أجراس الشمس


عاش ( الأحمر ) ، جد ( مايسي ) ، قصة حب أسطورية مع (فيليستي غراهام ) ابنة المنزل الذي يقطن به ، حيث هربا معا ذات يوم ، لكن قصتهما انتهت بخاتمة سوداوية حيث غرقت عربتهما عند اجتيازها أحد الأنهار و غرق ( الأحمر ) في أعماقه . ربما شاء القدر أن تتكرر مأساة عاشتها أسرة مايسي منذ زمن بعيد .. فقد كانت مايسي تشتغل لدى رجل يُدعى ( جايستن ) من سُلالة فيليستي غراهام ، حيث اعتبرها دائما فتاة لعوبا تهتم فقط بمطاردة الأثرياء ، و قد عجزت عن إبلاغه بحقيقة ذاتها و بكونها فتاة صادقة المشاعر ذات قلب كبير و معطاء ، فهل يعود النهر الذي غرق فيه جدها الأكبر ( الأحمر ) ليعيد رسم معالم القصة مرة أخرى
***
:زمن الحب
بعد ظهر ذلك اليوم و على مقربة من حدود ( كوينزلاند ) كادت مايس ميتلاند تفقد أعصابها لولا أمواج النسيم الباردة التي كانت تدخل عنوة من نوافذ الفان و تداعب بشرتها الرطبة في وقت أبعدت جوليا بايتون عينيها المخمليتين عن الطريق للحظات و ابتسمت لرفيقتها قائلة : ـ عشرون كيلومترا و نصل إلى ( وايامبا ) .. و ما إن سمعت ذات الشعر النحاسي ما قالت جوليا حتى اعتدلت في مقعدها .. شدت قميصها الملتصق على صدرها من شدة الحر .. تنهدت : ـ آه .. شكرا لله .. لقد طال الطريق بنا .. و المشوار كان شاقا .. ـ أنا بأمس الحاجة إلى ( دوش ) يخفف من حدة توتري و يزيل عني عرق الطريق .. ـ و أنا كذلك .. لكن أتظنين حقا أننا سنجد عملا في بلدة صغيرة مثل وايامبا ؟ .. ـ آمل هذا ، لأنني أحب هذا المكان و أتمنى لو أجد شيئا يرمز إلى الأحمر أو ما شابه ذلك .. رفعت جوليا خصلة شعرها الأسود الحريري عن جبينها و قالت : ـ مايسي .. ألن يكون هذا رائعا لو نجحت ؟ هيا عزيزتي أخبريني القصة مجددا .. ضحكت مايسي و بريق عينيها الخضراوين يلمع : ـ هي .. أنت تعرفينها أكثر مني .. لكنني قد أكون نسيت بعضا منها .. و أنت تعرفين ذلك .. مايسي نكاد نصل ، ألن تنعشي ذاكرتك الضعيفة ؟ .. طوت مايسي ساقها لتريح قدمها العارية على المقعد و لفت دراعيها حول ركبتيها : ـ حسنا .. يُحكى أن عضوا من عائلتي يُعرف بالأحمر و اسمه ماركوس ميتلاند أتى إلى هذه البلاد لحساب الحكومة البريطانية و قد نُفي إلى هذه الناحية بعدما حكمت عليه محاكم قضاء نورفولك بالسجن سبعة أعوام مع الأشغال الشاقة لسرقته رغيف خبز .. و لست واثقة من تاريخ وصوله إلى هنا .. أظن حوالي ألف و ثمانمائة و عشرين ... قاطعتها جوليا : ـ تابعي .. يبدو أن القصة مثيرة .. ـ اسمعي .. كما تعلمين .. حينما ازداد عدد المستوطنين الأحرار في أستراليا ، استغل البعض للخدمة في المنازل و البعض الآخر للعمل في الأراضي دون مقابل .. الأمر الذي دفع بأسيادهم إلى إعالتهم و تأمين المسكن و الملبس لهم .. المهم .. بعدما استقر جدي الأكبر في مكان يُدعى ( ماراندو ) خدم في منزل السيد جوستايس غراهام .. ـ و ماذا حدث بعد ذلك ؟ .. ـ تقول الرواية إن ماركوس ميتلاند الملقب بالأحمر ، نسبة إلى لون شعره ، خدم طيلة حكمه حكام ماراندو إلا أنه ، و كما ذكرت لك سابقا ، قرر العيش مع أسرة غراهام بعرق جبينه حيث تزوج من خادمة المنزل ، و تُدعى ماتيلدا لايدن .. التي رُزقت بابن أسمياه دوغلاس و الذي هو جد جدي .. هزت جوليا برأسها مقاطعة : ـ الآن بدأت أتذكر ، لكن للقصة نهاية .. أليس كذلك ؟ .. صمتت مايسي برهة و نظرت إلى البعيد .. في محاولة منها أن تتذكر تفاصيل أخرى كان قد رواها لها الوالد قائلة : ـ يبدو أن الأحمر يا عزيزتي .. كان شابا جميل الطلعة لعوبا بعض الشيء .. و قد نجح في أن يُوقع ابنة صاحب المنزل و تُدعى فيليستي غراهام بغرامه .. و مع غروب شمس أحد الأيام قررا الهرب معا ، إلا أن النهر لم يرحم حبهما ، فقد انقلبت العربة ، و غرق الأحمر المسكين .. تمتمت جوليا : ـ هذا صحيح .. تذكرت الآن .. لكن ماذا عن فيليستي ، و طفل الأحمر ؟ .. ـ أعتقد أن فيليستي نجت باُعجوبة يومذاك .. أما ماتيلدا زوجة الأحمر فقد طُردت من عملها و تركت منزل السيد غراهام مع ابنها مهددة بالانتقام .. ـ و هل انتقمت لزوجها ؟ .. ـ لا أعلم .. فالقصة وقعت أحداثها منذ زمن .. و قد تناقلتها الأفواه جيلا بعد جيل .. و توقفت مايسي للحظات حيث أخذت جوليا تفكر بالأحمر ثم قالت : ـ هاي .. لم هرب الأحمر مع فيليستي ، و له ابن من ماتيلدا ؟ .. هزت مايسي كتفيها و فتحت ذراعيها قائلة : ـ لا أدري .. ربما لأنه كان يُحب فيليستي .. فوالدي أهداني تلك الميدالية الذهبية التي أُزين بها عُنقي أحيانا ، و قد كُتب عليها ( إلى م.م من ف.غ ) و الذي أجهله حتى اليوم سبب وُجود تلك الميدالية مع ماتيلدا .. ـ ربما لأنها كانت تنوي استخدامها كدليل يُدين أسرة غراهام .. هُنا رفعت مايسي قدميها المُتعبتين قُبالة النافذة و قالت : ـ من يعلم .. ربما احتفظت ماتيلدا بتلك الميدالية ظنا منها أنها قد تُثبت شيئا ما .. على كل ، لقد حدث هذا منذ زمن .. و الآن عدت إلى مسرح الجريمة .. تُرى .. هل لا تزال أسرة غراهام تتذكر أحداث تلك القصة ؟ .. ابتسمت مايسي مستنكرة : ـ لا أظن ذلك .. أعتقد أن فيليستي قد نسيت أمر ماركوس بعد شهرين ، و تزوجت من شاب ارستقراطي عاشت معه أجمل أيام عمرها .. و لا أستطيع أن أتصور أن خادما ما يمكن أن يؤثر على عائلة غراهام .. كأن تحاول الاختفاء مثلا .. فهذه العائلة و ما تملك لها ذكرها في الصحف المقروءة . ـ هذا صحيح .. لكن أيُعقل أن لا نجد من يتذكر أحداث تلك القصة ؟ .. مايسي ، ربما عثرنا في منزل السيد غراهام على دفتر مذكرات

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا