرها كان مختفيا وراء ضمادات تلف كل رأسها 0 وعندما لمست جبينها 0 شعرت بألم عنيف 0 فجأة , انتفضت 0 فقد دخل إلى غرفتها0 وبقي جامدا قرب السرير 0 كان ممشوق ألقامه أسود, الشعر ,أسمر البشرة0 في الثلاثين من العمر 0 يرتدي قميصا بأكمام قصيرة وبنطلون جينز وجهه متعبا0 كان ينظر إليها في قلق ويهمس في صوت مبحوح وهو يضع يده على يدها : - لورا 0 هكذا إذا إنها تدعى لورا 0 اعجبها الاسم 0 وما اسم زوجها؟ قالت لها الممرضة منذ قليل عن اسمه 0 آه صحيح00 فهمست: - دييغو0 سألها وفي عينيه ومضة امل : - هل عرفتيني يا حبيبتي0 هزت رأسها قليلا وقالت : - الممرضة هي التي أعطتني أسمك0 ولاحظت الضمادات التي تحيط بمعصم زوجها فسألته : - هل جرحت؟ - هذا لا شيء0 - هل حصل هذا في الحادث الذي تعرضت أنا إليه0 لقد قيل لي أنك خففت من حدة الصدمة وإلا لكنت الآن من عداد الأموات000 - هذا الحادث هو بسببي أنا 0وغلطتي لا تغتفر كان علي أن أعرف00 توقف عن الكلام وجلس على السرير0ان دماغ لورا يرفض ان يعمل بصورة طبيعية0 لم تحاول أن تعرف ماذا يعني في كلامه فقالت بصوت خافت: - من متى وأنا غائبة عن الوعي؟ - من 3 إيام 0 أخفض رأسه فإذا بلورا تشد على قبضته وهي تقول بلطف: - إذا لا شك أنك مرهق جدا 0 قالتلي الممرضة أنك لم تبرح غرفتي طيلة هذا الوقت0 - سيحضر الطبيب قريب جدا0 وسأراك بعد أن ينتهي من معالجتك 0 توقعت أن ينحني ليقبلها 0 لكنها ابتعد في خطى سريعة تاركا إياها في خضم الحيرة والقلق0 لماذا يبدو هذا الزوج الذي أشرف على الاعتناء بها 3 أيام متوالية مستعجلا في التخلي عنها ؟ كانت لورا تنثر فتأت الخبز وهي تتناول فطور الصباح على الشرفة المليئة بالزهور وهي تنظر في حنان الى العصافير الصغيرة المتعددة الألوان0 التي حومت حول المائدة لتلتقط كسرات الخبز في فرح0 قال لها دييغو في توبيخ ناعم: - إنك تدللين العصافير ياحبيبتي0 - انها عصافير جميلة0 عادت للجلوس قرب زوجها وتناولت إبريق القهوة وقالت: - إنها كالأولاد الصغار لا نستطيع أن نرفض لهم اي شئ 0 هل تريد؟ - ماذا0 أريد ماذا ؟ أولاد؟ - لا يا حبيبي هل تريد بعض القهوة؟ -آه00 نعم 00بكل سرور000 ثم عادت تقول وهي تسكب له فنجان قهوة: - إنجاب الأولاد فكرة حسنة 0 أليس كذلك؟ ما رأيك؟ قطب جبينه وقال : - لقد اتفقنا على أن نتجاهل هذا الموضوع في الوقت الحاضر إلى أن تتحسن صحتك0 تناول دييغو سيكارا وأشعله فأجابت لورا قائلة : - نعم كنت متفقة معك على هذه الفكرة , لكن 000 نهضت واسندت ظهرها الى حجارة الشرفة وحدقت في المنظر الرائع امامها 0 ثم اضافت تقول : - دييغو؟ - - نعم ؟ - - لنفرض انني لن استعيد ذاكرتي ابدا ؟ - - الأطباء يعرفون تماما ان حالتك ستتحسن0 لكنها بحاجة الى بعض الوقت0 - انفجرت صارخة : - - الوقت لقد مر شهران وانا على هذا الحال ! لم استعد من الذكريات الا صورة اليخت الراسي على الشاطئ 0 وصورة الراهبات في ذلك الدير 0 قال دييغو في حذر وهو ينفض رماد سيكاره في المنفضة : - لقد ترعرت وتعلمت في الدير 0 - - لماذا لا تساعدني لأستعيد ذكرياتي وبالتالي ذاكرتي كلها 0 نهض دييغو متجها نحوها ثم وضع أصابعه على ذراعها وقال : - نصحني الأطباء بألا استعجل الامور 0 وانت تعرفين ذلك جيدا 0 من الأفضل ان تستعيدي ذاكرتك بصورة طبيعية 0 - - وهل نصحك الأطباء ايضا بأن تنام في غرفة منفصلة عن غرفتي ؟ كانت تنظر اليه في تحد 0 فشاهدت تقلص وجهه حين قال بعد ان سحب يده من ذراعها : - لا 0هذا القرار اتخذته بنفسي 0يجب ان اذهب الان كيلا تفوتني الطائرة لدي مواعيد كثيرة بعد ظهر اليوم في مكسيكو0 تبعته حتى الغرفة التي ينام فيها وقالت : - الا يمكنني ان ارافقك , ولو لمرة واحدة 0 التفت دييغو اليها وهو يضع اوراقه داخل حقيبة سفره وكان يبدو منزعجا : - من الأفضل ان تبقي هنا بعض الوقت ريثما تتحسن صحتك 0 ليست المرة الأولى منذ الحادث يرفض فيها طلبها 0 وفجأة قالت بغضب : - هنا 00أليس كذلك وهكذا لا يتسنى لي أن أرى عشيقتك0 أغلق حقيبته واقترب منها وقال في جفاف: - إنني أذهب إلى مكسيكو لأداء بعض الأعمال وليست لدي أية عشيقة فانتزعي هذه الفكرة من رأسك 0 هذا العذر هل سبق وسمعته قبل الحادث؟ كيف لها أن تعرف أنها ترغب في أن تسد اذنيها كي لا تسمع اي شيء بعد الآن00 هل باستطاعة ثمرة جوز الهند أن تزعزع دماغها الى هذه الدرجة؟ هل كان دييغو دائما يتصرف معها كصديق أكثر منه زوجا؟ لا 0هذا مستحيل فهي تشعر أنهما كانا متفقين ومندمجين روحيا وجسديا0 همست لورا في الوقت الذي كان دييغو يقترب منها كالعادة ويقبلها في جبينها : - دييغو00 - ماذا ؟ - الا تعتقد أن صحتي تتحسن بسرعة لو00 لو كانت علاقتنا طبيعية مثل قبل الحادث إني متأكدة من ذلك 0 غمز بعينيه وهو يتأمل وجهها الأحمر وسألها فجأة: - كيف تعرفين ذلك ؟ - كيف ؟ لكني أشعر بذلك 0 أنت زوجي وماذا يمنعني من اكون طبيعية معك؟0 صمت برهة ثم أطلق زفرة عميقة وقال بصوت حنون وهو يداعب شعرها: - ما من أحد يستطيع منعك0 وأنا أيضا يالورا 0 كنت أرغب في ذلك0 لم يكن سهلا مقاومة رغبتي باللحاق بك الى غرفتك 0 صرخت: - لا أفهم ليس هناك أية خطر0 إني بصحة جيدة 0إذا لماذا؟ - سنبحث الأمر بعد عودتي0 إنها تعرف دييغو الآن بما فيه الكفاية وتعرف أنه متى اتخذ قرارا ما فلن يعود عنه بسهولة0 عندما أصبحت لوحدها راحت تفكر بمصيرها 0وحده زوجها يمكنه ان ينسيها الشكوك التي تراودها باستمرار منذ وقوع الحادث 0 لقد أخبرها دييغو أنها فقدت والديها 0 لكن لا بد أن لها قصة 0 أو مهنة أو أصدقاء أو معارف او اقرباء00 لا أحد يعرف عنها شيئا0 لا شك أنها انفصلت عن الجميع بعدما تزوجت 0 آه لو يساعدها زوجها على إعادتها الى الطريق الصحيح بدل أن تكتفي بأنتظار مشيئة القدر! شعرت بالتعب فتمددت على السرير الضخم الذي يشعرها بالضياع طيلة الليل0 وراح عقلها يشتغل بقوة هل لدى دييغو عشيقة في مكسيكو ؟ وتذكرت أنها قرأت مرة أن المكسيكيين ليسوا مخلصين لزوجاتهم 0 ودييغو هو رجل جذاب ومثير وقليلات من النساء قادرات على مقاومته 0 الدير 0 إنه الماضي إنها الأن متزوجة! وهي تحب زوجها0 وهل هناك ما هو أفضل من ذلك الحب إن ثمة طرقا تساعدها على إقناعه بضرورة مشاركتها حبها 0 نعم ستحاول أن تجذبه إليها بطريقة أو بأخرى0 في الأيام الثلاثه التي تلت ذهاب دييغو عملت لورا بكل نشاط وحيوية ومساء عودته كانت الفيلا على استعداد لاستقباله 0 وضعت لورا على الطاولة شمعدانا يضئ المكان وكانت لورا تبدو في شعرها الأشقر المنسدل على كتفيها وفستانها ألأبيض الضيق 0 في أناقة وجمال تامين0 وبعدما ألقت نظرة خاطفة على الطاولة نظرت في عينين براقتين الى الخادمة وقالت: -عندما يصل السنيور نأخذ المقبلات في الصالون الصغير 0 وسيكون أمامك متسعا من الوقت لأن تنهي العشاء 0 قالت لها المرأة في فرح: - لا تقلقي ياسنيورا 0 ان السنيور يقول لي دائما أنه سيصطحبني يوما ما إلى مكسيكو لأعلم الطاهي الفرنسي إعداد ألمأكل المكسيكية0 وفي تلك اللحظة دق جرس الهاتف فتناولته جوانيتا من المطبخ قالت لورا لنفسها : كل شيء جاهز لهذه الليلة التي ستكون مليئة بالسحر والإثارة الأضواء الناعسة 00 الطعام المفضل00 تريد أن تفعل أي شيء كي تنقذ زوجها من براثن عشيقته 0 قالت جوانيتا وهي على عتبة غرفة الطعام: - المكالمة لك 00انه السنيور دييغو 0 - هل يريد أن أستقبله في المطار؟ - إنه يتكلم من مكسيكو يا سنيورا 0 جف حلق لورا ورفعت السماعة وقالت : - دييغو , ماذا جرى ؟هل أنت متأخر؟ - إني آسف يا حبيبتي لن أستطيع الحضور هذا المساء0 - آه00لكن كل شيء جاهز 00كنت أنتظرك00 - إني آسف هناك أعمال مهمة علي الاهتمام بها شخصيا سأصل بعد ظهر الأحد من دون شك0 فقالت في ذهول: - الأحد00 إلى اللقاء يوم الأحد0 - لدي مواعيد مساء اليوم وطيلة يوم غد 0 إن المكسيكيين مشهورون بأنهم يفضلون العمل على اللهو و المرح 0وسوف اجاريهم هذه المرة00 برغم 00شوقي إليك00 قالت لورا وهي تعض على شفتيها: - حسنا00 إذا00 إلى يوم الأحد0 - أعدك بذلك وسأتصل بك في حال حدوث اي تغيير 0 لكن لورا لم تعد تسمع شيئا00 كانت تفكر بالمكالمة الهاتفية 0 هل كان دييغو غير قادر على المجيء أم إنه لم يكن يريد ذلك؟ ماذا وراء كل هذه المواعيد ؟ هل هناك امرأة أخرى في حياته؟ مكالمته الهاتفية في اليوم التالي التي أخبر لورا فيها إنه سيؤخر عودته 48 ساعة أخرى0 بدأت تؤكد شكوكها 0 فقال دييغو : - لدي مواعيد من مهمة جدا يوم الاثنين ويوم الثلاثاء00 بالتالي لا يسعني الوصول قبل مساء الثلاثاء 0 لكنني أنوي قضاء الأسبوع كله معك في الفيللا0 فقالت له في صوت جاف قبل أن تقفل الخط في وجهه: - لا تقلق عليه أرجو أن تمضي عطلة جميلة مع عشيقتك 0 آه لو تستطيع أن تتحمل هذا الوضع أين يمكنها أن تذهب ؟ بمن تستطيع الاتصال ؟ أن فقدانها الذاكرة يمنعها من مغادرة هذا السجن الذهبي فيلا جاسينتا 0 كانت أحلامها مهددة برؤية امرأة سمراء يمضي دييغو معها أيامه في مكسيكو 0 لماذا تزوجها إذا ؟ هي الشقراء 00 النحيفة 00 المختلف جمالها عن الجمال المكسيكي0 ؟ حاولت أن تجد تفسيرا0 لكن ذكرياتها تهرب منها0 ربما كان زواجهما على وشك الانهيار قبل الحادث ؟ وهذا يفسر تهرب دييغو منها 0 يوم الاثنين أي قبل عودة دييغو بيوم واحد 0 عادت إلىلورا ذاكرتها في طريقة صاعقة وغير منتظرة 0 - سينيورا ! هناك زائر 0 كانت من منغمسة في رسم العصافير الملونة المتجمعة حول فتات الخبز 0 فلم تأبه في البدء لهذا النداء 0 لقد نصحها دييغو بأن تلجأ إلى الرسم حتى لا تضجر خلال فترة غيابه عن الفيلا 0 وكان ذلك اكتشاف جميل 0 عندما ترسم تنسى كل شيء0 رددت جوانيتا قائلة : - سينيورا , لديك زائر 00 فقاطعها صوت رجل قائلا: - لا تقلقي0 سأكلم الآنسة ترانت بنفسي 0آه عفول 00السنيورا راميرزا00 قطبت جبينها وهي ترى الزائر يقترب منها0 يبدو إنه أمريكي0 بماذا ناداه بادئ الأمر؟ الآنسة ترانت 00لكن 00 ربما سيكون قادرا على أن يوضح لها شيئا عن ماضيها0 قالت لورا وهي ترمق زائرها بنظرة متسائله: - حسنا يا جوانيتا 0 سأستقبل السيد00 السيد00آوه0 - لورا ! هذا انا 00برانت لاتقولي انك نسيت من اكون 0 خيبة الأمل ضغطت على قلب المرأة0 هذا الرجل الجميل المظهر ذو الشعر الكستنائي 0 مجهولا تماما بالنسبة إليها0 قالت لجوانيتا وهي تمسح أصابعها المليئة بالدهان: - اجلبي لنا القهوة 0 ثم قالت لزائرها : - آسفة 0انني لا اعرفك00 - اتسخرين مني ؟ انا برانت ! كنا مخطوبين 0 الا تذكرين 0 لكنني بدأت افهم لماذا تخليت عني 0من اجل هذا المكسيكي راميرز0 تلعثمت من دون ان تتوقف لحظة عن النظر اليه بامعان : - انا 0 انا التي هجرتك ؟ ثم لاحظت ان جوانيتا مازالت مكانها 0 فرمقتها بنظرة جافة وقالت لها : - جوانيتا , طلبت منك اعداد القهوة 0 أجابت المرأة المكسيكيه قبل ان تبتعد : - نعم 0نعم 0ياسنيورا 0 قالت لورا بلباقة وهي تجلس في مقعد من القش : - اجلس 0 ان جوانيتا ترعاني منذ الحادث 0 - الحادث ؟ اي حادث0؟ - انها قصة تافهه 0 كنت ممددة على الشاطئ تحت شجرة جوز هند 0فوقعت حبة من الشجرة وأصابتني في جبيني 0 ومنذ ذلك الوقت وانا فاقدة الذاكرة كليا0 جلس الرجل على المقعد شاحب اللون وسالها وهو يحدق في عينيها : - هل صحيح انك لاتتذكرين اي شئ ؟ - لاشئ او تقريبا 0 احيانا قليلة ارى صورا تنبعث من الماضي 00ويؤكد الأطباء انني سأستعيد ذاكرتي مع مرور الزمن ,’ لكن00 ترددت 0هل بأمكانها ان تسأل هذا الرجل الذي كان يعرفها جيدا شيئا عن ماضيها ؟ فقال برانت : - غريب 0انك لا تتذكرينني0 لم تجب فقد جاءت جوانيتا لتضع الصينية على الطاولة وتبتعد0 - يا لورا 0 كنا على وشك الزواج00وهذا امر لايمكن لانسان ان ينساه0 سألته لورا وهي تسكب القهوة : - هل تزوجت من دييغو قبل ان افسخ خطبتي منك ؟ - كلا0 لقد ارسلت لي خاتم الخطبة وقلت لي انك واقعة في غرام هذا الرجل 0 - اني اشعر بأنني احببت دييغو منذ اللحظة التي رأيته فيها 0انه 00 انهى برانت كلامها : - غني؟ تقلصت لورا 0 ماذا يعني بذلك ؟ هل يعني انها فتاة انتهازية ؟ - نعم انه غني جدا 0 - وذو نفوذ , اعرف ذلك 0ومع ذلك ترك والدك يموت في احد السجون المكسيكية ! أي نوع من الرجال هو ؟ اني ارى ان00 لكن لورا لم تعد تسمع صوته 0فقد استعادت ذاكرتها 0 فجأة كان رأسها يدق كالطبل وكذلك اذناها 0 والدها 00دان ترانت 00تخيلت وجهه الرمادي , في زنزانة معتمة 0 وأمامه طاولة وضعت عليها الأباريق والزجاجات 0 وسمعت صوت والدها رافعا كأسه ويقول : - ليكن زواجك سعيدا مثل زواجي 00 انتصبت ورفست بعنف مقعدها الذي سقط وراحت تصرخ مثل حيوان جريح: - أبي ! أبي ! أبي !00 ثم غابت عن الوعي 0
11- وتألق القلب
لاح نور خفيف من وراء الستائر عندما فتحت لورا عينيها 0 وانحنت جوانيتا الجالسة في كرسي قرب السرير , نحو الوجه الذي بدأ يستعيد لونه 0 فابتسمت لورا قليلا0 وانفجرت الخادمة بالبكاء وقالت وهي تتمسك بذراعها الممددة على الغطاء: -آه سنيورا 0 ما كان ينبغي ان اسمح لهذا الرجل بالدخول 0 آه, لو أدركت ان بأمكانه أن يؤذيك000! سامحيني يا سنيورا0 تمتمت لورا بصوت مرتجف : - لست مخطئة يا جوانيتا 0في كل حال , لم يقصد برانت ايذائي 0ما000ما قاله لي اعاد الي الذاكرة بصورة صاعقة 0 وانفجر رأسي 0 هذا كل ما حدث 0 ضغطت جوانيتا بيديها على صدغيها ونظرت الى لورا بخوف وقالت : - سيغضب السنيور 0 دييغو مني كثيرا , سيقول لي انني 00 قاطعتها لورا قائلة: - لا تخافي ياجوانيتا 0 سأقول ان برانت دخل بالقوة 000أوه 00هل تمكنت من الأتصال بزوجي ؟ - نعم سينيورا 0 تقريبا 00لم اتمكن من التحدث اليه شخصيا 0 تركت له رسالة مع مدير الفندق الذي كان عليه ان يتصل به عند السنيور فرانسيسكا بوردي 0حيث كان معها في زيارة عمل 0 زيارة عمل 000صورة ممزقة نصف منسية برقت فجأة في مخيلة لورا 0 وتذكرت وجه دييغو الأسمر المنحني فوق وجه فرانسيسكا الملئ بالدموع 0لم يكن من الصعب تخيل نوعية الأعمال التي يقوم بها دييغو مع هذه الأرملة الشابة السمراء000 قالت لورا كاذبة : - انني بحاجة الى النوم الآن 0 - اخاف ان اتركك , يا سنيورا 0 ان السنيور دييغو 00 - انا في حالة جيدة 0 يا جوانيتا 0 لاتقلقي علي 0 انني بحاجة الى قليل من الراحة 0 - الاتريدين شيئا ما 0 يا سنيورا ؟ - لا , شكرا 0 لا اريد ان يزعجني احد0 لكنها لم تتوقف عن التفكير 0 كانت تستعيد الذكريات , الواحدة بعد الأخرى 0 كل حوادث حياتها الماضية تعود شيئا فشيئا الى مكانها 0 وعندما تذكرت موت والدها في السجن المكسيكي 0 بدأت الدموع تنهمر من عينيها 0 هل اعتقاله هو السبب الرئيسي لموته ؟ لم تنس لورا العشاء الذي تناولته برفقته في مطعم الميرادور 0 في ذلك المساء لاحظت ملامح وجهه المشدود 0 كان قد فقد حيويته العادية 0"انني اتساءل ما أذا كان قلبي يتحمل هذا النوع من الأنفعال " هذا ما قاله لها وهما يشاهدان الفطاسين يقفزون من اعالي الصخور 0 لقد اعتبرت هذا التعليق بمثابة مزحة 0 هل كان دان حينذاك مصابا بمرض القلب 0 فجاء السجن ليعقد له الأمور 0 وتذكرت لورا وجهه الرمادي الشاحب خلال زياراتها العديدة له في السجن 0 كانت تعتبر ذلك ناتجا عن الجو المشحون داخل الزنزانة وابتعاده عن الشمس , والهواء , والحرية 0 وبرغم كل الاهتمام الذي كان يوليه دييغو لعمه , لم ينجح في إعطاءه الحرية التي كان يرغب فيها قبل أي شيء آخر0 وأخذت الأفكار تعود باتجاه دييغو 00 إلى يوم الحادث الى الشاطئ 0 كيف نسيت تلك اللحظات السعيدة مع دييغو ؟ راحت تتذكر دييغو منحنيا فوقها يداعبها بحنان فائق 0 كل شيء يعود الآن الى ذاكرتها في دقة تامة0 جاعلا إياها مرهقة ومتلاشية 0 في تلك المرحلة كانت تعرف أن زواجهما كان مهددا 0 فقد قبل دييغو فكرة فسخ الزواج ثم 00فرانسيسكا , المرأة , السمراء , الجذابة , ظهرت في المشهد بصورة مباغتة0 لماذا تعلق دييغو بهذه المرأة الأمريكية المتحررة وهو الذي يتمتع بعقلية مكسيكية متعصبة؟ لكن حصل ما حصل على الشاطئ وعرف دييغو أنها كذبت عليه ليلة عرسهما تاركة إياه يعتقد أنها وبرانت كانا عاشقين00 فجأة شعرت بانتفاضة في كل أنحاء جسمها 0 في ذلك النهار عندما كانت على الشاطئ 0 قبل الحادث كان دييغو يعرف تماما إن والدها مات وإذا كان قد عاد باكرا من مكسيكو فذلك لأنه تلقى مكالمة هاتفية من رئيس شرطة أكابولكو 0 لماذا أحبها في هذا النهار بالذات؟ كان والدها قد مات 0 ولا شيء يمنع فسخ الزواج فكان حرا بأن يتزوج فرانسيسكا عندما يتم فسخ الزواج0 هل لأنه فاجأ غييارمو معها أحس برغبة عنيفة في أن يجعلها زوجته في الحال 0 مهما كان الأمر كانت تصرفه وقحا وهو يعرف إن والدها مات 0 نهضت من السرير وأسرعت إلى خزانتها 0 وبسرعة أخرجت حقيبتها الجلدية الحمراء وراحت تضع حاجياتها وهي تفكر بعصبية واضطراب 0 أين تستطيع الذهاب في اكابلوكو من دون أن يكتشف دييغو مكانها ويعيدها الى الفيلا ؟ إن الندم جعله يعتني بها عناية كبيرة منذ الحادث 0 وهي تفهم الآن لماذا كان ينتظر بصبر أن تستعيد ذاكرتها بصورة طبيعية0 ربما كانا يأمل بألا تشفى تماما0 في كل حال ألا يتمتع دييغو بحياة ذهبية؟ لديه زوجة وديعة وطيعة مدفونة في فيلا جاسينتا 0 وعشيقة ملتهبة في مكسيكو ؟ أقفلت حقيبتها و نظرت إلى حقيبة يدها0 لديها من المال ما يكفي لأن تمضي بضعة أيام في فندق من الدرجة الثانية قبل أن تستقل الطائرة الى لوس أنجلوس 0 إنها لا تريد مغادرة اكابلوكو قبل أن تعرف إين دفنو والدها 0 كانت أمنيته أن يدفن قرب زوجته0 وستحاول أن تنقل جثمانه إلى مدافن لوس أنجلوس حيث ترقد والدتها0 هل ما زال برانت هنا في اكابلوكو ؟ ربما , لكنه ينزل ولا شك في أحد الفنادق الفخمة التي تحيط الخليج 0 ولا مجال للورا لأن تذهب للبحث عنه هناك0 حيث يمكن لدييغو أن يكتشفها بسهولة0 00لا00 من الأفضل أن تنزل في فندق متواضع يقع على أحد التلال البعيدة عن الشاطئ 0 وهناك يمكنها أن تمضي وقتها من دون أن يلاحظ أحد وجودها 0 لم تجد أية صعوبة في صف السيارة في المطار والمرور بين مجموعة كبيرة من السياح الآتين من مكسيكو 0 لكن الأمور تعقدت فجأة عندما لمحت شبح دييغو الذي كان يرتدي بذلة رمادية شاهدته يرفع يده ليوقف سيارة أجرة0 ثم يدخل إليها وينظر في تقلص أمامه 0 إنه يستحق ما يحصل له الآن 0 ماذا اخبر فرانسيسكا ؟ عندما قرأ رسالتها لا شك إنه كان يبين ذراعي هذه المرأة السمراء 0 - سنيورا 0 توقفت سيارة تاكسي أمامها - أين تذهبين ؟ - إني أبحث عن فندق صغير في حيي أكابلوكو القديم0 قادة السائق التلال العالية وتوقف أمام بناء مؤلف من 4 طوابق 0 وقال: - إنه فندق روزاريو 0 سأسأل اذا كان ثمة غرفة فارغة 0 هل تريدين غرفة بسرير واحد ؟ - نعم ولبضعة ايام فقط0 دخل السائق الى الفندق وفهمت لورا انها ستدفع مبلغا ضخما للحصول على هذه الغرفة وأن السائق سيقبض عمولة 0 هزت كتفيها في استياء وقالت ان هذه الأمور ليست مهمة في الوقت الحاضر 0 المهم هو ان تبتعد عن دييغو الذي لن يخطر في باله انها تقيم في مثل هذا المكان 0 كما انه اذا رأي سيارته في المطار سيفكر في الحال انها استقلت الطائرة الى كاليفورنيا ولن يفكر في البحث عنها في مدينة الحمامات 0 ظهر السائق أخيرا : - هناك غرفة واحدة 0 يا سنيورا وسعرها مرتفع 0 احمرت لورا غضبا عندما عرفت القيمة المتوجب عليها ان تدفعها 0 ان شقتها الصغيرة في بانوراما تكلف السعر نفسه0 لكن ليس امامها خيار آخر 0 اومأت اليه موافقة 0 وهبطت من سيارة التاكسي بينما اخرج السائق حقيبتها من الصندوق 0 رائحة العفن تتصاعد من البهو 0 ولدى دخولها انحنى صاحب الفندق السمين وابتسم لدى توقيعها على السجل 00 فقد وقعت باسم والدتها قبل الزواج : بربارة فوريس 0 صعدت الى الغرفة في الطابق الثاني 0 انها صغيرة جدا 0 وفيها مروحة بطيئه 0 ومغسلة قديمة ومقعدان من القش وخزانة على بابها ستائر باهته تستعمل في الوقت نفسه كمنضدة للزينة 0 وفي احدى الزوايا سرير عريض من الحديد المقشر 0 قالت لورا في قرف : - - انها غالية الثمن نسبة الى ماتحتويه من اشياء غير مريحة 0 فقال صاحب الفندق وهو ينظر اليها في ارتباك ويتأمل ملابسها الأنيقة : - انه الموسم يا سنيورا 0ثم انك لم تحجزي من قبل 000 - نعم اعرف 0 لن ابقى هنا مدة طويلة 0 - سأرسل لك حقيبتك بأسرع ما يمكن 0 قبل ان يجلب لها الخادم الحقيبة 0 لاحظت لورا ان السرير يطلق صريرا قويا وان المروحة تجلب هواء رطبا رائحته كريهة 0 عندما اصبحت لورا وحدها 0 تمددت على السرير وهي تتصبب عرقا وثيابها تلتصق بجسدها 0 كانت تحدق بشفرات المروحة 0 ربما كان من الافضل لو انها ذهبت لتبحث عن برانت لتستدين منه المال لتستأجر غرفة تليق بها 0 لكن ربما اضطر لأن يطرح عليها اسئلة محرجة 0 وربما اقنعها بمنطقه مؤكدا لها ان دييغو لم يعد له حقوق عليها ما دام ارغمها على ان تتزوجه ابتزازا 0 اغمضت عينيها كيلا ترى هذه الغرفة ال****ة 0نعم 0 قانونيا 0 ربما لم يعد لدييغو أي حق عليها00لكنها تشعر بأنه يمتلكها جسدا وروحا 000لايمكنها ابدا ان تمنح رجلا آخر هذا الحب الممزوج بالشغف 0 أيقظها دوي الرعد من نوم عميق 0 ارتعشت ثم نهضت خائفة لوجودها في هذه الغرفة ال****ة المظلمة 0 من جديد 0 سمعت طرقات على الباب فتقدمت وهمست بصوت يرتجف وهي تشعل النور : - من 00من هنا ؟ - - دييغو 0 - ألقت نظرة خاطفة الى الغرفة آملة ان تجد وسيلة للهرب 0حينذاك شاهدت حشرات صغيرة تسرع بالأنسحاب من السقف وجدران الغرفة وتختبئ في ثقوب الخشب والجص 0 ارتعبت لهذا المنظر وصرخت بأعلى صوتها 0 وفي الحال سمعت ضربة قوية وصوت الخشب المتحطم 0 دخل دييغو من الباب وسألها : - لورا حبيبتي , ماذا جرى ؟ - فأشارت لورا باصبعها الى الحشرات ذات القرون الطويلة المنتشرة هنا وهناك 0 - جذبها نحوه واخفى وجهها بصدره وقال بصوت هادئ وهو يداعب شعرها : - - هذا لاشئ 0 ياحبيبتي 0 هذه الحشرات الصغيرة غير مؤذية 0 هدهدها لحظة ليهدئ من خوفها , ثم ابعدها عنه بلطف وسألها : - هل انت مطمئنة الآن ؟ - اشارت له برأسها ايجابا0 - سألها وهو يشير الى حقيبتها الحمراء : - أهذا كل ما لديك من امتعه ؟ - نعم 0 لم اكن احتاج الى اكثر من هذا 0 حمل الحقيبة وقال : - تعالي 0 كان صاحب الفندق ينتظرهما في المدخل فقال : - اني آسف ياسنيور راميرز 0 لم اكن اعرف ان السنيورا هي زوجتك000 - كيف تجرأت على تأجير مثل هذا الكوخ القذر! أحب ان اعرف كم طلبت أجرة لمثل هذا المأجور ؟ أطلعت لورا دييغو على المبلغ الذي دفعته 0 فحدج دييغو صاحب الفندق بغضب وقال : - عليك أعادة ثلاثة ارباع المبلغ الذي قبضته 0 في الحال والباقي يكفي لتصليح الباب الذي خلعته الآن 0 انك تفقد سمعتك بطريقة ذليلة 0 راح الرجل يعتذرشارحا وضعه 0 ولما أعاد المبلغ 0 اخذ دييغو لورا بذراعها وخرجا معا الى الشارع حيث تنتظرهما سيارة المرسيدس 0 صعدا الى السيارة وأقلع بها دييغو سالكا اتجاه وسط اكابلوكو 0 ران صمت ثقيل 0 أخيرا سألته لورا بصوت خفيض من دون ان تجرؤ عليلى النظر اليه: - كيف توصلت الى اكتشاف مكان وجودي ؟ - لم يكن ذلك سحرا 0 صحيح انك تركت السيارة في المطار لتوهميني أنك غادرت البلاد 0 ولكنني لم انخدع بذلك 0 اني اعرفك جيدا 0 وأعرف انك لن تغادري أكابلوكو قبل ان تعرفي أين دفن والدك 0 لقد بحثت عنك في كل فنادق المدينة ابتداء من الفنادق الفخمة 0 ولما وصلت الى هنا , قرأت اسم والدتك على سجلات فندق روزاريو 0 - اسم والدتي ؟ كيف عرفت ان هذا الأسم هو اسم زالدتي ؟ لم اذكره امامك أبدأ 0 - قرأته على مقبرتها عندما كانوا يدفنون والدك الى جانبها 0 أطلقت زفرة ممزقة 0 - لورا حبيبتي , هل تذكرين00كل شئ ؟ همست بعدما أزاحت وجهها عنه حتى لايرى الدموع في عينيها : - نعم0 ثم أضافت بصوت متقلب : - اني سعيدة لأن والدي دفن قرب والدتي 0شكرا 00على ذلك0 سألها بحيوية : - لماذا تشكرينني على هذا فقط ؟ الم افعل كل ما بوسعي لأعالجك وأهتم بك بعد الحادث الذي افقدك الذاكرة ؟ أطلقت ضحكة صفراء وقالت : - حتى اليوم لم اكن اصدق المثل الذي يقول " ان الجهل هو سلام الحياة " لم تقل لي شيئا يا دييغو 0 ولم تعلمني بموت والدي 0 ولا اذكر ما تبقى من احداث عندما يجهل المرء سوء حظه 0 فلا يتألم من ذلك أليس هذا صحيحا؟ قاطعها بلهجة ساخطة : - كفى يالورا ! سنستأنف هذا الحديث في المنزل 0 المنزل ؟ اين منزلها ؟ انها لاتذكر شيئا عن فيلا جاسينتا ولا عن مسكنها الفخم في مكسيكو قبل وفاة والدها كان منزلها الحقيقي هو يخته 0 فماذا حل باليخت ؟ وما ان وصلت السيارة الى مدخل فيلا جاسينتا حتى تذكرت لورا فجأة جوانيتا وكارلوس ماذا يقولان عن اختفائها ؟ هل هما على علم بالحادث الذي حصل بينها وبين غييارمو مباشرة قبل الحادث ؟ ربما نعم , لأنها منذ ذلك الحين لم تعد تسمع عنه شيئا 0 استقبلتهما جوانيتا الشاحبة اللون قلقا 0 وفي صوت خافت حيتهما ثم سألت دييغو ماذا يريد ان يتعشى ؟ - أحضري لنا شيئا 0سنتناول العشاء في الصالون الصغير 0 شعرت لورا انها على وشك الانهيار عندما تركها دييغو في الغرفة الكبيرة التي لم تكن تتصور انها ستراها مرة اخرى 0 ولكنها بعدما اخذت حماما فاترا شعرت بالأسترخاء والأرتياح0 كانت جالسة أما منضدة الزينة تسرح شعرها الأشقر عندما دخل دييغو الى الغرفة 0 كان يبدو شديد السمرة بقميصة الحريري الأبيض وبنطلونه الأزرق الفاتح 0 وشعره الأسود السميك الرطب مملسا الى الوراء 0 ولدى رؤية زوجته في قميصها الحريري الأخضر , لمع بريق في عينيه الداكنتين0 - عندما تصبحين مستعدة 0 سنتوجه الى الصالون الصغير لنتحدث في امور كثيرة0 قالت وهي تلقي نظرة أخيرة الى المرآة قبل ان تنهض : - هل أنت متأكد من ذلك 0 كان يبدو لي أن الأمور واضحة بيننا0 لقد مات والدي 0 ولم يعد هناك مبرر لاستمرار زواجنا 0 لقد وعدتني بأن تعيد لي حريتي 0 قال دييغو : - إن زواجنا هو الآن أمرا واقع, يا حبيبتي 0 لم يعد بإمكاننا الرجوع الى الوراء0 لم تتمكن من إخفاء توترها فابتعدت وأزاحت الستائر عن النافذة0 ونظرت إلى الليل والقمر الذي كان بدرا0 - لا شك أن هنأك مجالا لفسخ الزواج0 انتفضت لدى شعورها بيدي دييغو تربتان على كتفيها 0 فلم تسمع صوت خطواته0 وسألها: - لماذا ؟لماذا 00تحبين ان تعذبينني؟ ألا يمكننا أن نعيش سعيدين؟ ألم نختبر معا الفرح في تقاسم الحب؟ تذكري يا حبيبتي على الشاطئ 0 كنت تريديني كما كنت أريدك 0 اعترفي بذلك0 يا لورا 0 كوني مخلصة وصادقة مع نفسك0 نظرت إليه ثم اغمضت عينيها 0 هل بإمكانها أن تنسى ما حدث معها في ذلك اليوم0 على الشاطئ تحت شجرة جوز الهند؟ همس دييغو في أذنيها وهو يعانقها : - لم تستطيعي يوم ذاك ان تخفي حقيقة أحاسيسك0 ومرة أخرى راحت تشعر بالذوبان لدى ملامساتة البارعة 0 وراحت هي بدورها تلامس عنقه ثم حملها بين ذراعيه ووضعها على السرير 0 حاولت أن تقاوم لكن بدون جدوى لكنها قامت بجهد كبير للتخلص من قبضة دييغو وعناقه0 ووقفت وهي تنظر إليه في احتقار وقالت : - كيف تجرؤ على ملامستي ؟ ادخر ملامستك البارعة لفرانسيسكا لأنها بلا شك تقدرها00 - لا افهم 0مادخل فرانسيسكا في الموضوع ؟ ضحكت لورا بسخرية وقالت: - ربما نسيت يا دييغو , لكنني مازلت أذكر كل شيء, أذكر الليلة التي أمضيتها معها بعدما شاهدتكما متعانقين 0 كما أنك كنت وقحا للغاية اذ أنك ما ان خرجت من سرير عشيقتك حتى لحقت بي مصرا على القيام بواجباتك الزوجية برغم أن كنت تعرف تماما أن والدي ميت على بعد مسافة قصيرة من هنا انت رجل كريه وفظ0 صرخ دييغو , شاحب اللون : - لا , هذا غير صحيح , أعترف بأنني ربما كنت عنيفا ذلك اليوم على الشاطئ 000لكن 00 إني أقسم لك بأنني لم أكن أعرف أن والدك مات 0 - هذا مستحيل لقد اتصلت بي رئيس شرطة أكابلوكو في اليوم الذي كنت على موعد مع وزير العدل 0 قال لي أن والدي00 ذهب00 اعتقدت أن00ان00 اعتقدت إنهم نقلوه الى مكسيكو 0 ليصار إلى محاكمته بسرعة لقد00 أعطيت الشرطي رقم هاتفك في المنزل وفي المكتب حتى يتمكن من الاتصال بك0 اقترب دييغو منها وضع يديه الاهبتين على كتفيها: - لم أتلق أية مكالمة 0 ربما لأني كنت حينذاك في الطائرة 0 لقد أخبرني وزير العدل أنهم ألقوا القبض على الرجلين الذين استأجرا اليخت من والدك وهذان الرجلان اثبتا براءته وجئت بسرعة لأخبرك بالأمر0 - تريد أن تقول أن السلطات كانت أطلقت سراح والدي؟ - نعم 0 لم اعرف أنه مات إلا بعد الحادث الذي تعرضت له0 00لورا هل بإمكانك الأعتقاد لحظة واحدة إنه بوسعي أن أجعلك امرأتي بالفعل لو كنت على علم بوفاة والدك؟ - كنت اعتقد أنك كنت تريد أن تربح على الجهتين0 فرانسيسكا في مكسيكو , وانا هنا 00 قال مستغربا وهو يحك رقبته : - يا الهي0 لو عشت 100000 سنة فلن اتوصل إلى معرفة كيف يعمل دماغ المرأة؟ لكنني في ذلك اليوم كنت أحبك كثيرا ولا يمكن لأحد أن يمنعني من التعبير عن حبي0 الم تشعري بذلك؟ هل في إمكاني التعبير عن حبي لو كان ثمة امرأة أخرى في حياتي ؟ أنا لا أتظاهر بالحب إني أحبك حقا0 وانا مجنون بحبك منذ اليوم الأول الذي التقيتك فيه0 كيف تستطيعين التفكير أن هناك امرأة أخرى؟ - ليس هذا صعبا0 الم ارك تعانق فرانسيسكا ؟ - هل تغارين منها يا حبيبتي ؟ - نعم اكتشفت تلك الليلة بالذات انني أحبك 0 انتظرتك بحرارة وبلهفة لكن بدلا من أن تعود إلي رأيتك تذهب معها00 - آه يا حبيبتي ! وبسرعة أقترب منها وأخذها بين ذراعيه وجذبها الى السرير 0 - تعالي 0 دعيني أشرح لك ما حدث0 وضع دييغو ذراعه حول خصرها وقال : - عندما كنت صغيرا كانت فرانسيسكا تصغرني بسنتين فقط وكنا مخطوبين 0 وأهلنا يحبون هذه العلاقة 0 لكن القدر كانا مختلفا0 تعرفت فرانسيسكا الى انطوان وأحبته وتزوجته بينما كنت أحلم بالمرأة التي ستصبح يوما ما زوجتي ورفيقة حياتي 0 أطلق زفرة عميقة ثم تابع يقول: - مات انطوان وعادت فرانسيسكا الى مكسيكو حيث بدأت أعمال زوجها تنهار فطلبت مني أن أساعدها 0 وهذا العناق الذي حصل بيننا هو عناق الأخوة0 صحيح أنني رافقتها تلك الليلة إلى منزلها0 لكني لم أبقي مدة طويلة0 أمضيت الليل كله اقاوم رغبتي في اللحاق بك000 - آه 00 - لو جئت كما وعدتك به ياحبيبتي لكنت أصبحت ليلتها زوجتي 0 لكني كنت أخشى مجابهة كرهك 0 كيف لي أن أعرف أن عواطف نحوي تغيرت؟ - في كل حال لم تكن تريد امرأة أحبت أحدا قبلك0 زوجة لك0 ليلة عرسنا تركتني بعدما اعتقدت أني كنت عشيقة برانت 0 هز دييغو رأسه وقال : - في الحقيقة لست متشبثا تماما بهذا الموقف0 يمكنني أن أقر بعض التصرفات ولكنك عندما لفظت في تلك اللحظة الحاسمة اسم برانت , تأكدت تماما أنك ما أحببتني ولهذا السبب وعدتك بأن اعيد لك حريتك عندما يخرج والدك من السجن 00وثم00 - ثم ماذا 000؟ - بعد الحادث الذي وقع لك 0 قلت ورددت مرارا أنك تحبينني وانك تريدينني 0 لكنني لم أكن قادرا على ان البي رغباتك0 كما حصل بيننا على الشاطئ00 لقد اجبرتك على أن تستسلمي لي 00 وبطرف اصابعها , لمست لورا شفتي دييغو وقالت : - إذا كانت ذاكرتي سليمة0 فإنني أذكر أنني تجاوبت معك 0 في ذلك اليوم على الشاطئ0 صحيح أنك كنت تحبني منذ البداية؟ - لم اكف عن التفكير فيك منذ اليوم الأول0 أنت أغلى شيء عندي في العالم 0 أنت امرأة أحلامي إلى الأبد0 لا يمكنني أن أعيش من دونك0 - حتى وان لم أكن في مستوى والدتك؟ - والدتي ؟ ما دخل والدتي بالأمر؟ - تعتقد كونسويلو أنك أسير حبك لوالدتك0 وهي تعتقد بأنك تزوجتني فقط لإنني أشبهها 0 - هذا خطأ إنها تتحدث على هواها لتجعلك تغارين 0 كانت تأمل دائما بأنني سأتزوجها بعد وفاة أخي0, زواجي منك أغضبها0 - آه , دييغو 0لقد ارتحت الآن 0لم أكن أعرف00 وضعت لورا رأسها على كتف زوجها وأضافت في خجل: - هل تغفر لي لأنني شككت فيك؟ - وأنا أيضا يا حبيبتي أعترف بأنني أتحمل بعض المسئولية0 - ما علينا إلا أن نبدء من جديد0 - وأن نعوض الوقت الضائع وألا ننتظر دقيقه واحدة0 قالت جوانيتا: - سنيور , سنيورا , العشاء جاهز 0 قال دييغو قبل أن يعانق لورا: - حافظي عليه ساخنا0 ثم قال للورا : - انا جائع اليك 000يا حبي0
تمت

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا