قرار متهور

الفصل الاول
حادث مأساوي
(( كاترين ، أختاه ، يجب أن أراك الليلة 00)) كان صوت فالنتينا على الهاتف متوتراً ومتقطعاً يعتريه الكثير من الخوف والقلق ، مما جعل كاترين تتوقع أن ثمة مأزقاً آخر وقعت أختها فيه ، مساعدتها كالعادة لتنجو منه 0 ((لا ، ليس الليلة يا فالنيينا )) أجابتها كاترين بحزم ، وهي تثبت سماعة الهاتف بين أذنها وكتفها ، لتنظر إلى فصل أوراق الكاربون من التقرير الذي كانت لتوها قد انتهت من طباعته على الآلة الكاتبة ، وتابعت : ((ليس الليلة يا فالنتينا ، علي أن أبقى في المكتب حتى ينتهي الاجتماع مع الإدارة ، واستلم محضر الجلسة لأقوم بطباعته ، ومن ثم سيمر بي سيمون ليصحبني معه الساعة السابعة والنصف تقريباً )) صاحت فالنتينا بمرارة : ((سيمون ! سيمون ! يمكنك أن تريه في وقت آخر )) حاولت كاترين جاهدة التحكم في أعصابها ، حتى لا ترد رد قاسي ، وقالت : (( لكني ، اتفقت معه على ذلك ، وليس في نيتي إلغاء هذا الموعد )) تعالى صوت فالنتينا ثانية لدرجة الصراخ لما أصابها من خيبة ، قائلة : (( كاترين ، هناك شيء رهيب قد حدث ، وأنا في حيرة من أمري ، لا أعرف كيف أتصرف على الإطلاق )) ألقت كاترين الأوراق المطبوعة بإتقان من يدها ، وأمسكت سماعة الهاتف جيداً وقالت : ((اسمعي يا فالنتينا ، أنت طفلة ، لقد بلغت الثامنة عشرة من العمر ، وهذا يكفي لكي تتمكني من تحمل مسؤولياتك بنفسك 0 هلا لأني أكبر منك سناً 000)) قالت فالنتينا مقاطعة : (( لكن أختاه ، إنك الوحيدة التي اعتمد عليه)) ضاقت كاترين ذراعاً بمشاكل أختها وتحمل مسؤولياتها ، ولم تعد تحس برغبة في الاستمرار في ذلك ، فهي لم تكن تكبر فالنتينا إلا بسنوات ثلاث فقط 0 وهذا لا يعني أنه يجب عليها أن تكون مسؤولة عن أختها الصغرى مدى الحياة 0 فيكفى أنها منذ كانت في في مثل سنها ن وهي تحمل أعباء العائلة على كتفيها ؟ لقد تحملت كاترين أعباء العائلة ن وهي في الثامنة عشرة من العمر ، بدلاً من أمها التي قتلت أثناء الثورة في أفريقيا الوسطى ، حيث كان أبوهما يعمل هناك في ذلك الوقت 0 كانت الأختان في مدرسة داخلية ، عندما بلغهما خبر مقتل والدتهما 0فوقع النبأ عليهما وقوع الصاعقة ، وأحست فالنتينا ، وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة بعد ، أنها فقدت الركيزة التي تعتمد عليها 0 لم يبق أمامها سوى أختها كاترين ، تحملها مسؤولياتها ، فما كان من كاترين إلا أن كتمت أحزانها في صدرها ، وغمرت شقيقتها بحنانه ، لتعوضها عن فقد أمها 0 عاد والدهما السيد مالوري إلى لندن في بداية الأمر ، ليعيش مع ابنتيه 0 ولكن سرعان ما ضاق بمشاكل العائلة وتسرب الضجر إلى نفسه ، وفكر بالرحيل ثانية ، فتلاشت أمال كاترين في الانتساب إلى الجامعة ، والتحقت بوظيفة في أحد المكاتب ، بينما كانت تتدرب على أعمال السكرتارية في معهد ليلي 0 أما السيد مالوري ، فقد قبل بالفعل عملاً آخر في جنوب إفريقيا 0 وترك ابنته كاترين مسؤولة عن المنزل الذي استأجره في هامر سمث 0 استمرت فالنتينا في دراستها ، لكنها عندما بلغت السادسة عشرة من العمر ، طلبت من أختها أن تأذن لها بالعودة إلى المنزل 0 ولما لم يبد الوالد اعتراضاً على ذلك ، وافقت كاترين على طلبها مضطرة 0 أحست كاترين أن تلك الموافقة كانت أكبر غلطة اقترفتها 0 وهذا ما تأكدت منه الآن فإن فالنتينا لم تستطع أن تضبط نفسها في تصرفاتها 0وكانت تتجاهل نصائح أختها وتوجيهاتها 0كما تجاهلت رجاءها عندما طلبت إليها أن تجد وظيفة مناسبة تثبت فيها بدل الاستمرار في التنقل من عمل غير مناسب إلى آخر 0فقد عملت في الملاهي ، وأماكن المراهنة ، ومع فرق الديسكو 0وقضت قسطاً كبيراً من وقتها في مصاحبة جماعة من المراهقين الذين لا هم لهم في الحياة إلا العبث ، ولا يشتهرون إلا بخصلات شعرهم المتهدلة ، ومظهرهم الشائن 0 نسيت كاترين عدد المرات التي دعيت فيها لتستمع إلى شكاوى مخدومي أختها ، فتسوي الخلاف بينهم 0 حتى اضطرت أخيراً أن تكتب لأبيها بعد أن فاض بها الكيل 0 وطلبت منه أن يستدعي فالنتينا إليه 0 عندئذ وافقت فالنتينا على أن تجرب مهنة التمريض 0 ولما مضى عليها ستة أشهر كطالبة في مستشفى سانت ماري ، أظهرت خلالها حباً لهذه المهنة ، أحست شقيقتها بشيء من الراحة ، وهي تأمل أنه جاء الوقت لتصبح فيه الأخت الصغرى أكثر تحملاً للمسؤولية 0 كانت فالنتينا قد بلغت الثامنة عشرة من العمر ، عندما تعرفت إلى شاب يسمي غلين فريزر ، ، و اطلعت أختها على ذلك 0 سعدت كاترين لأن أختها كما يبدو عزمت على الاستقرار ، إلا أنها كانت قلقة في الوقت نفسه لما يخالجها من الشك في نهاية تلك العلاقة 0لم تلتق كاترين بغلين فريزر مطلقاً 0 وكل ما أخبرتها عنه أنه شاب كندي وطالب في مدرسة لندن لعلم الاقتصاد 0 ترى ما الذي حدث ، كي تهتف لها في الساعة التاسعة والنصف صباحاً وتطلب رؤيتها بإلحاح ؟ من الجلي أن كارثة جديدة وقعت 0 قالت كاترين مستوضحة : (( لماذا تريدين رؤيتي ؟ إن كان الأمر هام ، أخبريني به الآن لأرى ماذا أفعل )) ((لا أستطيع أن أخبرك على الهاتف ، كاترين أرجوك ، يجب أن تحددي لي موعد اليوم ن إن عملي يبدأ في الساعة الثامنة مساءً 0)) أحست كاترين بشيء من الارتياح إذن فالنتينا لم تفقد عملها على الأقل المشكلة لا تتعلق بالمشفى ، وأية مشكلة أخرى لن يكون لها هذا المستوى من الأهمية ، حتى تلح عليها أختها هذا الإلحاح ، وتصر على أن تراها اليوم ، إذن إلى الغد 0 قالت كاترين : ((فالنتينا 000)) قاطعتها فالنتينا من غير أن تترك لها أي مجال للكلام : (( كاترين أرجوك )) استسلمت كاترينا كما تفعل دائماً ، وقالت : ((ماذا عن وقت الغداء ؟ يمكنني أن أدبر أموري وأكون عندك قبيل الواحدة ، فهل هذا مناسب لك)) جابت فالنتينا بحماس : (( آه نعم)) ((ولكن ألا تريدين أن تأخذي قسطاً من الراحة ، طالما ستعملين في الليل )) ((في الليلة الماضية كانت عطلتي ، سأراك في الواحدة)) قالت ذلك ووضعت السماعة مباشرة ، قبل أن تغير كاترين رأيها 0 بقيت كاترين مشغولة بالتفكير طيلة الصباح ، لماذا تريد فالنتينا مقابلتها وبهذه السرعة ؟!! وبهذا الالحاح ؟!! وأخذت تتذكر ، كم مرة اتصلت بها لتقترض منها بعض المال ، أو لتسدد عنها قيمة الفواتير المتأخرة ، أو لتخرجها من بعض المآزق التي تزج نفسها فيها ، ولكن من الواضح أن هناك ما هو أكثر أهمية من ذلك كله !!! وكم تمنت أن تكون مخطئة في حدسها ، ولا تكون أكثر المشكلة من طلب تسديد دين بسيط لم تستطع فالنتينا دفعه 0 كانت السماء ملبدة بالغيوم ، والمطر ينزل غزيراً وقت الظهيرة ، غادرت كاترين المكتب الذي تعمل سكرتيرة فيه 0 ولما لم تتمكم من الركوب في أية سيارة نقل عامة من شدة الازدحام اضطرت إلى السير مسافة غير قصيرة تحت زخات المطر المتواصلة ، لتبلغ القطار الذي يتجه إلى بالهام قرب محطة مستشفى سانت ماري ، وما إن وصلت إلى القطار ، حتى كانت قد تبللت من رأسها إلى أخمص قدميها 0 عندما نزلت في بالهام ، كانت لا تزال أمامها مسيرة عشرة دقائق لتصل إلى المشفى 0وكانت ساعتها تدل على الواحدة والربع ، وهذا يعني أنها قد تأخرت المحدد ربع ساعة عن الوقت المحدد ولا شك أنها ستجد أختها تنتظرها عند البوابة الكبيرة ، حيث سبق والتقت بها في المناسبات القليلة التي زارت فيها المشفى 0 وهناك وفي المكان نفسه رأت أختها تقف بانتظارها كئيبة , واهنة العزيمة ، ترتدي بنطال وسترة من الفرو تتصل بقلنسوة تغطي رأسها ، ورأتها فالنتينا فأسرعت لملاقاتها بوجه شاحب قلق يثير الشفقة والريبة في ذات الوقت 0 كانت الأختان على الرغم من تباين عمريهما تتشابهان في الطول ، وتتشابهان أيضاً في لون الشعر ، إلا أن فالنتينا كانت أكثر نحولاً وأقصر شعراً 0 (( شكر لك على مجيئك )) بدأت الصغرى الحديث ، وهي تتأبط ذراع أختها ، ووجهها الذي يعلوه الخوف ينطق بحقيقة ، لا يمكن التكهن بها في بضع دقائق 0 ولما لم تجبها كاترين ، تابعت : ((دعينا نذهب إلى المطعم ، حيث نتناول شيئاً من الطعام)) ترددت كاترين هنية ، ثم سارت إلى جانب أختها دون أية كلمة 0 كانت تفضل لو أنهما تتناولان فنجاناً من الشاي وقطعة من الجبن وبعض الخبز في غرفة فالنتينا ، في بيت الممرضات 0حيث يمكنهما التحدث بجدية ، ولكن طالما هذه هي رغبة أختها ، فلتذهب معها أينما شاءت 0 استمرت فالنتينا في الحديث بصوت ضعيف : ((ماهذا الطقس اليوم ؟ كنت أخشى ألا تأتي ، يا الهي !! أي ورطة أوقعت نفسي فيها ؟ )) لم تعلق كاترين على كلامها واستمرت صامتة ، فقد حالت شدة الزحام دون ذلك ، ولما أخذت كلاً منهما شطيرة جبن وكأساً من الشراب ، واختارتا زاوية هادئة ، وقفتا فيها 0 تكلمت كاترين : (( تعالي ، ما الذي حدث ؟ إنك تبدين كأنك لم تنامي منذ أسبوع أو أكثر )) أخذت فالنتينا نفساً عميقاً ، وتناولت جرعة من الشراب وقالت : (( أجل ، أشعر أنني كذلك ، آه ن كاترين ، أنه شيء مريع لا يمكنك أن تتخيلي !! أنه غلين لقد أصيب بجراح!!)) اضطربت كاترين قليلاً ، ولكن هان الأمر عليها طالما المسألة تتعلق بغلين وليست فالنتينا ، وسألت : ((ماذا حدث ؟ وكيف حدث ؟ )) تنهدت فالنتيتا تنهيدة عميقة وقالت : ((هو لا يزال في حالة غيبوبة ، بلا حراك )) تجهم وجه كاترين من المفاجأة ن وقالت : ((هل تعنين أنه أصيب بحادث ؟ حبيبتي فالنتينا ، تماسكي قليلاً ، وأعلميني الخبر بالتفصيل )) ابتلعت فالنتينا ريقها ، وقالت : ((نعم ، يا الهي ، هناك حادث!)) (( حادث سيارة ؟)) هزت فالنتينا رأسها ، أما كاترين فقد بللت شفتيها الجافتين بطرف لسانها ، لقد سبق وأخبرتها أختها أن غلين يملك سيارة سباق سريعة ، كما أخبرتها عن قيادته المجنونة دائماً ، ومع ذلك فإن المهم في نظرها أن فالنتينا لم تصب بأذى 0 أضافت : ((أين هو الآن ؟)) أغمضت فالنتينا بصرها وقالت : ((أين هو ؟ في المتشفى طبعاً ، في أي مكان آخر تتوقعين ؟)) ((في المتشفى ؟ بالتأكيد ليس مشفى سانت ماري ))0 (( لا ، هو في مشفى جود ن أخذوه إلى هناك بعد الحادث )) بدأ الخوف في عينيها وتابعت : ((يا الهي كم كان منظره يبدو مخيفاً ، ظننت في بادئ الأمر أنه مات )) وضعت كاترين يدها على ذراع أختها بحنان ، وقالت : ((مسكينة فالنتينا ، ليس الغريب أن تكوني على هذه الحالة ، ولكن كيف هو الآن ؟ أعني هل يتوقع الأطباء شفاءه ؟ )) صاحت فالنتينا بعنف : ((يجب أن يشفى ، نعم يجب أن يشفى ، وإلا فإني لا أدري ماذا سأفعل 000)) لم يسبق أن رأت كاترين أختها على مثل هذه الحالة من الهيجان والقلق ، فقالت تحاول تهدئتها : (( لا تضطربي ن سيشفى بكل تأكيد ن فالأطباء يستطيعون فعل المعجزات في هذه الأيام )) ((نعم هذا صحيح)) ((اخبريني ، متى حدث ذلك ؟ أقصد الحادث ، لماذا لم تتصلي بي حينما سمعت الخبر ؟)) نظرت فالنتينا إلى أختها شاحبة مشدوهة وتمتمت : ((سمعت!!)) قالت كاترين بلطف : ((سمعت عن الحادث ؟ متى عرفت ؟ يبدو أنه الليلة الماضية ، هل علم أهل غبين بذلك ؟ أني أتوقع أنهم 0000)) قاطعتها فالنتينا وعيناها تتطلعان بقلق ، والكلمات تخرج من بين شفتيها كلمة تلو الأخرى ، وكأنها تجاهد في إخراجها : (( آه ، إنك لم تفهمي شيئاً أختي ، أنا لم أسمع بالحادث ، أنا كنت هناك ، كنت معه ، لقد كانت غلطتي !! ( وتابعت باكية ) ألم تفهمي بعد ؟ الحادث حصل الليلة الماضية ن ليلة عطلتي ، وأنا التي كنت أقود السيارة )) تكلمت كاترين لاهثة : (( أنت ؟ لكنك لا تحملين إجازة قيادة!!)) أشاحت فالنتينا بنظرها وهي تقول : (( ليس هذا هو المهم الآن ، ليس هذا ما أحاول أن أخبرك إياه ، آه كاترين ، ماذا يمكنني أن أفعل ؟ من الممكن أن يموت غلين وإذا حصل ، فأنا التي سيقع عليها اللوم 0)) أحست كاترين بالغثيان ، لم تعد قادرة على الوقوف ، القت الجزء الباقي من السندويش من يدها على صينية بجانبها ن ودون أن تفوه بأي كلمة 0 امتلأت عينا فالنتينا بالدموع وهي تتابع ك ((ألا تستطيعين أن تقولي شيئاً ؟ ألا تستطيعين أن تقولي على الأقل أنك فهمت ؟ يا الهي !! كاترين ، إذا لم تساعديني فمن غيرك يفعل ؟ أختاه 00أني خائفة , خائفة جداً )) وضعت كاترين الكأس على الصينية ن وفركت يديها ببعضهما ، ثم تمتمت بضعف : (( يجب أن تمهليني بعض الوقت ، يا فالنتينا ، فلا أعرف ماذا أقول ))9 تمتمت فالنتينا وهي ترتجف : (( أمهلك ؟ كاترين أنني لم أنم ليلة أمس ، حتى ولم أتمدد على فراشي ن لقد بقيت أهيم على وجهي بالطرقات عدة ساعات ن منهوكة القوى ، ومع ذلك لم أستطع العودة إلى مشفى سانت ماري )) قاطعتها كاترين : (( انتظري لحظة ؟ ماذا تعنين مشيت عدة ساعات في الطرقات ؟ !! لقد قلت أن غلين أخذوه إلى المتشفى بعد الحادث )) ((نعم هو كذلك فأنا التي اتصلت من أجل سيارة الإسعاف )) ((ولم يطلبوا منك مرافقتهم ؟ أعني الشرطة ن لا بد أن الشرطة كانت هناك ، ألم يطلبوا منك تقديم إفادتك ؟!)) أحنت فالنتينا رأسها والألم يعصر قلبها ، وقالت : ((الأمر ليس كما تظنين ، عندما وقع الحادث لم يكن هناك أحد في المكان ، آه أنا لا أعرف كيف حدث هذا ، كنت أقود السيارة وأنا في غاية الفرح والسرور ، وإذ بقطة تقفز أمامنا ، صاح غلين توقفي ،و لكن على غير وعي مني ، وفي حركة عكسية ضربت قدمي دواسة البنزين ، فارتطمت السيارة بعامود الكهرباء )) ((آه ، فالنتينا !!)) ((لقد كان حادثاً مريعاً ، لا بد وأن رأس غلين أرتطم بالنافذة رأيته مغطى تماماً بالدم ، فتملكني رعب شديد ، ولم أكن أفكر في شيء ، إلا أن ابتعد عن مكان الحادث بأي طرقة خوفاً من أن يراني أحد ، أو يشهد علي أحد )) ((انتظري لحظة ، قلت أنك اتصلت هاتفياً بنفسك ، من أجل سيارة الإسعاف 000)) (( نعم 00نعم ، من هاتف عمومي قريب اتصلت وفررت هاربة 00)) ذعرت كاترين مما سمعت ، وصاحت : ((فالنتينا!!)) فالنتينا أخذت تعبث بخصلات شعرها بحركة عصبية لا إرادية ، ثم قالت : (( ماذا ؟ ما الذي كان يمكنني عمله ؟ لقد أخبرتك ، كان منظره مريعاً ، لم استطيع البقاء ، هل كنت تتوقعين مني أن أنتظر حتى تأتي الشرطة ، وتلقي القبض علي ؟)) تناولت كاترين بقية شرابها ، وهي تجمع شتات أفكارها وحاولت أن تتكلم بهدوء : (( فالنتينا ، الشرطة ستعرف أجلاً أو عاجلاً أن هناك شخص آخر كان مع غلين ، وأن هذا الشخص هو الذي كان يقود السيارة ، فدعينا نواجه الحقيقة ، أنت أول المشبوهين ، فأنت صديقته ، ولا بد أنه أطلع أصدقاءه على ذلك)) قاطعتها فالنتينا : (( لا ، لا كان الوقت متأخر ، ولم يرني أحد من أصدقائه معه ، كنا في طريق العودة إلى المتشفى ، واتخذنا الطريق الجانبية ، حتى أتمكن من القيادة ، ولولا ذلك ، لكان بإمكانه أن يوصلني خلال هذا الوقت ، وأن يكون في طريقه عائداً إلى شقته )) قالت كاترين بحزم : ((ولكنه لم يفعل ، فالنتينا واجهي الحقائق ولو لمرة واحدة ، لم لا تكوني واقعية ؟فإن غلين لم يكن أمام المقود)) ((لن يعرف أحد ذلك)) (( ماذا تعنين ؟؟)) هزت فالنتينا رأسها وقالت : ((أخبرتك أن رأس غلين ارتطم بزجاج النافذة الذي تحطم ، فسحبت رجليه أمام مقعد القيادة )) ((يا الهي !!! أحسبك قلت أنك مذعورة؟! )) كان صدر فالنتينا يعلو ويهبط بسرعة كبيرة وهي تقول : (( نعم كنت مذعورة ، كنت أرتجف رعباً ، ولا يمكنك أن تتخيلي ما كنت أحس به هناك ، في الظلام الرهيب ، وأنا أعلم أن غلين قد يموت بين لحظة وأخرى )) زفرت كاترين بقلق قائلة : (( هل تدركين ، أنك ستتهمين بجريمة قتل عن غير قصد ؟ ( وتابعت صارخة ) كيف فعلت ذلك ؟ كيف فعلت؟!)) وضعت فالنتينا يديها في جيبها ، وتلفتت حولها بقلق وهمهمت : (( يمكنك أن تتكلمي كيف شئت ، فأنت لم تقعي في مثل هذه المتاعب من قبل ، لا شك أنك لم تحبي أحداً ، حتى ولا سيمون ، أنا متأكدة من ذلك أيتها المتكبرة المتزمتة )) وضعت كاترين يدها على ذراع أختها تهدئها ، وقالت : (( لا يمكنك أن تكسبي عواطفي بالتعرض إلى سيمون ترافس ، فسيمون صديق حميم ، وأنت تعلمين أنني معجبة به ، ولكني لا أعرف ما سيكون شعوره عندما يعرف القضية )) لم تفارق علامات الخوف والرعب وجه فالنتينا ، وهي تعلق على كلام أختها : ((معجبة ، ما أروعها من كلمة تستعملينها عن الرجل الوحيد في حياتك )) تجاهلت كاترين كلام أختها الأخير ، فالمسألة الآن أخطر من أية مشكلة سبق وأوقعت فالنتينا نفسها فيها ، ولكنها هي الأخرى لا تعلم بماذا تنصحها ، فهل من الخير أن تقنعها بالاعتراف ؟ وهل اعترافها سيساعد غلين على الشفاء ؟ بالتأكيد لا ، أو تسمح لأختها بالهرب من وجه العدالة ؟ في أية حال ، هناك حقيقة واقعية لا يمكن لشيء أن يغيرها ، فالنتينا هي التي كانت تقود السيارة ، وكلاهما كانا لا مباليين ، فإذا توفي غلين فإن أختها هي المسؤولة ، وعليها أن تتحمل وزر عملها ، ولكن إذا شفي غلين ، فما فائدة تقديمها للعدالة ؟ وتكفيها هذه التجربة التي تمر بها عقاباً لها وعبرة ، فلعلها لا تعود في المستقبل إلى مثل هذه الأعمال الطائشة 0 فالنتينا كانت تراقب أختها بفارغ الصبر تنتظر منها حلا ينتشلها من هذا المأزق الذي وقعت فيه ، ثم قالت : ((هل تريدين كأساً آخر من الشراب ؟)) ((لا ، شكراً يجب أن أذهب حلاً )) أمسكت فالنتينا بأختها تحتجزها وقالت : (( إلى أين ؟ لم أسمع رأيك حتى الآن !!)) ((رأيي ؟ فالنتينا كيف عرفت أن غلين لا يزال في غيبوبة ؟ هل اتصلت هاتفياً بالمشفى تسألين عنه ؟ )) ((لا ، هم اتصلوا بي )) رفعت كاترين حاجبيها باستغراب ودهشة وقالت : ((اتصلوا بك ؟)) هزت فالنتينا كتفيها : ((نعم هم اتصلوا بي ، إنها حقيبتي ، لقد نسيت حقيبة يدي في السيارة هل تتصورين ذلك ؟ )) ((فالنتينا!)) (( من أجل هذا أردت أن أراك ، أريد منك فقط أن تقولي لهم أني أمضيت الليلة في شقتك )) دب الهلع في قلب كاترين وبدا الشحوب على وجهها ، وقالت وشفتاها ترتجفان : ((لكن 00لكن لماذا ؟ ماذا يفيدك ذلك ؟)) (( أسمعيني كاترين ، إن شقة غلين ليست بعيدة عن المتشفى كما أعلمتك ، وأريد أو أوهمهم أنه أوصلني إلى شقتك أولاً ، ثم تابع طريقه قاصداً منزله)) ((لماذا أوصلك إلى شقتي ، وليس إلى المتشفى ؟ )) قالت فالنتينا بفارغ صبر : (( أوه كاترين ، ما بك ؟ يجب أن أثبت لهم أني كنت في مكان آخر وقت وقوع الحادث ، أخبرتك بما جرى ، فقد سرت في الطرق بضع ساعات أهيم على وجهي ، ولم أعد إلى المتشفى إلا في الصباح ، حيث اكتشفت أنهم يبحثون عني ، فماذا تردين مني أن أقول لهم ؟ وما عساي أن أقول ؟)) أخيرا فهمت كاترين كل شيء ان أختها لم تكن لتفضي بسرها لولا أنها أخطأت بترك حقيبتها في السيارة ، ، وكالمعتاد فهي تريد منها أن تجد لها حلاً 0 ثم سألتها ببرود : (( ماذا قلت لهم ؟ )) أجابت فالنتينا صارخة : (( أخبرتهم إني كنت معك في شقتك ماذا يمكنني أن أقول غير ذلك ؟)) ردت كاترين بغضب : (( إذا أنت لا تطلبين مساعدتي ن بل تخبرينني بما يجب أن أفعله؟)) (( لا ليس الأمر كذلك كاترين )) ((ما هو إذن ؟)) خفضت فالنتينا من صوتها وقالت بشيء من الاستعطاف : ((كاترين لا يمكنك أن تتخيلي ما أحس به ، كان يجب أن أجد سبباً منعني من النوم في بيت الممرضات تلك الليلة ، هل كان بإمكاني إخبارهم الحقيقة ؟ 000ساعديني إنه شيء بسيط !!)) ((شيء بسيط !! وإذا مات غلين ، ماذا سيحدث ؟ تجعلين مني شريكاً في الجريمة ، لأني تسترت عليك ؟)) (( لا لن يموت 000)) (( آمل ذلك ، لأنه إذا مات ، لن أقف جانباً وأتركك تفلتين من العقاب)) **************** عادت كاترين إلى مكتبها بعد الظهر ، وكان من الصعب عليها أن تركز تفكيرها في نقطة معينة ، فقد كان رأسها يضج بالأمور التي أخبرتها بها فالنتينا ، كان من الصعب عليها أن تصدق أن أختها ألقت بنفسها في مثل هذه الورطة الكبيرة ، وعجبت كيف يمكن أن تكون ÷ي وفالنتينا أختين ومختلفتين إلى هذا الحد / أنه منذ تركت أختها المدرسة ، وهوة سحيقة تفصل بين طباعهما وتصرفاتهما لآ يمكن اجتيازها 0 السيد جورج يات مديرها الحالي ، رجل متوسط السن ، سريع الغضب ولكنه رجل أعمال ناجح ن ومعجب بعملها إلى حد كبير فهي سكرتيرة جيدة ن لا تعتمد على أحد ، ويمكنها أن تقوم بالعمل وحدها إذا اقتضى الأمر 0 كان السيد جورج مصاباً بقرحة في معدته ويعاني منها الكثير ، وحتى الدواء لم تكن تفغل كاترين عن إعطائه إياه عندما يحس بالألم ن ولكن بعد ظهر ذاك اليوم ن كانت قلقة شاردة الذهن ، مما أثار المدير وجعله يصيح بها : ((ما بك كاترين ؟ هل تحاولين إغضابي ؟ لقد طلبت منك مرتين أن تناوليني ملف السيد ماكودونالد ن ولكنك وبكل بساطة تجاهلت طلبي!)) (( إني آسفة ، سيد جورج ن إني أشعر بصداع ، وهذا كل ما في الأمر )) أجابها وعدم الرضا باد في عينيه : (( إن الألم الذي أعانيه من معدتي ، يكاد يمزقني فهل هذا يعني أن أتخلف عن إتمام أعمالي ، وأقول إني أحس بشيء من الألم ، وهذا كل ما في الأمر ؟ )) حاولت كاترين أن تقول شيئاً ولكنها لم تستطع ، واكتفت بإيماءة من رأسها ، محاولة أن تركز انتباهها على ما يمليه عليها ، لم يكن ذاك بالأمر السهل ، وكم كانت تتمنى ألا يتذكر السيد جورج كل كلمة أملاها عليها عندما يراجع اختزالها 0 كانت مدة اجتماع المجلس قصيرة هذه المرة ، وتنفست كاترين الصعداء عندما وجدت نفسها خارج المبنى ن وسيارة سيمون بانتظارها في مرآب الموظفين 0 كان قد انقطع المطر ، وتلاشت الغيوم ، وانقلب الجو فجأة كأنما الربيع حل معتدلاً لطيفاً ، أمسية من أمسيات نيسان الجميلة ، وأنوار المدينة تتلألأ في كل مكان ، تدحر الظلام وتضيء جميع الشوارع المعتمة 0 حياها سيمون بلمسة لطيفة ، عندما جلست إلى جانبه داخل السيارة وردت عليه التحية بأحر منها 0 هز سيمون رأسه وهو يتفحصها ، ثم قال : ((تبدين شاحبة اللون ، ما بك ؟ هل كان السيد جورج عصبياً مرة أخرى ؟)) أدارت كاترين وجهها بحركة من كتفها تدل على عدم رغبتها الخوض في أي موضوع ، وقالت : ((دعنا من هذا الآن , ولنذهب أني أكاد أموت من الجوع )) وراحت في شرودها ، فالطعام آخر ما كانت تفكر به ، أما سيمون فقد حرك مقود السيارة ن وهو يحاول أن يلفت انتباهها بحديثه ، فقال : ((بالمناسبة ، لقد قطعت تذكرتين لحضور الحفلة الموسيقية ، التي ستقيمها فرقة بارتوك ،يوم الأحد أنا أعلم أنكل لست كثيرة الحماس لهذا الموضوع ، ولكنك في أي حال سوف تستمتعين ولو لبعض الشيء)) كانت فكرة حضور حفلة موسيقية بالنسبة إليها في هذا الوقت ، كفكرة تناول الطعام تماماً ، لاحظ سيمون تغير في هيئتها ، وكذلك في تصرفاتها ، فتابع قائلاً : (( ما الأمر ؟ ما بك كاترين ؟ يبدو أن أعصابك متوترة ونظراتك شاردة ، هل هناك ما يقلقك ؟)) تظاهرت كاترين بالابتسام ، وقالت : ((لا ، ليس هناك أي شيء سيمون ، ولكني متعبة فقط)) ((لا أظنك غاضبة مني بسبب يوم الأربعاء الفائت ، فقد كان لدي الكثير من العمل )) ((آه000لا طبعاً لا)) كان سيمون ناجحاً كمدرس ، وليس خطأه أن تأخذ والدته من وقته الكثير ، فهي أرملة متقدمة في السن ، وكانت كاترين تفكر بما يمكن أن يحدث لهذه المرأة ، لو أن سيمون قرر الزواج وأراد أن يستقل عنها في حياته ، لعلها تريد من زوجته أن تسكن معها ، ولكنها هي ، كاترين لا يمكن أن تشاطر والدة سيمون منزلها ، فالسيدة ترافس ستقف بلا شك في طريقها ، ولن تسمح لأي امرأة أياً كانت أن تغتصب مكانتها من عواطف ولدها 0 وتابع سيمون حديثه وهو يقود السيارة : ((أنت تعرفين الأمهات ، فهي تكره أن ترى البيت تعمه الفوضى ، وكان علي أن أساعدها في ترتيبه وتنظيفه ، وقد استغرق ذلك وقتاً طويلاً ، أما الآن وقد انتهيت من ذلك كله سيكون لدينا متسع من الوقت لنقضي أمسياتنا معاً ،)) حاولت كاترين أن تخفي ما بها خلال حديث سيمون ، فلم يكن لديها أي استعداد لتفضي إليه بشيء الآن ، يجب عليها أن تفكر ملياً بالأمر وتقلبه من جميع جهاته أولاً 0 ذهبا إلى أحد المطاعم ، وكان الطعام الصيني الذي قَدم لهما أحب الأطعمة إلى كاترين ، ولكن في هذا المساء لم تأكل إلا قليلاً ، وقد لاحظت أن سيمون انتبه إلى ذلك ، وجميع محاولاتها لتخف اضطرابها عنه ذهبت سدى 0 وعندما صارا في طريق العودة إلى منزلها ، نظر إليها سيمون نظرة مليئة بالشك وقال : (( هل أنت متأكدة يا عزيزتي ، أنك لست مستاءة مني ؟ أرجوك ، صارحيني فأنا لا أحب أن تضمري شيئاً من جهتي في نفسك)) رفع سيمون يده عن المقود ، وربت على يدها بحنان ورقة ، وتابع : (( بالحقيقة ، حان الوقت الذي يجب أن نفكر فيه بالمستقبل ، بمستقبلنا يا 0000)) شعرت كاترين بارتباك ، وقاطعته : ((ليس الليلة ، سيمون إني متعبة جداً ، وأظن أنني سأبقى في الفراش حتى ظهر الغد )) أوقف سيمون السيارة أمام البناء الذي تشغل كاترين إحدى شققه ، وقال : ((لن ألح عليك الليلة ، ولكن لا تتوقعي ذلك مني في الغد)) تصنعت كاترين ابتسامة باهتة : ((شكراً سيمون )) ((ألا تدعينني إلى فنجان قهوة ؟ )) ((لا ، ليس الليلة )) ربت على كتفها بحنان قبل أن تنزل من السيارة ، وقال : (( إذن سوف أوصلك إلى باب الشقة )) ((ليس هذا ضرورياً ، فالساعة ما زالت العاشرة والنصف ، والناس ما زالت تغص بهم الطرقات )) ((لا بأس أريد أن أتأكد بنفسي من وصولك سالمة إلى البيت ، هيا أسرعي فقد تغير الطقس وأصبح بارداً )) لم يكن مظهر المبنى من الخارج جميلاً ، ولكن الشقة من الداخل كانت مقبولة ومرتبة في تناسق جميل ، وهي مؤلفة من غرفتي نوم وغرفة جلوس وأخرى للمكتبة وبقية المرافق من مطبخ وحمام ، كانت فالنتينا تشاركها غرفة النوم عندما كان والدهما يعيش معهما ، ولكن بعد رحيله إلى جنوب أفريقيا ، حلت الصغرى محله ، ونقلت جميع حاجياتها إلى غرفته 0 دخلا المصعد ، فارتفع إلى الطابق السادس ، وكان باب شقتها مواجهاً لباب المصعد ، لا يبعد عنه إلا بضع ياردات ، قالت كاترين : ((سيمون ، حتى هنا يكفي ، لا تتعب نفسك ، ليس هناك ضرورة لذلك ، سوف أراك غداً )) (( لا بأس )) أجاب سيمون وفي صوته نبرة أسى ، وكأنه يتوقع أن تغير رأيها وتدعوه لتناول فنجان من القهوة في اللحظة الأخيرة ، لكن هذا لم يحدث 0فكاترين كانت بحاجة لأن تكون بمفردها قالت : ((أسعدت مساءاً ، سوف أراك غداً )) شد على أصابعها قبل أن يتركها وقال : (( مساء سعيد ، احبك)) إلى جانب قلقها على أختها ، لم تكن كاترين متأكدة من مشاعرها نحو سيمون ، أنه بالنسبة لها ليس أكثر من صديق ، أما الحب بحد ذاته ، فهو شعور تعلمت خلال حياتها كيف تعيش من دونه ، أحبت أبويها ، أحبتهما بعمق ، ولكنهما وضعاها في مدرسة داخلية بعيدة عن عنايتهما ، بعيدة عن الشعور بالاطمئنان في ظلهما ، وبعدما توفيت والدتها ، ظنت أن أباها سيعيش معهما ويرعاهما ، ولكنه آثر أن يسافر إلى جنوب افريقيا ويبتعد عنهما ، أما الآن فإن فكرة منح رجل حبها غير واردة في ذهنها 0 سارت نحو باب شقتها ، ويدها في حقيبتها تبحث عن المفتاح : ((آنسة مالوري ؟)) نغمة غريبة أثارت أعصابها ، وبحركة آلية استدارت وهي تمسك بحزام حقيبتها تستعدلاستعماله في الدفاع عن نفسها ، إذا اقتضى الأمر ، رأت رجلاً غريباً طويل القامة يقف وراءها مباشرة ، الرجل دعاها باسم عائلتها فلماذا ينبهها إلى حضوره ، لو كان يريد بها شراً ؟!! من المؤكد أنه ليس لصاً ، ولكن المجرمين عادة مقبولو المظهر ، لا يدل ذلك على حقيقتهم ، لقد قرأت ذلك ، وسمعت أيضاً ، لا شك في المجلات والتلفزيون فإنهم دائماً يحذرون النساء من الغرباء ، وهذا الرجل غريب ، كان أسمر اللون جذاب الهيئة ، وليس هناك سبب يجعلها تشك في أمره ، وسألت خائفة : (( ماذا تريد ؟ )) ((آنسة مالوري ، أنا لست لصاً أو مجرماً ، وأني آسف لأني أثرت فيك الرعب ، ولكني حسبت أنك سمعت وقع خطواتي )) كان جسمها يرتجف وهي تجاهد لكي تبدو هادئة ، وتريد أن تقول أي شيء لكسب الوقت ، لعل أحد السكان يخرج إلى الممر ، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث ، والمصعد الذي سمعت حركته تجاوزها إلى الطابق الأعلى ، وبقيت وحيدة أمام هذا الرجل ، الغريب ، دون أمل بمساعدة من أحد ، ومع ذلك كان يجب أن تقول شيئاً ، فأجابت : (( حسناً أنا لم أسمع ، ولم أتوقع زواراً في مثل هذا الوقت والساعة الحادية عشرة من الليل )) (( أنا أ‘لم ذلك ، وأني لآسف ، ولكني بحاجة إليك آنسة مالوري ، والآن هل يمكن أن تدعينني للدخول ؟ أم تفضلين أن أبقى هنا لأقول ما جئت من أجله ؟ )) ((انتظر لحظة 000)) وقالت في نفسها ماذا يفعل هذا الرجل هنا ؟ وبأي حق يحسب أنه يمكن أن يبادلها الحديث ؟ ((اسمي جيرد فريزر ، أظن أن هذا الاسم قد يعني شيئاً بالنسبة إليك ، أنا عم غلين فريزر ، وجئت لأعرف تفسيرك لهذه اللامبالاة التي تبدينها ، بينما ابن أخي يموت بسببك)) 2) هروب شائن ((بسببي ؟!! هذا ليس صحيحاً !)) أجابت كاترين ألياً وقد أحمر وجهها الشاحب عندما سمعت كلامه 0 نظر السيد فريزر إليها شرزاً وقال : (( إذن لماذا لست في المتشفى ؟ على الأقل للتظاهري أنك مهتمة بحياته )) ((بالطبع أنا مهتمة ، مهتمة كأي شخص آخر )) (( أي شخص آخر ؟!! ماذا تعنين بكلامك هذا ؟!)) (( أٌصد ، أي شخص 00آه ، أظن أنه من الأفضل أن تدخل ، أنت مخطئ يا سيد فريزر ، أنا لست من تظن !! أنت تحسبني فالنتينا أختي ؟ أنا كاترين )) ((كاترين ؟!)) وعندما فتحت الباب ، دفعها بعنف للداخل ، وأغلق الباب خلفها ، وقال : (( أنت تكذبين )) كانت أصابعه الحديدية تمسك ذراعها وتضغطها نحو الحائط بقوة ، وهو يتابع : (( الأفضل أن تفكري في حيلة أخرى وبسرعة يا فالنتينا ، أنا قابلت شقيقتك كاترين عندما جئت إلى هنا بعد ظهر اليوم )) (( أنك مخطئ ، ياسيد فريزر ، أنا كاترين مالوري ، ويمكنني إثبات ذلك ، والآن هل يمكن أن تترك ذراعي ، إنها تؤلمني كثيراً )) لم يترك ذراعها ، كانت تخشى أن تحاول تخليص نفسها منه بالقوة ، فهي دون شك لا تستطيع ذلك ،انسدل شعرها حول وجهها الشاحب ، وعيناها الزرقاوات ، فهزت رأسها بلا حول ولا قوة ، بينما هو مستمر في إمساكها كسجينة ، وقال في لهجة الآمر : ((كرري ما قلت ثانية 0 )) كانت قريبة منه جداً ، تحس بأنفاسه الحارة تلفح وجهها 0 أعادت كلامها متلعثمة : (( قلت لك أنا كاترين مالوري ، ولا أعرف من رأيت بعد ظهر اليوم ولكن ليس أنا بالتأكيد )) فأردف قائلاً : (( قالت لي إنها هي كاترين مالوري ، وأن فالنتينا ليست في المنزل ، وعلي أن أعود في وقت لاحق ، من غير أن تحدد لي ساعة معينة ، لذا عدت في السادسة ، ومرة أخرى في الثامنة ، وهذه زيارتي الرابعة يا آنسة مالوري ، ولن أذهب قبل أن أعرف منك الحقيقة )) ارتعشت كاترين عند سماعها هذا الكلام ، ولكنها أرادت أن تخفف من غضبه ، فعقبت قائلة : (( سيد فريزر ، ليس المهم ما قيل لك ، الحقيقة تبقى أنني أنا كاترين مالوري ، ولست فالنتينا ، وأتمنى أن تتوقف عن النظر إلي كمتهمة بجريمة )) (( ألست كذلك؟ )) ((لا ، بالتأكيد لا ، بحق 000اتركني ، أترك ذراعي ، لقد أسلت الدم منها ، فأنت أطول وأعرض وأقوى مني ، ولا أظنك على أية حال تخاف أن أتغلب عليك!)) أفلت الرجل أصابعة وعاد إلى الوراء ، ثم علق بخشونة : ((أنت رابطة الجأش آنسة مالوري ، كان يجب أن أتوقع ذلك )) قالت كاترين في نفسها لا بد أن فالنتينا تكلمت معه ، ونجحت في خداعه ، لكن لماذا ؟ ما الذي تأمل أن تجنيه من وراء ذلك ؟ بفعلتها تلك زادت الأمور تعقيداً ما يزال السيد فريزر واقفاً أمامها ، ينتظر منها تفسيراً ، رفعت بصرها إليه وقالت : (( الأفضل أن تدخل )) أنارت الأضواء ، وقادته إلى غرفة الجلوس ، لكن ما هذا الذي يحدث ؟ إنها لا تصدق 000ولكن ها هو الرجل الغريب ، الضيف الغير مرغوب فيه ، يجلس بكل حرية ، من غير تكليف على أحد المقاعد أمامها 0 أفرغت كاترين محتويات حقيبتها على الطاولة في حركة سريعة ، ثم التقطت من بينها بطاقة المصرف ، ودفتر الشيكات ، وألقت بها أمامه قائلة : (( أظن أن هذه الأشياء توضح لك الوقف ، وتؤكد لك أني كاترين ، وإذا كنت تريد أدلة أكثر ، فإن سيمون ، الشاب الذي كان يرافقني هذا المساء سوف 00000)) ولكنها لم تستطع الاستمرار في الكلام أكثر من ذلك وأحست بالدموع حارة تنسكب من عينيها ، أدارت ظهرها نحوه ، تمسح دموعها ، محاولة أن تضبط أعصابها 0 شعرت بأنه كان يقلب الأدلة التي وضعتها بين يديه ، دون أن يسرع في الاعتذار ، وأخيراً قال : (( نعم هذه هي الأدلة ، ولكنني لا أستطيع التشكيك في صحتها ، فلو كنت أريد أن أتظاهر بأني شخص آخر ، علي أن أتدبر أمري واهيء الأدلة اللازمة )) استعادت رباطة جأشها وقالت : (( آه ، إنك إنسان لا يمكن احتماله ، لماذا لا تريد أن تصدقني ؟ لماذا أكذب عليك ؟ )) (( ولماذا تكذب أختك ؟ )) برهة صمت مضت ، وقف السيد جيرد فريزر بعدها ، ومشى إلى الطاولة حيث وضع ما في يده ، ثم رجع إلى مكانه ، وهو يشكرها وقد بدا أقل عداء مما كان 0 لم تنكر كاترين بينها وبين نفسها أنه كان رجلا مزعجاً ، مزعج بظهوره المفاجئ ، وسلوكه العدائي ، لكنه يملك عينين سوداوين فوق وجه نحيل ينطق بالذكاء ، ووجنتين مرتفعتين وأنف بارز ، وفم بشفاه رقيقة ، هي لم تر غلين مطلقاً ، ولكن إن كان يشبه عمه فيمكنها اآن أن تعرف لماذا كانت فالنتينا تراه جذاباً إلى هذا الحد

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا