الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع

شفاه حائرة
Tycoon For Hire

تأليف : لوسي غوردن
-----------------------------------
الملخص
----------
إنها تكرهه … بروس آشلي يختصر في شخصه كل آلامها وكل أخطائها حياتها فلماذا لا تستطيع أن تقاومه ؟ في حياة كل إنسان صدفة … صدفة تقلب حياته رأسا على عقب و تذهب بما خطط له أدراج الرياح. هذا ما حدث مع جينيفر نورثون . فقد طلبت من وكالة خاصة مرافقا لسهرة واحدة فقط … و لكنها حصلت على ستيفن ليري المليونير المتعجرف… وكان كل شئ إلا المرافق الذي طلبته … قالت له : لن يروي غليلي إلا الحصول على رأسك في طبق … و لكن كيف ستعود حياتها دون هذا الرجل الذي يثير عدائها و حبها … ضحكها و بكائها … رقتها و قسوتها … في آن الوقت ذاته …هذا الرجل الذي يملك كا ما تتمناه المرأة إلا ما تبحث عنه جينيفر في الرجل :الحنان و الأمان

تحميل الرواية مكتوبة

تحميل الرواية مصورة

الفصل الأول : ضعيفة أمام العدو
**************************
- لماذا تردتدين هذا الثوب؟. تراجعت (( جينيفر)) إلى الخلف لتدع أخاها يدخل البيت. كانت تشعر بالتوتر و هي تترقب حفلة هذه الليلة ، و زاد غيظه الأمر سوءا. قال: ظننتك اشتريت ثوبا جديدا لأجل حفلة الليلة ، إنه من الساتان الداكن الزرقة ، كما إنه رائع للغاية. و ألقى نظرة استخفاف على ثوبها الفضفاض المصنوع من الموسلين ، ثم تابع: إنك ذاهبة إلى حفلة رسمية و ليس اجتماع ديني. فقالت تسترضيه: آسفه تريقور ، لكنني لم أستطيع ارتداء ذلك الثوب الأزرق. إنه غير مناسب لي. - لم يكن هذا رأيك حين اشتريته؟. - بلى ، لكنني وافقتك و أنت أقنعتني أن من واجبي الذهاب إلى تلك الحفلة ، ثم عدت فرأيته غير مناسب . يا ليتني أتمكن من إلغاء كل ذلك !. - قال أخوها محذرا: لا يمكنك هذا ، كم مره علي أن أنبهك إلى أهمية المظاهر ؟ يعلم الجميع أنك تكثلين الشركة في تلك المأدبة . إنها تتعلق بشؤون العمل ، عليك أن تكوني هناك. - لكنني كنت سأذهب مع دايفد. - و هاهو الآن قد نبذك .... - لم ينبذني .... كل ما في الأمر أننا ... لم نر بعضنا منذ فترة. - على كل حال ، ليس بإمكانك أن تبتعدي عن نشاط الشركة ، هذا هو المهم . كما لا تستطيعين أن تذهبي وحدك فهذا يظهرك ضعيفة الشخصية بينما عليك أن تعلني للعالم عدم اهتمامك. فأجابت بحزن: لكنني مهتمة فعلا. كانت جينفر قد صممت على حضور الحفلة مع دايفد كونر ، الرجل الذي أحبته و الذي توقعت الزواج منه. لكنه لم يتصل بها منذ شجارهما قبل أسبوعين فانكسر قلبها و لم تفكر إلا في قضاء ليلة الحفلة هذه منزوية في بيتها ترتشف الكاكاو و تفرغ حزنها مع الدموع . لكنها بدلا من ذلك ، وجدت نفسها ترتدي ملابسها لكي تخرج مع رجل غريب. - كم أكره أن أظل أخفي مشاعري وراء قناع من المظاهر. فأدلى تريقور بنصيحته: لا تدعي العدو يرى ضعفك أبدا. - كما انني أكره اعتبار كل انسان عدو لي. - - هكذا تنجز الاعمال .. هيا حتى الآن تصرفك في دنيا الأعمال كان رائعا. - لكنك لا تثق بي تماما ، أليس كذلك ؟ و لهذا مررت بي أثناء عودتك إلى بيتك من العمل ... أردت أن تقضي على ترددي في الذهاب . حسنا ، أنا مترددة فعلا. يعمل الأخوان في شركة (( مشاريع نوثون )) التي أنشئها جدهما (( بارني نوثون )) فهما يملكان سندات في الشركة ، و يديرانها بينهما منذ ألزم المرض جدهما على التقاعد . أما الفرق بينهما فهو أن (( تريقور )) يعيش العمل و يتنفسه ، بينما (( جينيفر )) لا تذهب إلى الشركة إلاإرضاء لجدها . كان تريقور رجلا معتدل الطول قوي البني ، في الثلاثينيات من عمره. لولا عبوسه الدائم تقريبا لكان رجلا جذابا، و لطاما احترمت فيه جينيفر تكرسيه نفسه لعمله ، لكن من الصعب عليها أن تحب رجلا حاد الطباع كثير الانتقاد بهذا الشكل. - كوني عاقلة ، و ارتدي هذا ثوبك الفرح ذاك بدلا من هذا. - آسفه يا تريقور , و لكن هذا الثوب مسر للنظر أيضا. فقال و هو يشد شعره: رجاء ، فهذه الليلة سوف أتصل بشخصيات كبيرة . ابتسمي و تحدثي معهم بحرارة . إن مظهرك يساعد على ذلك. صحيح أن الطبيعة أغدقت على جينفر جمالا يساعدها على القيام بالدور الذي يحدثها عنه فعيناها الواسعتان السوداوان تحتلان وجهها البيضاوي ، و فمها جميل مغر . لكن الطبيعة أغفلت شيئا اضافيا ، و هو أن جينفر لا ترغب في استخدام جمالها في المجال الذي يريده اخوها. و لكن يبدو أنه لا يفهم هذا إذ أخذ يقول لها : تملكين مزايا فتباهي بها. فأجابت بحدة: لماذا تتباهى بمزاياك أنت أيضا ، إذا كنت تعتبر ذلك هاما؟. - لأن مزاياي لا تظهر في ثوب ضيق من الساتان .. إنني أبرع في غرفة الادارة و ليس في قاعة الرقص. - لا بد أنني جننت إذ سمحت لك بإقناعي بالذهاب من دون دايفيد ، و استئجار مرافق بدلا منه ... فكر في ذلك تريقور .. أن تستأجر رجلا ليرافقني إلى الحفلة. قال و قد فرغ صبره: سبق و اخبرتك بأن الأمر ليس على هذا النحو ... كمرافق بالأجرة . أخبرت المكتب بأنك تطلبين (( مايك هاركر )) بالذات ، أليس كذلك ؟. - نعم ، فعلت ذلك قبل أن تشير علي به و كنت حذرة لئلا أكشف عن معرفتي بجده حرصا على كرامته. - هذا حسن ، يبدو أنه حساس لا يقبل مساعدة الآخرين ... بماذا تحججت لطلبك له بالذات؟. - قلت لهم إن البعض أخبروني أنه وسيم جدا ، و ان هذا ما اريده. - هذا حسن . أكد لي (( جاك )) أنك ستكونين آمنه معه تماما ، لأنه مهذب جدا. رباه ، ما هذا؟ التفتت جينيفر إلى حيث أشار باصبعه ، ثم قالت : إنها قطة. -اهو حيوان آخر من حيواناتك المشرده؟. -وجدت (( مخالب )) خارج الباب الخلفي ، إذا كنت تعني هذا. -(( مخالب)) ؟ هل أطلقت عليها هذا الاسم؟ -نعم لأن مخالبها بيضاء بعكس بقية جسمها الأسود تماما. -غريب أن يقصدك كل شريد بأربع قوائم . لا بأس ما دمت لا تحضرين حيواناتك إلى المكتب ، كما فعلت بآخر حيوان اقتنيته . أذكر أن (( بيل ميرسر )) كان على وشك أن يوقع معنا عقدا مربحا للغاية، عندما زحفت حية لعينة على مكتبك ، فكاد يصاب بنوبة قلبية. -كانت حية عشب صغيرة حلوة جدا و غير مؤذية على الأطلاق . -ماذا عن الجرذ؟ ... كلا ، لا تدعيني أتحدث عن الجرذ ! على كل حال هذا يدل على أنك سيدة أعمال. -حسنا ، لم أكن سيدة عملية قط ، أليس كذلك ؟ لست مثلك و لست على الصورة التي تمناها جدي . ما كان لي أن أكون عضوا في هذه الشركة على الإطلاق ، أحيانا أفكر أن أخرج منها ما دمت ما أزال في العشرينات ، أجرب عملا آخر. قال تريقور مذعورا: لا يمكنك أن تفعلي هذا بجدنا بعد كل ما قام به لأجلنا ... أنت دوما كنت مدللته ، فإذا هجرته فستحطمين قلبه. أجابت بإشارة عاجزة كمن ناقش الأمر طويلا مع نفسه : أعلم هذا. لا يمكن لها أن تؤذي جدها. رد تريقور: أتمنى لو تستعملين عقلك أكثر قليلا من العادة فأنت مندفعة جدا. و كان هذا صحيحا فقلبها رقيق عفوي و هي ميزة غالبا تتعارض مع عملها ، أما ذهنها فمتيقظ ... و قد تعلمت عملها جيدا، لكن البشر و الحيوانات أكثر أهمية في نظرها. لم تحاول شرح ذلك لتريقور فلطالما فشلت في ما مضى ، فاكتفت بالقول: إنك هذه الليلة ، قليل التفكير حقا . فالفكرة مجرد جنون. -كلام فارغ...و الآن علي أن أذهب . أرفعي رأسك بزهو. -ثم منحها قبله خاطفة على وجنتها و ذهب. عندما اصبحت جينفر و حدها أطلقت تنهيدة حزينة ... كانت هي و تريقور صديقين حميمين في صغرهما . و لكن مضى وقت طويل على ذلك ، أما الآن فالأمر تغير ... في الواقع اخذت تشعر بأن قوة خفية تسلب منها السيطرة على حياتها ، و خصوصا هذه الليلة. تحدث تريقور عن جدهما و عن تضحياته لأجلهما . لقد احتضنهما حين ماتت أمهما وا كانت هي في الثانية عشرة و تريقور في السادسة عشرة ... أما ابيهما فلم يعلم أحد قط عن مكانه ، فقد هجر أسرته قبل عامين بعد أن طلق زوجته و سافر إلى الخارج مع حبيبته الجديده ، هكذا لم يبقى لهما سوى جدهما .. كان الجد بارني عطوفا ، لكنه جرف الولدين إلى حياته المحمومة. فكان يأخذهما معه من مكان إلى آخر . و كا ن هذا ممكتعا مع أنه لم يساعدهما على التخلص من اليتم الذي يتملكهما . لكنها أحبته و كافحت في سبيل إرضائه . فاجتهدت في دروسها و ابتهجت بإطرائه حين كانت تحصل على علامات عالية ، ثم ابتدأت شيئا فشيئا تتقبل فكرة دخولها في الشركة . أما هو فكان يقول بسعادة : إنني متشوق حقا إلى أتخاذكما شريكين لي . التحق تريقور بشركة نورثون حالما ترك الدراسة ، بينما أخذ الجد يعد حبيبته جينيفر بدورها ... لم يطاوعها قلبها أن تصارحه بأنها تفضل العمل مع الحيوانات فهي لن تخيب أمله فحسب بل ستغامر بفقدان حبه أيضا ، خاصة أنها تدرك منذ وقت طويل كم يؤلمه ذلك . و هكذا دخلت الشركة ، و أنجزت كل مهمة على أفضل وجه فتعاظم فخر جدها بها ... و عندما تراجعت صحته منذ خمس سنوات ، كان تريقور و جينيفر مستعدين لتسلم مقاليد العمل ، ليستمتع هو بتقاعده . أما جينفر فبدت امرأة عاملة ناجحة متألقة لكن في أعماقها ظل شعور بالفشل و العجز يتملكها. و ها هي ذي الآن ، تستعد لحضور مناسبة عملية لا تهمها مع رجل لا تعرفه و تتمنى من كل قلبها لو تجد منفذا للنجاة.
* * * * * * * * *
وقف ستيفن ليري أمام باب الشقة و هو ينظر إلى ما يحيط به بعينين ملؤهما الدهشة و الفزع. ذات يوم ، كان صديقه (( مايك هاركر )) نجما سينمائيا ذكيا لامعا. لكن ذلك كان منذ اثني عشر عاما . و قد بقي ستيفن على اتصال به ، لكنهما لم يلتقيا منذ خمس سنوات . و هاهو ذا يفاجأ في هذه المزبلة بعد أن حط به الدهر. انشق الباب قليلا ، و بدت عين حمراء محتقنه ، ثم سأله بصوت خافت: من أنت ؟؟ -إنه أنا يا مايك ... ستيفن. -يا للهول ، يا ستيفن. و جذبه مايك إلى الداخل ثم أغلق الباب بسرعة و هو يقول : خفت أن تكون صاحبة البيت. رحب كل منهما بالآخر ثم أخذا يتأملان ما غيرته السنوات فيهما . كان مايك ما يزال وسيما ، رغم احمار أنفه و كلل عينيه. قال و هو يبعد ستيفن عنه : ابق بعيدا عني . فأنا عدوى أنفلونزا متنقلة. قال ستيفن و هو يرى بذلة رسمية معلقة على المشحب : أتراني جئت في وقت غير مناسب؟ يبدو و كأنك ذاهب على حفلة مسرحية. أجابه مايك ساخرا : لو أنني ما زلت أقيم حفلات مسرحية ، أكنت لأسكن في مكان كهذا ؟. بعد تناول القهوة تبادلا حديثا مربكا مضطربا ... بدا ستيفن محرجا لا يجرؤ أن يسأله عن عمله في مجال التمثيل . و كم كان حرجه كبيرا أن يتحدث عن نجاحه هو !.
قال مايك : أتذكر عندما التحقت أنت بشركة (( مشاريع تشارتيرز ))؟ قلت لك إنك ستمتلك الشركة في النهاية ، و هذا ما حدث . قال ستيفن ذلك مقلالا من الحقيقة ، (( فتشارتيرز )) هي حقا شركة ضخمة بالغة النفوذ ، لطالما شكلت إنجازاتها مصدر زهو له و بهجة . قال لمايك : عليك أن تكون في الفراش. - بلى علي أن أخرج . إنني أكسب معيشتي عبر العمل في مكتب لتأجير المرافقين ، و لدي مهمة هذه الليلة . - هتف ستيفن بذعر : هل أنت ما يسمونه (( جيغولو )) ؟ الرجل الذي تستأجره النساء لمرافقتهن في الحفلات؟ - كلا ، تبا لذلك . أنا لست (( جيغولو )) . إنها وظيفة محترمة تماما . إذا أرادت امرأة أن تذهب ألى مناسبة اجتماعية ، ولا مرافق لها فهي تتصل بالمكتب الذي أعمل فيه و تستأجرني . ليس المطلوب مني سوى أن أكون حريصا على إرضائها ، و أعطي الأنطباع المناسب . و بعد ذلك تذهب هي إلى سريرها و أعود أنا إلى سريري . - حيث ينبغي أن تكون الآن . لا يمكنك مرافقة امرأة و أنت على هذه الحالة ، و إلا أصبتها بالعدوى. - لكنها ستعطيني النقود و هكذا لن أتجنب صاحب البيت بعد الآن . - أخبر مكتبك بأن يرسلوا اشخاصا سواك. - لقد فت الأوان. و تملكت مايك نوبة سعال. - ما شكلها ؟ لا أدري ، فأنا لم أرها قط . اسمها جينيفر نوثون . و هذا كل ما أعرفه . الحفله مناسبة تجارية . و لهذا لعلها امرأة أعمال قاسية الوجه ، و في منتصف الأربعينات ، يشغلها تحصيل المال عن إقامة علاقات حقيقة ، و لهذا تستأجر مرافقين. فقال ستيفن بحزم : نم في سريرك ، و سأذهب أنا مكانك. - لكنهم أكدوا أنها طلبتني بالذات. - قلت إنك لا تعرفها ؟. - هذا صحيح ، و لكن يبدو أن أحدهم حدثها عني. - أيحتمل أنها رأتك على شاشة التلفزيون؟ - لاأظن ذلك . - إذن هي لا تعرف شغلك ؟ - كلا ، و لكنها تريد رجلا وسيما. قال ستيفن ضاحكا من دون أن يجرحه هذا القول. - بينما أنا غول بشع؟. - اسكت ، لطالما نلت حصتك و أكثر من الفتيات كما أذكر ... و لا أدري لماذا ، فأنت تعاملهن أسوأ معاملة. - لأنني لا أتعب نفسي في إرضائهن ، إذا كان هذا ما تعنيه . كان أبي يقول دوما إن النساء أشبه بالحافلات ، إذا فاتتك واحدة ، سرعان ما تأتي أخرى. انتبه ، لقد حرص على الابتعاد عن أمي قبل أن يتفوه بهذا ... - و انفجر ضاحكا. صحيح أن تقاسيم وجه ستيفن لا تماثل وجه مايك وسامة و تناسبا ، لكن كثيرات من النساء يجدنه بالغ الجاذبية ، فهو أسمر قوي الجسم عريض الكتفين ، حاجباه الكثيفان يضللان عينين نفاذتين تشعان بطاقة جبارة ، مما منح وجهه قوة غير عادية . يمكن لابتسامة عريضة من فمه الكبير أن تكون قاسية ، لكن ابتسامته حلوة جذابة . أما إذا كان حسن المزاج ، فهو بالغ الظرف . و باختصار يهابه الرجال و النساء معا ، قد يبعث الخوف في القلوب ، لكنه بالتأكيد ليس رجلا تختاره امرأة تريد مرافقا ودودا و ظريفا. قال : لا يمكنك الذهاب ، سأستعمل اسمك و سيكون تصرفي مهذبا قدر الإمكان . الأفضل أن أعود إلى بيتي بسرعة لأرتدي ملابس المساء. - لا وقت لذلك فهي تتوقع وصولي خلال ثلث ساعة ... عليك أن ترتدي ملابسي ، نحن نلبس القياس نفسه لحسن الحظ . أرجو ألا تصيبك عدوى مرضي. - أنا لا أصاب بأية عدوى ، أتمتع بمناعة قوية . إلى ماذا تنظر عبر النافذه؟. - إلى تلك السيارة الفخمة الجديدة الجاثمة تحت نافذتي ، إن كانت لك فلن يصدق أحد أنك ممثل مفلس. - سأوقف سيارتي بعيدا عن بيتها ، ثم أكمل الطريق مشيا . و الآن اذهب إلى فرشك.
* * * * * * * * *
تأخر مرافقها و وافقها هذا تماما فاستغلت الوقت لتطعم قطتها و تخرجها إلى الحديقة و هي تهتف بها : أسرعي ، سيكون هنا حالا إذا خانني الحظ... عادت (( مخالب )) بعد دقيقتين تظهر ولاءها لسيدتها و هي تقفز إلى حجرها. صرخت جينيفر نائحة و هي تفحص آثار قوائمها على ثوبها : آه ، كلا . لا أصدق أنك فعلت هذا. و أسرعت إلى الحمام تخلع الثوب الملطخ بالوحل ، ثم بدأت تبحث عن ثوب آخر و هي ترجو بحراره أن لا تتحقق مخاوفها. و لكن تحقق ما كانت تخشاه ، إذ لم يبق لها إلا ثوبين مناسبين باقيين ... أحدهما في المغسل ، و الآخر فيه تمزق صغير . و هكذا لم يبق أمامها سوى ثوب الساتان الأزرق الداكن ... صرخت تعنف (( مخالب )) : يا لك من حيوان ناكر للجميل ! لقد استقبلتك في بيتي و أحسنت إليك ، فانظري ما فعلته بي ! آه ، حسنا ، لا أظن بإمكاني إصلاحه الآن. و هكذا أخرجت الثوب على كره منها ، فوجتده غير ملائم لها البتة . و لكنها لم تدر ما البديل !. كان شعرها البني الكث منسقا فوق رأسها بجمال ... و حين وضعت عقدا و قرطين من الماس بدت سيدة صغيرة تملك حنكة و خبرة بإمكانها أن تواجه مفاجآت الحياة كلها . لكنها تمنت لو تشعر بذلك فعلا. في الوقت المناسب فرغت من زينتها و أخذ جرس الباب يقرع. تنفست بعمق ، ثم ذهبت لتفتح البال. و حالما فتحته ، أدركت أنها اقترفت غلطة حياتها. بدا الرجل طاغيا ، و او أنه لا يتحلى بمقياييس الوسامة التقليدية ... كانت تشع منه هالة من الكبرياء و الإرادة العنيفة . و منذ اللحظة التي تقابلت فيهما أعينهما ، أدركت جينيفر أنه أخذ يتأملها بتمعن. بدأ الحرج يغزوها فشعرت بالخجل من ثوبها و أحست بنظراته تخترقها أما هو فبدا واضحا أنه يستمتع إليها ، و هذا ما أغضبها ففي النهاية ليس إلا مجرد موظف . و الأسوأ أنها لمحت لمعانا ساخرا ، و كأنه فهم أفكارها فضحك منها في داخله. و باختصار ، كانت تتوقع دمية على صورة رجل و بدلا من هذا تملكها الارتباك . لم يخطر في بالها قط أنها ستقوم بهذه اللعبة المجنونة ... و أخيرا ، وجدت صوتها : مساء الخير يا سيد هاركر ... لقد تأخرت قليلا ، لكن هذا غير مهم. اعتذر بصوت لا يبدو فيه الاعتذار. - عفوك سيدتي لقد طرأت علي حالة مستعجلة لكنني الآن ملكك. ثم بسط يديه أمامها معلنا. - كل شئ جاهز ، حتى إنني نظفت أظافري لأجل المناسبة. و أدنى أظافره منها بأسلوب المزاح نفسه الذي يضايقها. هتفت فجأة : يا ألهي ! أية أزرار هذه؟. كانت تعلم أن ممثلا فاشلا لا يحتمل أن يشتري أزرارا ثمينة للقميص ، لكن هذه بدت سيئة حقا و كأنه اشتراها من بائع جوال. قال بغلظة : ما بها ؟ إنها أحسن ما لدي. اجابت و هي تبذل جهدها لتبدو مهذبة : لا تشكو من شئ ... إنها أعني ... إنها لا تتلاءم تماما مع ... عندي اقتراح ... انتظر لحظة . أسرعت إلى غرفتها أزرارا أرادت أن تهديها لدايفد بمناسبة يوم مولده القادم . كانت من الفضة مرصعة بماسات صغيرة كلفتها مبلغا كبيرا . و ما أرادتها حتى خفق قلبها لكنها كبحت شعورها ، ثم أطبقت يدها عليها . عندما من المافق أن يمد يده ، رفع حاجبيه بدهشة . أزالت الأزرار الرخيصة ثم ثبتت الأزار الغالية الثمن مكانها ، بعد ذلك رفعت إليه عينيها فرأته يحدق فيها ، و شعرت بسخونة تمتلكها و هي تقرأ السخرية الهادئة في نظراته. نظر إلى الماسات في أزرار القميص ، ثم التمعت عيناه و هو يرى الجواهر المرصعة في عقدها و قرطيها فتمتم يقول : أنا مسرور لأنني ألائم حليك. رفضت التجاوب مع سخريته ثم قالت : هذه مفاتيح سيارتي ، سيدهاركر ، هل نذهب ؟. عندما كشف الكارج عن سيارتها الفارهة ، قالت و قد أخذ الشك يتملكها : ربما من الأفضل أن أقود السيارة بنفسي. و مدت يدها تستعيد المفاتيح ، لكنه لم يتحرك بل أدهشها بصوته الحازم: اصعدي إلى السيارة إنني هنا لمرافقتك ، و سأقوم بالمهمة على أكمل وجه. لا يناسبك أن تقودي السيارة بنفسك فقد يدرك الناس أنك استأجرتني . اندفعت بعنف إلى المقعد المجاور للسائق ، ثم جلست بينما أخرج السيارة من الكاراج بخبرة تامة و كأنه يقوم بذلك يوميا . و تساءلت أين تراه تعلم هذه المهارة في قيادة سيارة قوية كهذه . سألها : من أي طريق ؟. - وسط لندن . توجه إلى (( ترافالغار سكوير )) ثم أدلك من هناك. و عندما أصبحا في الشارع ، قال بعفوية : أي قصة نويها للناس ؟. - قصة ؟. - قصتنا . إذا سألنا أحد ، فلتكن إجاباتنا مطابقة . متى تعارفنا ؟. - آه ، الأسبوع الماضي . - إننا حديثا المعرفة . لماذا ليس الشهر الماضي ؟. فردت بسرعة : كلا ، إنها مدة طويلة . - فهمت ... كنت تخرجين مع شخص آخر حينذاك ؟ لماذا لم تخرجي معه هذه الليلة ؟. - لأننا ... لأننا تخالفنا . - من نبذ الآخر ؟. - افتراقنا باتفاق مشترك. - أتعنين انه هو الذي هجرك ؟. - لم أعن شيئا كهذا . - هل سيكون موجودا هذه الليلة ؟. - ربما . - الأفضل إذن أن تخبريني باسمه من باب الاحتياط . فقالت بجمود : اسمه (( دايفيد كونر )). - هل تدربت على رواية على رواية قصة تعارفنا ؟. - كلا ... لا أدري ... سأفكر في شئ ما . قالت ذلك شاردة الذهن و شعور بالتعاسة يزداد في نفسها . - يدهشني أن أراك مشوشة التفكير . لقد اقتربنا من ساحة (( ترافالغار سكوير )) دليني على العنوان . - إننا ذاهبان إلى (( كيتسبي هاوس )) . حذار !. - آسف ، لقد انزلقت يدي على المقود . قال ذلك بسرعة ، لكنه في الواقع تلقى صدمة قوية إذ لا بد أن معارفه غير قليلين في ذلك المكان . و اتخذ قرارا سريعا . - الأفضل أن تعلمي أن اسمي الحقيقي ليس مايك هاركر . - أتعني أنه اسمك الفني في المسرح ؟. - كلا ، إنني ... لا بأس . اسمي هو (( ستيفن ليري )) . ها قد اقتربنا من المكان . أخبريني عنك بسرعة . سمي (( جينيفر نورثون )) ، و أنا حفيدة (( بارني نورثون )) صاحب شركة ... - فقاطعها : (( شركة نورثون للشاحنات و المستودعات )) ؟. فقالت بدهشة : نع . و منظمتنا هي الأفضل من نوعها في البلاد ، و نحن ننتشر بسرعة في أوربا . و تذكرت فجأة من يكون فأردفت : المعذرة للتطويل . - نعم ، لا حاجة لتتحدثي عن أشياء معقدة قد لا تتمكن خلايا عقلي من استيعابها . رفضت أن يهينها ، فقالت : توجه نحو المنعطف التالي فتجد موقفا للسيارات . عندما أطفأ المحرك ، التفت جينيفر لتفتح الباب ، فأوقفها أمرا منه ثم نزل دائرا حول السيارة ليفتح لها الباب و قال بهدوء : انتظري فهذه مهمتي . ابتسم وهو يمد يده ليساعدها على النزول ... ثم تمتمت : شكرا. أوشكت قدمها أن تزل أثنا نزولها ، لكنه اسندها . و شعرت بتسارع خفقات ، فما كان منها إلا أن استدارت عائدة إلى السيارة لتأخذ وشاحها المخملي ، لكنه سبقها إليه فتناوله و وضعه بعناية حول كتفيها . لم تستطع كبح الرجفة التي سرت في كيانها حين رفعت عينيها فالتقتا بعينيه . كانتا تنظران إليها بحدة بعثت الاحمر في وجنتيها. قال جادا : انت رائعة الجمال كما إنك حساسة ، و سأشعر بالزهو لأنك معي . كلا ، لا تقوليها! أنت لا تهتمين بذلك . حسنا ، لا يهمني إن اهتميت أم لا و إنما أخبرك بأنك ( ضربة قاضية ) !. كان الحديث صعبا عليها لا تدري لماذا و لكنها أخيرا تمتمت : جيد أن أعلم أن مرافقي يرضى عني . فقال بجفاء : أنا لست ****ا عنك ، فأنا غير راض عن هذا الوضع كله . امرأة بجمالك ما كان لها أن تستأجر رجلا لمرافقتها . فإن اضطرت لذلك لا شك أن حياتها ظروفا سيئة للغاية . لكنك رائعة ، قادرة على دفع أي رجل للقيام بما يندم عليه لاحقا ... كل ما أتمناه أن أملك الوقت لأكشف فيك عن تلك المتناقضات كلها . فقالت و وجهها يلتهب : متناقضاتي لا تعنيك . أجاب من دون اكتراث : إنها تعنيني إذا قررت ذلك . و لكن من المؤسف أنني لا أملك الوقت ! و الآن هيا بنا ندخل . شاركت جينيفر في الكثير من النشاطات في قاعة (( كيتسبي هاوس )) ، و ألفت الأثاث الأحمر الداكن و الثريات المتألقة لكن بدت هذه الليلة كأنها ترى كل شئ للمرة الأولى . فالأضواء أكثر تألقا ، أثواب النساء الأخريات أكثر جمالا ، أما ملابس الرجال فبدت أكثر أناقة . ذهبت إلى غرفة المعاطف لتودع فيها وشاحها . و عندما عادت وجدت ستيفن ينتظر عند أسفل السلم ، فانتهزت الفرصة لتتأمله من بعيد ، و تقارنه بسواه من الرجال . كانت المقارنة بأجمعها في صالحه فعلا . فهو أطول الموجودين قامة تقريبا . طبعا كتفاه هما الأعرض و شخصيته هي الطاغية . لكن أكثر ما فتنها فيه هو جو السلطة و الثقة بالنفس الذي يشع منه . فكيف لممثل عاطل عن العمل أن يمتلك هذا الجو ؟ لقد اتخذ بالطبع المهنة اللائقة به .. ثم اقتربت منه باسمة أن تخلق بينهما جوا لطيفا ، و قالت بحرارة : تهاني . - على ماذا ؟. - إنك تقوم بدورك على أحسن ما يكون ، و كأنك من هذا المكان . قال بشئ من السخرية : شكرا . لكنني أشعر بشئ من الخجل بين كل هؤلاء الناس المهمين . - إنهم ليسوا مهمين حقا ، بل يحبون فقط أن يتظاهروا بهذا لأنهم يملكون المال . انظر إليهم باستعلاء ، فيعتبرونك واحدا منهم . أتوقع لك النجاح التام هنا . و ابتسمت بمكر ، فلوى شفتيه : لا تشعرين إذن بأنك مجنونة لآنك دخلت هذا الاتفاق ؟. - بالعكس ، فأنا أظنني حصلت على صفة جيدة . - أنا أيضا أشعر بأن تصرفي لم يكن سيئا . صعدا السلم و دخلا قاعة الرقص الفسيحة ، و قد ازدحمت الآن بالناس . و على الفور ، لاحظ ستيفن بعينيه أن جينيفر غطت على كل امرأة في القاة . كما أنها تعرف كيف تختار عطرها فهو يدغدغ الأنف و يصل إليه دافئا . تساءل من يكون الحبيب الذي لمس قلبها ؟ و كيف تتصرف معه ؟ هل يفيض وجهها رقة و تشع مشاعرها من عينيها ؟. سارا خلال الجموع مبتسمين يردان التحيات . عرفه بعض الأشخاص ، و أمضى ستيفن وقتا متوترا و هو يحاول إبعادها عنهم و أدرك أنه سيكون محظوظا لو تمكن من مغادرة هذه السهرة دون أن ينكشف أمره . - تعالي إلى ركن الشراب سأخبرك بأمر ما بعد أن أحضر أليك شرابا . - أريد عصير برتقال بما أنني سأقود السيارة أثناء العودة . قال ستيفن للعامل : أريد كوبين من عصير البرتقال . و قال لجينفر ضاحكا : تحسبا لإمكانية تغييرك لرأيك . قالت تتحداه : أتعني أنك تستطيع أن تغير رأي ؟. - هل هذا ما عنيته ؟ شكرا لأنك أعلمتني هذا . كانت عيناه تغيظانها ، فلم تستطع إلا أن تبتسم قائلة : هذا ما كنت تعنيه بالضبط . و أخذت تنظر حولها و إذا بابتسامتها تتجمد . كان دايفيد يقف على بعد خطوات منها ...
الفصل الثاني
الأختبار الأول
تساءلت جينيفر مرار إن كان دايفيد سيحضر الحفلة ، و قد أدركت الآن أنها ظلت طوال الوقت تتوقعه سرا . خفق قلبها لمجرد رؤية ملامحه المكتملة الجمال تحت شعره الأشقر الكث. حين التفت أليها قرأت ذهولا في عينيه ... بالتأكيد سيمد يده إليها في اللحظة التالية و بهدها تتلاشى خلافتهما كلها ... لكنه بقي جامدا و قد بدا عليه الاضطراب . و فجأة ظهرت فتاة شابة و وقفت بجانبه ، فأدار رأسه نحوها ملاطفا. تسمرت جينفر في مكانها و الذهول يكتنفها . لقد ابتعد دايفيد عنها. ارتسمت في عينيها نظرة كئيبة و بدا المكان حولها خاليا حتى من ستيفن الذي كان يتأمل وجهها القريب. انقبض قلبها و هي تفكر أن دايفيد وجد فتاة أخرى بسرعة . ثم ابتسمت له الفتاة ... كانت ابتسامة رقيقة صادرة من القلب أكسبت وجهها فتنة، و لم تستطع جينيفر أن تكبت شهقة صغيرة صدرت عنها . فسمعها ستيفن . و ضاقت عيناه اهتماما. تمتم هامسا في أذنها : إذن هذا هو؟. - من هو ؟. - الفتى الجميل مع الفتاة الباهتة البليدة... - لا أدري ماذا تعني بالفتى الجميل... - إنه أسبه بتمثال من السكر على قمة كعكة الزفاف. قالت بجهد : هل لنا أم نترك هذاالموضوع جانبا؟. - لماذا؟ أنا هنا فقط لنريه أنك لا تهتمين به مثقال ذرة . دعينا نريه إذن...إلا إذا كنت خائفة؟. أجابت بسرعة : لست خائفة طبعا. ثم تقدمت من دايفيد و هي تقول: دايفيد ، ما أجمل أن أراك!. تراجع دايفيد ، و هو يتمالك نفسه بدوره ... علمت أنه لم يكن يتوقع رؤيتها مع رجل آخر ، ثم قال : جينيفر ... يا لها من مفاجأة حلوة!. - لكنك كنت تعلم أنني سأحضر . - نعم ..... آه ، نعم طبعا ..... دعيني أعرفك إلى (( بيني )). و جر المرأة الأخرى إلى الأمام ، فنظرت إلى جينيفر بخجل سرعان ما اتبعته بابتسامتها الحلوة. و عنما تصافح الرجلان ، بدأت الثقة تعاودها . أصبح دايفيد يعلم الآن ، أنها لم تجلس في البيت تلفخا التعاسة و هي تترقب رنين الهاتف . و ليس من الضروري أن يعلم كم من المرات كانت على الكآبة. و ابتسم ستيفن بحرارة مسرحية تكاد تكون بلهاء . تملكتها رغبة جنونية في الضحك ، و كأنهما ، تربط بينهما نكتة لا يفهمها سواهما ، حتى و لا دايفيد . عبس دايفيد بضيق ، و ما لبثت (( بيني )) أن استحوذت على انتباهه فذهب معها . أما جينيفر فقد أبقت رأسها عاليا ، و ابتسامتها مرسومة على وجهها ، و كم كان ذلك صعبا للغاية !. زينت القاعة خمسون مائدة مستديرة و لم تعرف جينيفر هل تسر أم تبتئس لجلوسها في مواجهة (( دايفيد)) و (( بيني )). كانا مواجهتها تقريبا ، فتأملت كيف جذب كرسي بيتي ليجلسها عليها بشهامة . كان دوما مرافقا شهما في حفلات العشاء ، هكذا أخذت جينفر تفكر قبل أن تغرق في الكآبة..إنه حقا مرافق ساحر للغاية !. عندما حولت عينيها ، سألها ستيفن : حدثيني عن دايفيد كونر . ما عمله ؟. - إنه يمكلك شركة صغيرة لصناعة معدات الماكينات. - هل أنشأ الشركه بنفسه ؟. - كلا . لقد تركها له والده . شغلهما تناول الطعام لفترة ، أدى ستيفن أثناءها دوره إلى حد الكمال ، مهتما بكل ما تحتاجه ، باسما . ثم استهلت الخطابات بإلقاء الكلمات الرسمية المعتادة. انتهى إلقاء الكلمات و تنفس الناس الصعداء . ثم بدأ بعضهم في التنقل من مائدة إلى أخرى . و مر بها شخص أو اثنان فتحدثا إليها . و عندما انتهت . لاحظت أن ستيفن يجلس مع دايفيد و بيني كما رأت دايفيد يتحدث بجدية بينما ستيفن سصغي إليه مقطبا جبينه باهتمام بالغ فتساءلت إن كان المسكين يحاول تغطية سأمه. - قالت له: ما رأيك في مراقصتي؟. - ليس على سيدتي سوى أن تأمر. أجاب ستيفن بذلك و هو يقودها إلى الحلبة. - لا تعرفين مقدار السرور الذي يغمرني حين أرقص مع امرأة يسمح لها طولها بالنظر في عيني ، إن عضلات رقبتي تتصلب في العادة. - خطر لي أن أنقذك من دايفيد . - أخائفة من أن يسمو حديثه الجاد فوق مستوى إدراكي ؟. - ماذا اخبرته عنا ؟. - إنني فتاك العابث. - هل يمكنك أن تتحدث بجدية و لو لدقيقة واحدة ؟. - سأخبرك الآن بجدية ! لست واثقا أنني سأساعدك على استعادته . قد ينتهي أمركما بالزواج ، فكيف أصفح عن نفسي عند ذاك ؟. - ماذا تعني ؟. إنه ليس بالرجل المناسب لك . ستتشاجرين معه دوما حتى على المرآة. - يا لهذا الكلام الفارغ !. - ليس كلاما فارغا يا (( جيني ))... فقاطعته بسرعة : لا تتلفظ بهذا الاسم ! دايفيد فقط يدعوني (( جيني )). - هذا اسم لا يناسبك ، على كل حال . (( جيني )) اسم طائر صغير بني اللون ، بينما أنتي عصفورة مغردة من عصافير الجنة. فقالت بمرح : لا تكن واثقا من كلامك هذا ، فقد أستحيل غرابا ذات يوم . انفجر ضاحكا ، فجذب بعض الأنظار ، بمن فيهم دايفيد . تلاشت ابتسامتها على الفور و هي تحدق في وجه ستيفن ، فبادر إلى القول متفهما : لا بأس ، إذا كنت تريدين اللعب بهذا الشكل ! إنك رائعة ، و أرجوا أن يدرك دايفيد هذا تماما . - إنه مدرك طبعا. - هل أتى على ذكر الزواج ؟. فترددت : بطريقة ما . - ماذا تعنين بذلك ؟. أجابت كارهة: بأعماله لا بكلماته. - لا تخدعي نفسك يا جينيفر . هذا قول تخدع النساء به أنفسهن ، فيعتقدن بأن الرجل قدم إليهن وعدا صريحا حين لا يكون ذلك صحيحا . أردته أن يخطبك رسميا بينما أحجم هو عن ذلك . هل هذا سبب خلافكما ؟. - هذا لا يهمك. - بل يهمني طبعا . فأنا حبيبك حتى منتصف هذه الليلة ، و غيور حتى الجنون من الرجل الذي تحبينه . إنك تحبينه ، أليس كذلك ؟. - تماما. - يا للحماقة ! و ما سبب الخلاف ؟. كيف يمتنع هذا الرجل من توجيه الأسئلة ؟ يبدو و كأنه يملك قوة ساحرة تجذبها إليه و تجعلها رهن اشارته ، ولكن من الصعب أن تحدد شبب الخلاف لأنها هي نفسها غير واثقة من ذلك . كانا يتحدثان عن مشكلة صادفت دايفيد في شركته رأت الحل واضحا ، فسرها أن تساعده . و فجأة رفعت بصرها فرأته ينظر لإليها بشكل غريب . ثم سألها بهدؤء : هل تعلمين عن هذا الأمر أكثر مما أعلم ؟. حتى ذلك الحين لم تكن تحس بالخطر ، فأجابته ببشاشة : كان ذلك يحدث مع جدي . اسمع عزيزي ، كل ما عليك أن تفعله هو ... لكنه منعها من الكلام ، متهما إياها بأنها تحاول استلام المسؤلية . أنكرت ذلك بغضب ، لكن الأمور ازدادت حدة بينهما . و عندما افترقا كانت المشاكل قد تفاقمت حتى ضاع السبب الرئيسي. و أخيرا قالت : لم يكن الأمر يتعلق بالزواج . - أنا مسرور لهذا . فأنت تستحقين رجلا أفضل منه . - لا تقل هذا . - هذا حسن .أحبك عندما تشع عيناك بهذا الشكل . لا تداوي على مراقبته ، و إلا أفسدت تأثيرك . ركزي اهتمامك علي أنا .أظنك ضربة قاضية لكنني أضيف إلأيك أيضا الشجاعة و الحيوية . - هل تتحدث دوما إلى زبوناتك على هذا النحو؟. - زبوناتي ... ؟. آه أنا لا أفعل ذلك كثيرا . بل أميل إلى مجابهة الآخرين بالحقيقة الصريحة بدلا من المجاملة المعسولة . ابتسمي لي فهو ينظر إلينا . منحته جينيفر أكثر الابتسامات اشراقا فردها لها بالمثل و هو ينظر في أعماق عينيها ، قائلا : هذا عظيم ، إنما انتبهي ، فأنت أكثر تاثيرا عندما تغضبين . - إذا تجرأت على القول إنني أبدو جميلة أثناء الغضب ، سأدوس على أصابع قدميك . - أعدك بألا أقول شيئا كهذا . - هذا جيد . - حتى و لو كان صحيحا . رأته يوشك على الضحك فلم تستطع منع نفسها من التجاوب معه ، و سرعان ما كانا يضحكان معا ثم قالت بمرح : آه ، اذهب الى الجحيم. - هذا أكيد . عندما تكونين معي يمكنني الذهاب إلى النار و العودة منها. و اتجهت عيناه صوب دايفيد ثم تمتم يقول : يبدو قلقا عليك. - من ؟. - دايفيد ، لا تقولي إنك نسيتي ذلك المسكين؟. - كلا . طبعا . قالت ذلك بسرعة . لكنها حقا استغرقت في هذا الرجل بكامل جوارحها حتى نسيت دايفيد لقترة قصيرة . و فجأة دنا منها ستيفن ثم همس في عينيها : دعينا نقلقه حقا . ثوبك هذا يعجبني. اضطربت و تملكها الذعر عندما شعرت باحمرار وجهها . كانت واحدة من تلك المحظوظات اللاتي تحمر وجههن بشكل جذاب فغمرها بنظرات مهتمة ، ثم قال : إنك أجمل امرأة هنا. فهمست: كفاك تملقا . - لكنك تدفعين لي أجر هذا الكلام . فصعقت . لقد أوقعها هذا الرجل بسحره ، حتى نسيت أنه مجرد وهم اشترت مجاملاته بنقودها بينما هي لا تعني له شئ . تمتمتبصوت مرتجف : حسنا ، ما دمت تحت امرتي ، فأنا آمرك بالسكوت. - لقد استأجرتني لكي أجعل دايفيد يغار . و هذا ما سأفعله. أجابت بسرعة ، و هي تتذكر ما قاله أخوها تريقور : بل استأجرتك لمصلحة الشركة. - هراء . إنا فائدة ثانوية فقط ، فدايفيد من يهمك أمره . مع أن هذا لغز يحيرني.
رفع ذقنها باصبعه . لم تستطع مقاومته ، و فجأة أخذ قلبها يخفق بعنف. حاولت تجاهل أحاسيسها و التفكير في الدور التمثيلي . لكنها لم تستطع أن تتذكر ما هو الدور ، او لماذا تقوم به . بدت و كأنها تسبح في حلم. أذهلها هذا الإحساس الذي تملكها . يجب أن تتوقف عن هذا عليها أن توقفه لكنها لم تأت بأي حركة ، و كأنها لم تستطع الكلام . و تملكها شعور مدمر و كأنها فقدت السيطرة على نفسها. فقدت كل إحساس بالزمان أو المكان . لم تعد تسمع الموسيقى ، أو ترى الراقصين الآخرين يدورون حولها بل كانت شبحا في الفردوس في رقصة يا ليتها تدوم لنهاية العمر ! و بدأ قلبها يخفق بعنف حتى صعب عليها التنفس. همست : دعني أذهب. قال ببطء : لو عاد الأمر لي لما تركتك تذهبين أبدا . لاختطفتك إلى مكان لا يعثر عليك فيه أحد ، ثم لاكتشفت أي نوع من النساء أنتي حقا . و قد يكون الجواب مفاجأة لك أنتي أيضا. - ما أشد جرأتك !. - هذا غريب ، أليس كذلك ؟ لكنني أصبحت أعرف عنك ما لن يستطيع دايفيد كونر أن يعرفه أبدا . أنا أعرف ما أريده منك ، أكثر منه. ذعرت و هي تشعر بكلماته ( أعرف ما أريده منك ) ...كان في صوته عزيمة فولاذية لم تسمعها من رجل . لقد أحبت دايفيد لرقته و طباعه الحلوة لكنها في أعماقها شعرت بأنه يفتقر العزيمة . و مع أن العزيمة لم تكن تهمها إلى هذا الحد ، لكن مع هذا الرجل القوي الإرادة شعرت بتجاوب بعث الرجفة في أوصالها و ملأها حذرا. سمعته يتمتم بكلمة (( تبا لهذا )) . ثم تبددت الأحلام بعد أن أدركت أن الموسيقى توقفت . انسحب الراقصون شيئا فشيئا أما هي فبقيت بجانب ستيفن ليري ، تتأمل الصدمة في عينيه و هي تعكس الصدمة في عينيها ... لن يعودا إلى سابق عهدهما أبدا !. و في الساعة التالية ، انشغلت جينيفر تلقائيا بالمناقشات التجارية و رأسها يدور نتيجة تلك المواجهة المدمرة مع ستيفن . من زاوية عينها لمحته يرقص مع بيني . و أخيرا أقبل إليها مرة أخرى ، قادها إلى البوفيه قائلا: لا بد أنك بحاجة ألى بعض المرطبات . و كذلك أنا ، فقد كنت اعمل من لأجلك. فقالت بلهجة ذات معنى: رأيتك فعلا ترقص مع (( بيني )) .. كيف وجدتها؟. - إنها ترقص باحتشام تام ، بينما أفضل المرأة التي ترقص و كأنها تتبادل الغزل مع مراقصها. و بدا التحدي في عينيه ، فقالت جينيفر و هي تغطي موجات حرارة أخذت تتملكها : يمكنني تصور ذلك . هل هذا هو العيب الوحيد الذي وجدته في (( بيني )) المسكينة ؟. - كان حديثها لا يخرج عن كلمتي ( نعم ) و ( كلا ) ... كما أنها تخطئ في خطواتها ، فيما أنظارها لا تفارق دايفيد ... بالمناسبة هي سكرتيرته ، و لم يدعها إلى الحفلة إلا بعد ظهر اليوم .سمعها تتأوه بارتياح ، فقال بخبث: يبدو و كأنه ترك الأمر إلى آخر لحظة ... لعله رجا أن تتصلي به . لكنه لا يفهمك لأنه أناني ، و هو يشعر بسعادة أكبر مع فتاة لا ترتقي إلى مستوى جماله . كان الفراق قدرا لا مهرب لكما منه ، أنتما الأثنان. - أنا و دايفيد لم نفترق نهائيا. - بل هو نهائي إذ تدخلت (( بيني )) في الأمر ، فهي حريصة عليه. فاندفعت تقول بحرارة : يمكنني استعادته متى اشاء. - و لكن هل يستحق ذلك ؟. أجابت بمكابرة : نعم . - لا بأس . هيا بنا . ثم قادها إلى حيث كان دايفيد و بيني يتحدثان ، و بظرف جذب بيني بعيدا ، تاركا دايفيد لجينيفر فأخذ نفسا عميقا و سألها بأدب : كيف حالك ؟. كيف حالها ؟ و تاهت بها الذكريات ... كانت متلهفة إلى اتصال هاتفي منه ، و تحطم قلبها من طول الانتظار ... كم بكت وحدها و كم حاولت أن تخفي دموعها عن الناس من دون أن تفهم ما هي غلطتها!. و مع ذلك أجابت ضاحكة: حسنا ، إنك تعلم كيف هي الأعمال في هذا الوقت من العام .فالملفات تتكدس علي. أظن الأمر نفسه يحدث معك. أخذ يبحث عن النظرة القديمة في عينيها قبل أن يجيب موافقا : هذا صحيح ، فقد كنت مشغولا تماما . وفي الواقع ، كنت مسافرا معظم الأسبوعين الماضيين لهذا ما كنت لتجيدني لو اتصلتي بي. ردت بتوتر: كلا ، لم اتصل في الحقيقة . - طبعا لم تتصلي ... لم أعن ... حسنا ، على كل حال... أنهى كلامه و هو يهز كتفيه بعجز ثم ابتسم ، أما هي فحبست أنفاسها و قد اجتاحتها هذه الابتسامة التي أضاءت وجهه الوسيم.اندفعت تقول وهي تمد يدها له : دايفيد. سرعان ما يهتف باسمها هو لآخر و يتلاشى الجفاء الذي بينهما. - لا تضيعي الوقت بالحديث يا عزيزتي ، السهرة ما زالت في أولها. - لكن الصوت صدر عن ستيفن الذي ظهر بجانبها من حيث لا تعلم . و قبل أن تعترض كان قد سحبها إلى حلبة الرقص. قالت ساخطة لماذا فعلت هذا ؟ كان دايفيد على وشك أن ... ما تظن أنك تفعل ؟. - أنقذك من اقتراف غلطة شنيعة . كنت أنظر إليكما و لم يكن هو على وشك أن ... بل أنت التي كنت على وشك أن ترتمي عند قدميه. - ليس هذا من شأنك.. أعني ما كنت لأفعل هذا. - و لكن وجهك قال لي شيئا آخر . هل هذا كل ما يحتاجه الأمر ؟ أن يمنحك تلك الابتسامه الصبيانية الصغيرة ، فإذا بعقل المرأة يطير؟ . - دعني أذهب حالا . لم تعد صالحا لشئ. و اخذت تكافح للتخلص منه لكنه منعها و هو يقول : كان عليك أن تشكريني أيتها المرأة الجاحدة ! لو إنك انهرت عند أول اختبار لما استعدت علاقتك به أبدا.
ماذا تعني بكلمة اختبار؟. - هذا أول لقاء يجمعكما بعد الخصام ، فكنت أنت أول من تهافت . أراهن على أنه كان يتحدث عن نفسه . ليس عنك أو عنكما معا بل عن نفسه فقط . إنه يبدو من أولئك المعتوهين الذين يظنون أن كل الطرق تؤدي إليهم . فضلت الموت على الاعتراف بأنه على صواب . لكن قلبها يتلوى ألما و خيبة ، فدايفيد كما توقعت و جرحت كرامتها بعد ان شهد ستيفن على ذلك. - لماذا تقع امرأة مثلك في غرام رجل ضعيف ؟. - ليس ضعيفا . لكنه ليس متغطرسا ،إذا كان هذا ما تعنيه . بعض الرجال لا يشعرون بالحاجة للغطرسة ، المسألة تتعلق بالنفس. - و ماذا فعلت لكي تدمري ثقته بنفسه؟. قالت بحدة : هذا كلام حقير!. - و أقرب إلى الحقيقة!. و فجأة شعرت بأنها نالت هذه الليلة أكثر مما تتحمل، فقالت : أظن وقت الرحيل قد حان. - حسنا . سنخرج بعظمة . ارفعي رأسك !. قادت جينيفر السيارة بصمت و قطعت قرابة الميل قبل ان تسأله : أين تريدني أن أوصلك؟. - أنزليني فقط عند محطة الباص التالية. - أنا مستعدة لأخذك إلى بيتك. - شكرا ، لكن الباص سيقوم بالمهمة. فقالت بصبر: لا حاجة بك للمعاناة . أخبرني بمكان إقامتك. - هل علينا أن ننهي تعارفنا بالجدل ؟. فقال باكتئاب: و ما اهمية ذلك ؟ فالسهرة كلها كارثة. - ليس السهرة كلها. فقد مرت لحظات من التسلية. ذعرت و هي تشعر بوجنتيها تلتهبان للذكرى . و لتتأكد من انه لن يلاحظ ذلك ، قالت: إنسها ، يا سيد ليري . فقد سبق و نسيتها أنا. هذا ما لا أصدقه. هذه أمور تحدث ، فينجرف الناس معها . لكنها لا تعني شيئا. - هل تتصرفين هكذا مع كل رجل تلتقينه ؟ عار عليك. انتبهت إلى السخرية في صوته ، فجاهدت لتصون كرامتها. - تعلم ما اعني . لقد انتهت الليلة و لن نجتمع مرة اخرى أبدا. - أتظنين؟. - نعم ، ما دمت أستطيع أن امنع ذلك. - قد يرى الرجل المتهور في ذلك تحديا له. - لا تجرب. - أراهن على أنك ستتصلين بي قبل نهاية الأسبوع. - لقد وصلنا إلى محطة الباص ، تصبح على خير يا سيد ليري. و عندما وقفت عند المنعطف ، أخذ ستيفن ينزع أزرار كمي القميص الذهبيين: الأفضل أن تستعيدي هذه. لم تشأ ذلك فهي لن تهديمها إلى دايفيد بعد الآن ، فردت بمزيج من الضعف و الخيبة : لا حاجة بي إليها . احتفظ بها لتعزيك بخسارتك للرهان . ستجلب لك ثمنا جيدا. كان ستيفن قد فتح الباب الآن ، فقال لها ببرودة:بل أحتفظ بها كتذكار منك. - أفضل ألا تفعل هذا . أريد أن أنسى كل شئ عن هذه الليلة. قالت ذلك و هي تتمنى لو يذهب و يتركها لأحزانها ، فأجابها بحزم : لكنني لا أريدك ان تنسيني. همست بصوت مبحوح: كفى. - لا أريد أن أنتهي ، و كذلك انتي. حاولت ان تنكر هذا ، أن ترفض سيطرته التي اعتبرتها أمرا مسلما .... لكن قلبها عاد يخفق بشدة و ضاعت منها الكلمات . ودون وعي تنظر إليه شعرت به يتوتر ، ثم سمعته يقول : كيف لرجل مجهول أن يكون له هذه القدرة على التأثير فيك ؟. فصرخت به : ليس مفروضا منك .... فقال بغضب: تعنين أنه لا يجدر بالمرافق المستاجر أن يقترب منك ، أليس كذلك؟. صرخت بصوت مرتجف : اخرج من السيارة ، اخرج حالا . هل تسمع ؟. - نعم ، ربما من الأفضل أن أهرب ما دمنا سالمين. خرج و اغلق السيارة ، و ظل ينظر إليها من خلال النافذة المفتوحة ثم تابع: إلى أن نتقابل مرة أخرى. - لن نتقابل أبدا. - فرد بخشونه: لا تكوني حمقاء . إنك أكثر حمكة من ذلك . لم تملك سولا طريقة واحدة لإسكاته ، فداست على البنزين و انطلقت بالسيارة ، و عندما نظرت من المرآة الخلفية رأته ما زال واقفا هناك ينظر إليها و العبوس يكسو وجهه.
الجزء الثالث
يوم ولد ستيفن
في الصباح التالي ، وصلت جينيفر الى مكتبها متأخرة لإنها لم تنم إلا بعد قضائها الليل تتقلب على فراشها أرقة . شعرت بالذعر تفكر كيف استسلمت لجاذبية رجل لا تكاد تعرفه . ثم غفت أخيرا لتستيقظ و في ذهنها حقيقة واحدة : ألا ترى ستيفن ليرى مجددا إذ يمكن لهذا الرجل أن ينسيها نفسها و من تكون . إنها حفيدة (( بارني نورثون )) الناجحة الرائعة الجمال و هي قرة عينة . لكنها أيضا تلك التي تؤوي الحيوانات الشريرة الضالة ... لماذا ؟ لأنها تشعر أنها هي نفسها أسبه بالضالة الشريدة . و لولا هذه الحيوانات لشعرت بحياتها فارغة موحشة . و ها هي الآن امرأة عاملة في القمة و قد سئمت العمل . في أعماقها ما تزال تلك الصبية ذات العشر سنوات التي هجرها أبوها من دون أن يلتقي عليها نظرة واحدة ، و كم كانت شغوفة به !. فكرت في دايفيد الذي أحبت فيه الرقةو اللطف ، بينما لم يعجب به أحد من أسرتها . قال جدها إنه ممل ، أما تريقور فكان أكثر جرأة في تفسير ذلك : لن يشعل أبدا نهر التايمس. لكنها لم ترد رجلا يشعل نهر التايمس ، بل إنسانا أن تعتمد على ثباته . و قد ناسبها دايفيد من هذه الجهة تماما . كان كذلك على الاقل ، إلى حين خلافهما ... لكنه ذنبها أيضا كما أكدت لنفسها ، فقد جرحت كرامته بطريقتها الخرقاء في تقديم المساعدة . و عندما يت****ان ستكون أكثر أكثر حذرا. دايفيد رجل مسالم جدير بالثقة ، صحيح أنها تمنت أحيانا لو كان أكثر حزما ، خاصة حين يمس ضعفه قلبها . لكنها تحمل في أعماقها قوة هادئة . و على قدر ما تحتاج إلى رجل تعتمد عليه ، فهي أيضا بحاجة إلى رجل يعتمد عليها ، إذ لا يمكنها أن تتخلى عن أي شخص بحاجة إلى حمايتها . و هكذا لم يكن على دايفيد سوى أن يبتسم قائلا : ماذا كنت لأفعل من دونك ؟ حتى تذوب أمامه حبا و حنانا ، و لهذا أحبت دايفيد بكل جوارحها . و لهذا أيضا لن تقع في حب ستيفن على الإطلاق ، فهو لا يملك ما ينبئ عن ضعف في شخصيته . أما ما حدث بينهما فشعور مختلف ...كان أشبه بتحذير من حواسها لئلا تقع في شباك الرجل غير المناسب . وصلت المكتب باندفاع و نشاط و بالكاد لاحظت نظرات موظفيها ترمقها بفضول . كالعادة ، استهلت مهماتها بتفقد أسعار أسهم الشركة . و ما أنجزت هذه المهمة حتى جلست تحدق في شاشة الكمبيوتر و هي تقطب جبينها . - لا يمكن أن يكون هذا صحيحا . لماذا ترتفع أسعارنا إلى هذا الحد منذ أمس ؟. لكن الأرقام نفسها عادت إلى الظهور ، و في الدقيقة التالية رن الهاتف بجانبها و إذا بتريقور يقول لها : الأفضل أن تأتي إلى هنا و تعلمينني بما يجري. اجتازات جينيفر الممر إلى مكتبه و قد تملكتها الحيرة ثم قالت له و هي تغلق الباب خلفها : لم أفهم أيا من هذا . - إنني أتحدث عنك و عن شركة (( مشاريع تشارترز )). - ليست لي أية علاقة مع (( مشاريع تشارترز )). فأجابها تريفور ساخرا : آه كلا ؟ كما أنك لم تكوني مع مديرها الليلة الماشية ، كما أظن. - إنك تعلم أني كنت الليلة الماشية .. في الحفلة مع مايك هاركر ..... كلا ، انتظر ... قال إن اسمه الحقيقي هو (( ستيفن ليري )). - إذاا أخبرك بذلك ، و لم تسمعي صفارات الإنذار ؟. و ألقى تريفور صحيفة على مكتبة ، فاتسعت عينا جينيفر و هي ترى صورتها و ستيفن يرقصان . أما التعليق تحت الصورة فيصف تفاصيل الحفلة ، كما تحدث عنها و هن (( ستيفن ليري )) مدير شركة (( مشاريع تشارتيريز )) ، و مالك أكبر قسم من الأسهم و مهندس نجاحها الرئيسي. قال تريفور: يظن الناس أننا نتعامل مع شركة (( تشارتريز )) و لهذا ترتفع أسهمنا بشكل سريع... قالت بذهن شارد: لا أفهم هذا . لقد أخبرني أن (( مايك هاركر )) هو ممثل فاشل. فرد أخوها و هو يصرف بأسنانه : لكن هذاليسمايك هاركر . - حسنا ، إنه الرجل الذي ظهر على عتبة بابي . هذا .... أنا لا أفهم . لقد وقفت و تحدثت مع عدة رجال . - مثل هذا ؟. وضع تريفور إصبعه على صورة إخرى فتنفست جينيفر بحدة و قد فهمت ما يعني ، لقد التقطت الصورة عندما كان ستيفن يراقصها . أخذت تتأمل الصور بذعر . كيف كانت تنظر إليه بتلك الطريقة ؟ و هو ؟ هل فقد رشده هو أيضا ؟ أم تراه يضحك لأنه نجح في خداعه ؟. قالت عابسه : أظنني سأتحدث إلى السيد هاركر ... أو ليري .... لأو مهما يكن اسمه. اتصلت بشركة (( مشاريع تشارتيريز )) فردت عليها السكرتيرة ، و بسرعة أمرتها جينيفر: أبلغي من فضلك السيد ليري أنني لا أعرف ما هي لعبته ، لكنني سأعرفها حتما . * * * * * * * * * * * وصل ستيفن إلة مكتبه فوجد الصحيفة ملقاة على طاولته ، و موظفيه مغتبطين لهذا الانقلاب المفاجئ . كانوا يعلمون أن ستيفن يفاوض منذ مدة لشراء شركة (( كير كسن ديبوتز )) الواقعة في نفس منطقة (( نوثون )). لكن كير كسن يظل يطلب ثمنا مرتفعا للغاية . و هكذا افترض الكل الآن أن ستيفن يقوم بلعبة خفية .
أمعن النظر في الصورة ، و تأمل ثوب الساتان الذي يغطي جسد جينيفر . أما هي فكانت ترفع بصرها إليه ، و كأن مرافقها هو الرجل الوحيد في العالم . تريده أن يعتقد أن هذا كله مجرد تمثيل ، و ذلك من أجل رجل آخر ، و قد كاد يخدع تقريبا .... حتى آخر لحظة في السهرة ...بإمكانها أن تنكر قدر ما تشاء فهو يعلم الحقيقة الآن . فتحت سكرتيرته الباب . أليس امرأة كفؤ في منتصف العمر .. فقالت : جايمس كير كسون هنا. أطل جايمس كير كسون و هو يتفوه بكلمات مثل الت**** و إعادة التفكير ، أما ستيفن فقد أخفى ملامحه خلف ستار من الجمود ليغطي شعوره بالفوز . بعد دقائق ستصبح شركة (( كير كسون ديبوتز )) ملكه ، و ستكون هذه أنجح صفقه له . لكن الهاتف قطع عليه حبل أفكاره و إذا بصوت أليس يقول : إنها الآنسه (( نوثون )) . إنها غاضبة جدا و هي في طريقها ألينا . ألقى ستيفن نظرة على كير كسون ، ثم اتخذ قرارا مفاجئا : عندما تصل قولي لها إنني مجنون بحبها . - حسنا جدا يا سيدي. - بعد ربع ساعة بالضبط ، انفتح باب أليس و دخلت جينفر و هي تقول بحزم : أريد رؤية ستيفن ليري. - هذا غير ممكن مع الأسف . ألا تتفضلين بالجلوس؟. - وقتي لا يسمح لي بالجلوس . إن رئيسك رجل متستر مرواغ .. - لا بد أنك الآنسة نوثون ؟. - نعم ، هذا صحيح . فقالت أليس بجمود : في هذه الحالة ، السيد ليري يحبك حتى الجنون . تسمرت جينيفر في مكانها و اخذ رأسها يدور و بلحظة واحدة توهج العالم و اندفعت النجوم في الفضاء . لكن سرعان ما عادت حواسها إليها و أدركت أن ستيفن يهدف إلى خدعة ما ... سألتها و هي تلوي شفتيها : هل يوظفك عنده لكي تقولي مثل هذه الاشياء ؟. - نعم ، في مناسبة كهذه . - مهما بلغ ما يدفعه لك فهو غير كاف . - أوافقك على هذا . أتريدين قهوة ؟. - ما أريده منك هو رأس ستيفن ليري على طبق . لكن أفضل أن أحضر ذلك بنفسي. تحركت السكرتيرة نحو الباب ، لكن جينيفر أسرع منها ، إذ اندفعت إلى مكتب ستيفن و هي تصرخ : كيف تجرؤ على إخبار الصحافة كل ذلك الكلام الفارغ عنا بينما تعلم جيدا ... لم تقل أكثر من هذا ، لأن ستيفن ترك كرسيه مندفعا نحوها ليمنعها من الكلام . ما زاد من سخط جينيفر و ثورتها قوله لها : المتعة مع العمل ، يا حبيبتي . ثم أخفض صوته متابعا بسرعه: أظهري لي حبك ، أرجوك . فأجابت : و لا بعد مليون سنة. - إنك تبدين رائعة و أنت غاضبة . لكن احساسها بقربه منها جعل العالم يدور حولها فعجزت عن التفكير أو القيام بأية حركة ... كانت تلك الاحاسيس في داخلها تفجر فيها ما هو أقوى من الغضب . لكنها لحظة و انطفأت ، استعادت بعدها جينفر رشدها . فابتعدت عنه و قلبها يخفق بعنف .نظرت إلى وجهه متوقعة أن ترى بريق الفوز ، لكنها ذهلت و هي تلمح صدى مشاعرها هي . كانت عيناه تلمعان بوميض غريب ... قال بصوت مبحوح : جينيفر ... دعيني أقدمك إلى ... أين هو ؟. أجابت أليس من عند العتبة : تسلل السيد كير كسون خارجا أثنا انشغالكما. قال ستيفن ثائرا و هو يترك جينيفر بسرعة لا تليق بالمحبين: تبا لذلك كان على وشك الخضوع. - اتجرؤ على لومي؟. - لو أنك ام تدخلي لاشتريت شركة كيركسون بثمن بخس. - شركة (( كير كسون ديبوتز))؟ إذا فهذا هدفك من مرافقتي الليلة الماضية ؟. - كلا ، أبدا . كان الأمر مجرد مصدافة . - هذا غير صحيح . - لا تكذبيني . عليك أن تجيبيني عن الكثير . - أنا ...؟ - لقد أفسدت علي صقفة كانت ستجلب إلى الشركة مبلغا كبيرا. - صفقة ما كانت لتحصل لو أنك لم تخدعني . قال وهو يصرف بأسنانه : أنا لم أخدعك . إن مايك هاركر صديق بدا لي نصف ميت من الأنفلونزا ، و هكذا أخذت مكانه ، هذا كل شئ.فتحت أليس الباب مرة أخرى : مخابرة تليفونية للآنسة نورثون . حولتها إلى المكتب. رفعت جينيفر السماعة و قد تملكتها الحيرة ، فوجدت نفسها تتحدث إلى أخيها و هو يقول متذمرا : لقد اندفعت إلى الخارج م دون تفكير ... اتصل بنا جدنا ، لقد طار فوق السحاب من شدة الفرح و هو يرى ارتفاع سعر الأسهم . - آه ، كلا !. قالت ذلك بصوت منخفض فعند إنشاء الشركة كان حلم جدهما أن يرتفع سعر الأسهم ، و هاذقد أبصر حلمه النور. - طلب منك أن تدعي ستيفن ليري إلى العشاء. فقالت لستيفن : انظر ماذا فعلت ! إن جدي يدعوك للعشاء . - حسن جدا ن لقد قبلت الدعوة . - و هذه القص الجنونية ، أين ستنتهي ؟. فقال بخبث : من يعلم ، و لكن من الممتع أن نعرف . ثم تناول السماعة من يدها و أخذ يتحدث : يا سيد نوثون ، يسرني قبول دعوتك . رفعت جينيفر سماعة التيلفون الثانية : فسمعت تريفور يقول : لقد دعانا جدي جميعا إلى بيته بعد الغدر. و هو يرجو ألا تمانع فب أن تكون زائدا عن العدد. اجاب ستيفن : يمكنني أن أصحب أختي لكي تقوم بحمايتي أيضا . - من الطبيعي أن يزداد سرورنا بأختك ، يا سيد ليري ، هذا إذا كنت لا تظنها ستسأم . - (( مادونا )) فتاة جادة تماما ، و هي تحب كسب المال . أنا واثق من أنكمما ستنسجمان تماما. - سأترك لجينيفر أن ترتب الأمور معك. و أقفل الخط. نظر إلى عيني جينيفر الساخطتين ، و قال : إنني متشوف للتعرف إلى أسرتك ... سأخبر أختي. قالت جينيفر : إن جدي يحب ابتداء المساء الساعة الثامنة. - سنكون هناك عند الثامنة . والآن ، مالذي تودين فعله؟ قال ستيفن ذلك بتأمل و كأنه يحدث نفسه. أخيرا قالت و هي تحاول أن تبدو هادئة : ما أود أن أفعله فعلا هو خارج حدود التهذيب . عندما أفكر في تصرفاتك الليلة الماضية ، عندما جعلتني أظنك مجرد ممثل فقير .. ثم أخذت الأزرار الثمينة تحت ستار ادعائك ذاك ...عليك أن تعيدها إلي . - هذا غير ممكن ، فقد أعطيتها لمايك هاركر. - فقالت بصعوبة : لقد حان وقت ذهابي .. سأراك أثناء حفلة العشاء. - و أنا متشوق لذلك .
* * * * * * * * * *
هذه المرة كان الحظ وحدة قد أسعف ستيفن حتى يمر بمنزل جينيفر في المساء التالي . فقد كان يزور أحد زبائنه المهمين و إلا لما صادف وجوده في تلك الناحية أبدا. خطر له أن ينزل لزيارتها . سيكونممتعا أن يراها على طبيعتها ، و الأحسن من ذلك أن يفاجئها . و بما أنه كان صادقا مع نفسه ، فقد اعترف بأنه سيسر بهذه الزيارة. لكن الحظ انقلب على الساحر كما يقال . لقد توقع شتى أنواع الترحيب إلا ذاك الذي حصل عليه فما إن رن جرس الباب حتى سمع وقع أقدام تتسارع . و إذا بالباب ينفتح و تبدو جينيفر و هي تقف على العتبة و تتكلم بسرعة و قد بدا عليها الارتياح : الحمد لله أنك هنا.آه ، رباه ، أنت وحدك! كانت النساء عادة تستقبل ستيفن بطرق نختلفة تتراوح ما بين : يا حبيبي ، ما أروع هذا – إلى – كيف تجرؤ على أن تريني وجهك مرة أخرى ؟ ... و لكن رباه أنت وحدك !! هذه جديدة عليه. - نعم ، هذا أنا . أظنك تتوقعين سواي . و من دون أن تجيبه ،مرت بجانبه ثم نزلت إلى ممر الحديقة و منه إلى الشارع . و عندما لم تر أحدا عادت أدراجها محبطة . لم يكد ستيفن يعرفها . فقد كانت تلبس بنطلون جينز قديما و قميصا لا شكل له غطى جسمها ما عدا ساقيها ، فلديها أطول ساقين رآهما لامرأة. كان وجهها خاليا من الزينة و شعرها مسترسلا و كأنها كانت تنكشه سخطا و قلقا . بدت مختلفة تماما عن تلك المرأة الانيقة الرائعة التي عرفها في الحفلة ، ـو ذلك الملاك المنتقم الذي اقتحم عليه مكتبه. قالت نائحة و هي تعود إلى بيتها و تغلق الباب خلفها : هذا فظيع. رد بشئ من الضيق: شكرا . آسف لكوني مصيبة حلت عليك. حاولت أن ترجع شعرها إلى الخلف لكنه عاد فغطى جبهتها : ليس ذنبك . - من كنتي تتمنين أن أكون ؟. فقالت بحدة : البيطري .. (( مخالب )) على وشك الولادة . - مخالب ..؟. - إنها قطتي . ليست قطتي بالضبط ، و ؟إنما جاءت إلى بيتي تبحث عن مأوى ، ثم استقرت فيه ، و ام أكن أعلم أنها حامل . مؤخرا أخذت تتصرف بشكل غريب ، و فجأة أدركت مبلغ بدانتها... - ماذا تعنين بقولك تتصرف بشكل غريب ؟. - أخذت تحفرا حفرا في الحديقة و تجلس فيها . ثم إنها تلهث و كأنها تتألم . - أين هي ؟. - استطعت أن اعيدها إلى صندوقها في الغرفة الأمامية . تابع إشارة اصبعها . ثم توجه إلى توجه إلى حيث القطة ، قابعة في صندوق من الكرتون و حولها الوسائد . أخذت مخال تنظر اليه بلهفه ركع على الارض بجانبها و أخذ يتحسس بطنها . - نعم إنها حبلى بأربعة على الأقل . سألته برجاء : هل تعرف شيء عن القطط ؟ . - في صغري ، كان لجارتنا قطة تلد كل ستة أشهر . كانت تأتي دوما لحديقتنا لكي تلد . و هكذا اعتدت عليها دائما . لطالما فضلت الجرائد. - هذا حسن . هرعت جينيفر إلى المطبخ ثم عادت برزمة من الجرائد ، أما ستيفن فوضعالقطة بين ذراعي جينيفر . و رفع الوسائد من الصندوق ، ثم أخذ يبطنه بالصحف . و عندما عادت مخالب إلى الصندوق أخذت تتشمم حولها ، ثم استقرت و بدا أنها تنظر إلى ستيفن بثقة.
سألته جينيفر بابتسامه مرتجفة : إنك تعلم بما تفكر القطة . الحمد لله لوجود شخص خبير بالهررة. - ما دامت هي ****ة . لكنني سأكون أكثر سرورا لو أحضرت بيطريا. - من المفروض أن يكون هنا ، لقد ظننتك هو . هل لك أن ترعاها ريثما اتصل به و أتحقق من سبب تأخره ؟. ثم توارت قبل أن ينبس بكلمة. قال ستيفن يحدث القطة: لإنها مجنونة . كيف لم تلحظ أنك حامل ؟ ها إنك في حالة صعبة . كانت القطة قد عادت تتألم ، و اخذت تلهث بسرعة . صاح ستيفن: أخبريهم بأن يسرعوا. فعادت إليه قائلة : يجهل الجميع مكان البيطري . لقد غادر عيادته منذ نصف ساعة . عليه إذا أن يكون هنا الآن ، لكن يبو انه ذهب مع الريح ...ماهذا ؟ هل تأكل مخالب سجقة ؟. فأجاب : لا إنها قطيطة أنجبتها منذ دقيقة . و هي تلحس لكي تتمكن من التنفس جيدا . كانت القطة تلعق وليدتها بلسان وردي ، أما القطيطة فأخذت تتلوى و تموء بصوت ضئيل . و ما إن أبصرت جينيفر هذا المنظر حتى هبطت على ركبتيها و هي تبتسم مبتهجة . بتردد مدت يدها لتلامس مخالب. نهض ستيفن بهدوء و دخل المطبخ ، ثم عاد بعد دقائق بابريق القهوة. كانت جينيفر ما تزال مستغرقة في التأمل فلم تنتبه له فيما وقف هو للحظة يتفرج على تلك الإشراقة الخفيفة التي زينت وجهها المبتهج. قال لها : يستحسن أن نتركها لحظة فمهمتها لم تنته بعد .. إنها بحاجة إلى الهدوء و الأمان . ثم ساعدها لتقف على قدميها و جذب كرسيين يستران الصندوق يقول : هذا يمنحها شعورا بالانفراد. سألته و هي تنظر إلى القهوة: متى اعددت هذه ؟. - أخذت أفتش في المطب عبثا . لم يكن الأمر سهلا . و أخير اكتشفت أن الشاي في وعاء السكر ، و السكر في علبة الثوم و القهوة في وعاء مكتوب علية ( شاي ). اما العثور على البسكويت في علبة البسكويت فصعب للغاية ، لكنني واجهت الأمر بنجاح. سكب لها القهوة ، ثم أفرغ السكر بلباقة مدهشة . و عندما رآها تنظر إليه قال : إنني مؤهل للخدمة المنزلية لقد علمتني أمي هذا. - هذا آخر ما توقعته منك. - إن الحكم على المظاهر عادة سيئة للغاية . و أظنك تعلمين هذا كما أعلمه ، فلم أتوقع أن أرآك على هذا الشكل قط . - ماذا كنت تتوقع أن ترى إذا ؟ أعني لماذا أنت هنا؟. - لست واثقا تماما . مررت بزبون خارج المدينة و عدت أدراجي من هذا الاتجاه و هكذا فكرت في زيارتك ، و إذ بي أتلقى مفاجأة حياتي. رآها تتلصص بالنظر حولها فقال بحزم: دعيها . ستمضي نصف ساعة قبل ولادة القطيطة الأخرى و إلى ذلك الحين يكون البيطري قد وصل. لكن نصف ساعة انقضت من دون أي أثر للبيطري و في ذلك الوقت ظهرت قطيطة أخرى .تحسس ستيفن بطن القطة برفق ثم قال : هنالك اثنتان أخريتان ، لكن الأمور تسير على ما يرام. ذهبت إلى المطبخ و استعدت للعمل بينما أخذ ستيفن ينظر في انحاء البيت و هو يحاول أن يوفق بين هذه الزيارة و زيارته الماضية . لقد جاء إلى هنا للمرة الأولى ليأخذها إلى حفلة و عند ذلك احتار إذ وجدها تعيش في منزل من طابق واحد ...صعب أن يتخيل هذه المخلوقة الرشيقة صاحبة الثوب الرائع إلا في شقة صغيرة أنيقة ففي طبيعتها حنكة تناقض هذه الفيلا المريحة . سألها و هو يقف بجانب باب المطبخ : منذ متى تسكنين هنا ؟. رفعت رأسها من داخل الخزانة : اشتريته منذ سنتين. - هل كنتي تسكنين فيه مع أحد ؟. - ماذا تقول ؟. - أعني من الغريب أن تسكن امرأة وحدها فيلا. بدت الدهشة : أحقا ؟ لقد احببت هذا المكان من اول نظرة و شعرت أن علي أن أعيش هنا. و فيما هي تقطع الفلفل الأخضر إلى شرائح ، أخذ ستيفن يتأملها لبرهة ثم ما لبث أن عاد إلى الغرفة . سمعته جينيفر يتمتم محثا مخالب فأدركت أنها لن تفهم هذا الرجل بسهولة. أخذت في اليومين الأخيرين تتحرى عن شخصيته فما زاده إلا حيرة لقد أنشأ سلسلة الحوانيت الصغيرة قبل ان يبيعها ثم ينضم إلى شركة غي ناجحة فقلبها رأسا على عقب ... باع أقسامها و جدد فيها ضاعف انتاجها و استنتجت جينيفر أنه رجل مدمن على العمل ، صلب ، حاذق ، طموح .... تحدثت إحدى الصحف عن تعدد علاقاته النسائية و اشارت إلى أن أي منها لم تدم طويلا . و عدا ذلك لم يشر احد إلى حياته الخاصة. و يبدو أن معاملاته التجارية هي غرامه الوحيد. و لكن كيف يتفق ذلك مع رجل تحول هذه الليلة إلى قابلة لتوليد القطط ؟ و أخذ الفضول يلدغها . و كذلك ازداد فضول ستيفن ، فكلما ازدادت معرفته بها قل ما يعرفه عنها . على رف المدفأة أبصر صورة لرجل كبير السن ذي وجه نحيل و إلى جانبها صورة صبي و صبية و الاثنان في سن المراهقة ثم صورة لامرأة في الثلاثينيات تشبة جينيفر - تلك هي امي . قالت جينفر ذلك و هي تدخل بأدوات المائدة ثم رتبتها على الطاولة. - و اين ابوك ؟. - ذلك الرجل العجوز على آخر الرف هو جدي . - و ستتعرف إليه مساء غد.
تكهنت بأنه هو .ماذا عن أبيك ؟. - و هذه صورتي مع تريفور عندما كنا صبيين. - أين .... ؟. لكن جينيفر عادت إلى المطبخ . و عندما احضرت الطعام بعد دقائق كان ستيفن قد أطفأ كل الانوار ما عدا مصباح المائدة. ثم ركع بجانب القطة متمتما : هيا يا فتاتي الماهرة ... قد أوشكت على الانتهاء. ما إن سمع خطوات جينفر حتر رفع بصره. - في العتمة يزداد سرورها . هل يمكنك أن تهتدي إلى طريقك ؟. - تقريبا . لا تقلق. وضعت الخبز و السلطةعلى المائدة ، و ذهبت تحضر (( البفتيك )) بينما جلس ستيفن من بعيد ليراقب القطة. رن جرس الهاتف ، فاختطفت جينيفر السماعة و إذ بالبيطري يقول : أنا آسف جدا . لقد تعطلت سيارتي ...لن أستطيع الحضور قبل ساعة على الأقل. - لا تهتم ، القطة في ايدي أمينة . - فقال ستيفن ساخرا : شكرا لهذه الثقة. سألته بلهفة: إنها بخير ، أليس كذلك ؟. - بحالة ممتازة حسب رأيي إنك تهتمين لها حقا . أليس كذلك؟. - حسنا ، إنها حيوان صغير لطيف - و هل هي رفيقتك الوحيدة في هذا البيت ؟. - سبق و اخبرتك أنني احب هذا المكان. - هل ستقيمان ، أنت و دايفيد ، هنا حين تتزوجان ؟. - أظن من الآفضل ان نترك دايفيد جانبا . - ألم يتصل بك بعد تلك الليلة ؟. - قلت إن هذا يكفي . قالت ذلك و التحذير في صوتها. - أظنه لم يتصل . رفضت جينيفر:الإجابة . لا تريد الشجار معه ، خاصة لأجل القطة . لكنه ضرب على الوتر الحساس فهي حقا لم تسمع شيئا من دايفيد . قال بلطف: هل يمكنني الحصول على المزيد من السلطة ؟. أجابت بجمود: بكل تأكيد. ثم تابع و هو يتحداها بابتسامتة خبيثة : استمري . نفسي عن مشاعرك. أفرغيها علي. فقالت بتكلف: كل ما أشعر به نحوك حاليا هو عرفان الجميل لأجل مخالب. - لأجل مخالب ؟ إنك تحبين حقا تلك القطة ما دمت تصفحين عني لذكرى دايفيد. - أيمكننا تغير الموضوع الآن؟. - لا بأس . أخبريني لماذا لا تضعين صورة لوالدك؟. - لأنه هجرنا عندما كنت في العاشرة من عمري ، و لم نسمع خبرا منه منذ ذلك الحين. - آه أنا آسف صحيح أنه ليس من شأني لكني لا أفهم . أظنني سمعت باسم بارني نورثون لكنني لم اسمع أن له ابنا فقط . - ليس له ابن بل ابنة وحيدة و هي امي . - و لماذا تحملين اسم نورثون إذن ؟. - كان اسمى العائلي (( ويزلي )) و لكن عندما ماتت امي حضننا جدي و منحنا اسمه. - هل استشاركما في ذلك أولا ؟. - كلا بل قام بذلك من نفسه. - كلا ، أبدا خذ مزيدا من القهوة. - غيرت الموضوع عمدا . امتشفت انها الآن تشعر بمودةنحو ستيفن أكثر مما تتصور.لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع أن تصف له شعورها عندما فقدت هويتها. - كانت جينيفر نورثون حفيدة بارني نورثون و طالما استمتعت بحبه لها أما جينيفر ويزلي في تلك التي ظنت أنها حبيبة ابيها ، لكنها ما لبث أن نبذها و رحل دون عودة . كم من الليالي أمضتها تبكي تلك الخيانة التي لم تفهم سببها ، ذلك الجرك الذي لم يندمل بعد . أنبأتها ساعة الجدار بأن موعد اتصال دايفيد المعتاد قد حان و لكنها أيام رحلت ... و فجأة صدح الهاتف بالرنين قفزت من كرسيها و اندفعت إلى التليفون متجاهلة ستيفن . فقطب حاجبيه و أخذ ينظر إلى وجهها ، و سرعان ما قرأ فيه خيبة الأمل حين عرفت جينيفر المتصل . قالت : فهمت . شكرا لإعلامي بذلك. أقفلت السناعة و وقفت لحظة و هي تحاول التعود على الفراغ الكئيب الذي لفها من رأسها حتى اخمص قدميها ... لطالما دغدغ صوت دايفيد سمعها . أما الآن فقد انتهى كل شئ ، عادت مرة أخرى تلك الفتاة الصغيرة التي لم تصدق أن بابا رحل للأبد . عادت تلك الطفلة التي كلما دار المفتاح في القفل ، توقعت من لم يجئ قط و لن يجئ أبدا . رأت ستيفن يراقبها، فتكلفت ابتسامة إنه البيطري مرة أخرى . يقول إنه يبذل جهده للقدوم. أجاب برقه: فهمت. - لماذا تحدق في؟. - أأفعل هذا حقا ؟ آسف ، دعينا نلقي نظرة على الأم . كانت مخالب قد وضعت مولودها الرابع. قال : دوما كنت اجهز حليبا دافئا في هذه المناسبة فالوضع يستلزم جهدا يحعل الأم ضعيفة و بحاجة إلى ما يقويها.
عندما عادت كانت القطة قد وضعت مولودها الرابع و أخذت تلعقهبنشاط و حين انتهت أخذت تلعق الحليب . ثم استقرت مع مواليدها و قد بان عليها الرضا لأدائها مهمتها على أكمل وجه. - أظن الولادة انتهت ولكن على البيطري أن يقرر ذلك . قالت جينفر بلهفة : انظر المولود الأخير أسود اللون أبيض المخالب أمه. فقال ستيفن ضاحكا: مخالب رقم اثنين. - ربما هو ذكر . عند ذلك سأسميه ستيفن. و جلست متربعة أمام الصندوق و قد بدت على وجهها نشوة غامرة. - أبقي هنا و سأعد أنا القهوة. دخل ستيفن المطبخ و عندما كانت جينيفر ما تزال جالسة في الوضع نفسه تتفرج على الاسرة الصغيرة الجديدة بلذة بالغة فأخذ ستيفن ينظر إليها بحيرة . ثم سألها بصوت يكاد يقارب الهمس. - أهذا ما تريدينه حقا ؟ أن ترعي الحيوانات؟. قالت و هي تتناول القهوة : أظن ذلك . برأي تريفور هذا المكان أشبه بمنطقة يحظر فيها الصيد ، و لكن لا يمكنني أن أحضر كثيرا من الحيوانات لأنني خارج المنزل طوال النهار. قالت ذلك و هي تهمس بدورها كي لا تزعج القطة. - لأنك من ملوك الصناعة ؟. مطت شفتيها : لا أشعر بأنني من ملوك الصناعة. - لا يبدو عليك ذلك في هذه اللحظة . أأنت المرأة التي اندفعت إلى مكتبي أمس وهي تقول لسكرتيرة إنها تريد رأسي على طبق؟. قالت و هي تحجب عينيها : لا تذكرني بذلك خاصة و قد كنت طيبا معي. - لكنني أحب ذلك ، تقول اليس إنك بدوت طاغية كطغاة القرون الوسطى لاسيما عندما قلت : أحضري رأس ستيفن ليري . كم أتمنى لو سمعتك بنفسي. - هذا فظيع يا ستيفن . مازلت غاضبة منك لأنك خدعتني. قال ضاحكا : لا بأس في ذلك .. أتمتع بقلب قوي و يمكنني الاحتمال . فسألته : و لكن كيف أمون غاضبة منك و قد دعوت القطيطة لتوي باسمك ؟. - هذه أحجية ، أليس كذلك ؟ لماذا لا تغيرين اسم القطيطة مرة أخرى فنعود عدوين ؟. - هل تريدنا أن نكون عدوين ؟. - متعة هذا لا تضاهي متة كوننا عاشقين. - تعني صديقين ؟. - أعرف ما أعنيه. و لمعت عيناه في العتمة ، لكن جينفر رفضت التجاوب فقالت : بعد هذا الليلة ،لن افكر فيك كعدو أبدا . - هذا تسرع منك ،فأنت لا تعرفنني إلى هذه الدرجة كي تثقي بي. - أظن كلامك صحيح . و ربما لن أعرفك ابدا . - مع أن نصف لندن تتحدث عن مشاعرنا الجنونية . - سرعان ما يتحدثون عن شئ آخر .الفضائح تولد و تموت. - هل نحن كذلك ؟ فضيحة ؟ . فقالت بحزم : بل وقود للأقاويل ...سيفقدون الاهتمام لاحقا . - و لكن هل سنفقد نحن ذلك ؟. كانت تعلم أنهما يتوهان في أرض خطرة ، و لكن ما أروع أن تنظر إلى التألق في عينيه...لا ، فهذه طريقة جنونية لقضاء الأمسية . و مع ذلك ، فقد كانت إحدى أجمل الأمسيات التي قضتها في حياتها . كانت مشاعرها ****ة تماما ، و تختلف عن تلك المشاعر الخطرة التي بعثها فيها من ، إنما هذا ما تحتاجه حاليا. فجأة قاطعهما جرس الباب المزعج ، و إذا بالطبيب على العتبة يعتذر. فقبلت جينفر اعتذاره و هي تدخله إلى حيث الصندوق ، أما ستيفن فنهض ليجمع أغراضه .لقد انتهى هذا المساء الممتع !. قال و هو يتوجه نحو الباب أراك غدا في منزل جدك . أترقب تلك الحفلة بشوق ولو أنني أشك في أنها ستكون بمثل بهجة هذا المساء. تصبحين على خير يا جينيفر. - تصبح على خير يا ستيفن ، و شكرا .
الجزء الرابع
معا في ضوء القمر
أمضت جينيفر عصر اليوم التالي في زيارة أحد زبائنها و عندما عادت إلى مكتبها وجدت عدة رسائل هاتفية تنتظرها على الجهاز . قالن السكرتيرة : اتصل دايفيد كونر خمس مرات . لا أظنه صدقني حين أخذت أردد على مسمعه أنك غير موجودة. منذ تلك الحفلة فكرت في دايفيد و تسائلت إن كان يرغب في رؤيتها و كم قاومت إغراء الاتصال به و ها إنها تكافأ الآن على صبرها. - دايفيد. خاطبته و هي تسمع صوته على الهاتف بمرح يتخلله العتب : شكرا لعودتك إلي أخيرا . - كنت في الخارج و قد عدت الآن . - فكرت أن نتناول شرابا في مكاننا المعتاد. - ترددت فستيفن و أخته قادمين الليلة و عليها ألا تتأخر و أخيرا حسمت الأمر : على أن تكون جلسة سريعة. - هل أنتي مرتبطة بموعد ؟. - قفز قلبها و هي تشعر بغيرته: ليس موعدا طبعا بل علي أن اعود إلى البيت - في مقهى التاج إذن ، لعدة دقائق فقط بعد ذلك بساعة ، دخلت إلى المقهى ، الخافتة انواره . مازال كل شئ على حاله . لقد نجح الأمر و دايفيد يريدها ان تعود إليه . و عندما تنتهي حفلة العشاء الليلة ، ستتمكن من التحرر من ستيفن بكل هدوء كان دايفيد ينتظرها على مائدتهما المعتادة في زواية و ما إن أقبلت نحوه ، حتى منحها تلك الابتسامه الرقيقة المترددة التي طالما مست قلبها وقف ليحيها ثم تكلما لدقائق و هما يتجنبان الإشارة إلى خصامهما أو إلى احداث الحفلة الأخيرة و أخيرا قال دايفيد : شكرا لحضورك . خفت الا تتحدثي إلي مجددا ...لقد قلت ، حينذاك ، أشياء ما كان ينبغي لها أن تقال فابتسمت سعيدة لعودتها إليه. -لقد نسيتها. - أحقا ؟ و لكن لما لم تجيبيني اليوم ؟ - كنت في الخارج ، يا دايفيد سألها بهدوء : اليس عذرا لتجنبي ؟ - كلا فلا علاقة له بالأمر بدت على شفتيه ابتسامه جافة غير مصدقة و لأول مرة تكتشف جينيفر أنها تشعر بالضيق معه . صحيح أنها تنجذب إلى جاجته إلى الاطمنان ، و لكن ألا يبالغ في ذلك قليلا ؟ و عادت كلمات ستيفن ترن في ذهنها : يبدو أنانيا معتوها لا يفكر إلا بنفسه ، و هو يظن أن كل الطرق تؤدي إليه لكنها سرعان ما أسكتت ذلك الصوت . - صدقني يا دايفيد ، لم أكن اتجنبك ، فخصامنا مر و انتهى - هل أسبب لك الإحراج ؟ لا سيما الآن و قد وجدتي شخصا آخر ؟ أحست بغيرته ... مازال يحبها إذن ؟ فقررت أن تداعبه - و أنت أيضا وجدت فتاة أخرى - بيني ؟ إنها سكرتيرتي و هي لم تخرج معي بصفتها مرافقتي ، أما أنت فقد نجحتي في إحداث مفاجأة عنيفه بضهورك مع ستيفن ليري . - هل تعرفه ؟ أعرفه تلك الليلة . و لكن منذ ذلك الحين أخبرني واحد أو اثنان عنه .... إذن كان يسأل عن ستيف ليري قال : لابد أن علاقتكما وثيقة إلى درجة أعطيته أزرار القميص ؟ اشترت تلك الازرار بعد أن أعجب بها دايفيد في الواجهة ، و يبدو أنه انتبه إليها في الحفلة . كيف تشرح له السبب من دون أن تكشف عن سر استئجارها لمرافق ؟ لا تريد أن تفعل ذلك طبعا ..... و فجأة رن هاتفها الخلوي . كان المتصل أخوها . سألها: أين أنتي ؟. - أتناول فنجان قهوة و سأحضر حالا. - أرجو السرعه . كما تعلمين علينا أن نزور جدنا لأجل ليري ذاك . كان صوت تريقور مسموعا . فتسمر دايفيد مكانه و وضع كوبه من يده بينما أسرعت جينيفر تنهي المكالمة. تمتم دايفيد بصوت مثقل : فهمت . - ليس الأمر كما تظن . إنه و أخته مدعوان لتناول العشاء عندنا . - ما اجمل هذا - إنه عشاء عمل يا دايفيد سألها متهكما : أحقا ؟ و تلاقت أعينهما ، لشد ما اشتقات إليه في الأسابيع الماضية ! و ها هي الآن تعود إليه عندما وقف دايفيد تملكها شعور غريب و كأنها فقدت شيئا ما و لكن من الحماقة ان تحكم على دايفيد أو أن تقارنه بستيفن . و هذا حبيبها دايفيد هو الرجل الذي تحب فتمالكت نفسها قائلة : إلى اللقاء حبيبي ابتسم و هو يرمقها بلطف و حنان أما هي فتركته بقل مرح . دهشت قليلا لأنه لم يطلب رؤيتها مرة أخرى ، لكنها عزت ذلك إلى عجلتها....بالتاكيد لم تسنح له فرصة لذلك كان منزل بارني عبارة عن قصر يقوم في ضاحية من ضواحي لندن ، وصلت إليه جينفر مبكرة . فاسترخت في (( البانيو )) و غسلت مع الماء همومها ثم ألقت نظرة على الصحيفة بجانبها فاتسعت عيناها تعجبا .. ارتدت ثوبا أخضر بلون الزيتون . تزينه سلسة ذهبية طويلة حتى الصدر تزدان بياقوته كبيرة ... إضافة إلى ياقوتتين تتألقان في أذنيها . كانت سعيدة لتبدد الفجوة بينها و بيم دايفيد سعيدة أكثر لأنه يحبها حتى الغيرة . نزلت إلى الطابق الأسفل فوجدت تريفور هناك أنيقا رزينا يشع قوامه الممتلئ قوة و رزانة و وقار و ما إن أبصر أخته حتى أومأ برأسه. قالت بهدوء و هي تناوله الصحيفة : أود لو أتحدث إليك لحظة على انفراد . هل رأيت هذا ؟. قرأ تريفور: تغريم شخص بسبب التسكع و التحرش بالمارة . فسألها : ما الجديد في هذا ؟. نظر ثم صفر متعجبا : فريد ويزلي .قال : انه اسم ابينا . - ربما هي مجرد مصادفة . كثيرون في هذا العالم يحملون اسم فريد ويزلي . - لعه هو نفسه . لعله يتسكع في هذه الانحاء. - لكننا لم نسمع منه كلمة واحدة منذ سنوات جينيفر حتى أننا لا نعرف إن كان حيا أم ميتا ، كما لا نريده أبدا أن يعود إلينا . - ألا نريده ؟ - كنت أصغر من أن تعلمي الحقيقة . لكنه فعلا رجل سئ للغاية و كما قال جدنا لاحق أمنا لأنها ابنة رجل غني ، و عندما تزوجا أخذ يعبث خارج بيت الزوجية و عاش عالة على الأموال التي كان جدي يدفعها لأمي . كنت اسمع مشاجراتهما . أتعلمين ما قاله لي مرة ؟ ( عندما تكبر يا ولدي لا تنس أن العالم ملئ بالنساء ) منت في الرابعة عشرة و بعد ذلك بأسبوع قطع جدي عنه النقود و طلب منه أن يجد لنفسه عملا و هكذا هجر البيت . و نرغب أبدا بعودته .... قالت متأملة : كلا ل أظن ذلك . كانت تعلم أن ما قاله تريقور صحيح . كانت حينها صغية السن إلا أنها كثيرا ما سمعت شجارتهما نبذت هذه الذكريات لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها في السؤال : هل تعلمت الدرس ذاك من أبيك ؟. - أي درس ؟. - أن العالم ملئ بالنساء ؟. فأجاب بصرامة : أعمال كثيرة تنتظرني و لا وقت لدي لذلك النوع من العلاقات التي كان والدنا يعتبرها طبيعية . داعبته بخبث : نعم يبدو أنك سبحت عكس التيار و أصبحت متطهرا لسوف سشعر أبونا بالخجل بك. - أرجو ذلك فأنا أخجل به أيضا أرجو ألا يتأخر ضيوفنا . قالت متأملة ترى ما شكل شقيقة السيد ليري ؟. امرأة عاملة حسب قوله . دخل الجد بارني مرتديا ملابس العشاء لم يكن مظهره يوحي بالهيبة بل هو قصير القامة نحيف البنية . اكتسح الشيب مفرقه فيدا لطيفا طويل الوجه بينما الرقة مرتسمة في عينيه الباسمتين ...و هذه الليلة أخذت عسناه تلمعان ابتهاجا و ترقبا لحفلة العشاء و فجأة رن جرس الباب ففتحته جينيفر و إذا بستيفن يقف عنده . بستيفن يقف عنده . -مشاء الخير يا سيد ليري . -مساء الخير يا آنسة نورثون . هل لي أن أقدم أختي ماود ؟. كان يتحدث بلهجة رسمية تدعو إلى الإعجاب ، و لكنها تناقض تماما لمعان نظرات القرصان في عينيه و ما إن تنحى جانبا حتى انكشف المنظر عن المرأة الشابة التي ترافقه . ومضت امحة صمت ... كانت في منتصف العشرينات من عمرها ، ذات جمال أخاذ شامخ بكبرياء . تكاد توازي أخاها طويلا . و لعل ذلك إلى تسريحة شعرها فهو منسق بعناية ليزين قمة رأسها . أما ثوبها فطويل يلامس الأرض و بفضل قماشه الرقيق تألق قومها أهيفا ممشوقا . جذب تريفور نفسا عميقا ثم تقدم شارد النظرات ليحي هذا الطيف الجميل. هتف بصوت أجش : أهلا و مرحبا . فأجابت بصوت أبح : أهلا و مرحبا بك . تقابلت عينا ستيفن بعيني جينيفر فابتسمت له و هي تهمس : أرى أنها ستكون سهرة حافلة . قال بابتسامة عريضة : لا أدري إن أصبت في إحضار ماود. - أتظنه سيضجرها ؟. - كلا أخاف أن تأكله هي حيا . إنها هوايتها . -لا تقلق على تريفور فالريح نفسها لا تهزه قل لي كيف تبدو بهذه الروعه ؟ - - تكرس حياتها لجمالها إنها عارضة أزياء. - لكنك أخبرت تريفور بأنها تكرس حياتها لعملها . - كلا بل قلت تكرس حياتها لتحصيل المال ...إنها تكسب مبالغ طائلة . - لاشك انك لم تصفها كما يجب. و اشرق وجه ستيفن فجأة بابتسامته العريضة : لم أستطع سوى ذلك . إن أخاك أبله مغرور و حماقته دفعتني لهذا التصرف آسف إن جرحك هذا الكلام. فضحكت جينيفر : كلا علي أن اعترف بأنني غالبا ما افكر في الشئ نفسه . - بالمناسبة كيف حال الأم الجديدة و الجراء ؟. - في احسن حال ...لقد أنجبت ثلاث إناث و ذكرا واحدا . و الجميع في افضل حال ... لم تسنح لي فرصة بالشكل المناسب
- لا ضرورة لذلك كل ما فعلته هو الجلوس هناك. قاموا للعشاء أجلس الجد ستيفن إلى جانبه و جينيفر إلى الجانب الآخر و ذعرت و هي تراه يجلس تريفور بجانب ماود. عم يتحدثان يا ترى ؟. و لكنها عندما نظرت إليهما مجددا كانا مستغرقين في الكلام .. هو يتحدث بحرارة فتجيبه هي بكلمات متقطعة .. و التقطت جينيفر نتفا من حديثه (( سوق الأسهم ... الثمن المستعجل ...)). كانت عينا ماود الكبيرتان مسمرتين على وجهه و لكن من المستحيل أن تقرأ شئ فيهما ثم ركزت انتباهها على ستيفن فوجدته يخوض حديثا عميقا مع جدها و كان ستيفن يقول : لعلك لا تعلم ذلك يا سيدي لكنك اسديتني نصيحة ثمينة فيوم درست إدارة الأعمال كان لدينا محاضرا اتخذ من طريقة عملك مثالا. بدا بارني مستمتعا تماما ولاحظت جينيفر أن قرابة روحية أصبحت تجمع الأثنين ثم تشعب الحديث و بدأتريفور يخبرهم بقصص مضحكة عن أيا جينيفر الأولى في الشركة . و أخطائها حينذاك. قالت تحتج وسط عاصفة من الضحك : هذا ليس عدلا لم اعد أفعل مثل تلك الأشياء. فقال تريفور: بل انت الآن أسوأ مازلت تتصرفين اولا ثم تفكرين بعد ذلك . إننا نسمي ذلك (( ضباب جينيفر الأحمر )) إنه يصيبها فجأة من دون سابق إنذار فتقدم على افعال جنونية أما أنا فأمضي أياما في إصلاحها. فصاحت جينفر : هذا قذف و تشويه لسمعة . لكنها في داخلها كانت مسرورة و هي ترى اخاها يتبسط في الحديث إلى حد الابتسام بل كان يبتسم كثيرا في الواقع و غالبا في اتجاه ماود. كانت ليلة دافئة و عندما انتهى العشاء تناولوا القهوة على الشرفة كان تريفور ما يزال مشغولا بماود و هي تستمع إليه بحماس اما الجد بارني فقد استقر به الحديث على موضوعه المفضل حديقته: أود لو نجول فيها لكنني متعب قليلا جينيفر عزيزتي لماذا لا تقومين بهذا الشرف ؟. كانت الحديقة مزينة ببراعة إذ تنتشر أضواء مختلفة الألوان هنا و هنالك و هكذا تمكنا رغم الظلام من رؤية الطريق عبر الممرات المتعرجة بين الاشجار. قال ستيفن فجأة : إنه مكان سارح أنا أيضا أملك حديقة واسعة و يوما ما لابد أن أزرعها كما هذه ...إنما حاليا ماود التي تهتم بها. هل تعيش معك ؟. - تقريبا يقتضي عملها أن تسافر كثيرا تظن أن لا ضرورة لقتناء منزل و هكذا تحتل غرفتين في بيتي. -أظن أن عارضات الأزياء اعتدن على محاربة الضجر ، أليس كذلك؟ أظن هذا يحدث الآن . و أخذت تضحك بصوت خافت فقال : أشك أن شيئا يربطها بتريفور. سارا بتكاسل نحو البحيرة المزينة التي بدت طويلة ضيقة يعلوها جسر ريفي مضاء بمصباح. اتكأت جينيفر على الحاجز تستمع إلى أصوات البط في الأسفل. قال ستيفن فجأة: حدسي يخبرني بأن دايفيد قد اتصل بك. - هذا مجرد تكهن منك. حاولت تصنع الهدوء لكنها لم تسطع أن تمنع ابتسامة خفيفة . - أعرف أنك تبدين مختلفة هذه الليلة أول تعارفنا كان يبدو عليك التوتر و الضيق أما المرة الثانية فبدوت مجنونة بالأمل . الليلة الماضية كنتي لطيفة إنما شاردة الذهن . أما اليوم فأنت سعيدة ساحرة و السبب واضح. - ربما و نظرت إليه بإثارة و استفزاز. قال: يحب ألا تنظري إلى رجل بهذا الشكل إذا كانت نواياك بريئة. - إنك فطن جدا يبدو أنك تفهمني جيدا. - ليس كثيرا . لا يمكنني أن أفهمك حين تكونين مع دايفيد . ماذا يملك حتى يحولك من ساحرة متوترة إلى عروس بحر مغرية ؟. قالت ضاحكة : إذن فأنت تراني عروس بحر مغرية ؟. - إنك تعرفين ما أحسه يا جينيفر تماما كما اعلم لأنه شعور مشترك . أمه موجود مع أننا لا نتفق في الرأي كثيرا . إنه موجود بالرغم من حبيبك . هل أنت على علاقة مع دايفيد بالمناسبة ؟ فاجأها السؤال . مضت لحظة استعصى عليها فيه الكلام بينما تابع ستيفن يقول : أنا لا اعني حاليا بعد خصامكما بل قبل ذلك - لا أحب الخوض في شؤون حياتي الغرامية معك . - لا يبدو عليكما ذلك ... على كل إنه قرار مناسب. فلسوف نكون ، أنا و أنتي عاشقين أخرستها وقاحته . و أخيرا قالت : حسنا ، لن نكون عاشقين أبدا. - حسب تقديري هذا ما نحن عليه الآن و انتي تعلمين هذا .. إذ مهما تلاعبنا بالكلام يبقى دائما شئ في الاعماق ..إحساس ولد فينا منذ التقينا في ليلتنا الأولى تلك . قد يمكنك التغاضي عن الأمر أما أنا فلا - أنت مخطئ . دايفيد هو من أريد ..لهذا تحطم قلبي عندما ظننت أنني فقدته فقال بمكر: نعم أذكر شيئا من تفاصيل ... تحطم قلبك ذاك . أعتقد أنك ستضعفينني الآن ....ما هذا ؟. - أين ؟ - هناك قال ستيفن ذلك ذلك و هو يقودها عبر الجسر ليتواريا خلف الأشجار .... بعدئذ أخذا يراقبان تريفور و ماود و هما يجتازان الجسر و فيما هما كذلك وصل إليهما صوت خافت - إن إعادة الصفقة إلى مكتب مونوبوليس و ميرجيرز لسمرة تخفض من أسعار الأسهم و هذا هو وقت الشراء و لكن فقط إذا و ما لبثا ان تواريا عن الأنظار وقف ستيفن و جينيفر ذاهلين و في وقت واحد انفجرا في ضحك عنيف مكتوم ثم قالت بصوت مختنق : لا أصدق هذا حتى من تريفور.
مسح ستيفن عينيه : يا للمسكينة ماود ! لن تصفح عني ابدا قالت جينيفر و قد اخذت تضحك من جديد: أزهار و ضوء قمر .... و كل ما يستطيع الحديث عنه هو مكتب مو نو بوليس و ميرجيرز لسمسرة؟ رباه ! لن اصبح عمة أبدا إذا استمر على هذه الحال و تبددت غيوم التوتر التي تعكر صفاء الجو بينهما . فسارا على ضفة البحيرة إلى ان وصلا إلى مقعد خشبي و اخذا يتاملان الحباحب المضيئة و أخيرا قالت : اظن الوقت قد حان للتحدث عن أمر افتراقنا لحذر حتى لا تهبط اسعار أسهم أي منا - آه ، و من تحدث عن الافتراق؟ لكن هذا لا يمكن أن يستمر - الأمر ليس بهذه البساظة يجب ان يرانا الناس معا مرة أخرى على الأقل بعد غد ينعقد اجتماع لحملة اسهم (( شركة ديلاكوت المتحدة )) و بما أننا نملك أسهما فيها سيكون طبيعيا جدا أن نحضره معا قالت متأملة : لا أدري ... فرد بمكر: لا تنسي أن دايفيد هو ايضا من اصحاب الأسهم وقد يكون هناك فكري في الاحتمالات المتوقعة جينيفر ...سيرانا معا ، ستخبرينه بأننا زميلان فقط ...بينما تظهرين طبعا بعض المرواغة و إذا حالفك الحظ سيرسل إليك ورودا في الليلة نفسها فقالت : أنت خبير جدا في هذه الأمور - لطالما لقبت بالمناور. بدت ابتسامته العريضة لا تقاوم و لوت جينيفر شفتيها قائلة : حسنا سأحضر ذلك الاجتماع على كل حال فإذا كانت هذه وسيلة للتأثير على دايفيد يمكنني أن أخرج معك بضع ساعات . قال باعحاب: جينيفر عندما تتحدثين بهذا الشكل لا يستطيع أي رجل مقاومتك. - ستيفن سأقوم بذلك الأمر مرة واحدة فقط و بعد ذلك تنتهي علاقتنا. - سنرى من يدري ؟ ربما خطرت لي أفكار اخرى . - لا تغير الموضوع . - إن سحرك هو الموضوع لقد فقدت شهيتي و بت شبحا لا يعرف الرقاد . فقالت و عيناها تلتقيان عينيه المازحتين : و اصبحت كاذبا ايضا أنت لا تهمل نفسك و لا يعقل أن تفقد شهيتك أو نومك . - هذا صحيح لكنني فكرت أن أعبر عن عواطفي ببعض الكلمات ....ثم كفاك غزلا بعينيك فأنا لست دايفيد كونر لكي تغويني. أخذت جينيفر تضحك . و شعرت بالسرور و الثقة بالنفس. - أتظنني قادرة على إغوائك إذا قررت ذلك ؟. - بل أظنك قادرة إذا قررت أنا أن اسمح لك بذلك. - أنا واثقة من أنك قررت ذلك فعلا ...فأنت لست من النوع الذي يتوانى في الحصول على مراده. قال : أقر بأن هذا صحيح . سألته : هل قررت تلك الليلة السماح لي بذلك ؟. - في تلك الليلة كنت امثل دورا. - ليس طوال الوقت كنت أنا التي أمثل لأجل دايفيد . - أتقصدين تلك الطريقة التي ابتسمت فيها بإغراء مع أن دايفيد لم يلحظ ذلك ؟. فردت بسرعة : هذا من تخيلاتك . - أنا رجل من دون مخيلة و ماذا عن مرافقة دايفيد هل كانت تمثل هي الأخرى ؟. - إنها سكرتيرته و عليها أن ترافقه حين يخرج فهذا جزء من عملها. - لكنها معه طوال النهار و كل يوم ، من التاسعة حتى الاخمسة . و بما أنها حريصة على عملها فهي لن ترد له أي طلب عليك أن تقلقي لذلك . - أنا أعرف دايفيد أكثر ممت تعرفه أنت. - لكنك لا تعرفين شيئا عن الرجال يا جينيفر و إلا لما خرجتي معي في ضوء القمر فيما تعلمين أنني لن أتركك دون عناق. كانت تعلم ذلك طبعا لكن كرامتها دفعتها إلى القول : سأعود الآن إلى البيت. - ليس قبل أن أعانقك. حاولت جينيفر أن تحول نظراتها عن عينيه و لكنه مازال يملك تلك السلطة عليها و رغما عنها شعرت بأحاسيس قديمة تجتاحها من جديد. نهضت عم المقعد فجأة و سارت فتبعها حتى لحق بها و هو يقول برقة : اصغي. أصغت جينيفر فسمعت شدو عندليب عذب. تمتم يقول: لو كنت معك في جلية حب ، لبحت لك بمشاعري مع أنك تنكرينها و مع أنني لا اؤمن بها . قالت ببطء كما لو انها في حلم : كلامك غامض ..كيف تشعر بشئ لا ترمن به ؟. - هذا سهل أنتي تثيرين في مشاعر لا وجود لها في الحقيقة . ولو تاكدت من وجودها فعلا لأصبت بهلع شديد . أنتي تسببين لي الاضطراب جينيفر مع أنني أدرك يأن المسألة وهم بوهم. وصلا إلى شجرة سنديان ضخمة . استندت إلى جذعه و اخذت تنظر إلى القمر و النجوم تتألق من خلال اغصانها . بينما النسائم الرقيقة تتلاعب بأوراق الشجر. قالت برقة : ربما ...و مع ذلك ، ستظل قلقا مضطربا ، فبعض الأوهام أقوى من الحقيقة . - أتشعرين بذلك ايضا ؟. - اطمئن ، الأوهام لا تدوم . سرعان ما يعود المرء أرض الواقع .
- هل ستعودين أنتي؟. - لكنني لم اترك الأرض قط . قالت ذلك و هب تعلم أنها كاذبة. اسند كتفيه العريضتين إلى جذع الشجرة و مضى يراقبها ثم قال : أحدنا يخدع نفسه و لا ادري من . - قد لا نعرف أبدا . -سنعرف يوما ما . فلنأمل ألا يحدث هذا بعد فوات الأوان. وضع يديه على جذع الشجرة و احاطها من كل جانب و كأنها سجينة. ابتسمت له واثقة من أنها ما زالت تمتلك زمام الأمور و عندما يحني رأسه ليعانقها ستكون مستعده له . و إذا بشئ يحدث ...بدا العالم قد انتقل من مكانه و كأنها كانت مخطئة منذ البداية ... ماذا تفعل هنا ؟ كبف تقوم بألاعيب الحب هذه بينما الرجل الذي تحبه حقا غير موجود ؟ دايفيد هو من تربع على عرش قلبها.... أما ستيفن فهي واثقة من أنه لا يملك حتى قلبا ليقدمه إليها . و عندما اوشك أن يعانقها أدارت رأسها جانبا و هي تتنفس بسرعة . توقف ستيفن و هو يتأملها بعينين ثاقبتين . رأى ارتجاف و لمعان على أهدابها ففهم . ابتعد عنها و هو يقول بخشونه: أنت لا تفهمين أبسط الأمور عن الرجال. و أوشكت أن تدافع عن نفسها ، لولا انه كان قد رحل عنها.
* * * * * * * * * * *
منذ توفي والد ستيفن و ماود قبل سنوات عاش الاثنان معا من دون أقرباء. و رغم السنوات الاربعة عشر التي تفصل بين عمريهما لطالما اعتمد الواحد منهما على الاخر و سلمه كل أسراره . كانت ماود تعجب بنباهة أخيها بينما يحترم هو ذكاءها و فطنتها . قالت له و هما في طريق العودة إلى المنزل. - إذن فهذه جينيفر . إنها فاتنو و تشع بهاء. أجاب ببطء : هذا صحيح . مكالمة هاتفية واحدة من حبيبها تحولها امرأة أخرى. - و لكن ... ألست أنت حبيبها. - ليس بعد. قال ذلك ثم خلد إلى الصمت ، متغاضيا عن تلك النظرات الفضولية التي أخذت أخته ترمقه بها ، و اخيرا سألته : من هو الرجل الآخر؟. - شخص تافه يدعى دايفيد كونر ، لكنه لن يستمر معها. - لكنه موجود الآن ، سيكون عثرة في وجهك .. أنا التي طالما اعتقدت أنك لن تقابل امرأة تناسبك. - وضحكت فقال: و لن أقابل أبدا ....جينيفر امرأة جذابة حقا و أنا متشوق إلى الأسابيع القليلة القادمة لكنني لا أظن أن هناك ما يدعو إلى القلق. - يا أخي العزيز قد لا اكون ماهرة في امور كثيرة لكنني ماهرة جدا في معرفة أفكار الناس. - ما شككت قد في هذا . - لو نشبت معركة ، فسأساندها هي بالتأكيد .. أفضل أن أراك تتخبط في آلام و مشاكل الحب. انفجر ضاحكا بصوت عال : لا تضعي هذا في حسابك ....بالمناسبة ، أنا آسف لهذه الليلة ... لو كنت اعلم أن تريفور سيحضر ، لما اصطحبتك معي لقضاء هذه الامسية معه. - آه لكنني وجدته طيبا ظريفا للغاية. - طيب ظريف ؟ ذلك المغرور الفج؟. - أرجوك ستيفن ! لا أريدك أن تهين الرجل الذي سأتزوجه.
الجزء الخامس
من الرجل الوحيد ؟
كما تنبأ ستيفن ، حضر دايفيد إلى الاجتماع رأته جينيفر و هي تغادر المكان مع ستيفن و إلى جانبه لمحت بيني جالسة معه . كان الاثنان يضحكان فصدمها منظرهما صدمة شديدة . قال ستيفن : فلنذهب لتناول الغداء. كان مطعم مركز الاجتماع فسيحا طلق الهواء. قاد ستيفن جينيفر إلى أفضل موائد المكان ، بجانب نافذة تطل على نافورة في الفناء . أفسح لها النادل كرسيا لتجلس ، لكن ستيفن أشار إليه بالتنحي جانبا ، ثم أجلسها إلى الناحية الأخرى من المائدة بدا واضحا أنه يعرف ما يريد تماما و هكذا عجزت جينيفر عن رؤية الموائد الأخرى . بينما انكشف المنظر كله لستيفن . قالت محتجه: لا أستطيع الرؤية هنا. - لا تقلقي سأطلعك على تحركات الشهم دايفيد. - لا تسمه الشهم. - ظننت نفسي أمدحه. - ليست تلك الحقيقة و لا اظنكتفرح إن ناديتك بالشهم. فامتلأت عيناه بألف معنى و معنى ثم نظر إلى وجهها قائلا : طالما أطلقوا علي أسماء كثيرة في حياتي و لكن الشهم لم تكن بينها. لا سيما أن امرأة لم تجرؤ على ذلك قط ، ألم يخطر ببالك أننا سندفع دايفيد إلى الغيرة إذا أطلقت علي هذه الصفة؟. - شكرا إنه يغار فعلا . - إنه لا يبدو عليه ذلك فقد دخل لتوه و بيني بجانبه .. لا تلتفتي و تذكري أنك مفتونة بل ضائعة في سحر صحبتي . - و هل أنا كذلك حقا ؟. - إذا أردت أن تستعيديه نعم إن النادل يقوده إلى المائدة .. كلا ! إن دايفيد يشير إلى الناحية الأخرى من القاعة .. يريد بالتأكيد أن يختلس النظر إلينا هذا شئ مشجع. و عندما رأى نظرات جينيفر الساخطة قال : كل ما في الأمر أنني سأحاول أن أساعدك . - أنا لا أثق بك حين تبدو بريئا ، و قد أخبرتك أنه يغار فعلا. - كيف عرفت ؟ هل اندفع كالإعصار إلى بيتك مهددا باطلاق النار علينا إذا رآنا معا مرة أخرى ؟. فضحكت مكرهة : طبعل لم يحدث هذا . - هل هدد إذن بالانتحار ؟ نعم ، فهذا أكثر تأثيرا ... لعله قال لنفسه تلاعب بقلبها حرك عواطف الحنان فيها فهذه ينجح دوما. - أتقول هذا الكلام عن خبرة ؟. - لم أكن بحاجة إلى إثارة العواطف قط كما لم يحدث أن رأتني امرأة مترددا لكنني لاحظت ان ذلك يأتي بنتائج شديدة التأثير إنه لم يفكر في ذلم بعد أنا أعرف ... هل هدد بتدميري ماليا ؟. - دايفيد لا يهدد ... ليس من ذلك النوع من الرجال ... صححت قولها بسرعة ...فساعدها على الكلام : لا بأس ، ماذا فعل أثناء نوبة الغيرة اليائسة ؟. - لقد تناولنا بعض الشراب ..... قالت ذلك و هي تتمنى لو أن هذه الكلمات لم تصدر عنها بهذا الشكل المتقطع الواهي. - و بعد ؟. - بعد ماذا ؟. - لا تسكتي عندما يصبح الحديث مهما . ماذا قال ؟ أم أن كلامه كان عاطفيا و حميما جدا بحيث لا يقال ؟. - لا تحاول إثارة أعصابي لقد أخبرتك تلك الليلة عن كل هذا . سألها بذعر : أتعنين ذلك اللقاء الصغير ؟ ألم يتبعه لقاء آخر منذ ذلك الحين ؟ يا مسكينتي جينيفر ! ناذا فعلتي لكي يرهقك هذا البليد ؟ لو كنت أنا مغرما بك لملأت أوقاتك مرحا. - كم أنا محظوظة لأنك لست مغرما بي !. - إذا كان هذا ما تريدينه من علاقاتك الغرامية فنحن الاثنان محظوظان. علي أن أعلمك الكثير لا اعرف من أين أبدأ. - لا تزعج نفسك يمكنني أن أتصالح مع دايفيد من دون مساعدتك. - هذا حسن ، سأحضر عرسك.بعد حوالي الخمسين سنة. - ربما هو كما وصفته أنت....شهم. - لابد أنه ممل للغاية. - إنه سيد مهذب إذا كان هذا ما تعنيه. - لا فرق... و أخذ يتأملها فترة ثم أضاف : أتعرفين كم تبدين جميلة عندما تتورد وجنتاك؟. انتظر جوابا منها، لكنها صممت على السكوت فأردف بعد لحظة : إنه ينظر ناحيتنا . لعله لا يستحسن رؤيتك معي كما تكرهين أنتي رؤيته مع بيني . - لا يهمني أمرها البتة طالما قلت لك هذا. - هذا صحيح طالما قلت لي ذلك . لقد أشاح بوجهه الآن إنه يدنو برأسه منها لينظرا معا إلى قائمة الطعام . - لا أريد أن أعلم هذا ... - اتركي مسرح الاحداث من فضلك. لم تستطع منع نفسها من الضحك . فقال ****ا: لا بأس في الضحك هذا افضل . نظرت إلى عينيه .... كان يتغلغل فيهما تألق غامض ... كيف يبدو ظريفا إلى هذا الحد المدمر ؟ و فجأة شعرت بدوار كانت تجلس إلى جانب رجل جذاب ماكر يمنحها كل انتباهه ... و رقصت في رأسها فكرة ...ماذا لو تعودت على هذا ، بسهولة ؟ شرع ستيفن في رواية قصة مرحة ، فضحكت ملء شدقيها ، ثم تقابلت أعينهما . و على الفور أدركت أنها قد اقترفت خطأ جسيما . فقد اخترقت نظرته أعماقها و هي الآن تشعر ...التوتر و الاضطراب يعمان كيانها . فتألق أمامها كبهارج الاحتفالات ، كما ولدت فيها حيوية و بهجة و أحاسيس رائعة . قدم النادل إليهما الطعام ، و انتبهت إلى انه لذيذة.... لكن ذلك الاحساس ضاع إزاء بهجة كبرى وجدتها مع ستيفن لقد ركز كل انتباهه عليها كما لو أن العالم لا يحوي غيرها . و مع أنا تعلم أنه لعوب ماهر، و غير جدير بالثقة ، شعرت بالغرور بالرغم منها حين توجهت إليها نظرات النساء الحاسدة . و كيف لا ؟ و أكثر الرجال جاذبية مستغرقا فيها ، يكرمها .. كم كان احساسها جميلا !. تفاجأت به يراقبها بشبه ابتسلمة ، و عندما رفعت حاجبيها مستفهمة أشار إلى بذلة العمل الأنيقة التي ترتديها و بالتحديد إلى قميصها الناصع البياض و التطريز الذهبي عليه ... قال : إنني معجب بملابسك العملية فأنت ترتدينها بطريقة مختلفة. فقالت بتزمت: أرتدي هذا النوع من الملابس لأبدو امرأة جادة في عالم التجارة. ثم اضاف : و أراهن على ان يديك مزينتان بشكل جميل ، أريني إياهما . - يا ليتك تكف عن هذا الكلام الفارغ !. قالت ذلك بشئ من التهكم ثم أرته يدها فأخذها بين يديه ثم لمسها بشفتيه. فقالت بمرح: هذه شهامة منك لم أمن أتوقعها. - إنني أمثل دور الصديق الحميم . إن دايفيد ينظر إلينا متسائلا . لقد رآني و أنا أقبل يدك بهذا الشكل و لكن ذلك لم يقلقه كثيرا ربما يرى في ذلك تعبيرا عن الاحترام الذي يفهمه .و لكن إذا فكر قليلا أبعد من ذلك ، عندئذ يبدأ بالقلق حقا لأنه يعلم أن نواياي ليست بريئة. جذبت جينيفر نفسا مرتجفا و قد أخذ قلبها يخفق بقوة. ثم تمتم يقول: سيعلم أنني أريدك و ربما أدرك أنني أردتك منذ أول ليلة تعارفنا فيها. همست بصعوبة: إنك متغطرس لا يطاق. - لماذا لأنني أعرف كيف أسعدك ، ألا تعترفين بذلك ؟. لم تستطع الجواب لكنها سرعان ما شعرت بالغض ب يتصاعد فيها . لقد أرغمها ستيفن على أمور سبق و قررت ألا تتقبلها . و هذا ما لا تغفره له فهو يعلم تماما أن هذا الغزل لا جدوى منه لأنها حبيبة دايفيد وحده . لكنه و من دون خجل استغل الوضع حتى باتت تشك في نفسها. عادت تراجع أفكارها بسرعة ... لا. لاشكوك لديها ... إن مشاعرها الصادقة هي لدايفيد و ما هذه المشاعر إلا جنون مؤقت و عندما تنتهي منها ستكون زوجة مثالية لأنها تخلصت منه . يا ليتها فقط تتخلص منه بسرعة !. سألها : مالذي تفكرين فيه ؟. أجابت مجفلة : لاشئ .. مهم. - أنت تعزلين نفسك في عالم غامض خاص بك و لن تدعني أدخل ، أليس كذلك ؟. - لا لن استطيع إدخالك . - هل هو هناك؟. قالت بشئ من الكآبة : لا أدري قبل أيام كنت اظنني أدري و لكن يبدو أن الأمور تغيرت بيننا. قال فجأة : جينيفر لا تشعري بمثل هذه الكآبة خصوصا من أجل رجل آخر . - دايفيد ليس رجلا آخر ... إنه الرجل الوحيد . أجابها بصوت خافت لم تكد تسمعه : فليساعدنا الله نحن الاثنين إذن . تملكها الدعر و هي ترى ما حدث لقد بدأ الحديث ممتعا حافلا بالدعابة و لكنه جنح بهما فجأة إلى توتر يسوده الضيق. أسرعت تتمالك نفسها فسكبت كوبين من المياه المعدنية و هي تطرح أسئلة سخيفة و كان يجيب باختصار و كأن ذهنه في مكتن آخر . و عندما غامرت برفع بصرها إليه رأته يتأملها إنما ليس بسخرية كما توقعت . و بعد ذلك لم يدر بينهما حديث يذكر . و عندما نهضا للذهاب سارا بجانب بعضهما البعض و الأنظار تحدق بهما .آخر نظرة لجينيفر ألقتها على دايفيد و هو يحدق فيها مصعوقا.
* * * * * * * * * * * *
أكثر ما يزعج جينيفر في ستيفن تأثيره عليها فكلماته الوقحة تبقى في ذهنها و تلقي بظلها على حياتها حتى بعد غيابه. من السهل عليها أن تضحك لتعليقاته الهزلية أو لسخريته من تصرفات دايفيد الغيور . لكن عندما مر يومان دون كلمة منه لم تعد تقوى على الضحك و مع ذلك سرت كل السرور لاختفاء ستيفن هو وكلماته الهازئة. جمد هذا تفكيرها للحظة لكنها ما لبثت أن ادركت أنها لم تتوقف عن التفكير فيه قط أينما وجهت نظرها تراه في خيالها . يرمقها أحيانا بنظرة مفترسة تنذرها بأنه يردك تماما ما يفعل . و في أحيان اخرى تتذكر ما قرأته في وجهه في مطعم قاعة الاجتماعات و تسمعه يتمتم فليساعدنا الله نحن الاثنين ! و هذا اكثر ما يكدرها فهي طباعه محصنه ضده.. اتصل دايفيد بها ليخبرها أنه سيغيب أسبوعا لزيارة امه المريضة في الساحل الجنوبي و سيتصل بجينيفرفور عودته.
في هذا الوقت دعاها ستيفن إلى عرض مسرحي فوافقت و مع أنها غضبت لمجرى الأحداث لإلا أن ستيفن كان متعاطفا مع وجهة نظر الكاتب. و على العشاء أخذا يتناقشان بحرارة و استمر في ذلك و هما في الطريق إلى البيت و عندما افترقا كانا هما الاثنين قد تحدثا في غاية الصراحة و لم تستطع جينيفر أن تتذكر سهرة ممتعة كهذه السهرة . اتصل بها في اليوم التالي و تناولا معا العشاء في المساء التالي . لكنها اختلقت عذرا لذهاب إلى بيتها مبكرة . أما الحقيقة أنها قد استمتعت بصحبة ستيفن أكثر من اللزم و كلما أسرعت في إنهاء هذه العلاقة كان ذلك أفضل فهي ضائعة بين اثنين .. عقلها و احاسيها .. من الجنون أن تتورط بعلاقة مع ستيفن مهما بلغ الإغراء ..فهي تعلم نتيجة هذه العلاقة . إنها أشبة بالإثارة التي تصيبها عند عرض الألعاب النارية . صحيح أنها لحظات لا تنسى لكن الألعاب النارية تتألق ثم تموت . و سرعان ما ينتهي العرض و يتحول الحفل باردا مهجورا و يرحل المتفرجون إلى بيوتهم وحيدين و هي لم تنس بعد تلك الفتاة الصغيرة التي تركت مرة للوحشة و الهجران بل ما زالت حية تنبض في ذاكرتها لذا تراها تريد شيئا واحدا فقط ... تريد جذورا ...حياة مستقرة مضمونة و زواجا طويل الأمد ...و بكلمة أخرى دايفيد. ثم تذكرت ابتسامة ستيفن المداعبة و استعادت تلميحاته الماكرة فسرى الدفء في جسمها حتى نسيت كل شئ آخر ثم استيقظت من تلك النشوة مصممة على أن تكون قوية و تنبذه من حياتها. و أخيرا عاد دايفيد و طلب رؤيتها في مقهاهما الصغير المعتاد كاذ يتعذر عليها المجئ فأنذرته أنها ستتأخر لكنه بدا متلهفا مصرا على رؤيتها. - أريد رؤيتك حقا و سأنتظر مهما تأخرتي. و تمنت لو ان ستيفن يسمع انتصارها هذا. كان دايفيد جالسا ألى ما ئدتهما المعتادة حياها قائلا: خفت ألا تأتي الموضوع في غاية الأهمية. سألته بلهفة ما الأمر يا دايفيد. - مكتب ( هندسة مارتسون ). - ماتسون ؟ - إنهم يراوغونني تماما كما سبق لك ان تنذؤيني . كنتي على صواب مع أنني اكره الاعتراف بهذا . لم تستطع في الباية أن تفهم قصده لكنها ما لبثت أن تذكرت أن خلافهما بدأ مع مارتسون. قال يعتذر: كان علي أن أعمل بنصيحتك لقد أحضرت معي المراسلات. أثبتت الأوراق صحة ما حاولت ان تحذره منه .... و لكنها حذرته بشكل أخرق غير مناسب و إلا لماذا جرحت كرامته ؟. و فجأة قال دايفيد عفويا : رايتك في اجتماع ديلاكورت ... يبدو أن العلاقة أصبحت جدية بينك و بين ليري ؟. فردت بسرعة : ما من شئ بيننا كون البعض أفكارا خاطئة ليلة الحفلة ثم كتبوا مقالات رفعت من سعر الأسهم و أنا في انتظار اللحظة المناسبة لكي أتركه. - اتعنين أن هذا كل شئ ؟. - هذا كل شئ. - ليس هذا ما ... انتظري لحظة ! هذا الرجل في نهاية القاعة مدين لي ببعض النقود أحاول العثور عليه منذ أيام سأعود فلا تذهبي . بعد ذهابه أخذت جينيفر ترشف كوب المياه و تنظر حولها و ما لبثت أن لحظت شابا غاية في الوسامة يتقدم نحو مائدتها و قد بدا عليه شئ من التوجس أخيرا سأل الآنسة نورثون ؟. - نعم أنا جينيفر نورثون . - ذهبت إلى مكتبك و لكنك كنت قد خرجت ... أخبرتني سكرتيرتك أنك غالبا ما تأتين إلى هذا المكان : اسمي مايك هاركر . هتفت : رباه !. - ربما تجدينني جريئا و وقحا .. - لا و إنما أذهلني أن أكتشف أنك موجود حقا في هذا العالم أجلس . قال و هو يجلس بجانبها : شكرا . - هل شفيت من الأنفلونزا؟. - آه لقد اخبرك ستيفن عن هذا ... في الحقيقة لا اعرف مقدار ما تعلمين. - لقد عرفت الحقيقة في الصباح التالي . رد بسرعة : كان يقصد أن يسدي إلي معروفا فيما أنا في مازق ثم ... ثم من عادته أن يفعل أي شئ لأجل صديق . - هل أخبرك كيف كانت السهرة ؟. - لا . لكنه يضحك حين عاد لم يشأ أن يخبرني عن النكتة التي أضحكته . هل أزعجك كثيرا ؟. - أنا لا ألومك و لن اقدم شكوى لإلى المكتب إذا كان هذا ما يقلقك. - لا ليس ذلك إنما هذه. و مد مايك يده إلى جيبه يخرج أزرار القميص الماسية و يضعها على المائدة . فقالت: لم لا تحتفظ بها ؟ لقد قدمتها لك. - لكنك لم تقصدي ذلك . و هي أثمن من أن أقبلها. قالت بحرارة: إقبلها أرجوك .... إنني لا أقدم الهدايا لأعود فأستردها لا أصدق أنك قمت بكل ذلك المجهود لتعثر علي . - كنت أتصرف و كأنني أمشي على قشور البيض لا أدري ماذا سأجد و لكن لا بأس .... أنت ترافقين ذلك الشاب هناك أليس كذلك ؟. - نعم ، و لكن مايك إذا كنت تظن أنني تورطت بعلاقة مع ستيفن فإلى ماذا ستنبهني ؟. أجاب بابتسامة عريضة: حسنا لقد عرفت ستيفن.... - هذا هو سبب سؤالي ... - أنا مسرور لأنك لم تتورطي بعلاقة معه ... لم أره كثيرا خلال السنوات الخم الماضية لكنني لا أظنه تغير . - هل تعرفه منذ مدة طويلة؟.
التحقنا بالمدرسة الليلة معا حيث درس هو إدارة الأعمال كان شعاره على الدوام (( أحبهن و اتركهن )) لم تستطع امرأة ان تحتفظ به ... و لطالما فاخر بذلك كن طبعا يتهافتن عليه ، لا أدري لماذا ! لا أظنك تلومينه لأنه يشبهكن بالحافلات. - الحافلات !! - كلما مرت حافلة تتبعها أخرى . سألته بعينين واسعتين بريئتين : هل هذا ما يقوله ؟ غريب . عرفت شخصا آخر يردد كلاما كهذا ( العالم ملئ بالنساء ) هذا قوله ... لكن المعنى واحد. قالت ذلك و هي تشعر انقباض رهيب في قلبها. قال مايك : لا أظن ستيفن كان جادا تماما في قوله ذاك فالأمر بالنسبة إليه مجرد عبث ما كان لي أن اخبرك و لكنك مرتبطة برجل آخر على كل حال ....و هذا حسن . قالت تحثه : نعم حسن جدا و يمكنك أن تخبرني بكل شئ ... كان ستيفن لعوبا في تلك الأيام . أليس كذلك ؟ - سأكتفي بالقول إنه لطالما حثل على أيو أنثى .هذا مؤسف في الحقيقة يجب أن يتلقى ضربة يتعلم منها درسا ... يا للهول ! ما كان يجب أن لأقول ذلك بعد ان انتشلني من مأزقي لكن بإمكانه أن يؤثر عليك حقا فهو واثق من نفسه إلى حد بالغ . تمتمت : نعم إنه كذلك و لكن قد يسقط يوما ككل رجل آخر. - إلا إذا تمكن من تجنب ذلك يقول ستيفن إن مامن امرأة في العالم تستحق أن ينخدع بها رجل. - هل هذا ما يقوله ؟. مالت إلى الخلف لتخفي وجهها في الظل و هي تحاول ان تحجب ردة فعلها . اكتشفت أصابعها تطرق على المائدة بتوتر ، فتوقفت عن هذا . لماذا يفاجئها هذا الكلام و هي تعرف شخصية ستيفن؟ هذا إلى أن دايفيد هو الرجل الذي تحب !. تذكر مايك : ذهبنا إلى عرس مرة .. و كان ككل الأعراس لكن ستيفن تملكه الذعر و قال إن الأعراس هي مؤامرة نسائية تحول الرجال إلى مهرجين سخفاء مشضحكين و هو لن يسمح لذلك بأن يحدث له أبدا يمكنك أن تتهمي أي شخص بالسخف إلا ستيفن فهو دوما في القمة . آه ...ربما تكلمت أكثر مما يجب .. و بدا عليه الشعور بالذنب . قالت بمرح : هراء ... لا ضرر في ذلك . - ها إن صديقك عائد ... من الأفضل أن اذهب . فدفعت نحوه الأزرار قائلة : لا تنس هذه . - إذا كنتي تصرين .... شكرا . اقترب دايفيد من المائدة ثم اخذ يراقبه و هو يبتعد بعد ذلك نظر إلى جينيفر متهكما: أتراك تستخدمين هذه الازرار طعما لكل رجل في لندن أم إلى أولئك الذين أراهم معك فقط ؟ جينيفر ...جينيفر ؟. التفتت إليه بسرعة : آسفة ماذا قلت ؟. - هل وصلتي إلى نتيجة ؟ز قالت و عيناها تتألقان : نعم ... لقد قررت أن الوقت قد حان لأوجه ضربتي .
6- سر اللعبة الخطيرة
عندما اتصلت جنيفر بستيفن تحدث اليها على الفور دون ان تنتظر هتف ببشاشة : جينيفر ، يالها من مفاجأة سارة - اما عليك ان تناديني حبيبتي؟ - لا . فليس من يستمع. - فضحكت بصدق : " مارأيك بعشاء في ريتز؟ انا ادعوك - عظيم . انا اعجبك من هذه الناحية . . . ارحب بالمرأة التي تدفع عني كما اسمح لك بأن تقليني بسيارتك ، ثم تعيديني بعد ذلك الى بيتي. - غدا" مساء؟ - عظيم - ستيفن علي ان اعترف بأن دافعا" مايحثني على ذلك. قال ****ا" إنني اعلم انك لن تخيبي املي". - هل تعرف رجلا" اسمه مارتسون ؟ إنه شخص سيء لكنني اريد فقط ان اعلم مدى خطورته. - إنه وحش مفترس . فهو لايوفر جهدا" من اجل إضعاف شركة ما ، ثم يشتريها بثمن بخس . لكنني اعرف بعض الخدع التي يمكن استعمالها ضده سأجمع لك معلومات للغد. - انا شاكرة لك حقا". قالت ذلك برقة مفرطة مما دفعه إلى الاستدراك . - جينيفر ، عندما تكونين بهذه الرقة البالغة ، اشعر بالخطر . هل تهدفين إلى شيء ما؟ - من ، انا ؟ - فضحك : " سأراك فيما بعد". سرت جينيفر لنجاح خدعتها الصغيرة . اخيرا" ستلقن ستيفن درسا" فما ان يجمع لها المعلومات التي تريدها حتى تخبره انها لمصلحة دايفيد فيتعلم عندها ان يتأكد من حافلاته. كانت تتحرق شوقا" لترى تزعزع ثقته بنفسه حين يكتشف انها خدعته بمثل اساليبه . . . كم ستستمتع بإغاظته. . . في اليوم التالي تركت العمل مبكرا" لتستعد لتلك السهرة اشترت ثوبا" جميلا" مزينا" بخيوط ذهبية وهذه المرة لم تحاول الإدعاء بأنه ليس من اجل ستيفن . لم يكن الزحام شديدا" ، فوصلت الى بيته قبل الموعد بعشرين دقيقة كان مبنى ضخما" عصريا" يقوم في شارع راقي. ادخلتها ماود ، وهي مستعدة بدورها لقضاء السهرة في الخارج . بدت بثوب حريري قرمزي اللون يبرز قوامها الرشيق. قالت : " سينزل ستيفن حالا" . هل تمانعين ان تركتك وحدك لحظة؟" فتأملت جينيفر جمال الفتاة ثم ابتسمت تقول : "ارى انك تستعدين للذهاب الى موعد غرامي . لابد انه رجل مميز. دهشت عندما رأت ماود تتورد ، واخذت تسوي ثوبها . احبت جينيفر ماود ، ولكنها تحبها اكثر الأن . وقالت تجيبها : نعم ، إنه مميز جدا" . . . والآن ، ارجو المعذرة ، علي ان اذهب وفجأة تناهى اليها من الأعلى صوت باب يفتح ، ثم اقدام تهبط السلم وإذا بصوت ستيفن يقول : ماود . . . هل لديك فكرة اين . . التفتت بسرعة كان ستيفن يقف في منتصف السلم يرتدي بنطلونا" ولكن من دون قميص تسمر فجأة عندما رآها بينما امضت هي لحظة طويلة تنظر الى كتفيه القويتين وصدره العريض. بدا وكأن العالم توقف عن الحركة . وبدا كل شيء في ستيفن مليئا" بالحيوية والنشاط وتذكرت قول مايك : لطالما تهافتت النساء عليه ، لاادري لماذا . . . . لكنها تعرف الآن وشعرت بأنها محظوظة بتحذيره ذاك . فقد تنجرف اية امرأة مع حماقتها في حب ستيفن بدا ان ستيفن فوجئ بدوره إذ اخذت عيناه تجولان فيها تتأملان جمالها بإعجاب بالغ ، ثم جذب نفسا" بطيئا" - لم اعلم انك هنا. - جئت مبكرة قليلا" فحركة السير خفيفة فاجابها بغموض : " سأكون معك خلال دقيقة" اخذت عينا ماود تنتقلان من احدهما الى الآخر وقد لوت شفتيها . ولكن لم يلحظ اي منهما وهنا تصاعد رنين جرس الباب فاختطفت ماود وشاحها وهي تتمتم تصبحان على خير ثم اندفعت خارجه عندما فتحت الباب ، لمحت جينيفر الطارق ودهشت للهجة التي كست وجهه وهو يأخذ ماود بين ذراعيه ثم اغلق الباب ورائهما. ضحك ستيفن حين رأى الاستفهام المرسوم على وجهها ، ثم قال : هذا ما شعرت به انا ايضا" . سأكون معك خلال دقائق. عاد يعد بعد خمس دقائق مرتديا" قميصا" ناصعا" كبياض الثلج تتعارض اناقته مع خشونة الرجولة في وجهه . بدا وسيما" جدا" شرد بها التفكير . . . انه يعلم هذا وهو يعتمد على ذلك الواقع . . آه ، النساء كالحافلات . . . يالها من صدمة سيتلقاها تصرف معها بشكل رائع اذعن لها عندما قادت السيارة ولم يحاول ان يبعدها عن مقعد القيادة لكنه انتظر الى ان علقت جينيفر في الزحام الخانق ليطلق قنبلته : لقد غيرت رأيي . لن تذهب الى مطعم ريتوز إنني افضل الذهاب الى ناد ليلي. - لكنني حجزت مائدة في ريتز". - آسف اذ سمحت لنفسي ان الغي ذلك الحجز ثم حجزت في "نادي الاوركيد". -حسنا، كان على علم انك ستقوم بعمل معيب متغطرس كهذا.ولوت فمها بجفاء. -نعم،كان يجب ان تعلمي ، انعطفي الى اليسار هنا. -ولكن، اليس ناديا خاص بالاعضاء؟ -وانا عضو. اوشكت على القول انه مكان العشاق الحميمين لكنها غيرت كلماتها: -لا اريد الذهاب الى ناد ليلي. انه... لا اريد الذهاب الى هناك. هذا كل شيء. -لا تكوني ناكرة للجميل، لاسيما بعد كل التعب الذي تكبدته في جمع المعلومات عن "مارتسون" وكل هذا من اجل عينيك. -حقا؟ هل جمعت الكثير؟ -ما يكفي لاثارة الاهتمام. والان، هل سنذهب الى "نادي الاوركيد"؟ فقالت بسرور:" الى اخر الكره الارضية" -حذار مما تقولين ، فقد اعتبره وعدا منك. ضحكت. وفجأة، تملكها شعور رائع. ستكون ليلة بديعه لانها، طبعا، تتحرق شوقا الى هزيمته... وما ان دخلت "نادي الاوركيد"حتى احست بالرهبة، حيا البواب ستيفن بصفته زبونا دائما، لكنه القى على جنينفر نظرة سريعة متفحصة وكأنها الاخيرة في صف طويل. لم يكن هذا ماتريده. لكن صبرا... سيحين وقت الانتقام تقريبا. كانت مائدتهما في زاويه معتمة ، يضيئها مصباح صغير. اجلسها ستيفن على مقعدها، وبعد ان بلغ النادل طلباتهما قال لها" حسنا، ها نحن هنا. -نعم، ولكن...هنا... واشار الى مايحيط بهما. -المفروض ان كون صاحبة الدعوه. -وما الفرق؟ لقد تملكني الغرور حين تلهفت لرؤيتي. -لاتخدع نفسك. انا متلهفة لنصيحتك فحسب. -بالنسبة الى مارتسون؟ انه سيء الاخلاق. لكنه ليس ضد نورثون. -انني أسأل عنه لاسباب بالغة الاهمية. نظر اليها هازئا. يظن انها اختلقت حجة لتخرج معه وتستمتع بهذه السهر. سألها فجأة:" اين ديفيد هذه الليلة؟" تعلثمت لهول المفأجاة:" لا ... لا ادري."
الا يعلم اين انت؟ لا بأس... كان ينبغي ان يعلم. لو كنت احب امرأة لسجنتها ومنعتها من القيام بلعبة من النوع الذي تلعبينه معي. -ربما لاترضى هي بأن تسجن!.. فأمسك بيدها يقبل راحتها، هامسا. -ربما بإمكاني ان اجعلها ترضى. سكت عن الجواب. بالتأكيد يشعر بتسارع نبضها.. انها متأكدة من ذلك! ولم يكتف بذلك بل رفع رأسه والقى عليها نظرة دمرتها. واخيرا قالت:" انك لاتعلم اسرار لعبتي معك." -اعلم انك تستغلينني لتشريه بالغيرة. وكذلك لتزيدي من ارباح شركتك. هل هناك المزيد؟ ابتسمت بغموض:"ربما" -يالك من شيطانة صغيرة. لاباس. سأشترك في هذا.. الافكار الشيطانية تزيد المرأة جاذبية بل تكملها... الن اعرف قواعد اللعبة.؟ -ستكتشفها عن طريق المحاولة والخطأ -وانت؟ -سأقررها اثنا تعاوننا. ترك يدها ورفع كأسه وقد لاح الاعجاب في عينيه. بينما فكرت: "بالتأكيد يظن انه يسلك طريقا غاية في السهولة ففي البداية تغيظه المرأة، ثم لا تلبث ان تقع بين ذراعيه." لقد الف هذا. لكنه سينال الليلة صدمة كبرى. -لما تتألق عيناك بهذا الشكل الغريب.؟ -انتظر وستعلم. -لا بأس ، جينيفر، انها لعبتك، لكنني احيانا لا اثق بك. فأجابته بلهجة لاذعة: اما انا فدوما لا اثق بك. لا بد ان تعرف بأن ذلك يضفي على علاقتنا نكهة غريبة. -هذا صحيح، فأنت لا تسببين لي السأم مطلقا، على سبيل المثال، قولي لي كيف ستفأجئينني.؟ -اذا اخبرتك، فلن تكون مفاجأة دع ذلك الان واخبرني... هل تنكرنا ناجح امام الناس؟ -يعتقدون اننا عاشقان قديمان! فقالت بدهشة:" لا اعني علاقتنا بل سوق الاسهم. فهذا هو المهم. ضحك معجبا بهذه الوخزة. -انها كذلك بكل تأكيد. ارتفع ثمن اسهم شركة "تشارتريزة بعد ان توقع السوق اندماجنا بكم. فقالت مفكرة:"اندماجكم بنا... اشبه بـ (اكلنا احياء) ضحك وقال:" لا اظنني استطيع اقناعك بهذه الفكرة. -آه ، بل تظن هذا. كما تظن انك خدعتني. قال من دون ان ينظر اليها: هل احاول القيام بذلك حقا، جينيفر؟ -وهل من امرأة لاتحاول خداعها؟ -وهل من امرأة لا ترغب في ان تخدع؟ -آه ، نعم . وهي الان امامك. انا احب العلاقات الواضحة الصريحة. -اذن فأنت تختلفين عن كل نساء الخليقة. مالت اليه قليلا من فوق المائدة، ثم قالت بصوت رقيق خافت: انا لا اتاثر بالمجاملات. فمال هو الاخر الى الامام حتى كاد رأساهما يتلامسان:اذن، سأخبرك، وبصراحة، انك اكثر النساء اللاتي عرفتهن احساسا وعاطفة جياشة. الاحظ دوما ملابسك شفافية خاصة. اعلم انك لاتحبذين ان اثير هذه المواضيع... لكنني لا استطيع ان امنع نفسي من ذلك.. فعندما تتحدث لا استطيع تركيز ذهني على الكلام لانني دوما افكر فيك. كانت كلماته تثير في نفسها سرورا عجبيا لكنها رفضت الاستسلام لذلك الاحساس. انها هذه الليلة ، ستسيطر على نفسها. سألته: اتظن نفسك قادرا على اغرائي؟ -وهل تظنين انت ذلك؟ -ابدا. -اتراهنين؟
-اخر مرة تراهنا فيها ، غششتني. -وسأغش مرة اخرى اذا كان هذا يعيدك الي. -لكنك في العمل رجل نزيه. -ربما ليس العمل بتلك الاهمية. -ياللعار ستيفن! مامن شيء اكثر اهمية من العمل. بدلا من الجواب ، مد يده نحوها يلامس وجنتها... فدب الاضطراب في نفسها وراحت تتنفس بصعوبه، بينما يقول: لا أراك تعتقدين ذلك حقا. -كلا ، بل انت من يعتقد. -يمكننا ، اذا شئنا، ان نصب اهتمامنا على شيء آخر. -شيء اخر,؟ -اعني نحن. ها انه يقع شيئا فشيئا. وابتسمت في نفسها. سألها :" ماقولك؟" فأجابت:" اقول ان النادل يقف وراءك مباشرة." تجهم وجهه وهو يعتدل في جلسته بينما النادل يؤدي خدمته. كانت عيناه تتألقان في الضوء الخافت فتعيدان اليها ذكريات تمنت لو تنساها. سألها وهو يبدأ بتناول الطعام:" كيف حال الصغار؟ سرت لانه تطرق الى موضوعها المفضل فأجابته: لقد فتحت القطط الصغيرة اعينها. وهذا الصباح خرج اخرها من الصندوق الكرتوني ، وهو الذكر . يبدو انه اضعف من اخوته. -اهو الذي اطلقت عليه اسمي؟ -نعم، مع الاسف... لكنه سيتحسن... تلك التي فتحت عينيها اولا مشاغبة حقا. انها تركض في كل مكان، بينما الاخريات يجلسن على السجادة ويأخذن في المواء. ياه ما اجملها واصغرها!! ضحك لمنظر وجهها وهي تهذر بهذا الشكل بينما عيناها تلمعان. لاحت في عينيها نظره غير عاديه.... نظره صريحة تنبئ بالعجز والضعف. فراح يتساءل:ترى من يكون حبيبها؟ طبعا ليس هو . اهو دايفيد؟ انه مستعد ليعطي الكثير فقط لينال جوابا عن هذا السؤال. فرغت جينفير من الحديث عن القطط، ثم تذكرت شيئا اخر. -لست متأكدة تماما من الذي طرق بابك هذه الليلة؟ اهو "تريفور؟" -ليست مجرد تخيلات. انهما مجنونان ببعضهما البعض. الم يقل اي شيء؟ -ولا حتى كلمة، لكنني لم اره الا اثناء العمل. وفي المدة الاخيرة اخ يترك مكتبه مبكرا... آه ، هذا طبيعي.! فقال ستيفن ضاحكا:" الا احصل على جائزة لانني اخبرتك؟ ماذا عن مزاجه؟ فماود لا تفصح لي عن اي شيء." -حسنا، بدا مشغول البال قليلا. لكنه في العادة دائم التفكير. -لابد انه يفكر في اختي حاليا... لكن لا تدعيه يتمادى كثيرا ، فهي لا تتدلل عليه في الحقيقة. -منذ متى تعلم ذلك؟ -منذ الليلة الاولى. اخبرتني ونحن عائدان الى البيت بأنها ستتزوجه. قالت جينفر متأملة :" الحب من اول نظرة! لم اكن اصدق ذلك. اظن ان ترايفور وجد فتاة احلامه اخيرا." -ماذا تعنين؟ قالت بد تردد بسيط:" عندما ماتت امنا، تعلقنا ببعضنا البعض.. كان في السادسة عشر وانا في الثانية عشرة. كنا متلازمين تماما حينذاك، لكنه مالبث ان اخذ يتسكع في الشوارع مع عصبة من الفتيان... واظن كرامته منعته من ان يمسك بيدي مجددا. وهكذا تركني ولم يعد الي قط. واظنه بقى يبحث عمن تخفف عنه اعباء الحياة منذ ذلك الحين. -ولكن جدكما كان دائما الى جانبكما. -ليس كما تظن. كان يحبنا كثيرا ، ولكنه ظل مشغولا على الدوام. سألها بفضول:" وماذا بالنسبة اليك؟ يد من مسكت؟" -لا احد كما اظن.
وخنقتها غصة وهي تستعيد ذكرى الليالي الطويلة الموحشة وهي تبكي امها ، واباها ، او ترايفور، او جدها... او اي شخص. -جينيفر؟ قال ستيفن ذلك برقة بالغه وهو يتأمل وجهها باهتمام مفاجئ. عادت الى الواقع، ورسمت على وجهها ابتسامة مشرقة. لم تكن تعلم ان ابتسامتها لاتبدو مقنعه، لكنها شعرت بستيفن يمسك بيدها ، يضغط عليها، يخفف عنها . مضت لحظة جلسا فيها صامتين. سألها برقة :" اتدركين ماذا عرفت الان؟ اخبرتني به لتوك! سر جاذبية دايفيد كونر. انت ترينيه صلبا اهلا للثقه. -كان دائما الى جانبي حين احتاج اليه.... -ليس الان... لم يعد كذلك... لهذا انت متعلقه به كما يتعلق غريق بخشبة. فقالت بلهجة غريبة:" يبدو انني متعلقه بك انت" ثم نزعت يدها من يده. -الحقيقة انك خائفة من الهجران مرة اخرى. فأنت لست مغرمة به على الاطلاق. سألته : ولماذا انشد الامان؟ -يمكنني ان اعطيك الف سبب، لكنني سأكتفي بواحد فقط . انت تريدين الزواج، ومايوفره لك من وهم الامان. هذه هي جينيفر نورثون الحقيقة... وراء تلك الاناقة والحنكة تختبئ فتاة صغيرة تبحث عن يد تتمسك بها في الظلام. -حسنا ، انت لست من النوع الذي يحب الزواج. -ولكني افضل، بالنسبة اليك، من دايفيد، لاننا نفهم بعضنا، صدقيني يا جينيفر، ستشعرين بامان اكبر مع رجل يفكر ويشعر مثلك، حتى ولو ليوم واحد... اكثر من امان كل حفلات الزفاف في العالم. لم تعرف بماذا تجيب. كان قلبها يخفق بقوة ليحذرها من الخطر الذي يحدق بها وبأكثر مشاعرها عمقا وسريه. وفي اللحظة التاليه، توغل اكثر في اعماقها وقال بشكل فظ:" لاترغمي الرجل المسكين على الزواج بك جينيفر.... والاندمت على ذلك بقية حياتك. فأجابته بخشونة لتغطي اضطرابها: هذا كلام فارغ! لن ارغم دايفيد على الزواج بي. -بل اظنك تفعلين. وسأمنع ذلك اذا استطعت. قالت متحديه:" وبعد ذلك تنبذني وترميني جانبا." -بعد ذلك نجرب حظنا ... قد لا اتركك بل قد تهجرينني انت ، فأقوم انا بملاحقتك. فتمتمت بشيء من الكآبه:"لا اظن ذلك." -لا تقللي من قيمة نفسك وانسي دايفيد، فهو لايحبك. ومفهومه عن الحب محدود كمفهومك. قالت محذرة :"لندع هذا الموضوع جانبا، ياستيفن . انا اعني هذا." رد بعد لحظة: لابأس. لكنني سأكتفي بهذا فقط... لابد ان تتخلصي من هواجسك بشكل ما ، لكن دايفيد ليس بالملاك المنقذ. فضحكت:"يالك من رجل صعب." سألها وهو يميل نحوها:" ماذا في تعابير وجهك؟ لايمكنني رؤيته في هذا الضوء الخافت. -هذا حسن . كلما قل ماتعرفه عني ، كان ذلك افضل. -لاتقولي بأنك خائفة مني؟ فهتفت بسرعة:" لا . ليس منك ولا من اي رجل." لم يقل شيئا، وانما استغرق في تأملها للحظة . فكر كم تبدو فاتنة عندما يتصاعد الدم الى وجنتيها، فيمنح ملامحها مزيدا من البهاء والحيوية. قال:" يسرني ان تخبريني عن والديك، فهذا يوطد معرفتي بك. ظننتك تعيشين حياة سهلة مريحة، وتعملين في شركة جدك لمجرد التسلية". -انا لا اجد فيها تسلية بل افضل العمل مع الحيونات ولكن كيف اخبر جدي بذلك
-طبعا. -ولكن ايحبك فقط لانك تنفذين اوامره؟ -لايحق لك ان تقول هذا. -ولكن الاتعتقدين ذلك؟ فقالت بشيء من القنوط: كفاك تشويشا لذهني. قال بهدوء:" لا بأس . اسف. وسألته بدورها:" الاتجد تسلية في عملك؟ -احيانا الان ، وليس في بداياتي. -اتمنى لو تخبرني عن ذلك. تردد متضايقا، فتكهنت بأنه يفضل الا يفضي للاخرين بأسرار العمل... ربما لانه لايثق بأحد ماعد ماود شقيقته. لكنها تعلم انها ان تجاوزت ذلك الحاجز لتقدمت خطوة الى قلب هذا الرجل. اخيرا قال:" انك تذكرينني بأمي بشكل غريب. لقد عانت من حياة شاقة للغاية لكنها لم تدع اليأس يهزمها قط. وكنت انت هكذا . ذهبت الى تلك المأدبة الرسمية متأبطة ذراعي، متحديه العالم بأجمعه ولم تكشفي لاحد مقدار تعاستك. لم اعجب باحد قط كما اعجبت بأمي. فقد واجهت سوء حظها بشجاعة، وروح مرحه... كم تمنيت لو انها عاشت لتراني ناجحا في حياتي، لامنحها شيئا من ملذات الحياة." -وماذا عن ابيك.؟ -مات عندما كنت في الرابعة عشرة. وكانت امي ، حينذاك . حاملا بماود. انا الوالد الوحيد الذي عرفته ماود. توسلت اليه جينيفر:" اخبرني المزيد عن امك." -كانت عظيمة، مع انني لم اخبرها بذلك حينذاك. بعد موت ابي اصبحت انا رجل الاسرة لكن امي استمرت تراني طفلا. وكنا نتشاجر احيانا لهذا السبب...ثم وجدت عملا كموزع صحف. واعترفت بأنني رجل حين وجدت عملا اخر... عملت في صف المواد الغذائية على رفوف"سوبر ماركت" في عطلات اخر الاسبوع. -هل اخبرتك على العمل وانت في الرابعة عشرة؟ -انا لم اسألها. قمت بواجبي فقط. -وماذا عن تعليمك؟" -تمكنت من ترتيب الامر. تركت المدرسة مبكرا، واتخذت منصة في السوق ابيع عليها كل ما اشتريه بثمن بخس. وعندما وفرت ملبغا كافيا اتخذت منصة اخرى. -وكيف تحولت من منصات البيع في السوق الى صاحب شركة "شارتيريز.؟" -تلقيت دروس العلوم التجاريه في معهد ليلي. ثم عملت في متاجر صغيرة، وفي النهاية اصبحت صاحب ثلاث محلات، لكنني كنت طموحا، فبعتها ثم حصلت على عمل في شركة " شارتيريز"واشتريت بثمن المحلات اسهما فيها، وبعد عشر سنوات توليت ادارة الشركة... في البداية رفضوا توظيفي، فقد حسبوني مجرد غلام يجر عربه... وكنت كذلك فعلا. ولكن لم يستطع احد غيري ان يجرهم الى تحديث الشركة. بدا اعتماده على نفسه اكثر من مجرد عطرسه، فهذا الرجل يعلم انه ولد ليحكم .. ولاحاجة لمزيد من الكلام. وتابع:" وعلى مر السنين، اخترت التعامل بالاسهم وهكذا اشتريت المزيد منها كلما استطعت. -وهكذا تسيطر الان على الشركة. -هذا صحيح، واملك المال ايضا. وهذا مهم جدا. فقد عشت الشقاء في الفقر. وعرفت كيف يضعف الفقر المرء ويسيطر عليه، كنت استلقي في فراشي متسائلا هل سأحصل على اجري قبل ان يحل اجل دفع ديوني ، واذا لم يحصل ذلك فكيف اتخلص من المأزق. فكر الكثيرون في زيادة اعبائي ، لانهم لايرون في الامجرد غلام صغير... فكان علي ان القنهم درسا قاسيا لكي يدركوا خطأهم. -درسا قاسيا؟ فقال ببساطة:" مامن وسيلة اخرى... فإن اردت الثأر ، عليك ان تنتقمي بقوة حتى لا يتحداك عدوك ثانية." كان يتحدث بطريقه الامر الواقع بما بعث القشعريرة في جسد جينيفر. فقالت:" انا مسرورة لانني لم اتخدك عدوا." فنظر اليها مستغربا:" وانا ايضا مسرورا لانك لم تفعلي ذلك."
7- أحــزانــ عــنــد شــاطئـــ البحــــر...
تركته يقود السيارة في طريق العودة، ورضيت بالجلوس بجانبه فيما السرور يغمرها. قال:هذا يمنحني فرصة لزيارة " مخالب" واسرتها. والفضول يتملكني لرؤيتها بعد ان وضعت. ما ان وصلت جينيفر الى بيتها حتى اندفعت الى صندوق القطط. ولكن لم تجد اي منها من بيتها. ناداها ستيفن وهو يتلقط قطيطة من خلف الاريكة: هذه واحد هنا، واخرى هناك. فضحكت:" ما دامت القطيطيات خرجت من الصندوق فلت اعرف كيف اعثر عليها ابدا." وبرزت مخالب من المطبخ وانضمت اليهما في البحث. وسرعان ما عادت القطيطيات جميعا الى بيتها. فأعد لها ستيفن حليبا ساخنا. وقهوة له ولجينيفر. ومالبثت جينيفر ان شعرت بأنها هي نفسها قطة، قطة ****ة قانعه وهي تتمطى وتشعر بالغبطة وكأن كل شيء في العالم على مايرام. قال ستيفن:" بالمناسبة، لقد نسينا شيئا. -احقا؟ -مارتسون . اردت معرفة كل شيء عنه لكننا لم تنحدث عنه... على الاطلاق.. صدمت وهي تتذكر انها لم تكن تريد الخروج مع ستيفن ليري الا لتوقفه عند حده ولتحد من غطرسته... بدا لها ذلك امرا سخيفا وعبث تلميذة صغيرة.. لقد علمت الليلة اشياء ضاعفت من اهتمامها به وتركته يتغلغل الى اعماقها ليلامس مشاعر ماكانت لتسمح لاحد بالاطلاع عليها . اما الان فلم تعد تريد ان تعلمه درسا. سألها:" اتريدين التحدث عن ذلك الان؟" فردت متعلثمة : لا، لا، في وقت اخر. انه ليس مهما. فأجابها وهو يأخذها من بين ذراعيه:" لا ، ليس مهما. بدأت تشعر بالخوف منه... مع انها لطالما اشتاقت لهذه اللحظة.... فقد بات في نظرها ادمانا سيئا وخطرا... ولكن من المستحيل مقاومته ستدفعه عنها في المرة القادمة, لكنها الليلة, يجب ان تعانقه بكل لهفة وحرارة... هذه المرة فقط. ولكن، كما هي حال كل المدمنين، لاوجود لشيء اسمه (هذه المره فقط). عناق واحد اصبح اخر ثم اخر ثم عناقا لانهاية له. تمتم يقول:" اريدك، واريدك ان تريديني". -انك تعلم انني... لا ادري... ياستيفن... لكن الكلمات تبخرت في الهواء. كان ذهنها مليئا بصور ستيفن كما رأته في بداية المساء، بعضلاته القوية وكتفيه العريضين . لقد تملكها الشوق الى عناقه منذ تلك اللحظة. رأت عينيه المثقلتين بالعاطفة تنظران اليها بشكل غريب مرتبك . ثم قال بصوت اجش: انت دوما اجمل مما اتذكر. ادركت انه سيصعب عليهما التوقف عند هذا الحد. فهي تندفع بطيش ورعونه تقودها مشاعر تغمر كل كيانها، ومع ذلك... كانت الكلمات التي صدرت عنها آخر ماتوقعت التفوه به: -ستيفن... ستيفن لا... احست بالجهد الذي بذله ليتحكم في نفسه ثم قال بصوت مزقه التوتر: "ماذا جينيفر؟ ماذا حدث؟" -لا ادري... لقد حدث كل شيء بسرعة.... لست مستعدة لهذا الامر.... انكمشت امام ثورته المفاجئة. كان وجهه بالغ الشحوب لكنه تمكن من السيطرة على نفسه. تركها ببطء وألم. وحالما ابتعدت عنه، اشاح بوجهه وهو يرتب شعره باصابعه. قال بذهن شارد:" آسف." ادهشها قوله كصدمة انفجرت في رأسا... ستيفن ليري يعتذر؟ يبدو وكأن الكواكب توقفت عن الدوران قالت مرتبكة:" الذنب ذنبي فأنا لا اعرف ماذا افعل." -لندع هذا الجدال العقيم، لا اظنني اتحمل هذا حاليا. وضحك متوترا:" ليس من عادتي ان اخطئ في تقدير الاشياء الى هذا الحد." فقالت متعلثمة:" لست المذنب.... بل انا... انا التي غيرت رأيي... لا ادري لماذا.." -سأذهب الان إذا شئت.. -نعم... الافضل ان تذهب. تمنت لو تدعوه للبقاء، لكن لا! عليها الا تقوم بذلك . بعد لحظة سيكون خارج البيت وتنتهي علاقتهما وهذه المره ... الى الابد!." واذا برنين الباب يجفلهما فأخذا ينظران متسائلين، ثم تمالكت جينيفر نفسها وفتحت الباب فظهر رجل وامرأه في الاربعينات من العمر، ومعهما فتاة في حوالي العاشرة. قالت المرأة:" نأسف لازعاجكما في مثل هذه الساعة. اتصلنا بك مرات كثيرة هذا المساء لكننا لم نجدك. ينبغي ان تكون "يربندا" في فراشها منذ ساعات... لكننا لم نستطع ان نكسر قلبها مادام هناك امل في استعادة" ثلجية" سألتها جينيفر وقلبها يهبط"ثلجية؟" ففسرت الفتاة:" ان مخالبها بيضاء كالثلج رغم انها سوداء برمتها". ثم اشرق وجهها بابتسامة مبتهجة وهي تصيح:"ثلجية! واندفعت الى الداخل تحتضن " مخالب" التي هرعت نحوها هي الاخرى. وبابتسامة منكسره، ادخلت جينيفر الوالدين. جرى تعارف سريع. كان السيد والسيدة " كرانمر" مسلحين بصور عائلية تظهر القطة " مخالب " او " ثلجية" بين ذراعي فتاة, مامن شك.... انهم اصحاب القطة الاصليين! وما ان كتشفت الصغيرة بريندا القطيطيات الاربع حتى احتضنتها بسعادة غامرة. قالت السيدة كرانمر:" اننا نعيش على بعد اربعة شوراع من هنا. وقد اخبرنا احد جيراننا ان شخصا ما في هذه المنطقة قد آوى في بيته قطة سوداء ذات مخالب بيضاء... لكنه لم يكن واثقا من اسمه فرحنا نطرق الابواب في جميع الانحاء حتى اخبرنا البعض عنك. الحمدلله انها كانت آمنة معك" قال السيد كرانمر:" اسمحي لنا ان نسدد اجرة البيطري." فأجابت جينيفر:" لقد وصل البيطري بعد الوضع لكن ستيفن قام بكل شيء." حول اكواب من القهوة تحدثا عن قصة تلك الليلة وضحكوا كثيرا. لكن ستيفن لاحظ ان ابتسامة جينيفر كانت مصطنعة نوعا ما. تلاقت اعينهما فبدت عيناه مليئتين بالعطف والتفهم. عندما حان وقت انصراف الزائرين، قفزت "ثلجية" الى حضن جينيفر واخذت تلامسها برأسها وهي تموء مواء لطيفا. قالت بريندا :" انها تشكرك... انها تحبك." فردت جينيفر بصوت ابح:" وانا ايضا احبها، وانا سعيدة جدا لانها عثرت على اسرتها." فقالت بريندا:" لكنك ستكونين وحدك . اتريدين واحده من قطيطاتها." ورفعت الذكر الذي كان لونه يماثل لون ثلجية تقريبا وهي تقول:"سأحضره اليك عندما يستطيع ان يستغني عن امه. هزت جينيفر رأسها مكرهه:" اود ذلك من كل قلبي. ولكن ليس من العدل ان اتركه وحده في البيت بينما انا اعمل طوال النهار. كان الامر متخلفا مع مخا.. ثلجية . فهذا المكان افضل لها من الشارع لكن لهذا الصغير خيارات افضل." سألتها بريندا:" الاتريدينه؟" -نعم ، اريده طبعا.ولكن... وتهدج صوتها فقالت السيدة كرانمر برقة:" اننا نتفهم ذلك." نظر اليها ستيفن وهي تقفل الباب خلفهم، فرأى كيف انحنت كتفاها لم تلتفت اليه بل ذهبت سريعا الى المطبخ
استدعى ستيفن سيارة اجرة. كان يمسك بالهاتف وانتباهه منصب على الطبخ. وسمع صوتها وهي تنفخ انفها في منديلها. وحين عادت قال لها :"سيصل التاكسي بعد دقيقتين." -هذا حسن. قالت ذلك بابتسامة مشرقة لكنه علم ان ابتسامتها سرعان ماتخبو حالما يخرج... وتعود الى وحدتها... من دون قطط... من دون دايفيد، من دونه هو، من دون احد. وادمى ذلك قلبه. اندفعت من بين شفتيه كلمات عفوية:"اقضي نهار الغد معي جينيفر. اجابت متعلثمة:" لدي... لدي اجتماعات طوال النهار." -الغيها. خذي يوم اجازة وتعالي معي الى شاطئ البحر. -شاطئ البحر؟ قالت ذلك وهي لاتصدق ماتسمع. -اريد ان اخذك الى هانتلي واريك مكان نشأتي. دعينا نصاب بالجنون. -آه، نعم. فلنصب بالجنون! قالت ذلك ببهجة بالغة وكأنها صبية صغيرة. -سأقلك عند الثامنة من صباح غد. لاتتأخري. تصبحين على خير. بعد ذهابه . اخذت جينيفر تذرع ارض الغرفة باضطراب، وهي تحاول تنظيم افكارها.... لماذا تملكها الذعر؟ ربما لان الشوق الى ستيفن حين يجتاحها يصبح اقوى منها، ويمزق الحياة المستقرة التي لطالما انتظرتها منذ وقت طويل، منذ كانت صبية صغيرة وحيدة مهجورة. في صباح اليوم التالي، لم تكن متأكدة من حضوره. ولكن في الثامنة الا خمس دقائق سمعت طرقات على بابها. فتحته واذا بها تجد رجلا كادت الا تعرفه . ستيفن ليري في قميص ملون تزينه مربعات، ومن دون ربطة عنق، يبتسم كصبي متشوق الى نزهة ممتعه. كانت هي ايضا ترتدي بنطلونا وقميصا تبني اللون ماكانت لترتديهما للعمل... وقد عقدت وشاحا حريريا احمر حول عنقها وعلقت في كتفها حقيبة منقوشة من القماش. سألها:"الست جاهزة بعد؟" اجابت:"مازلت بحاجة الى عشر دقائق " هي كلمات عادية تبادلاها، لكن وراءهما يكمن توتر. لكنهما، على كل حال، تمكنا من تغطية التوتر ببضع كلمات عادية. وما ان جهزت للخروج حتى قال:"ملابسك مناسبة تماما لقضاء نهار على شاطئ البحر. -حسنا، ارجو ان يكون شاطئا حقيقا، تكسوه الرمال الذهبية وتعلوه خيمة فيها رجل يبيع الايس كريم. -اسف لان الشاطئ مغطى بالحصى، ولكن اظن خيمة الايس كريم ما زالت هي هي. حين انطلقت بهما السيارة، قالت جينيفر: عندما كنت صغيرة، اعتاد والداي ان يأخذانا، انا وتريفور ، الى شاطئ البحر، تلك الرحلات ماتزال شموعا مضيئة في ذاكرتي. كانت الشمس مشرقة والايس كريم لذيذا على الدوام، وانا وترايفور نتشاجر. فالرابح هو من يبني قصرا رمليا اعلى من قصر الاخر. -اراهن على انك كنت تربحين دائما. -ليس دوما، لكنه اعتاد على الغش. -بمناسبة الحديث عن ترايفور، لم تعد ماود الى البيت ليلة امس... وذلك لاول مرة. اظن علينا ان نستعد لحفلة الزفاف. -هل انت جاد؟ -انت لاتعرفين اختي عندما تصمم على شيء . انها رهيبة. كانت جينيفر على وشك الجدال عندما تذكرت وجه تريفور وهو يأخذ ماود بين ذراعيه. كان يبدو عليه الوله والخضوع. سألته بشيء من الاضطراب:"هل قلت انها قررت ان تتزوجه منذ ان تعارفا؟ ولكن هل حبها ذاك حقيقي؟" -ولماذا فكرت في الزواج منه اذن؟
-حسنا ، يحين وقت في حياة كل عارضة ازياء.... وسكتت جينيفر بلباقة. فقال سيتيفن: انها لا تتزوجه طمعا في امواله، اذا كان هذا ما تظنينه... لقد اكتسبت الكثير من المال من مهنتها. الاتؤمنين بالحب من اول نظرة؟ فسألته مجفلة:" وهل تؤمن به انت؟" -انني اؤمن بشيء ما من اول نظرة. اما الحب... ترى ماود في هذه الكلمة معان عميقة اما انا فأظنها تكسب معنى جديدا في قلب كل انسان. -لا اظنك تعلم ما تعرفه ماود عن هذه الكلمة. من الواضح انها اكتشفت في تريفور شيئا خفي عنا نحن. ربما هي البصيرة الغريزية التي يسمونها الحب. فالمحبون يمنحنون الشخص الاخر كل ثقتهم ويرونه على حقيقته عاريا عن كل زيف. ان اختبرا ذلك فأنا احسدهما. -ولكنك عرفت ذلك مع دايفيد. -وانا ودايفيد نحب بعضنا.... لكنك تعلم ان الامر ليس بهذه البساطة... وهو لايخلو من تعقيدات، كما هو الحال مع ترايفور وماود. قال بلطف:" ان كانت فيه تعقيدات، فلعله ليس حبا على الاطلاق" -لن اتخلى عن حبه لاننا نواجه بعض الصعوبات، فلكل المحبين مشاكل. لكننا سوف نتخلص منها. هل مازلت"هانتلي" بعيده؟ اجاب وقد تقبل تغيير الموضوع. -مازال امامنا ستون ميلا. انه مكان صغير او هكذا كان عندما رأيته آخر مرة. ليس مكانا مفضلا لاجازات الاسرة فالحصى تغطي الشاطئ بأكمله.... لذلك بقي هادئا. فاصبح ملاذا يقضي فيه كبار السن فترة تقاعدهم. في صغري كنت اراه مكانا هامدا بلا حياة ، لكنني بلغت سنا قدرت فيه جوه المسالم الهادئ. اخذت تحدق الى يديه القويتين على عجلة القيادة. كانتا امس تضمانها اليه بعاطفة محمومة، ومع هذا رفضته . اتراها مجنونة؟ بعد فترة قصيرة ،لفحها الهواء المالح، فادركت انهما اقتربا من البحر. صرخت كفتاة صغيرة:" هاقد وصلنا. لقد لمحته من خلال الاشجار" كانت المياه تتألق تحت اشعة الشمس. فتملكتها تلك البهجة القديمة. وسرعان ماظهر البحر لعينيها، ولمدة اطول هذه المره. واخيرا اصبحا على الطريق الساحليوالشاطئ بمحاذاة الطريق. وقعا على مطعم جيد يقدم الاطعمة البحريه، فجلسا قرب النافذه يستمتعان بالمناظر. قال : ارى هنا ناس اكثر مما اتذكر. اصبحت "هانتلي" اكثر ازدهارا. هذا من حسن حظ "دان ماركام" -ومن هو دان ماركام؟ -انه صاحب المتجر الذي عند الزاويه. هناك عملت للمره الاولى، كموزع صحف على البيوت. مازلت ارتجف كلما تذكرت كيف كنت انهض في السادسة صباحا ايام الشتاء الباردة. لكنه كان دوما يعطيني شرابا ساخنا قبل ان ابدأ عملي، وايضا بعد عودتي. كان رجلا طيبا. لم تسمعه جينيفر يتحدث بهذه الحرارة عن اي شخص من قبل ، فقالت لكي تبقى على رقة مزاجه هذه: حدثني عنه اكثر. -كان اشبه "ببايا نويل" بلحيته الكبيرة والغمزة في عينيه. وكان كريما الى حد الطيش. فلطالما دفع لي اكثر من الاجر المعتاد. ورفع اجري عندما ماتت امي. قالت باسمة:" ياله من رجل اعمال ردئ." -وفظيع. كان يدين الزبائن، ثم لا يلبث ان يمحو الدين لانه يظنهم فقراء. -شيء مخيف. اظنك القيت عليه محاضرة في الكفاءة والتدبير. -لقد فعلت ذلك . مازلت اسمع نفسي الان. وانا في الرابعة عشرة من عمري، واقول: انك تفقد بذلك الحد لادنى للربح، ياسيد ماركام. فنظر الى بجمود، قائلا:" لا اعرف ماهو الحد الادنى يافتى... انا فقط اشتري وابيع." عندما كانت زوجته حية، اهتمت
هي بالحسابات، وبعد فترة استلمتها انا. حينذاك اكتشفت كم استفادت امي من احسانه. انهى كلامه بجفاء... وقد اظلمت عيناه، وكأن مازال يتألم للذكرى. قالت جينيفر:" لابد انك سددت كل قرش." نظر اليها فجأة مجفلا:" هل انا شفاف الى هذا الحد؟" -حسنا، اظنني بدأت اعرفك قليلا. -نعم. اظن ذلك. لقد جمعت ما كنا مدينين له به، ثم رفضت ان اتقاضى اجري منه حتى سددت ديني، كل شيء، لقد قامت بيني وبينه مشاحنات رهيبة لاجل هذا الامر. لكنني انتصرت. تمتمت تقول:"طبعا." -اعدت له نقوده. ثم حاولت ان اعلمه درسا في التجارة لكنني لم استطع ذلك قط. لقد تراجعت احوال المتجر لسنوات، لكنه لم يفهم السبب. اخذت جينيفر تنظر اليه وقد سلبها عقلها. ان لستيفن ليري قلبا. ليس عاطفيا ولاويذوب شفقه، وانما هو عضو صلب قوي يتصرف بغرابة لكنه صالح ونزيه، ورقيق ايضا. كان قلبا تزداد رغبتها في معرفته، وربما في تملكه ايضا. سألته:"هل فقد متجره في النهاية؟" -تقريبا . من حسن الحظ ان شخصا ماتدخل وانقذه من المستنقع. -هل من جائزة لمن يتكهن باسم ذلك الشخص؟ بعد لحظة بدت على وجهه ابتسامة عريضة يخالطها بعض الخجل:" نعم ، لابأس. انا ذلك الرجل. صادف ان مررت بالقرب من هانتلي منذ سنوات قليلة، فذهبت لاراه، كان مرغما على ترك المحل. وبما انني رجل احب دفع ديوني، فقد منحته قرضا." -وهل استطاع تسديده؟ هز راسه ضاحكا:" كان علي ان امحوه. فالتعامل على الورق شيء مزعج." -تختلق اعذارا. انت شغوف به... انه مجرد ضعف بشري. -لا اعاني من اي ضعف بشري، فلست من النوع الودود على كل حال -قد يكون "لمخالب" رأي مخالف بهذا الشأن. -ساعدت القطة تلك الليلة لاحول دون اصابتك بانهيار عصبي فقط لا غير. -انك مخادع، فوراء هذا المظهر الفولاذي... قاطعها:"يخفق قلب من فولاذ، لا تنسبي الي مزايا تذوب رقه .كنت مدينا لذلك العجوز. هذا كل مافي الامر." -كما تشاء! وعندما عادا لمتابعة الرحلة، دخلا الارض الزراعيه فترة عادا بعدها فجأة الى الطريق الساحلي. قال ستيفن:" المباني السكنية هذه الجديدة. يالها من شقق قبيحة." تابعت جينيفر نظراته نحو الافق، فأبصرت معدات ضخمة بين المباني كما تناهت اليها موسيقى صاخبة.. ولمحت اضواء متألقه. قال ستيفن متأوها:" تلك المباني الوحشية جديده، يبدو وكأن المقاولين قد دخلو المكان." وفيما هما يقتربان من "هانتلي" توضحت لهما اثار المقاولين الهمجية... فالابنية العصريه تنتشر في كل مكان، والمتاجر المضاءة متناثرة في اماكن النزهه. كما اصبحت المدينة الصغيرة مزدحمة بالناس. قال بقلب مثقل:" ليس هذا المكان الذي عرفته، ولكن لماذا يوافد الناس الى هنا فجأة؟" وبعد دقائق جاءهما الجواب حين شاهدا الكازينو الضخم. قال البواب:" انه يجذبهم من مسافة اميال.. يبقى مفتوحا على مدار الساعة. والاطفال شغوفون به." فقال ستيفن بذعر:" اراهن على انهم كذلك" فذكرته جينيفر:" انه استثمار جيد.." فرد ببطء دون سخرية:" ليس بالنسبة الي. كل ما ارجوه هو ان يستفيد "دان العجوز من هذا."
اخذ يفتش عن متجر الزاويه. وشعرت جينيفر بالارتياح وهي ترى متجرا متألقا يحمل اسم :" وكالة صحف ماركام." قال ستيفن بارتياح:" لقد نجح اخيرا." -الفضل لك. امسك بيدها واخذا يركضان الى الداخل وهو يقول:" فلندخل ونفاجئه كان شاب يقف خلف منضدة الاستقبال، فسألهما باسما برقة :" امن خدمة ، ياسيدي؟" فسأله ستيفن:" هل دان ماركام هنا؟" -دان...؟آه، اتعني العجوز ماركام. اظنه سافر الى كند!" سأله ستيفن بذعر:" اتعني انه ذهب في اجازة؟" -كلا لقد باع المحل. -باع المحل؟ لكن الاسم.... -آه، نعم ... لم يتغير اسم المحل لان الناس جميعا يعرفونه. لكن الواقع انه الان ملك لاصحاب سلسلة من المحلات... وقد اشتروه من دان ماركام. سأله ستيفن عابسا:" اتعني انهم اخرجوه بالقوة؟" -لم يحتاجو الى ذلك. فقد كان متلهفا للبيع بعد ان تنازل له دائنه عن الدين... لقد انخدع الاحمق به... وبعد ذلك الاسبوع باع دان هذا المحل، قائلا انه يريد ان يأخذ المال ويهرب. قال ستيفن ببطء:" فهمت... نعم فهمت." ثم خرج من المتجر ببطء وتبعته جينيفر. كان وجهه شاحبا وكأنما تلقى صدمة، واكتشفت انها تأسف لاجله. حاولت ان تتأبط ذراعه.لم يسحب ذراعه منها . ولكنه لم يساعدها على ذلك. كان يسير في الشارع منكس الرأس متهجم الوجه، وقد بدا ضائعا في عالم من الغضب. سألته بحنان:" انه امر يهمك، اليس كذلك؟" -نعم يهمني... لا ادري لماذا ولكن... نعم يهمني كثيرا." استرخت ذراعه اكثر فأمسكت بها جيدا وهي تقول:" دعنا نتنزه سيرا على الاقدام." عبرا الشارع ونزلا الى الشاطئ. وجدا بعض السايحين، لكنهم كانوا نادرين. فهذه الايام يأتي الناس الى هانتلي للمقامرة والتسلية الصاخبة. اما فردوس الهدوء والسكينة النفسية التي لطالماعاشت في ذهن ستيفن فقد تلاشت الى الابد. انعطفا عند رأس بحري الى ان وصلا الى خليج صغير ، مقفر. وقف ستيفن فجأة، ثم امسك بقبضة من الحصى واخذ يقذف بها بعنف الى الماء... وكأنه يرمي معها مشاعره كلها. قال بمرارة وهو يستعيد كلام ذلك الرجل. -بعد ان انخدع به... اي بعد ان خدعني! -لماذا يهمك امره الى هذا الحد؟ -بعد ذلك بأسبوع! لابد وانه كان مصمما على البيع! لقد استغلني! -يبدو وكأنه تعلم اخيرا شيئا منك.! نظر اليها مشكرا، لكنه بعد لحظة، لف ذراعه حول كتفيها بينما وضعت هي ذراعها حول خصره واخذ يسيران صامتين..بقيا على تلك الحال وقتا طويلا... لكنها رضيت بهذا القدر. مر الوقت بسرعة، فأدركت انهما قطعا مسافة طويلة. اصبحت المدينة خلفهما اما هما فأصبحا وحيدين على الشاطئ لارقيب لهما... سوى الامواج. القت ذراعيها حول عنقه ونظرت الى وجهه وهي تقول برقة: لاتتألم لكنه كان يتألم . والاسوأ انه ليس معتادا على الالم الذي يتبع الصحوة من دنيا الخيال، ولايعرف كيف يواجه ذلك. غمرتها موجه من الحنان والارتباك والقلق. فهذا ماكانت تشعر به نحو دايفيد.. انه شيء يشبه الحب الى حد خطير، وهي التي عاهدت نفسها الاتقع في حب ستيفن ليري ابدا. وازداد اضطرابها حين سمعته يقول: انا مسرور لانك كنت الى جانبي عندما اكتشفت الامر.سمعت صدى صوت اخر، صوت رجل اخر، ضعيف قلق، يقول كلمات مماثلة في زمن اخر لكن الصدى سرعان ما تبدد جذبها ستيفن نحوه ، لا ليعانقها ولكن ليشبث بها وكأنه يلتمس منها السلوان. بادلته العناق بعنق، وهي تتلهف لان تحمل عنه همومه. واخيرا قال متنهدا بأسى:" لابأس. لقد تحسن مزاجي الان. آسف لانني ابتعدت كل هذه المسافة. -لابأس، ولكننا سنعود الى سيارتنا بالحافلة، فأنا مرهقه. -هيا لنخرج من هاتتلي الى الابد.. لن يهمني ان ارى هذا المكان بعد الان.
- ارحـــلـ ولا تـــرحـــلـ....
استقلا الحافلة عائدين الى المدينة فوجدا سيارتهما حيث اقفاها، وما لبثا ان انطلقا بها. قال هازئا بجفاء:" حسنا، لم يكن هذا هو النهار الذي خططت له. لكنه كان مفيدا." توقفت امام مقهى قديم الطرازز تنتشر في باحته موائد بمظلات ملونه. تناولا الطعام على مائدة قرب بركة يسبح فيها البط... واخذا يقذفان لها ببقايا الطعام... عندئذ قالت له جينيفر بلطف: انظر الى الناحية الايجابية! لقد احببته ، وكنت مدينا له. وقد وفيت دينك بعد ان اعطيته ملبغا جيدا يمكنه من التقاعد بكل راحة. فلماذا لايستعمله بهذه الطريقه؟ وأوما برأسه شارد البال واخذ يأكل صامتا، لفترة. واخيرا قال:" الحق معك،طبعا. من اكون لكي اكلب منه ان يدفن نفسه هنا لاجلي؟ لابد انه قد سئم العمل في هذا السن" -لكن الامر لم يحصل بهذا الشكل اليس كذلك؟ -كلا، فحدسي المضطرب ينبئني انه غدر بي... وهذا هراء،كما اظن المشكلة هي انني احب توجيه حياة الناس، وغالبا ما انجح في ذلك... وهذا يزيدني سوءا. قالت مازحة:" والاسوأ عندما تفشل في ذلك." شعت ابتسامته:" انا لا اطاق عندما لا احصل على ما اريده. لا ادري لماذا اتكبد كل هذا العناء... ظننته انسانا مميزا عزيزا، يمكنني ان اثق به." -الا تثق بأي انسان اخر؟ -بلى اثق بك انت. قالها بشكل غير متوقع وقد احس بصدمتها فابتسم. -قولك هذا ادهشني اكثر من اي شيء اخر. -انني اثق بك تماما. بالرغم من معاركنا، اظنك اكثر الناس الذين قابلتهم صدقا ووفاء. وانا واثق انك لن تغدري بمن يثق بك. اخرسها تقدير ستيفن ليري لها من بين كل الناس. في صوته نبرة دافئة، وفي عينيه نظرة جديده تألقت حين اخذ بيدها قائلا:"جينيفر" -ستيفن، ارجوك. ان حياتي معقدة وانت تزيدها تعقيدا. -اتفكرين في دايفيد؟ -حسنا،نعم . الاتراني اخدعه؟ -لا، انت ودايفيد تقتربان من النهاية... انه امر محتم. وعندما لم تجب، عاد فسألها:" هل اتصلت به الليلة الماضية بعد ذهابي؟" فأجابت بهدوء:"لا" كان عليها ان تتصل بدايفيد، فهو ينتظر معلومات عن مارتسون ، على احر من الجمر. لكنها لم تستطع ان تقدم على ذلك. -هل اتصل هو بك؟ -لا، لاتسألني عن دايفيد. -لايمكنني ان امنع نفسي/فأنا اغار. ربما لايحق لي ذلك. لكنني اشعر بالغيرة من كل رجل عرفك فيما مضى، او لمسك او عانقك...او... ياللهول، لايمكنني ان استمر بهذا الشكل. -ربما من الافضل الا نلتقي بعد الان. -سألها بسرعة:" احقا لاتريدين رؤيتي؟ هزت رأسها ببطء، ولكنها تذكرت كيف احتالت عليه الليلة الماضية فاحتقرت نفسها. -ستيفن، علي ان.... ان اخبرك بشيء... انه سبب اتصالي بك... رفع اصبعه الى شفتيها: -لاحاجة بك لان تخبريني اي شيء. انني اعرفك اكثر مما تظنين. -ربما انت لاتعرفيني جيدا. -انني اعرف الاهم، مثل حقيقة قلبك. لقد اتصلت بي لاجل... اسباب تخصك، اشياء يجب ان تبقى طي الكتمان. ظنها اختلقت عذرا لكي تراه، ولكن ... اليست هذه الحقيقة.؟ لم تستطع ان تضيف اكثر من هذا، فقد اصبحت كالمسحورة، شعرت بقلبه كالوردة ينفتح لها اخيرا... لقد غامرت لتوها بنبذ ذلك، لكنها لم تجرؤ على معاودة الكره، فهذا الاحساس ثمين للغاية، وتلك خدعه صغيرة بريئة اختلقتها في حياة اخرى، يوم كانت هي امرأة مختلفة. اما المرأة التي تقع الان في غرام ستيفن ليري فقد ولدت من لحظات فقط. ستدفن سرها في العمق، حيث لايمكن ان يهددهما ثانية. لم يتحدثا بعد ذلك الا قليلا حتى فرغا من الطعام. قنعت بالجلوس، مستمتعة بصحبته وهي تشعر بأن علاقتهما تزداد قوة. كان متكبرا، حساسا غريب الطباع، فظا حين يروق له ذلك، غير عقلاني، صعب المعاشرة كثير المتطلبات. لكن لمحة الضعف المفاجئة التب لمستها فيه هذا النهار مست قلبها.اظهر لها ومن دون خوف انه بحاجة اليها . ومن ثم توالت الاحداث وها هي الان تجلس على عتبة مستقبل جديد رائع. لقد اسقط الحواجز حول قلبه من اجلها، وافضل مافي الامر انه بدا ****ا بهذا الوضع الجديد. وعندما نظر اليها فجأة باسما، رأت في عينيه قبولا ونظرة حائرة مرتبكة وتفهمت ذلك فقد كانت مثله تماما. عادا الى البيت متمهلين. وقفا عند اشارة السير، وامسك بيدها وضغطها لحظة ثم عاد يقود من دون ان يتفوه بكلمة. شعرت بالسعادة تستقر في داخلها... فالعاطفة المحمومة لا بأس بها لكن هذا لاتقارب النامي بينهما لا يوصف. عندما وقفت السيارة ، قال: لم اشرح لك بعد ملف مارتسون . لقد تركته في بيتك هذا الصباح، والافضل ان ادخل معك لاخبرك عنه. سألته ورأسها يدور:"مارتسون؟" آه، نعم ،" مارتسون" كل شيء بدا بعيدا الان ماعدا ستيفن . وعندما دخلا بدت كل حركة اكثر قوة وكل شعور اكثر حده... اما حركة المفتاح في القفل فكانت ذات طابع اخر... كذلك صوت الباب وهو يقفله خلفه ويقف ناظرا اليها. بات المنزل الان معتما، لكن ستائرها مازالت مفتوحة فتسلل مايكفي من الضوء لترى في عينيه اضطرابا لم تعهده فيهما من قبل... فاضطربت هي بدورها... لم تستطع سوى ان تهمس باسمه، وفي اللحظة التاليه كانت بين ذراعيه. لكن عناقه اليوم اختلف عن اي عناق آخر. لطالما شعرت قليلا بمزيج من القسوة والتملك يشتعل في طبيعته. لكنها اليوم لمست مايشبه التوسل فتجاوب قلبها مع ذلك. تمتم يقول:" تعلمين بأنني اريدك، اليس كذلك؟." فشهقت:" نعم.... ولكن..." -هس.... كلمة (لكن) للجبناء ، وانت لست جبانة، جينيفر! انك قوية بما يكفي لتفعلي ماتريدين.. هذا السؤال لايحتمل الا جوابا واحدا نعم او لا. تابع يقول :" اتركي دايفيد واقيمي علاقة معي." -علاقة؟ -لست بحاجة الى الزواج، ياجينيفر... مثلي تماما. دعينا نثير السماء ونذهب الى كل مكان معا، فلندع العالم يعرف بأحاسيسنا. تراجعت الى الخلف ونظرت اليه متحديه:" ربما مشاعرنا مختلفة. -مشاعرنا متشابهة. لكنني صادق فيها بينما انت لا... ونحن الاثنين نعلم سبب ذلك. -هذه هي فكرتك عن التقارب الشاعري؟ -انه تقرب صادق الى امرأة قالت انها تحب التعامل الواضح. -نعم ... نعم انا احب ذلك. لكنها لم تستطع ان تتذكر انها قالت هذا الكلام. -انت لا تحبينني اكثر مما احبك انا. اليس كذلك؟ قالت بغموض :"لا . انا لست مغرمة بك." -ومع ذلك ، نحن نقدر احدنا الاخر، وانت تعلمين هذا. لن استطيع ابدا ان اسمعك حديثا جميلا... لكنني سأبادلك العواطف المحمومة بمثلها... والمجازفات بمثلها ، ومعا سنجعل السماء تتوهج بالانوار.
اضحى عناقه هذه المرة هادئا تماما وكأنه ازاح الشكوك كلها جانبا واصبح واثقا من النصر. -انك لي يا جينيفر، اليس كذلك؟ حاولت ان تجيب لكن حواسها دارت بها. وفجأة تصاعد رنين الهاتف. تمتم ستيفن:" ياللهول" همست:" دعه يرن. ان جهاز الاجابة مفتوح." وهكذا، بعد بضع ثوان، عمل الجهاز وسمعت صوتها تطلب من المتصل ان يترك خبرا. ثم صدح صوت دايفيد: جينيفر، حاولت الاتصال بك طوال النهار. الم يسعفك الحظ بجمع معلومات عن مارتسون بعد؟ قلت لي بنفسك انك تملكين طريقه ممتازة لاستخلاص معلومات عنه، وكلما اسرعت في ذلك كان هذا افضل. تعلمين اهمية ذلك بالنسبة الي، ياحبيبتي. شعرت بستيفن يتصلب بين ذراعيها، وبدت نظرة غريبة في عينيه، بينما سقطت يداه الى جانبيه. كادت تصرخ، لكنه قال بنعومة:" يالهي... انك ماهرة حقا!". ردت بذعر:" ستيفن... لا! ليس الامر بهذا الشكل." -بل هو بهذا الشكل بالضبط. لقد جعلتني ابدو مغفلا. لاتنكري هذا وعلى كل حال. هذا فوز لك وعليك ان تفخري بذلك. بدا شحوب وجهه مخيفا. قالت والتعاسة في ملامحها:" لا ، اضغ الي... ارجوك. -لهذا اذا اتصلت بي ودعوتني للخروج معك، اليس كذلك؟ -ستيفن؟ -اليس كذلك؟ -نعم، ولكن.... -وقد صدقتك، ياللضحك الذي ضحكتيه... لقد نسيت امر دايفيد... تلك حماقة مني. فالخدعه كلها من اجل دايفيد اليس كذلك؟ صرخت:" لم افعل هذا من اجل دايفيد. بل فعلته من اجل نفسي. اردت اذلالك... ثم، اذا شئت ان تعلم حقا.. كنت سأخبرك لاحقا بأن المعلومات هي من اجله، وذلك لكي اسر باغاظتك فقط." -آه، ارجوك ، يمكنك اختلاق افضل من هذا. -لكنها كانت حماقة، سرعان ماغيرت رأيي اليوم. -لاتذكري هذا اليوم الا اذا اردتني ان اقوم بشيء تندم عليه نحن الاثنان. عندما افكر كيف انني ... تبالك. قالها بوحشية فأشاحت بوجهها حتى لا ترى الغضب البدي في عينيه. ظنت انها رأت فيهما الالم ايضا، لكن من الصعب ان تتأكد. ولم تكد تتحرك حتى امسك بكتفيها وادارها بعنف لتواجهه، وهو يقول بغضب: انظر الي: انظري الى وجهي اذا استطعت... ظننتك امرأة صادقة ياجينيفر. كان علي ان اتذكر انه لا وجود لشيء كهذا. كل امرأة تكذب كلما فتحت شفتيها . وعندما تعانق رجلا. تكون تلك الكذبة الكبرى. وجذبها فجأة اليه وعانقها عناقا قاسيا لا اثر للعاطفة فيه... مزيج من الرغبة والالم والغضب المنتقم... وتنبهت لغضبه هذا. احست بالخوف الا انها استجابت لعناقه والتصقت به. قال لها : كيف لاي امرأة ان تعانق رجلا بهذا الشكل بينما الامر كله خداع. فشهقت:" لم يكن هذا خداعا." -اخرسي . اتظنيني اريد سماع ماتقولين؟. وعاد يعانقها بعنف بالغ فاشتعلت النار في جسدها. قال ساخرا:" قلبك يخفق بعنف. اراهن انك تزيفين هذا ايضا." -ستيفن، ارجوك... -يالك من كاذبة ماهرة، ولم كل هذا.؟ لاجل ذلك الانتهازي الذي وكلك بعمله القذر؟ هل فكر الى اي حد قد تصلين لتحصلي على مراده؟ وهل اهتم لذلك؟ ماكنت ابدا لادع امرأتي تتكبد المخاطر لاجلي. لعلك لاتملكين عقلا يدرك انك تقومين بعمل خطر! ام ظننت انك تستطيعين التحكم بي كدمية من جون مواجهة النتائج؟ وفجأة، تنبهت جينيفر الى نفسها، استجمعت قوتها حتى افلحت في التخلص منه، ثم هبت في وجهه قائلة: انا لست خائفة منك. -انك اذن حمقاء.
-كانت حيلة تلميذة سخيفة، وقد تخليت عن هذه الفكرة الليلة الماضية. لم افكر في دايفيد طوال هذا النهار.. لم يكن له مكان في افكاري لانك... لانك انت وانا... الاتشعر ان هذا النهار... كان مختلفا....؟" قال بخشونة: نعم ، انه لكذلك. كان نهارا عرفت فيه حقيقتك" كبتت نفسا حادا متألما: اريدك ان تخرج الان ،يا ستيفن. حمل ملف مارتسون، واستدار ليخرج... لكنه اطلق ضحكة صغيرة ساخرة، ثم القاه اليها: خذيه. فقد تعبت في سبيله... وارجو ان يقدر لك دايفيد هذا التعب. ثم اغلق الباب خلفه بهدوء.
****
-انت رائعة حبيبتي! كيف استطعت الحصول على هذا؟ واخذ دايفيد يقلب الاوراق والاعجاب ظاهر عليه. -لقد انتهزت الفرصة وسألت شخصا ماهرا في هذه الامور. قالت ذلك بغموض، فمال نحوها يعانقها وهو يقول:" في هذه الاوراق بعض لامواد البالغة الحساسية... احسنت!" جرى الحديث في مكتبه. فقد ذهبت اليه جينيفر رأسا في الصباح التالي لتسلمه الملف، وذلك بعد ان تصفحته بنفسها اولا وادركت ان ستيفن قد ازال الصعوبات لكي يسهل عليها الامر. فأحست بالذنب. دخلت " بيني" بالقهوة. وبعد ان سكبتها منحت جينيفر ابتسامة احترام ثم خرجت. قالت جينيفر :" تبدو " بيني" شاحبة قليلا هذا النهار.. هل هي مريضة؟" اسرع دايفيد يقول:" لا ، لا . انها باحسن حال ، وفي الواقع، انت نفسك تبدين شاحبة." -لقد تأخرت في العودة الى البيت الليلة الماضية. -هذا صحيح، فقد تركت لك خبرا في جهاز الرد على الهاتف. هل سمعته؟ فردت بهدوء:" نعم . سمعته." ان بدت شاحبة، فالانها لم تنم لحظة بعد خروج ستيفن، بل اخذت تتململ في سريرها وتتقلب بضيق. ثم نهضت في الرابعه صباحا، واعدت لنفسها شايا ثم جلست تتأمل الفجر. لم تستطع ان تنظم افكارها او احاسيسها... فهي ممزقة بين الغضب والتعاسة، واسيرة لهذا الصراع العقيم... وطفح قلبها بألم لم تستطع الكلمات ان تخلصها منه. بالامس الرجل الحقيقي... الرجل الذي اعتاد اخفاءه،فتح لها قلبه قليلا. حين اعنتى بمخالب تعلمت ان الانسان يمكن ان يخفي رقه بالغه، وهي تعرف الان انه عاطفي وسخي ايضا... وهما ميزتان يشعر بالخجل منهما. كما انه يخرج بسرعة اكبر مما يتصور الاخرون. لقد سألته:" الا تثق بأي انسان اخر؟" فاجابها حينذاك " بلى، اثق بك انت." وحبست انفاسها، فحين اشاد بصدقها فتح حفرة تحت قدميها. لقد حاولت تجنبها. ولكن لسوء الحظ انه اكتشف حيلتها الصغيرة، وقرأ فيها اكثر مما كانت تهدف اليه. اخذت تراجع خصامهما مرة بعد مرة. لقد امتلأ ستيفن مرارة... وعبر عن مرارته بالغضب. هل احس حقا بالتعاسة؟ ام انها تخيلت ذلك؟ ومالذي يحتجب وراء تهديده الضمني بالثأر؟" عادت الى مكتبها، حيث امضت بقية ذلك النهار متوترة الاعصاب تجفل كلما رن جرس الهاتف. ولكن ستيفن لم يتصل قط. لا ذلك النهار ولا الذي بعده، ولا الاسبوع الذي تلاه.
اخذت جينيفر تلاحظ الان التغيير الذي طرأ على اخيها تريفور. لقد تلاشى عبوسه واصبح سريع الابتسام حتى انه يضحك احيانا. وباختصار، اضحى رجلا سعيدا الى اقصى حد. حتى عمله اصبح مختلفا، اذ اخذ يظهر استعدادا للمغامره لم يكن فيه من قبل. راقبته جينيفر مسرورة، لكنها لم تذكر له تلك اليلة التي رأته فيها مع ماود. ولم يأت هو على ذكرها ايضا... تساءلت هل علم بوجودها هناك... ربما رأى سيارتها امام الباب، لكنه لاشك جاء وذهب من دون ان يرى سوى المرأة التي يحب
وفي احد الايام اتصلت بها ماود نفسها ودعتها الى الغذاء في مطعم ايطالي. فدهشت جينيفر حين رأتها تملأ طبقها بالطعام ثم تأكل بمتعه بالغه. قالت جينيفر:" ظننت ان عارضات الازياء يأكلن كالعصافير"فهزت ماود رأسها :" اغلبنا يأكلن كالبغال." -وعملك؟ -كان عملا شيقا. -ماو، هل انت مغرمة بتريفور حقا؟ -طبعا انا كذلك. انه رائع. -رائع؟ تريفور؟ -انه بحاجة فقط الى امرأة تحبه وتفهمه. -ولكن لديه اسرة. -لكنه لطالما شعر باهمالكما له انت وجدك. -لا افهم. -تريفور يغار لانك كنت دوما حبيبة جدك.. انه شغوف بجده ويبذل جهده في ارضائه، لكنه لا يستطيع منافستك لانه لايمتلك سحرك. -هل اخبرك هو بهذا؟ -لا بالطبع. حبيبي المسكين لا يعرف كيف يعبر عن احاسيسه بالكلمات. لكنني راقبته ورأيت وجهه. -الهذا اذا يتذمر تريفور كثيرا؟ -كان يشعر انه في الدرجة الثانية، ولاشيء اكثر من ذلك. لكنه معي، سيكون الاول على الدوام. ابتسمت جينيفر مسرورو لاجلهما. &&&. وفي صباح اليوم التالي ادركت جينيفر ان ماود اخبرت تريفور بأنها تريد الزواج به في اسرع وقت ممكن فعندما وصل الى مكتبه كان يهمهم مترنما. سألها وهو يرسم على شفتيه ابتسامة مودة، ابتسامة لم ترها منذ وقت طويل:"بماذا اساعدك؟ قالت على الفور:" اريدك ان تخبرني عن كل ماحدث الليلة الماضية. لقد تناولت الغذاء مع ماود. ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة حمقاء وهو يحتضنها : سنتزوج . قالت بخلاص:" لشد ما انا مسرورة مادمت انت سعيدا." -سعيدا؟ انا لم اعرف طعم السعادة من قبل. عندما افكر في مبلغ كمالها... وفي انني عادي بهذا الشكل... اردكت جينيفر انه لايقول ذلك بلباقة، فتريفور لايعرف ماهي اللباقة وهكذا تبعت كلماته المتواضعة من القلب. واضاف:" انها المرأة التي لطالما بحثت عنها. امرأة لي وتعيش لاجلي. بعد ان ماتت امي ... شعرت بالضياع...." فقالت :" اعلم هذا." واردف ببساطة:" لكنني الان لم اعد وحيدا. اظنك شعرت بالضياع انت ايضا." اومأت وهي تبتسم له، فبادلها الابتسام . لقد عادا اخا واختا مرة اخرى. اعدت القهوة وجلسا يتحدثان ساعة كما لم يتحدثا من قبل. اخذت جينيفر تنظر الى اخيها بحنان، مسرورة للتغير الذي طرأ عليه. كان دوما في اعماقه رجلا دمثا ، بالغ الرقة... رجلا ينتظر الحب ليكشف عنه. هذا هو الحب المثالي، كما ادركت. انه احساس يخرج من اعماق العاشق افضل مزاياه. فالعاشق يعرف خبايا قلبه تماما، ولا تعذبه الشكوك، كما شعرت هي بالحنان نحو رجل ما بينما عاطفتها موجة نحو رجل آخر. الحب الصافي المباشر، يجعل العالم بسيطا، يجيب عن كل الاسئلة. فلماذا لايحصل الامر كذلك معها؟ لو ان احدا اخبرها انها بعد ليلتين ستكون جالسة في " سافوي" لتحتفل بخطبتها الى دايفيد ، لما صدقته....
9- لمـــاذا هجــرتــنيــ...
بدأ اليوم كبقية الايام لكن علامات الزلزال الاولى سرعان ماظهرت حين جاء دايفيد الى مكتبها وقد بدا عليه الاضطراب ليخبرها بأنه ترك ستيفن لتوه. -أرسل يطلبني ليقول ان شركته تعرض علي عملا. اسندت جينيفر جبينها وهي تتساءل اي شر ينويه ستيفن . وسرعان ما علمت الجواب عندما اخذ دايفيد يصف ماتضمنه حديثهما المذهل. -عاملني اروع معاملة، ليقول لي بعد ذلك ان هناك شرا واحدا...وهو ان انفصل عنك! وتنفس دايفيد بعمق. -ماذا؟ -قال لي بشكل مباشر:"ابتعد عن جينيفر نورثون"! انا الذي فكرت ان ذلك لايحدث الا في افلام العصابات. قالت جينيفر ببطء:اتراك تخبرني بأن ستيفن ليري قد تجرأ...تجرأ حقا... لم تستطع الكلام لشدة الغضب... منذ ليلة خصامهما، بدأت مشاعرها نحو ستيفن تصفو وقد تعاطفت معه بعد الالم الذي سببته. وما ان اكتشفت مبلغ قسوته حتى جرفت الصدمة كل ندمها. هذا هو انتقام ستيفن اذا، اظهار شامل لقوته! لكن عليها الا تسمح له بالانتصار. بدت ملامح وجهها غريبة... ولو كان تريفور موجودا لادرك ان هذا هو ضباب جينيفر الاحمر. فهو يدفعها الى عمل عنيف قد تندم عليه بعد خمس دقائق. وبالفعل جاءت كلماتها التالية لتثبت نظريته تلك: -دايفيد. علينا ان نواجه بقوة وجرأة، حتى ولو ان هذا لم يحدث، كان علينا ان نفكر في المستقبل قبل الان. وامسكت يديه بيديها:" لقد حان الوقت لنخبر كل انسان، واعني كل انسان، ان زواجنا سيحصل. سواء اعجب هذا ستيفن ليري ام لا. قرأت الصدمة على وجهه. وظنته للحظة سيعترض، لكنه اجابها بأدب:" طبعا ، ياحبيبتي، كما تقولين، كان الامر مسألة وقت..." استمر غصبها قرابة الساعة. زفت الخبر الى اخيها وجدها، ثم اتصلت بالصحيفة المسائية وطلبت ان ينشر في الطبعة الليلة. بعد ذلك خرج دايفيد وبقيت وحدها فتملكها الاضطرب لعملها المتسرع. فمن ناحية يقدم لها دايفيد الاستقرار الذي لطالما بحثت عنه، ومن ناحية اخرى يغريها ستيفن بحياة المغامرات والمقامرة حيث تربح كل شيء او تخسر بكلمة واحدة... لكن الكلمة قيلت، وفات الاوان. فات الاوان... تعشت ذلك المساء مع دايفيد في " ساقوي"في حفلة خطوبة تقليدية،تزينها اضواء الشموع والازهار. حاولت جينيفر ان تروح عن نفسها... ارادات ان تخنق الصوت الخافت الذي يردد على مسمعها ان هذا كله زيف. ومع ان هذه الليلة تمثل كل ما كانت تصبو اليه، احست انها تمثيلية كاذبة. تملكها الذعر عندما اصر دايفيد على اطالة السهرة، فالسهر يصيبه دوما بنوبة صداع نصفي. لكنها لمست في تصرفه نوعا من التمرد، وكأنه يحاول ان يقنع نفس بشيء وتحقق خوفها عندما اصابه الم قوي في رأسه. وسرعان ما اظلمت عيناه الما وباتت ابتسامته مغتصبة. قالت له برقة:" اظن ان علينا الذهاب." وافقها شاكرا، فقادته الى الخارج برفق حتى عثرا على تاكسي. كانت شقة دايفيد بعيدة بينما شقتها قريبة. وهكذا رأت ان تأخذه اليها وترقده في السرير الى الصباح حتى يتخلص من صداعه ذلك. وصلا الى بيتها بعد دقائق، فساعدته على الدخول الى غرفة نومها ثم اعانته على خلع ملابسه فألقى رأسه على الوسادة وضغط على يدها ثم نظر اليها هامسا:شكرا يا حبيبتي. انك تعتنين بي جيدا. اجتاحها الحنان نحوه:"دوما سأعتني بك. منحها شبه ابتسامة وهو يغمض عينيه. فسحب يدها من يده ثم فتحت درجا اخرجت منه قميص نومها، وخرجت من الغرفة وهي تغلق الباب خلفها بهدوء. جهزت الفراش في غرفة الضيوف لتنام فيها، ثم انتقلت اليها بهدوء بعد ان دخلت الحمام اولا... فمن يدري؟ قد يغسل الماء هذا التردد يخالجها في ماتصورته اروع ليلة في حياتها. لقد ربحت الجائزة التي انتظرتها طويلا، برهنت لستيفن انه لايستطيع ان يملي عليها اوامره. ومع ذلك ظل يساروها شعور غريب بالقلق. خرجت من الماء وجففت جسدها. كان قميص النوم ابيض شفافا... لقد احضرت. في عجلتها، قميصا غير مناسب لاتلبسه امرأة تريد ان تنام وحدها في غرفة اخرى لان رجلها يعاني من الصداع. شعرت فجأة بحاجة الى الحب. واغمضت عينيها تدريجيا واذا بوجه يتراءى لها. عادت تفتح عينيها بذعر. كيف يجرؤ ستيفن على اقتحام احلامها في لحظة كهذه؟ وماذا يفعل وجهه في احلامها؟ وكان افكار الحب والعواطف المحمومة كلها لا تتوجه الا اليه؟ انه ليس الرجل الذي تحبه او الرجل الذي ستتزوجه. ومع ذلك ، فهي لاتستطيع التخلص منه. اطلت من باب غرفة النوم تلقي على دايفيد نظرة اخيرة.. بدا لها فائق الوسامة، ووقفت تتأمله بإعجاب. ولكنها بعد لحظة ادركت ان اعجابها به بريء خال من اي شوق. لعل هذا يعود الى مرضه. فكرت في هذا بسرعة، واذا بصوت ستيفن الساخر يرن في اذنيها:" ستتشاجران دوما على المرآة." تراجعت من الغرفة، وتركت الباب متفرجا، اذا يحتمل ان يناديها دايفيد اثناء الليل. واذا بها تقفز مجفلة وهي تسمع رنين جرس الباب. تناولت معطفها المنزلي بسرعة من خلف باب غرفة النوم، ثم ارتدته على عجل وهرعت لتفتح الباب. كان ستيفن بقف عند العتبة وقد اظلمت عيناه لشدة الغضب، والتوى فمه بمرارة بالغه. سألته:" مالذي تفعله هنا؟" اجاب وهو يدفعها الى الداخل ويغلق الباب خلفه:دعينا نتكلم في الداخل. -ليس لدينا ما نتكلم عنه. اخرج حالا. -سأخرج عندما انتهى من كلامي. قد لا تملكين ماتقولينه ولكن انا لدي الكثير... دعينا نبدأ بالحديث عن غرابة روح النكته لديك. -ليس لدي روح النكتة في مايتعلق بك. -حسنا، اظن من الضحك ان تعلني خطوبتك على ذلك التافه الحشرة وتتركيني لاعرف ذلك من الصحف. لا ادري متى كنت ستخبرينني. -ولماذا اخبرك؟ هذا ليس من شأنك. -انك تعلمين الحقيقة. وتركها مندفعا الى الغرفة الامامية. لم تره جينيفر على هذه الحالة قط. فبدلا من اناقته البالغة، كان من دون ربطة عنق ، فيما قميصه مفتوح عند الرقبة، وشعره اشعث. اما الاغرب فتلك النظره الوحشية في عينيه ولأول مره بيدو ستيفن وكأنه لايملك السيطره على نفسه. قال بوحشية:" انك بحاجة الى هزة عنيفه... لا بأس... لقد تشاجرنا، وربما قلت انا بعض الكلمات غير المناسبة... ولكن ان تنتقمي مني بهذا الشكل..." فردت بغضب:" انتقم منك؟ اتظن ان زواجي.... ماهو الا لمجرد الانتقام منك.؟" صرخ ثائرا:"لاتتحدثي الى عن زواجك. انت لا ترغبين بالزواج من دايفيد، لقد قمت بهذه الخطوة عقابا لي، حسنا، كنت احمق وكان علي ان ادرك انه سيسرع ليخربك بماعرضته عليه، وسيدفعك غضبك الى القيام بعمل احمق... لكن ليس الى هذا الحد... هل جننت؟." -انت مخطئ ياستيفن, كان هذا سيحدث يوما ما. انني احب دايفيد، وانت تعلم هذا ، كما انه يحبني. -اعلم ان فكرة جنونية توهمك بأنه الرجل الذي سيحل مشاكلك، اما هو فقد انبهر بك كأرنب اعمته الاضواء الساطعة. كان يجب ان اضع ذلك في اعتباري، لكنني لم افعل. وانما اغمضت عيني. ولكن على هذه التفاهة ان تتوقف هنا.... لقد انتهى المزاح. -انه ليس مزاحا.
تصرفي كامرأة ناضجة، ياجينيفر. لايمكنك ان تتزوجيه... انت لا تعنين ذلك جديا. لقد فعلت ذلك لكي تلزمني حدودي ، لا بأس ، لقد نجحت ، وانا اذعن. كان غريبا، بالنسبة الى امرأة اعلنت لتوها خطوبتها الى رجل ان يخفق قلبها لرجل اخر. -وماذا تعني بالضبط بقولك (اذعن؟) ادار اليها وجها منهكا:" اليس هذا واضحا؟" -ليس بالنسبة الي. -لقد جئت الى هنا جادا في طلبك . اليس كذلك؟ انني لا الاحق النساء. ولكنني جئت اليك... متوسلا ان توقفي هذا العبث الان ، والا.... -والا ماذا....؟ توترت ملامحه. بدا كرجل يتعلق بحافة هاويه. واخيرا قال:" والا سقطت اسعار اسهمي." حملقت جينيفر فيه وقدجمدتها المفاجأة . ثم همست: ماذا؟ -بامكان خطوبتك ان تسبب لي ضررا كبيرا في السوق. صرخت بعنف:" لا اصدق انني اسمع هذا الكلام. السوق لايهمني! فأنا اتزوج دايفيد لانني احبه." -كلام فارغ. تتزوجينه لانك غضبت مني، وهو يتزوجك لانك امرته بذلك. -هذا غير صحيح. قالت هذا متعلثمة. حاولت تصور وجه دايفيد وقد افقدته الصدمة لونه بعد ان ابلغته بضرورة زواجهما. قال بازدراء:"لاتطلبي مني ان اصدق انه عرض عليك الزواج. ان خوفه البالغ على نفسه يمنعه من ذلك. لاشك انك قلت له: لن ندعه يملي علينا اوامره، اليس كذلك يادايفيد؟ ولهذا ستعلن خطبتنا لكي نلقنه درسا. ولم يدرك الضعيف المسكين مالذي حدث له." -لايحق لك ان اقول هذا! -سأقول كل ما يمكن ان يخرجك من هذا المآزق. اتراه يعرف كيف تنتعشين بين ذراعي؟ اتراه يستاءل لماذا تموتين بين ذراعيه؟ -انت لاتعرف كيف اكون مع دايفيد. -اعرف انك لا تشتعلين شوقا للمسته كما يحدث لك معي. فما من امرأة تتفاعل بهذا الشكل مع رجلين في آن واحد. وبما انك تتحولين هكذا معي، فلا يمكنك ان تكوني كذلك معه. -انك تحرف كلامك. منذ ايام فقط، وفي هذه الغرفة بذات ، اتهمتني بأنني ازيف مشاعري لاخدعك. -كنت مجنونا. وكان لدي عذري. ولكن عندنا هدأت اعصابي ادركت انه لايمكنك ان تدعي الى هذا الحد. فما هي الا لمسة واحده حتى يرقص قلبانا فرحا. صرخت وهي تشيح نظرها عنه وتغطي اذنيها: كفى. جذبها ليديرها اليه وهو يهزها: لماذا؟ هل تؤلمك الحقيقة؟ انظري في عيني واخبريني ان هذا غير صحيح. همست تقول: لقد...فات الاوان. قال وهو يأخذها بين ذراعيه: لايفوت الاوان مطلقا فيما هذا الشعور مالق بيننا! منذ لحظة وصوله علمت انها لن تفلت منه، ومع ذلك فقد فوجئت . لو عاشت حتى المائة لبقيت تضطرب كلما عانقها. كان عناقه في البداية رقيقا حنونا، بعث فيها مشاعر لاتجرؤ على تسميتها. انا الان فأصبح جارفا مسطيرا، لا حنان فيه وانما قوة عمياء لرجل لايفهم شيئا آخر. لكن خفقات قلبها المتصاعدة اخبرتها بأنها من سيدفع هي ضريبة العاطفة المحمومة التي خرجت عن سيطرته. تمتم وهو يضمها: لطالما انتهت بنا الامور الى هنا. ولكننا انتظرنا طويلا لنواجه ذلك... طويلا اكثر مما يجب... همست بذعر:" ان دايفيد..." فقاطعها:" انسيه . مايهمنا هو نحن، لم تجذبني امرأة قط كما جذبتني انت." واشتد عناقه فحاولت ان تقاومه، لكن المشاعر التي اثارها في نفسها كانت اقوى من ارادتها. وما لبثت ان نسيت العواقب فلم تعد تفكر .
تصرفي كامرأة ناضجة، ياجينيفر. لايمكنك ان تتزوجيه... انت لا تعنين ذلك جديا. لقد فعلت ذلك لكي تلزمني حدودي ، لا بأس ، لقد نجحت ، وانا اذعن. كان غريبا، بالنسبة الى امرأة اعلنت لتوها خطوبتها الى رجل ان يخفق قلبها لرجل اخر. -وماذا تعني بالضبط بقولك (اذعن؟) ادار اليها وجها منهكا:" اليس هذا واضحا؟" -ليس بالنسبة الي. -لقد جئت الى هنا جادا في طلبك . اليس كذلك؟ انني لا الاحق النساء. ولكنني جئت اليك... متوسلا ان توقفي هذا العبث الان ، والا.... -والا ماذا....؟ توترت ملامحه. بدا كرجل يتعلق بحافة هاويه. واخيرا قال:" والا سقطت اسعار اسهمي." حملقت جينيفر فيه وقدجمدتها المفاجأة . ثم همست: ماذا؟ -بامكان خطوبتك ان تسبب لي ضررا كبيرا في السوق. صرخت بعنف:" لا اصدق انني اسمع هذا الكلام. السوق لايهمني! فأنا اتزوج دايفيد لانني احبه." -كلام فارغ. تتزوجينه لانك غضبت مني، وهو يتزوجك لانك امرته بذلك. -هذا غير صحيح. قالت هذا متعلثمة. حاولت تصور وجه دايفيد وقد افقدته الصدمة لونه بعد ان ابلغته بضرورة زواجهما. قال بازدراء:"لاتطلبي مني ان اصدق انه عرض عليك الزواج. ان خوفه البالغ على نفسه يمنعه من ذلك. لاشك انك قلت له: لن ندعه يملي علينا اوامره، اليس كذلك يادايفيد؟ ولهذا ستعلن خطبتنا لكي نلقنه درسا. ولم يدرك الضعيف المسكين مالذي حدث له." -لايحق لك ان اقول هذا! -سأقول كل ما يمكن ان يخرجك من هذا المآزق. اتراه يعرف كيف تنتعشين بين ذراعي؟ اتراه يستاءل لماذا تموتين بين ذراعيه؟ -انت لاتعرف كيف اكون مع دايفيد. -اعرف انك لا تشتعلين شوقا للمسته كما يحدث لك معي. فما من امرأة تتفاعل بهذا الشكل مع رجلين في آن واحد. وبما انك تتحولين هكذا معي، فلا يمكنك ان تكوني كذلك معه. -انك تحرف كلامك. منذ ايام فقط، وفي هذه الغرفة بذات ، اتهمتني بأنني ازيف مشاعري لاخدعك. -كنت مجنونا. وكان لدي عذري. ولكن عندنا هدأت اعصابي ادركت انه لايمكنك ان تدعي الى هذا الحد. فما هي الا لمسة واحده حتى يرقص قلبانا فرحا. صرخت وهي تشيح نظرها عنه وتغطي اذنيها: كفى. جذبها ليديرها اليه وهو يهزها: لماذا؟ هل تؤلمك الحقيقة؟ انظري في عيني واخبريني ان هذا غير صحيح. همست تقول: لقد...فات الاوان. قال وهو يأخذها بين ذراعيه: لايفوت الاوان مطلقا فيما هذا الشعور مالق بيننا! منذ لحظة وصوله علمت انها لن تفلت منه، ومع ذلك فقد فوجئت . لو عاشت حتى المائة لبقيت تضطرب كلما عانقها. كان عناقه في البداية رقيقا حنونا، بعث فيها مشاعر لاتجرؤ على تسميتها. انا الان فأصبح جارفا مسطيرا، لا حنان فيه وانما قوة عمياء لرجل لايفهم شيئا آخر. لكن خفقات قلبها المتصاعدة اخبرتها بأنها من سيدفع هي ضريبة العاطفة المحمومة التي خرجت عن سيطرته. تمتم وهو يضمها: لطالما انتهت بنا الامور الى هنا. ولكننا انتظرنا طويلا لنواجه ذلك... طويلا اكثر مما يجب... همست بذعر:" ان دايفيد..." فقاطعها:" انسيه . مايهمنا هو نحن، لم تجذبني امرأة قط كما جذبتني انت." واشتد عناقه فحاولت ان تقاومه، لكن المشاعر التي اثارها في نفسها كانت اقوى من ارادتها. وما لبثت ان نسيت العواقب فلم تعد تفكر .
كانت مستغرقة فيه بحيث لم تشعر به يحملها الى غرفة النوم ويدخلها من الباب. -جينيفر.... رفعت بصرها الى وجه ستيفن، لكنه لم يكن هو المتكلم. جمد في مكانه. بدا شاحب الوجه بعد ان سمع الصوت الذي جاء من السرير. شعرت به يتوتر لهول الصدمة... شيئا فشيئا ابتعد عنها، وعيناه مسمرتان على السرير. كان دايفيد قد جلس لتوه وهو يغطي عينيه بيده . جكد العالم حولها... واخيرا انزل دايفيد يده وحدق اليهما لحظة، ثم عاد فاستلقى على السرير مغمض العينين. قال ستيفن ببطء:" ايتها التافهه المخادعة. هاقد فعلتها مرة اخرى." وكان شاحبا من شدة الغضب وهو يجرها الى خارج الغرفة. حاولت جينيفر ان تفكر بشكل سليم. لكن جسمها كان مازال متأثرا بعناقه فلم تستطع فهم ماحدث جيدا. -ستيفن... انك لاتفهم... -مالذي يجب ان افهمه؟ تعرفين شعوري نحوك وجعلتني اخدع نفسي فيما انا اعترف لك. اما انت فكنت تضحكين مني طوال الوقت، مرة اخرى! صرخت بعنف:" هذا غيرصحيح، ليس الامر كما تظن..." قال ثائرا:" ستقولين لي بعد هذا انني لم ار دايفيد كونر في فراشك." ارتفع غضبها يماثل غضبه:" ومالعجيب في ذلك؟ انه خطيبي؟ اي رجل اكثر منه يملك الحق في ان يكون في سريري؟ -كنت لاعطيك جوابا لهذا. ولكن ذلك كان قبل ان ادرك انك غبية لدرجة حولت هذه المسألة الى مهزلة. فصرخت:"سأفعل ما اشاء. كيف تجرؤ على القدوم الى هنا لتقرر من اتزوج او من لا اتزوج؟ تبدو واثقا من نفسك جدا... اذ تكفي اشارة من اصبعك لتركض جينيفر اليك.... لماذا؟ لانها لا يمكن ان تحب رجلا اخر اذا كان ستيفن ليري يريدها . ولكنك مخطئ... فكل ما قمت به هو لاجل دايفيد. انه الرجل الوحيد الذي احب ولا يغنيني عنه اي رجل آخر." همس قائلا:" كنت اذا تعبثين معي؟" فأجابت:" نعم ، كنت اعبث... وانت ايضا لايحق لك ان تشكو، يا ستيفن. كل مافي الامر هو انك وجدت فتاة اكثر براعة منك في هذه اللعبة. ماهو شعورك ازاء هذا؟" فقال بهدوء:"كإغماد سكين في القلب." هزها جوابه من الاعماق. بدا وجهه للحظة خاليا من كل شعور عاد الالم. اعمتها الحقيقة المذهلة...وكانها كانت تبارزه بسيق خشبي من باب العبث، فإذا بهذا السيف يتحول فجأة الى سيف حقيقي. لم تعد المبارزة لعبة عابثه فنصل السيف كان حادا . والالم رهيبا. ومضت في عينيه نظرهمعذبة واحده، لو انها طالت لمدت يديها اليه بلهفة، ولكنها انطفأت على الفور لتفسح الجال لحقد بالغ. ثم قال بهدوء قاتل:" هنالك مثل قديم ياحينيفر، يقول:" اخدعني مره، يقع العار عليك... واخدعني مرتين ، يقع العار علي." وقد تركتك في الواقع تخدعينني مرتين، ولايمكنني السكوت. لم يعاملني احد كما عاملتني . لم يخدعني احدمن قبل ثم ينبدني... انا المنتصر على الدوام. فصرخت فيه:"لكنك لم تنتصر هذه المره." -لم تنته اللعبة، لم تنته بعد... ولن تنتهي الا بعد ان افوز وتعترفي انت بذلك." -ستنتظر طويلا. -حتى ولو انتظرت الى الابد، ستحين لحظة النتصاري. ولكنها لن تأخذ كل ذلك الوقت عندها ستتمنين لو انك لم تتخذيني عدوا لك قط. تذكري قولي هذا. اقترب منها خطوة، لكنها لبثت مكانها. كانت ترى دائما هالة من الوعيد حول ستيفن، لكنها الان تأخذ شكلا ملموسا، موجها ضدها. قالت بصوت خافت: -اخرج من هنا. -سأخرج عندما اكون مستعدا لذلك، فلدي ما اضيفه اولا. تابعي طريقك وتزوجي فتاك الجميل، وسنتدمين على ذلك بعد اسبوع، وعندما يدفعك الى الجنون بضعفه ومشاكسته، فكري كان من الممكن ان نكون معا.
وخرج... تركها تحدق بالباب، مرتجفه تحت وقع الصدمة. استيقظت جينيفر بقبلة خفيفة على جبينها،ففتحت عينيها ووجدت دايفيد بجانبها، يقول:لقد احضرت لك كوبا من الشاي. -شكرا. كيف حالك هذا الصباح؟ -ممتاز. هذا الصداع لايدوم طويلا والحمدلله. كان يبدو بحالة جيدة ويبتسم ****ا. بدا لها هذا غريبا. هذا الرجل رأى خطيبته تعانق رجلا اخر الليلة السابقه. ولكن ربما لم يرهما، اذ كان يغطي عينيه معظم الوقت. وهي تعرف ان الصداع يشوش ذهنه احيانا. رشفت الشاي فوجدته لذيذا، فدايفيد يتقن الاعمال المطبخية. -كان يجب ان اصغي اليك ولا اطيل السهلا... كنت محظوظا لوجودك معي. تمنت لو انه لم يقل هذا، فقد بات كلامه يشكل عوائق في وجهها. لكنها هي التي فرضت عليه هذا الوضع.... لم يعد بامكانها ان تتنكر لاحتياجاته. ثم عاد اليها ماكانت تحاول ان تتذكره، قال لها ستيفن مره وهما على شاطئ البحر.."انا مسرور لانك كنت معي حين علمت بذلك." الحاجة ، التواقه واللهفة الى اليد المواسيه، مشاعر ربطتها بدايفيد. ولكنها وجدتها ايضا في ستيفن... وبعث فيها هذا الكلام الحيرة والاضطراب. لكنها تذكرت ذلك بعد فوات الاوان. تناولت، مع دايفيد، طعام الافطار كأي زوجين قديمين. ثم اوصلته الى عمله وتابعت الى مكتبهاحيث كان تريفور بانتظارها. هنأها بخطبتها ببضع كلمات تقليديه، ولكن الاضطراب بدا في عينيه. واخيرا سألها:"انت سعيده، اليس كذلك؟" -الى حد عنيف. -تظن ماود ان علاقة ما تربطك بستيفن. -كنت ابدو معه امام الناس من اجل مصلحة الشركة وقد انتهى هذا الان. -ان انقطاع العلاقة قد خفض من اسعار اسهمنا ولكن بنسبة قليلة فقط. وسرعان ماستصعد مره اخرى. ولكن الجميع ذعروا عندما بقيت الاسعارعلى حالها، لا بل كانت تهبط بسرعة جنونيه. فقال تريفور بهلع: هناك من يخفض اسعار اسهمنا. وادركت جينيفر بقنوط ان شركة نورثون تفقد مصداقيتها شيئا فشيئا. ولكن الاسعار توقفت فجأة، ثم بدأت بالارتفاع. قال تريفور:" تقول الشائعات ان رجلا ما يشترينا ، وقد يملك الان ما يكفي من الاسهم لكي يطلب مقعدا في مجلس الادارة ولزيارة الطين بله، طلب الجد بارني عقد اجتماع هذا المساء... سيكون ذلك الرجل موجودا". وصل بارني قبل موعد الاجتماع بعشر دقائق:اننا بحاجة الى كرسي اخر من اجل العضو الجديد في الشركة. قال تريفور بصير:"لكننا لا نعرف بعد من يكون. كما انه لن يأتي لانه لا يعرف بشأن الاجتماع. فرد بارني بحزم: اي شخص ذكي الى حد التصرف بهذا الشكل، يحضر بالتأكيد اجتماعا لم يبلغه عند احد. في الساعه السادسة الا خمس دقائق بالضبط، اجتمع الشركاء الثلاثة، اتخذ بارني مقعده العالي الظهر على رأس الطاولة. سأل تريفور بلهجة رسميه: هل لك ان نبدأ، ياسيدي الرئيس؟ هز بارني رأسه قائلا:فلننتظر بضع دقائق اخرى. نظر ترايفور وجينيفر الى كرسي الخالي وكأن طيف صاحبه يحتله... كان الجد بارني مقتنعا بفكرة حضور الشريك الجديد. وفي تلك اللحظة، دقت ساعة الجدار القديمة ست دقات... ما ان ينتهي رنين الدقة الاخيرة، حتى انفتح الباب ودخل ستيفن ليري غرفة الاجتماع
خيم صمت مطبق على القاعة...ثم قفز ترايفور ، واقفا، بينما نهضت جينيفر ببطء. بارني وحده بقي جالسا وقد بدا عليه الهدوء التام. قال ستيفن: مساء الخير، ارجو الا اكون قد جعلتكم تنتظرونني طويلا... مع انه كان يوجه كلامه اليهم جميعا، الا ان عينيه المتحجرئين لم تقارفا جينيفر لحظة. سأله ترايفور: اتعني انك انت من اشترى اسهمنا؟ فاحتجت جينيفر: ليس هو بل شركة"تشارتيرز" فقال ستيفن ببرود: لا ، بل انا شخصيا... وانا الان املك ثلث شركة نورثون. "ستتمنين لو انك لم تتخذيني عدوا قط" تواترت كلماته هذه في ذهنها برنين هائل. لقد جاء استيفن ليري لينفذ انتقامه. قال بارني باسما: لنرحب بالعضو الجديد في مجلس الادارة... الافضل لنا جميعا ان تحاول الانسجام معا. قال ترايفور:" انا موافق" فسألت جينيفر بعنف:" الايفهم اي منكما ماذا يجري هنا؟ عليكما ان تحارباه والا ابتلعنا جميعا" ثم التفت الى ستيفن:" بارني لايعرف عنك شيئا، وتريفور يفضل الا يختلف مع شقيق ماود، اما انا اعرفك جيدا وسأحاربك." فأجابها قائلا: لقد اوضحت موفقك تماما. والان بإمكاننا المباشرة بالعمل؟ جلس على مقعده الى الطاولة تاركا جينيفر واقفه وقد تملكها الذعر. بدا واضحا ان الاخرين لم يتوسما فيه اي خطر. لكنها تعرف ستيفن اكثر منهما. لقد شعرت بقوة ذراعيه تحميانها، ورأت وجهه مثقلا بالعاطفة تاره ثم مظلما بالغضب تاره اخرى. كما وجدت فيه نعم الصيق" عندما اخبرها ببساطة انه يثق فيها كليا. اما الان فالثقه تلاشت وحلت مكانها المرارة. وزع ستيفن بعض الاوراق، ثم دفع حصة جينيفر اليها من دون ان يلتفت اليها. وفيما اخذت تدرسها تراءت لها الكفاءة العالية والخبرة الحكيمة. رفعت رأسها فوجدته ينظر اليها. اذن فهو يتابع افكارها ويبلغها ضمنا انه سيكون على مستوى مخاوفها تماما. شرح خططه بهدوء. يقتضي مشروعه ان تقيم الشركة علاقات عمل كثيرة مع " تشارتيرز" مما يعني ان على نورثون ان تتوسع مهما كان الثمن . قالت جينيفر محتجة : عندما نتوسع بهذا الشكل ستضعنا تشارتيز في جيبها . . . ففي وسعكم ان تخفضوا من الأسعار وبالتالي تستطيعون شرائنا بكل سهولة فسألها ستيفن بهدوء : "الا تثقين بي؟" واضاف بارلي "جينيفر عزيزتي هذا التحامل ليس من عاداتك ". حتى تريفور نفسه صدرت عنه اشارات الموافقة ماإن وقع نظره على الاوراق . وادركت جينيفر انها خسرت هذه الجولة. قال تريفور عندما استعد ستيفن للخروج : اريد معرفة شيء واحد كيف علمت بأمر هذا الإجتماع؟ بدت على شفتي ستيفن ابتسامة ببرودة الشتاء وكآبته: - عندما يصمم الرجل على انجاز عمل ما . فهو عادة يضع الخطط ويدرس الموضوع بدقة متقنة . وصدقني . . . انا رجل بالغ التصميم. كان يتكلم بوجه عام ، لكن عينيه تسمرتا على جينيفر . وفي اللحظة التالية ادار ظهره وترك القاعة . بعد ذلك بأسبوع ، نشبت في مكتب ستيفن مواجهة عنيفة فتح بابه وكماتوقع ، دخلت جينيفر ثائرة قال بجمود : " ادخلي . . . قد امنحك خمس دقائق". لم تكن قد رأته منذ الاجتماع . بدا لها نحيلا" وحول عينيه هالات داكنة.
لن احتاج كل ذلك الوقت حتى اخبرك عن رأيي فيك . . . كنت اتحدث مع جدي لتوي . كيف تجرؤ على اخباره بضرورة الغاء زفافي؟ - لايمكنك ان تتزوجي قبل ان يعود تريفور من شهر العسل. - ظننتني اعلم الى اي مدى يمكن ان تنحط اخلاقيا" - فقاطعها ببرودة : " كنت مخطئة . لم تبدأي بعد باكتشلف ذلك . ربما لن الغي زفافي بناء على اوامرك. - إذن سيكون لي دور في شركة نورثون اكثر فعالية اثناء غيابك. جمدت جينيفر في مكانها وهي تكتشف الفخ الذي نصبه لها : لن يكون لك فعالية اكبر إلا على جثتي. - ولكنك لن تكوني موجودة . همست : " ايها الشيطاان إذا ظننت انني . . .". - انك ماذا؟ لكنها خرست . . . فماذا هناك لتقوله؟. اشارت سكرتيرته برأسها : موعدك التالي حاضر . هل اطلب منه الانتظار؟ فأجاب : " لاحاجة لذلك فالآنسة نورثورن مغادرة". بدا كلامه وكأنه يطردها . وقفت جينيفر عند الباب والشرر يتطاير من عينيها تلقي عليه نظرة اخيرة . . . لكنه كان قد ادار لها ظهره.
اخبرت ماود ، وهي تتنهد : لقد ارجات الزفاف شهرا" لاأملك خيارا" كانتا تتناولان طعام الغداء معا" هذه الأيام . . . فأجابت ماود : لاأدري ماذا فعلت حتى بات مريرا" إلى هذا الحد ، لكنه متأثر حقا" . انا لاألومك . . . لاسيما بعد ان حاول ان يغري دايفيد بتلك الطريقة . من القريب ان يكون اخرق إلى هذا الحد . وعلى كل حال لابد انه يحبك . انتاب جينيفر الذعر وهي تشعر بكلام ماود يخترق اعماقها . . . ثم قالت لتخفي ذلك : ياله من احتمال بغيض. فأجابتها ماود بحزن : ربااه حتى انت إنني اتمزق بينكما انتما الأثنان ماذا حدث ليفقد اخي رشده؟ باحث لها جينيفر بكل شيء ، من اللحظة التي عرفت فيها ستيفن إلى ان اكتشف وجود دايفيد في سريرها. - يظنني استغفله . . . لن يصفح عني . . . بل سيتابع انتقامه حتى تصبح مجرد فرع من فروع " تشارتيرز" - في الواقع "تشارتيرز" على خلاف نوعا" ما مع ستيفن ، لأنه لم ينتزع من "نورثورن" شروطا" افضل لمصلحة الشركة . . - يظنونه منحازا" لشركة نورثورن - وكيف عرفت؟ - لأنه يخبرني بكل شيء بعد ان اتمكن من اخبارك لكن يجب الا يعرف بما يدور بيننا. - لاتقلقي لاأفهم ماهو المشروع الذي يقوم به الآن؟ فكرت ماود لحظة ثم قالت : الأفضل ان اخبرك بشيء اخر كيف تظنين ستيفن حصل على المال ليشتري ثلاثين بالمائة من نورثورن؟ - كنت اتسائل عن ذلك - ماذا؟ - إنه مقنع بكلامه جينيفر . . . ولكن إذا تعرضت نورثورن لخطر ما فسيخسر كل شيء ذهلت جينيفر فمهما كانت نوايا ستيفن فهو ملتزم بها بصورة جدية لكن تصرفه هذا ليس نتيجة حب . بل في نفسه رغبة محمومة مع الأيام إلى انتقام اخافها خوفا" شديدا" قالت ماود متوسلة : حاولي فهمه . لقد كافح ستيفن معظم حياته لأجل امنا ، لأجلي انا ، وفي المدة الأخيره لأجل نفسه فقط وهو يريد الحصول على كل شيء حتى انه نسي كيف يقول من فضلك فأجابتها جينيفر وقد شحب وجهها : لطف منك ان تحاولي التوفيق بيننا.لكن فات الأوان الآن.
عادت الى بيتها متمهلة ، وهي تشعر وكأن الحياة تضيق كسجن كانت في اعماقها مسرورة لأنها اخرت زفافها لو تمكنت من التهرب من هذا الزواج لفعلت . . . ولكن ذكرى كلمات دايفيد لاتفارق ذهنها : (شكرا" ياحبيبتي إنك تعتنين بي دوما) لقد ناضلت بكل مافي وسعها لكي تفوز به . وها إن حاجته اليها الآن باتت عبئا" عليها كانت تتحرق شوقا" الى ستيفن رغم خصامهما . لم توحد بينهما عاطفة محمومة بل هما يكملان بعضهما فعلا" يضحكان معا" . . ويقرأ الواحد منهما افكار الآخر . . . كم اذهلها ذكاؤه فلو انه يحس بها . . . يحبها . . . لو انه فقط يحبها ، لأحبته بكل جوارحها لكنه اخبرها بكل وضوح انه لايحبها ولن يتزوجها وهو يتقرب اليها انتقاما" لكرامته لاحبا" بها. اما آخر مشهد عنيف جمعهما في مكتبه فبمثابة اندثار امل اخير . صحيح ان جرح كرامتها مازال ينزف ، ولكان النزيف اسوأ لو انها كانت تحبه . يبقى عزاؤها الوحيد في انها آمنة من تلك الناحية على الأقل ، عليها ان تتمسك يهذه الفكرة ، وإلا لأصبحت الحياة لاتطاق. كانت ماود موزعة بين اثنين ، ستيفن وجينيفر . . . اصبح اخوها يتأخر هذه الأيام في عمله . لكنها وجدته ذلك المساء قابعا" في البيت سيء المزاج. قالت له : " بحق الله افعل شيئا" . . . اتصل بها قبل ان يفوت الأوان قال ببطء:"لقد فات الآوان فعلا". - تغديت مع جينيفر اليوم فأخبرتني بحقيقة ماحدث ليلة زرتها في شقتها. - وماذا هناك لتخبرك ؟ كانت في الفراش مع خطيبها. - لا . لم يكن الأمر كذلك . لقد اصابه صداع مؤلم فأخذته الى بيتها ووضعته في السرير بينما نامت هي في الغرفة المجاورة فقال وهو يقهقه ساخرا" : وهل صدقتها؟ رباااه كيف تصغين إلى كلام كهذا؟ - لأن جينيفر قالت هذا ، فأنا واثقة انه صحيح. فزمجر يقول : " صحيح؟ إنه طبعا" صحيح فهذا ماأتوقعه بالظبط من احمق عديم الحيوية". - حسنا" اظن لاذنب للمسكين في تكوين شخصيته. هب ستيفن واقفا" وسار نحو الباب وكأنما الحركة تخفف من توتره ثم قال بازدراء : سأخبرك بشيء ما اذا كنت في فراش اكثر النساء حرارة واغراء فأنا واثق انني سأقدم على ماهو اكثر من الشعور بصداع. في عصر احد الأيام تلقت جينيفر المكالمة الهاتفية التي قلبت حياتها رأسا" على عقب قال لها شاب : " انا شرطي بكورت لدينا رجل موقوف في مخفر "إينزلي " قبضنا عليه اثناء مشاجرة فطلب منا الاتصال بك اسمه "فريد ويزلي" وهو يدعي انه ابوك. سحبت جينيفر نفسا" طويلا" وهي تشعر وكأنها تلقت رفسة في معدتها . - آنسة نورثورن؟ - سآتي حالا". قادت سيارتها الى المخفر بحركة آلية وهي لاتقوى على التفكير . فأبوها عاد الى حياتها بعد ستة عشر عاما" من الغياب كان اكبر سنا" واكثر نحولا" فيما الشيب يتخلل شعره الشعث . . بدا رجلا" عاش حياة خشنة لوقت طويل ، لكنه مازال يملك الابتسامة الواسعة المرحة نفسها ، الابتسامة التي اسر بها قلب الطفل. - هل انت مسرور لرؤيتي؟ - قالت لتتجنب سؤاله : دعنا نخرجك من هنا اولا" لم يتحدثا طوال الطريق لكنه ماإن رأى سيارتها اللامعة حتى اطلق صفيرا" طويلا". صفر مرة اخرى عندما رأى بيتها . ولكن كل ماقاله هو : "حسن"
قالت سأعد لك وجبة طعام كم افتقدته خلال كل تلك السنوات الطويلة كم هزها الحنين اليه كم مرة تساءلت لماذا لم يتصل بها ولكن هاهي الآن تشعر بالحيرة والدهشة . لم تعرف ماذا تقول بقي في نظرها رجلا" غريبا" . . . الى ان منحها ابتسامته المرحة الوقحة مرة اخرى فبادلته الابتسام ولكنها شعرت في اللحظة نفسها بصقيع خفيف يجلد قلبها . تساءلت كم مرة اعتمد فيها على ابتسامته هذه وعرفت غريزيا" انها مرات لاتحصى. سألته وهي تدخل المطبخ ، بينما وقف ينظر لها كيف عرفت عنواني؟ فأجابها : " قرأت عمودا" في الصحيفة يتحدث عن جدك ، ذكر فيه تريفور وجينيفر نورثورن ". قالت بهدوء : لقد غير اسمينا عندما كنا صغيرين ، ولم يكن لنا رأي . . . - لاتهتمي فالعجوز يتقلب في الثراء وسرعان ماتضعين يديك على امواله - هذا ليس. . . ارادت ان تجيبه لكنه حول وجهه عنها واخذ يتأمل غرفة الجلوس. قال ببطء: " رائع لقد كونت نفسك جيدا" - لماذا اتصلت بي وليس بتريفور؟ - القت عليه هذا السؤال اثناء تناول الطعام - لااظنه كان سيكلمني لم نكن منسجمين في صغره لكننا انا وانت كنا دوما" متحابين. لم تستطع تجنب القول : كنا متحابين الى درجة انك هجرتني ولم تتصل بي قط بعد ذلك. لكنني فكرت فيك على الدوام. جدك ما احبني يوما. ولهذا رأيت ان اترككم فتعود امك الى ابيها ويهتم هو بكم بأفضل طريقة. سألته بهدوء:" اذا فتصرفك كرم اخلاق لاجلنا." -هذا صحيح. انها مشاعر الابوة. وعادت اليه ابتسامته. قالت بتوتر:"لا يا ابي. انا مسرورة لرؤيتك مرة اخرى، ولكنك لست بحاجة الى اختلاق هذه الاعذار." -حسنا، مهما يكن، فقد كونت نفسك جيدا. وهذا هو المهم. -ماذا حدث لتلك المرأة التي اخترت ان تعيش معها؟ -آه، تلك. لقد انفصلنا ، فما يأتي بسهولة يذهب بسهولة. فردت بهدوء:" النساء كالحافلات." انفجر ضاحكا:"آه، لا باس . نعم ، انهن اشبه نوعا ما بالحافلات. لقد جربت التمسك بهذه وتلك، ولكن حظي كان سيئا. -كان عليك ان تبقى على اتصال بنا. -حذرني جدك من مغبة ذلك. قال ذلك بعفوية، وعندما رآها لاتصدقه هز كتفيه بلا مبالاة: حسنا ، عشتم من دوني بشكل افضل. انظري الى بيتك هذا. انه حسن جدا... ممتاز في الحقيقة. غرزت اظافرها في راحتها، متمنية لو يكف عن ترداد عبارة (حسن جدا) منذ سنوات وهي تحلم بهذا اللقاء، وعندما تحقق الحلم فوجئت برجل لاتعرفه ومن الصعب ان تحبه اخذت تكافح مشاعرها. فقد عاشت صورته في قلبها طويلا ولايمكن ان تنبذها الان بسهولة. ثم راحت تطمئن نفسها: ستتحسن الامور غدا. ليلة هادئة مريحة ستريح اعصابهما. اعدت السرير في غرفة الضيوف، مطمئنة الى توفر كل وسائل الراحة. بدا عليه الارتياح للنوم باكرا، فهو كما تصورت، قد اعتاد على توم غير مريح... وما ان غط في النوم حتى اتصلت بتريفور..هتف اخوها بدهشة ، لكنه لم يتصرف بسخرية كما كانت تتوقع. وفي الصباح التالي وصل مبكرا، فنتاولوا طعام الفطور معا، لاحظت جينيفر ان اباها احسن التصرف عندما لم يتصل بتريفور فليس بين الاثنين كلام يقال. بدا تريفور مهذبا جافا. ذكر موعد زواجه، وبعد الكلمات التقليديه المتعارف عليها، سأله والده:"لقد ظفرت بفتاة غنية، اليس كذلك؟"
جرحت هذه الكلمات ترايفور، فأجفل بشكل ملحوظ، ثم غير الموضوع .. وعندما تهيأ للخروج، همس لجينيفر قائلا:" لم احبه منذ سنوات، ولن احبه الان. ومس ذراعها بلطف:" ان كان لديك ذرة فهم، ابعديه عنك". -لايمكن ان يسبب لي الالم بعد ذلك الزمن الطويل. -هذا ما ارجوه، اخشى ان تشعري بالعطف عليه. -حسنا، لاتنس انه ابونا. سأمضي هذا النهار معه. كانت تخشى الاسوأ. لكن النهار جنح نحو الصفاء بشكل غير متوقع. كان ابوها حسن التصرف يضحكها على الدوام. تناول معها طعام الغذاء بظرف بالغ. مجالسته كانت ممتعة للغاية . غادرها التوتر واحست ان الاوان لم يفت بعد، وانه يمكن اصلاح اخطاء الماضي. اصطحبته الى احد المحلات حيث اشترت له بعض الملابس بما في ذلك بذلتين، بدا رائعا فيهما. تناولا العشاء في "ريتز" تلك الليلة ، ثم اخذت تخطط كيف سيقضيان يومهما التالي. سألها:"لم لا تذهبين الى العمل في الصباح بينما اذهب انا الى المقبرة لزيارة قبر امك؟ثم نجتمع بعد ذلك لنتاول الغذاء." وفي الصباح التالي دلته على طريق المقبرة، ثم رتبت امر اجتماعهما في ريتز عند الساعة الثانية عشرة والنصف. في استراحة الغذاء، خرجت مبكرة وانتهزت الفرصة لتشتري له ربطة عنق حريريه. وصلت الى المطعم قبل الموعد بعشر دقائق. وامرت بالمقبلات. ثم تصورت وجهه عندما يصل ويجد كل شيء جاهزا. الساعة الان تناهز الثانية عشرة والنصف ولا اثر له. ربما نسي الوقت وتساءلت ايا من بذلتيه سيرتدي. الثانية عشرة والدقيقة الخامسة والاربعين! ربما كانت ساعتها معطلة. سألت النادل فاكتشفت انها في الواقع، الواحده الا عشر دقائق. وفي الواحدة والربع، كفت عن التظاهر بقراءة قائمة الطعام. ربما اصابه مكروه. عليها ان تتصل به في البيت، طلبت الرقم من هتفها الخليوي ولكنها لم تلق جوابا. ربما ضل طريقه. وربما لن يحضر. بدأت تحدث نفسها بذلك . لن يأتي ... لن يأتي... اخذت هذه الكلمات تردد في رأسها حتى تصورت ان شخصا اخر يرددها. ومالبثت ان ادركت ان الخبال استحال حقيقة. كرر ستيفن قوله:"لن يحضر." رفعت نظرها اليه وهو يجلس امامها. ثم همست:" كيف جئت الى هنا؟ -ان مشاكل الاسرة اصبحت تعنينا جميعا. انا اعلم كل شيء. هل ظننت حقا انه لن يخذلك مرة اخرى؟ -الامر .. ليس كما تظن. -بل هو كذلك، ياجينيفر. ان التاريخ يعيد نفسه. انه الرجل الهارب نفسه. سبق وهرب منك، وها هو ذا يهرب مجددا.. اظنه استغلك جيدا. كم انفقت عليه.؟ انها الحقيقة ، وهي لم تهرب يوما من الحقيقة. قالت:" الكثير.... لا بأس... علمت ماتريده الان. فهل لك ان تبتعد عني من فضلك؟" -ليس قبل اردد عليك بعض الكلمات.! كيف يمكنه ان يعذبها الان؟ كيف يقوى على ذلك مهما بلغ كرهه لها؟ قالت بسأم:"اذهب، ارجوك." -انت المخطئة ياجينيفر. لايمكنه ان يعود الى الماضي.. الى طفولتك ويصلحها... ولايمكنك ان تصلحيها بنفسك. ماحدث قد حدث. وقد ساعدك الماضي على ان تصبحي كما انت الان، امرأة تحتاج الى الامان والاستقرار في ظل رجل..اوتظن ذلك. لكنك تستطيعين ان تغيري ذلك، فأنت اقوى مما تظنين. -انك لاتعلم شيئا عن هذا الامر.
انا اعلم ان بإمكانك وضع كل ذلك وراء ظهرك اذا شئت. لاتدعي هذا يحطمك. فأنت قويه بما يكفي. فقالت وقد عاد التوتر الى داخلها. انا لا اشعر بالقوة حاليا. كل ما اريده هو... -ان تتركي كل شيء ؟لا تقولي هذا... ولاتفكري فيه... قفي على قدميك وحدك. تعلمين انك تستطيعين ذلك. لست بحاجة الى اي انسان.... حدثي نفسك بذلك دائما لانها الحقيقة. ومن يدري؟ قد تملكين الوقت لتتجنبي الكارثة التي تسيرين نحوها. وهذا كل شيء. ثم نهض مبتعدا من دون ان يضيف كلمة اخرى. ترك جينيفر تحدق في اثره مصدومة. بدت كلماته مواسيه لكنه نطق بها من دون اي عطف.. من دون ان تلين ملامحه الصلبة... دلها على الدرب لتنتشل نفسها من هذه المحنة، لكنه فعل ذلك من دون عاطفة. كان عدائيا كعادته، لكنه منحها القوة لتتغلب على المها. او بالاحرى، دلها على قوتها. عندما عادت الى بيتها لم تجد اثرا لابيها ، اخذ معه كل ما اشترته له، ووضع المشتريات في احسن حقيبة لديها ثم رحل... كما اختفى دفتر شيكاتها الجديد من درج مكتبها، وعوضا عنه وجدت ورقة تقول ببساطة:"اسف حبيبتي، لاكنك لاتبخلين علي بذلك، اليس كذلك؟ ابوك..." مضت لحظة مخيفة للغاية ردتها سنوات الى الوراء حين كانت وحيدة مستوحشه في عالم عدائي، وكان العالم حولها يصفر كريح مجنونة. اجفلت وتكومت على نفسها، تبحث عن ملجأ من تلك الريح، وتتلهف الى ملاذ تختبئ فيه.. لكن صوت ستيفن كان يلاحقها قائلا:" انك اقوى مماتظنين... قفي وحدك... كان هذا صحيحا . لقد عرف ستيفن حقيقتها اكثر من اي انسان اخر. بحث عنها ليقدم لها مواساة عنيفه لاتقبل حلا وسطا، وهو يدرك تماما ان ذلك اكبر سند حقيقي لها. رأت دايفيد ذلك المساء ، واخبرته بكل شيء تقريبا لكنها لم تذكر ستيفن. قال وهو يمسك يدها:"ياحبيبتي المسكينة. كم تألمت!" ففكرت:":لا اردي. لقد تخلصت من شبح . ولعل ذلك يفيدني اكثر." -يمكنني ان اتصور ما اصابك... لقد عاد اليك الماضي بكل اذيته. -ولكن هل في استرعاج الماضي مايؤذي؟ ربما حدث هذا كي نواجهه ونجعل منه ماضيا حقا. هذا شيء غريب. لم افكر في هذا قط من قبل، ولكن كان علي ان افعل هذا. فقال برقة:" انك تتقبلين الامر بشجاعة، ياعزيزتي. اتمنى لو كنت موجودا لاساعدك." تمتمت تقول:" لقد حصلت فعلا على المساعدة." -اعلم انني لم اكن لجانبك مؤخرا. اشعر انني خذلتك, ولكن هذا لن يحدث بعد الان. من الان فصاعدا سأكون كما اردتني دوما.. وامسك بيديها متابعا:"انا مستعد دائما لمساندتك جينيفر! وعدما نتزوج لن اتركك ابدا. بل سنبقى معا طوال حياتنا، هذا وعد مني."
*~][~*10- أتمنى أن تندمي *~][~*
كانت ماود تشعر بسعادة غامرة وقد غادرت حياتها المتألقة إلى حياة البيت . لكنها أرادات أن تكون قبلة الأنظار ، لذا فضلت أن تطيل ثوب الزفاف قليلآ. ترددت جينفر حين طلبت ماود منها أن تكون وصيفتها ... لكن تريفور ألح عليها ، فقبلت كارهة . وبما أن ستيفن سيصبح في العائلة ، فلن تستطيع تمضية حياتها وهي تتجنبه . انتقت ماود ثوب جينفر بنفسها . وقع اختيارها على ثوب من الحرير تيني اللون ... طرازه بالغ الأناقة . جهزت مراسم حفلة الاستقبال في حديقة فسيحة خلف منزل ستيفن ، في صباح يوم الزفاف ، بكرت جينيفر في الوصول إلى هناك فوجدت السرادق قد نصبت و الطهاة في شغل شاغل يروحون ويجيئون . ولكن مامن أثر لستيفن ... أسرت ماود اليها أنه خرج مبكرآ ، قائلآ انه سيعود فيما بعد .وتساءلت جينيفر هل يتعمد تجنبها . وصل مزين ماود المفضل ، فصفف شعرها بشكل لفافات ضخمة ، ثم طلبت إليه أن يهتم بشعر جينيفر ، وراحت تكثر من التعليمات حتى اضطر إلى سؤالها أيهما العروس . -أنا العروس ، ولكن مظهري قد اكتمل ، وأريد أن تبدو جينيفر مكتملة متكملة المظهر هي الأخرى . زينت وجهها بنفسها بيد سريعة خبيرة ، ثم أخذت تزين وصيفتها بنفسها ، مما جعل جينيفر تشك في نواياها ، فقالت : إنك تضيعين وقتك . سأتزوج دايفيد ، وحتى لو لم أتزوجه ، أخوك هو آخر من اختار . فأجابتها ماود وهي تضع آخر لمسة على تبرج جينيفر : " هذا غريب . إنه يردد الكلام نفسه ، إنما بلهجة أكثر عنفآ ." فرغ المزين من تصفيف شعرها واعترفت جينيفر أن ماود خبيرة في هذا الحقل نظرت إلى نفسها ، كانت خصلات جعدة أنيقة تتناثر حول وجهها فتمنحها رقة زائدة ، أما لون الثوب فأسبغ تألقآ دافئآ على بشرتها ، وبدت عيناها السوداوان أوسع من العادة . قالت ماود :" أحتاج كوبآ من الشاي ." فردت جينيفر :" سانزل و أحضر لك فنجانآ ." في الحقيقة ، أرادت أن تنتهز الفرصة لتتدرب على السير بحذائها الفضي المتلائم مع الثوب ، وعندما وصلت إلى أسفل السلم ، سهل عليها . فتنهدت بارتياح ورفعت بصرها فإذا ستيفن يقف أمامها وعيناه مسمرتان عليها . أفلتت من عينيه نظرة سرعان ماسيطر عليها ! لكنها كشفت لها كل ما فضّل أن يخفيه . فرأت ذهوله للتغير الذي طرأ عليها ! أحست بنظرة شوق ساخرة ... فتح شفتيه الجافتين ليقول : لم أعلم بوصولك . -أنتهينا لتونا أنا و ماود من الاستعداد ... أنا ذاهبة لأحضر لها كوب شاي . -لاوقت لذلك ، فالسيارات وصلت . -سأخبرها . عدة كلمات تافهة تبادلاها ، لكنها شعرت وكأن قوة ما تعصرها عصرآ . وتساءلت كيف ستتمكن من تحمل هذا النهار . وأخيرآ ، حان وقت الرحيل . فإذا بماود تتهادى على السلم تحيط بها هالة من الروعة والتألق ثم تسير إلى حيث ينتظرها ستيفن في الردهة . ساعدتها جينيفر على الصعود إلى السيارة . أما ستيفن ففتح الباب الأمامي مستعدآ للدخول . فاحتجت ماود : المفروض أن تجلس معي . أجاب بصوت هادئ وهو يجلس بجانب السائق : -الأفضل ان تكون وصيفة العروس معك . أثناء الرحلة القصيرة إلى الكنيسة ، رفضت جينيفر أن تختلس النظر إلأى ظهره ، تذكرت ما قاله "مايك هاركر "... يقول ستيفن إن الأعراس مؤامرة نسائية تحول الرجال إلى مهرجين سخفاء ! وهو لن يسمح لذلك بأن يحدث له أبدآ ... ربما يتحمل هذا النهار لأجل ماود فقط ، ولاشك أنه فكر فيها هي كشريكة في هذه المؤامرة ، فقد أوضح لها مرات كثيرة أن كل مايريده منها هو علاقة غرامية فقط لا غير . عندما وصلوا إلى الكنيسة ، قدم ستيفن ذراعه لماود ، وساروا نحو الكنيسة. ومان أن وصلوا حتى صدح صوت الأرغن فنظر ترفور إلى عروسه وابتسم ببهجة وارتياح وبادلته هي الابتسام ، أنارت سعادتهما أرجاء الكنيسة . وشعرت جينيفر ان ماود ملكت قلب تريفور ، فلم تفكر بشيء آخر. ثم تذكرت فرح ستيفن عندما صرخت كطاغية من طغاة العصور الوسطى أحضري لي رأس ستيفن ليري). ولكنها تريد اليوم قلبه وليس رأسه . إنما من يحضره لها ولا قلب يخفق بين أضلع هذا الرجل ؟ أحنت رأسها فوق باقة الزهور ، ثم غمرتها فجأة موجة من التعاسة . لا يمكنها أن تعترف قط ، حتى لنفسها ، بأنها أحبت ستيفن . لكن الألم سيستمر و يستمر ، وهي لا تعرف كيف ستتمكن من تحمله جلست ماود بجانب عريسها ، وابتدأ القداس . سلم ستيفن شقيقته لعريسها ثم وقف في المؤخرة . لم ينظر إلى ناحية جينيفر قط . ومع ذلك علمت أنه يشعر بها تمامآ كما تشعر هي به . وفي النهاية عزف الأرغن لحن النصر ، وخرج العروسان من الكنيسة ، يتبعهما المهنئون . في باحة الاستقبال انضم دايفيد إلى جينيفر ، قبل خدها وأخبرها بأنها رائعة الجمال .جلسا معآ أثناء إلقاء الخطبة الرسمية ، وكانت الأنظار تتوجه إليهما على أنهما العروسان التاليان . بعد ذلك افتتح العروسان حلبة الرقص ، وقد تألقا بالحب و السعادة . رقصت جينيفر مع دايفيد ، وهي تنتبه إلى ستيفن يراقبها بعينين ملتهبتين . حتى الآن تمكن من تجنبها طوال السهرة . ومع ذلك توقعت أن يدعوها للرقص أو بالأحرى ان يأمرها بأن ترقص معه ، لأن تلك هي عادته . لكنه بدلآ من ذلك ، نزل إلى الحلبة مع عارضة أزياء صديقة لماود رائعة الجمال . اضطربت جينيفر ولم تستطع ان تنظر إليهما . فتوارت مبتعدة ، ثم أخذت تجول في الحديقة بين الأشجار . ولكن حتى هنا ، لم تلق السلام المنشود ، إذ تذكرت تلك الليلة الساحرة التي جالت فيها مع ستيفن في حديقة جدها . لقد ضحكت معه ، وأغاضته بطريقة تراها الآن قمة في الجنون . لماذ لم تدرك الطريق الخطر الذي كانت تسلكه ؟ ألأنها كانت تقع في الحب ؟ في الجانب البعيد من الأشجار ، وصلت غلى فسحة يعمل بعض العمال على أخلائها من الشجيرات وتسوية الأرض . وقد غرزوا في الأرض قضبانآ معدنية تصل بينها حبال رفيعة . يبدو أنهم كانوا يحددون معالم مبنى ما . سالت بفضول :" ماهذا ؟" وقف أحد العمال يجيبيها بإبتسامة عريضة ودودة :" لست واثقآ ، في الواقع ، لقد أخبروني بأن نخلي الأرض وننظفها من الشوائب ". -لماذا تحددون المعالم هكذا ؟ -لقد نقلت هذه عشر مرات ، وأظنها ستنقل عشر مرات أخرى ، فهو يستمر في تغيير رأيه . -ولكن إلى ماذا ستتحول عندما تنتهي ؟ -ماذا تفعلين هنا ؟ التفتت جينيفر وإذا بستيفن خلفها مقطبآ حاجبيه . -مجرد فضول . لا مانع لديك إن تفرجت على حديقتك أليس كذلك ؟ فقال باختصار :" لا أحبذ وجودك هنا . فالأرض ليست سوية وأنت غير آمنة في حذائك العالي الكعب هذا ." وأمسك بذراعها يبعدها بحزم . شعرت بغضبه فأدركت أن اهتمامه بسلامتها هو مجرد غطاء . إنه سر ... سر آخر يخفيه عنها . سألها وهما يجتازان الفناء . -هل رأيت اباك مرة أخرى ؟ -لا. عندما وصلت إلى البيت كان قد رحل آخدآ معه دفتر شيكاتي وقد استعمله أحسن استعمال . -هذا حسن. انك افضل حالا الان لكنك بالتأكيد لاتظنين ذلك. -بل اظن ذلك. وانا شاكره لك ستيفن... لقد ساعدتني حقا. واتساءل عن سبب ذلك بينما انت تكرهني. -انا لا اكرهك، ورغم كل شيء ، انا معجب بك واحترمك. لكنني رأيت ان ذلك يساعدك على التفكير المنطقي لاسيما بالنسبة الى دايفيد كونر. -مازلت مصممة على الزواج به. فهو بحاجة الي كما انه يسناسبني. ليتك رأيته عندما اخبرته عن ابي... -اراهن على انه قدم اليك حياة الحماية والعطف والرعاية. ستختنقين خلال شهر: -لقد وعدته. -تراجعي عنه، ياجينفر، تراجعي عن كل وعد قطعته على نفسك، بدلا من ان تستمري في تحطيمنا، انا وانت. فقالت بابتسامة شاحبة:"لا اظنك تتحطم بهذه السهولة. -انا اريدك ولايخفي عليك هذا السر... -نعم، وانا اعرف السبب. فأنا امرأة رجل اخر. انه تحد آخر لغرورك. ولكن هذا لايكفي. فكر بي فقط وكأنني حافلة، ياستيفن. حافلة مرت وخرجت من حياتك الى الابد. -خرجت من حياتي؟ بينما اختي متزوجة من اخيك؟ لن يكون ابدا منفصلين ياجينيفر. وبعد شهر سيكون لدينا ابن اخ وابن اخت مشترك بيننا نحن الاثنين. -اذن سألوح لك بيدي في حفل العماد، وكذلك زوجي. سأكون حينذاك متزوجة من دايفيد. -تبا لاختيارك هذا! الى الجحيم بما تريدين. -نعم سأتزوجه، لان كلمتي قانون ملزم. هذا اول مبدأ علمني اياه جدي. قال ان كلمة الانسان تلزمه في الحياة كما في التجارة.
ضحك ساخرا:"انني اسمع لتوي اكبر مخادع في التجارة يقول هذا." قالت:"ستيفن، ارجوك، حاول ان تفهم. كيف اهجر دايفيد الان وقد ذكرت لتوي بمبلغ قسوة هذا الامر؟" -لاتسأليني ان افهم، لا استطيع. قلبي ليس برقة قلبك. انا اخذ ما اريد عندما استطيع. لن اختبر هذا النوع من الاداء العاطفي، لكن بامكاني ان امنحك حياة تستحق ان تعيشينها. بات وجهه الان مظلما من شدة الالم:" يمكنني القول انني اتمنى لك السعادة لكنني لن اتلفظ بمثل هذا الكذب. انا اتمنى لك مستقبلا كمستقبلي تماما ...حياة ندم مر، حافلة بالتساؤلات عما كان يمكن ان يكون. وداعا ياجينيفر." عندما سافر العروسان الى شهر عسلهما في الجزر الكاريبية، وتفرق المدعوون، وجد الجد بارني ستيفن وحده في الحديقة، مستغرقا في تفكير حزين. قال له:" انا اشعر بالخجل بك." فأجابه ستيفن بدهشة:"لاتخف علي." -لست خائفا عليك بل استنكر ان تستسلم من دون قتال، انت تدعي انني مثالك الاعلى ولكنك لم تتعلم ذلك مني قط. قال ستيفن ببطء:"لقد حاولت ان اقاتل ولكن هذا لم ينفع في الواقع ان القتال هو الذي قادني الى مثل هذه الورطة، حسب قول ماود." -انها امرأة حكيمة. لكنك مازلت لاتعد مفخرة لي رغم كل ماقمت به لاساعدك." -اعلم هذا. وانا شاكر لانك نبهتني الى ذلك الاجتماع. -لكنني فعلت ذلك لسبب معين. اريد ان تفسخ جينيفر هذه الخطبة بقدر ماتريد انت ذلك... واعتقد انك الرجل الذي يمكنه ان يقنعها بهذا الامر. ولكنك قمت به بشكل سيء. -لابأس. ماذا كنت لتفعل مكاني؟ -حسنا... اولا، ماكنت لاضع نفسي في مثل هذا الموقف. لانني اعرف جينيفر جيدا. -طبعا فهي حفيدتك. ولو كانت حفيدتي ، لما وصلت لمثل هذا الوضع. -اذا استمريت بهذا الشكل لن يكون لك حفيد ابدا. خصوصا من جينيفر. -حسنا، هذا يناسبني تماما. اذا كنت تظنني سأتزوج تلك العنيدة المتصلبة الرأس... -هل تحبها ام لا؟ -نعم ، وتبا لذلك. -اذن علينا ان نتحرك بشكل حازم قاطع. كل ما نحن بحاجة اليه هو نقطة الضعف في دايفيد فقال ستيفن:"آه، يمكنني ان اخبرك بها." وعندما فعل ذلك، انبعث من عيني بارني لمعان الثعلب القديم، وصاح مبتهجا: هذا المطلوب! اخر سهم في الجعبة، تماما كما عاهدت نفسي. هذا ماسنفعله. وعندما انتهى من كلامه، سكب ستيفن لنفسه كوب شراب وقال هذا لن ينفع. حتى دايفيد لن يكون معتوها الى هذا الحد. -لا نهاية للحماقات التي يرتكبها الشخص حين يحب. وعلى كل حال انظر الى نفسك. فكشر ستيفن....
*~][~*11-زفــافــ آخــر *~][~*
-هل تقبل بهذه المرآة زوجة شرعية لك تحبها وتهتم بأمرها... منحها ستيفن ابتسامة مليئة بالحب، وقال: نعم. ولكن، عند ذلك تحول وجهه الى وجه دايفيد. فصرخت جينيفر قائلة انه ليس بالرجل الذي وقفت لتتزوجه. واوشكت ان تهرب من الكنسية لكن دايفيد تمسك بها. ثم مالبثت ان استيقظت فوجدت نفسها جالسة في الفراش وترتجف، بينما الدموع تغسل وجنتيها. فرددت باكية:"آه، يارب ، ليس مرة اخرى. جلست في الظلام لعدة دقائق قبل ان تجد القوة لتغادر السرير. كم حاولت تجنب هذه الاحلام! ولكن عبثا فهي تلاحقها كل ليلة. دخلت الى المطبخ لتعد كوبا من الشاي، واثناء ذلك اخذت تمسح دموعها الغزيرة ولكنها كانت تنهمر من جديد. واخيرا جلست تحدق في الكوب، واطلقت العنان لدموعها تنهمر كما تشاء. لم يكن الحلم نفسه دائما. فأحيانا تتخيل انها تتزوج من دايفيد واذا به يتحول الى ستيفن فيبتسم ويقول: اظننت انني سأدعك تتزوجين رجلا آخر؟ وهذا هو اسوأ كابوس لانه يمس منها وترا . فهي في سرها ، تتوقع منه دوما ان يمنع هذا الزواج. كانت تعلم ايضا انه صدقها . اذن. فلا خصام بينهما! ولكنه، مع ذلك لم يفعل شيئا... وهي نفسها لاتعلم ماتتوقعه، لكنها لايمكن ان تتصوره مكتوف اليدين بينما يخسر المرأة التي يريد فليحرق المبنى، يخطف العريس، او العروس، فليخرب حفلة الزفاف بأكملها! فستيفن قد يقدم على كل ذلك قبل ان يقبل الهزيمة. لكنه فعلا لايريدها، على الاقل ليس بما يكفي ليتزوجها. هذه هي الحقيقة التي عليها ان تواجهها. ففي اللحظة نفسها التي ادركت فيها عمق حبها له، هز كتفيه وفقد اهتمامه بها، ثم ادار لها ظهره وراح ينتظر الحافلة القادمة . وها هي الان قبل ليلة واحده من زواجها، محطمة القلب ، لماذا؟ من اجل رجل مر في حياتها ومضى تاركا اياها للوحشة والهجران. لم تر ستيفن او تتحدث معه منذ اسابيع. وصلها منه فقط هدية زفاف من الفضة الاثرية، مرفقه ببطاقة تقليديه تتمنى لها فيها السعادة. فردت عليه برسالة تقليدية مماثلة تشكره فيها. وبعد ذلك حل الصمت. لم ترى دايفيد سوى مرات قليلة ايضا. اذ سافر الى اسكوتلندا، يبحث عن مبان مناسبة لتكون مستودعات لشركة نورثون، وقد خصه بارني بهذه المهمة ترحيبا به في العائلة. اما ردة فعل جدها لخطبتها، فخرساء بشكل غريب. فمع انه يحب دايفيد، الا انه ليس متلهفا لهذا الزواج. وادركت انه وقع تحت سحر ستيفن. حتى اخاها ينسجم تماما مع ستيفن... فسرعان ماتلاشى عداؤهما ازاه حب تريفور لماود وتفانيه في اسعادها... ولسوف يسر ترايفور ان هي تزوجت من ستيفن، لكنه كان يرحب بدايفيد بأدب. ولم يكتف بذلك، لا بل اتصل به من الجزر الكاريبية ليقدم اليه سيارته الجديدة كي يستخدمها في رحلته الى تلك المنطقة الوعرة. ضاعفت تلك الرحلة من حيرتها ، فبالنسبة الى جينيفر اسكوتلندا منطقة غير مناسبة لبناء مستودعات. وساورها شعور قلق! ايعقل ان بارني لفق هذه المهمة كي يبعد خطيبها لاغير؟ تأخر دايفيد في العودة، مقدما تفسيرا غامضا لذلك. واخيرا، اخبرها كارها، السبب الحقيقي لتأخره. -عندما كنت على جزيرة"اران" سرقت سيارة ترايفور . توقعت الشرطة العثور عليها بسهولة لان اخر عبارة غادرت المكان، مامن طريقة اخرى لاخراجها من الجزيرة حتى اليوم التالي. ولكن يبدو انها تبددت مع الريح. بقيت منتظرا، راجيا ان يعثروا عليها كي لا اعود بدونها. -لكنك عدت بها، مما يعني انك وجدتها. -بعد اسبوع وجدناها، وبكل بساطة في موقف الفندق. والاعجب انها لم تكن محطمة او مسروقة. لا بل كان خزان الوقود ملآنا. -عجبا! وماهو راي الشرطة؟ -وقعوا في حيرة مثلي. لم يجدوا على السيارة ايه بصمات قد تقود الى الفاعل. لاتعرفين كم ارتحت حين تمكنت اخيرا من العودة من دون ان اختلق اعذارا غير مقنعه لتأخري. ومن حسن الحظ ان اجدك لم يلاحظ اي شيء غريب. فقالت جينيفر بحيرة:لكن بارني قوي الملاحظة عادة. -ربما سكت من باب اللياقة. لقد قدمت اليه تقريري، ولكن كلما سألته عنه، تذرع بعمل ما. انا واثق من انه لم يزعج نفسه بقراءته. وربما يظنني عديم الفائدة. فردت بحرارة/ هذا غير صحيح بالطبع. وفجأة اجتاح جينيفر ذلك الحنان القديم نحو هذا الرجل الرقيق وودت لو تحميه بكل اوصالها... ومع ذلك شعرت بشيء من الذعر فهذا الرجل يحتاج الى من يسنده طوال الوقت، وازاء هذا، لم تستطع ان تمنع نفسها من التفكير في ستيفن. ترى كيف يتصرف لو كان مكانه؟ وهل يجرؤ انسان على سرقة سيارة ستيفن؟ بدا دايفيد هادئا جدا ذلك المساء... لاشك ان تلك الرحلة الطويلة ارهقته واثقلت كاهله، اخذت لقاءاتهما تقل قبل الزفاف. فيتذرع هو بعمله في شركته كي يؤمن كل شيء قبل رحلة شهر العسل اما جينيفر فأذعنت لذلك ، وهي تشعر بالذنب للارتياح الذي تملكها. منذ ذلك الحين، لم يتقابلا او يتحدثا الا نادرا. واحست بالهجران. انها ضائعة بين رجلين، لكنها لاتستطيع ان تتصل بأي منهما. وبعد ساعات قليلة، سترتبط برجل تكن له الكثير من المودة ولكن ليس الحب. فدايفيد ظريف رقيق، ولكن تنقصه القوة الفولاذية التي تبحث عنها. ولايعني هذا ان الرجل الفولاذي الذي عرفته كان مثاليا. فهو متغطرس لايطاق...عديم الصبر فظ حقود! لم تعد الى الفراش مخافة ان يراودها حلم اخر. وبدأ ضوء النهار ينتشر. سرعان ما تصل ماود الى هنا لتزين (العروس السعيدة!)تمالكت نفسها، وعندما وصلت ماود، كانت قد مسحت دموعها واستطاعت ان تبتسم. لبست فستان الزفاف. كان ثوب كوكتيل قصير بلون القشدة، تعلوه قبعة صغيرة مناسبة، ثم زينت ماود وجه جينيفر بخبرتها العالية، ووقفت بعيدا تتأملها بإعجاب. -تبدين جميلة جدا. والقت نظره من النافذه: ها قد وصلت سيارة الجد بارني، هل نذهب؟ فقالت جينيفر: -لحظة.. لحظة واحدة. انني غير جاهزة تماما. كانت بحاجة الى مزيد من الوقت، على الاقل كي تتجاهل الالم في قلبها. وفي النهاية، لم يعد الموقف يحتمل الارجاء. فشدت على يد ماود، ثم خرجت الى حيث ينتظرها جدها. لم يتحدثوا كثيرا وهم في الطريق الى مكتب تسجيل الزواج. اخفت جينيفر المها وراء ابتسامة لم تفارق شفتيها، بينما بدا اضطراب غريب على الاثنين الاخرين. اخترق بارني هذاالصمت غير العادي. فسأل ماود للمره المائة. هل انت واثقه من انك تعتنين بنفسك؟ مازلت تبدين نحيلة! -لاتخف علي. انني اقوى بكثير ممايبدو علي. (انت اقوى مماتعلمين) وانتصبت جينيفر في جلستها مصدومة. لقد فتحت كلمات ماود بابا في ذاكرتها ودخل ستيفن كما فعل عندما هجرها ابوها مرة اخرى قال لها حينها(انت اقوى مماتعلمين... قفي على قدميك وحدك... لست بحاجة الى اي انسان، لا الى والدك ولا الى دايفيد ولا الي انا) مضى وقت طويل قبل ان تستوعب معنى كلامه، وتفهم مايجري بوضوح، لكن الاون فات الان. وراد ستيفن ان يفصل بينها وبين دايفيد لاسبابه التي تتنافى مع اخلاق. فأعماها فأعماها الغضب عن رؤية الحقيقة البسيطة:" ان ستيفن فهمها دوما اكثر من اي شخص اخر," لايمكنها ان تتزوج دايفيد. فحبها لستيفن يمنعها من ان تلحق به ضررا اذا تزوجت من دون حب حقيقي. عليها ان توقف هذا الزواج الان، وبعد ذلك تخبر جدها انها ستنسحب من الشركة. اما كيف ستكون حياتها، فالوقت مازال مبكرا للتفكير، ولكنها تعلم ان الحيونات المهجورة ستشكل جزءا لا يتجزأ من حياتها. وستيفن؟ ليس لديها فكره عما سيحدث بينهما، لكنها ستواجهه كامرأة حرة الان، حرة وقويه كما علمها ان تكون. كل هذه الامورومضت في ذهنها بسرعة البرق، لقد اتخذت قرارها قبل ان يسألها احد لماذا تحدق في الفضاء. سألت جدها لاهثه: امعك هاتفك الخلوي، ياجدي؟ -كلا بالطبع، لا سيما وانا ذاهل الى العرس. صرخت:"اوقف السيارة." وخرجت تركض بذعر الى اقرب كابينه هاتف. عليها ان تكلم دايفيد قبل ان يغادر البيت... لكن امه هي التي اجابتها. -لقد خرج دايفيد منذ ساعة. وقال انه سيراني هناك عادت جينيفر الى السيارة وهي تقول لمن معها لاهثة:لا استطيع ان اخبركما بشيء الان.. الامر فقط... انا فقط... لا استطيع قول شيء الان. من حق دايفيد ان يكون اول من يسمع. ولكن حبذا لو ان ذلك لايكون في مكتب تسجيل الزواج! وفي غمرة اضطرابها لم ترا النظرة السريععه التي تبادلها جدها وماود. وعندما وصلوا،كان قلب جينيفر يخفق بسرعة. ستكون نصف الساعة التالية صعبة جدا، لكنها لن تضعف ، ياليت العزيز دايفيد لايشعربألم كبير! كان بعض افراد اسرته موجودين، وسرعان ما وصلت والدته وقد بدا عليها القلق وهي تقول: ظننته سيكون معي في السيارة، لكنه قال فجأة ان عليه ان يقوم بأمر مهم اولا.آه ، اتمنى لو يصل بسرعة. سرى شيء من الاضطراب بين الموجودين والتفتت الرؤوس. لكن ستيفن هو الذي دخل الان. كان وجهه خشنا ورزينا . وظنت جينيفر لبرهة انه سيتقدم نحوها لكنه اشاح بوجهه مبتعدا، فادركت انه لن يحاول ايقاف الزواج. وسيلقي ذلك الرفض بظله على علاقتهما في المستقبل، لو نشأت بينهما علاقة. ثم رفعت رأسها، ستيفن نفسه اخبرها انها من القوة بحيث لاتحتاج اليه. ستثبت له ان هذا صحيح، مهما تألم قلبها. حان وقت عقد الزفاف، ولم يأت دايفيد بعد... ثم استدعى عروسان اخران لعقد الزواج. نظرت جينيفر حولها حائرة... من عادة دايفيد ان يكون دقيقا جدا في مواعيده! هذا جزء من شخصيته. وهي الميزة الوحيدة التي يبدع فيها فعلا. وفجأة سرت همهمة بين الموجودين، التفتت جينيفر لترى دايفيد واقفا عند العتبة، ولكن على غير عادته. لم يكن مرتديا ملابسه الرسميه، كما انه لم يكن وحده. كانت "بيني " بجانبه ممسكة بيده. وفي وسط الغرفة تواجه العروسان. وكل منهما شاحب متوتر. تنفست جينيفر بعمق، لكن دايفيد تكلم اولا: انا اسف ياجينفر. لا استطيع الزواج بك...انا احب "بيني" بدت الكلمات معلقه في الهواء. حملقت جينيفر فيه ذاهلة، فلم تلمح نظرة الفوز التي سرت بين ستيفن والجد بارني. قال دايفيد متوسلا: جينيفر ... ارجوك.... قولي شيئا. لقد شهد مكتب الزواج عرائس مهجورات من قبل. ولكنه لم يشهد يوما عروسا تهتف ابتهاجا بذلك ثم تحضن عريسها بارتياح بالغ. قالت باكية: لشد ما انا مسرورة.آه، يا دايفيد .. كم انا مسرورة! -انت... انت مسرورة؟ -لم اكن اريد اتمام الزواج. ماكان لنا ان نعقد خطبتنا قط. كل ذلك ذنبي انا. حاول ان تصفح عني. اجابها بارتياح:"انك اعظم امرأة في العالم. انت اعظم من ان تتزوجيني اظنني احببت "بيني" منذ لحظة العمل تلك، لكنني لم اكن واثقا في البداية. واذا بنا ننعزل في الجزيرة معا بمفردنا. -هل كانت"بيني" هناك معك؟ -لقد نسي جدك ان يعطيني بعض الملفات الهامة، وهكذا اضطرت الى موافاتي الى هناك . وفي ليلة وصولها سرقت السيارة، فكانت قمة في الشجاعة .فتمتم ستيفن:"طبعا." -اصبحت مشاعرنا اقوى منا... ونظر الى بيني التي ضغطت على يده مشجعه، فتابع :شعرنا ان الافضل ان نكشف عن حبنا... فقال ستيفن ساخرا: ياللحكمة! وما من شيء اودع من ترك الامور الى اخر لحظة. فقالت جينيفر له وهي تلكمه في اضلعه:هل لك ان تسكت؟ كانت مرتاحة تماما ومع ذلك خالط بهجتها شعور بخيبة الامل لان ستيفن لم يحاول منع زواجها. وهكذا لم يتغير الوضع الا قليلا. التفت دايفيد لى امه يشرح لها الامر، وكان الارتباك باديا عليها. ولكن جينيفر لاحظت انها سرعان ماتشعر بالسرور. فهي تعلم ان هذه المرأة الصغيرة الجسم ستشعر بالتضاؤل امامها. ولهذا ستناسبها"بيني"اكثر بكثير. اما ماود وتريفور فتعانقا بسرور بالغ. وتملكت الحير جينيفر وهي ترى ستيفن وجدها بارني يتصافحان بقوة وهما يضحكان واخيرا قال الجد بارني بلهجة الفوز:"التعلب لم يفقد مهارته بعد. انا الذي فعلت ذلك. فقال ستيفن وعيناه على جينيفر: بل نحن اللذين فعلنا ذلك. اريد ان اعترف باشتراكي في هذه اللحظة رغم انك العقل المدبر. سألت جينيفر:"مالذي تتحدثان عنه؟. اجابها ستيفن:"يدهشني الحاحك على السؤال. هل ظننت حقا انني لن اعرقل هذا الزواج؟. توسلت اليه وقلبها يخفق:"ولكن ماذا فعلت؟. -منحنا دايفيد الفرصة ليكتشف انه يحب "بيتي"حقا. وقال بارني:" لقد ارسلته الى اسكوتلندا في مهمة عقيمة، ثم ارسلت بيني خلفه. طلبت منه ان يصطحبها في البداية، لكنه رفض... فقال ستيفن ساخرا:"اراد ان يكون نبيلا على حسابنا. فقالت جينفر وقد اسخطتها سخريته:"النبل شيء لاتعرفه انت مطلقا. -لن تجديني نبيلا حين اسعى وراء مصلحتي. فقال بارني يفض النزاع:دعكما من هذا الامر الان. لقد اخترعت قصة الملف كي تضطر الى اللحاق به. قالت جينيفر بحيرة: وماذا عن سرقة السيارة؟ فقال ستيفن. -هذا اسهل مافي الامر.(فاللص) يعمل لحسابي وكان مسلحا بمفتاح سيارة ترايفور الاحتياطي، وهكذا ساقها مبتعدا بها من دون مشاكل. وقد اخذها ليلة وصول "بيني" ثم تركنها في مرآب خاص حيث تركها هناك اسبوعا. وكان علينا ان ننتظر الى ان تهزم مشاعر خطيبك ضميره. فقالت جينيفر:"وهذا شيء اخر لاتفهمه انت.
فقال:"لا اشعر بوخز الضمير قط خاصة عندما اسعى الى هدفي. لكنك كدت تهزمينني بعنادك الجنوني." -انا ؟ اذا ظننت.... فقال بحزم وهو يأخذها بين ذراعيه:اسكتي يا امرأه وعانقيني. غنى قلبها لعناق الرجل الذي تحب. العناق التي ظنت انها لن تعرفه مرة اخرى ابدا. وعند ذلك صرخ دايفيد فجأة:"تلك هي .لقد تذكرت.. والتفت الجميع اليه.. -ليلة خطوبتنا. لقد رأيتكما معا عندما استيقظت، لكنني كنت شبه اعمى بسبب الصداع فلم افهم ما رأيت جيدا. وفي الصباح التالي كنت اعلم انني رأيت شيئا هاما لكنني لم استطع ان اتذكر ماهو. كدت اجن. لكنني تذكرت كل شيء الان.. قال ستيفن ببطء:" من المؤسف انك لم تتذكر ذلك قبل الان، والا لوفرت علينا كثيرا من الازعاج . والان ، هيا، ايها الفتى الطيب، واخطب مرة اخرى. فقال دايفيد وهو ينظر الى بيني بزهو:فعلت ذلك في الواقع. فقال ستيفن وهو يواجه جينيفر: -هذا رائع، لقد اصبح الواحد منا للاخر الان،لدي ما اقوله لك، فاصغي الي جيدا ،فلن اكرر ما اقوله مرة اخرى.كدت افقدك لانني لم اخبرك كم احبك واحتاج اليك. لا استطيع ان اتصور بقية حياتي من دونك. ولكن ذلك لن يحدث والحمدلله، فقد عدنا والتقينا في الوقت المناسب. انه يفصح عن حبه! لم تصدق نفسها... فلطالما تلهفت الى ذلك! بدا وكأن قلبها سيطير لشدة الفرح. ومع ذلك، حتى الان، لا تزال ثقته بنفسه تفوق الحد فإن ارادت السعادة معه فهي بحاجة الى البدء من الصفر. فقالت تتحداه:"انت تريد علاقة محمومة فقط... هذا ماقلته لي." لكنه اجابها بحزم:"لن اقيم علاقة معك. ولابعد مليون سنه... سنتزوج.فقد تحاولين الزواج من رجل اخر، ولا اطيق ان اتحمل ماتحملته مرة اخرى." فقالت بالحزن نفسه والحزم نفسه. -العلاقة هي ما اردته دوما. والعلاقة هي ما اقدمه لك الان. فقاطعها موظف المكتب:ارجو المعذرة، ولكن هل زواج نورثون – كونر مستمر ام لا؟ فقال ستيفن بحزم:"كلا." -في هذه الحالة، هل لي ان اطلب خروجكم جميعا؟ فقال بارني:"هيا بنا، ينتظرنا كل ذلك الطعام على الموائد، سنقيم حفلة." فقال ستيفن وهو ينظر الى جينيفر:"ولكن من دوننا. سنقيم حفلة خاصة بنا هيا معي. سحبها من يدها ثم جرها نحو الباب بينما هتف لهما الاخرون بابتهاج وتشجيع، لكن جينيفر وقفت تلقي بباقة ازهارها الى "بيني" وهي تصيح بها ضاحكة بينما ستيفن يدفعها الى الخارج. -ادعينا الى عرسك. وقبل ان تدرك ما حصل، وجدت نفسها في سيارة يقودها بتركيز عنيف. ثم قال:"لقد قضيت وقتا طويلا مضطربة الاعصاب. اخبرتك منذ ليلة تعارفنا انك مشوشة الذهن. من الان فصاعدا سأستلم انا مقاليد الامور. -اموري؟ وامور حياتي؟ -امر علاقتنا كله. لن اسمح لك مرة اخرى بان تجعليني امر بما مررت به هذا النهار. عندما وصلا الى بيته اسرع بها الى الطابق الاعلى وهو يمسك بيدها بشدة وكأنما يخاف ان تهرب منه... وعندما اصبح في غرفته واغلق الباب خلفهما ، قالت له:هل استطيع ان اتكلم الان؟ -تكلمي. -ماذا تظن نفسك فاعلا؟ -ما امضيت الليالي احلم بفعله. ليلة بعد ليلة، وانا كالمجنون اخاف الا اخذك بين ذراعي مرة اخرى... بينما انت غير مهتمة! كنت في منتهى الهدوء وضبط النفس، فيما انا طوال الوقت احترق في جهنم. اخرسها عناقه قبل ان تجيب، لكنها تجاوبت معه من دون كلام، بعد ان كانا على مشارف الهاوية، ينظران الى مستقبل لايجمعهما معا. تصرف ستيفن معها وكأنها كنز عثر عليه بعدما ظن انه فقده الى الابد. لكن عناقهما الن جرف كل مخاوفها السابقة. هذا هو الامان الذي طالما حلمت به لكنها ظنت ان ستيفن لن يمنحها اياه ابدا. لو علمت حينذاك ماتعرفه الان، لا دركت ان الامان يكمن بين يدي الرجل الذي يحبها بكل عواطفه، ولايخاف شيئا بقدر مايخاف ان يفقدها. سألها:"هل سمعتك تقولين لدايفيد انك لا تريدين الزواج منه ايضا، ام تراني تصورت ذلك؟ -بل قلت ذلك حقا. لقد قررت هذا في السيارة. كان الحق معك،فأنا اقوى مماظننت. كما انني سأترك شركة نورثون ايضا. اريد ان ابحث عن طريق خاص لحياتي. -ستذهبين معي على طريق الكنيسة، حيث نعقد زواجنا. -قلت انني لن اتزوجك. الم تسمع؟ -انا لا اسمع الكلام الفارغ ابدا. انني احبك. ما رأيك في ان يكون الموعد بعد ستة اسابيع؟ -وانا احبك ايضا. ولكن هل لديك فكرة عن تصرفاتك القاسية والبذيئة؟ تحرك الناس حولك وكأنهم دمى بين يديك، وترسل دايفيد و "بيني" هنا وهناك، ثم تعزلهما في الجزيرة فقط لان هذا يناسبك. -الست مسرورة لما فعلت؟ -هذا خارج عن الموضوع.... واذا كنت تتصور انني سأتزوج رجلا لا يعني بالحديث المهذب الا اعطاء الاوامر... -اوامر؟ انا؟ انني روح الوداعه والرقة... -من قال لي( انني لن امر بهذا النوع من الاداء العاطفي؟) -انسي ماقلته حينذاك، واصغي الى ما اقوله الان. -ومن اخبرني ايضا بأنني قوية لدرجة استطيع ان اقف وحدي، لانني لست بحاجة الى احد. بمن في ذلك ستيفن ليري؟ -كنت احمق، ياجينيفر. لقد وترت اعصابي.اليس كذلك؟ قالت متأملة:"تقريبا. انا اعلم ان بإمكاني الوقوف على قدمي الان، وانت علمتني ذلك." فقال بعنف:" والان احفري هذا في رأسك والى الابد ، سنتزوج، ليس في مكتب الزواج ولكن في الكنيسة. وسترتدين ثوب زفاف ابيض وتحملين ازهارا وتبدين غاية في الروعة. اما انا فسأرتدي بذلة بيضاء وابدو ابله سخيفا. كما يجب ان يبدو العريس. ولكن هذا لايهم فلن ينظر الي احد بل سيفكرون كم انت جميلة وكم انا محظوظ. سيكون عرسا رائعاز وبعد ذلك..." سألته وقلبها يخفق:"وبعد ذلك ماذا....؟" -بعد ذلك لن افلتك ابدا مرة اخرى. الان استقر امرنا... سألته بمكر:"استقر امرنا.؟" -نعم. والان، هيا اريد ان اريك شيئا. فسارت بجانبه مبتهجة وهي تتساءل اين يذهبان. لكنها سرت لمجرد ان ذراعه تلف خصرها. سارا بين الاشجار الى المكان الذي رأته فيه يوم عرس ماود. بدت فسحة الارض نظيفة تماما الان. وقد شيد فوقها اساس مبنى، ولكن يبدو ان العمل متوقف. قال لها:"لايمكن ان يتم البناء من دونك. فأنا اريد رأيك قبل مباشرة البناء." -رأيي في ماذا؟ -آه ، الم اذكر لك ذلك؟ سيكون هذا ملجأ للحيونات. -ماذا ستيفن؟ -انها هدية عرسك مني وبما انني متغطرس لايطاق فقد باشرت العمل قبل ان توافقي على الزواج مني. قال بعجب وهي تلهث:"ملجأ؟" -حسنا، ظننت هذا يعجبك، ولكنني سأبقى بحاجة اليك في نورثون لفترة على الاقل. ولكن تدريجيا، سيقل وجودك في الشركة، وتركزين اهتمامك على ادارة هذا المكان. حتى عندما تتركين عملك، سيظل لك دخل من اسهمك ، وستعملين ذلك الاتفاق على العمال الذين تحتاجين اليهم هنا. رأيت ان تبدئي بعامل واحد، ولكن فيما بعد... قالت محتجة:"ماهذا؟ لقد قمت بكل شيء ؟ اليس كذلك؟ ماذا عن رأيي؟" -اتراني اخطأت؟ لا بأس.. اخبريني كيف تحبين تنظيم الامور. -حسنا ... في الواقع... احب ان اقوم بكل ماقمت انت به ووصفته. ستيفن، اذا كان فيك شيء يغيظني، فهو مهارتك في قراءة افكاري، وتكهنك بما اريده حتى قبل ان اريده... وسكتت بعد ان انفجر ستيفن بالضحك. ثم قال اخيرا:آسف، عليك ان تتأقلمي مع عادتي المشينة في ان اكون على صواب دوما. -وبماذا سأفكر ايضا؟ اخبرني الان ووفر علي تعب التفكير بنفسي. -حسنا، ينبئني ذكائي بانك ستفكرين في توسيع الملجأ حتى لايتوجب ان ننتقل من البيت كي نفسح المجال للنزلاء... -المقيمون. ولاتهتمي بالمكان الذي يأتون منه. فالمؤسسات الخيرية لديها الكثير من الحيونات الضالة الشاردة وهي لاتعلم كيف تتصرف بالفائض منها. سيتلهف المدراء الى الاجتماع بك. عندما توافقين على الخطة، سأطلب من العمال ان يباشروا بالاساس ومن ثم... احاطته بذراعيها وعانقته، فهو اول انسان يتعاطف مع هذه الناحية من حياتها ومن دون نقاش... حاولت ان ترد له جميله لانه يعرف ما تحتاجه ويساعدهاعلى تحقيقه. ثم قالت:"اذن فهذا هو السر الكبير الذي اخفيته عني اثناء حفلة زفاف ترايفور وماود؟. -اردت ان استمتع بمفاجأتك به، وكدت تفسدين كل شيء باكتشافك هذا المكان. وبالمناسبة، قلت لك انه هدية زفافك. فردت على الفور :سأتزوجك! سأتزوجك! فقال ضاحكا:"عرفت انك تقبلين. ولكن، في الواقع، لدي هدية اخرى لك. انها هناك قادمة للبحث عنا." اطلقت جينيفر صرخة ابتهاج وهي ترى امامها قطة سوداء صغيرة ذات مخالب بيضاء. ولم تلبث القطة ان قفزت الى حجرها واخذت تداعبها. -اهو نفسه حقا؟ -انه بذاته. لقد فتشت عن تلك الاسرة واخبرتهم بأنني اريد "مخالب" رقم اثنين حالما يكبر ويستطيع العيش وحده. -لكننا سميناه ستيفن. فقال بحده:" اياك ان تجروئي على اطلاق اسمي عليه، فهو معتوه تماما، ما ان اخذ يسير في الانحاء، حتى بدا عليه التثاقل وقلة الحيوية." تنهدت ****ة: -آه ، ما اجمل هذا! اظنك بدأت في التخطيط لهذا بينما كنت تكرهني. -انا لم اكرهك قط. لم يعجبني منك استخلاص المعلومات لاجل دايفيد. عندما قلت ان الامر لايعدو مزاحا. اظنني صدقتك، لكن كرامتي تأثرت حينذاك ولم استطع التفكير بشكل سوي. احسست انني مجروح لكنني سرعان ما انتبهت الى تسرعي . وهكذا اخطأت في كل شيء. اردت ان افصلك عن دايفيد بالقوة بدلا من ان اخبرك بأنني احبك، وهو ماكان علي ان اقوم به. وعندما دفعتك حماقتي الى تلك الخطوبة، كدت اجن حقا، وهكذا بدأت اعد هذا المكان هنا لاظمئن نفسي بأن الامور ستكون على مايرام. لكنني في كل خطوه اخطوها، كنت ازيد الامور سوءا حتى كاد يوم زفافك يقترب، اظن جنوني ازداد حينذاك. ومن حسن الحظ ان بارني تقدم لانقاذي، وفكرنا معا في هذا المشروع لنجمع بين دايفيد وبيني. -ولكن يا حبيبي، لنفرض ان دايفيد لم يشأ ان يتركني؟ اكنت تملك خطة، ايضا؟ ام انك كنت لتجلس هناك بوداعه وتنظر الي وانا اتزوج رجلا اخر؟ منحها ستيفن اكثر ابتسامة مكرا، ووضع القط على الارض ثم جذبها اليه متمتما:"ياحبيبتي... يا اعز الناس لدي.... مارأيك؟...
تمت

تحميل الرواية مكتوبة

تحميل الرواية مصورة

الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع