الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع

من أجل قلب وحيد
The Loner’s Guarded Heart

الكاتبة : ميشيل دوغلاس
-------------------
الملخص
------------
تأثرت جوزي لأن إخواتها نظموا لها عطلة كانت بأمس الحاجة إليها . ولكن المشكلة الوحيدة أن مكان العطلة لم يكن في كوخ يقع في مكان معزول هادئ في أستراليا . وكان جارها الوحيد رجلاً كتوماً وجذاباً بشكل كبير اسمه كينت بلايك. بسبب مأساة عائلية عزل “كينت” نفسه عن العالم . لم يكن بإمكان جوزي المساعدة ولكن هذا الرجل الوحيد أثار اهتمامها وبسبب شخصيتها الدافئة الحيوية عزمت على نزع القفل الحديدي الذي يحيط بقلبه
---------------------------
الفصل الأول : عطلة في لا مكان
---------------------------
-مرحباً؟
أنحنت جوزي بيترسون ونادت من النافذة المفتوحة جزئيا قبل أن تطرق مجدداً الباب. ما من حركة أو صوت بل صمت مطبق. تراجعت إلى الخلف وهي تعض شفتها وراحت تتأمل واجهة المنزل الريفي. ألواح خشبية مطلية بلون أبيض ناصع، وقد علقت على النوافذ ستائر قطنية مخططة باللون الرمادي. رمادي؟ وتصاعدت تنهيدة من أعماقها فقد ملت اللون الرمادي وهي تريد كشاكش وألوان. أرادت مرحا وخيالاً. شعرت ياللون الرمادي وهو يحاول أن يثقل كاهلها فانتفضت وابتعدت محاولة استيعاب المشهد من حولها. كانت الممرات مكنسة، والمرجات مشذبة ومعتنى بها، لكنها لم تر أي مساكب تخفف رتابة المنظر وتناسقه ولا حتى حوض أزهار. تاقت جوزي في هذه اللحظة لرؤية وردة زاهية واحدة.
قامت ستة أكواخ خشبية بمحاذاة المنحدر بعيدا عن المنزل. لم تلاحظ أي حركة ولم يطالعها ما يؤشر إلى وجود سكان هنا. فما من سيارات، وما من مناشف معلقة على الشرفات، وما من دراجات هوائية. ما من أناس هنا. كان العشب حول الأكواخ أخضر ومجزوزا ما يعني أن شخصا ما تكبد عناء صيانته والحفاظ عليه. ليتها تجد هذا الشخص أو الأشخاص! كان المشهد الممتد أمامها خليطا رائعا من العشب الذهبي اللون، وأشجار المطاط الخضراء الداكنة ووميض نهر فضي اللون أحاطه نور شمس بعد الظهيرة بهالة ناعمة. واضطرت جوزي لأن تقاوم رغبتها السخيفة في أن تبكي. ما الذي خطر لمارني وفرانك بحق السماء؟
وذكرت نفسها وهي تنهـار على أعلى درجات السلم وتسند ذقنها براحتيها بأنها من قال إنه يحتاج لشيء من السكون والسلام. لم تلاحظ وجود أي مساكن أخرى من حيث جلست على الشرفة الأمامية للمنزل، وخبأت وجهها بين راحتيهـا وأن مارتي وفرانك يعرفانها بما يكفي ليدركا أنها لم تعني هذا بكلامها لم تكن ترغب في هذا النوع من السلام والسكينة الذي يجعل المرء بعيدا عن الحضارة إلى حد إنعدم معه إرسال الهاتف الخلوي أرادت أن ترى أناسا. أرادت أن تستند إلى الخلف وتغمض عينيها وتسمع الناس من حولها يضحكون ويعيشون.. هذا يكفي إنه الشيء الوحيد اللطيف الذي قدمه لها مارني وفرانكي منذ... راحت أن تتذكر لكن ذهنها أبى أن يسعفها. حسن، لعل شقيقيها ليسا من النوع الذي يعبر عن مشاعره، لكن إرسالها في إجازة، مبادرة لطيفة منهما. فهل تنوي إفساد هذه الإجازة بالانتقادات ونكران الجميل؟ قد يقدم البعض على ارتكاب جريمة ليكونوا مكانها. وكثيرون هم من قد يرغبون في تمضية شهر في هذا الوادي الرائع من ريف مقاطعة نيوساوث وايلز من دون عمل.
تلفتت من حولها بحزن وكأبة، وتمنت لو يغطي هؤلاء الناس تلال هذا الوادي في الحال. نفضت الغبار عن يديها وهبت واقفة. ستستفيد من هذه الفرصة إلى أقصى حد. تشير خارطتها إلى وجود مدينة على بعد بضعة كيلومترات، ويمكنها أن تزورها متى شاءت. ستقيم صداقات. لكنها متعبه الآن، وهذا جل ما في الأمر. الوصول إلى هنا تطلب منها الكثير من الوقت، وربما هذا ما جعل مالـك الأرض يتخلى عنها . تساءلت أي نوع من الناس يختار أن يعيش وحيداً في مثل هذا المكان. وتمنت أن يكونوا من النوع الذي يحب أن يتحدث حول فنجان من الشاي وطبق من البسكويت. ستؤمن جوزي البسكويت. واعتمل نفاذ الصبـر في داخلها، فهزت كتفيها وضربت الأرض بقدمها وأخذت نفسا عميقا لتملأ رئتيها من هواء هذا الوقت المتأخر من العصر. لم تتمكن من تحديد هذه الروائـح الجافة والمحملة بالغبار التي دخلت إلى رئتيها والتي تختلف تماما عن الهواء الرطب والمثقل بالملح الذي اعتادته في موطنها. وتقلصت معدتها مجدداً بسبب هذا الإحساس الجديد غير المألوف. إنها لا تتتمي إلى هذا المكان. -هذا هراء.
وحاولت أن تضحك لتطرد هذه الفكرة الغريبة، لكن شوقا عظيما إلى موطنها ومنزلها تفجر في داخلها. وعادت الكآبة تكتسحها أكثر فأكثر فنزلـت الدرجات الثلاث وسارت في الممر المرصوف. استدارت عند أول منعطف ثم مرة أخرى. وافترضت أنها تستطيع أن تتحقق من الجهة الخلفية للمنزل، فلعل مالك الأرضى يعمل في... سقيفة أو خيمة مزروعات أو ما شابه. في لهفتها لرؤية وجه ودود، سارعت جوزي الخطى لتفتح البوابة. تلمست أصابعها المزلاج وقد تصاعدت الحاجة في داخلها، الحاجة إلى رفقة، الحاجة إلى التواصل مع شخص ما. وأخيراً، انفتحت البوابة لتكشف عن حديقة مرتبة. وهنا أيضا لم تر أحواض زهور أو مساكب تكسر الرتابة، لكن العشب الأخضر كان مجزوزاً وقصيراً وأطرافه محددة.
كان السياج مطليا باللون الأبيض ليتماشى مع المنزل فيما انتصب منشر الغسيل الدوار في وسط المكان، منشر من حديد، قديم الطراز كـذاك الـذي تملكه جوزي فى منزلها هذا المشهد الواقعي المألوف طمأنها، فحدقت في سروال الجينز الباهت اللون. والقميص الازرق والسروال القصير الكحلي وأدركت أن مالك المكان رجل. لم لم تعرف اسمه من مارتي أو فرانك؟ علما أن الأمور سارت بسرعة فائقة، فاجآها بعرضهما هذا الليلـة الماضية وأصرا على أن ننطلق مع بزوغ فجر هذا اليوم. ما حصل للسيدة بنغلي حسم مسألة الانطلاق باكراً أيضاً. وعضت جوزي شفتها. ربما ما كان عليها أن ترحل بل أن تبقى هرير منخفض وشرير جعلها تجمد مكانها، وسرت قشعريرة باردة على طول عمودها الفقري وفي فروة رأسها. أرجوك يا إلهي، لا!
لم تر يافطة (حذار الكلب) على البوابة حين دخلت. كانت لتراها لو وجدت فهي تنتبه لمثل هذه التفاصيـل، تنتبه إليها انتباهاً شديداً ،وتعالى الهرير مجدداً، فانتفض قلب جوزي بشدة بين ضلوعها حتى خيل إليها أنه قد يتمزق قطعا قبـل أن يقترب الكلب منها. وراحت ركبتاها ترتعدان. -كلب لطيف. حاو لت أن تتكلم لكن لسانها التصق بأعلى فمها، ما جعل كلماتها غير مفهومة ورد عليها الكلب بالهرير مجددا. ..لا، هذا ليس بكلب لطيف رغم أنه ليس ضخما جداً لكنه كبير بما يكفي وقد كشر عن أنياب شريرة. واستطاعت أن تتخيل كيف يمكن لهذه الأنياب أن تمزق اللحم يسهولة. وتراجعت خطوة فتقدم الكلب خطوة. وتوقفت فتوقف.
راح قلبها يتخبط بقوة آلمتها. شعرت بأنها ستنهار أرضا لكنها رفضت أن تزيـح عينيها عن الكلب الذي يحدق فيها. أحنى رأسه وكشر عن أنيابه مجدداً واقشعر شعر ظهره كله تأهبا. كل ما في داخل جوزي صبا نحو البوابة والحرية لكنها أدركت أنها لن تتمكن من الوصول إليها فالكلب سيصل إليها قبل أن تقطع نصف المسافة. وتلك الأنياب... ابتلعت بريقها وتراجعت خطوة أخرى إلى الخلف. وبقي الكلب مسمراً في مكانه. تراجعت خطوة أخرى ولم يتحرك الكلب لكن شعر ظهره بقي مقشعراً واندفعت جوزي جانبا وهي تطلق صوتا كالنشـيج وتمكنت بطريقة ما من أن ترفع نفسها وتتسلق حتى وصلت إلى أعلى منشر الغسيل الدوار. صاحت بأعلى صونها: “النجدة!”.
ودغدغ شيء ما وجهها فرفعت يدها لتتخلص منه. شبكة عنكبوت! حاولت أن تزيلها لكنها التصقت بوجهها وعنقها. وكانت هذه هي القطرة التي جعلت الـكأس تفيض، فانفجرت جوزي بالبكاء اتخذ الكلب له موقعا تحتها مباشرة، ورفع رأسه نحوها أخذ ينبح، ما جعل جوزي تبكي أكثر فأكثر . - ما الذي يجري...؟ إنه إنسان. حمدا لله! وأخيراً وجه ودود. التفتت نحو الصوت. فكادت تقع عن منشر الغسيل من شدة ارتياحها وراحت تحدق فيه.
كاد قلبها يتوقف عن النبض. ثم سقط من صدرها وانبطح أرضا لاهثا، متخبطا أشبه بسمكة تلفظ أنفاسها. أهذا هو الوجه الودود؟ لا !! وهزتها موجة جديدة من الدموع. وعاود الكلب نباحه الحزين. -حبا بـ... حملق الرجل فيها، وغير وقفته واضعاً يديه على وركيه النحيلين كما لاحظت رغما عنها. ⦁ لم بحق السماء تبكين؟ كانت لتتخلى عن مشهد هذين الوركين النحيلين وهذه القامة الرجولية لقاء بسمة واحدة. لكنه لم يبتسم. حدقت في وجهه القاسي الذي يبدو وكأنه منحوت من الصخر وشكت في قدرة هذا الرجل على الابتسام. لم تجد في تعابير وجهه اى تفصيل ودود ولم تر فى عينيه أي ذرة دفء أو رقة. ، فهذا ليس بالرجل الذي يمكـن أن يأخذها تحت جناحه. وتصاعد خرير هستيري في حنجرتها.
-هل أنت مالك المكان؟ ضاقت عيناه وأجابها بسؤال: “هل أنت جوزفين بيترسون؟!”. أومأت برأسها إيجاباً. فعبس وقال: "نعم. أنا كينت بلاك”. ولم يمد يده ليصافحها، لكنها أقرت أن المسألة قد تكون صعبة نظراً لأنها عالقة على منشر الغسيل. ـ سألتك لم تبكين؟ كان السؤال ليبدو ودياً لو طرحه شخص آخر إنما ليس كينت بـلاك. على أي حال، خطر لها أن السؤال الأكثر إلحاحا هو "ماذا تفعلين على منشر غسيلي بحق السماء؟”.
-حسن ؟ وتململ مجدداً وبدل وقفته على تينك الساقين الطويلتين والنحيلتين. فانفجرت تقول بصوت هستيري: "لم أبكي؟ انفتحت شفتاه لتخرجا كلمة واحدة قبل أن تطبقا مجددا: "نعم” وارتفع صوتها أكثر: “لم أبكي؟ سأخبرك لما أبكي. أنا أبكي بسبب... حسنا انظر إلى هذا المكان”. ورفعت يدها مشيرة إلى المشهد من حولها: “إنها آخر الدنيا”.

تحميل الرواية من هنا

الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع