الفصل 3 : غياهـــب الصحـــراء
في المساء عاد سمير الى بيته عازما على تنفيذ توصيات البروفيسور نادر ، حيث قام بجميع ما يلزم ثم توجه الى غرفة نومه و استغرق في سبات عميق لم يستفق منه الا على صوت المنبه الذي أيقظه على الساعة الخامسة صباحا ، حيث قام و صلى الفجر ثم أعد افطارا سريعا و غادر المنزل ، و لم تمض سوى دقائق معدودة حتى التقى ب/ياسر/و بالبروفيسور نادر ، تبادل معهما تحية سريعة قبل أن يقول البروفيسور بلهجة حازمة: -- هل أنتما واثقان من صحة القرار الذي اتخذتماه؟ -- أجاب/ ياسر/: كل الثقة يا بروفيسور. -- في حين رد/ سمير/ بثبات: هذا قراري الأخير أنا أيضا. فقال البروفيسور: فلننطلق على بركة الله. ثم ركب الثلاثة سيارة رباعية الدفع يسوقها البروفيسور بمهارة مدهشة وسط الرمال الذهبية و المسالك الوعرة في قلب الصحراء المغربية. أخذت السيارة تمخر عباب الصحراء متجاوزة الكثبان الرملية الضخمة و الرمال تتطاير على جانبيها في غزارة ، و الرفاق الثلاثة يتصببون بالرحضاء من شدة الحرارة ، عرق غزير ينهمر عبر مسام أجسادهم الملتهبة ،و بين الفينة و الأخرى يقوم البروفيسور باخراج قنينة ماء باردة من ثلاجة محمولة صغيرة و ضعها داخل السيارة ، فيرتوي كل منهم ببعض القطرات خشية نفاذ المخزون الذي بحوزتهم من الماء ، مما خفف شيئا من معاناتهم مع الطقس الحار . يوم كامل أمضوه في اختراق مجاهل الصحراء لا يتوقفون الا من أجل الأكل أو من أجل تمكين السائق من أخذ قسط من الراحة ، حتى أرخى الليل سدوله على بحر الكثبان الرملية الممتد الى ما لا نهاية ، و كان الجمع قد أقام خيمة متوسطة الحجم بأحد الأماكن المنبسطة بعدما أخذ الرفاق قرارهم بقضاء ليلتهم هناك مخافة مواصلة المسير في جنح الليل البهيم و في منطقة يجهلون عنها كل شيء و لا يعرفون عنها أي شيء ، خصوصا مع رفض جميع المرشدين مرافقتهم في رحلتهم ، فما أن يتم اخبارهم عن الاتجاه الراغبين سلكه حتى يكون الجواب هو الرفض التام و بعد أن يتم نعتهم تارة بالحمقى و المجانين و تارة أخرى بالأموات لا محالة. بعد تناول وجبة العشاء داخل الخيمة ، أخذ كل واحد موضعه في أحد الأركان استعدادا للنوم بعد يوم كامل من الجهد الجهيد تحت أشعة الشمس الحارة ، فقال البروفيسور: -- من خلال اتجاه البوصلة وموقع الخريطة التي بحوزتي فحتما ستطأ أقدامنا احدى الواحات المتفرقة في أرجاء الصحراء و ذلك في غضون يوم آخر من المسير في نفس الاتجاه. فرد عليه سمير بصوت حزين:-- و هل ينتظرنا يوم آخر من الجهد في أتون الحر و العطش؟ فقال /ياسر/: ليس أمامنا خيار آخر يا أخي ، لقد قطعنا نصف الطريق و لا يسعنا سوى المضي قدما الى نهاية الخط. فقال البروفيسور: و لا نعلم حقا كيف و متى ستكون نهاية الخط هذه ، سوف ننام الآن و للحديث بقية غدا ان شاء الله. ثم استسلم الجميع لنوم عميق ناشدين الراحة و السكينة الى أن دوت الصيحة الرهيبة ، صرخة عالية تردد صداها مدويا في أرجاء المكان كاسرا سكون الليل و هدوءه ، فهب البروفيسور مفزوعا و هويقول مشغلا أحد المصابيح اليدوية القوية: -- ماذا حدث ، هل حدث مكروه لأحدكما؟ فرد سمير بصوت مرتجف: أنا بخير ، لكن / ياسر / هو من قام بالصراخ ، يبدو أن شيئا ما قد أصابه. و ما ان تمكن البروفيسور من اضاءة المكان بمصباحه اليدوي حتى تملكت الجميع دهشة عارمة ممزوجة برعب هائل ، فقد انتشرت داخل الخيمة مجموعة كبيرة من العقارب الضخمة السوداء و كان/ ياسر/ يتلوى من الألم داخل سريره ممسكا بساقه اليسرى و هو يقول: لقد لذغتني احداها ، اني احس بالبرودة تجتاح ساقي شيئا فشيئا و السم ينتشر بسرعة. قام البروفيسور باضرام النار في احدى الجرائد التي كانت بحوزته ثم قرب كثلة النيران من العقارب التي ابتعدت هاربة الى خارج الخيمة في حين أمسك/ سمير/ ساق / ياسر/ و أخذ يمص السم بفمه من الساق المصابة ثم يمجه في اناء صغير حتى امتلأ بالدم ، ثم وضع رباطا أوثقه باحكام فوق موضع اللذغة لكيلا ينتشر السم في باقي أعضاء الجسم ، فيما بقي / ياسر / يأن تحت وطأة الألم و قد أخذته الرحضاء يسيل بسببها العرق من جبينه كينبوع متدفق. لم يستطع أحد من الثلاثة مغادرة الخيمة طيلة الليل ، حيث بقي /ياسر/ ممددا فوق سريره ،في حين تبادل البروفيسور و /سمير/ نوبات الحراسة كل ساعتين ، يقوم أحدهما خلالهما بالنوم فيما يظل الآخر موجها المصباح اليدوي شديد الانارة الى باب الخيمة المغلق

الفصل 4 : أنيـــاب الرمـــال