الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع

أشواق تحت الصفر
The Christmas Night Miracle

الكاتبة : كارول مورتيمر
------------------------
الملخص
------------
كانت ميغ تحلم بتمضية عيد الميلاد تحت الثلوج، ولكن بالتأكيد ليس بالطريقة التي حدثت معها. فقد تعطّلت سيارتها في عاصفة ثلجية واضطرت لطلب المساعدة من رجل غريب.لم يكن الكاتب الشهير جيد كول مسروراً جداً بتلك الأم التي طرقت بابه مع ابنها الصغير وفرضا نفسيهما عليه. غير أن حرارة الطقس المتدنيّة في الخارج والعزلة، أرغمتهما على تمضية الوقت معاً. وشيئاً فشيئاً بدأت حرارة المشاعر ترتفع وتذيب الثلوج
--------------------------
الفصل الأول : أهو دب
--------------------------
صرخ «سکوت» بحماسة من المقعد الخلفي : «إنها الثلوج مجدداً يا له من تعبير ملطف! إذ لم تكن الثلوج تتساقط فحسب، بل تعصف وتصفر ما يؤشر إلى قرب هبوب عاصفة ثلجية عنيفة . وكانت الإذاعة التي استمعت إليها «ميغ» وهي على الطريق قد أشارت إلى أن العاصفة ستهب في وقت ما هذا المساء. عندما غادرا لندن قبل ثلاث ساعات لم تكن الثلوج سوى ندف خلابة ناصعة البياض تسحر الألباب من شدة رقتها وجمالها فإذ بها تتراكم الآن فوق السطوح. كلما ابتعدت «ميغ» عن لندن كلما انهمرت الثلوج أكثر حتى شكلت طبقة سميكة على الطريق التي لم يعد بوسعها أن تميزها عن الأشجار. وراحت الثلوج تـضـرب زجاج السيارة بشدة ما منع المساحتين من أن تؤدي عملهما على أتم وجه .
وجدت «ميغ» صعوبة متزايدة في التحكم بالسيارة لأن عجلاتها انزلقت وغرقت في طبقة الثلوج المتراكمة. وكان الظلام قد حل من حوالي الساعة ما زاد الأمر سوءاً بحيث بدت المصابيح الأمامية وكأنها تصطدم بحائط أبيض بدلاً أن تنير الطريق . المقعد أما «سكوت» الذي استفاق من شبات دام ساعة كاملة في الخلفي من السيارة فلم يكن يرى سوى ذلك المرح الموعود، غير مدرك للخطر المحدق به في هذه المغامرة الجديدة على طفولته . رمقته «ميغ» بنظرة خاطفة عبر المرآة، وارتسمت على شفتيها
ابتسامة دافئة ورقيقة لدى رؤيتها شعره الأشعث الداكن وملامحه التي بدا عليها النعاس. يكفي أن يشعر أحدهما بالقلق والذعر . قالت: «أليس هذا رائعاً؟» . لكن سرعان ما حولت ناظريها ثانية إلى الطريق بعد أن انحرفت السيارة قليلاً . ما كان عليها أن تأتي بالسيارة. كان من الأيسر لها أن تستقل القطار فإذا ما سببت الثلوج حادثاً ما على السكة الحديدية، سيكون برفقتها راشدون يساندونها في محنتها إذ لم تر سيارة أخرى أو حتى شاحنة طيلة نصف الساعة الأخيرة . هذا بالطبع نتيجة الإنذار الذي بثه الراديو حيث طلبت الشرطة من المواطنين عدم السفر سوى لأسباب طارئة جداً، بيد أن ميغ لم تتبلغ هذا الإنذار إلا بعد فوات الأوان أي بعد أن قطعت ثلثي الطريق نحو وجهتها .
