الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع
الكاتبة : سارة كريفن
------------------------
الملخص
------------
قال دانيال بخشونة: ياإلهي, لاين هذه ليلة زفافنا هل تريدين أن أركع على ركبتي وأتوسل إليك .
ردت بنبرة عنيفة : أنت لا تصغي لما أقوله . يجب أن تفهم أنني لا أستطيع تحمل البقاء بقربك . أنا أفضل الموت على البقاء معك . لأن كل شيء انتهى.انتهى ما كان يجب أن أكون هنا وما كان علي القبول بالقيام بهذا الأمر المخيف .
ارتفع صوتها بشكل عاصف: عليك أن تتركني وشأني.
راقبت وجهه يمتلئ غضبا وكرها، سمعت صوته يصلها عبر أجواء مليئة بالمرارة: لا تقلقي أيتها الكاذبة، المخادعة، سأدعك وشأنك لن ألوث يدي بك حتى لو أتيت زاحفة على الزجاج المكسور .
بعدئذ رحل دانيال، فارتمت لاين على سرير زواجها الفارغ . شعرت بالألم في حلقها يكاد يخنقها , إلى درجة جعلتها عاجزة عن البكاء
-------------
الفصل الأول : لقاء و جفاء
-------------
ما إن أنطلق المصعد إلى الطابق الرابع ، حتى وضعت لاين سنكلير حقيبة سفرها الكبيرة أرضاً ،
وحركت أصابعها المتشنجة ، ثم تراجعت واتكأت على الجدار المعدني .
أوصلها الأدرينالين إلى هنا من الغضب وخيبة الأمل ، وبالرغم من التعب والإرهاق اللذين أصاباها أثناء السفر ،
وبالإضافة إلى كاحلها المتورم الذي يؤلمها بشدة .
ما من أحد في الشقة في هذا الوقت . جيمي في عمله ، ولن يكون هناك من يدللها على الرغم من احتياجها المطلق إلى ذلك .
لكن من المؤكد أنها ستنعم بالهدوء والسلام لفترة قبل بدء انهمار الأسئلة عليها ، ما الذي أتى بك؟
ما الذي حدث لعملك في السفينة ؟ أين هو آندي ؟
ما إن توقف المصعد وفتح الأبواب حتى رفعت لاين حقيبتها ،
ثم خرجت إلى الممر ، إلا أنها أجفلت عندما آلمها كاحلها .
دخلت الشقة ، ووضعت حقيبتها على الأرض ، ثم وقفت تحدق بإعجاب حولها في غرفة الجلوس الكبيرة مع المطبخ الصغير المواجة لها .
هذا الجزء يمثل المنطقة المحايدة من الشقة التي تضم أيضاً غرفتي النوم الرئيسيتن المواجهتين لبعضهما وهي المساحة المشتركة بينهما هي وجيمي .
لاحظت وهي ترفع حاجبيها ، إن الشقة تبدو مرتبة على غير عادتها .
ما من زجاجات فارغة أو جرائد مجمعة أو علب كرتون فارغة من بقايا الأطعمة ،
وهي علامات مميزة في حياة أخيها .
أيكون تذمرها الدائم قد أعطى نتيجة في النهاية ، ولم تعد بحاجة إلى تنظيف
الممر لتتمكن من الوصول إلى غرفة نومها النظيفة ؟
مع تلك الفكرة لمعت برأسها فكرتان : الأولى ، باب غرفتها مفتوح في حين أنه يجب أن يبقى مغلقاً ،
والثانية ، يمكنها أن تسمع بوضوح أن هناك من يتجول في داخلها .
حسناً ! أنا لم أتواجد في هذه الشقة منذ أكثر من شهر .
ربما بدلت السيدة آرشر ، التي تنظف الشقة ، دوام عملها ، وربما لهذا السبب يبدو المكان نظيفاً للمرة الأولى .
فتحت شفتيها لتعلن حضورها وتتأكد مما تفكر به ، لكن الكلمات لم تخرج من فمها مطلقاً .بدلاً من ذلك فتح باب غرفتها على مصراعيه ، وخرج رجل شبه عار ليدخل إلى غرفة الجلوس .
أجفلت لاين ، وأغمضت عينيها ، ثم تراجعت إلى الوراء بسرعة .
فتعثرت بحقيبتها التي وضعتها على الأرض قبل قليل .
ارتطمت الحقيبة بكاحلها من جديد ، ما أرسل وخزات من الألم في ساقها كلها جعلت أسنانها تصطك على بعضها .
أطلق المتطفل شتيمه ، ثم اختفى داخل الغرفة التي غادرها للتو ،
تاركاً لاين واقفة هناك وكأنها تحولت إلى حجر .
صوت مرعب ضعيف في رأسها أخذ يهمس بتوسل : لا . . . آه ! لا . . . !
هي تعرف هذا الصوت . تعرفه جيداً كما تعرف صوتها تماماً ، مع أنها لم تتوقع مطلقاً أن تسمعه من جديد .
لم تشك للحظة بهوية الدخيل ، لذا أمسكت حقيبتها واستدارت لتغادر المكان على الفور .
ما إن أصبحت في منتصف الطريق وهي تتجه نحو الباب حتى سمعت صوته مرة ثانية : ( لاين ؟!).
تلفظ بأسمها الكامل بنبرة كريهة تحمل شيئاً من القرف والإشمئزاز .
- من بين كل سكان العالم . . . ما الذي تفعلينه هنا بحق الجحيم ؟
بطريقة ما تمكنت من التلفظ باسمه . قالت بصوت عالِ : ( دانيال . . . فلاين ؟!)
استدارت لاين ببطء وحذر ، وهي تشعر بجفاف في فمها . لاحظت أنه لفّ
جسمه بمنشفة كبيرة . وقف دانيال عند مدخل غرفة نومها ، وقد لامس كتفه العاري بزهو كبرياء إطار الباب .
فكرت وهي تشعر بالخدر يسيطر عليها وأنه لم يتغير كثيراً خلال السنتين الماضيتين ،
فشعره الأٍسود القاسي يلمع من الرطوبة ، أما وجهه النحيل الواضح المعالم وخداه البارزان وفمه المنحوت
فما زالت تسبب لها اضطراباً في دقات قلبها كالعادة .
جالت نظراته من رأسها حتى قدميها . حدقت بها عينان بلون البندق من تحت رموشه الكثيفة السوداء ،
متأملة سروالها الأبيض الواسع المصنوع من الكتان وقميصها المجعد ذات اللون الأزرق الداكن .
رفعت لاين ذقنها بكبرياء ، محاولة أن تتجاهل توهج خديها من الخجل والإحراج ،
وقالت : ( ما الذي تفعله هنا ؟).
بدا وجهه الأسمر مليئاً بالعداوة نحوها حين أجاب : ( أستحم . أليس هذا واضحاً ؟)
- والأمر الأكثر وضوحاً هو أن ليس هذا ما أقصدة .
حاولت بقوة أن تبقى صوتها ثابتاً ، لأنها تريد أن تحظى ببعض القوة والسيطرة على هذا الوضع المزعج والمفاجئ ،
فتابعت : ( أنا أسألك ما الذي تفعله في هذه الشقة ؟)
قال : ( لكن أنا سألتك أولاً . ما الذي تفعلينه هنا بدلاً مت إعداد الشراب المثلج في مؤخرة السفينة ).
أجابت لاين ببرودة : ( كل ما عليك معرفته هو أنني الآن في منزل ، وأنني أريد البقاء فيه ،
لذا بإمكانك أن تذهب بعيداً عن شقتي ، قبل أن أتصل بالشرطة كي تخرجك بالقوة ).
بدت نظرته مليئة بالإزدراء قبل أن يقول : ( آه ! من المفترض أن أرتجف وأطيع . أليس كذلك ؟
لا مجال لذلك يا عزيزتي إلا إذا كان أخوك العزيز قد خدعني .
وبصراحة أنا لا أعتقد أنه يجرؤ على القيام بذلك ، فنصف هذه الشقة له ، وأنا أستعمل هذا النصف بالتحديد ).
سألته لاين ببطء : ( أنت . . . تعيش هنا ؟ بأي حق ؟)
أجابها : ( لدي عقد إيجار لمدة ثلاثة أشهر ، تمت صياغته بطريقة قانونية ،
وهو قيد التنفيذ ).
شعرت بقلبها يدق بعنف وبدون انتظام بين ضلوعها ، وقالت : ( أنا لم أوافق على هذا العقد ).
قال يذكرها : ( أنت لم تكوني هنا ، وجيمي أكد لي أن تلك العلاقة الغرامية السعيدة ستستمر ، إذا اعتقد أنك وصاحب تلك السفينة ستبقيان معاً لفترة طويلة ).
نظر إلى يدها اليسرى الخالية من أي خاتم زفاف ، ثم لوى شفتيه قائلاً : ( أم تراه فهم ما قلته بطريقة خاطئة ؟)
فكرت لاين ، بالطبع! بطريقة خاطئة تماماً . لكن في ذلك الوقت بدا لها أن من الأفضل أن يعتقد جيمي ذلك .
قالت بصوت عالٍ : ( حصل تبديل طفيف في الخطة ).
قال : ( أحقاً ؟ إذا ، هل تركت خلفك ضحية أخرى ؟ أخشى أن يصبح هذا الأمر عادة لديك ).
انتظر لدى سماعة تنفسها العميق الذي لم تستطع أن تتجنبه ، ثم أكمل بصوت ناعم : ( مهما يكن الأمر ، قررت الإقامة في الشقة أثناء غياب أخيك في الولايات المتحدة ).
رددت كلامه بصورة آلية : ( غياب . . . من ؟ ومنذ متى . . . ؟) .
- منذ ثلاثة أسابيع . وهذا . . . وضع مؤقت .
- ولماذا لم يخبرني ؟
صوته الأجش بدأ أكثر وضوحاً وهو يوضح : ( حاول جيمي الإتصال بك ،
إلا أن الاتصالات الهاتفية أو حتى الفاكس عبر مكتبك بقيت دون إجابة ).
رفع دانيال كتفيه ، ما جذب انتباهها رغماً عن إرداتها إلى عضلاته القوية .
فقالت من خلال أسنانها : ( لنفرض أن هذا الإتفاق قانوني ، إلا أنه يفسر سبب خروجك من غرفة نومي ).
قال وهو يبتسم : ( إنها الآن غرفتي . . . طوال فترة الإيجار . أخيراً ها أنا أنام في سريرك ، يا عزيزتي . وهكذا أصبح لدي فكرة أستمتع بها ).
صاحت لاين محتجة : ( لا ! هذا الأمر مستحيل بالنسبة لي ).
قال دانيال بنعومة : ( دغدغت هذه الفكرة أحلامك في وقت من الأوقات ، وحملت لك السعادة ولو لوقت قصير).
علقت لاين بحدة : ( حصل ذلك قبل أن أتحول إلى مخادعة وكاذبة ومستهترة ، فهذا ما قلته عني بالتحديد ).
قال : ( ما تقولينه صحيح ، لكن الإنتقال للعيش في غرفتك ليس فيه إساءة ،
وليس سببه الحنين إلى ما كان يجب أن يحدث بيننا ).
لوى شفتيه بسخرية وتابع : ( ببساطة . . . هو مجرد آمر ملائم لي ).
تابعت لاين كلامها كأنه بم يقل شيئأً : ( مهما يكن ، يجب أن تفهم أنني لا أرغب في العيش تحت سقف واحد معك الآن ،
تماماً كما كان عليه الأمر منذ سنتين ).
وافقها بالقول : ( يمكنني أن أرى أنها مشكلة بالنسبة لك ).
- يسعدني أن أرى أنك مستعد للتفكير بمنطق .
فاجأها ذلك بالفعل ، وهذا دفعها لتتنفس بهدوء أكثر قبل أن تتابع : ( إذا ،
لِمَ لا تقدم على تدابير فورية لتنتقل أنت وكل ما تملكه إلى مكان أفضل وأكثر ملاءمة لك ؟)
ظهرت على وجهه ابتسامة عريضة وهو يقول : ( ما يحصل هنا هو مشكلتك وحدك ، ولا علاقة لي بالأمر ،
لأنني لن أذهب إلى أي مكان ، وما تقررينه هو شأنك الخاص ).
قالت بصوت مرتجف : ( لكنك لا تريد أن تعيش هنا حقاً ).
- لِمَ لا ؟ قبل هذه الدقائق الخمس الأخيرة ، كنت سعيداً جداً .
- لكن هذا المكان دون مستواك ، فهو ليس منزلاً رائعاً يليق بمليونير . . .
توقفت عن الكلام قليلاً لتفكر ، ثم أكملت : ( . . . إلا إذا تمت تصفية مؤسسة النشر العالمية ،
وبما أنك أنت من يدير شؤونها ، فهذا كل ما تستطيع الحصول عليه هذه الأيام ).
قال دانيال وقد خلت ملامح وجهه من أي تعبير : ( آسف لتخييب أملك ، لكن الأعمال تسير على أتم ما يرام ،
وأنا باق هنا لأن الأمر يناسبني ولو بسكل مؤقت ).
ضم ذراعيه إلى صدره وتابع : ( واجهي الأمر ، لاين ، أنت اخترت العودة من دون أن تخبري جيمي على الأقل من بين كل الناس ،
فهو يعتقد أنك لن تعودي إلى هنا مطلقاً . مهما يكن ، أنا وقعت اتفاقاً مع جيمي ، لذلك يمكنك استعمال النصف الأخر من الشقة إذا رغبت في ذلك ).
لم تنظر لاين إليه وهي تقول : (هذا أمر مستحيل ، وأنت تعلم ذلك جيداً) .
أجابها : ( في الواقع ، لا أعلم شيئاً . إن أردت البقاء أو الذهاب فالأمر سيان لدي .
إلا إذا كنت تخدعين نفسك ظناً منك أنني ما زلت أحمل بعض الميل الطفيف إليك .
إن كان الأمر كذلك ففكري جيداً ) .
توقف عن الكلام وظهر التجهم على وجهه . راقت كيف تلون خداها من الإحراج ،
ثم تابع : ( . . . لكني أحذرك أنني لن أتحمل أية إهانه منك ، كما أن الإعتماد على طيبة قلبي لن تنجح أيضاً ).
- لم أكلن أعلم أنك طيب القلب .
تجاهل دانيال تعليقها ، وقال بعد قليل : ( إن كنت لا تريدين المشاركة في الشقة ، فارحلي ).
قال : ( هذا بيتي ، وليس لدي مكان آخر لأذهب إليه ).
- إذاً افعلي ما قلته لك .
أضافت بعد قليل بشيء من القسوة : ( مع أنني أشك بصعوبة الامر ، لكن أنت وأخوك تدينان للناس بالكثير من المواقف الحسنة ) .
نظر إليها من دون اهتمام ، وتابع : ( إن قررت البقاء هنا أفضل من الذهاب إلى مكان آخر ،
أقترح عليك التوقف عن الشجار والبدء بتنظيم أمورك ، فلديك عمل يحتاج إلى وقت طويل جداً ) .
استدار دانيال ليغادر الغرفة وهو يقول : ( ولا تطلبي مني أن أعيد لك غرفتك . فقد رفضت ذلك من قبل ).
قالت لايم من بين أسنانها : ( ما كنت لأحلم بذلك . في النهاية ، وبعد مرور عدة أسابيع سترحل ، وحتى حلول ذلك اليوم السعيد سأخيم في غرفة جيمي ) .
رمته بتلك الكلمات مع أنه أغلف باب الغرفة وراءه .
للحظة ، وقفت لاين في مكانها تحدق بالباب الخشبي . قالت لنفسها إنها تعيش كابوساً ، وإنها ستستيقظ في لحظة ما لتجد أن كل ما عاشته في الدقائق الأخيرة قد زال .
شعرت أنها ترتجف بقوة من الداخل ، وكل ما رغبت به هو أن ترتمي على الأرض وتبقى هناك .
لكن دانياب قد يخرج من الغرفة في أية لحظة ، وآخر ما تريده هو أن يجدها رابضة على الارض المخططة اللماعة عند قدميه ،
كأنها حيوان صغير جريح . لم يخطر ببالها لحظة أنها قد تراه من جديد ،
أو تقابله وجهاً لوجه كما حصل الآن .
فقد أقنعت نفسها أنه خرج من حياتها إلى الأبد .
تعمدت أن تذهب إلى مكان بعيد كي توفر على نفسها الألم إذا ما لمحته ولو للحظة واحدة عن طريق الصدفة ،
آملة أن تتلاشى الذكريات التي جمعتها شيئاً فشيئأً . لكن ها هو هنا من جديد ، ويبدو أن ذلك الشعور بالعار والعذاب الذي تحمله من ماضيهما سيبقى حياً ومؤلماً لديها إلى الأبد .
قالت لنفسها بعناد : ( لم أسمح له بأن يعتقد أنني ما زلت أهتم لأمره .
لا أستطيع تحمل ذلك . علي أن أقنعه أن الأمر لا يعنيني مطلقاً أنا أيضاً ـ
انتظرت إلى أن هدأت دقات قلبها وانتظمت أنفاسها قليلاً ، ثم سارت ببطء نحو غرفة
جيمي ، محاذرة أن تثقل كاحلها المتورم أثناء السير