وادي الرماد


رواية بمثابة رؤية واستقراء لمستقبل مخيف، دلالاته واشاراته تلوح لنا بوضوح لكننا نرفض رؤيتها، الرواية تبدأ من حيث يتوقع السارد، تفرض علينا واقعا محددا ، وتضعنا بداخله، تغوص بنا بعيدا في النفس البشرية، أظنها وصلت إلى القاع بل وحفرت برماله أيضًا، تحمل كل ملامح العمل المتكامل البنية، مشاهد سردية واضحة ممططة ومزخمة بالتفاصيل والأحداث، تتنوع فيها البنيه بين المونولج والديالوج والتقارير والوصف الصامت، الوصف هنا جاء حركيا وليس ثابتا، وجاء كلاسيكيا، متنوعا بين الوصف الخارجي والداخلي، دوافع الشخصيات ميكانيكية جدا، وملامح الحياة في الرواية هندسية وواقعية البنية، لم يلجأ للتصورات الخيالية جنح أحيانا إلى تفاصيل تخص شخصيات غير مؤثرة في الأحداث، لكن دون أن تفقد زمام التسلسل السردي، تحتاج الرواية الى طول نفس وصبر وأن يستعد القارىء نفسيا لخوض رحلة مرهقة وقوية للغاية وممتعة أيضا للغاية، احمد سابق بالنسبة لي، روائي من طراز فريد، لا يشبه أحدا ولا أحد يشبهه، لغته قوية، اللفظ في مكانه، ومعانيه متخليه تماما عن الفزلكة والغموض والضعف، رواية قوية ودقيقة كالرصاصة
***
في صبيحة الخامس والعشرين من مارس، وبعد مرور شهر واحد على أحداث «فبراير الموت»، شنت الطائرات الحربية الأمريكية حملة مكثفة وواسعة النطاق على مصر. خلال خمسين يومًا، وجَّهت القوات الجوية الأمريكية أكثر من مائة ألف هجوم جوي، أُلقيت خلالهم على المدن والصحاري المصرية قرابة المائة ألف طن من المتفجرات. قبل انتهاء الأسبوع السابع من الحملة الجوية، بدأت القوات البرية الغازية توغلها في الأراضي المصرية، ومالت على المدن والقرى فدمرتها تدميرًا. استوعبت العمليات القتالية الرئيسية تسعين يومًا بالتمام، وكانت في حقيقتها، ورغم كثافتها وضراوتها، عمليات قتالية تقليدية، فرقت شمل المقاومين وفَرَطَت تدبيرهم وأهلكتهم، وجعلت البلاد بأسرها دَكًّا. أُطلِق على الغزو الاسم الرمزي «عملية صواعق الرعب»، وكان اسمًا على مسمى. على مدار الأعوام التالية، لم تنقطع صواعق الويل والهلاك عن العصف بأنحاء وادي النيل وأهله، فتبدَّلت الأرض، ومُسِخَت صور الخلائق، وادهامت دنيا الناس مدى الدهر. لم يكن الغزو نهاية مبرمة، بل بداية خَلَّاقة، غيرت وجه الحياة في الوادي، وأوجدت واقعًا غريبًا، مشحونًا، وأرضًا جدباء، قاسية، لم ير المصريون مثلها من قبل

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا