أرض الإلــــه


سمنود .. معبد الأسوار السبعة .. 250 عاما قبل الميلاد .. السنة الخامسة و الثلاثين لحكم فيلادلفيوس ( بطلميوس الثاني ) .. رغم الصيف القائظ تراكمت السماء بالغيوم الداكنة ثم انهالت الأمطار ، غزيرة صاخبة مصحوبة بهزيم رعد يصم الآذان .. حتى امتلأت تجاويف الأرض ببرك صغيرة و لمعت أحجار المعبد العتيق في بهاء و رهبة .. الطقس المباغت لم يمنع الكهنة الحفاة حالقي الرؤوس و الأجساد من التراكم في بهو الأعمدة .. تبللت أرديتهم الكتانية حتى لاحت الجلود تحتها و ارتعشت الأطراف في وجل .. تتردد أعينهم بين السحاب المركوم و بين الباب النحاسي الكبير لقدس الأقداس الباب الذي لم يكن ليترك مواربا .. فهو إما مغلق لأن المكان خال .. أو مغلق لأن كاهن المعبد بالداخل .. يتولى بنفسه حفظ المتون المقدسة في الرفوف .. حرق البخور ، و دهان التمثال الكبير بزيوت اللوتس و اللبان و المسك .. ذلك التمثال الذي نحتته الملائكة تكريما للمعظم ثلاث مرات ( إدريس ) ، رجل حاز المُلك و الحِكمة و النبوَّة ، علم الجيبتيين الزراعة و الغزل ، الصلاة على الموتى ، و جعَل من رؤية الهلال و فيضان النهر عيداً .. كما علمهم قراءة النجوم و الأبراج و الكتابة بالقلم ، في لغة لم يُر لها مثيل بين البشر من قبله .. انقضت دقائق و القلق ينهش الكهنة المتزاحمين ، مستقر في صدورهم أن أمرا جللاً سيحدُث ، حتى كسر الجُمود ( كاي ) .. فتى من قرية مجاورة و هبه عمه للمعبد بعد وفاة أبيه .. تربَّى بين جنباته ككاهن ( مُطَهَّر ) يُعنى بشؤون النظافة و السقاية ، ثم تعلم الكتابة حتى بلغ مرتبة كاهن ( مُجَنَّح ) وُضِعت على رأسه ريشتا التحليق في العلم الإلـهي و اطلع على أسرار الحروف بعد صَوْم عن الكلام تَرَك في عينيه ثَبَات العارفين .. تقدّم ( كاي ) فالتفَّت الأعين و تعالت الهمهمات قبل أن يرتفع صوت : ــ لَسْتَ مُخَوَّلا بالدخول دون إذن .. ستجلب علينا لعنة لننتظر عودة نائب الكاهن .. رَفَعَ ( كاي ) سبابته للسماء : ــ مَطَرٌ غَزِيـرٌ في صيفٍ عقيمٍ .. باب قدس الأقداس مُوارب .. و الكاهن الأعظم لم يخرج لصلاة منذ الفجر ! .. ارتفع صوت ثان : ــ لعله يتأمل .. تبعه صوت آخر : ــ أو صعد إلى السماء ليقابل رب الأرباب .. ــ أو لعل مكروها أصابه قالها ( كاي ) فسَادَ صمت ، ثم أردف : ــ سَأتَحَمَّلُ العَاقِبَةَ وَحْدِي
***
سَتُصْبِحِينَ أَرْمَلَةً .. وَ كُلُّ صَوْتٍ مُقَدَّسٍ سَيُجْبَرُ عَلَى الصَّمْتِ .. وَ تُصَابُ مَعْرِفَةُ الرُّوحِ الخَالِدَةِ بِالإِنْكَارِ وَ السُّخْرِيَةِ من تنبُّؤات المُعَظَّم ثلاث مرَّات إدريس .. عن أرض إيجيبت

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا