النور و الظلام


يوميات طبيب مصري تسير حياته رتيبة هادئة و تتطور به الأحداث من علو و ارتفاع إلى انخفاض ، ثم إلى الحضيض الذي ليس بعده شيء إلا الحساب .. و فجأة العودة إلى ما كانت عليه الأمور مرة ثانية
***
وقف الطبيب إبراهيم .. م .. أ أكبر و أشهر الأطباء المتخصصين في مجال جراحة القلب .. و الأوعية الدموية .. في جمهورية مصر العربية كلها .. بل .. في العالم العربي بأكمله .. وقف هذا الأخير أمام المرآة ينظر إلى نفسه .. و وسامته .. و أناقته و روعة حلته .. و إلى شعره الأسود المتفحم .. و الذي لم تصبه شعرة بيضاء حتى الآن بحق .. و هو الذي لم يبلغ الخمسين من عمره بعد .. ثم شرع ينثر على نفسه .. أجمل .. و أغلى العطور في إفراط معتاد منه .. كان يعلم أن تفوقه .. و نبوغه .. و نجاحه .. و شهرته و ثراءه .. مثار حقد .. و غيرة و حسد من الكثيرين .. من هم في مثل مهنته .. و عمره .. و لكنه لم يبال يوما بهذا .. بل و لم يوقفه .. أو يؤثر عليه و بعد أن نثر من عطره ما نثر شرع يتأمل نفسه في المرآة مرة أخرى في إعجاب .. و تكبر واضحين كان على يقين .. بأن مكانه .. و مكانته أكبر من أن يكونا بمصر .. و لكن اللعنة و ألف لعنة على الوطنية .. التي من أجل عائلته .. و زوجته .. و أصدقائه و زملائه .. أجبروه معنويا على البقاء في مصر .. في تلك اللحظة كانت زوجته نبيلة .. تقف على عتبة باب الغرفة و هو لا يشعر بها بالطبع .. و كانت تعلم هي ذلك .. و بقدر ما كان يؤلمها ذلك .. فقد كانت تعلم قدر و مقدار عشق زوجها لنفسه .. بصفة عامة و للمرآة .. بصفة خاصة .. و أخيرا و ليس آخرا .. أصابها الملل .. من مراقبته و هو لايشعر بها .. فقالت متصنعة التفاؤل و قليل من المرح : صباح الخير يا .. حبيبي .. نطقت هذه الأخيرة .. بهذه العبارة .. و هي لا تزال واقفة على عتبة باب الغرفة لتخرجه من حبل أفكاره و زهوه .. و نشوته بنفسه .. فأجابها في آلية .. كانت بالنسبة إليها جفاء معتادا صباح الخير .. يا حبيبتي .. و سرعان ما ظهر نجله الحبيب ( لؤي ) .. ذو الثلاثة عشر ربيعا .. و من خلفه نجلته الحبيبة ( سما ) .. ذات العشر أعوام و سرعان ما هرولا نحو والدهما .. و هما يتسابقان إليه عبر الغرفة .. و احتضناه كلاهما .. من الخلف .. في قوة فالتفت إليهما .. في سرعة .. ليرتمي في أحضانهم .. و شرع ثلاثتهم .. يرتوون من بعضهم البعض .. سيما و أنه في كثير من الأحيان .. كانوا لا يرون والدهم إلا في الصباح .. في تلك الأثناء كانت نبيلة ما زالت تقف .. و تراقب .. ما يحدث أمامها .. فهي تعلم .. قدر .. و مقدار عيوب و مآخذ .. و مثالب .. زوجها كلها .. و لكن الشيء الوحيد الذي لم يتغير فيه .. حتى الآن هو عشقه لنجليه الحبيبين .. و من ثم عشق نجليه له فهي كانت .. و لا زالت .. تدعوه .. و تتضرع .. إليه سبحانه عز و جل .. في كل لحظة .. و كل يوم .. من أجل ذلك و ستظل تدعوه .. حتى حين يحين أجلها .. من أجل ذلك أيضا

تحميـــــل الملــــف مـــن هنــــــا