سأل «سکوت» بلهجة ملؤها الأمل: «هل يمكنني صنع رجل عندما نصل إلى منزل جدي وجدتي؟» . لعل الكلمة المناسبة في طلب «سکوت» هي كلمة «عندما» لأن اميغ» خشيت عدم الوصول إلى منزل والديها هذا المساء كما كان مقرراً. فهي بالكاد تستطيع أن ترى الطريق أمامها خاصة وأن المصباحين الأماميين للسيارة لا يظهران سوى أن الثلج يزداد كثافة . ليتها ترى بيتاً أو حتى مكاناً عاماً أو أي بقعة آهلة بالسكان لتتوقف وتناشدهم المساعدة! صرخ «سکوت» من المقعد الخلفي : «أريد أن أدخل الحمام يا أمي» .
وعلى الفور، اشتدت قبضتيها على عجلة القيادة فهي أدرى بتلك الصرخة القديمة والكفيلة بأن تزرع الذعر في نفس كل أم. فهي تأتي وأنت تنتظرين دورك في المتاجر الكبرى، أو حين تستقلين باصاً، أو تجربين حذاء أو في خضم عاصفة ثلجية مروعة! وقد تعلمت سريعاً
جداً أنه من غير المفيد أن تطلبي من ولد صغير أن ينتظر بضع دقائق ريثما تنهين عملك، فحين يقول الولد إنه يحتاج لدخول الحمام هذا يعني على الفور. إلا أن «ميغ» سألته: «هل تستطيع الانتظار قليلاً يا «سکوت»؟ نقد أصبحنا الآن على مقربة من منزل جدك وجدتك» . قالت هذا رغم أنها لا تدري البتة أين هي لأنها قطعت أميالاً من دون أن تلمح ما يشير إلى الطريق. وعاد «سکوت» يصرخ مجدداً : «أريد أن أدخل الحمام الآن يا أمي» .
كانت «ميغ» متوترة من شدة تركيزها على القيادة ما جعلها تشعر بألم في كتفيها وذراعيها، جاء هذا ليزيد من التوتر، ولم يكن هذا خطأ «سكوت» إذ نام لأكثر من ساعة ولا شك أنه يحتاج لدخول الحمام . كان من الصعب عليها أن تركن السيارة إلى جانب الطريق، كما أننا لسنا في منتصف فصل الصيف فهي عشية ليلة الميلاد ودرجة الحرارة متدنية إلى ما دون الصفر، ولم تتحمل فكرة تعريض طفلها لتلك الظروف الطبيعية القاسية .
ليتها تجد في مكان ما بناء من أي نوع، أو حتى حظيرة، أو أي مكان يمكن اللجوء إليه والاحتماء به ! وما كادت هذه الفكرة تراود مخيلتها التي تعج بالأفكار السوداء حتى فقدت سيطرتها على السيارة التي أخذت تنزلق فوق الثلج . بلهجة محذرة : «انتبه يا سكوت!» .
وما أن قالت ذلك حتى شاهدت شيئاً قائماً يتجه صوبها وتوقفت السيارة بعنف على أثر اصطدامها بكتلة جامدة، ثم صرخ «سکوت» وقد جن جنونه من صمتها : «ماما ! ماما!» . فقالت له تهدئه : « لا بأس يا سكوت» . ووضعت يداً حيث ارتطم رأسها لتوه بشكل مؤلم .
على الرغم من تعطل المحرك إثر الاصطدام بقيت المصابيح الأمامية تعمل، ما أتاح لميغ أن ترى ابنها جالساً في كرسيه في المقعد الخلفي والدموع تسيل على خديه ويداه ممدودتان إلى الأمام بحثاً عن قالت: «كل شيء على ما يرام يا طفلي». وحبست دموعها، راح تبحث عن قبضة حزام الأمان في محاولة يائسة للترجل من السيارة والتوجه إلى ابنها لتضمه إلى صدرها وتبعث في نفسه الطمأنينة .
لكن قبل أن تتمكن من القيام بذلك انفتح الباب بجانبها بعنف وتسربت منه ريح باردة ثلجية فيما استحال وجهها شاحباً لشدة الهلع الذي أصابها كما أطلقت صرخة مدوية عند رؤية شيء قريب . صرخ «سكوت» من المقعد الخلفي: «ماما، إنه دب!» . بدا فعلاً لميغ دباً مكسواً بالشعر وأزرق العينين حالما نزع قبعة معطفه الثقيل ما جعل الثلج يتساقط من شعره الكثيف والداكن . صرخ والقلق يساوره : «هل أنتما بخير؟!» . وراح يحدق في «سكوت» الذي شرع يبكي في المقعد دمدمت ميغ بتلهف : «عليّ أن أصل إليه» . اندفعت خارج السيارة ومضت لتفتح باب السيارة الخلفي وترمي بنفسها إلى الداخل. تمتمت قائلة: «لا بأس يا «سکوت»، نحن بخير .
عانقته بقوة متحسّسة دموعه المنهمرة ثم قالت بنبرة مفعمة بالأمل : «لم يأت هذا الرجل اللطيف سوى لمساعدتنا» . لعل من حسن حظها أن السيارة اصطدمت بجدار المنزل. الآن، وبعد أن أصبح بإمكانها أن ترى بفضل الأنوار المتوهجة في الداخل، أدركت أنها اصطدمت بجدار منزل أحد النشاك الذين يكرهون النساء والأطفال والذين لا يحبون حتى مساعدتهم .
إلا أنها لم تكن تبالي بهوية ذلك الرجل . لم تقو سوى على النظر إليه بعينيها الخضراوين الواسعتين والكثيبتين لتسأله إن كان هناك متسع في هذا الكوخ. لكنها سرعان ما أيقنت أن سؤالها سخيف وظلت تشعر بالخزي في سرها حتى بعد بضع دقائق بعد أن خرجت هي واسكوت» من الحمام وجلسا معاً أمام موقد للحطب يحتسيان الشوكولا الساخن. أما حينها فقد ألقى عليها منقذهما نظرة من عينيه الزرقاوين الساخرتين ورد: «في الكوخ متسع» . وسارع إلى حملها هي وسكوت على ذراعيه وأدخلهما إلى المنزل .
ألقت «ميغ» نظرة من حولها فلاحظت أنه لم يكن منزلاً بكل معني الكلمة، بل كوخاً ذا سقف خشبي منخفض وغرف صغيرة، ولكن أياً تكن حالة هذا الكوخ فهو دافئ وجاف وبمنأى عن العاصفة الثلجية التي تعصف في الخارج. وبعد أن أعد لهما الشوكولا الساخن عاد إلى الخارج، فما كان من «سكوت» إلا أن وضع يديه على كتفيها موجهاً ناظريه بحياء ناحية الباب وسأل: «إلى أين ذهب الرجل با ماما ؟» .
سؤال جيد. لكن جوابها اقتصر على كلمة «خارجاً»، إذ ليس لديها فكرة عن ذلك . ها هو يعود أدراجه ويدخل غرفة الجلوس الصغيرة وقد بدا كدب حقيقي أكثر من ذي قبل بمعطفه الثقيل وقبعته المغطاة بندف الثلج . وتشدق قائلاً : «اسمي «جيد»، وأنت؟» . وهو يمد يده ليعطى «ميغ» حقيبة يدها التي تركتها على المقعد المجاور لمقعد السائق توجه إلى «سكوت» بمزيد من اللطافة وأعطاه حقيبة صغيرة تحوي في داخلها ألعاباً جلبها معه ليلعب بها أثناء سفره وقال له : «وأنت ما اسمك؟» .
سلم مفاتيح السيارة إلى «ميغ» وأضاف بنبرة جافة وهو يخلع معطفه الثقيل : «مع أني أعتقد أن لا أحد سيسرق سيارتك في الوقت الحاضر، فقد تعرضت واجهتها لضرر كبير» . تبين الميغ» أمران من خلال هذا الحوار، أو هذا الحديث الأحادي الجانب : الأول هو أن لهجة الرجل أميركية، والثاني أنه لا يزال يبدو مهيباً حتى من دون ذلك المعطف الضخم . كانت كتفاه عريضتين يعلوهما شعر داكن أشعث وتغطيهما سترة صوفية سوداء. كان يلبس سروالاً قطنياً يبرز جسماً رياضياً قوياً، أما وجهه فاسمر اللون ضارب إلى الحمرة تبرز فيه عينان شديدنا الزرقة
وفك مربع يوحي بدرجة عالية من الثقة بالنفس . طوقت ميغ «سکوت» بذراعيها فيما كان الرجل يتفرس فيهما بعينين زرقاوين براقتين ليرى امرأة يصل شعرها الداكن إلى حد خاصرتها ، ولوجهها شكل القلب، أما عيناها فخضراوان فيما يحيط قليل من النمش بأنفها. وقد جلس على ركبتيها صبي صغير بوجه منمش كوجهها . بدأ الهدوء المخيم على الغرفة يرخي بثقله على ميغ التي تحركت وأصلحت الموقف بارتباك : «أنا آسفة حقاً لإزعاجك وإزعاج عائلتك بهذه الطريقة يا سيد «جيد» ) .
فسارع يقول: «ما من عائلة هنا، أعيش بمفردي» . وانحنى ليضع مزيداً من الحطب في الموقد . وما أن استقر «ميغ» و«سكوت» في جلستهما حتى همس بثقة : «لم أصادف حلاقاً واحداً طيلة شهرين لكنني لا أبدو حقاً كالدب، أليس كذلك؟.. ورسم على شفتيه ابتسامة كانت «ميغ» واثقة من أنه أراد بها طمأنتها ، بيد أن هذه الابتسامة لم تنجح سوى في إظهاره أكثر وحشية بدلاً من أن يبدو رجلاً مسالماً .
رطبت «ميغ» شفتيها الجافتين، لابد أن العاصفة والاصطدام زادا من حساسيتها، وهذا الرجل أنقذهما ولن يعتدي عليهما. فكررت بكآبة وهي تجلس «سكوت» الذي نزل من على كرسيه: «لا يسعني حقاً أن أشكرك كما يليق على ما فعلته من أجلنا يا سيد «جيد»، فلولاك لكان مصير «سکوت» وأنا . . . حسناً، لا يسعني شكرك حق الشكر .
لم نشأ أن تدخل في تفاصيل ما كان ليصيبها هي و«سكوت» وهما وحيدان في العاصفة خشية أن يرى «سكوت» أحلاماً مروعة. لكنه قال بنبرة جافة وقد هب واقفاً: «أهلاً وسهلاً» . نظرت إليه «ميغ» بطرف عينها، إنه حقاً شديد الضخامة قياساً بصغر حجم الغرفة . سألته: «هل يمكنك إعطائي رقم هاتف مرآب لتصليح السيارات لأتصل بهم علهم يجرون سيارتي ويوصلونا إلى أقرب مكان . . . کلا؟ .
طرحت السؤال بلهجة عديمة الثقة وهي ترى الرجل يهز رأسه مستهزئاً . وأكد لها : «كلا، تجاوزت الساعة الآن الخامسة والنصف وانتهى دوام العمل. وإن لم ينته بعد فمن المستبعد جداً أن يتمكنوا من الوصول في مثل هذا الطقس. ألا تعتقدين ذلك؟» . ألقي نظرة من النافذة إلى الخارج حيث لا تزال الثلوج تنهمر بغزارة. التفتت «ميغ» إلى «سكوت» الذي سئم حوار الكبار وراح يخرج الألعاب من حقيبته ليلعب بها .
لعل هذا أفضل، فلا حاجة لأن بلاحظ قلق أمه. ماذا عساها تفعل؟ فالسيارة غير صالحة للسير، والثلوج لا تزال تتساقط ، حتى أن الدقائق المعدودة التي قضتها خارجاً وهي تقطع المسافة بين السيارة والكوخ كانت كافية لتنبذ فكرة بقاء «سكوت» في الخارج

تحميل الرواية مكتوبة

تحميل الرواية مصورة

الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للموقع