الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع

كأنهما غريبان
Public Wife, Private Mistress

الكاتبة : سارة مورغان
-------------------
الملخص
------------
هناك امرأة واحدة فقط قادرة على مساعدة شقيقة ريكو كريسانتي المريضة. إنها زوجته التي هجرته، آنا ستاسيا. طلب ريكو من ستاسيا أن تتصرف في العلن كزوجة مثالية ووفية أما حين يكونان بمفردهما فعليها أن تقوم بواجباتها تجاهه على أكمل وجه. ومع هذا، لم يفكر لحظة أنه سيصبح متعلقاً بها بشكل لا يصدق. لكن ستاسيا تعلم أن عليها الأبتعاد من جديد ما إن تشفى شقيقة ريكو. هل سينتهي دورها عندها كزوجة لريكو بعد ذلك! ستكون له في كل لحظة من وقتهما معاً، ولكنه لا يستطيع أن يشتري حبها
------------------------------
الفصل الأول : من أجلها فقط
------------------------------
_لن تموت !
حدق ريكو كريسانتي,البليونير ورئيس مؤسسة كريسانتي بحزن من خلال الزجاج الفاصل بين الغرفة التي اجتمع فيها اقاربه وغرفة العناية المركزة ,غافلا عن نظرات الممرضات العاملات في الغرفة . انه معتاد على تحديق النساء المستمر به,وهو يلاحظهن احيانا,ويغفل عن ذلك في احيان اخرى,كما هو الحال اليوم. تركزت نظراته على جسد الفتاة المستلقية فوق السرير,والمحاطة باالاطباء وبالالات الحديثة. خلع سترة بذلته منذ برهة ,ورماها على احد المقاعد بلا مبالاة ,وهاهو الان واقف وعلامات التوتر بادية عليه بوضوح,وقد رفع كمي قميصه الحريري كاشفا عن ساعدين برونزيين,فيما غطت لحيته السوداء فكه الحازم,ماجعله يبدو كقاطع الطرق اكثر منه رجل اعمال ناجح.
بالنسبة لرجل مثل ريكو,مندفع حيوي ومعتاد على السيطرة والقيادة ,لانتظار هو اسوا انواع العذاب . مهما كان سبب ذلك الانتظار فهو ليس معتادا عليه,انه يسعى دائما الى حل مشاكله بسرعة لكنه وللمرة الاولى في حياته,يكتشف ان هنالك اشياء ليس بمقدوره السيطرة عليها,اشياء لايستطيع شراءها بالمال,مثل حياة اخته المراهقة. اطلق ريكو شتيمة بصوت غير مسموع ,مقاوما ثورة غضبه ومحاولا السيطرة على نفسه حتى لايلكم الزجاج بقبضته. امضى اسبوعين في المستشفى لم يشعر مرة بالياس والعجز عن حل شكلة واجهته كما يشعر الان. سد اذنيه حتى لايسمع تنهيدات امه وجدته وعمته وابنتي عمته,ووقف محدقا بقوة وبصمت يائس الى الوجه الجامد امامه,وكان قوة شخصية كافية لايقاظ اخته واخراجها من حالة الغيبوبة تلك.
لابد من وجود شيء يستطيع القيام به,وهو الرجل الذي لطالما استطاع ايجاد الحلول لكل المشاكل ,ورفض الاستسلام امام اي ظرف من الظروف. اخذ نفسا عميقا محاولا التفكير بوضوح,لكنه لم يتمكن من ذلك,فقلة النوم والحزن والقلق اثرت على تركيزه وتفكيره,بالاضافة الى ان الخوف الدائم على مصير اخته سبب له خدرا في عقله,اصبح من الصعب التخلص منه مع مرور كل ساعة من الوقت . حاول جاهدا استعادة تركيزه,فتنفس بعمق وهو يمرر يده فوق مؤخرة عنقه,ضاغطا بقوة على اسنانه لدى اطلاق امه تنهيدة يائسة. بدا صوتها اشبه بسكين حاد يخترق قلبه,انها المرة الاولى في حياته التي يدرك فيها معنى الياس الحقيقي. ارسل في طلب واحد من افضل جراحي الاعصاب,فقدم هذا الاخير بالطائرة لاجراء العملية الجراحية لشيرا,كي يخفف عن دماغها الضغط الذي سببه النزيف.
باتت اخته الان قادرة على التنفس من دون الاستعانة بااالالات مع ذلك مازالت غير قادرة على التعافي والنهوض من الفراش. مازالت حياتها تتارجح بين كفتي ميزان ,ولااحد باستطاعته التنبؤ بما سيحصل لها. كما ان احدا لايستطع لاجابة عن هذا السؤال :هل ستبقى على قيد الحياة ام ستموت ؟وان بقيت شيرا على قيد الحياة فهل ستحيا مع اعاقة دائمة,ام انها ستستعيد حياتها السابقة قبل سقوطها عن ظهر الحصان؟ اطلق ريكو شتيمة اخرى وهو يمرر اصابعه القوية في شعره,بدا ذلك بالنسبة له اصعب مايمكن للمرء ان يمر به,ويضطر الى التعايش معه. المه هذا الاحساس الدائم بعذاب الانتظار لاسيما وهو يرى امه تتعذب وتذوي امام عينيه,وتعيش شعورا دائما من الشك والخوف على حياة ابنتها ,وقد تزايدت الظلال السوداء تحت عينيها,فيما هي مجبرة ان تسال نفسها ان كان هذا اليوم وهو اليوم الاخير لابنتها الوحيدة على قيدة الحياة.
فجاة سخر ريكو من ضعفه,ولو لم يكن مرهقا لضحك من حماقته وجهله بصوت عال,هل اعتقد حقا ان باستطاعته السيطرة على القدر؟
القسم الذي اقسمه ريكو لوالده واعدا اياها ان يهتم بعائلته ,ويرعى شؤونها اصبح فجاة فارغا لاقيمة له. مااهمية الامبراطورية التي شيدها؟مااهمية نجاحه الذي استخدمه لبناء الامبراطورية لتبقى بعيدة عن الهزات المالية؟عبر مشوراه الطويل بدا يعتقد ان ليس هناك من شيء لايستطيع السيطرة عليه,او لايستطيع القيام ب اذا اتخذ قرارا بشانه,ربما كان ريكو بحاجة الى هذا الحادث ليتذكر انه مهما بلغت ثروته ,فلا شيء يحيمه من سلطة القدر. احساسه بياس كبير لعدم قدرته على القيام باي شيء,دفعه الى فك زر اخر من ازرار قميصه الحريرية باصابع متوترة,فيما اخذ يذرع الغرفة ذهابا وايابا بخطوات واسعة,الا ان ذلك لم يجعله يشعر بالارتياح . لاول مرة مذ كان طفلا شعر بالدموع الحارة تلسع عينيه,وتهدد تماسكه الجليدي بالانهيار. لعن ريكو ضعفه مغمضا عينيه,وراح يحف انفه باصابعه الطويلة وادرك انه لن يتمكن من مساعدة احد,اذا ماسمح لنفسه بالاستسلام والانهيار. بدا افراد العائلة متوترين واعصابهم مشدودة ,وهم متمسكون بخيط وراء الامل يستمدونه من هؤلاء الاطباء المقطبي الوجوه.
لكن ريكو مازال مصدر القوة بالنسبة لهم,وهو الصخرة التي يتكون عليها,اذا ما شعر باالاستسلام والرغبة بالبكاء كاالاطفال,ستنهار معنويات العائلة باسرها,وتنهار معها لعبة الامل التي يتشاركونها كلهم. بدلا من ذلك,حدق ريكو بصمت حزين بجسد شقيقته الجامد الملئ بالجروح,متمنيا ان تستيقظ. فتح الباب من جديد,وهذه المرة خرج الطبيب المعالج بصحبة عدد من الاطباء الاصغر سنا. ركز ريكو انتباهه على الطبيب المسؤول,وقد شعر من خلال ملامحه ان هناك اخبارا جديدة يود اطلاعه عليها فجاة شعر ريكو بالخوف من طرح السؤال الذي لابد منه. انه يشعر بالتوتر بسبب قلة النوم بل بسبب م هو اسوا من ذلك بكثير الا وهو الخوف من سماع اخبار سيئة. قال بنبرة حادة: _هل هناك اي تبدل في حالتها .... اي تحسن ملحوظ؟ _قليلا هناك مؤشرات تدل على بعض التحسن في وظائفها الحيوية وقد استعادت وعيها لبرهة قصيرة.
بدا الطبيب قلقا من رهبة الرجل الواقف امامه لكنه تابع بهدوء: _لقد تكلمت . _هل تكلمت ؟ماذا قالت؟ شعر بالارتياح يتسلل الى عروقه للمرة الاولى منذ ايام وكان الثقل الذي يرزح تحته اصبح اقل وزنا. هز الطبيب راسه مجيبا: _من الصعب فهم ماقالته,لكنه احدى الممرضات تعتقد انها ذكرت اسما ما. ثم جال بنظرة على افراد العائلة سائلا: _ستاسيا ؟بدا لها كاسم ستاسيا,ايعقل ان يكون كذلك؟
تجمد ريكو في مكانه للحظة,غير قادر على الاجابة من هول الصدمة ,بينما اصدرت امه وراءه شهقة مرعبة,فيما بدات جدته بالعويل. ضغط ريكو على اسنانه محاولا التخلص من تلك الاصوات انه مستعد للقيام باي شيء ليتخلص من هذا الوضع المهين لعائلته ولحياته خاصة,لكنه يعلم ان لاخيار اخر امامه في الوقت الراهن. انهم هنا من اجل شيرا,لكن لسوء الحظ تصرفاتهم الهستيرية واضطرابهم العاطفي صعب عليه الامر بدل تخفيفه. اما الان بعد ان ذكر اسم ستاسيا ,فلا بد ان الوضع سيسوء اكثر وبسرعة اكبر. مجرد ذكر اسمها كاف لاحداث انفجار وسط عائلته وفي احاسيسه ايضا,اغمض عينيه للحظة ,اخته تصارع بين الحياة والموت,ويبدو ان القدر مصمم على بذل المزيد من الجهد لتدميره,هو ليس بحاجة الى التفكير بستاسيا وسط هذه البلبة!
قال الطبيب موضحا بصوت هادئ : _حسنا! مهما كان الامر,هل يمكن احضارها الى المستشفى.؟ تجاهل ريكو انين امه الرافض ,واجبر نفسه على التركيز على القضية الاساسية شفاء اخته,بصعوبة تمكن من لفظ كلماته: _هل سيشكل ذلك فرقا؟
اجاب الطبيب: _هذا ممكن من الصعب التاكد من ذلك لكن الامر يستحق المحاولة ,هل الاتصال بها ممكن ؟المسالة هامة جدا ولن تتم من دون تضحية عاطفية.
نهضت الام على الفور,وقد بانت على وجهها ملامح الغضب والالم معا صاحت بقوة : _لا!لا لااريدها هنا !انها........ _كفى ! شعر ريكو بموجة الفضول التي سرت بين افراد الفريق الطبي,فاسكت امه بنظرة واحدة من عينيه السوداوين البارتين. لطالما ازعجهم تعقب الصحافة العالمية وتخييمها امام ابوابهم ومراقبة كل ساعة حياتهم الخاصة,بالاضافة الى مصادر الثرثرة والاشاعات الاخرى. ستاسيا !ّ ياللسخرية !بعدما اصبحت العلاقة بينهما شبه منتهية,اعتقد ريكو ان لاشيء سيدفعه لالقاء نظرة واحدة على زوجته من جديد.
خلال الاشهر القليلة الماضية عمد فريق المحامين لديه الى العمل الدؤوب على صياغة اتفاق الطلاق الذي اراده عادلا وكافيا لابعاد ستاسيا عن حياته,كي يشعع انه قادر على الزواج مجددا. هذه المرة سيتزوج من فتاة ايطالية لطيفة ولينة وتفهم مامعنى ان تكون زوجة لرجل ايطالي تقليدي,لافتاة انكليزية حمراء الشعر مندفعة وقوية,لاتعرف شيئا عن الطاعة الزوجية . اخذ ريكو نفسا عميقا ماان تراءت له صورة ستاسيا المشاكسة الجميلة ,حتى شعر على الفور بشوق اليها سرى في كل انحاء جسده. مر عام على مواجهتهما الاخيرة المؤلمة ,وعلى الرغم من الظروف المشينة لابتعادهما مازال يشتاق اليها بياس لايوصف . انه لايثق بردة فعله لدى رؤيتها مجددا,فهي مازالت تؤثر في احكامه,الا انه لايريد الاعتراف بهذا الامر حتى لنفسه. بالرغم من كل ماقامت به,تبقى ستاسيا بالنسبة اليه كالادمان ,ومجرد رؤيتها مجددا تجعله بعيدا كل البعد عن المنطق. تعلم خلال السنة الماضية كيف يكرهها,وكيف يراها على حقيقتها انها غلطة حياته! سار ريكو من جديد نحو الزجاج الفاصل ,نظر بصمت حزين الى حيث تتمدد اخته فيما ظهرت الملامح الكئيبة بوضوح على وجهه الوسيم وهو يحاول مراجعة خياراته المحدودة . اخيرا توصل الى الاستنتاج البغيض ,وهو ان حاجاته ورغباته ثانوية امام قضية شفاء اخته لذلك سوف يجبر نفسه على رؤية ستاسيا من جديد.
رغب بشدة في وضع حد نهائي لزواجهما من خلال محاميه,وما من سبب يمنع حدوث ذلك الان. هذا مااكده لنفسه بسرعة ,ما سيحدث لاحقا هو مجرد اجراء مؤقت. بامكانه احضارها الى هنا من اجل اخته,وبعد ذلك سيعمل على ان تعود الى بلادها في اسرع وقت ممكن,من المحتمل ايضا ان يتجنبا رؤية بعضهما البعض,والا يتحدثا الا قليلا,هذا يناسبه بالتاكيد ,اذ لارغبة لديه في تمضية اي وقت مع تلك المراة. ابتسم ريكو بضيق فهو يعلم ان ستاسيا ستلاحظ سخرية الوضع.ستاسيا الساحرة غير التقليدية ,المراة التي لم تحظ يوما برضى العائلة كزوجة مثالية لرجل صقلي ,حتى انها لم تكن بمستوى توقعات ريكو نفسه.
لقد اعطاها كل شيء وقام بكل مايقوم به اي زوج حريص على حياته الزوجية,بالرغم من ذلك لم يكن ذلك بالنسبة لها. اصدر الطبيب همهمة فتحرك ريكو متخذا القرار الوحيد الذي يمكنه اتخاذه الان. _سارسل في طلبها على الفور. استدار ريكو لمواجهة جيو,رئيس فريق الحراسة الشخصية التابع له واضاف قائلا: _اتصل بها وقم بالترتيبات اللازمة لتاتي الى هنا على الفور. لاحظ نظرة الدهشة على وجه الرجل الذي عرفه منذ طفولته,وسمع شهقة الصدمة التي اطلقتها امه,فصر على اسنانه حتى كاد يكسرها ,وهو يحاول التصارع مع الموقف الذي سيقدم عليه والذي وعد نفسه انه لن يضع نفسه فيه ابدا. وهو المواجهة مع ستاسيا قريبا سيضعها وراءه اقسم لنفسه بذلك,يوما ما سيتمكن من التفكير بها دون ان يشعر باية ردة فعل نحوها,كلما كان هذا اليوم قريبا كان ذلك افضل.
***
وضعت ساسيا اللمسات الاخيرة على اللوحة امامها,تراجعت الى الوراء ثم رمقتها بنظرة ضيقة,وهي تهز راسها علامة الرضى اخيرا اصبحت اللوحة جاهزة ,لابد ان مارك سيسعد بها.
بعد القاء النظرة الاخيرة على اللوحة ,بدات بتنظيف الفرشاة وهي تسير بعيدا عن محترفها متجهة نحو المطبخ. اشعلت النار تحت ابريق الشاي ثم مدت يدها نحو كومة الرسائل البريدية التي كانت قد تجاهلتها خلال الاسبوعين الماضيين اثناء تركيزها على لوحتها,وراحت تقلب الرسائل. مالبث هاتفها النقال ان بدا يرن علمت ان الاتصال من امها ,فاجابت على الفور سائلة :
_كيف تسير الاعمال؟ _مشرقة ودائمة التالق. سمعت صوت امها المليء بالحيوية والاثارة والثقة,نجحت ميلز بالتخلص من الحالة المرعبة والتصرف الجبان اللذين كانا يسيطران عليها بعد تخلي والد ستاسيا عنها والرحيل مع شقراء تبلغ نصف عمره,منذ ست سنوات. عضت ستاسيا بقوة على شفتها محاولة عدم تذكر ذلك الوقت الكريه. يومها كانت في سنتها الجامعية الاولى ,وان كانت بحاجة الى برهان واضح على ان الاعتماد على رجل ما اي رجل ليس بفكرة جيدة,فقد حصلت على البرهان بطريقة لايمكنها نسيانها ابدا. لطالما اعتمدت امها على ابيها في كل شيء ,وعندما تركها ورحل وجدت نفسها غير قادرة مطلقا على الاستمرار,كما فقدت كل ايمان لها بنفسها. احتاجت الى ابنتها لتؤكد لها انها تعرف الكثير عن القطع الفنية القديمة,ساعدتها ستاسيا لتضع هذه المعرفة في حقل الاعمال من خلال فتح متجر صغير لبيع القطع القديمة .
شيئا فشيئا توسع عملها,ولم تعد امها تبيع القطع الاثرية فقط,بل اصبحت تقدم النصائح للزبائن في كيفية اختيار اثاث منازلهم,منذ ستة اشهر وبفضل قرض مالي كبير في حقل الاعمال,تمكننا من توسيع تجارتهما واصبح العمل اكثر انتاجية واكثر شهرة. قالت امها بمرح وحماس: _علينا استخدام موظف لمساعدتنا ستاسيا,انا مضطرة الى الذهاب في رحلة لشراء بعضض الاشياء الضرورية,كما انني مدعوة الى منزل احدى العائلات الهامة في يوركشاير لتقديم النصائح في موضوع تجديد بعض القطع الفنية القديمة ,وانت تعلمين انني لااستطيع اقفال المتجر ,فالناس ياتون لزيارتنا من كل انحاء البلاد.ليس من العدل ان يجدوا المتجر مقفلا,انت منشغلة جدا بالرسم ولايمكنك المساعدة. ابتست ستاسيا من الرائع ان تسمع امها تتحدث بمثل هذا الحماس والنشاط.
قالت بمرح وهي ترمي بمجموعة الرسائل التافهة في سلة المهملات: _انت من يدير العمل امي وظفي من تشائين بالمناسبة انتهيت من رسم اللوحة ,بامكان مارك اخذها ساعة يشاء. _رائع !ساخبره بهذا ان رايته قبلك,كيف حالك حبيبتي؟هل تاكلين جيدا؟ _بالطبع امي !انا بخير حقا. انها تكذب بالطبع ! لم تكن ستاسيا تاكل بشكل جيد طوال السنة الماضية انها ممزقة عاطفيا منذ غادرت ايطاليا لدرجة ان الطعام لم يعد مهما بالنسبة لها ,لكنها لاتريد اثارة قلق امها. تنهدت امها قائلة: _هذا يعني انك مازلت تذوين على ذلك الشاب الصقلي.
تبدلت نبرة صوتها لتصبح غاضبة وهي تتابع: _ساسديك نصيحة ستاسيا!الرجال امثاله لايتغيرون ابدا,كان علي معرفة ذلك,عشت مع والدك سنين طويلة وبقي على حاله ,كنت بالنسبة له مجرد ملكية اخرى وعندما شعر بالملل مني لاحق امراة سواي. سمعت ستاسيا صوت سيارة تسير فوق الحفر في الباحة الخارجية للكوخ,فتمسكت بهذا الامر كعذر لتنهي المكالمة مع امها قائلة: _لا يمكنني التحدث الان امي لدي زائر من المحتمل ان يكون مارك قد اتى من اجل اللحة ساتصل بك في مابعد. من دون ان تعطي الفرصة لامها لتعترض انهت ستاسيا الاتصال انها تحب امها كثيرا,لكنها غير مستعدة لخوض مثل هذا النقاش مع اي كان. توقفت السيارة ,فقطبت ستاسيا جبينها انها لاتريد رؤية مارك فهو لم يخف عنها حقيقة انه يريد منها اكثر من اللوحات,وهي غير مستدة لمنحه اي شيء اخر,وربما لن تكون مستعدة ابدا نظرت الى ثيابهاالملطخة ببقع الالوان ,فابتسمت باستياء انها تبدو في حالة من الفوضى العارمة ,لكن ان اصر مارك على القدوم من دون الاتصال مسبقا فما الذي سيتوقعه غير ذلك.؟
توقعت ستاسيا الطرق على الباب قبل حدوثه فتحت الباب الامامي لكنها جمدت في مكانها من الصدمة ماان رات القادم انه اخر شخص توقعت رؤيته .... البليونير ريكو كريسانتي! شعرت بقلبها يترنح,للحظة غريبة اعتقدت انه اخيرا جاء من اجلها,ثم وجهت الحقيقة حين تذكرت ان سنة مرت على فراقهما,وانه يعمل بجهد على انهاء قضية الطلاق. وهذا يعني امرا واحدا فقط:انه اتى الى هنا لسبب مختلف تماما,مهما كان ذلك السبب فهو لايعنيها.
_لا! عبرت ستاسيا عن ردة فعلها بافقال الباب في وجهه,الا ان ريكو اعترضها بسرعة ,من الواضح انه توقع ردة فعلها تلك فور وصوله,فمنعها عن اقفال الباب بحركة سريعة من يده . قال وعيناه السوداوان تحدقان بها بقسوة : _انت لاتجبين على الرسائل البريدية,ولاهاتف لديك,كما انك تدفنين نفسك في هذا المكان النائي ,ويكد يكون من المستحيل ايجادك! _الم يخطر ببالك انني ربما لااريدك ان تجدني ؟لو انني اردتك ان تجدني لتركت لك عنواني.
قالت كلماتها وهي تحدق به بغضب مظهرة عدائيتها السابقة نحوه بقوة وبسرعة ,حتى انها غدت غير قادرة على التنفس بسبب المشاعر القوية التي اجتاحتها. تابعت ومشاعر الغضب تنضح من نبرتها : _لو انني تصورت للحظة انك ستجدني لدفنت نفسي في مكان اعمق. قالت ذلك بنبرة قاسية متمنية لو انها قامت بذلك حقا,لم تفكر ستاسيا مطلقا ان يكون ريكو سياتي يوما باحثا عنها. ليس بعد تلك الاشهر الاولى البائسة من هذه السنة,والتي لم تفعل خلالها شيئا هاما غير التحديق من النافذة الى الخارج ,والامل يملا قلبها في رؤية احدى سيارته الرياضية تقف خارج المكان الذي تعيش فيه في نهاية الامر اعتادت على فكرة انه لن ياتي باحثا عنها.
هذا مابقي عالقا في ذاكرتها ,بعد ان اعتقدت ان الامر انتهى,لكنها اصيبت بانهيار بسبب العاطفة المريرة التي بعثت التوتر في كل ذرة من كيانها,تماما كما كانت تفعل علاقتهما في السابق.
عندما رحلت ستاسيا لم يلحق بها. هذا كل مايمكن ان يقال عن زواجهما القصير الهش. هذا الزواج بالنسبة له لايستحق اي انقاذ فقد كان زواجا كارثيا ,عاهدت ستاسيا نفسها انها لو اغرمت يوما من جديد,فلابد ان يكون حبيبها رجلا انكليزيا رقيقا وهادئا,لارجلا صقليا عديم الرحمة,قاسيا يعتقد انه يملك العالم,نظرته الى النساء تعود الى العصر الحجري ,وهو يعتقد ان المال هو كل شيء . حدقت به ستاسيا بغضب عارم,فانشدت نظراتها الى كتفيه العريضتين وراسه الذي يتحرك بتعال,واللمعان الخطير البادي في عينيه الباردتين القاسيتين. ليس من العدل ان يملك رجل واحد هذه الجاذبية الطاغية,احست بالقلق وهي تحاول بقوة تجاهل دقات قلبها التي تسارعت فجاة .
هي لاتريد ان تتجاوب معه,لان هذا التجاوب هو ما جعلها تتعلق منذ البداية,وجعلها تتجاهل المنطق العقلاني الذي تتحلى به. لكن ريكو كريسانتي ليس رجلا تستطيع النساء تجاهل وسامته الطاغية وهالة السلطة التي يملكها,والتي تحيط به ببساطة وعفوية فالنساء ينجذبن اليه كما تنجذب اسماك القرش الى المياه المليئة باالدماء. اما ستاسيا فتشعر بالضعف امام وسامته وسحره الخاص تماما كالاخريات ,فجاة ادركت ان ريكو يحدق من فوق كتفها مجيلا نظرة في ارجاء الكوخ,رات لمحة من الدهشة تطفو على وجهه الوسيم,فروادها احساس غريب بان تضحك بصوت عالي ريكو كريسانتي البلونير الايطالي ورجل الاعمال الشهير ,الذي يملك عددا من المنازل حول العالم,لم يتواجد يوما في اي مكان مماثل لكوخها الصغير النائي.
في وقت اخر ربما كانت ستسخر منه بسبب ذلك,لكنهما تخطيا مرحلة الممازحة والسخرية من بعضهما ,لطالما كانت جهات نظرهما ومواقفهما من الحياة مختلفة ومتباعدة,فهو يؤمن ان مكان المراة في المنزل,ولاحاجة بها الى الابتعاد عن المنزل,لتكد وتشقى وتواجه الحياة بصعوباتها والامها. قطب ريكو ولمعت عيناه بمزيج من عدم التصديق والدهشة وهو يقول : _ماهذا المكان؟ اختفت على الفور رغبة ستاسيا بالضحك وقالت بضيق: _هذا منزلي ريكو وانت غير مرحب بك. هي ليست بحاجة الى من يذكرها انه لم ير مطلقا الكوخ الذي احبته كثيرا ,بالرغم انهما كانا زوجين فهو لايعرف الا القليل عنها ويعرف اقل من ذلك عن لاشياء التي تهمها فعلا. قامت ستاسيا بمحاولة اخرى عقيمة لاغلاق الباب ,وهي تعلم ان ذلك مجرد مضيعة للوقت ,ريكو رجل فارع الطول وقوي البينة. هي تعلم ان سيارة حراسه الشخصيين مركونة في مكان قريب من هنا,حضورهم الدائم لطالما اثار دهشتها,فما من شخص يتمتع بكامل قواه العقلية يشك بان ريكو غير قادر على الدفاع عن نفسه اذا احتاج الامر لذلك ,فهو يجيد الفنون القتالية ,انه قوي البنية رشيق الجسد وكانه احد ابطال الالعاب الاولمبية. لكن البليونير ورئيس واحدة من اشهر الشركات في العالم الغربي واكثرها نجاحا هو هدف لعصابات الخطف والابتزاز وهو لايرغب مطلقا في جعل الوصول اليه امرا سهلا.
كبت ستاسيا ضحكة هستيرية لو تم اختطافه فهذا يعني انه سيتغيب عن العمل وهذا سيكون تحديا له اكثر من اي نوع من العذاب فهذا الرجل مهووس بالعمل,وهو لايستطيع العيش من دونه. في احد الايام ارادت ستاسيا ان تمازحه فخبات هاتفه النقال,سرعان ماصبح ريكو متوترا,حتى اكتشف المكان الذي خباته فيه. رفعت ستاسيا ذقنها محاولة الا تتذكر تلك الايام الجميلة في علاقتهما ,قبل ان تواجه الواقع. قبل ان يكتشفا انه مامن شيء مشترك بينهما وقالت: _اخبرني...... كيف وجدتني؟ قال ريكو بقسوة : _بصعوبة جمة سببت لي انزعاجا شديدا,وقد اضعت الكثير من الوقت,اثناء حديثنا هذا يقوم قائد طائرتي بمعاينتها وبملئها بالوقود,لانه يجدر بنا ان نكون في الفضاء في غضون ساعة من الوقت فقط.
فتحت فمها وهي تحدق فيه باندهاش تام,تماما كما فعلت عندما راته امام باب كوخها. قائد الطائرة يملا خزان الطائرة بالوقود.....!هما بحاجة للسفر....! ماالذي يقوله بالتحديد؟ _اتعني .....نحن؟ هزت راسها واطلقت ضحكة تخلو من اي مرح قبل ان تتابع: _افترض انك تستخدم كلمة نحن للتفخيم,لايمكن ان تقصد انت وانا. هما لم يتحدثا مع بعضهما البعض منذ سنة,وبالتحديد منذ تلك الليلة التي اتهمها فيها بالخيانة,فواجهته بغضب يقارع غضبه,النار مقابل النار! بعدئذ خرجت غير مهتمة بالدفاع عن نفسها وغاضبة جدا منه الى درجة انها لم تعد تثق بنفسها لتتكلم,ولم تثق بنفسها انها لن تسبب له اذى جسديا .
ان كانت بحاجة الى برهان اضافي على انهما لايستطيعان العيش معا وانهما مختلفان بشكل كبير,فلقد حصلت على ماتريده في تلك الليلة . ظل جزء صغير منها يتمنى ان ياتي في طلبها وان يقاتل من اجل استمرار علاقتهما ,لكن بعد فترة قصيرة اصيب هذا الجزء بخيبة امل. وهكذا لم يريا بعضهما منذ ذلك الوقت,راى ريكو ماراه فاطلق حكمه عليها وانتهت قصتهما. قال ريكو بعد ان نفذ صبره: _في لغتي (نحن)تعني انت وانا بالرغم من انتقاداتك المستمرة لاسلوب حياتي لم افكر مطلقا ولم اعان يوما من اوهام العظمة. اعترفت ستاسيا ان مايقوله صحيح,مع ذلك فهو يعامل في صقلية كانه من السلالة الملكية.
تلك كانت واحدة من النكات التي تضحكهما,سندريلا والامير! لكن لااحد منهما يمزح الان. لماذا يريدها ان تذهب معه؟والى اين ؟كلاهما يعلمان انها لا تتحلى بالصفات التي يريدها في زوجته,مع ذلك هاهو هنا,واقف عند بابها,وكتفاه العريضتان تحجبان الضوء عنها تقريبا.
لن تتفاجا ان اكتشفت ان ريكو قادر على السيطرة على تعاقب الليل والنهار,فهو تقريبا يسيطر على كل شيء اخر.

تحميل الرواية من هنا

الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع